logo
الدين لله .. والوطن للعرب فقط!!

الدين لله .. والوطن للعرب فقط!!

بوابة الأهرام٠٢-٠٦-٢٠٢٥
إذا كنت من المعروفين بالعمل في مراكز البحث والمعلومات، والإعلام وكل ما يتعلق بالتعامل مع الرأي العام مباشرة، ستجد من يعرض عليك التعاون بمقابل مادي مغرٍ، مع مراكز ومؤسسات وكيانات تطلق على نفسها اسم "مراكز الدبلوماسية الروحية"، وتدعي التنوير والتدين، وتأخذ في إعادة تأويل النصوص الدينية، ونصوص التفسير، وتركز على قيم الود والتسامح، والتعايش والسلام، وخاصة ما يختص بالقضايا الشائكة في الشرق الأوسط والصراع العربي-الإسرائيلي.
هذه الكيانات التي انتشرت بشكل كبير بعد التطبيع الإسرائيلي مع عدد من دول الخليج والمغرب والسودان ، ومع حرب الإبادة التي ترتكبها قوات الاحتلال الصهيوني بحق الشعب العربي الفلسطيني، يتم من خلالها ضخ مليارات الدولارات على مراكز البحث والمعلومات ووسائل الإعلام وعشرات الفعاليات بدول المنطقة التي أطلقت عليها الولايات المتحدة الأمريكية "الشرق الأوسط"، باعتبارها " شرق أوسط" لموقعها، بما يدل على أن أمريكا تنظر إلى نفسها أنها مركز العالم والمهيمنة عليه!!
وتسعى هذه الكيانات إلى إقناع الشعب العربي بضرورة مزج ديانات "اليهودية والمسيحية والإسلام" في رسالة واحدة أو دِين واحد يجتمع عليه الناس، لوقف النزاعات والصراعات التي تؤدي إلى إزهاق الأرواح وإراقة الدماء والحروب المسلحة بين الناس "اليهود والعرب، بل بين أبناء الدين الواحد "سنة وشيعة ".
كما تسعى إلى تغيير الخطاب الديني ومسخ هوية ومعتقدات أبناء شعوب المنطقة، وقد ظهر جليًا ذلك فى إعلان "اتفاق أبراهام"، الذي يعطي كل أبناء الديانات ممن هم من سلالة سيدنا إبراهيم عليه السلام، الصلاة في "جبل الهيكل" الذي هو الاسم العبري للمسجد الأقصى المبارك، ما يعني أخذ الشرعية من العرب بأن المسجد الأقصى ليس خالصًا للمسلمين، وهو بند خطير لأنه يعطي حقًا مزعومًا لليهود للصلاة في المسجد الأقصى!!
مؤسسة "راند"، وهي مؤسسة أمريكية بحثية ذات صلة مباشرة بالمحافل الماسونية، ومن أهم مؤسسات الفكر الأمريكية ذات التأثير في دوائر صنع القرار في الإدارة الأمريكية، خاصة فيما يتعلق بشئون الشرق الأوسط الكبير، بينت في تقريريها 2005 و 2007؛ إن من أهم أهداف "اتفاق أبراهام" هو إعادة بناء الدين الإسلامي ودمجه في الثقافة الغربية، وإعادة قراءة نصوص القرآن والسنة في ظل مقررات هذه الثقافة، ليكون العالم تحت الهيمنة الأمريكية في نظامٍ مستمر مستقر على حد وصفها !!
ووصف تقرير المؤسسة "الإسلام المدني الديمقراطي: الشركاء والموارد والإستراتيجيات" بأنه "حائط منيع أمام محاولات التغيير، وقام بتصنيف المسلمين إلى أربع فئات: أصوليين، تقليديين، حداثيين، علمانيين.
والخطورة في تقارير "راند" أنها تشكل المرجع الأساسي في توجيه صناع القرار الأمريكي، خاصة مسئولي وزارة الدفاع الأمريكية، فيكفي الإشارة إلى أن بول بريمر، الحاكم الأمريكي المدني السابق في العراق، قد ذكر صراحة في مذكراته عن غزو العراق، أنه ما إن وطئت قدماه أرض العراق وبدأ يسأل عن كيفية إدارة هذه الدولة، وإن تقرير مؤسسة "راند" الإستراتيجي كان أفضل السبل لتسيير الوضع في العراق!!
