
لقاء نتنياهو وترامب: مفاجأة تلامس الإذلال
«أساس ميديا»
قبل حوالي شهرين من زيارة رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو الأخيرة للبيت الأبيض للقاء الرئيس الأميركي دونالد ترامب، نشر معهد السياسات والاستراتيجية في جامعة ريخمان المنظّم لمؤتمر هرتسيليا السنوي، دراسة لمجموعة باحثين إسرائيليّين بعنوان: 'اجتماع الرئيس ترامب برئيس الحكومة نتنياهو: هل نحن أمام قرار تاريخي؟'. توقّع الباحثون أن يُعقد الاجتماع بين الرئيس ترامب ورئيس الحكومة نتنياهو في توقيت استثنائي، ميزته الأساسية تقاطُع مسارات في مجال الأمن القوميّ والحصانة الداخلية، قبيل اتّخاذ قرارات مصيرية.
قبل أسبوع من الزيارة المفاجئة نشر معهد دراسات الأمن القومي مقالة لتامير هايمن بعنوان 'ثلاثة مسارات محتملة لتحقيق أهداف الحرب، واحد منها هو الأفضل'، وأرفقها بمجموعة توصيات ليستفيد منها نتنياهو في أيّ محادثات مع البيت الأبيض لإنهاء الحرب. لكنّ التوقيت الاستثنائي لهذه الزيارة التي كانت تنتظرها إسرائيل منذ فترة، جاء في الشكل على وقع رفع الرسوم الجمركية التي فرضها ترامب على الصادرات الإسرائيلية إلى الولايات المتّحدة، وفي الواقع أتى على وقع قرار ترامب التفاوض مع إيران، وعدم السماع لنصائح نتنياهو ورغباته في تفضيل الحلّ العسكري على الحلّ الدبلوماسي.
هذا ما أكّدته آنا برسكي في مقالتها في صحيفة معاريف بعنوان: 'ترامب أحرج نتنياهو على الهواء مباشرةً: الزيارة التي انهارت تحت وطأة الحقيقة'. إذ كتبت: 'صحيح أنّ الدافع الرسمي للزيارة الخاطفة التي قام بها نتنياهو للبيت الأبيض كان محاولة إقناع ترامب بتخفيض مستوى الرسوم الجمركية التي فُرضت على إسرائيل، لكن في الواقع يبدو أنّ القضية ليست قضيّة رسوم، بل المفاوضات المباشرة بين واشنطن وطهران هي السبب الحقيقي. حقيقة أنّ رئيس الولايات المتّحدة لا يزال يؤمن بالمسار الدبلوماسي في مواجهة إيران، تثير قلق نتنياهو منذ فترة طويلة، وحتّى الآن لم ينجح في إقناع ترامب بأنّ الدبلوماسية لن تُجدي نفعاً، بل ستمنح إيران الوقت وهامش مناورة. وقد سارع إلى القدوم إلى واشنطن حين أدرك مدى عُمق هذا التباين في المواقف ليعرض أمام دونالد ترامب على الأقلّ رؤيته بشأن ما يسمّيه 'اتّفاقاً نوويّاً حقيقيّاً''.
المضيف ينقلب على الضّيف
المعروف عن ترامب أنّه شخصية سياسية غير متوقَّعة ويخبّئ باستمرار مفاجآت غير سارّة لخصومه وحلفائه على السواء، ويُخضع ممارسة السياسة للعبة الـ Business ، إذ يحسب الكلفة والعوائد بدقّة متناهية. ومنذ انتخابه ووصوله إلى البيت الأبيض، لم يتوقّف الجدال في إسرائيل عن التوقيت الذي سينقلب فيه ترامب وتتدهور العلاقات بينه وبين نتنياهو، على خلفيّة التناقض الكبير والواضح بين أهداف كلّ منهما. أولويّات ترامب في إنهاء الحرب والتوسّع في اتّفاقات أبراهام التي يعتبرها من إنجازات عهده الأوّل تتعارض كلّياً مع أجندة نتنياهو وحلفائه في اليمين المتطرّف الذين يريدون 'حرباً بلا نهاية'.
