logo
«السويداء» .. و«محنة» سوريا الموحدة

«السويداء» .. و«محنة» سوريا الموحدة

بوابة الأهراممنذ 15 ساعات
بقاء سوريا موحدة، حكومتها تعمل لحماية الأرض والعرض والكرامة لكل مواطنيها هو الضامن الأكبر للاستقرار والتنمية والهوية الوطنية الجامعة، علاوة على تعويض السنوات العجاف التى عاشها السوريون، وبسببها هاجر ملايين إلى بلدان قريبة وبعيدة، وملايين آخرون رحلوا الى مناطق غير مناطقهم، فى الداخل مجبرين، لكنهم لم يجدوا فيها إلا قليلا من الأمن والرزق والكرامة. كل ذلك يشكل الاختبار الأكبر أمام النظام الانتقالى الجديد، النجاح فيه لا بديل عنه.
الخطاب التصالحى الذى يُصر عليه احمد الشرع، رئيس الحكومة الانتقالية الراهنة، ويكرره فى كل لحظة فارقة، وإن عبر عن نيات حسنة فى بعض مكوناته، لكنه لا يكفى، الأمر يتطلب إجراءات على الأرض، خطوات حاسمة تحول النيات الى أفعال يشعر بها الجميع، تغلق الثغرات من جانب وتفتح أبواب الأمل من جانب آخر. وهنا تبدو أهم عقبة وهى غياب التوافق العام لكل المكونات السورية حول وجوب الاسهام الرشيد لبناء سوريا جديدة لكل مواطنيها، فى ظل السلطة الانتقالية الراهنة، إذ هى من لون واحد يغلب عليها أيديولوجية غير مقبولة من الجميع، لا سيما وأن القوى الحاملة لسوريا ما بعد الأسد، والمهيمنة على السلطة الانتقالية تجمع بين السوريين وغير السوريين حاملى جنسيات أجنبية شاركوا فى محاربة نظام الأسد كمرتزقة، تحت مظلة مجموعات مسلحة ذات توجهات دينية، وأولوية الولاء لديهم هو للجماعة الأم وأيديولوجيتها الدينية والسياسية، ما يتعارض عمليا مع الولاء للدولة السورية الجديدة، وهو ما تجسد فى المواجهات فى مناطق العلويين فى الساحل السورى قبل شهر ونصف الشهر.
وتكرر الامر ثانية فى السويداء، حيث جرت المواجهة بين مسلحى الدروز الموالين لشيخ العقل حكمت الهاجرى وشيوخ عقل آخرين يحملون توجهات مضادة لسوريا الموحدة، ويميلون لحماية إسرائيلية مزعومة، بل ويروجون إلى أن الدروز هم جزء من أرض إسرائيل التاريخية، وهو الوصف الصادم الذى استخدمه الشيخ الدرزى مروان كيوان فى تصريحات ممجوجة لإحدى القنوات العبرية قبل ثلاثة أيام، بل ومُرشحا لقاتل الأطفال نيتانياهو لما ادعاه جائزة نوبل للسلام، لأنه وفقا لكيوان حمى الدروز من السلطة الجديدة فى دمشق. ما يشكل تحديا غير مسبوق لسوريا الموحدة، وللتوجهات العروبية للمكونات السورية الاخرى. ويزداد الامر تعقيدا مع تلك الدعوات من مجموعة الهجرى الدرزية لتشكيل ما وصفوه تحالفا مع الأكراد فى الشمال السورى لمواجهة الحكومة الانتقالية. وهى دعوة تستهدف ليس فقط الضغط على النظام الجديد لمراعاة مطالب خاصة بالدروز فى السويداء، بل لخدمة المشروع الإسرائيلى الهادف إلى ربط سوريا المقسمة استراتيجيا بإسرائيل ومطامعها الاقتصادية، المسمى ممر داوود.