على جانب آخر، وفى نفس السياق، يأتى اتفاق "أبراهام" المشبوه، من أجل دمج الكيان الصهيوني في العالم الإسلامي عامة والمنطقة العربية خاصة؛ لينتقل من كيانٍ مرفوض إسلاميًا وعربيًا إلى كيانٍ مرحبٍ به ومرغوبٍ فيه، وليس جسمًا غريبًا وافدًا إليها كما هو الحال.
ومن الأهداف أيضًا: أن بسط الولايات المتحدة والدول الغربية نفوذها على البلاد الإسلامية والعربية وثرواتها لا يصبح محل استقباح وتهمة؛ لأننا الآن جميعًا أبناء دينٍ واحد، ولا نظر للعداء القديم بعد أن دخلنا في الدين الإبراهيمي الجديد.
فالهدف العام إذن: اغتصاب المنطقة العربية والإسلامية عبر دمج الصهاينة فيها، وإضفاء المشروعية على النفوذ الأمريكي والغربي، وهذه الإستراتيجية اكتملت أُسسها في عهد أوباما، وتبنتها إدارة ترامب وبلورتها تحت عنوان: خدمة السلام في الشرق الأوسط وإنهاء الصراع، وتلقفتها العواصم الغربية بقبول وترحاب غير مسبوقين .
إن تعايش العرب من مسلمين ومسيحيين لا مشكلة لديهم مع أبناء الدين اليهودي بدلالة معيشة أبناء هذا الدين بحرية واحترام في البلدان العربية على مدى قرون، وبالتالي فإن التعايش بين الأديان الإبراهيمية الثلاثة أمر ممكن وحاصل على أرض الواقع، لكن المرفوض وغير الممكن حقًا، هو التعايش مع أتباع الكيان الصهيوني الغاصب، الذي قتل وشرد شعبًا واحتل أرضه، وجلب ملايين البشر من عتاة الإجرام من شتى بقاع العالم؛ بناء على أسطورة دينية، ويريد اليوم أن يفرض علينا تطبيعًا سياسيًا وثقافيًا ودينيًا باعتباره "تعايش أديان"!!
واختتم بما جاء فى بيان مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر الشريف وحسمه لما يسمى (الدين الإبراهيمي)، حيث أكد أنها "ديانة" لا تتفق مع أصول أي دين من الأديان السماوية، ولا مع فروعه، ولا مع طبيعة الخلق وفطرتهم التي تقوم على الاختلاف في اللون والعرق وحرية العقيدة، كما أنها تُخالف صحيح ما ورد في القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة، وما اتفق عليه إجماع علماء كل دين من الأديان وكل ملة من الملل.
وأكد البيان أن الأزهر الشريف يرفض رفضًا قاطعًا مثل هذه الدعاوى، كما يؤكد أن هذا الرفض لا يتعارض مع التعاون في المشتركات بين الأديان لتقديم العون والمساعدة للناس وتخفيف آلامهم وأحزانهم، وعلى هؤلاء الداعين لمثل هذا التوجه أن يبحثوا عن طريق آخر يحققون به مصالحهم، وينفذون به أجنداتهم، بعيدًا عن قدسية أديان السماء وحرية الاختيار المرتبطة بها، وأن يتركوا الدين لله ويذهبوا بأغراضهم حيث يريدون، فإن الله لم ينزل دينه ليكون مطية لتحقيق المآرب السياسية، أو أداة للانحرافات السلوكية والأخلاقية.
لإن الإخلال بالعبودية لله حقيقته عبودية بشر لبشر.. وهو ما يريدون فعله.
فمقولتهم "الدين لله والوطن للجميع" مقولة مغلوطة؛ لأن الدين والوطن والجميع لله، وعلى العرب أن يعلموا ويعملوا بمقولة "الدين لله.. والوطن لله.. ولهم فقط ".
Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