انقلاب المضيف على الضيف في تبنّي المسار الدبلوماسي مع إيران وتذكيره بضرورة إنهاء الحرب في غزة وإطلاق سراح المحتجزين قد لا يعترف به نتنياهو بسهولة، ومن المتوقّع أن يستمرّ هذا الأخير بسياسة المراوغة وكسب الوقت. وقد كانت آنا برسكي موفّقة في وصفه في المقالة ذاتها في صحيفة 'معاريف'، إذ كتبت: 'يمكن الوثوق ببنيامين نتنياهو: لن يستغرق الأمر وقتاً طويلاً حتى يقدّم تفسيره للمشهد الذي جرى في البيت الأبيض، على الهواء مباشرةً، ولمدّة ساعة كاملة. سيحوّل الإحراج إلى إنجاز، أو على الأقلّ سيخفّف من وقع الانطباع الأوّليّ. نتنياهو، كما هو معروف، عبقريّ في فنّ التوضيح الإعلامي، لكن سيكون من الصعب طمس أو نسيان الانطباع الأوّليّ والأصيل الناتج من التصريح المشترك في المكتب البيضاوي، بعد ساعة ونصف ساعة من الغداء والمحادثات. كلّ كلمة وُثّقت، وبُثّت، ونُقلت. بكلمة واحدة: مفاجأة، وبثلاث كلمات: مفاجأة تلامس الإذلال'.
أضافت الكاتبة: 'ترك الضيف للمضيف حقّ إعلان بدء المحادثات النووية المباشرة بين واشنطن وطهران، التي ستنطلق فعلاً يوم السبت المقبل. أمّا نتنياهو فاكتفى بتصريح خاصّ به كان مختلفاً تماماً عن كلّ ما قاله سابقاً بشأن الملفّ النووي الإيراني. ففي الماضي، كان نتنياهو حاسماً للغاية، وأكّد أنّه لا يجوز السماح لإيران بالحصول على ما يكفي من الموادّ لتصنيع قنبلة نووية، وأمّا هذه المرّة فالصيغة كانت مختلفة كلّياً. إذ قال نتنياهو إنّ 'موقفنا موحّد إزاء عدم حصول إيران مطلقاً على سلاح نوويّ، ويمكن أن يحدث ذلك أيضاً من خلال المسار الدبلوماسي'، لكنّه أضاف لاحقاً أنّه يجب السعي في المحادثات مع إيران إلى اتّباع 'النموذج الليبي'. وفعليّاً، وبترجمة من اللغة الدبلوماسية، عبّر بنيامين نتنياهو عن إحباطه من ثقة ترامب بالحوار الدبلوماسي مع طهران، ووجّه دعوة حذِرة، لكن واضحة، إلى إنهاء الدبلوماسية والاستعداد للخيار العسكري'.
من المؤكّد أنّه جرى خلف الخطاب الحذر، الذي صرّح به في العلن، حوار أقلّ تحفّظاً وأكثر اتّساعاً خلف الأبواب المغلقة. واستناداً إلى ما قاله الرئيس ترامب على الهواء مباشرةً، بعدما استمع إلى حجج رئيس الوزراء نتنياهو، يمكن التقدير أنّ المضيف لم يقتنع، ولم يتبنَّ موقف الضيف. على الأقلّ في الوقت الراهن.
المشكلة الحقيقيّة هي إيران
لن يطول النقاش في إسرائيل في الشكل الذي بدا فيه نتنياهو في الاجتماع مع ترامب، أي مثل التلميذ المطيع لمعلّمه. ويبدو أنّ هناك إجماعاً في إسرائيل على أنّ المسار التفاوضي الذي اختاره الرئيس الأميركي ترامب مع إيران أقلق نتنياهو بشدّة وجعله يشدّ رحاله بسرعة من بودابست وينطلق نحو واشنطن، علّه يفلح في إقناع ترامب باعتماد الخيار العسكري في مواجهة الملفّات مع إيران. لكنّ 'حساب الحقل معه لم يكن على قدر حساب البيدر الذي يمسك بغلاله ترامب، صاحب أوراق القوّة في جلب الخصوم والحلفاء إلى طاولة المفاوضات'.
