
آلاف الطلبة محرومون من الامتحانات في شمال شرقي سوريا
الحسكة- تحمل الطالبة في الثانوية العامة آرين إبراهيم كُتبها وتقف حائرة أمام أصعب مصير وقرار تعيشه، فالامتحانات تتزامن مع موسم الحصاد الذي ينشغل فيه والدها، ولن يتمكن من مرافقتها إلى دمشق للتقدم للاختبارات، بينما يزداد قلق والدتها عليها بسبب الظروف الأمنية الصعبة هناك، وهو ما يهدد مستقبلها التعليمي.
تقول آرين إنها منذ عامين تواظب وتجتهد في دراستها، وإن والدها أنفق على تعليمها عبر المدارس والدروس الخاصة أكثر من 10 آلاف دولار أميركي، وتضيف للجزيرة نت "أصبحت مشتتة ولا أركز في دراستي، وأتساءل دوما عن سبب كل هذه الإجراءات، ولا أجد جوابا".
ومع سقوط النظام السوري، سارعت الإدارة الذاتية إلى وضع يدها على كامل المؤسسات والمرافق الحكومية، ومنها مديريات ومدارس الدولة السورية، وتمنع وزارة التربية والتعليم السورية من إجراء امتحانات الشهادتين الإعدادية والثانوية.
ضياع الحلم
وذكرت هيئة التربية والتعليم في الإدارة الذاتية -عبر بيان رسمي- أنها عقدت اجتماعا مع وزارة التربية والتعليم برعاية منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسف)، وعُقد اجتماع ثلاثي يومي 13 و14 أبريل/نيسان الماضي للتباحث بشأن آلية سير الامتحانات لطلاب الشهادتين، وتم الاتفاق على ضرورة التنسيق والتعاون المشترك لضمان سير الامتحانات بسلاسة في جميع أنحاء سوريا.
كما اتفق الطرفان على عقد لقاءات دورية، إضافة إلى اجتماع مشترك بين الفرق التقنية لكلا الجانبين، للتوصل إلى رؤية شاملة لتذليل الصعوبات التي يواجهها الطلبة، كتمديد فترة التسجيل، وتحديد مراكز الامتحانات، وضمان تقديمها في مناطقهم.
من جهتها، استثنت وزارة التربية والتعليم السورية طلاب مناطق الإدارة الذاتية في شمال شرقي سوريا من مواعيد التسجيل لامتحانات الشهادتين للعام الدراسي الحالي، وسمحت لطلاب محافظات الحسكة ودير الزور والرقة بالتسجيل بأي محافظة يختارونها، وهو ما يعني عدم التوصل لأيّ حلول واضحة.
وأمام هذا المشهد، اضطر والد آرين للسفر إلى دمشق وتسجيل ابنته لدى مديرية التربية هناك، وقال للجزيرة نت "بت أدرك جيدا فقدان ابنتي شغفها للتحصيل العلمي والتفوُّق، ستتغير الظروف والبيئة والأشخاص من حولها، وأرى أن مستقبلهم غير واضح المعالم".
وتحلم آرين -حسب والدها- بدراسة الطب البشري ونيل درجة الدكتوراه فيه، "كي تعود للتدريس في جامعة الفرات في الحسكة وعموم سوريا".
تكاليف وهواجس
ويتحمَّل الآباء وفقا للناشط المدني خالد أمين مبالغ كبيرة لتعليم أبنائهم في ظل وضع اقتصادي خانق ومجاعة، ويقول إن لديه طالبين في الشهادتين الإعدادية والثانوية، وتبلغ المصاريف التعليمية نحو 13 ألف دولار سنويا (5 آلاف دولار للشهادة الإعدادية، و8 آلاف دولار للشهادة الثانوية).
ويضيف للجزيرة نت "بعد كل هذه المصاريف اضطر الأهالي لسحب أوراق أبنائهم من المدارس والتوجه لتقديم امتحانات دراسة حرة في محافظات مثل حلب وحمص ودمشق، وبالتالي تكبد مصاريف إضافية لا تقل عن ألف دولار، فضلا عن عامل الخوف بسبب خطاب الكراهية المتنامي".
ويتابع "لا أرغب في التعميم ولا يصح أساسا، لكن بعض الموظفين في إحدى دوائر الامتحانات خارج الحسكة كانوا يتهامسون: لماذا نقبل الطلبة الأكراد لدينا؟ وهي رسالة خطيرة لم نعهدها في بلادنا ونخشى منها كثيرا".
