
مخاوف متزايدة من زعزعة ترامب استقلال الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي
ففي الأيام الأخيرة، أشار ترامب في اجتماع خاص مع الجمهوريين في مجلس النواب إلى انفتاحه على فكرة الإقالة، قبل أن يتراجع في تصريحات لاحقة، قائلاً إن الأمر 'غير مرجّح'.
لكن مجرّد طرح الفكرة في هذا التوقيت الحرج، حيث يخوض ترامب معركة اقتصادية وسياسته المالية محل تدقيق واسع، أطلق موجة من التكهنات، وهز الأسواق الأميركية التي تراقب بدقة أي تلاعب باستقلالية البنك المركزي.
الإقالة المحتملة… كسر لتقاليد راسخة
من الناحية القانونية، لا يمتلك الرئيس سلطة إقالة رئيس مجلس الاحتياطي الفيدرالي إلا 'لسبب وجيه'، وفقًا لقانون الاحتياطي الفيدرالي، مثل الإهمال أو سوء السلوك. وحتى الآن، لم يُقَل أي رئيس للهيئة منذ تأسيسها عام 1913.
جيروم باول نفسه أكّد أن ترامب لا يملك الحق القانوني لإقالته، مشدداً على التزامه بإكمال ولايته حتى مايو 2026.
ويقول ديريك تانغ، الخبير في تحليلات السياسة النقدية في واشنطن، إن محاولة إقالة باول ستُواجَه حتمًا بدعوى قضائية قد تصل إلى المحكمة العليا. وأضاف: 'المجرد مناقشة الأمر يضعف من مكانة البنك المركزي، حتى إن لم تحدث الإقالة فعلياً'.
الأسواق ترد… وتحذير من أزمة ثقة
شهدت الأسواق الأميركية استجابة فورية للجدل الدائر. فقد تراجع مؤشرا داو جونز وستاندرد آند بورز 500 بنسبة 0.6% فور ورود تقارير تفيد بقرب إقالة باول، قبل أن يتعافيا جزئياً بعد تراجع ترامب عن الفكرة.
كما شهدت سوق السندات تذبذباً ملحوظاً، إذ انخفض عائد السندات لأجل عامين إلى 3.892%، بينما صعد عائد السندات لأجل عشر سنوات إلى 4.48% قبل أن يستقر عند 4.46%.
وتشير هذه التحركات إلى هشاشة ثقة المستثمرين بالاستقرار المالي، خاصة أن سندات الخزانة الأميركية تُعد حجر الزاوية في النظام المالي العالمي.
وقال بيتر أندرسن، مؤسس 'أندرسن كابيتال مانجمنت'، إن إقالة باول أو حتى التلميح بها 'يضعف ثقة الأسواق في حياد البنك المركزي، ويثير تساؤلات عميقة حول استقرار السياسات المالية في البلاد'.
الاستقلالية في مهب السياسة
لطالما اعتُبرت استقلالية الاحتياطي الفيدرالي خطاً أحمر في السياسة الأميركية، إذ إن البنك معني باتخاذ قرارات نقدية طويلة الأمد بمعزل عن ضغوط البيت الأبيض أو الكونغرس.
لكن مع تدخل ترامب المتكرر في سياسة الفائدة، ووصفه لباول بأنه 'عقبة في طريق الاقتصاد'، يُخشى أن تتحول هذه المؤسسة المستقلة إلى أداة في يد السلطة التنفيذية.
ولعل أخطر ما في هذه المرحلة هو ما عبّر عنه جيمي ديمون، الرئيس التنفيذي لبنك جي بي مورغان، حين قال: 'أي تدخل في عمل الاحتياطي الفيدرالي ستكون له عواقب سلبية كبيرة'. أما ديفيد سولومون من غولدمان ساكس، فقال بوضوح إن 'الاستقرار في قيادة الاحتياطي الفيدرالي أمر بالغ الأهمية للثقة الاقتصادية'.
من سيخلف باول؟
في حال قرر ترامب المضي في استبدال باول، تشير الترجيحات إلى عدد من الأسماء المرشحة، أبرزها مدير المجلس الاقتصادي الوطني كيفن هاسيت، ومحافظ الاحتياطي الفيدرالي السابق كيفن وارش، ووزير الخزانة الحالي سكوت بيسنت.
