logo
الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي يكسران جمود مفاوضات التعريفات

الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي يكسران جمود مفاوضات التعريفات

البيان١٨-٠٥-٢٠٢٥
وبحسب أربعة مصادر مطلعة، إضافة إلى مذكرة إحاطة صادرة عن الاتحاد الأوروبي اطلعت عليها «فاينانشال تايمز»، فقد تبادل الطرفان وثائق تفاوض رسمية للمرة الأولى خلال الأيام الأخيرة، حُدّدت فيها مجالات التفاوض، بما يشمل التعريفات الجمركية، والتجارة الرقمية، وفرص الاستثمار.
وحذرت وياند مع ذلك من أن بعض التعريفات الأمريكية ستظل قائمة، لا سيما تلك التي تشمل قطاعات تسعى الولايات المتحدة إلى إعادتها للبلاد، مثل الصلب وتصنيع السيارات.
ولم يتمكن الاتحاد الأوروبي، وهو التكتل المكون من 27 دولة عضوة، واتهمه ترامب بـ«نهب» الولايات المتحدة، من تحقيق تقدم كبير مع المسؤولين الأمريكيين يماثل ذلك الذي حققته دول أخرى مثل اليابان، وكوريا الجنوبية، وفيتنام، والمملكة المتحدة.
وأسهم جاميسون غرير، الممثل التجاري لترامب، في تسريع وتيرة المفاوضات بعدما حذر دبلوماسيين أوروبيين من ازدياد إحباط المسؤولين الأمريكيين من رفض الاتحاد الأوروبي تقديم أي مقترحات مكتوبة، وفق شخصين على اطلاع بالمفاوضات.
ودون تحرك مبدئي من جانب بروكسل قال غرير: «إن الاتحاد الأوروبي يحب عليه توقع إعادة ترامب فرض التعريفات الجمركية التي أعلنها في 2 أبريل كاملة.
وتجدر الإشارة إلى أنه قد تم خفض التعريفات الجمركية «التبادلية» وقدرها 20 % على الاتحاد الأوروبي بمقدار النصف حتى 8 يوليو المقبل لإتاحة المجال أمام المفاوضات».
ومع ذلك فقد أبقى ترامب على رسوم إضافية قدرها 25 % على الصلب، والألومنيوم، والسيارات، وهدد بفرض المزيد من الرسوم على المستحضرات الدوائية، وأشباه الموصلات، والنحاس، والأخشاب، والمعادن الحيوية، وكذلك قطع غيار الطائرات.
وتحدث ماروش سيفكوفيتش، المفوض التجاري الأوروبي، إلى غرير الخميس الماضي، وأعرب عن أمنياته بلقائه في اجتماع وزاري، تعقده منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، في باريس خلال الشهر المقبل.
وأكد سيفكوفيتش لـ«فاينانشال تايمز» رغبته في خفض العجز التجاري بين الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي عن طريق شراء المزيد من الغاز، والأسلحة، والمنتجات الزراعية الأمريكية.
ومع ذلك فقد أعربت الولايات المتحدة، بصورة متكررة، عن مخاوفها من ضريبة القيمة المضافة المعمول بها بأوروبا، وكذلك القواعد التنظيمية ذات الصلة بالخدمات الرقمية، ومعايير الأغذية، والتعريفات على بضائع أمريكية بعينها.
ويرى دانيال مولاني، الممثل التجاري الأمريكي السابق للاتحاد الأوروبي، أن الولايات المتحدة من المرجح أن تركز على القواعد التنظيمية الحاكمة للمستحضرات الدوائية، وعلى فتح أبواب أوروبا أمام المنتجات الزراعية الأمريكية في المفاوضات المرتقبة.
ولفت بنجامين دوسا، وزير التجارة السويدي: «لن نكون مسرورين بمثل هذا الشكل من الاتفاقيات»، مشدداً على أن الولايات المتحدة يجب «أن تتوقع إجراءات مضادة».
كما أشار سيفكوفيتش إلى أن الاتحاد الأوروبي لن يقبل بمطالبات الولايات المتحدة بالتخلي عن ضريبة القيمة المضافة أو إضعاف القواعد التنظيمية الرقمية والضرائب.
ونوهت سابين وياند، التي زارت واشنطن في أوائل الشهر الجاري، بأن اتفاق المملكة المتحدة أظهر رغبة الولايات المتحدة في استخدام الاتفاقيات للسيطرة على سلاسل التوريد وإقصاء المنتجات الصينية، بحسب الوثيقة الصادرة عن الاتحاد الأوروبي.
Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