شق من خطورة تلك الدعوة أنها تدفع الأكراد، علاوة على أسباب أخرى ذاتية، إلى التريث فى تطبيق الاتفاق الخاص بدمج قوات «قسد الكردية»، مع التمسك بصيغة فيدرالية للحكم وليس صيغة مركزية كما هى واردة فى الإعلان الدستورى السورى. والحجة المطروحة، وجزء منها مشهود فى الواقع المعاش، أن طبيعة نظام المرحلة الراهن ودستورها الانتقالى والقوى الحاملة للمشروع وأيديولوجيتها الدينية، ونزوعها للمخالفة مع قناعات الآخرين الدينية، ليست مؤهلة لحماية التنوع المجتمعى، بل تتصادم مع قناعات الغالبية السورية، ما يجعل الصيغة المركزية لحكم سوريا بحاجة إلى إعادة نظر، ومزيد من الحوار المجتمعى المعمق.
وجاء قرار «قسد» تأجيل تسليم السلاح للحكومة الانتقالية والإصرار على النظر فى الامر بعد ثلاث سنوات على الأقل، ليضع حكومة الشرع، امام مأزق استراتيجى كبير، وتدل المواجهات التى جرت بين مسلحى الطرفين الحكومى والكردى إلى ان فجوة الثقة فى سوريا موحدة وتحت سلطة مركزية هو امر غير مؤهل للنجاح فى ظل بيئة داخلية غير متناسقة تفتقد الى التوافق العام حول سوريا المبتغاة، كبلد يحمى كل مواطنيه ومكوناته المجتمعية المتعددة عرقيا وطائفيا.
فى السياق ذاته المناهض للسلطة الانتقالية، صدر بيان 21 يوليو الحالى، وصفه كاتبوه بأنه ثورى صادر عن أبناء السويداء يعلن تأسيس الإدارة الذاتية لإقليم جبل العرب، بسبب ما يعتبرونه وجود سلطة تكفيرية لا تعرف سوى الغدر، ويرفضون أى وصاية من سلطة ديكتاتورية. والمثير ان اللقاء الذى تم بين وزير خارجية السلطة الانتقالية اسعد الشيبانى ومسئولين إسرائيليين فى باريس برعاية أمريكية، وضغوط عسكرية إسرائيلية، قد انتهى إلى الاتفاق على منح الدروز حكما ذاتيا، والحق فى نشر مسلحيهم بدلا من قوات الامن الحكومية فى الجنوب السورى، وتشكيل مجموعات امن ذاتية وإدارة لتقديم الخدمات. بعبارة أخرى انسحاب السلطة القائمة فى دمشق من جنوب البلاد، والتسليم بوضع خاص لها، مع الاخذ فى الاعتبار التطلعات الإسرائيلية العدوانية الطامعة فى الاراضى السورية. ويزداد الامر تعقيدا مع تأسيس ما يسمى رابطة الثوار القدامى فى سوريا، وهم الذين يعتبرون أنفسهم من بدأ الثورة ضد نظام بشار الأسد قبل 14 عاما، ولكنهم بعد التضحيات التى بذلوها وجدوا أنفسهم خارج السلطة الجديدة، التى تمادت فى تهميش الكفاءات الوطنية، وفى ممارسة التجاوزات والتقصير وغياب المحاسبة لمرتكبى الجرائم، داعين إلى المحاسبة والشفافية والانتقال السلمى العادل وفقا لرؤيتهم. وتبدو السلطة الانتقالية بعيدة تماما عن إدراك مخاطر تهميش الاخرين، كما أن توجهها نحو العدو التاريخى لسوريا وللمنطقة بأسرها من اجل تطبيع وهمى فى ظل فقدان توازن القوى مع الكيان الإسرائيلى، يجعل إعادة بناء سوريا موحدة، وفق أسس وطنية جامعة مسٍألة مشكوكا فيها على الأقل لعدة سنوات مقبلة.
Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

