
فيلم أميركي طويل: جدّدوا لـ«يونيفل» (نا)!
آمال خليل - الاخبار
مع اقتراب استحقاق التجديد لولاية قوات «اليونيفل»، تتصاعد الإرهاصات الخارجية حول تعليق المهمة أو تعديلها. الزوبعة السنوية التي تتكرّر منذ عام 2009، تأتي من ضمن محاولات الابتزاز والضغط اللذيْن يُمارسان على الحكومة والجيش اللبنانييْن لتحقيق الأمنيات الإسرائيلية؛ من إنهاء حزب الله وسلاحه إلى الاصطدام مع بيئة المقاومة.
في الأيام الماضية، نقلت مواقع إعلام إسرائيلية عن مسؤولين صهاينة قولهم إن «إسرائيل وأميركا اتفقتا على إنهاء مهمة اليونيفل وتفضّلان إحلال الجيش اللبناني مكانها في الجنوب». لم يكن صدى التسريبات مدوّياً في لبنان الذي يتلقّى منذ أشهر طويلة إشارات أميركية وغربية إلى نوايا تعديل جذري على مهمة اليونيفل. لكن هل تقدر الولايات المتحدة وإسرائيل على تعليق مهمة حفظة السلام في ظل وجود اتفاقية بين «الأمم المتحدة» والحكومة اللبنانية بشأنها؟
يخلص مصدر لبناني مطّلع إلى أن الحديث عن تعليق المهمة «فيلم أميركي طويل سيستمر إلى أواخر آب المقبل، موعد التجديد للولاية الجديدة. وتنتظر أميركا وإسرائيل أن تحصلا عبر الضغط على الحكومة اللبنانية، بالتهويل بتعليق المهمة أو وقف تمويلها، على تغيير واقع ميداني ما». ويضع الجيش اللبناني سيناريوهات مختلفة للأشهر المقبلة، خلاصاتها أنها لا تخدم سوى إسرائيل وتمنحها ذرائع ليس لتثبيت احتلالها واعتداءاتها اليومية فقط، بل أيضاً للتمدّد جغرافياً داخل الأراضي اللبنانية المُحرّرة.
وبحسب المصدر المطّلع، سمعت مرجعيات رسمية لبنانية من مسؤولين أميركيين أن بعض الدوائر في الولايات المتحدة «تفضّل وجود الجيش اللبناني على وجود اليونيفل، إذ تظن أن أميركا فرضت سلطتها ونفوذها على تحركات الجيش من خلال أشكال التعاون المختلفة وآخرها لجنة الإشراف على تطبيق وقف إطلاق النار التي يرأسها جنرال أميركي. وتلك اللجنة على تنسيق لحظوي مع الجيش، ليس في نطاق جنوبي الليطاني فقط».
إضافةً إلى ذلك، تشكّل «اليونيفل» بالنسبة إلى أميركا «مصدراً لهدر المال، إذ تنفق عليها 25% من تمويلها البالغ 450 مليون دولار (في السنوات الأخيرة)، فيما لا تشارك بشكل مباشر في قرارها لأنها غير مساهمة فيها. وعليه، تسعى إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب إلى تطبيق ما طبّقته على البرامج الأخرى مثل وكالة التنمية الأميركية». وفي السياق نفسه، نصحت تلك الدوائر بتحويل الأموال التي تُنفق على «اليونيفل» لصالح الجيش اللبناني.
لبنان الرسمي، يدرك أن اللعب على وتر الجيش ليس حُبّاً بالسيادة. فـ«إسرائيل وأميركا تحلمان أن يفرض الجيش اللبناني سطوته على الجنوب لتطبيق القرار 1701 واتفاق وقف إطلاق النار، ما يجعله في مواجهة مباشرة مع الأهالي. حينها، إما سينفجر الميدان ويحصل اصطدام مع الجنوبيين أو يتمكّن من قمع المعترضين ويُطبّق الإملاءات الخارجية بالقوة».
استياء فرنسي - بريطانيفي المقابل، هناك دوائر أميركية أكثر واقعية لا توافق على الخروج عن المظلة الدولية. وقرار التمديد لـ«اليونيفل» سوف يجد دعماً من الدول الأوروبية التي تساهم فيها، عديداً وعتاداً، وتحافظ من خلالها على نفوذ ميداني. وبحسب مصدر مطّلع، سمع مسؤولون لبنانيون امتعاضاً بريطانياً وفرنسياً من استئثار أميركا بالواقع العملاني اللبناني منذ وقف إطلاق النار، من خلال لجنة الإشراف وفريق التنسيق بين السفارة الأميركية واليرزة.