ويُعرف هؤلاء بولائهم لنهج ترامب وتفضيلهم لسياسة نقدية متساهلة تدعم خفض أسعار الفائدة.
لكن حتى في حال تم تعيين رئيس جديد موالٍ لترامب، فإن قدرة الرئيس على التأثير في قرارات الفائدة تظل محدودة. إذ تضم لجنة السوق المفتوحة الفيدرالية 12 عضواً، لا يعيّن الرئيس إلا ثمانية منهم، فيما تختار البنوك الإقليمية الأعضاء الآخرين.
كما يتمتع بنك الاحتياطي الفيدرالي في نيويورك – صاحب الدور الحاسم – بحق التصويت الدائم.
رسالة سلبية للمستثمرين الأجانب
أي خطوة تمس استقلالية الاحتياطي الفيدرالي قد تكون بمثابة تحذير للمستثمرين الدوليين، الذين طالما وثقوا في السوق الأميركية كمركز استقرار مالي عالمي.
إذ إن سندات الخزانة الأميركية تُعد من الأصول الآمنة عالمياً، وأي تسييس للبنك المركزي قد يدفع برؤوس الأموال نحو بدائل أكثر موثوقية، في وقت تتزايد فيه المخاوف من توجه ترامب إلى سياسات جمركية أكثر تشدداً.
وقال برايان موينيهان، الرئيس التنفيذي لبنك أوف أميركا، إن 'الاستقلالية النقدية ليست مجرد مسألة تقنية، بل هي جوهر الثقة الاقتصادية للولايات المتحدة في الداخل والخارج'.
لعبة محفوفة بالمخاطر
في المحصلة، سواء أقدم ترامب على إقالة باول أم لا، فإن مجرد طرح الفكرة يكفي لزعزعة أعمدة الثقة في النظام المالي الأميركي.
ويخشى المراقبون من أن يكون هذا التصعيد خطوة في مسار طويل نحو تسييس البنك المركزي، وتحويل السياسة النقدية إلى أداة انتخابية، وهو ما سيكون له انعكاسات عميقة ليس فقط على الاقتصاد الأميركي، بل على النظام المالي العالمي برمته.
أزمة الاستقلال المالي، إذا ما تحققت، لن تكون مجرد خلاف قانوني – بل بداية لانهيار إحدى ركائز الاقتصاد الأميركي.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


المصريين في الكويت
منذ ساعة واحدة
- المصريين في الكويت
رئيس الوزراء: الأولوية القصوى لسداد مستحقات الشركاء الأجانب في البترول وتشغيل أول مفاعل نووي بالضبعة 2028
في مؤتمر صحفي أسبوعي من مدينة العلمين الجديدة، استعرض الدكتور مصطفى مدبولي، رئيس مجلس الوزراء، أبرز المستجدات الاقتصادية والاستراتيجية، مؤكدًا التزام الدولة بسداد مستحقات الشركاء الأجانب في قطاع البترول، وتسريع الجدول الزمني لتشغيل محطة الضبعة النووية، إضافة إلى دعم السوق واستقرار أسعار السلع. تكليف رئاسي بسداد المتأخرات للشركاء الأجانب في قطاع البترول أكد مدبولي أن الرئيس عبد الفتاح السيسي وجّه الحكومة بأن تكون الأولوية القصوى لسداد متأخرات مستحقات الشركاء الأجانب في قطاع البترول في أسرع وقت، لدعم الثقة وجذب المزيد من الاستثمارات في الاستكشاف والإنتاج. تشغيل أول مفاعل نووي بالضبعة منتصف 2028.. وباقي المفاعلات تدخل الخدمة خلال 2029 أعلن رئيس الوزراء أنه تم الاطمئنان على الجدول الزمني لمحطة الضبعة النووية، مشيرًا إلى أن أول مفاعل سيدخل الخدمة في النصف الثاني من 2028، وتتبعه المفاعلات الثلاثة تباعًا خلال عام 2029، بإجمالي قدرة 4800 ميجاوات من الطاقة النظيفة. مصر تعزز شراكتها الاقتصادية مع ألمانيا وتحوّل الديون إلى استثمارات بنحو 100 مليون يورو أوضح مدبولي تفاصيل التعاون مع ألمانيا، حيث تم تفعيل مرحلة جديدة من مبادلة الديون بقيمة 100 مليون يورو تُستخدم في مشاريع البنية الأساسية والطاقة، بما يخفف