وفي المقابل، انتقد كادرا حجي، من أهالي سري كانيه، الوضع قائلا للجزيرة نت "أبناؤنا يتعلمون لدى الإدارة الذاتية من دون أي اعتراف أو مستقبل، بينما يرسل المسؤولون لدينا أبناءهم لمدارس وجامعات الدولة ويؤمنون مستقبلهم، ندعو للمساواة في كل شيء، ولذا أنا مع القرار".
من جانبها، قالت المرشدة التربوية المنحدرة من الحسكة مرام كورية إن "طلاب الشهادات يعانون عادة من توتر وخوف من رهبة الامتحانات، أما المحرومون من تقديمها في مناطقهم فيعيشون التوتر الحاد، والإحباط، والقلق الوجودي".
إعلان
وأضافت للجزيرة نت أن هؤلاء الطلاب يمرّون بما يُعرف في علم النفس "بالصدمة التعليمية"، حيث "يُجبر الطالب على مواجهة واقع يتناقض مع جهوده الطويلة وتطلعاته المستقبلية، مما يولد شعورا بالعجز وفقدان السيطرة"، وقد يؤدي ذلك إلى عزوف بعض الطلاب عن متابعة تحصيلهم العلمي.
وحول خيار الأهالي بالهجرة المؤقتة للداخل السوري لتقديم الامتحانات وما يعتريها من مخاطر، يرى الناشط خالد أمين أن سياسات نظام الأسد مزَّقت سوريا لطوائف، وأوجدت بين أهلها الريبة والخوف والتخوين، مما خلق رعبا من السفر لباقي المحافظات، "ليأتي رفض الإدارة الذاتية إجراء الامتحانات في الحسكة والقامشلي وكأنه مقايضة للاعتراف السياسي بها، ليُجهز على آمال الطلاب بنيل مستقبل تعليمي آمن"، حسب قوله.
تسييس التعليم
من جهته، ينتقد الأكاديمي السابق فريد سعدون تحويل الامتحانات لمعضلة وقضية اجتماعية، ويقول للجزيرة نت "باتت تشكل خطرا واضحا على التماسك المجتمعي"، حسب قوله.
ويتحدث سعدون عن سياق التعليم قبل سقوط النظام بتأكيده أن الإدارة الذاتية كانت تضع جملة من العراقيل لمنع التعليم في مدارس الدولة، لكن النظام السابق خصص جزءا من مربعاته الأمنية في الحسكة والقامشلي للمدارس واستيعاب الطلاب لمتابعة التعليم.
ويضيف "حاليا بعد انهيار النظام البائد وسقوطه لم تعد هناك أيّ مربعات أمنية، وسيطرت الإدارة الذاتية على كامل المنطقة، بما فيها المدارس والمراكز التربوية".
وعدد الناشط خالد أمين الآثار الجانبية لهذا القرار قائلا "انقسم الملف التعليمي في شمال شرقي سوريا إلى الشائك والعام والداخلي من حيث تعدد المناهج وثنائية القرار التربوي، ثم تحول لعامل خارجي نتيجة الهجرة لخارج الوطن لضمان مستقبل الأبناء التعليمي، وتحمل الأهالي كافة الأعباء لحصول أبنائهم على تعليم ذي مستقبل ومعترف به، كل ذلك قبل سقوط النظام السوري".
لكن حاليا -يضيف أمين- "تسعى الإدارة الذاتية للاستثمار في الطالب والمنهاج والتعليم، وتريد الاعتراف بمناهجها الفاقدة لمعايير التعليم، والغريب أنها تتجاهل مصير الخريجين لديها ولم توفر لهم فرصا للعمل".
وتواصلت الجزيرة نت مع مصادر من هيئة التربية والتعليم في الإدارة الذاتية ووزارة التربية السورية من دون الحصول على إجابات واضحة أو الخوض في التفاصيل، واكتفوا بالقول "مستعدون لإنجاح العملية الامتحانية".
لكن مصادر خاصة بالجزيرة نت، قالت إن الإدارة الذاتية تسعى لاستغلال ورقة الامتحانات للحصول على مكاسب سياسية، في حين تصر وزارة التربية والتعليم على إشرافها الكامل على كل التفاصيل، أو "لن تجري الامتحانات".
