
لندن تتجه نحو تشديد القيود على العمالة الأجنبية
وما إن جرى الـ "بريكست" عام 2020 حتى شعر البريطانيون بالأثر الاقتصادي لتغيير الإجراءات في شأن المهاجرين، خصوصاً من جانب العمال الموسميين، وعندما حدثت أزمة الوقود بعد أزمة وباء كورونا عدلت حكومة "المحافظين" وقتها إجراءات الهجرة لاستقدام سائقي شاحنات من دول أوروبا لحل الأزمة، لكنها لم تلق الا استجابة بسيطة.
ومع إن قضية الهجرة التي يرفع شعاراتها اليمين المتشدد تتعلق أساس بالهجرة غير الشرعية أو استقبال اللاجئين من مناطق الصراع، باعتبارهم يمثلون عبئاً على نظام الرعاية الاجتماعية وخدمات الصحة والتعليم، إلا أن الحكومات في استجابتها بتعديل القوانين والإجراءات تصعب الأمر أيضاً على العمالة الماهرة التي يحتاج إليها الاقتصاد البريطاني بشدة وتسهم بقدر كبير جداً في النمو الاقتصادي.
وعلى رغم الانقسام السياسي بين المؤيدين للهجرة، خصوصاً من العمالة الماهرة، باعتبارها تشجع التوسع والنمو وتزيد عائدات الخزانة من تحصيل الضرائب وأقساط مدفوعات التأمينات الاجتماعية والمعارضين للهجرة باعتبارها مجرد عبء اقتصادي، إلا أن الأرقام الواقعية تشير إلى حاجة الاقتصاد البريطاني للعاملين المغتربين وبخاصة في مجالات الصحة والتكنولوجيا وغيرها.
التأشيرات والإقامة
ومنذ العام الأخير لحكومة حزب المحافظين السابقة، وخلال عام من حكم حزب العمال الحالي تغيرت قوانين الإقامة للأجانب في بريطانيا وشروط منح الإقامة الدائمة والتقدم للحصول على الجنسية، وكذلك استقدام الأهل بالنسبة إلى المقيم، وتغيرت قوانين الضرائب، سواء ضرائب الدخل التي أصبحت تطاول الدخل من الخارج للمقيم في بريطانيا وكذلك ضريبة أرباح رأس المال على الأصول في الخارج وحتى ضريبة الإرث (التركات) على تركة المقيم حتى لو خارج البلاد.
وعدلت حكومة "المحافظين" السابقة العام الماضي قواعد التأشيرات والإقامة في بريطانيا في سياق جهود الحد من الهجرة، كذلك عدلت نظام الإقامة ضريبياً في الخارج.
ومن بين التعديلات التي أدخلتها الحكومة السابقة ربيع العام الماضي 2024 عدم السماح للعاملين الأجانب في مجال الرعاية الصحية باستقدام أفراد عائلاتهم إلى بريطانيا، كذلك الحال بالنسبة إلى الدارسين المقيمين على تأشيرة دراسة، وزادت المتطلبات المالية لاستقدام الزوجة والأهل للعاملين والدارسين المقيمين في البلاد بتأشيرة "العمالة الماهرة".
ورفعت الحكومة الحد الأدنى للراتب للقادمين على تأشيرة العمالة الماهرة بنسبة 50 في المئة تقريباً ليصبح 38700 جنيه إسترليني (52393 دولار)، ورفعت رسوم الخدمات الصحية على تأشيرات الدارسين والعمالة الماهرة بنسبة 66 في المئة لتصبح 1035 جنيه إسترليني (1400 دولار)، لكن تظل القواعد حتى الآن أن بإمكان من يقيم في بريطانيا مدة 10 أعوام أن يتقدم للحصول على تأشيرة الإقامة الدائمة التي أصبحت الآن تسمى "تسوية وضع"، وأن من يقيم ويعمل بتأشيرة عمل لدى دخوله يمكنه التقدم للحصول على التسوية بعد خمسة أعوام.