أعباء الدين ويدعم الاقتصاد. تحسن مؤشرات الاقتصاد وثقة المستثمرين.. ولا تأخير في سداد الالتزامات الدولارية وأشار إلى أن تقرير البنك المركزي الأخير أكد استقرار الأوضاع المالية، دون أي تأخر في المستحقات الدولارية، مما يعزز ثقة المستثمرين، ويشجع على التوسع في مشروعات الاستثمار الأجنبي المباشر. الحكومة تتدخل لضبط أسعار السلع الاستراتيجية بالتعاون مع القطاع الخاص اختتم رئيس الوزراء حديثه بتأكيد تكليف الوزراء المعنيين بالتنسيق مع القطاع الخاص لخفض أسعار السلع الأساسية، خاصةً مع تحسن سعر صرف الدولار، لتحقيق نتائج مباشرة يشعر بها المواطن المصري. Leave a Comment المصدر


الأنباء
منذ 8 ساعات
- الأنباء
اتفاق جمركي «تاريخي» بين أميركا واليابان
في خطوة عدها مراقبون مفصلية في مسار العلاقات الاقتصادية بين الولايات المتحدة واليابان، أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترامب عن التوصل إلى اتفاق تجاري «تاريخي» مع طوكيو، يتضمن خفضا كبيرا في الرسوم الجمركية على السيارات اليابانية، مقابل حزمة استثمارية يابانية بقيمة 550 مليار دولار. وجاء هذا التطور وسط تحركات ديبلوماسيـــة وتجارية حثيثة من البيت الأبيض لعقد صفقات مع حلفاء آسيويين قبيل الموعد النهائي في الأول من أغسطس المقبل لفرض رسوم جديدة. الصفقة، التي وصفت بأنها «الأكبر من نوعها»، حسب تعبير ترامب، أثارت ردود أفعال واسعة في الأسواق العالمية، خصوصا بقطاع السيارات، وشكلت نقطة تحول في علاقات البلدين التي لطالما تأرجحت بين التعاون والتوتر. وحسب المعلومات المتاحة، ينص الاتفاق على خفض الرسوم الجمركية الأميركية على واردات السيارات اليابانية من 27.5% إلى 15%، بما في ذلك الرسوم الأساسية التي تبلغ 2.5%، والرسوم الإضافية المفروضة منذ أبريل الماضي بنسبة 25%، كما يشمل تخفيضا للرسوم التي كان من المقرر تطبيقها من 1 أغسطس على سلع يابانية أخرى، من 25 إلى 15%. في المقابل، وافقت اليابان على تقديم حزمة تمويل واستثمار تشمل قروضا وضمانات حكومية بقيمة 550 مليار دولار، بهدف دعم الشركات اليابانية في بناء سلاسل توريد مرنة في قطاعات استراتيجية، مثل الأدوية وأشباه الموصلات، وهي قطاعات تواجه فيها الولايات المتحدة تحديات هيكلية منذ جائحة «كورونا». وأشاد رئيس الوزراء الياباني شيغيرو إيشيبا بالاتفاق، وعده بدوره «تاريخيا»، مؤكدا أنه يمثل أدنى مستوى من الرسوم المفروضة على دولة لديها فائض تجاري مع الولايات المتحدة، وقد بلغ حجم التجارة الثنائية بين البلدين نحو 230 مليار دولار في عام 2024، منها 70 مليار دولار فائضا لصالح اليابان. وردت الأسواق المالية بسرعة على الاتفاق، فقد ارتفع مؤشر «نيكي» الياباني بنسبة 4%، مسجلا أعلى مستوى له منذ عام، مدفوعا بارتفاع كبير في أسهم شركات السيارات، وسجلت «تويوتا» قفزة بأكثر من 14%، في حين ارتفعت أسهم «هوندا» بنحو 11%. وتجاوز تأثير الاتفاق حدود اليابان، حيث شهدت أسهم شركات صناعة السيارات الأوروبية والكورية الجنوبية ارتفاعا واضحا بدافع التفاؤل في إمكانية توصل بلدانهم إلى اتفاقات مماثلة مع واشنطن. كما أبدى نائب محافظ بنك اليابان شينيتشي أوشيدا تفاؤله بالاتفاق، وعده «تقدما كبيرا» يخفف من حالة عدم اليقين الاقتصادي، ما يزيد من فرص تحقيق هدف البنك المركزي البالغ 2% للتضخم.