في هذا المجال، كتب ميخائيل أورن في 'يديعوت أحرونوت' مقالة بعنوان: 'احتمال التوصّل إلى اتّفاق نووي جديد يمكن أن يثير قلقاً عميقاً في القدس'. إذ كتب: 'الرسوم لم تكن هي السبب الذي سارع نتنياهو إلى واشنطن من أجله. المشكلة الحقيقية هي إيران… وخلال المؤتمر الصحافي المشترك للزعيمين في المكتب البيضاوي، فاجأ ترامب ضيفه بإعلان قصير: 'نحن نُجري محادثات مباشرة مع إيران'. من المهمّ الإشارة إلى أنّ الرئيس الأميركي لم يخفِ قطّ رغبته في إجراء محادثات مع إيران'.
في الواقع، فور عودته إلى البيت الأبيض في كانون الثاني الماضي، بعث برسالة إلى المرشد الأعلى في إيران علي خامنئي، دعاه فيها إلى المحادثات من جديد. لكنّ ترامب كشف الآن أنّ المحادثات في ذروتها، وأعلن أنّه 'سيُعقد اجتماع كبير جدّاً' يوم السبت المقبل، والأكثر إثارةً للمفاجأة أنّ هذه المحادثات مباشرة بين الولايات المتحدة وإيران. وأضاف أنّ 'احتمال التوصّل إلى اتّفاق نووي جديد يثير قلقاً عميقاً في القدس'. والأسئلة المركزية هي: كم ستستغرق المحادثات من وقت؟ وما هو هدفها النهائي؟ هل الهدف هو التوصّل إلى اتّفاق يكون أفضل قليلاً من الاتّفاق الموقّع في سنة 2015، ويكتفي بتجميد مؤقّت للبرنامج النووي الإيراني؟ وفي النهاية، ما هو موقف الولايات المتّحدة إذا فشلت المحادثات؟
وفق رأي أورن 'هذه الأسئلة ذات أهمّية بالغة بالنسبة إلى أمن إسرائيل. الإيرانيون خبراء في المفاوضات، ومن المؤكّد أنّهم سيحاولون تمديدها أطول وقت ممكن من أجل إفساح المجال أمام روسيا لترميم وتحسين منظومات دفاعاتهم الجوّية التي دمّرها سلاح الجوّ الإسرائيلي. ومن المحتمل أن يوافقوا على اتّفاق أفضل قليلاً من اتّفاق عام 2015، لكنّهم سيحتفظون بالبنية التحتية النووية، وبمفاعلاتهم. وسيطالبون برفع العقوبات القاسية التي فرضها ترامب من جديد، وإلغاء التهديد العسكري المؤكّد الذي أُعيدَ طرحه على الطاولة. وعلى إسرائيل أن تركّز على الحصول على أجوبة عن المشكلة الحقيقية: تجدّد المحادثات بين الولايات المتّحدة وإيران. يجب علينا الحصول على ضمانات واضحة في شأن المحادثات وأهدافها النهائية. ويجب أن نوضح أنّ الاتّفاق الوحيد الذي تقبله إسرائيل هو الذي سيفكّك البنية التحتية النووية الإيرانية، لا الذي يجمّدها فقط'.