ولا تقتصر تلك التعديلات على العاملين وحسب بل تطاول الدارسين أيضاً، وإن كانت بريطانيا تظل من الدول المرغوبة للدراسة لا لجودة التعليم الجامعي والأكاديمي فيها وحسب، وإنما أيضاً لأنها تمنح الدارس تأشيرة إقامة بعد انتهاء دراسته (تأشيرة خريجين) لفترة، وإذا تمكن من إيجاد فرصة عمل فيمكنه تحويل التأشيرة إلى إقامة عمل تسمح له بالاستفادة من الخدمات المجانية مثل الصحة والتعليم وغيرها، وتعد خطوة مهمة على طريق الحصول على الإقامة الدائمة ثم الجنسية في ما بعد إذا استوفى الشروط.
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
الورقة البيضاء
وطرحت حكومة رئيس الوزراء كيير ستارمر الحالية في منتصف مايو (أيار) الماضي تعديلات على قواعد التأشيرات والإقامة والجنسية للتشاور قبل أن تعدل القوانين واللوائح، وبحسب ما نشر على موقع مجلس اللوردات فإن التعديلات تتضمن تشديداً أكثر.
وبداية يشير موقع البرلمان الذي نشر تفاصيل طرح الحكومة في الـ 22 من مايو الماضي إلى أن "جميع التفاصيل المتعلقة بهذه المقترحات، بما في ذلك مواعيد دخولها حيز التنفيذ، ليست متوافرة بعد"، ثم يفصل ما جاء في الورقة البيضاء التي طرحتها الحكومة بعنوان "استعادة السيطرة على نظام الهجرة".
وتحدد الورقة المطروحة من الحكومة إجمالاً مقترحات عدة لدرسها قبل إقرارها، ومنها زيادة مدة فترة التأهل التي تسبق الحصول على الإقامة الدائمة أو "طلب تسوية الوضع" من خمسة إلى 10 أعوام، مع وجود استثناءات لبعض الأشخاص بناء على معايير لم تحدد بعد، وتقليص المدة القياسية لتأشيرة إقامة الخريج لطلبة الجامعات"Graduate visa" من عامين إلى 18 شهراً، كما أن هناك أيضاً اقتراح ببحث فرض رسوم على دخل الجامعات من الرسوم الدراسية للطلاب الدوليين، إضافة إلى تشديد القواعد على الجامعات للاحتفاظ برخصتها في رعاية (كفالة) تأشيرات الطلاب من خلال تطبيق معايير امتثال أكثر صرامة.
وتضمنت المقترحات إلغاء الإعفاء الحالي للعاملين في مجال الرعاية الاجتماعية، أي لن يسمح لأصحاب العمل بتوظيفهم (استقدامهم) من الخارج، وكذلك تقليص قائمة الوظائف التي يمكن لأصحاب العمل رعاية عمال أجانب فيها بموجب تأشيرة "العمالة الماهرة"، إضافة إلى تشديد اختبارات اللغة الإنجليزية للمتقدمين للحصول على الإقامة الدائمة أو الجنسية.
وبحسب المنشور على موقع البرلمان فإن "معظم هذه التغييرات يمكن تنفيذها عبر تعديل قواعد الهجرة ولا تحتاج إلى قانون من البرلمان، باستثناء فرض الرسوم على رسوم الطلاب، أي ما تحصله الجامعات"، ومع أنه لم ينشر أي موعد لبدء تنفيذ هذه التعديلات لكن بعضها قد يبدأ تنفيذه في أقرب وقت.
وتضمنت التعديلات أيضاً زيادة الرسوم بالنسبة إلى طلبات الحصول على الجنسية وغيرها من الإجراءات، أما المقترح الوحيد في الورقة البيضاء لحكومة حزب العمال الذي يشجع على الهجرة فهو تسهيل الحصول على تأشيرات معينة للمهاجرين ذوي المهارات العالية، مثل الموهبة العالمية والأفراد ذوي الإمكانات العالية.