مع استمرار الحرب التجارية.. الذهب يسجل أعلى مستوى في أسبوعين
مع استمرار الحرب التجارية.. الذهب يسجل أعلى مستوى في أسبوعين

البوابة

timeمنذ ساعة واحدة

  • البوابة

مع استمرار الحرب التجارية.. الذهب يسجل أعلى مستوى في أسبوعين

نجح الذهب في تسجيل ارتفاع خلال الأسبوع المنتهي ويواصل ارتفاعه للأسبوع الثاني على التوالي، وذلك بعد بداية الأسبوع السلبية التي شهدها، ويرجع ذلك إلى تزايد الطلب على الملاذ الآمن مجددًا بسبب عدم اليقين المتعلق بالتعريفات الجمركية الأمريكية التي فرضها الرئيس ترامب. وسجل سعر أونصة الذهب العالمي ارتفاع خلال الأسبوع الماضي بنسبة 0.6% ليسجل أعلى مستوى في أسبوعين عند 3368 دولار للأونصة وأدنى مستوى عند 3282 دولار للأونصة ليغلق تداولات الأسبوع عند المستوى 3355 دولار للأونصة. سعر الذهب العالمي وارتفع سعر الذهب العالمي أمس الجمعة بنسبة 1% ليسجل اعلى مستوى في أسبوعين، ويغلق تداولات الأسبوع فوق مستوى المقاومة 3350 دولار للأونصة، الأمر الذي يزيد من فرص استمرار صعود السعر خلال الأسبوع الماضي، خاصة أن مؤشر الزخم أظهر علامة على الصعود، وفق جولد بيليون. وتراجعت الأسهم العالمية بعد أن قام الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بتصعيد هجومه على كندا بفرض المزيد من الرسوم الجمركية، قائلًا إن الولايات المتحدة ستفرض رسومًا جمركية بنسبة 35% على الواردات الشهر المقبل، وتعتزم فرض رسوم جمركية شاملة بنسبة 15% أو 20% على معظم شركائها التجاريين الآخرين. رسوم ترامب الجمركية أعلن ترامب أيضًا الأسبوع الماضي عن فرض رسوم جمركية بنسبة 50% على واردات النحاس الأمريكية، وفرض رسوم مماثلة على السلع البرازيلية إلى جانب إخطارات جمركية أُرسلت سابقًا إلى شركاء تجاريين آخرين بما في ذلك اليابان وكوريا الجنوبية، حيث ستدخل جميع الرسوم الجمركية المعلنة حديثًا حيز التنفيذ في الأول من أغسطس. نشهد حاليًا عودة قوية لحالة عدم اليقين في السوق تقودها أزمة التعريفات الجمركية الأمريكية، وذلك عقب تضاؤل التوترات الجيوسياسية في منطقة الشرق الأوسط، ويشهد الذهب إقبالًا متزايدًا كملاذ آمن خلال الفترة الحالية ليتمكن من تحقيق المكاسب خلال الأسبوع الماضي بالرغم من انتعاش الدولار الأمريكي وعوائد سندات الخزانة الأمريكية. مؤشر الدولار الأمريكي أنهى الدولار الأمريكي تداولات الأسبوع الماضي مرتفعًا بنسبة 0.9% وفقا لمؤشر الدولار، وهو أعلى ارتفاع أسبوعي منذ شهر يناير الماضي، ليعمل هذا على الحد من مكاسب الذهب بشكل كبير في ظل العلاقة العكسية التي تربط بينهما. كما استقر العائد على السندات الحكومية الأمريكية عند أعلى مستوياته منذ 3 أسابيع ليعمل على التأثير السلبي أيضاً على أداء الذهب، كونه يتسبب في ارتفاع تكلفة الفرصة البديلة للذهب كونه لا يقدم عائد لحائزيه. إمكانية خفض أسعار الفائدة وأكد كريستوفر والر محافظ البنك الاحتياطي الفيدرالي يوم الخميس إمكانية خفض أسعار الفائدة هذا الشهر، حيث يتوقع المستثمرون تخفيضات قدرها 50 نقطة أساس بحلول نهاية العام. يأتي هذا بعد أن أظهر محضر الاجتماع الأخير للبنك الاحتياطي الفيدرالي أن عدد قليل فقط من أعضاء البنك الفيدرالي يعتقدون أن تخفيضات أسعار الفائدة قد تجرى في وقت مبكر من هذا الشهر، مع تفضيل معظمهم التخفيضات في وقت لاحق من هذا العام بسبب مخاوف التضخم المرتبطة بسياسات ترامب الجمركية. أما عن الطلب على الذهب المادي فقد أعلن مجلس الذهب العالمي أن صناديق الاستثمار المدعومة بالذهب المادي قد شهدت تدفقات نقدية داخلة خلال شهر يونيو بمقدار 74.6 طن ذهب لتنهي النصف الأول من العام بأعلى معدل تدفق نصف سنوي منذ النصف الأول من عام 2020 بمقدار 38 مليار دولار.