مدير العالمي لفتوى الأزهر: الفُرقة أخطر ما يهدد جسد الأمة
مدير العالمي لفتوى الأزهر: الفُرقة أخطر ما يهدد جسد الأمة

بوابة الأهرام

timeمنذ 5 ساعات

  • بوابة الأهرام

مدير العالمي لفتوى الأزهر: الفُرقة أخطر ما يهدد جسد الأمة

شيماء عبد الهادي ألقى الدكتور أسامة هاشم الحديدي، مدير عام مركز الأزهر العالمي للفتوى الإلكترونية خطبة الجمعة من المركز الإسلامي بلندن، تناول فيها عددًا من القضايا الكبرى التي ترتبط بتعزيز القيم، وتحقيق التماسك المجتمعي، والتكامل الإنساني، في ضوء التعاليم الإسلامية السمحة، بحضور نخبة كبيرة من علماء المسلمين ومسؤلي المؤسسات الدينية في الشرق والغرب. موضوعات مقترحة استهل الحديدي خطبته،بحسب بيان صحفي أصدره مركز الأزهر العالمي للفتوي الاليكترونية اليوم السبت، بالتأكيد على أن الإسلام ليس شعائر منعزلة عن واقع الإنسان، بل هو بناء تعبدي وقيمي وأخلاقي شامل يُعد أساسًا لتحقيق الاستخلاف والعمران الحضاري في الأرض، مشددًا على أن الأسرة هي لبنة بناء الإنسان الأولى وفق تعاليم الإسلام الشاملة، ومتى صلحت صلح المجتمع، وأن القرآن والسنة وضعا قواعد متينة لصيانة الأسرة وحمايتها. وأكد أن تحقيق العبادة الحقيقية لا يكون إلا من خلال قيم تحكم السلوك وتضبط المعاملات، وأن الشريعة الإسلامية لا تنفصل عن الحياة، بل تتكامل مع الواقع في ضوء مقاصد سامية، على رأسها العدل، والرحمة، والكرامة، والعمران. وتطرق الحديدي إلى أهمية التكامل الإنساني والتعارف بين الشعوب، معتبرًا أن الآية الكريمة: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا ۚ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ} [الحجرات: 13] تشكل خطابًا عامًّا موجّهًا إلى البشرية جمعاء، وترسم أفقًا واسعًا للتواصل بين الحضارات، والتفاهم بين الثقافات، مضيفًا أن التفاضل الحقيقي إنما يكون بالتقوى والعمل الصالح، لا بالجنس أو العرق أو اللون. وتابع: إن التمكين في الأرض وعد إلهي لا يتحقق إلا بالجمع بين الإيمان والعمل الصالح، كما جاء في قوله تعالى: {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَىٰ لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا ۚ يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا ۚ وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَٰلِكَ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} [النور: 55]، مشيرًا إلى أن أصل التمكين نابع من العبادة الخالصة، والعمل الجاد المستند للقيم. وفي سياق متصل، أوضح فضيلته أن الإسلام لا يفصل بين الأخوة الدينية والأخوة الإنسانية، بل يجمع بينهما في تناغم فريد، وأن "وثيقة المدينة" التي أسسها سيدنا رسول الله ﷺ في المدينة المنورة كانت أنموذجًا واقعيًّا متقدمًا للتعايش المشترك بين مختلف الأديان والأعراق داخل وطن واحد، وضمَّنها بنودًا حضارية تكفل الحقوق، وتعامل الجميع كأمة واحدة إلا من ظلم وغدر. وعن الوحدة الإسلامية، أكد الدكتور الحديدي أنها ليست شعارًا سياسيًّا، بل أصل شرعي، ومبدأ قيمي، يجب أن يُبنى على العلم والتواصل والرحمة، مستدلًا بقول الله تعالى: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا} [آل عمران: 103]، مشيرًا إلى أن الفرقة والتمزق لا يخدمان إلا أعداء الأمة. واختتم مدير عام مركز الأزهر العالمي للفتوى الإلكترونية خطبته بالتأكيد على أن "الوحدة العلمائية" بين علماء المسلمين من شتى البقاع، هي أساس الوصول إلى وحدة الأمة، وأن اجتماع العلماء اليوم في لندن لمناقشة قضايا الأسرة والتماسك المجتمعي في أجواء تسودها المحبة والتآخي، هو تجسيد عملي لمبدأ الوحدة العلمائية التي يسعى لها الأزهر الشريف عبر بعثاته وبرامجه العالمية. بعد صلاة الجمعة، دار نقاش مثمر وحوار مفتوح بين الدكتور أسامة الحديدي وعدد من المصلين، الذين حرصوا على طرح تساؤلاتهم حول موضوع الخطبة وغيره من الموضوعات والقضايا التي تهم المسلمين في أوروبا عمومًا وبريطانيا خصوصًا، في أجواء تسودها المحبة والاحترام، وقد أبدى كثير من الحضور ثناءً عطرًا على جهود الأزهر الشريف في نشر الفكر الوسطي، وتصحيح المفاهيم، وتعزيز التواصل الحضاري، مؤكدين أن دور علماء الأزهر في المجتمعات الغربية ترك أثرًا إيجابيًّا كبيرًا في نفوس المسلمين، وعزز ثقتهم بهويتهم الدينية والثقافية. وتأتي هذه الخطبة ضمن سلسلة أنشطة الأزهر الشريف في مختلف البلدان؛ اضطلاعا بأدواره العالمية، والتي تهدف إلى تعزيز الخطاب الديني المعتدل، ونشر القيم الإسلامية الأصيلة، وترسيخ التعايش السلمي بين أفراد المجتمعات. الدكتور أسامة هاشم الحديدي يلقي خطبة الجمعة من المركز الإسلامي بلندن الدكتور أسامة هاشم الحديدي يلقي خطبة الجمعة من المركز الإسلامي بلندن الدكتور أسامة هاشم الحديدي يلقي خطبة الجمعة من المركز الإسلامي بلندن