الضرائب والخدمات
وإذا دخلت بريطانيا بتأشيرة عمل أو غيرت تأشيرات أخرى مثل تأشيرة الدراسة أو الخريج إلى تأشيرة عمل، فذلك يعني أنك تحصل على دخل من عمل في بريطانيا تخصم منه الضرائب ومدفوعات التأمينات الاجتماعية، وعندئذ يحق للمقيم الاستفادة من كل الخدمات التي تتوافر لأي بريطاني، باستثناء حق التصويت في الانتخابات العامة إلى أن يحصل على الجنسية.
وعلى سبيل المثال فإن الخدمة الصحية الوطنية (إن أتش أس) متاحة لأي شخص في بريطانيا، لكن إذا كانت إقامتك لا تتضمن دفع الضرائب والتأمينات فإن الخدمة المجانية هذه تصبح بأجر، وحتى المواطن البريطاني الذي يقضي معظم أيام العام خارج البلاد، بحيث لا تحتسب سنة ضريبية، عليه أن يدفع في مقابل الخدمة الصحية، وكذلك الحال بالنسبة إلى التعليم، فمن يقيم بتأشيرة عمل أو إقامة دائمة أو جنسية يمكنه الوصول إلى التعليم المجاني للمدارس وبرسوم مخفضة في الجامعات، أما من لا يدفع ضرائب، ما لم يكن حصل على حق اللجوء أو ما شابه، فيدفع أبناؤه رسوماً أعلى للتعليم.
ومع إلغاء نظام الإقامة الضريبية خارج بريطانيا "Non Domicile" أصبح كل مقيم فيها خلال العام الضريبي يحاسب ضريبياً بالقواعد ذاتها مثل المواطن البريطاني الذي لم يغترب، في ما يتعلق بجميع أنواع الضرائب، سواء الضريبة على الدخل أو ضريبة أرباح رأس المال (الربح من بيع أسهم أو عقار) أو ضريبة الإرث (التركات).
وهكذا يستوي الآن المقيم والمواطن والمغترب البريطاني الذي يعمل في الخارج في تحديد مدى خضوعه للضرائب، بما فيها ضريبة الإرث، استناداً إلى مدة الإقامة في بريطانيا خلال 20 عاماً الأخيرة، وفي حال قضى منها 10 أعوام مقيماً في بريطانيا فتحصل الضرائب على كل ثروته، بما فيها ممتلكاته في الخارج، وتخضع ثروته خارج البلاد لضريبة الإرث عند الوفاة.
أما البريطاني الذي يذهب إلى العمل في الخارج فمادام أنه لا يقضي أكثر من 91 يوماً من العام في بريطانيا فلا تحتسب تلك سنة ضريبية (إعفاء يوم العمل في الخارج).
وبالنسبة إلى ضريبة الإرث فتظل القواعد المعمول بها حالياً مطبقة على تركة المتوفى داخل بريطانيا حتى لو توفي مغترباً في الخارج، أما بالنسبة إلى ممتلكات المغترب البريطاني في الخارج فتظل خاضعة للضريبة ومنها ضريبة الإرث إذا كانت مدة الاغتراب أقل من 10 أعوام، وتعمل الحكومة الحالية على تقصير تلك المدة إلى سبعة أعوام.
ملاحظات مهمة
وبدءاً من السادس من أبريل (نيسان) 2025 هناك فترة سماح مدتها أربعة أعوام للقادمين الجدد إلى بريطانيا، وفي ما يتعلق باحتساب الضرائب على الدخل من الخارج فتبدأ من العام المالي 2025 - 2026، طالما أن المقيم تنطبق عليه شروط الخضوع للضريبة في بريطانيا.
وفي أحدث تفصيل على موقع وزارة الخزانة نقرأ أنه "بالنسبة إلى القادمين الجدد الذين أمضوا 10 أعوام متصلة من قبل كغير مقيمين، فسيكون هناك إعفاء ضريبي مدته أربعة أعوام من إقامتهم لا يدفعون فيها أية ضرائب على الدخل والأرباح من الخارج خلال تلك الأعوام الأولى، ويمكنهم خلالها جلب أموالهم إلى بريطانيا من دون دفع أي ضرائب عليها".