مع الإشارة إلى أن الحضور العسكري لباريس ولندن تعزّز بعد وقف إطلاق النار من البر والبحر إلى الجو عبر المُسيّرات الفرنسية والبريطانية التي تشارك في رصد الأجواء. ومن المُنتظر أن تجد أوروبا مؤازرة من الصين وروسيا لدعم التجديد لـ«اليونيفل».
في الدوائر المغلقة، تقرّ المرجعيات الأميركية بأن التهديد بإلغاء «اليونيفل» ليس سوى ابتزاز لتعديل مهماتها وزيادة صلاحياتها. المعطيات الأولية التي وصلت إلى الناقورة من سفارات الدول المعنية تُفيد بأن «المهمة سوف تُجدد كما في كل عام، لكن مع إدخال تعديلات عملانية عليها، لم تُحسم حتى الآن».
ولتحقيق ذلك، توقّعت مصادر لبنانية أن يتحوّل الملف من الآن وحتى آب المقبل إلى كرة نار تركلها إسرائيل في الميدان اللبناني، للضغط على الحكومة اللبنانية. ومن ضمن التوتر المتوقّع، زيادة الإشكالات مع القوات الأممية في ظل استعادة دورياتها الاعتيادية إلى مستوى ما قبل الحرب، مع العلم أن الجيش اللبناني يستعيد حركة دورياته الاعتيادية أيضاً، ولا سيما على الخط الأزرق.
كيف تطوّرت مهام «اليونيفل» خلال ثلاث سنوات؟يبدي لبنان تحفّظات محدّدة تتعلق بصيغة التفويض، إذ شدّد، في مراسلاته واتصالاته مع الدول الدائمة العضوية في مجلس الأمن، على ضرورة الالتزام بصيغة التفويض الأصلية وعدم توسيعها .
ففي رسالة رسمية إلى الأمين العام للأمم المتحدة قبيل التجديد في عام 2023، دعت الحكومة اللبنانية إلى تمديد المهمة وفق نص عام 2021 الذي لا يشدّد بتاتاً على حرية حركة «اليونيفل» دون تنسيق. هذا المطلب أتى عقب تعديل أدخله مجلس الأمن عام 2022 على التفويض يقضي بمنح القوات الدولية حرية الحركة «بدون تنسيق مسبق مع الجيش اللبناني»، ما اعتبرته بيروت مسّاً باتفاقية وضع القوات (SOFA) التي تنظّم التعاون بين «اليونيفل» والدولة اللبنانية .
ويشهد مجلس الأمن الدولي تبايناً في مواقف دوله حيال تجديد تفويض «اليونيفل»، يتصدّره نقاش تطرحه الولايات المتحدة وبريطانيا (بطلب من إسرائيل) حول جدوى المهمة في ظل استمرار تسلّح حزب الله جنوب الليطاني. فبينما تتولّى فرنسا (حاملة القلم) عادةً صياغة قرار التمديد وتدفع باتجاه إجماع يضمن استمرار المهمة.
وجاءت المواقف الأميركية والإسرائيلية الداعية إلى عدم التجديد أو اشتراط تعديلات جذرية عليه، بعد الحرب الأخيرة، وانطلاقاً من اعتبار أن تجريد حزب الله من سلاحه يتطلب مقاربة مختلفة، وهم يعتبرون أن القوات الدولية فشلت بصورة كبيرة طوال السنوات الماضية، بعدما دلّت الحرب على وجود قدرات عسكرية وبنى تحتية قتالية واسعة لحزب الله جنوب نهر الليطاني.
ثم سرّب الأميركيون عبر إعلام مقرّب منهم، أن واشنطن «غير راضية عن فاعلية القوات الدولية، وتريد تفويضاً أكثر صرامة يكفل منع الحزب من خرق القرار 1701، ملوّحة باستخدام الفيتو إذا اقتضى الأمر لفرض رؤيتها».
هذا السقف الأميركي يعكس استراتيجية ضغط لنزع سلاح حزب الله في جنوب لبنان وربما شمال الليطاني أيضاً، عبر ربط استمرار الغطاء الدولي (تفويض اليونيفل) بتقدّم ملموس في تنفيذ الشقّ الأمني من القرار 1701.