لا حلول
وهو ما أكده الأكاديمي فريد سعدون بقوله للجزيرة نت إن محاولاته بالتواصل مع مسؤولين كبار في وزارة التربية والتعليم السورية والإدارة الذاتية لتذليل العقبات وإيجاد حل، ولو لهذه السنة، فشلت بسبب تعنت الطرفين، وسعي كل منهما لفرض شروطه مقابل إنجاز الامتحانات.
ويتابع "الإدارة الذاتية تشترط الاعتراف بمناهجها ومدارسها وجامعاتها، بينما تريد الدولة فرض سيطرتها ومراقبتها على الامتحانات، لتحقيق شروط النزاهة والموضوعية"
ويؤكد سعدون أنه ورغم اللقاءات الكثيرة بينهما لم تتلاق شروط الطرفين في نقطة واحدة، مما سينعكس سلبا على المجتمع، "واحتمالية عدم تمكن الآلاف من التقدم للامتحانات، بسبب ضعف الإمكانات المالية لدى الأغلبية، وبالتالي حرمانهم من التسجيل الجامعي للعام المقبل".
ويرى سعدون أن الحل يكمن في "تحييد" التعليم عن السياسة، وترك حرية اختيار المنهاج والامتحانات للطالب، وتقديم كافة التسهيلات لنجاح أيّ امتحانات، ودعا الدولة السورية للتفكير في وضع مقترح للاعتراف بمناهج الإدارة الذاتية ومدارسها وجامعاتها بعد إجراء التغييرات المطلوبة وفق المقاييس العلمية.
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


الجزيرة
منذ 2 ساعات
- الجزيرة
توافق أميركي تركي في واشنطن بشأن سوريا
أكدت مجموعة العمل التركية الأميركية المشتركة بشأن سوريا أهمية الحفاظ على وحدة أراضي سوريا ورفع مستوى التعاون والتنسيق بين أنقرة وواشنطن بشأن أمنها واستقرارها. وذكر بيان -صدر عقب اجتماع المجموعة في العاصمة الأميركية واشنطن، أمس الثلاثاء- أن أنقرة وواشنطن تتشاركان رؤية "سوريا مستقرة ومتعايشة بسلام مع نفسها وجوارها، مما يسمح بعودة ملايين النازحين". وقال البيان المشترك "ملتزمون برفع مستوى التعاون والتنسيق بشأن الاستقرار والأمن في سوريا كما حدده الرئيسان الأميركي دونالد ترامب والتركي رجب طيب أردوغان". وأضاف أن الوفدين الأميركي والتركي ناقشا رفع العقوبات الخاصة بسوريا بموجب توجيهات الرئيس ترامب، كما ناقشا الأولويات المشتركة في سوريا ومكافحة الإرهاب بجميع أشكاله. وأشار البيان إلى أن الولايات المتحدة وتركيا تدركان أهمية الحفاظ على وحدة الأراضي السورية، وأن سوريا مستقرة وموحدة ولا توفر ملاذا آمنا لمنظمات إرهابية ستدعم الأمن والازدهار الإقليميين. وكانت مصادر في وزارة الخارجية التركية ذكرت أن الاجتماع انعقد برئاسة مشتركة بين نوح يلماز نائب وزير الخارجية التركي ونظيره الأميركي كريستوفر لاندو. ويكتسب هذا الاجتماع أهمية كبيرة نظرا لانعقاده بعد لقاء مباشر بين الرئيسين السوري أحمد الشرع والأميركي دونالد ترامب في السعودية قبل أيام، وإعلان الأخير رفع العقوبات المفروضة على دمشق. وفي 16 مايو/أيار الجاري، قالت وزارة الخزانة الأميركية إنها تعمل مع وزارة الخارجية ومجلس الأمن القومي لتنفيذ توجيهات الرئيس ترامب بشأن رفع العقوبات عن سوريا، التي بدأت عام 1979 وأصبحت أكثر شمولا مع اندلاع الحرب في البلاد عام 2011. وفي الثامن من ديسمبر/كانون الأول 2024، بسطت فصائل سورية سيطرتها على دمشق بعد مدن أخرى، منهية 53 عاما من حكم عائلة الأسد. وفي 29 يناير/كانون الثاني الماضي، أعلنت الإدارة السورية تعيين أحمد الشرع رئيسا للبلاد، إلى جانب قرارات أخرى، منها حل الفصائل المسلحة والأجهزة الأمنية التابعة للنظام المخلوع، وكذلك مجلس الشعب (البرلمان)، وحزب البعث، وإلغاء العمل بالدستور.