وأما التأشيرات، وبغض النظر عن نوعها، فيتعين على كل قادم للبلاد الآن أن يحصل على ما يسمى "إقرار سفر إلكتروني" يجري التقديم عليه إلكترونياً، وهو إجراء جديد ربما يزيد العبء على المسافرين إلى بريطانيا، وكذلك لم تعد التأشيرات تطبع على جواز السفر كما في السابق، بل أصبحت إلكترونية كلها بما في ذلك تأشيرة الإقامة الدائمة أو تسوية الوضع.
وتشير البيانات الرسمية إلى أن نحو مليون شخص يتأثرون بهذا الانتقال من التأشيرات والتصاريح المطبوعة إلى الرقمية، وفي ما يلي بعض الروابط للمواقع على البوابة الحكومية التي تقدم معلومات وافية عن كل النقاط السابق ذكرها، فضلاً عن أنه يمكن توجيه الأسئلة للإدارات الحكومية عبر الإنترنت والحصول على إجابات استرشادية تتعلق بأية نقطة، سواء التأشيرة والإقامة أو الضرائب.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


Independent عربية
منذ ساعة واحدة
- Independent عربية
5 ثغرات مالية تجدد المخاوف من أزمة عالمية جديدة
يقول الكاتب المصرفي السابق ومؤلف كتب "التجار، الأسلحة، والمال"، و"الأموال المتطرفة"، و"وليمة العواقب"، ساتياجيب داس ، إنه في الفترة التي سبقت الأزمة المالية العالمية، تجاهل كثر الأخطار النظامية المتراكمة في الأسواق، ثم تبين أن هذه الأخطار كارثية. في حديثه لصحيفة "فايننشال تايمز"، يعتقد داس أن هناك كثيراً من نقاط الضعف والثغرات المالية، ويضيف "أولاً، زاد اعتماد المستثمرين على الاقتراض بأسعار فائدة منخفضة، غالباً بعملات أجنبية، للاستثمار في أصول ذات عوائد أعلى، ثانياً، راهن المستثمرون على استقرار الأسواق من خلال الاستثمار في خيارات مالية، سواء مباشرة أو عبر صناديق، توفر تحوطاً من تقلبات السوق للطرف المقابل. وعلى رغم أن المستثمرين يدفعون مقابلاً لهذه الحماية، فإنهم يواجهون خطر خسائر كبيرة في حال ارتفاع التقلبات. كذلك، فإن صناديق أخطار التوازن، ملزمة الحفاظ على مستوى معين من الأخطار، مما يضطرها إلى تصفية الأصول الأكثر خطورة عند زيادة التقلبات". خطر الصفقات ويتابع قائلاً "ثالثاً، ازدادت صفقات القيمة النسبية التي تراهن على العلاقات بين الأصول بصورة كبيرة، مما يزيد الأخطار في حال فشلت هذه الصفقات، كذلك يحتفظ المستثمرون بمراكز ضخمة في الفارق المتزايد عدم استقراره بين معدلات المبادلة وأسعار سندات الحكومة، ورابعاً ازداد التعرض لأخطار السيولة مع الانتقال إلى الاستثمارات الخاصة غير المدرجة في البورصات، مثل الأسهم الخاصة والائتمان الخاص. ويجرى تبرير العوائد الأعلى المزعومة بأخطار سيولة غير محددة بدقة". خامساً كما يضيف "عاد نمو عملية إعادة تغليف الأصول ذات الأخطار العالية أو السيولة المنخفضة عبر عمليات التوريق ونقل الأخطار الصناعية، وهي صورة من صور التأمين على الائتمان تشبه السندات المضمونة بالديون (CDOs) ، وتقسم هذه الهياكل الأصول إلى شرائح ذات مستويات أخطار متفاوتة عبر نماذج معقدة... وحتى الآن، لم يتم التأكد من قدرة الشرائح الأقل أماناً على تحمل الخسائر الأولى على القروض الأساسية وحماية الشرائح الأعلى تصنيفاً. هذه الهياكل تفتح أبواباً للأخطار ستُكشف في حال حدوث