الإيرانيّون تجّار بازار
إذا كان هناك من إجماع في إسرائيل على القلق من الملفّ النووي الإيراني، فإنّ بعض المحلّلين الإسرائيليين يرون في لقاء ترامب بنتنياهو عدداً من الإيجابيّات في المسارات الثلاثة التي تهمّ إسرائيل، وهي الملفّ النووي الإيراني والوجود التركي في سوريا وموضوع المحتجزين لدى حماس. رون بن يشاي المعلّق العسكري في صحيفة 'يديعوت أحرونوت' كتب في مقالته بعنوان 'الأخبار الإيجابيّة التي صدرت عن لقاء ترامب ونتنياهو': الأمر الإيجابي في خبر المفاوضات مع ايران هو أنّ هذه الأخيرة 'لن تقوم بأيّ عمل حربيّ، ويبدو أنّها ستحاول لجم وكلائها كي لا تخرّب المفاوضات. لكن قبل أن نصفّق فرحاً، يجب أن نعلم أنّها ستكون مفاوضات صعبة، فالإيرانيون تجّار بازار من أصحاب الخبرة، وليسوا من صغار المحتالين. يمكن أن يخدعوا الولايات المتحدة، وليس هناك ما يضمن نجاح المفاوضات. فالبدء بالمفاوضات في الأشهر المقبلة بحدّ ذاته معناه أنّنا لن نتعرّض لتهديد حقيقي من إيران'.
في رأي بن يشاي أنّ 'الأمر الإيجابي الآخر هو أنّ ترامب تعهّد استخدام علاقاته الشخصية الحميمة مع الرئيس التركي رجب طيب إردوغان لمنع وقوع صراع بين تركيا وإسرائيل على مناطق النفوذ وحرّية العمل العسكري على الأراضي السوريّة'.
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


لبنان اليوم
منذ 32 دقائق
- لبنان اليوم
ترامب يُفجّر مفاجأة: دول محظورة… وأسباب صادمة وراء القرار!
في خطوة أثارت جدلاً واسعاً، أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترامب عن توقيع أمر جديد يقضي بمنع دخول مواطني 12 دولة إلى الولايات المتحدة، معلّلاً قراره بتداعيات 'هجوم إرهابي' وقع مؤخراً في ولاية كولورادو. وفي رسالة مصورة، أوضح ترامب أن 'الهجوم المروّع الذي استهدف تظاهرة يهودية في مدينة بولدر، كولورادو، كشف عن الثغرات الخطيرة في نظام الهجرة، خصوصاً عندما يتعلق الأمر بمن دخلوا البلاد دون إجراءات فحص دقيقة'. وذكر أن منفّذ الهجوم دخل الأراضي الأميركية بصورة غير شرعية، ما دفعه إلى التحرك السريع. القرار الجديد يفرض حظراً تاماً على دخول رعايا 12 دولة هي: أفغانستان، ميانمار، تشاد، الكونغو، غينيا الاستوائية، إريتريا، هايتي، إيران، ليبيا، الصومال، السودان، واليمن. ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد، بل ستُفرض أيضاً قيود إضافية على الزوار من بوروندي، كوبا، لاوس، سيراليون، توغو، تركمانستان، وفنزويلا، في خطوة وصفها البيت الأبيض بأنها تهدف إلى 'تعزيز الأمن القومي وحماية الشعب الأميركي'. ومن المقرّر أن يدخل هذا الحظر حيّز التنفيذ ابتداءً من 9 يونيو، ما يضع العديد من المهاجرين والطلاب والعائلات القادمة من هذه الدول في موقف غامض وصعب.

