
مخاوف متزايدة من زعزعة ترامب استقلال الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي
ففي الأيام الأخيرة، أشار ترامب في اجتماع خاص مع الجمهوريين في مجلس النواب إلى انفتاحه على فكرة الإقالة، قبل أن يتراجع في تصريحات لاحقة، قائلاً إن الأمر 'غير مرجّح'.
لكن مجرّد طرح الفكرة في هذا التوقيت الحرج، حيث يخوض ترامب معركة اقتصادية وسياسته المالية محل تدقيق واسع، أطلق موجة من التكهنات، وهز الأسواق الأميركية التي تراقب بدقة أي تلاعب باستقلالية البنك المركزي.
الإقالة المحتملة… كسر لتقاليد راسخة
من الناحية القانونية، لا يمتلك الرئيس سلطة إقالة رئيس مجلس الاحتياطي الفيدرالي إلا 'لسبب وجيه'، وفقًا لقانون الاحتياطي الفيدرالي، مثل الإهمال أو سوء السلوك. وحتى الآن، لم يُقَل أي رئيس للهيئة منذ تأسيسها عام 1913.
جيروم باول نفسه أكّد أن ترامب لا يملك الحق القانوني لإقالته، مشدداً على التزامه بإكمال ولايته حتى مايو 2026.
ويقول ديريك تانغ، الخبير في تحليلات السياسة النقدية في واشنطن، إن محاولة إقالة باول ستُواجَه حتمًا بدعوى قضائية قد تصل إلى المحكمة العليا. وأضاف: 'المجرد مناقشة الأمر يضعف من مكانة البنك المركزي، حتى إن لم تحدث الإقالة فعلياً'.
الأسواق ترد… وتحذير من أزمة ثقة
شهدت الأسواق الأميركية استجابة فورية للجدل الدائر. فقد تراجع مؤشرا داو جونز وستاندرد آند بورز 500 بنسبة 0.6% فور ورود تقارير تفيد بقرب إقالة باول، قبل أن يتعافيا جزئياً بعد تراجع ترامب عن الفكرة.
كما شهدت سوق السندات تذبذباً ملحوظاً، إذ انخفض عائد السندات لأجل عامين إلى 3.892%، بينما صعد عائد السندات لأجل عشر سنوات إلى 4.48% قبل أن يستقر عند 4.46%.
وتشير هذه التحركات إلى هشاشة ثقة المستثمرين بالاستقرار المالي، خاصة أن سندات الخزانة الأميركية تُعد حجر الزاوية في النظام المالي العالمي.
وقال بيتر أندرسن، مؤسس 'أندرسن كابيتال مانجمنت'، إن إقالة باول أو حتى التلميح بها 'يضعف ثقة الأسواق في حياد البنك المركزي، ويثير تساؤلات عميقة حول استقرار السياسات المالية في البلاد'.
الاستقلالية في مهب السياسة
لطالما اعتُبرت استقلالية الاحتياطي الفيدرالي خطاً أحمر في السياسة الأميركية، إذ إن البنك معني باتخاذ قرارات نقدية طويلة الأمد بمعزل عن ضغوط البيت الأبيض أو الكونغرس.
لكن مع تدخل ترامب المتكرر في سياسة الفائدة، ووصفه لباول بأنه 'عقبة في طريق الاقتصاد'، يُخشى أن تتحول هذه المؤسسة المستقلة إلى أداة في يد السلطة التنفيذية.
ولعل أخطر ما في هذه المرحلة هو ما عبّر عنه جيمي ديمون، الرئيس التنفيذي لبنك جي بي مورغان، حين قال: 'أي تدخل في عمل الاحتياطي الفيدرالي ستكون له عواقب سلبية كبيرة'. أما ديفيد سولومون من غولدمان ساكس، فقال بوضوح إن 'الاستقرار في قيادة الاحتياطي الفيدرالي أمر بالغ الأهمية للثقة الاقتصادية'.
من سيخلف باول؟
في حال قرر ترامب المضي في استبدال باول، تشير الترجيحات إلى عدد من الأسماء المرشحة، أبرزها مدير المجلس الاقتصادي الوطني كيفن هاسيت، ومحافظ الاحتياطي الفيدرالي السابق كيفن وارش، ووزير الخزانة الحالي سكوت بيسنت.