من أبرز القضايا التي لا تزال تثير جدلاً، هي قضية حرية حركة دوريات «اليونيفل» واستقلاليتها عن الجيش اللبناني. فحتى عام 2021، جرت العادة أن تعمل «اليونيفل» بتنسيق لصيق مع الجيش في منطقة العمليات، استناداً إلى اتفاقية (sofa). لكن في التجديد عام 2022، أُقِرّ تعديل فاجأ الجانب اللبناني نصّ على أن «اليونيفل» «مخوّلة بأن تجول وتنفّذ مهامها بشكل مستقل دون حاجة إلى إذن مسبق أو مرافقة من أحد».
وقد اعتبر لبنان (الحكومة وحزب الله) هذا النص خروجاً عن روحية التعاون القائم وانتقاصاً من السيادة. ولاحقاً، خاض لبنان معركة دبلوماسية لإعادة الأمور إلى نصابها، فسجّل رفضه العلني لأي تجديد يُبقي على صيغة 2022. وقد أثمرت الجهود عن حل وسط في القرار 2695 (آب 2023) تمثّل في إعادة التشديد على وجوب تنسيق «اليونيفل» مع الحكومة اللبنانية، إلى جانب إبقاء التأكيد على حرية حركة القوات.
وفي عام 2024 (القرار 2749) جُدّد للقوات الدولية في خضمّ توترات أمنية عالية، واستمر تكريس هذه المعادلة، ما جعل النص حول حرية حركة «اليونيفل» بدون حاجة إلى إذن جزءاً ثابتاً من الولاية، وسط حرص دولي على عدم تقييد نشاطها الميداني، يقابله حرص لبناني على استمرار التنسيق العملياتي اليومي بين القوات الدولية والجيش كعامل ثقة وأمان للأهالي.(الأخبار)

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


سيدر نيوز
منذ 33 دقائق
- سيدر نيوز
هل تهدد أزمة كاليفورنيا أسس النظام الفدرالي الأمريكي؟
منذ دخوله البيت الأبيض مطلع العام الجاري، تتصدر قرارات الرئيس الأميركي دونالد ترامب السياسية وتصريحاته الأخبار وتثير ردود فعل إن كانت إيجابية أو سلبية، داخل الولايات المتحدة أو خارجها. لكن هل تحمل الأحداث الأخيرة الرئيس على إعادة النظر في قرارته على ضوء الأزمات الداخلية التي يواجهها وهل تخرج الولايات المتحدة سالمة من أزمة دستورية وشيكة؟ خلال حملته الرئاسية، قطع ترامب عدة تعهدات على رأسها الترحيل الجماعي للمهاجرين غير النظاميين، ووقف الحرب في أوكرانيا، وإنهاء التضخم وإدراج تخفيضات ضريبية شاملة، وفرض تعريفات جمركية جديدة لا تقل عن 10 في المئة على معظم السلع الأجنبية. غير أن شهر العسل بين الرئيس وناخبيه لم يدم طويلا فقد تراجعت نسبة شعبيته من 47% في يناير الماضي إلى 43% فقط اليوم. كما دب الخلاف في الآونة الأخيرة، بينه وبين حليفه الملياردير ايلون ماسك. وفيما انشغلت وسائل الإعلام الدولية بمتابعة أطوار الخلاف بين الرجلين الأقوى سياسيا والأغنى ماليا، أصدر ترامب قراره للسلطات الفدرالية في ولاية كاليفورنيا، أكبر وأغنى الولايات الأمريكية، بالشروع في عمليات مداهمة واعتقال المهاجرين غير النظاميين في الولاية استعدادا لترحيلهم عن البلاد. غير أن آلافا من المهاجرين ومواطني مدينة لوس أنجلوس لم يقبلوا قرار الرئيس فخرجوا في مظاهرات سلمية تندد بسياسة الترحيل ما فتئت أن تحولت إلى أعمال شغب طالت حرق سيارات الشرطة والاعتداء على المحال التجارية. وتوعد الرئيس ترامب المتظاهرين بمواجهة العواقب. ومع تصاعد الاحتجاجات نشرت وزارة الدفاع 700 عنصر من قوات مشاة البحرية في شوارع لوس أنجلوس لدعم 2100 جندي من الحرس الوطني سبق أن انتشرت في المدينة بأمر من الرئيس. وتقول وزارة الدفاع إن نشر مشاة البحرية يهدف لاستعادة النظام وحماية الموظفين والمقار الفدرالية. في هذه الأثناء ندّد حاكم كاليفورنيا الديمقراطي غافين نيوسم بقرار نشر عناصر المارينز في لوس أنجلوس. وكتب على حسابه على منصة إكس 'لا ينبغي نشر قوات المارينز على الأراضي الأميركية لتحقيق خيال مضطرب لرئيس دكتاتوري'. واتهم الحاكم نيوسم الرئيس