المركزية
منذ 41 دقائق
- المركزية
وثائقي نتفليكس يكشف الحقيقة بعد 14 سنة: هكذا فضح ظل بن لادن ومكالمة لمرساله مكانه
رغم مرور 14 سنة على العملية الأميركية التي انتهت بمقتل أسامة بن لادن زعيم تنظيم القاعدة السابق، لا تزال العديد من تفاصيل تلك المطاردة التي امتدت سنوات طي الكتمان. ففي وثائقي جديد صدر الشهر الماضي على شبكة نتفليكس، تحت عنوان "مطاردة أميركية.. أسامة بن لادن"، تكشف العديد من تفاصيل تتبع أثر "المطلوب الأول حول العالم" آنذاك. فعلى مدى 3 أجزاء يروي العديد من المسؤولين في البيت الأبيض والسي آي إي والبنتاغون، كيف جرى هذا العمل المضني على مدى أكثر من 10 سنوات في تتبع أي خيط يوصل إلى بن لادن. ولعل المحطة الفاصلة في هذا المشوار الذي بدأ مباشرة بعد أحداث 11 سبتمبر 2001 خلال عهد الرئيس الأميركي الأسبق جورج بوش الابن واستمر حتى ولاية باراك أوباما بشكل مكثف أكثر، كانت في تفجير قاعدة خوست على الحدود بين أفغانستان وباكستان. تفجير خوست والطبيب الأردني حينها كان ليون بانيتا رئيس جهاز السي آي إي، عندما وصلتهم معلومة بوجود طبيب (يدعى البلوي) مؤيد للقاعدة موقوف في الأردن. إذ أبلغت السلطات الأردنية نظيرتها الأميركية بإمكانية تجنيده كمخبر. فأرسل الرجل إلى أفغانستان، عساه يأتيهم بمعلومات عن كبار قادة القاعدة وعلى رأسهم بن لادن. إلا أن الرجل اختفى لفترة طويلة امتدت أشهرا، ليتصل بهم فجأة بين ليلة وضحاها، ويتفق على لقائه في قاعدة خوسنت الأميركية. وهكذا كان فأتى الرجل ودخل الموقع شديد الحراسة، دون تفتيش سبق، لكن عندما طلب منه الترجل من السيارة فجر نفسه، ليقتل 7 ضباط أميركيين في حادثة قلبت الموازين، وحثت واشنطن على المضي قدما. لتظهر لاحقا تسجيلات للطبيب المذكور تحت اسم "أبو دجانة الخرساني"، متوعدا الأميركيين. "مسألة شخصية" فيما قال أحد المسؤولين الأميركيين المتابعين للقضية: "تحول الأمر عندها إلى مسألة شخصية" بمعنى ثأر شخصي. لتبدأ رحلة طويلة من جمع الداتا والمداهمات المتعددة في أفغانستان استناداً إلى معلومات مخبرين على الأرض تبين أنها كانت زائفة. فقد كان كل فيديو يظهر فيه بن لادن يحلل بدقة، لتسمع فيه عبر تقنيات متطورة كل شاردة وواردة من صوت العصافير في الخلفية أو المعامل، أو حتى أي تفصيل يظهر إلى جانبه. تسجيلات بن لادن ثم راحت المراقبة تتركز على كيفية إرسال تلك التسجيلات إلى إحدى محطات التلفزة العربية آنذاك، وهوية "الساعي الموثوق" الذي يتسلمها من بن لادن. إلا أن البحث المضني لم يسفر سوى عن معلومة واحدة وهي أن كنية الساعي "أبو أحمد". وكان البحث عن أبو أحمد بدأ سابقا في 2002 دون نتيجة. فاستكمل جمع المعلومات عبر التحقيق مع القيادي في القاعدة خالد شيخ محمد الذي كان معتقلا في غوانتانامو، إلا أن الأخير أكد أن أبو أحمد تقاعد منذ فترة ولم يعد يعمل مع القاعدة. مكالمة أبو أحمد لكن مجتمع المخابرات الأميركية استكمل بحثه عنه، حتى تلقف مكالمة هاتفية عام 2010 بين "الساعي