موعد إجازة المولد النبوي 2025 للموظفين.. كم يومًا إجازة؟
موعد إجازة المولد النبوي 2025 للموظفين.. كم يومًا إجازة؟

بوابة الفجر

timeمنذ 6 ساعات

  • بوابة الفجر

موعد إجازة المولد النبوي 2025 للموظفين.. كم يومًا إجازة؟

موعد إجازة المولد النبوي 2025 للموظفين.. أعلنت أجندة العطلات الرسمية، على الموقع الإلكتروني لرئاسة الجمهورية، أن يوم الخميس الموافق 4 سبتمبر 2025، سيكون عطلة رسمية مدفوعة الأجر بمناسبة المولد النبوي الشريف، والذي يوافق 12 من شهر ربيع الأول لعام 1447 هجريًا. وتشمل الإجازة العاملين في كل من القطاعين العام والخاص. موعد إجازة المولد النبوي 2025 للموظفين موعد إجازة المولد النبوي 2025 للموظفين يُعد المولد النبوي الشريف من أبرز المناسبات التي يحتفل بها المصريون كل عام، لما لها من مكانة خاصة في الوجدان الشعبي والديني. وتشهد هذه المناسبة تنظيم العديد من الفعاليات الروحية والثقافية، من أبرزها المجالس التي تُعنى بذكر سيرة النبي صلى الله عليه وسلم، إضافة إلى الابتهالات والمدائح النبوية التي تعكس عمق الارتباط الوجداني برسول الله. الإفتاء: الاحتفال بالمولد النبوي مستحب وله أصل شرعي وفي هذا السياق، أوضحت دار الإفتاء المصرية، عبر صفحتها الرسمية على موقع "فيسبوك"، أن الاحتفال بالمولد النبوي الشريف هو أمر مستحب في الشريعة الإسلامية، وله أصل ثابت في القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة، وأجمع على مشروعيته كبار علماء الأمة على مر العصور. مظاهر الاحتفال المشروعة تعبير عن المحبة والاقتداء بالنبي وأكدت دار الإفتاء أن أشكال الاحتفال المقبولة شرعًا تشمل الذكر والإنشاد الديني، والصيام، والقيام، وإطعام الطعام تقربًا لله عز وجل. ولفتت إلى أن هذه المظاهر لا تخرج عن إطار المشروع، بل تُعد تعبيرًا عن محبة صادقة للنبي الكريم، وفرصة لغرس القيم التي دعا إليها والاقتداء بسنته الطاهرة. ما تبقى من الإجازات الرسمية في مصر لعام 2025 وبحسب جدول الإجازات الرسمية المُعلن، فإن ما تبقى من العطلات الرسمية في مصر حتى نهاية عام 2025 يشمل: الإجازة التاريخ عيد ثورة 23 يوليو الأربعاء 23 يوليو إجازة المولد النبوي الخميس 4 سبتمبر عيد القوات المسلحة الإثنين 6 أكتوبر

بالصور مدير العالمي لفتوى الأزهر يلقي خطبة الجمعة في المركز الإسلامي بلندن
بالصور مدير العالمي لفتوى الأزهر يلقي خطبة الجمعة في المركز الإسلامي بلندن