بمحاولة زرع الانقسام والسعي لاستخدام الجيش ضد المواطنين، وإرضاء غرور خطير للرئيس على حد تعبيره. وقال إن سحب قوات الحرس الوطني من شوارع لوس أنجلوس كفيل بحل المشكلة فورا. ورد الرئيس ترامب على تصريحات الحاكم بأنه سيؤيد قرار اعتقال حاكم الولاية إن هو عرقل 'إجراءات تنفيذ قوانين الهجرة'. ووصف حاكم الولاية بأنه يفتقر للكفاءة وأن وزارات الأمن الداخلي والدفاع والعدل ستعمل على 'تحرير مدينة لوس أنجلوس من غزو المهاجرين.' وبينما يستمر الجدل بين الرئيس الجمهوري والحاكم الديمقراطي انتقلت عدوى الاحتجاجات إلى مدن سان فرانسيسكو ونيويورك ودالاس وأتلانتا رفضا لإجراءات ترحيل مهاجرين غير النظاميين وقرار ترامب نشر قوات الحرس الوطني في لوس أنجليس. وبدأ الحديث عن أزمة دستورية غير مسبوقة في التاريخ الأمريكي لا يدري أحد كيف ستجري أطوارها أو ينتهي أمرها. يمثل تجاوز الأزمة بين كاليفورنيا والبيت الأبيض تحديا كبيرا للرئيس. فمن جهة تعتبر هذه الولاية الأهم والأكبر من حيث الدخل القومي، وتساهم بخمسين مليار دولار كضرائب للحكومة الفدرالية. من جهة أخرى أكثر من ثلث عدد سكان الولاية ولدوا خارجها وغالبيتهم يتحدثون اللغة الإسبانية، وهو ما يجعل من كاليفورنيا رمزا لتعدد الثقافات في الولايات المتحدة الواقع الذي لا ترضى عنه أيديولوجية الرئيس ترامب. برأيكم سنناقش معكم هذه المحاور وغيرها في حلقة الأربعاء 11 يونيو/حزيران. خطوط الاتصال تُفتح قبل نصف ساعة من موعد البرنامج على الرقم 00442038752989. إن كنتم تريدون المشاركة بالصوت والصورة عبر تقنية زووم، أو برسالة نصية، يرجى التواصل عبر رقم البرنامج على وتساب: 00447590001533 يمكنكم أيضا إرسال أرقام الهواتف إلى صفحتنا على الفيسبوك من خلال رسالة خاصة Message كما يمكنكم المشاركة بالرأي في الحوارات المنشورة على نفس الصفحة، وعنوانها: أو عبر منصة إكس على الوسم @Nuqtat_Hewar


ليبانون ديبايت
منذ ساعة واحدة
- ليبانون ديبايت
طارق خليفة يتهرّب… ومصرف لبنان متواطئ: فضيحة مالية تتجاوز حدود القانون!
'ليبانون ديبايت' في بلدٍ يُهان فيه القضاء على يد المصارف، وتُحتجز فيه حقوق المودعين دون مساءلة، تتكرّس سياسة الإفلات من العقاب مع كل تسوية مالية جديدة تمرّر تحت الطاولة، بعيدًا عن أعين العدالة ومبدأ المحاسبة. واللافت اليوم أنّ المتورّطين لم يعودوا يخفون ما اقترفوه، بل تفاوضهم الدولة نفسها على إعادة بعض المسروقات… بشرط أن تبقى حريّتهم مصانة. علم 'ليبانون ديبايت' أنّ رئيس مجلس إدارة بنك الاعتماد المصرفي، طارق خليفة، لم يلتزم بالتسوية القضائية التي توصّل إليها سابقًا مع مصرف لبنان منذ ما يقارب العام، والتي نصّت على تسديد مبلغ مالي يقارب 30 مليون دولار أميركي، مقسّطًا على مراحل زمنية محدّدة. وبحسب المعلومات، فإنّ المهلة الزمنية التي تضمنها الاتفاق القضائي قد انقضت بالكامل، من دون أن يلتزم خليفة ومصرفه بدفع المستحقات. الأخطر أنّ هذا الإخلال الصريح لم يُقابله أي تحرّك قضائي أو من قبل مصرف لبنان، وبشكل خاص من الحاكم الجديد كريم سعيد، الذي لم يحرّك ساكنًا، بل تمّ تجاهل الملف بشكل مريب مع بداية ولايته، في صمت يُفسَّر إما على أنه تواطؤ ضمني، أو عجز فجّ عن محاسبة أصحاب النفوذ. وما يُفاقم القلق العام، أنّ الحاكم الجديد الذي عُقدت عليه آمال باستعادة الثقة والصرامة، أثبت سريعًا أنه يسير على نهج سلفه، متجاهلًا الخروقات المصرفية الكبرى، ومكرّسًا مبدأ 'المحاسبة الانتقائية'. فهل هذا هو التغيير الذي وُعِد به اللبنانيون؟ أن تتكرّر سياسة التسويات المذلّة، ويتم تغليب حماية المصارف على حقوق الناس؟ ما يثير الاستغراب، وفق ما تؤكّده مصادر مطّلعة، هو غياب أي مؤشرات على ملاحقة قانونية رغم وجود تعهّد قضائي مُلزم. هذا الصمت القضائي يُعمّق القناعة بأنّ هناك مظلّة حماية لخليفة ومصرفه، مهما بلغت التجاوزات، وأن حاكم مصرف لبنان الجديد، إما عاجز أو غير راغب في فتح هذا الملف الذي يمسّ جوهر الفساد المصرفي. التسوية التي أُبرمت بين مدّعي عام التمييز، مصرف لبنان، ولجنة الرقابة على المصارف من جهة، وبين طارق خليفة ومصرفه من جهة ثانية، نصّت على دفع مبلغ يتراوح بين 30 و32 مليون دولار 'فريش'، لسدّ فجوة مالية في حسابات المصرف تصل إلى 300 مليون 'لولار'، أي ما يعادل 11% فقط من مجمل الخسائر. وقد بُنيت هذه التسوية على حجّة 'إنقاذ أموال المودعين' من التبخّر في حال إعلان إفلاس المصرف أو توقيف رئيس مجلس إدارته. لكن الواقع، بحسب مصادر 'ليبانون ديبايت'، أنّ هذه التسوية لم تُطبّق فعليًا. القاضي جمال الحجار أمهل خليفة مهلة مقيدة بفترة زمنية محددة، لكنها عمليًا كانت مهلة مفتوحة، ولم تشهد أي التزام فعلي حتى اليوم. وكان خليفة قد اقترح دفع 10 ملايين دولار من أصل الـ30 مليونًا، لكن عبر شيكات 'لولار'، الأمر الذي رُفض باعتباره لا يغطي الفجوة، كما ادّعى خلال الجلسة أنّ مجلس الإدارة يجب أن يشاركه الدفع، في محاولة للتنصّل من الالتزامات. تشير تقارير التدقيق التي أجراها المدير المؤقت للمصرف محمد بعاصيري إلى فضائح مالية مدوّية، من بيع شيكات بـ'اللولار' واستخدامها لزيادة رأس المال بشكل مخالف لتعليمات مصرف لبنان، إلى شراء مصرف في أرمينيا خسر لاحقًا نحو 120 مليون دولار، وتمّ تحويل 70 مليون دولار من أموال المودعين لإطفاء هذه الخسائر، مرورًا بشراكات مشبوهة بين خليفة وجهات مقترِضة من المصرف مقابل عمولات، واستدانة أموال شخصية عن طريق أطراف ثالثة، ووصولًا إلى استخدام شركة 'إنفست برو' للمضاربات وتحقيق أرباح خاصة من عمليات صرف الليرة. وبحسب المعلومات التي حصل عليها 'ليبانون ديبايت'، فإنّ المؤشرات التي ظهرت من خلال التدقيق المحاسبي تُظهر انهيارًا كاملًا في البنية المالية للمصرف، إذ بلغ رأس المال السلبي نحو 300 مليون 'لولار'، وعجز في تأمين السيولة الأجنبية المطلوبة بنسبة لا تتعدّى 1% بدل 3%، وخسائر سنوية بملايين الدولارات بسبب عمليات شراء الليرة من السوق بفوائد مرتفعة، وتكوين مؤونات بنسبة 70% من مجموع التسليفات التي بلغت 750 مليون دولار، ما يدلّ على ديون رديئة. كما تمّ تسجيل قروض معدومة بقيمة 65 مليون دولار لمؤسسات في أرمينيا، إضافة إلى تزوير في التقارير المقدّمة لهيئة التحقيق الخاصة، وتنفيذ هندسات مالية بين 2020 و2021، حقّقت أرباحًا بعشرات ملايين الدولارات لصالح خليفة. برغم كل هذه المعلومات التي تكفي لتوقيف أي مختلس في أي دولة تحترم قوانينها، فإنّ القضاء لم يرَ في الملف ما يبرّر توقيف خليفة، بل تعاطى معه كشريك في تسوية. والمفارقة أنّ هذه القضية تُقابل بالصمت في وقت يُزج فيه مواطنون في السجن بسبب شيك مرتجع أو تعثّر بسيط، فيما يُترك من سرق الملايين طليقًا. هكذا يُكرّس القضاء اللبناني، مرة أخرى، قاعدة 'الشتاء والصيف تحت سقف واحد'، حيث تتم ملاحقة الفقراء، وتُعطى الفرص الذهبية للمخالفين من أصحاب المصارف، حتى بات من الطبيعي أن يتنقّل أحد المتهمين بسرقة 'أموال المودعين' بحرية مطلقة، وبمباركة رسمية، وتواطؤ قضائي ومصرفي فاضح. وما موقف حاكم مصرف لبنان كريم سعيد من هذا الملف سوى خيبة أمل مدوية، ورسالة واضحة بأنّ المنظومة لا تزال ممسكة بكل مفاصل الدولة، من القضاء إلى المصرف المركزي، ولا نية لديها في فتح أبواب المحاسبة، بل كل ما تريده هو الوقت… كي ينسى اللبنانيون.