رسوم ترامب على البرازيل تهدد برفع أسعار البن وعصير البرتقال عالميًا
رسوم ترامب على البرازيل تهدد برفع أسعار البن وعصير البرتقال عالميًا

الإمارات اليوم

timeمنذ 2 ساعات

  • الإمارات اليوم

رسوم ترامب على البرازيل تهدد برفع أسعار البن وعصير البرتقال عالميًا

قال متعاملون وخبراء، إن المستهلكين الأمريكيين، سيواجهون ارتفاعاً حاداً في أسعار المواد الغذائية الأساسية، مثل البن، وعصير البرتقال، إذا تمسكت إدارة ترامب بخطتها لفرض رسوم جمركية بـ 50% على جميع الواردات من البرازيل. وأضافوا أن الرسوم المقترحة ستوقف تدفق البن البرازيلي، إلى الولايات المتحدة، أكبر مشتر له، إذ لن تتمكن شركات التحميص الأمريكية، ولا المصدرون البرازيليون من سد الفجوة السعرية الناتجة عن الرسوم الجمركية. وأطلق الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الرسوم الجديدة يوم الأربعاء، برفع الرسوم على الواردات البرازيلية إلى 50% من 10%، اعتباراً من 1 أغسطس (آب) رغم بيانات مكتب الإحصاء الأمريكي التي تشير إلى فائض تجاري للولايات المتحدة مع البرازيل بـ 7.4 مليارات دولار. وتقول مجموعة "سيكافي" البرازيلية المصدرة للبن، إن حوالي ثلث البن المستهلك في الولايات المتحدة، وهي أكبر مستهلك في العالم، يأتي من البرازيل التي شحنت 8.14 ملايين كيس بزنة 60 كيلوغراما إلى الولايات المتحدة في 2024، بارتفاع بـ 30% مقارنة مع 2023. وقال باولو أرميلين أحد كبار منتجي البن الذي يبيع مباشرة إلى شركات التحميص في الولايات المتحدة إن عملاءه لن يتمكنوا من الدفع إذا طبقت الرسوم الجمركية. وقال إن المفاوضات حول شحنات 2025 كانت صعبة بالفعل بسبب ارتفاع أسعار البن بـ 70% في العام الماضي. وفي الوقت نفسه، فإن أكثر من نصف عصير البرتقال الذي يباع في الولايات المتحدة مصدره البرازيل، التي تصدر أيضاً إلى الولايات المتحدة، السكر، والمنتجات الخشبية، والزيوت، والمنتجات النفطية. وقال وزير التجارة الأمريكي هوارد لوتنيك في الشهر الماضي خلال جلسة استماع في الكونغرس إن بعض الموارد الطبيعية غير المتوفرة في الولايات المتحدة، مثل الفواكه الاستوائية، والتوابل، قد تكون معفاة من الرسوم الجمركية، وذلك اعتماداً على المفاوضات مع الدول المنتجة والمصدرة لها. ولا تنتج الولايات المتحدة سوى جزءاً بسيطاً من البن الذي تستهلكه، حيث توجد مزارع في هاواي وعدد قليل في كاليفورنيا، في حين أصبحت الولايات المتحدة أكثر اعتماداً على واردات عصير البرتقال في السنوات القليلة الماضية بعد الانخفاض الحاد في الإنتاج المحلي، بسبب مرض "اخضرار الحمضيات" الذي يصيب المحاصيل، والأعاصير، وموجات انخفاض درجات الحرارة. وتوقع تقرير لوزارة الزراعة الأمريكية في وقت سابق هذا العام، أن يصل محصول البرتقال في الولايات المتحدة إلى أدنى مستوياته منذ 88 عاماً في موسم 2024-25، في حين سيتراجع إنتاج عصير البرتقال إلى مستوى قياسي منخفض.

سلام أوجلان… هل يُحيي القامشلي؟!
سلام أوجلان… هل يُحيي القامشلي؟!

البيان

timeمنذ 3 ساعات

  • البيان

سلام أوجلان… هل يُحيي القامشلي؟!