بوابة ماسبيرو

timeمنذ 7 ساعات

  • بوابة ماسبيرو

بالصور مدير العالمي لفتوى الأزهر يلقي خطبة الجمعة في المركز الإسلامي بلندن

ألقى الدكتور أسامة هاشم الحديدي، مدير عام مركز الأزهر العالمي للفتوى الإلكترونية خطبة الجمعة من المركز الإسلامي بلندن، تناول فيها عددًا من القضايا الكبرى التي ترتبط بتعزيز القيم، وتحقيق التماسك المجتمعي، والتكامل الإنساني، في ضوء التعاليم الإسلامية السمحة، بحضور نخبة كبيرة من علماء المسلمين ومسؤلي المؤسسات الدينية في الشرق والغرب. استهل الحديدي خطبته بالتأكيد على أن الإسلام ليس شعائر منعزلة عن واقع الإنسان، بل هو بناء تعبدي وقيمي وأخلاقي شامل يعد أساسا لتحقيق الاستخلاف والعمران الحضاري في الأرض، مشددًا على أن الأسرة هي لبنة بناء الإنسان الأولى وفق تعاليم الإسلام الشاملة، ومتى صلحت صلح المجتمع، وأن القرآن والسنة وضعا قواعد متينة لصيانة الأسرة وحمايتها. وأكد أن تحقيق العبادة الحقيقية لا يكون إلا من خلال قيم تحكم السلوك وتضبط المعاملات، وأن الشريعة الإسلامية لا تنفصل عن الحياة، بل تتكامل مع الواقع في ضوء مقاصد سامية، على رأسها العدل، والرحمة، والكرامة، والعمران. وتطرق الحديدي إلى أهمية التكامل الإنساني والتعارف بين الشعوب، معتبرًا أن الآية الكريمة: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا ۚ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ} [الحجرات: 13] تشكل خطابًا عامًّا موجّهًا إلى البشرية جمعاء، وترسم أفقًا واسعًا للتواصل بين الحضارات، والتفاهم بين الثقافات، مضيفًا أن التفاضل الحقيقي إنما يكون بالتقوى والعمل الصالح، لا بالجنس أو العرق أو اللون. وتابع: إن التمكين في الأرض وعد إلهي لا يتحقق إلا بالجمع بين الإيمان والعمل الصالح، كما جاء في قوله تعالى: {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَىٰ لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا ۚ يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا ۚ وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَٰلِكَ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} [النور: 55]، مشيرًا إلى أن أصل التمكين نابع من العبادة الخالصة، والعمل الجاد المستند للقيم. وفي سياق متصل، أوضح أن الإسلام لا يفصل بين الأخوة الدينية والأخوة الإنسانية، بل يجمع بينهما في تناغم فريد، وأن "وثيقة المدينة" التي أسسها سيدنا رسول الله ﷺ في المدينة المنورة كانت أنموذجًا واقعيًّا متقدمًا للتعايش المشترك بين مختلف الأديان والأعراق داخل وطن واحد، وضمَّنها بنودًا حضارية تكفل الحقوق، وتعامل الجميع كأمة واحدة إلا من ظلم وغدر. وعن الوحدة الإسلامية، أكد الدكتور الحديدي أنها ليست شعارًا سياسيًّا، بل أصل شرعي، ومبدأ قيمي، يجب أن يبنى على العلم والتواصل والرحمة، مستدلًا بقول الله تعالى: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا} [آل عمران: 103]، مشيرًا إلى أن الفرقة والتمزق لا يخدمان إلا أعداء الأمة. واختتم مدير عام مركز الأزهر العالمي للفتوى الإلكترونية خطبته بالتأكيد على أن "الوحدة العلمائية" بين علماء المسلمين من شتى البقاع، هي أساس الوصول إلى وحدة الأمة، وأن اجتماع العلماء اليوم في لندن لمناقشة قضايا الأسرة والتماسك المجتمعي في أجواء تسودها المحبة والتآخي، هو تجسيد عملي لمبدأ الوحدة العلمائية التي يسعى لها الأزهر الشريف عبر بعثاته وبرامجه العالمية. بعد صلاة الجمعة، دار نقاش مثمر وحوار مفتوح بين الدكتور أسامة الحديدي وعدد من المصلين، الذين حرصوا على طرح تساؤلاتهم حول موضوع الخطبة وغيره من الموضوعات والقضايا التي تهم المسلمين في أوروبا عمومًا وبريطانيا خصوصًا، في أجواء تسودها المحبة والاحترام، وقد أبدى كثير من الحضور ثناءً عطرًا على جهود الأزهر الشريف في نشر الفكر الوسطي، وتصحيح المفاهيم، وتعزيز التواصل الحضاري، مؤكدين أن دور علماء الأزهر في المجتمعات الغربية ترك أثرا إيجابيا كبيرا في نفوس المسلمين، وعزز ثقتهم بهويتهم الدينية والثقافية. وتأتي هذه الخطبة ضمن سلسلة أنشطة الأزهر الشريف في مختلف البلدان؛ اضطلاعا بأدواره العالمية، والتي تهدف إلى تعزيز الخطاب الديني المعتدل، ونشر القيم الإسلامية الأصيلة، وترسيخ التعايش السلمي بين أفراد المجتمعات.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

هل أنت مستعد للنغماس في عالم من الحتوى العالي حمل تطبيق دايلي8 اليوم من متجر ذو النكهة الحلية؟ ّ التطبيقات الفضل لديك وابدأ الستكشاف.
app-storeplay-store