ويُعرف هؤلاء بولائهم لنهج ترامب وتفضيلهم لسياسة نقدية متساهلة تدعم خفض أسعار الفائدة.
لكن حتى في حال تم تعيين رئيس جديد موالٍ لترامب، فإن قدرة الرئيس على التأثير في قرارات الفائدة تظل محدودة. إذ تضم لجنة السوق المفتوحة الفيدرالية 12 عضواً، لا يعيّن الرئيس إلا ثمانية منهم، فيما تختار البنوك الإقليمية الأعضاء الآخرين.
كما يتمتع بنك الاحتياطي الفيدرالي في نيويورك – صاحب الدور الحاسم – بحق التصويت الدائم.
رسالة سلبية للمستثمرين الأجانب
أي خطوة تمس استقلالية الاحتياطي الفيدرالي قد تكون بمثابة تحذير للمستثمرين الدوليين، الذين طالما وثقوا في السوق الأميركية كمركز استقرار مالي عالمي.
إذ إن سندات الخزانة الأميركية تُعد من الأصول الآمنة عالمياً، وأي تسييس للبنك المركزي قد يدفع برؤوس الأموال نحو بدائل أكثر موثوقية، في وقت تتزايد فيه المخاوف من توجه ترامب إلى سياسات جمركية أكثر تشدداً.
وقال برايان موينيهان، الرئيس التنفيذي لبنك أوف أميركا، إن 'الاستقلالية النقدية ليست مجرد مسألة تقنية، بل هي جوهر الثقة الاقتصادية للولايات المتحدة في الداخل والخارج'.
لعبة محفوفة بالمخاطر
في المحصلة، سواء أقدم ترامب على إقالة باول أم لا، فإن مجرد طرح الفكرة يكفي لزعزعة أعمدة الثقة في النظام المالي الأميركي.
ويخشى المراقبون من أن يكون هذا التصعيد خطوة في مسار طويل نحو تسييس البنك المركزي، وتحويل السياسة النقدية إلى أداة انتخابية، وهو ما سيكون له انعكاسات عميقة ليس فقط على الاقتصاد الأميركي، بل على النظام المالي العالمي برمته.
أزمة الاستقلال المالي، إذا ما تحققت، لن تكون مجرد خلاف قانوني – بل بداية لانهيار إحدى ركائز الاقتصاد الأميركي.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


الرأي
منذ 42 دقائق
- الرأي
النفط يصعد بفضل قوة الطلب الأميركي رغم ضبابية عقوبات متعلقة بروسيا
ارتفعت أسعار النفط اليوم الخميس لتوقف سلسلة خسائر استمرت خمسة أيام متتالية، وسط مؤشرات على استقرار الطلب في الولايات المتحدة، أكبر مستهلك للنفط في العالم، لكن احتمال إجراء محادثات أمريكية روسية في شأن الحرب الأوكرانية هدأ المخاوف من اضطراب الإمدادات نتيجة مزيد من العقوبات. بحلول الساعة 00.39 بتوقيت غرينتش، صعدت العقود الآجلة لخام برنت 20 سنتا، أو 0.3 في المئة إلى 67.09 دولار للبرميل، فيما زاد خام غرب تكساس الوسيط الأميركي 22 سنتا أو 0.3 في المئة إلى 64.57 دولار للبرميل. وتراجع الخامان بنحو واحد في المئة إلى أدنى مستوياتهما في ثمانية أسابيع أمس الأربعاء بعد تصريحات الرئيس الأميركي دونالد ترامب حول تقدم في المحادثات مع موسكو. وقال مسؤول في البيت الأبيض أمس إن ترامب قد يجتمع مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الأسبوع المقبل، على الرغم من أن الولايات المتحدة تواصل استعداداتها لفرض عقوبات ثانوية قد تشمل الصين للضغط على موسكو لإنهاء الحرب في أوكرانيا. وتعد روسيا ثاني أكبر منتج للنفط الخام في العالم بعد الولايات المتحدة. ومع ذلك، تلقت أسواق النفط الدعم من انخفاض أكبر من المتوقع في مخزونات الخام الأميركية الأسبوع الماضي. وقالت إدارة معلومات الطاقة أمس الأربعاء إن مخزونات النفط الخام الأميركية انخفضت ثلاثة ملايين برميل إلى 423.7 مليون برميل