المدن
منذ ساعة واحدة
- المدن
التهديد بوقف التمديد لليونيفيل: واشنطن تضغط لتعزيز لجنة المراقبة
تُقلّل مصادر سياسية من أهمية ما كشفته صحيفة "يسرائيل هيوم" عن توافق بين واشنطن وتل أبيب على إنهاء مهمة اليونيفيل في جنوب لبنان. تعتبره مجرّد تسريبات لم تُعلن رسميًا بعد، لكن ذلك لا يلغي وجود ضغوط يتعرّض لها لبنان تربط بين التجديد وسحب السلاح وخلق واقع جديد . ينفي المتحدث باسم قوات "اليونيفيل"، أندريا تيننتي، وجود أي نقاشات رسمية بشأن وقف المهمة. وقد كرّر تيننتي في أكثر من مناسبة أن "حرية الحركة تُعدّ شرطًا أساسيًا لتنفيذ ولاية اليونيفيل، ويشمل ذلك القدرة على العمل باستقلالية وحيادية، كما هو مبيّن في قرار مجلس الأمن الدولي 1701"، مؤكدًا أن أي تقييد لهذه الحرية -سواء أثناء القيام بأنشطة عملياتية مع الجيش اللبناني أو من دونه- يُعد انتهاكًا لهذا القرار. ما يُنذر بتفاقم العلاقة مع "الأهالي" ما لم يُعثر على حل ملائم . تمديد وسط الضغوط يستعد لبنان، بعد نحو شهرين، لخوض استحقاق مهم يتمثّل في تجديد ولاية قوة الأمم المتحدة المؤقتة في الجنوب (اليونيفيل) لسنة إضافية. يأتي التجديد هذا العام عقب الحرب الإسرائيلية الأخيرة على لبنان، التي انتهت باتفاق على وقف الأعمال العدائية برعاية أميركية، وبتأكيد الطرفين اللبناني والإسرائيلي التزامهما بالقرار 1701، الذي يُعطي قوات اليونيفيل مهمة حفظ الأمن على الحدود. كما يأتي وسط ضغوط دولية على لبنان لسحب سلاح حزب الله، وهو ما بات مطلبًا أساسيًا أو شرطًا لانسحاب إسرائيل من بعض النقاط التي تحتلها، وللمساهمة الدولية في إعادة الإعمار . وقد وُضع ملف التمديد على سكّة الشروط الأميركية، التي يبدو حتى اليوم أنها تربط التمديد بمجموعة من الشروط على لبنان تنفيذها، تشمل سحب سلاح حزب الله من جنوب الليطاني وشماله، ومنح حرية الحركة لدوريات اليونيفيل من دون مرافقة الجيش اللبناني. وهو ما يواجه باحتجاجات من "الأهالي" في القرى والبلدات التي تدخل إليها هذه القوات . أبلغ لبنان موقفه الرسمي الداعم للتجديد لقوات اليونيفيل حفاظًا على الاستقرار في الجنوب. وفي جلسة خاصة عُقدت في نيسان الماضي بحضور قيادة الجيش، قرر مجلس الوزراء طلب تمديد التفويض لعام إضافي وتثبيت التعاون مع اليونيفيل، مؤكدًا على التمديد "من دون أي تعديلات جوهرية على الولاية"، في رفض ضمني للدعوات الإسرائيلية المتكررة لمنح اليونيفيل صلاحيات إضافية تُمكّنها من دخول أي منطقة تشاء في الجنوب. ومن خلال اتصالات مع الدول دائمة العضوية في مجلس الأمن، شدّد لبنان على ضرورة الالتزام بصيغة التفويض الأصلية وعدم توسيعها . التباين داخل مجلس الأمن وتقول مصادر دبلوماسية إن مجلس الأمن يشهد تباينًا في مواقف الدول حيال تجديد تفويض اليونيفيل، في ظل استمرار تسلّح حزب الله جنوب الليطاني. فبينما تتولى فرنسا (حاملة القلم) عادةً صياغة قرار التمديد، برزت مطالبة أميركية وإسرائيلية غير رسمية تشترط تعديلات جذرية على عمل