أزمة". وحجم هذه الصفقات المالية كبير للغاية، ويتجاوز بكثير حجم نحو 1.3 تريليون دولار من القروض العقارية الأميركية العالية الأخطار التي تراكمت قبل الأزمة المالية عام 2008، ونقطة الضعف الأساسية تكمن في الرفع المالي، سواء عبر القروض المباشرة أو عبر الأدوات المالية المعقدة، علاوة على أن انخفاض التدفقات النقدية الناتج عن تباطؤ الاقتصاد العالمي سيشكل اختباراً حقيقياً لمستويات الدين. بلغت حالات التخلف عن سداد ديون الشركات الأميركية أعلى مستوى لها منذ الأزمة المالية، مع وصول أسعار الفائدة على قروض الأسهم الخاصة ذات الرفع المالي المرتفع والسندات ذات التصنيف الائتماني المنخفض (junk bonds) إلى أعلى مستوياتها منذ جائحة كورونا في 2020. وحذر صندوق النقد الدولي من الضغوط على قطاع العقارات التجارية والوسطاء الماليين غير المصرفيين، وسط ارتفاع معدلات التأخر في سداد قروض الرهن العقاري، وقروض السيارات، وبطاقات الائتمان، وغيرها من ديون المستهلكين. اقرأ المزيد يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field) ويتوقع أن تشهد السوق مساراً مألوفاً عند تصحيح هذه الفوائض، إذ سيؤدي انخفاض القيم وزيادة تقلب الأسعار إلى طلبات متزايدة لتوفير مزيد من ضمانات الهامش أو (المارجن) على الصفقات، مما يسبب أزمة سيولة وحاجة ماسة إلى النقد، تليها عمليات تقليل الرفع المالي القسري، وسيسود الغموض حول تقييمات الاستثمارات الخاصة مقارنة بالأوراق المالية المدرجة في البورصات. مشكلة السيولة ستعقد الأمور وستُعقد مشكلة نقص السيولة الأمور أكثر، إذ سيُجبر المستثمرون الذين يتكبدون خسائر على تقليل تعرضاتهم، في حين سيُطلب من آخرين تعزيز السيولة لتلبية مطالبات الهامش (margin calls) أو لتقليص مراكزهم، ونظراً إلى أن البيع عادة ما يتم للأصول السائلة التي تحمل أقل خسائر، فإن الصدمات ستنتشر عبر الأسواق، مما يزيد التقلبات ويزعزع ارتباطات الأسعار التقليدية للأصول وقد تؤدي الانخفاضات في الأسعار إلى تضخيم التراجعات بسبب تقليص عدد الشركات التي تقوم بدور صانعي السوق، نتيجة اندماجات في الصناعة وارتفاع كلف رأس المال المخزني لدى المتعاملين، إضافة إلى ذلك تهيمن صناديق استثمارية باتت مستهلكة للسيولة وليس مقدمة لها على نشاط التداول. أما الضعف الأخير وفقاً لداس، فيتمثل في الاعتقاد بأن الحكومات ستضمن الأخطار وتقدم الدعم المالي في الأزمات، إلا أن البنوك المركزية الكبرى مقيدة بميزانياتها العمومية، التي تبلغ نحو 20 تريليون دولار (مقارنة بأكثر من 25 تريليون دولار في ذروتها) وهي أعلى بكثير من 5 تريليونات دولار في عام 2007. وأشار داس إلى تعرض الحكومات لضغوط متزايدة بسبب احتياجات الإنفاق العسكري وكلفة الفوائد ومستويات الدين، مما يعني أن الدعم الحكومي قد لا يكون قادراً على التدخل لإنقاذ الأسواق. وختم "تتبع الأسواق مقولة لينين، 'استكشف بالحِراب: إن وجدتَ طيناً اندفع، وإن وجدتَ حديداً انسحب'، مع تطور الأزمة، تختبر الأسواق نقاط ضعفها، وتستكشف حتى تجد مستويات أسعار تدعمها بقوة. وسيكتشف المستثمرون مجدداً أنه لا توجد عصور مالية جديدة، وأن التجاوزات لا تدوم أبداً".