المتقاعد" وأحد أصدقائه القدامى، الذي أصر على معرفة أحواله وماذا يفعل حاليا، فما كان منه إلا أن قال له بعد إلحاح، أنه "عاد إلى عمله السابق".. ففهم عناصر السي آي إي حينها أنه عاد لخدمة بن لادن. عندها بدأ ترقب تحركاته بالتفصيل من بيشاور إلى آبوت آباد في باكستان، عبر الأقمار الصناعية. وعندما تكثفت زياراته لأبوت آباد، وتحديدا إلى مجمع كبير في المنطقة مسيج بجدران عالية، بدأت الشكوك تتصاعد. "منطقة سياحية" لاسيما أن آبوت آباد منطقة جميلة بجبالها الخضراء لا بل سياحية أيضا وفق ما أكد بانيت في الوثائقي، متسائلا "من يبني أسوارا عالية 5 أمتار في منطقة سياحية ويحجب المناظر الخلابة". ليخلص إلى نتيجة مفادها أن هناك بالتأكيد شخص مختبئ في المكان. حينها تركز التدقيق في هذا المكان، إلا أنه لم يكن بحوزة المخابرات إلا المراقبة عبر الأقمار الصناعية. لاسيما أن المجمع كان خاليا من الهواتف أو الإنترنت، كما أن أبو أحمد كان يفصل هاتفه عن البطارية عند التوجه إلى المجمع. ظل "المتمشي" إلا أن عناصر السي آي إي لاحظوا وجود 3 عائلات في المجمع الكبير الأبيض، عائلتان تخرجان وتدخلان وعائلة لا تتحرك من المكان أبدا. ومع استمرار المراقبة، لوحظ خروج رجل بشكل يومي لكي يمشي في حديقة المجمع، على شكل دوائر أو حلقات وكأنه حبيس في سجن. فأطلقوا على الرجل اسم المتمشي. وفي يوم مشمس لوحظ "ظل" الرجل أو خياله، فبدأت دراسة طوله وترجيح حجم قامته، ليتبين أنه طوله قريب جدا من طول بن لادن. إلا أن السي آي أي أرادت التأكد فطلبت من الصحافي جون ميلر الذي قابل بن لادن عام 1998 الإتيان بكل ما لديه من تسجيلات مصورة أيضا للتثبت من المعلومة التي توصلوا إليها، ومعرفة من يرافقه عادة ويحيط به أيضا. فتثبتوا من "عرجة خفيفة" في مشيته مطابقة لطريقة سير "المتمشي". عندها بدأ التخطيط الجدي لاقتحام المجمع. فكلف مدير السي آي إي أنذاك (ليون بانيتا) قائدا في البحرية الأميركية بوضع المخطط التنفيذي واختيار الجنود المناسبين والمدربين لمثل تلك المهمات. "جيرونيمو" فكانت وحدة "سيل 6" التي ترأسها روبرت أونيل، وبدأ التدريب على عملية "رمح نبتون"، وأطلق على بن لادن اسم "جيرونيمو". فأنشئ مجمع مشابه تماما من الخارج لمجمع أبوت آباد. لكن تقسيمات المجمع من الداخل بقيت مجهولة. فتدرب الجنود على 100 محاكاة مع تغيير تقسيم الجدران من الداخل. وبعد أشهر قليلة من التدريبات المكثفة، أعطى أوباما الأمر بالمضي في عملية الانزال، فيما رفض حينها الرئيس السابق جو بايدن الأمر معتبراً أنه يحمل مخاطر كبيرة وغير مضمونة. فوضعت المخططات وبدأ العمل في قاعدة جلال آباد في أفغانستان، البعيدة عن الحدود الباكستانية بنحو ساعة. ووضعت مروحيتان شبحيتان تستعملان لأول مرة، لقدرتهما على تجنب الرادارات الباكستانية، في دلالة على أهمية التكنولوجيا في مثل تلك العمليات الاستخباراتية. وفي الأول من مايو عند الساعة 11 تقريبا انطلقت المروحيات نحو الهدف، مجمع أبوت آباد. تعطل مروحية لتصل