أكتب لكم من مدينة القامشلي الواقعة شمال شرق سورية، هذه المدينة التي تتصدر دوماً نشرات الاخبار وعناوين الصحف في سياق المشهد السياسي ومستقبل شكل الدولة السورية الجديدة. فمنذ العام 2011، ومع تفاقم الحرب السورية، تحوّلت القامشلي الخاضعة لسيطرة قوات سورية الديمقراطية (قسد) والتي أعلنت شكلاً من أشكال الإدارة الذاتية، من مدينة هامشية هادئة إلى عقدة سياسية وعسكرية تتقاطع فيها مصالح محلية ودولية، فيما يستمر تعطيل مؤسسات الدولة السورية في معادلة هشّة لا تنتج أي استقرار حقيقي. ومع بدء جولة جديدة من المفاوضات بين قوات سورية الديمقراطية وحكومة الرئيس الشرع، يعود الأمل من جديد إلى المدينة الراغبة بإيجاد حل حقيقي يضمن استقرارها وحقوقها، ومعها يعود الحديث عن إعادة هيكلة العلاقة الكردية بالدولة السورية، في ظل تقاطعات إقليمية معقّدة، أبرزها إعلان الزعيم الكردي عبد الله أوجلان، في رسالة مصورة انهاء الكفاح المسلح وبدء جزء من عناصر حزب العمال الكردستاني تسليم أسلحتهم وإحراقها في مشاهد رمزية حول رغبتهم في الانتقال الكامل للعمل السياسي، والبدء في عملية سلام تاريخية مع تركيا. هذا الإعلان لا يمكن فصله عن الواقع في القامشلي، فالحاضنة الكردية في المدينة، المرتبطة وجدانياً وسياسياً بحزب العمال الكردستاني، تعيش اليوم على إيقاع ما يجري في أنقرة وقنديل. وأي اتفاق تركي-كردي، سواء على مستوى السلاح أو الحكم الذاتي، سيكون له صدى مباشر على ملامح الإدارة الذاتية في شمال شرق سورية، وعلى مصير مشروع 'روج آفا' الذي نشأ فعلياً بعد انسحاب النظام السوري من مناطق واسعة عام 2012. يبدو واضحاً أن العلاقة بين قسد والنظام السوري تعكس حالة صدام بين مشروعين متباينين في الرؤية والغاية، فبينما تصر دمشق على مركزية الحكم واستعادة السيطرة الكاملة على كافة الأراضي السورية، تسعى الإدارة الذاتية، المدعومة عسكرياً من واشنطن، إلى ترسيخ نموذج لامركزي يضمن حقوق المكونات القومية والثقافية في شمال وشرق سورية، في إطار دولة سورية موحدة ولكن غير مركزية. وما يزيد المشهد تعقيداً هو أن هذه المفاوضات لا تجري في فراغ، بل في ظل رفض شعبي متصاعد في القامشلي والمناطق التابعة لها لأي وصاية سياسية أو أمنية من دمشق، وهذا الرفض يتغذى على تجربة قوامها أكثر من خمسة عشر عاماً من الإدارة الذاتية، وشعور الأهالي بالكرامة السياسية بعد عقود من التهميش. الأكثر حضوراً هنا في نقاشات الأهالي والنخب الثقافية والسياسية هو الموقف الأمريكي الحاضر الغائب الذي يتسم بـ'الغموض الاستراتيجي'. فواشنطن، التي توفر الحماية والدعم اللوجستي لقسد، لا تبدو مستعدة للذهاب بعيداً في تقديم مظلة سياسية تضمن اعترافاً دولياً بالإدارة الذاتية، لكنها أيضاً غير راغبة في تسليم هذه المناطق لدمشق أو لأنقرة. وهنا تكمن المفارقة: الولايات المتحدة تُمسك بخيوط اللعبة، لكنها تترك اللاعبين المحليين يواجهون تناقضاتهم دون إطار حاسم، وهذا ما يُبقي الوضع في حالة 'تجميد سياسي'، لا يُنتج حلاً لكنه يمنع الانفجار. مصير المفاوضات بين قسد والنظام السوري تقف اليوم على مفترق طرق: إما التقدم نحو تسوية سياسية تحفظ وحدة سوريا وتحترم التنوع السياسي والمجتمعي، وإما الانزلاق نحو مرحلة جديدة من التوتر، قد تكون أقل ضجيجاً من الحرب، لكنها أشد تعقيداً واستنزافاً. وهنا لا بد من الإشارة إلى ان الحاضنة الشعبية في هذه المنطقة تطالب قوات سورية الديمقراطية بالتمسك بالسلاح كضامن لحقوق الشعب