في الأسبوع المنتهي في الأول من أغسطس، وهو ما يتجاوز توقعات المحللين في استطلاع أجرته رويترز بانخفاضها 591 ألف برميل. وانخفضت المخزونات مع ارتفاع صادرات الخام الأميركية وزيادة معدل استهلاك المصافي. إلا أن كبير المحللين في نيسان للاستثمار في الأوراق المالية هيرويوكي كيكوكاوا قال إن المستثمرين يتوخون الحذر في ظل الطبيعة غير المستقرة للمحادثات والوضع العام للعرض والطلب مع زيادة المنتجين الرئيسيين لإنتاجهم. وأضاف كيكوكاوا «حالة عدم اليقين في شأن نتائج القمة الأميركية الروسية المرتقبة، والرسوم الإضافية المحتملة على الهند والصين، وهما من المشترين الرئيسيين للخام الروسي، والتأثير الأوسع نطاقا للتعريفات الأميركية على الاقتصاد العالمي، كل ذلك يدفع المستثمرين إلى توخي الحذر». وتابع: «مع الزيادات التي يخطط لها تحالف (أوبك+) والتي تؤثر على الأسعار، من المرجح أن يظل خام غرب تكساس الوسيط في نطاق 60-70 دولارا لبقية الشهر». وأعلن ترامب أمس الأربعاء رسوما إضافية بنسبة 25 في المئة على السلع الهندية، وعزا القرار إلى استمرار شراء الهند للنفط الروسي. وستدخل رسوم الاستيراد الجديدة حيز التنفيذ بعد 21 يوما. ولوح ترامب أيضا بمزيد من الرسوم الجمركية على الصين بنسبة 25 في المئة بسبب مشترياتها من النفط الروسي.


الرأي
منذ 5 ساعات
- الرأي
ترامب يلوح بفرض رسوم جمركية جديدة على الصين بسبب النفط الروسي
قال الرئيس الأميركي دونالد ترامب يوم أمس الأربعاء إنه قد يفرض مزيدا من الرسوم الجمركية على الصين على غرار الرسوم التي أعلن عنها في وقت سابق على الهند بسبب مشترياتها من النفط الروسي، وذلك اعتمادا على ما سيحدث. وأضاف ترامب للصحفيين «يمكن أن يحدث»، وذلك بعد أن قال إنه يتوقع فرض المزيد من العقوبات الثانوية التي تهدف إلى الضغط على روسيا لإنهاء حربها في أوكرانيا. ولم يذكر مزيدا من التفاصيل. وتابع: «قد يحدث هذا. لا أستطيع أن أخبركم الآن. فعلنا ذلك مع الهند. وربما نفعل ذلك مع دولتين أخريين. قد تكون الصين إحداهما». وفرض ترامب الأربعاء رسوما جمركية بنسبة 25 في المئة على البضائع الهندية، بالإضافة إلى تعريفات جمركية بالنسبة نفسها أعلن عنها سابقا، وعزا القرار إلى مشتريات الهند المتواصلة من النفط الروسي. ولم يذكر قرار البيت الأبيض الصين، وهي مشتر كبير آخر للنفط الروسي. وفي الأسبوع الماضي، هدد وزير الخزانة الأميركي سكوت بيسنت الصين بمواجهة رسوم جمركية جديدة إذا استمرت في شراء النفط الروسي.


الرأي
منذ 7 ساعات
- الرأي
مسؤول في البيت الأبيض: اجتماع ترامب وبوتين قد يعقد الأسبوع المقبل
أعلنت المتحدثة باسم البيت الأبيض كارولاين ليفيت، اليوم الأربعاء أن دونالد ترامب «منفتح على أن يلتقي في الوقت نفسه الرئيس (الروسي فلاديمير) بوتين والرئيس (الأوكراني فولوديمير) زيلينسكي»، موضحة أن «الروس أبدوا رغبتهم في لقاء» الرئيس الأميركي. ونقلت صحيفة نيويورك تايمز أن ترامب أبلغ الأربعاء العديد من القادة الأوروبيين أنه يريد ان يلتقي بوتين شخصيا اعتبارا من الأسبوع المقبل، على أن ينظم بعدها اجتماعا ثلاثيا يضمه إلى بوتين وزيلينسكي. وقال مسؤول في البيت الأبيض إن اللقاء بين ترامب وبوتين قد يعقد الأسبوع المقبل، مشيراً إلى أنه لم يتم بعد تحديد مكان اللقاء، بحسب «الجزيرة».