قرابة الساعة 12 ونصف إلى المجمع. وفيما كان يرتقب أن تحط على سطحه، ترنحت إحدى المروحيات إذ اضطرت إلى الهبوط دون أن تنفجر. ما أحدث بلبلة، لاسيما أن بعض الأخبار بدأت ترشح على مواقع التواصل حول تحطم مروحية عسكرية باكستانية. عندها تغيرت المخططات ونزلت مروحية أخرى أمام المجمع، وترجل منها جنود البحرية ودخلوا المجمع عبر باب "موقف للسيارات". "دروع بشرية" وحين دخلت الفرقة ظهر في وجهها أولا "أبو أحمد"، فأردوه قتيلا، ثم ارتمت زوجته أمامهم، وكأنها درع بشري بحسب ما وصف أونيل اللحظة، قائلا "النساء تحولت دروعا بشرية". ثم ظهر لاحقا نجل بن لادن، خالد ابن العشرين عاماً، فأردوه أيضا، وتوجهوا نحو الطابق الثالث من المبنى، مرجحين وجود بن لادن هناك. فما كان من زعيم القاعدة إلا أن ظهر أمام أونيل، فأطلق رصاصه نحوه وقتله. لكن المهمة لم تنته هنا فعمد الجنود إلى جمع كل ما أمكن من وثائق وصور ومحفوظات موجودة في المجمع، ثم غادروا عائدين إلى جلال آباد. ويصف أونيل تلك اللحظات، لاسيما بعدما حلقت الطائرات الباكستانية في السماء، إثر اكتشافها لدخول المروحيات الأميركية، قائلا إنه راح يعد الدقائق. "أهلا بكم في افغانستان" وبعد نحو 80 دقيقة دخلت المروحيات الأجواء الأفغانية، فتنفس أونيل وفريقه الصعداء، قائلا في الوثائقي: "كانت المرة الأولى التي أسعد فيها لسماع عبارة "أهلا بكم في أفغانستان"! هكذا انتهت رحلة 10 سنوات من البحث عن مفجر برجي التجارة الأميركيين، ومبنى في البنتاغون يوم 11 سبتمبر 2001. لعل الأهم في الوثائقي أنه يلقي الضوء على العمل الاستخباراتي الذي يتطلب في الغالب سنوات، فضلا عن أهمية التكنولوجيا التي لم تكن حينها بالتقدم الحاصل اليوم، مع قدرات الذكاء الاصطناعي الآيلة إلى التطور. فجمع الداتا وتحليلها الذي كان قبل أكثر من 25 سنة يتطلب أشهرا وسنوات، بات اليوم ربما يأخذ أياما أو أسابيع وربما أقل. كما يلقي الضوء على فعالية المخبرين على الأرض إن كانوا موثوقين، ولعل هذا ما بدأ بوضوح أكثر خلال الحرب الأخيرة بين حزب الله وإسرائيل. كذلك يذكّر بكيفية تمهيد ثغرة واحدة لفك العديد من الشفرات في مسيرة الملاحقات!


بيروت نيوز
منذ ساعة واحدة
- بيروت نيوز
متى ستستيقظ كييف على 'صفعة' واشنطن؟
عماد الشدياق نقلاً عن 'إيلاف' كأنَّ أوكرانيا على موعد متجدد مع الحظ العاثر… حين تتقدم في الميدان تخسر في السياسة؛ وحين تتقدم في الدبلوماسية تنهار الجبهات. أمّا الآن، فيبدو أنّ لعنة واشنطن تلاحقها، وتطلّ هذه المرة، لا من نافذة الرئيس الأميركي السابق جو بايدن، بل من شباك الرئيس الجديد دونالد ترامب. لم يكن الرئيس الأوكراني فلاديمير زيلينسكي بحاجة إلى أن يقرأ افتتاحيات الصحف والمجلات الأميركية كي يدرك أنَّ الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لا يراهن على ضعف الغرب فحسب، بل على تراجع الغرب وعودته خطوة إلى الوراء. بوتين الذي تمرّس في تطويع الزمن، يدرك أنّ ما لم يؤخذ بالقوة قد يُنتزع بالسياسة… وإن