اليونيفيل تحت طائلة رفض القرار. وقد عبّر مسؤولون أميركيون عن استيائهم من أداء اليونيفيل، معتبرين أنها لم تتمكن من منع انتشار ترسانة حزب الله أو أنفاقه الهجومية قرب الحدود. وكشف تقرير أن واشنطن أبلغت عبر قنوات دبلوماسية أنها غير راضية عن فاعلية القوة، وتريد تفويضًا أكثر صرامة يمنع خروقات القرار 1701، ملوّحة باستخدام الفيتو إذا اقتضى الأمر . في المقابل، حرصت دول مثل روسيا والصين على تفهّم الهواجس اللبنانية. ففي تجديد آب 2023 (القرار 2695)، امتنعت موسكو وبكين عن التصويت احتجاجًا على بنود لا تراعي المطالب اللبنانية بشأن التنسيق مع الجيش. حتى الولايات المتحدة، ورغم موافقتها على التمديد، سجّلت انتقادها لعدم إدانة المجلس لتصعيد حزب الله، مؤكدةً أنه "لا يجوز وضع عراقيل أمام عمل اليونيفيل". كما شدّد ممثلها في مجلس الأمن بعد تجديد 2024 على أن لبنان "يجب ألا يكون ملاذًا للمنظمات الإرهابية أو منصة لإطلاق الهجمات ضد إسرائيل"، منتقدًا عدم تسمية حزب الله صراحة في النص . محطات التمديد تاريخياً تاريخيًا، اعتادت اليونيفيل أن تعمل بتنسيق لصيق مع الجيش اللبناني في منطقة عملياتها، استنادًا إلى اتفاقية "ترتيبات وضع القوات " (SOFA). لكن في تجديد تفويض أغسطس 2022، أُقرّ تعديل مفاجئ اعتبره لبنان انتقاصًا من السيادة، نصّ على أن اليونيفيل "مخوّلة بأن تجول وتنفّذ مهامها بشكل مستقل من دون إذن مسبق أو مرافقة". وقد أثار ذلك انتقادات حادّة، ودفعت الدبلوماسية اللبنانية في 2023 نحو إعادة التوازن، وهو ما انعكس في القرار 2695، الذي جمع بين التأكيد على حرية الحركة والتشديد على التنسيق مع الحكومة اللبنانية . وفي تجديد 2024 (القرار 2749)، الذي جاء في ظل توترات أمنية مرتفعة، استمرّ تكريس هذه المعادلة، مع دعوة مجلس الأمن إلى التنفيذ الكامل للقرار 1701 واحترام وقف الأعمال العدائية، مع تهيئة اليونيفيل للتكيّف مع الوضع الميداني المتفجّر، ما يعني ضمنًا الحفاظ على حرية الحركة، في مقابل تمسّك لبناني بالتنسيق العملياتي مع الجيش كعامل ثقة . مؤخرًا، تكررت حوادث اعتراض دوريات اليونيفيل من قبل مجموعات من "الأهالي" في قرى جنوبية، ما أثار تساؤلات حول خلفيات هذه الظاهرة، وإن كانت ردود فعل شعبية عفوية أم تحركات منظمة تقف وراءها جهات سياسية (لا سيما حزب الله). وتشير مصادر أمنية إلى أن أغلب هذه الحوادث تقع ضمن مناطق نفوذ الحزب. ورغم التزام حزب الله رسميًا بالتهدئة والتنسيق مع اليونيفيل عبر الجيش، إلا أنه لا يُخفي امتعاضه من بعض أنشطتها، كالتصوير ورسم الخرائط، التي يعتبرها تجاوزًا لمهمتها. ويُنظر إلى تصاعد الاحتكاكات عقب التأكيد على حرية الحركة كمؤشر على رسائل احتجاج غير مباشرة من الحزب . في المقابل، تؤكد الأمم المتحدة أن أي عرقلة لدورياتها أمر مرفوض يقوّض مهمة حفظ السلام، وتدعو السلطات اللبنانية إلى توفير الحماية لجنودها ومرافقتهم وضبط أي تحركات معادية . وجود على أساس الفصل الخامس يتأسس وجود اليونيفيل في