صوتك أمانة
صوتك أمانة

24 القاهرة

timeمنذ 4 ساعات

  • 24 القاهرة

صوتك أمانة

مع اقتراب موعد الانتخابات في الرابع والخامس من أغسطس، يبدو أن المشهد الانتخابي قرر أن يفتح علينا أبوابه يومين بدلًا من يوم، ربما إمعانًا في الإرباك، أو حتى لمنح "الوعود الهوائية" مزيدًا من الوقت لتتطاير في كل اتجاه. انطلقت الحملات الانتخابية بقوة، لا لتقديم لبرامج واقعية، بل أصبحت الدعاية الانتخابية هجوم ساحق على الحواس، مكبرات صوت تصرخ في وجهك بأن صوتك أمانة، لافتات بحجم شاحنات تصفعك بصور مرشحين لا تجرؤ على النظر إليها قبل شرب القهوة، وعبارات من نوع "ابن البلد" و"خادمكم المخلص" تلاحقك كأنها إعلان عن مسحوق غسيل فاز بجائزة نوبل للصدق. المرشحون، أو بالأحرى المتسابقون في مضمار الفوتوشوب، لا يشغلهم طرح رؤية أو تعديل تشريع، بل يتفننون في تنقية صورهم إلى درجة تجعلنا نبحث عن فلاتر للواقع نفسه. بعضهم لا يستطيع إدارة صفحة "فيسبوك"، ومع ذلك يحدثك بثقة عن تعديل الدستور. أما المواطن هذا الكائن الأسطوري فهو مطالب، بين مطاردة لقمة العيش والقفز فوق الحفر، بأن يؤمن بأن صوته سيغيّر وجه مجلس الشيوخ، رغم أن المقاهي تهمس النتيجة معروفة والكرسي محجوز من بدري. فهل نحن أمام انتخابات أم إعادة تمثيل مشهد قديم بلا جمهور. في الحقيقة، معظم الناس يرون أن مجلس الشيوخ لا يمس حياتهم اليومية لا من قريب ولا من بعيد. لا خدمات، لا طلبات إحاطة، لا مشاريع إسكان، لا صرف صحي، لا تدخل في أسعار الطماطم أو مصير رغيف العيش. مجرد جلسات ناعمة في قاعات مكيفة وبدلات رسمية تبدو أغلى من ميزانية القرية. وفي أسوان، كما يُشاع، لا جديد تحت شمس الجنوب. لا منافسة حقيقية، لا وجوه لافتة، فقط بعض الهواة الذين اندفعوا بدافع الوهم أو الغرور أو ضغط من العيلة، وينتظرون يوم الفرز ليكتشفوا أن كل ما حصدوه هو صوتهم الشخصي، وربما نسوه. لكن رغم هذا العبث، تبقى المشاركة في جوهرها فعل أمل نتمناه، نعم قد تكون الشعارات زائفة كعملة مزورة، لكن أن تقول "لا" بصوتك، أفضل من أن تصمت في وجه مسرحية يُراد لك أن تكون فيها كومبارسا. فامنح صوتك لا لمن يطلبه بصراخ، بل لمن يستحقه إن وُجد. وإذا لم تجده، فربما يكفيك أن تُذكّرهم أن المواطن ما زال حيا، وإن تظاهر بالعكس.