الكردي. المشهد اليوم يبدو أكثر وضوحاً في إن أي حل سياسي حقيقي لا يمكن أن يُبنى على الإملاء أو الاحتواء، بل على الاعتراف المتبادل والمصالح المشتركة، وبالتالي نجاح المفاوضات أو أي حل سياسي جديد لا يمكن أن يقوم على اتفاقيات رمادية (اتفاق 10 إذار) بل إلى مبادرة جديدة توازن بين وحدة الدولة وحقوق المكونات، وإلا فستبقى المفاوضات تدور في حلقة مفرغة، وقد تؤدي فشلها إلى تصعيد سياسي وربما أمني، خصوصاً إذا استغلت دمشق أو أنقرة أي فراغ أو ضعف أمريكي للضغط على الإدارة الذاتية. الوجه الآخر من مستقبل هذه المفاوضات تتقاطع مع الوضع الداخلي للمدينة، وهو الوجه الأقل حضوراً في المشهد الإعلامي. فعلى مدار الأربعة عشر عاماً الماضية، زرت القامشلي أربع مرات، وفي كل زيارة، كنت ألمس مزيداً من الترهل في بنيتها، ومزيداً من الغياب للدولة، وتراجعاً حاداً في كل شيء: الكهرباء، والمياه، والتعليم، ومزيداً من الهجرة لأهلها، المستشفيات هنا تشبه غرفة إسعاف كبيرة: أطباء منهكون، وجدران تتساقط مثل مرضاه، حتى الزراعة عماد المنطقة صارت ضحية للجفاف السياسي قبل الطبيعي، والأدهى من ذلك هو الانهيار التام في منظومة الأخلاق الإدارية، إذ باتت الرشوة والمحسوبية والإتاوات اليومية العرف السائد في تسيير أمور الحياة. ومع كل زيارة كانت تُحدث جرحاً جديداً في ذاكرتي: شارعٌ يخبو، حيٌّ يفرغ، وجهٌ يختفي. لم تعد الحرب هنا قذائف ومسيرات تركية فحسب، بل صارت إهمالاً يتراكم كغبار الزمن على نوافذ البيوت المهجورة. لم تعد القامشلي التي عرفتها، بل تحولت إلى أرملة المدن كما يصفها أبن المدينة الكاتب والشاعر ملكون ملكون. في زاويةٍ من ذاكرتي، تقف القامشلي كشاهد على زمنٍ ماض، كانت المدينة التي عرفتها تتنفس بتنوعها وعراقتها وأصالة مجتمعها الغني المتعايش بعيداً عن الصراعات السياسية والاجتماعية التي تغزو اليوم أحياء المدينة. ورغم كل هذا التدهور، تظل القامشلي نقطة ارتكاز مهمة في أي مشروع مستقبلي لسورية، فالمدينة تقع عند تقاطع حدودي حيوي مع تركيا والعراق، وتضم تنوعاً قوميّاً ودينيّاً قد يكون مفتاحاً لإعادة بناء صيغة وطنية جديدة إن استُثمر بطريقة عادلة. فالمدينة بنهاية المطاف لم تكن طرفاً في الحرب، لكنها دفعت ثمن كونها "خط تماس"، بين الإدارة الذاتية الكردية وحكومة دمشق السابقة والحالية!، وبين تركيا ومخاوفها الحدودية، وأيضاً بين قوى دولية تتصارع على خرائط لا تعرف حتى أسماء سكانها! قد تكون القامشلي اليوم مدينة مدمّرة إدارياً متراجعة خدمياً، ومتأرجحة سياسياً، ولا تُستدعى إلا في عناوين الصحف ونشرات الاخبار، لكنها لا تزال تحتفظ بشيء عميق في روحها، فالمدن التي تحتضن التاريخ يصعب موتها بهذه الطريقة، لذلك لا تزال المدينة تُقاوم بأن تكون مجرد 'ملف' على طاولة التفاوض. فوق جسر الكرامة وسط المدينة، وقفت أمام احد المحال سرحت بتفكيري وانا انظر لما آل إليه حال نهر الجقجق من مصدر متدفق للمياه من هضبة طور عابدين في تركيا إلى بؤرة للتلوث والأمراض. سألني صاحب المحل: تريد شيئاً؟ فقلت: أريد ذاكرتي.. ثم التقطت حجراً أملسَ رميته في الماء، كأنني أرمي كل ما تبقى في داخلي من حنين!. القامشلي لم تمت بعد.. لكنها تكتب وصيتها كل يوم على جدران المجهول!

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

هل أنت مستعد للنغماس في عالم من الحتوى العالي حمل تطبيق دايلي8 اليوم من متجر ذو النكهة الحلية؟ ّ التطبيقات الفضل لديك وابدأ الستكشاف.
app-storeplay-store