الرأي
منذ 8 ساعات
- الرأي
«هيرمس»: «الرهن العقاري» القطعة المفقودة في الإطار التشريعي للإسكان
- الكويت استأنفت الاقتراض المحلي بعد 8 سنوات بـ 600 مليون دينار - 5 مليارات دينار حجم الاقتراض الحكومي المتوقع هذا العام - «المركزي» حرّر 2.1 مليار دينار سيولة لدعم امتصاص إصدارات الدّين المحلي - خطوة تطبيق الضريبة الانتقائية تبعث إشارة إيجابية - التمويل المضمون يمنح الحكومة القدرة على التخطيط بشكل أفضل لخططها الإنفاقية الاستثمارية - انتعاش الإنفاق الاستثماري في الكويت بـ 8.7 مليار دولار ترسيات مشاريع في 2024 - قانون المدن الإسكانية يفتح الباب لمشاركة القطاع الخاص أشار تقرير صدر حديثاً عن شركة «إي إف جي هيرميس» إلى أنه بعد توقف دام 8 سنوات، عادت الحكومة الكويتية للاقتراض من السوق المحلي، ما يشير إلى تحول في إستراتيجية إدارة المالية العامة. هذا التطور، المدعوم بسيولة مصرفية وفيرة وخطوات استباقية من البنك المركزي، يأتي بالتوازي مع جهود أوسع نطاقاً لإصلاحات مالية واقتصادية تهدف إلى تعزيز الإيرادات، وتحسين ديناميكيات الدين العام، ومعالجة التحديات الهيكلية في قطاعات حيوية كالإسكان والبنية التحتية. وبحسب التقرير الذي جاء بعنوان: «المُضي قُدُماً في خطوات الإصلاح الكلي»، يظل حلّ التحديات في قطاع الإسكان أولوية رئيسية للحكومة، خصوصاً في ظل تقادم اللوائح السابقة التي لم تعد قادرة على تلبية الطلب المتزايد، مشيرة إلى أنه لا يزال هناك أكثر من 100 ألف طلب إسكاني معلق للمواطنين لدى المؤسسة العامة للرعاية السكنية، وسط صعوبات في تخصيص الأراضي وتوفير التمويل. وبيّن التقرير أن الحكومة نشرت أخيراً اللوائح التنفيذية لقانون جديد صدر في أواخر عام 2023، وهو ما يسمى «قانون المدن الإسكانية»، والذي يمثل تحولاً في نموذج الإسكان في البلاد من نظام «الأرض والقرض». تعزيز دور «الخاص» ولفت التقرير إلى أن هذا القانون يعزز دور القطاع الخاص في التنمية الحضرية، وهو دور كانت الدولة تقوم به بشكل منفرد سابقاً. كما يسمح بالبيع على الخارطة للوحدات السكنية تحت الإنشاء، محاكياً النموذج المطبق في المنطقة منذ سنوات. وأفاد بأنه في أول تطبيق للقانون الجديد، وقعت المؤسسة العامة للرعاية السكنية في مارس عقد خدمات استشارية لتطوير ثلاثة مواقع سكنية، بهدف بناء 5000 وحدة. هذه المواقع الثلاثة لديها إمكانية لاستيعاب ما مجموعه 170 ألف وحدة سكنية، لكن الحكومة تبدأ بـ 5 آلاف وحدة كمشروع تجريبي لاختبار النموذج الجديد. برامج تمويل وتعتقد «هيرميس» أن حلّ هذه القضايا يتطلب المزيد من الوقت قبل أن تتمكن الحكومة من إقرار القطعة النهائية المفقودة في الإطار التشريعي للإسكان، ألا وهو قانون الرهن العقاري، والذي من شأنه أن يوفر برامج تمويل ميسورة التكلفة لمشتري المنازل. وتهدف هذه الخطوة الحكومية الحذرة إلى ضمان توافر المعروض لتجنب ارتفاعات كبيرة في أسعار العقارات، إضافة إلى العمل على تنظيم لوائح حبس الرهن ونظام الدعم الذي يستفيد منه المواطنون. تحقيقاً لذلك، ترى «هيرميس» أن القانون الجديد سيلبي احتياجات الوحدات السكنية الجديدة فقط، حيث تم تخصيص الأراضي بالفعل ولكن