ترامب مجرم الصفقة والمحرقة
ترامب مجرم الصفقة والمحرقة

يمني برس

timeمنذ 6 ساعات

  • يمني برس

ترامب مجرم الصفقة والمحرقة

يمني برس || مقالات رأي: تمر غزة اليوم بمحنة إنسانية ومحرقة غير مسبوقة، وسط مشهد معقّد تتقاطع فيه إرادات ومصالح متضاربة. في خطوة لافتة، أعلن دونالد ترامب انسحاب الولايات المتحدة من وساطتها المزعومة في صفقة غزة، محمّلًا المقاومة وحدها المسؤولية، لكنه في جوهر موقفه يعلن بخبث تخليه عن فشل سياسي وعسكري متواصل يعانيه نتنياهو، ويتركه وحيدًا في مواجهة واقع صارم وقاسٍ. هذا الانسحاب، وفق التقدير الأولي، لا يعني نهاية الوساطة، بل هو مناورة سياسية ماكرة تهدف إلى الضغط على المقاومة لانتزاع تنازلات قبل استئناف التفاوض، في محاولة لإعادة فرض معادلات ميدانية وسياسية وإنسانية جديدة على الأرض. خيارات ترامب: إما الدفع باتجاه صفقة شاملة تجمع بين التطبيع وإعادة الإعمار، تُهمّش المقاومة وتُعيد تشكيل قيادة فلسطينية ملك اليمين، عبر إدارة مشتركة عربية–أمريكية–صهيونية، ترسخ واقعًا جديدًا يضمن استمرار السيطرة الصهيونية بشكل مختلف، أو الاستمرار في سياسة الاستنزاف التي تهدف إلى تثبيت الهيمنة على القطاع دون الدخول في مواجهة عسكرية شاملة قد تؤدي إلى تصعيد إقليمي واسع أو اشتعال ثورة شعبية عالمية، خصوصًا في العواصم الغربية. في هذا السياق، يستغل ترامب المحرقة السياسية والإنسانية لتحقيق مكاسب إقليمية وشخصية، ربما على أمل نيل جائزة نوبل للسلام. أما نتنياهو، فهو اليوم في مأزق حقيقي، أمام خيارات محدودة وصعبة: إبرام صفقة جزئية قد تهدئ الغضب الدولي مؤقتًا، لكنه لا يريدها أن تمنع تجديد العدوان بعد 60 يومًا، أو تصعيد إبادة غزة عبر فرض حصار خانق وتقطيع أوصاله، أو اللجوء إلى خيار الاحتلال الكامل، الذي قد يُسقطه في وحل الاستنزاف. هذا الخيار الأخير يحمل مخاطر سياسية وإنسانية جسيمة، لا سيما على الأسرى الفلسطينيين ومستقبل القطاع برمته. يظل هدف نتنياهو الأساسي ربط مصيره السياسي بنتائج الحرب، في محاولة محو عار السابع من أكتوبر، وهو يعاني من غياب بدائل حقيقية بين الغرق في مستنقع غزة أو قبول صفقة مجتزأة لا تضمن له استقرارًا طويل الأمد، أو صفقة شاملة تُغلق ملف غزة بالكامل، تمهيدًا لانتخابات قد تعيده إلى السلطة. وسط هذه الخيارات المعقدة والمتشابكة، تظل غزة تكتوي بنار المحرقة، لكنها في الوقت ذاته تمثل حجر الزاوية في القضية الفلسطينية وأملها المستمر. تؤمن غزة أن النصر الحقيقي لا يُصنع بالقوة وحدها، بل بالإرادة الصلبة، والوعي الوطني، والصمود الأسطوري. بوصلتها الوطنية الثابتة ترفض أي تسوية تُفرغ القضية من جوهرها، وتصر على ضمان عدم تجدد المحرقة. في نهاية المطاف، تقع المسؤولية الكبرى على عاتق الفلسطينيين والعرب، الذين عليهم أن يختاروا طريق التحرر الحقيقي عبر وحدة وطنية صلبة تواجه المشاريع الإقليمية والدولية التي تحاول تصفية القضية عبر التطبيع والصفقات الجزئية. فالقرار النهائي لا يقع في أروقة البيت الأبيض أو الكنيست، بل ينبع من عزيمة الشعب الفلسطيني وصموده المتجدد، ومن عمق عربي يواجه لحظة تحدٍ حقيقية بين الوفاء لقضيته أو الغرق في غثائية الخذلان.