الجزيرة
منذ 6 ساعات
- الجزيرة
الجزيرة الإخبارية تحصد 22 من جوائز "تيللي" وغزة تتصدر المنافسة
حصدت قناة الجزيرة الإخبارية 22 جائزة في مهرجان تيللي (Telly) الأميركي في نسخته الـ 46 ب نيويورك ، منها 3 ذهبيات على تغطيتها الإخبارية والبرامجية الاستثنائية عن الحرب الإسرائيلية على غزة ، 3 فضيات عن تغطية التطورات الأخيرة في سوريا. وتوزعت الذهبيات الثلاث على تقرير مراسل الجزيرة في غزة هشام زقوت عن تداعيات الحرب الإسرائيلية على القطاع، وتقرير الصحفي محمود الكن عن دبابة الميركافا وحلقة لبرنامج للقصة بقية عن الصحافة تتحدى الرصاص الذي تقدمه فيروز زياني. كما حصلت القناة على 12 جائزة فضية، توزعت معظمها بين تغطية الحرب على غزة وسوريا الجديدة بعد سقوط النظام، إلى جانب تغطية الانتخابات الأميركية الرئاسية والحرب في السودان وأوكرانيا. وحصلت أفلام الجزيرة الاستقصائية على 3 جوائز برونزية لأفلام (غزة بنك الأهداف، وصيدنايا وما أدراك ما صيدنايا، وصناعة رئيس) إلى جانب البرونزية ل لقاء حصري لفيروز زياني مع فريد المذهان والذي عرف لاحقا بقيصر ونجح في تهريب آلاف صور التعذيب والقتل إبان حكم الرئيس المخلوع بشار الأسد. وكان من اللافت حصول تغطية الجزيرة للحرب الإسرائيلية على غزة على 10 جوائز، ما يعدّ تقديراً من المهرجانات الأميركية لهذا الإنجاز، إذ فاز تقرير لمراسل الجزيرة في غزة أنس الشريف ببرونزية وكان قد نجح في وقت سابق في الوصول لنهائيات مهرجان نيويورك الدولي. إعلان كما فازت قناة الجزيرة الإنجليزية ب7 ذهبيات لبرامجها talk to Al Jazeera وFault line عن المجاعة في غزة، في حين فازت منصة الجزيرة 360 بـ3 ذهبيات لفيلمين من الحرب على غزة، وكذلك القطاع الرقمي الذي فاز بـ 3 ذهبيات. وعلى صعيد القنوات الأجنبية فقد فازت فوكس نيوز ب 5 جوائز فضية وبرونزي في تغطية الشأن الأميركي، كما فازت أي بي سي نيوز بـ6 جوائز مناصفة بين الذهبي والفضي لتغطيات من داخل سوريا بعد سقوط الأسد، كما فازت بي بي سي بـ3 جوائز في فئة الحملات.


الجزيرة
منذ 6 ساعات
- الجزيرة
رويترز: القيادة السورية وافقت على تسليم متعلقات كوهين لإسرائيل
نقلت وكالة رويترز، اليوم الثلاثاء، عن 3 مصادر قولها إن القيادة السورية وافقت على تسليم وثائق ومتعلقات عميل جهاز المخابرات الإسرائيلي (موساد) إيلي كوهين لتل أبيب. وقالت الوكالة إن مصدرا أمنيا سوريا ومستشارا لدى القيادة السورية وشخصا مطلعا على المحادثات السرية بين الجانبين قالوا إن أرشيف المواد عُرض على إسرائيل في مبادرة سورية غير مباشرة لتهدئة التوتر وبناء الثقة لدى الرئيس الأميركي دونالد ترامب ، وفق رويترز. وقد أعلن مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ، الأحد الماضي، جلب 2500 وثيقة وصورة وأغراض شخصية من سوريا لعميل الموساد إيلي كوهين في عملية وصفها بالسرية. وذكرت إسرائيل أن تلك العملية جرت عبر المخابرات الإسرائيلية بالتعاون مع جهاز مخابرات أجنبي لم تحدده للحصول على الوثائق والمتعلقات. وأفادت وسائل إعلام إسرائيلية حينها بأن الموساد جلب وثائق كوهين، الذي أُعدم بسوريا عام 1965 في ساحة المرجة بدمشق، من الأرشيف السوري الذي احتفظت به قوات الأمن السورية لعقود. ولم تعلّق السلطات السورية حتى الآن على الإعلان الإسرائيلي بجلب وثائق كوهين من أرشيف قوات الأمن السورية.