Independent عربية
منذ ساعة واحدة
- Independent عربية
ماذا يعني أكبر تراجع للدولار منذ نصف قرن؟
شهدت العملة الأميركية (الدولار) أسوأ تراجع في قيمتها خلال النصف الأول من العام منذ نحو نصف قرن، فخلال الأشهر الستة الأولى من عام 2025، انخفض مؤشر سعر صرف الدولار مقابل سلة عملات بنسبة 10.8 في المئة، وهو أكبر هبوط للدولار خلال النصف الأول من العام منذ عام 1973. ويقيس مؤشر الدولار قيمة العملة الأميركية مقابل ست عملات عالمية، هي اليورو الأوروبي والين الياباني والجنيه الاسترليني والدولار الكندي، والكورونا السويدية والفرنك السويسري. في المقابل، ارتفع سعر صرف اليورو أمام الدولار بنسبة 13 في المئة ليصل إلى 1.17 دولار لليورو، وذلك بعدما كانت التوقعات مطلع العام، نتيجة فورة التفاؤل بإدارة الرئيس دونالد ترمب الجديدة، تشير إلى احتمال ارتفاع قيمة الدولار ليتساوى مع اليورو تقريباً. كان التراجع الكبير السابق للدولار خلال الأشهر الستة الأولى من عام 1973 حين هبط بنسبة 15 في المئة، وجاء ذلك بعد عامين من قرار الرئيس ريتشارد نيكسون إلغاء قاعدة الذهب التي أقرها اتفاق "بريتون وودز" عقب الحرب العالمية الثانية، وكانت تلك القاعدة تربط العملات العالمية بالدولار الأميركي، الذي يمكن تحويله إلى ذهب بسعر محدد. ومع إلغاء قاعدة الذهب وفك ارتباط العملات بالدولار، بدأ المستثمرون في التخلص من الأصول الدولارية بعمليات بيع واسعة شكلت ضغطاً نزولياً على العملة الأميركية، وخلال الأشهر الأخيرة تكرر المشهد إذ باع المستثمرون أصولهم الدولارية وخرجوا من السوق الأميركية بحثاً عن ملاذات أقل مخاطرة، لكن هذه المرة نتيجة عوامل عدة متداخلة، وليس عاملاً واحداً كما كان خلال السبعينيات. الأسباب والتبعات في بداية إدارة ترمب مطلع العام الحالي ارتفع سعر الدولار مع تفاؤل الأسواق بأن سياسات الرئيس الجديد ستدعم النمو الاقتصادي، وأن الإدارة ستتخذ إجراءات تشجع المستثمرين على شراء الأصول الأميركية، لكن سرعان ما انقلب اتجاه الدولار إلى التراجع مع بدء فرض التعريفات الجمركية، وضغط البيت الأبيض على "الاحتياطي الفيدرالي" (البنك المركزي الأميركي) لخفض أسعار الفائدة. وزادت مخاوف المستثمرين من الاحتفاظ بمراكز دولارية بعد إعلان مشروع الموازنة الذي قدمته إدارة ترمب إلى الكونغرس. ويقدر أن تؤدي موازنة خفض الضرائب وزيادة الإنفاق إلى إضافة أكثر من 3 تريليونات دولار إلى الدين العام الأميركي، الذي يتجاوز بالفعل الناتج المحلي الإجمالي بنسبة كبيرة. وتضافرت ثلاثة عوامل هي مخاوف التضخم نتيجة الرسوم الجمركية، والقلق من تهديد استقلالية البنك المركزي، والزيادة الكبيرة المتوقعة في الدين العام، لتضغط مجتمعة على الدولار وتدفعه إلى هذا التراجع الحاد. لكن السبب المباشر والمحرك للأسواق كان فرض الرسوم الجمركية، وقرارات ترمب المتوالية بهذا الخصوص منذ مارس (آذار) الماضي. ويقول مسؤول الاستثمار في مجموعة "بيمكو" الاستثمارية أندرو بولز في مقابلة مع صحيفة "فايننشال تايمز"، "الأسواق أصيبت بصدمة خلال يوم التحرير (حين أعلن ترمب فرض رسوم متبادلة على شركاء أميركا التجاريين) في