لبنان على الفصل السادس من ميثاق الأمم المتحدة (التسوية السلمية للنزاعات)، ما يعني أنها قوة غير قتالية تتطلب تعاون الأطراف واحترام سيادة الدولة. ويُبدي لبنان خشية من تحويل المهمة إلى الفصل السابع، ما يمنحها صلاحيات أوسع، وهو ما ترفضه بيروت قطعًا. كما تتحفظ دول كفرنسا وإيرلندا على هذا التغيير خشية تعريض جنودها لمواجهة عسكرية مباشرة. رغم ذلك، تدفع إسرائيل علنًا بهذا الاتجاه، مستفيدة من الدعم الأميركي ودورها الحاسم في تمويل المهمة (نحو 25% من كلفتها) . ومع استبعاد التحول إلى الفصل السابع في ظل التجاذبات الدولية، تُطرح بدائل لتعزيز فعالية اليونيفيل ضمن ولايتها الحالية، مثل خفض عدد القوات مقابل تزويدها بتقنيات متطورة، وزيادة الدوريات، ومراقبة المعابر لمنع تهريب السلاح. كما طُرح اقتراح بتقليص فترة التفويض إلى 6 أشهر بدل سنة، أو تفعيل "اللجنة الخماسية" التي أُنشئت بعد اتفاق وقف إطلاق النار نهاية 2024، والتي ترأسها الولايات المتحدة . المطلوب دوليًا، حسب مصادر دبلوماسية، هو جعل اليونيفيل أكثر فاعلية في مراقبة وتنفيذ القرار 1701، من دون اللجوء رسميًا إلى الفصل السابع. وإلى حين موعد التجديد، يعمل لبنان دبلوماسيًا على تأمين تمديد سلس يحفظ الاستقرار في الجنوب، فيما تستخدم واشنطن ملف التمديد كورقة ضغط لتحقيق هدفها الأبعد: ضبط سلاح حزب الله . ومن المرجّح أن يتم التجديد في نهاية المطاف، نظرًا لأن البديل -أي الفراغ الأمني أو انهيار ترتيبات 1701- غير مرغوب به من أحد. وهكذا، سيبقى تجديد تفويض اليونيفيل ميزانًا دقيقًا يعكس الصراع بين مطلب الهدوء ومطلب بسط سلطة الدولة. صراع لم تُحسم فصوله بعد في لبنان ما بعد حرب 2024 . المزيد من الضغط كشفت معلومات دبلوماسية لـ"المدن" أن التهديد بعدم التمديد يهدف إلى الضغط على لبنان للقبول بشروط أميركية وإسرائيلية تُفضي إلى سلام مفروض. وتوقفت المصادر عند تكرار الصدامات بين "الأهالي" واليونيفيل لتشير إلى أن القانون يفرض على القوات الدولية إعلام الجيش وتحقيق التنسيق. لكن اللافت، بحسب مصادر أمنية، أن قوتين فقط -الفرنسية والفنلندية- تنفذان دوريات من دون إشراك الجيش، ما يتسبّب بصدامات . وترى المصادر أن الضغوط لعدم التمديد قد لا تُثمر، لكن مهمة لبنان ستكون صعبة ومعقدة للغاية إذا لم تطرأ متغيرات، لأن نص التمديد سيخضع لنقاشات مفتوحة وقد يتعرّض لتعديلات لا يستطيع لبنان تحمّلها. وتخشى المصادر من أن يكون الهدف استبدال دور اليونيفيل بلجنة المراقبة، بحيث تتحول اليونيفيل إلى عضو فيها فقط . وتذهب مصادر سياسية إلى التساؤل عن موقف وزير الخارجية يوسف رجي إزاء هذه الضغوط، وعما إذا كان سيرضخ لها ويقبل بتعديل مهام القوات الدولية، ما قد يُوسّع دائرة المواجهة بينها وبين "الأهالي". الملف ما زال في بدايته، لكن الضغوط انطلقت فعليًا، وأصبح ملف اليونيفيل ضمن سلّة المطالب الدولية المطلوب من لبنان الالتزام بتنفيذها. فهل تنجح الدبلوماسية في معالجة هذا النزاع الجديد؟