التمويل لا يزال غائباً. الاقتراض والدّين العام وأوضح التقرير أن الحكومة الكويتية شرعت في الاقتراض من السوق المحلي في يونيو، لتنهي بذلك فترة توقف عن الاقتراض الداخلي استمرت قرابة ثماني سنوات. وتشير التقارير المحلية إلى أن إجمالي الاقتراض بلغ حتى الآن 600 مليون دينار. وقد تم استيعاب هذه الإصدارات بسهولة، مدفوعة بالسيولة الوفيرة في القطاع المصرفي، وإعداد بنك الكويت المركزي للساحة من خلال عمليات السيولة. في سياق متصل، يُذكر أن الحكومة قد بدأت عملية لإصدار ديون في الأسواق الدولية، على الرغم من تأجيل الخطوات الأولية بسبب الاضطرابات الإقليمية. وتتوقع «هيرميس» أن يصل الاقتراض السنوي لهذا العام إلى 5 مليارات دينار، ما سيرفع إجمالي الدّين العام إلى 13.6 % من الناتج المحلي الإجمالي للسنة المالية الحالية 2025 /2026، وإلى 17 % في السنة المالية 2026 /2027. ولفتت «هيرميس» إلى قيام بنك الكويت المركزي بتخفيف شروط السيولة لتوفير الموارد اللازمة للبنوك لامتصاص الإصدارات القادمة. وقد عمد «المركزي» بشكل ملحوظ إلى تقليص إصداراته من سندات البنك المركزي، حيث خفّض الرصيد القائم بنحو الثلث خلال الأشهر الـ12 الماضية. بالتوازي، قلّل «المركزي» من قبول الودائع تحت الطلب من البنوك، حيث تم تخفيض الرصيد من ذروته البالغة 2.6 مليار دينار في أوائل 2023 إلى الصفر في مارس من هذا العام. وقد أدت هاتان الخطوتان مجتمعتين إلى تحرير 2.1 مليار دينار من السيولة لصالح البنوك المحلية. وقد انعكس ذلك بالفعل في الودائع لأجل لدى البنوك، والتي قفزت بمقدار 1.5 مليار دينار. سيولة وفيرة ويتمتع القطاع المصرفي حالياً بسيولة وفيرة، حيث بلغ إجمالي أصوله 311 مليار دولار اعتباراً من مايو 2025. وهذا يضع القطاع في وضع مريح لاستيعاب إصدارات الدّين المحلي القادمة، في رأي «هيرميس». في غضون ذلك، اعتبرت «هيرميس» إقرار قانون الدين العام إحدى خطوتين مهمتين اتخذتهما الحكومة أخيراً لتحسين ديناميكيات المالية العامة الأساسية، إذ يوفر قانون الدين مساراً أكثر استدامة وموثوقية للإنفاق المالي، مما يزيل المخاوف المتعلقة بالسيولة في ظل شبه استنزاف الأصول السائلة في صندوق الاحتياطي العام. ومن الواضح أن التمويل المضمون يمنح الحكومة القدرة على التخطيط بشكل أفضل لخططها الإنفاقية الاستثمارية. الضرائب بالإضافة إلى إقرار قانون الدين، اتخذت الحكومة خطوة مهمة ضمن جهودها للإصلاح المالي، تمثلت في فرض الحد الأدنى العالمي لضريبة الدخل على الشركات المحلية ذات العمليات الدولية. ومن المتوقع أن تدر هذه الخطوة إيرادات إضافية تقدر بـ 250 مليون دينار (0.5 % من الناتج المحلي الإجمالي). والأهم من ذلك، أن الحكومة اغتنمت هذه الفرصة لتوسيع قاعدتها الضريبية، مع وجود خطط لفرض ضريبة دخل الشركات متعددة الجنسية بنسبة 15 % اعتباراً من 2027. وذكر التقرير أن هناك المزيد من الإصلاحات المالية قيد الإعداد، إلا أن الحكومة، واقتناعاً منها بالتقدم التدريجي المحقق حتى الآن، تبدو وكأنها تؤجلها للأعوام المقبلة. وقد صرحت وزيرة المالية بأن الوزارة قد أعدت قانون الضريبة الانتقائية– يُرجح أن تكون على التبغ والمشروبات السكرية – ويُتوقع أن تّدر الضريبة 200 مليون دينار كإيرادات سنوية. إلا أن الوزيرة لم تحدد جدولاً زمنياً لتطبيق الضريبة، ومما يلاحظ أن مشروع ميزانية السنة المالية 2025 - 2026 لم يتضمن إشارة إلى مثل هذه الخطوة. وعلى الرغم من حجمها الصغير نسبياً، فإن خطوة تطبيق الضريبة الانتقائية تبعث إشارة إيجابية. وستكون هذه أول ضريبة تُفرض مباشرة على الأفراد، وبالتالي تُعرّف المواطنين بمفهوم الضرائب. علاوة على ذلك، كان فرض الضريبة الانتقائية نموذجاً متبعاً في دول مجلس التعاون الخليجي، حيث تبعتها ضرائب أخرى، أبرزها ضريبة القيمة المضافة. ويتوافق تسلسل هذه الخطوات مع رؤية «هيرميس» بأن الحكومة تتبنى نهجاً تدريجياً للإصلاحات، خصوصاً تلك الإجراءات التي ستؤثر على المواطنين. ويعتقد التقرير أن الحكومة ترغب أولاً في تعزيز النمو، وزيادة الوعي العام بالتحديات/التجاوزات المالية، بهدف بناء الثقة مع الجمهور، قبل أن تكون في وضع يسمح لها بتنفيذ إصلاحات مالية أكثر صرامة وبعيدة المدى، بما في ذلك خفض الدعم وإدخال ضرائب جديدة. إصلاحات واسعة بالإضافة إلى الجانب المالي، تدفع الحكومة كذلك باتجاه إصلاحات اقتصادية كلية أوسع نطاقاً، مع تركيز على قطاعات البنية التحتية، والإسكان، والضيافة. يهدف هذا النهج الإصلاحي في المقام الأول إلى معالجة التحديات العاجلة في القطاعات الرئيسية، ولم ينتقل بعد إلى رؤية أكثر شمولية. ويشهد الإنفاق الاستثماري تصاعداً ملحوظاً، مع تركيز على قطاعي النقل والطاقة. كما يحظى قطاع الإسكان باهتمام كبير من الحكومة، نظراً للتحديات الواضحة فيه، حيث يوجد أكثر من 100 ألف طلب إسكاني معلق. وقد أدخلت الحكومة تشريعات جديدة تسمح، للمرة الأولى، بمشاركة القطاع الخاص في مشاريع التطوير العقاري الكبيرة. ومع ذلك، التحدي المتبقي يكمن في جانب التمويل، وتحديداً قانون الرهن العقاري. نشاط المشروعات وأفاد التقرير بأن البيانات المستجدة تشير إلى تسارع في وتيرة النشاط الاقتصادي، لا سيما على الجانب الاستثماري. فقد قفزت ترسيات المشاريع بنسبة 19 % لتصل إلى 8.7 مليار دولار في 2024، وذلك بعد زيادة بلغت 3.4 أضعاف في 2023. وقد حافظ قطاعا الطاقة والنقل على صدارتهما، مستحوذين على 46 % من الترسيات، بالإضافة إلى انتعاش حاد في قطاع الإنشاءات (بزيادة 6 أضعاف، وشكل 47 % من الإجمالي). استمر هذا الزخم الإيجابي في 2025، حيث ارتفعت الترسيات بنسبة 39 % على أساس سنوي في النصف الأول من 2025، على الرغم من أنه من المرجح أن ينتهي العام بمستوى أقل نظراً للقاعدة المرتفعة بشكل استثنائي في النصف الثاني من عام 2024. مشاريع بـ 19 مليار دولار في مرحلة تقييم العروض لفت التقرير إلى أن حجم المشاريع قيد التنفيذ لا يزال كبيراً، حيث يوجد ما يقارب 19 مليار دولار أميركي من المشاريع حالياً في مرحلة تقييم العروض. بالتوازي مع ذلك، يشهد نمو الائتمان تسارعاً جيداً حتى الآن هذا العام، حيث بلغ نمو ائتمان الشركات السنوي 6.5 % بحلول مايو، مقارنة بمتوسط 2.2 % في 2024. بالمقابل، لا تزال معنويات المستهلكين ضعيفة نسبياً، ويظهر ذلك جلياً في مؤشرات الائتمان الشخصي ومعاملات البطاقات.