«السويداء» .. و«محنة» سوريا الموحدة
«السويداء» .. و«محنة» سوريا الموحدة

بوابة الأهرام

timeمنذ 15 ساعات

  • بوابة الأهرام

«السويداء» .. و«محنة» سوريا الموحدة

بقاء سوريا موحدة، حكومتها تعمل لحماية الأرض والعرض والكرامة لكل مواطنيها هو الضامن الأكبر للاستقرار والتنمية والهوية الوطنية الجامعة، علاوة على تعويض السنوات العجاف التى عاشها السوريون، وبسببها هاجر ملايين إلى بلدان قريبة وبعيدة، وملايين آخرون رحلوا الى مناطق غير مناطقهم، فى الداخل مجبرين، لكنهم لم يجدوا فيها إلا قليلا من الأمن والرزق والكرامة. كل ذلك يشكل الاختبار الأكبر أمام النظام الانتقالى الجديد، النجاح فيه لا بديل عنه. الخطاب التصالحى الذى يُصر عليه احمد الشرع، رئيس الحكومة الانتقالية الراهنة، ويكرره فى كل لحظة فارقة، وإن عبر عن نيات حسنة فى بعض مكوناته، لكنه لا يكفى، الأمر يتطلب إجراءات على الأرض، خطوات حاسمة تحول النيات الى أفعال يشعر بها الجميع، تغلق الثغرات من جانب وتفتح أبواب الأمل من جانب آخر. وهنا تبدو أهم عقبة وهى غياب التوافق العام لكل المكونات السورية حول وجوب الاسهام الرشيد لبناء سوريا جديدة لكل مواطنيها، فى ظل السلطة الانتقالية الراهنة، إذ هى من لون واحد يغلب عليها أيديولوجية غير مقبولة من الجميع، لا سيما وأن القوى الحاملة لسوريا ما بعد الأسد، والمهيمنة على السلطة الانتقالية تجمع بين السوريين وغير السوريين حاملى جنسيات أجنبية شاركوا فى محاربة نظام الأسد كمرتزقة، تحت مظلة مجموعات مسلحة ذات توجهات دينية، وأولوية الولاء لديهم هو للجماعة الأم وأيديولوجيتها الدينية والسياسية، ما يتعارض عمليا مع الولاء للدولة السورية الجديدة، وهو ما تجسد فى المواجهات فى مناطق العلويين فى الساحل السورى قبل شهر ونصف الشهر. وتكرر الامر ثانية فى السويداء، حيث جرت المواجهة بين مسلحى الدروز الموالين لشيخ العقل حكمت الهاجرى وشيوخ عقل آخرين يحملون توجهات مضادة لسوريا الموحدة، ويميلون لحماية إسرائيلية مزعومة، بل ويروجون إلى أن الدروز هم جزء من أرض إسرائيل التاريخية، وهو الوصف الصادم الذى استخدمه الشيخ الدرزى مروان كيوان فى تصريحات ممجوجة لإحدى القنوات العبرية قبل ثلاثة أيام، بل ومُرشحا لقاتل الأطفال نيتانياهو لما ادعاه جائزة نوبل للسلام، لأنه وفقا لكيوان حمى الدروز من السلطة الجديدة فى دمشق. ما يشكل تحديا غير مسبوق لسوريا الموحدة، وللتوجهات العروبية للمكونات السورية الاخرى. ويزداد الامر تعقيدا مع تلك الدعوات من مجموعة الهجرى الدرزية لتشكيل ما وصفوه تحالفا مع الأكراد فى الشمال السورى لمواجهة الحكومة الانتقالية. وهى دعوة تستهدف ليس فقط الضغط على النظام الجديد لمراعاة مطالب خاصة بالدروز فى السويداء، بل لخدمة المشروع الإسرائيلى الهادف إلى ربط سوريا المقسمة استراتيجيا بإسرائيل ومطامعها الاقتصادية، المسمى ممر داوود. شق من خطورة تلك الدعوة أنها تدفع الأكراد، علاوة على أسباب أخرى ذاتية، إلى التريث فى تطبيق الاتفاق الخاص بدمج قوات «قسد الكردية»، مع التمسك بصيغة فيدرالية للحكم وليس صيغة مركزية كما هى واردة فى الإعلان الدستورى السورى. والحجة المطروحة، وجزء منها مشهود فى الواقع المعاش، أن طبيعة نظام المرحلة الراهن ودستورها الانتقالى والقوى الحاملة للمشروع وأيديولوجيتها الدينية، ونزوعها للمخالفة مع قناعات الآخرين الدينية، ليست مؤهلة لحماية التنوع المجتمعى، بل تتصادم مع قناعات الغالبية السورية، ما يجعل الصيغة المركزية لحكم سوريا بحاجة إلى إعادة نظر، ومزيد من الحوار المجتمعى المعمق. وجاء قرار «قسد» تأجيل تسليم السلاح للحكومة الانتقالية والإصرار على النظر فى الامر بعد ثلاث سنوات على الأقل، ليضع حكومة الشرع، امام مأزق استراتيجى كبير، وتدل المواجهات التى جرت بين مسلحى الطرفين الحكومى والكردى إلى ان فجوة الثقة فى سوريا موحدة وتحت سلطة مركزية هو امر غير مؤهل للنجاح فى ظل بيئة داخلية غير متناسقة تفتقد الى التوافق العام حول سوريا المبتغاة، كبلد يحمى كل مواطنيه ومكوناته المجتمعية المتعددة عرقيا وطائفيا. فى السياق ذاته المناهض للسلطة الانتقالية، صدر بيان 21 يوليو الحالى، وصفه كاتبوه بأنه ثورى صادر عن أبناء السويداء يعلن تأسيس الإدارة الذاتية لإقليم جبل العرب، بسبب ما يعتبرونه وجود سلطة تكفيرية لا تعرف سوى الغدر، ويرفضون أى وصاية من سلطة ديكتاتورية. والمثير ان اللقاء الذى تم بين وزير خارجية السلطة الانتقالية اسعد الشيبانى ومسئولين إسرائيليين فى باريس برعاية أمريكية، وضغوط عسكرية إسرائيلية، قد انتهى إلى الاتفاق على منح الدروز حكما ذاتيا، والحق فى نشر مسلحيهم بدلا من قوات الامن الحكومية فى الجنوب السورى، وتشكيل مجموعات امن ذاتية وإدارة لتقديم الخدمات. بعبارة أخرى انسحاب السلطة القائمة فى دمشق من جنوب البلاد، والتسليم بوضع خاص لها، مع الاخذ فى الاعتبار التطلعات الإسرائيلية العدوانية الطامعة فى الاراضى السورية. ويزداد الامر تعقيدا مع تأسيس ما يسمى رابطة الثوار القدامى فى سوريا، وهم الذين يعتبرون أنفسهم من بدأ الثورة ضد نظام بشار الأسد قبل 14 عاما، ولكنهم بعد التضحيات التى بذلوها وجدوا أنفسهم خارج السلطة الجديدة، التى تمادت فى تهميش الكفاءات الوطنية، وفى ممارسة التجاوزات والتقصير وغياب المحاسبة لمرتكبى الجرائم، داعين إلى المحاسبة والشفافية والانتقال السلمى العادل وفقا لرؤيتهم. وتبدو السلطة الانتقالية بعيدة تماما عن إدراك مخاطر تهميش الاخرين، كما أن توجهها نحو العدو التاريخى لسوريا وللمنطقة بأسرها من اجل تطبيع وهمى فى ظل فقدان توازن القوى مع الكيان الإسرائيلى، يجعل إعادة بناء سوريا موحدة، وفق أسس وطنية جامعة مسٍألة مشكوكا فيها على الأقل لعدة سنوات مقبلة.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

هل أنت مستعد للنغماس في عالم من الحتوى العالي حمل تطبيق دايلي8 اليوم من متجر ذو النكهة الحلية؟ ّ التطبيقات الفضل لديك وابدأ الستكشاف.
app-storeplay-store