بعد حين. مَن يراقب المشهد الأميركي بعيون أوكرانية، لا يسعه إلاّ أن يشعر بأنّ الأرض بدأت تميد من تحته. المخاوف في كييف لا تقتصر على تقهقر الدعم العسكري، بل تمتد لتشمل تغيّر المزاج الأميركي العام. فالرجل الذي عاد إلى البيت الأبيض في كانون الثاني (يناير) الفائت، لا يخجل بازدرائه لحلفاء حلف شمالي الأطلسي (الناتو)، ولا تعاطفه مع الكرملين. ترامب لم يُخف يوماً إعجابه ببوتين، وهذا هو جوهر القلق في أوكرانيا: أن تبيعهم واشنطن بثمن بخس، وتحت عناوين متعددة مثل 'وقف النار'، أو 'الحل الدبلوماسي'. تلك المصطلحات التي يروّج لها ترامب ومحيطه الجمهوري قد تكون مقدمة لتقسيم فعلي، أو تثبيت لما هو قائم على أرض الواقع. خصوصاً أنّ هذا التوجه يلاقى موافقة كافية في الداخل الأميركي، حيث سئم الكثيرون مما باتوا يعتبرونها 'حرب الآخرين' في أوكرانيا. زيلينسكي يعلم جيداً أنّ العالم لا يتعاطف مع الضعفاء إلى الأبد، وأن العواصم التي صفّقت له بالأمس ذات يوم، قد تُدير له ظهرها غداً. لذلك كان خطابه الأخير في باريس، شديد الواقعية. بل أقرب إلى محاولة استباقية من أجل رفع العتب. الرجل قالها بصراحة: 'إذا خسرنا نحن، فأنتم أيضاً تخسرون'. لكنّه لم يحدد من هم 'أنتم' في زمن تغيّرت فيه التحالفات، التي بدأنا نلمس تقلّبها منذ بداية العام مع وصول ترامب إلى البيت الأبيض. أوروبا مربكة وتقف على طرفي نقيض: طرف أوروبي يخشى بلا مبرر الدور الروسي، وطرف آخر يخشى كلفة مواجهته ويعلم جيداً أنّها مستحيلة. وفي منتصف هذين التباينين، تقف أوكرانيا عاجزة ومكسورة. أمّا الولايات المتحدة، فتعيش تجربتها الجديدة في زمن ترامب، عنوانها 'الأولوية للداخل' أو 'التوازن مع الصين'. وعليه، فإنّ ما يُقال همساً في كييف، بات يُقال جهاراً في واشنطن: هل هذه الحرب تستحق أن تُخاض حتى النهاية؟ هل يُعقل أن تتورط أميركا في حرب استنزاف لا أفق لها، ومن أجل من، ولماذا؟ هل هي حرب من أجل دولة ليست حتى عضواً في 'الناتو'؟ حسناً، فلنبحث عن الثمن.. ولهذا كانت صفقة المعادن النادرة. هذا الخطاب بات سائداً في دوائر اليمين الجمهوري، ومنه يستمد ترامب قوة التفاوض فيما يراه بوتين فرصة للاستثمار في النصر. ليس من خلال وقف الدعم لكييف، وإنما من خلال إطلاق يد موسكو بموجب 'صكّ مباركة' بأثر رجعي يؤدي إلى 'تسوية تاريخية' لنزاع جيوسياسي مزمن قضّ مضجع القارة العجوز لعقود. إن حصل ذلك، سوف يكون بمنزلة 'الضربة القاضية' لأوكرانيا، التي سترضخ في نهاية المطاف لـ'استسلام ناعم'. استسلام يعكس انهيار الإرادة الغربية، ويُعلن نهاية النظام الدولي الذي نشأ بعد الحرب الباردة. وهنا، يتكرّر السؤال الذي ترفض كييف أن تطرحه علناً: ماذا لو استيقظت أوكرانيا يوماً على خريطة جديدة، رُسمت بين واشنطن وموسكو، ولم تكن هي جزءاً منها؟ هذا هو الكابوس الذي لا تملك كييف ترف القدرة على التأثير به اليوم، بعدما كانت السبب في وصولها إليه قبل ثلاث سنوات، وظنّت أنّ الغرب سيقف خلفها إلى ما لا نهاية.