شأن الإطار العام للسياسات الأميركية". وعلى رغم أن هذه العوامل لا تشكل بعد تهديداً حقيقياً لمكانة الدولار كعملة احتياط عالمية، فإن بولز يرى أن "هذا لا يعني أن قيمة الدولار لن تضعف بصورة كبيرة"، خصوصاً مع سعي المستثمرين العالميين إلى التحوط من الانكشاف على الأصول الدولارية. اقرأ المزيد يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field) ومع استمرار القلق من وضع الدولار لجأ المستثمرون إلى الملاذ الآمن الآخر وهو الذهب، وتحولت الأموال الخارجة من الأصول الدولارية إلى طلب متزايد على الذهب، مما دفع سعر الأوقية خلال وقت سابق من هذا العام إلى 3500 دولار. ماذا يعني هبوط الدولار؟ انخفاض قيمة الدولار يزيد من تنافسية الصادرات الأميركية، لكنه يجعل الواردات أعلى كلفة، ويعني تراجع الواردات وزيادة الصادرات توازناً أكبر في الميزان التجاري الأميركي، الذي يميل حالياً لمصلحة الشركاء بفوائض تحققها الدول المتعاملة مع الولايات المتحدة، لكن سياسة فرض الرسوم الجمركية قد تضعف هذا الأثر الإيجابي. على الجانب الآخر، فإن الدولار الضعيف يجعل السفر الخارجي للأميركيين أكثر كلفة، كما يقلل من جاذبية الولايات المتحدة للاستثمار خلال وقت تحتاج فيه الحكومة إلى مزيد من الاقتراض، مما يتطلب جذب مزيد من المستثمرين الأجانب إلى سوق الدين الأميركي. ويقول مدير أبحاث العملات في بنك "ستاندرد تشارترد" ستيف إنغلاندر في مقابلة مع صحيفة "نيويورك تايمز"، "سواء كان الدولار قوياً أو ضعيفاً، فالمشكلة ليست في سعره بل في دلالته على كيف ينظر العالم إلى السياسات الأميركية". هذا الهبوط المتواصل في سعر صرف الدولار يعني أن الولايات المتحدة لم تعد ذلك المركز المالي العالمي الأكثر جذباً للمستثمرين الأجانب. وقد يرى آخرون أن السوق الأميركية لا تزال جذابة، مشيرين إلى ارتفاع مؤشراتها، مثل مؤشر "ستاندرد آند بورز 500" في "وول ستريت"، الذي ارتفع بنسبة 24 في المئة منذ تولي ترمب الرئاسة، لكن عند تحويل العائد من الدولار إلى اليورو مثلاً نجد أن نسبة الارتفاع لا تتجاوز 15 في المئة، أي أقل بـ10 نقاط مئوية من الارتفاع الاسمي للمؤشر. في المقابل، ارتفع مؤشر "ستوكس 600" للأسهم الأوروبية بنسبة 15 في المئة خلال الفترة نفسها، لكن عند تحويل العائد من اليورو إلى الدولار، تصبح نسبة الارتفاع 23 في المئة. يظل الدولار أهم عملة احتياط عالمية على رغم تراجع حصته من الاحتياطات، لكن استمرار ضعفه سيؤدي إلى تآكل هذه المكانة، ولا شيء يبقي الدولار في مركزه العالمي الأول سوى غياب منافس جدي حتى الآن.


رواتب السعودية
منذ 2 ساعات
- رواتب السعودية
@petroapp تُغلق واحدة من أكبر الجولات الاستثمارية في القطاع التقني على مستوى ال
نشر في: 5 يوليو، 2025 - بواسطة: علي احمد ..بتروآب @petroapp تُغلق واحدة من أكبر الجولات الاستثمارية في القطاع التقني على مستوى المنطقة، قيمتها 50 مليون دولار بقيادة جدوى للاستثمار وبمشاركة بُناة فنتشرز، وذلك لأهداف توسعية في مجالات مختلفة. يُذكر أن الشركة تعمل في أربع دول: السعودية ومصر ونيجيريا وتايلند. (إعلان) المصدر : إياد الحمود | منصة x