logo
بعد عقود من نزاع دامٍ: البندقية تغادر الجبال.. هل يبدأ السلام؟

بعد عقود من نزاع دامٍ: البندقية تغادر الجبال.. هل يبدأ السلام؟

شفق نيوز١٢-٠٥-٢٠٢٥

شفق نيوز/ في تحول دراماتيكي يُنهي عقودًا من النزاع المسلح، أعلن حزب العمال الكوردستاني، حلَّ نفسه وإنهاء الكفاح المسلح ضد تركيا، في استجابة مباشرة لدعوة مؤسسه وزعيمه المعتقل عبد الله أوجلان. القرار الذي وصفه مسؤولون ومحللون بـ"اللحظة المفصلية"، يضع حدًا لصراع استمر أكثر من أربعين عامًا، وفتح الباب أمام أسئلة جديدة حول مستقبل القضية الكوردية في تركيا والمنطقة.
من معقله الجبلي في أقصى إقليم كوردستان، أصدر الحزب بيانًا عقب مؤتمر داخلي عُقد بسرية، أكد فيه أن "مرحلة النضال المسلح قد استُنفدت"، وأنه بات من الممكن المضي نحو حل ديمقراطي للقضية الكوردية من خلال الوسائل السلمية.
جذور الصراع التاريخي
تأسس حزب العمال الكوردستاني على يد عبد الله أوجلان عام 1978 في جنوب شرقي تركيا، متأثرًا بفكر ماركسي- لينيني. بدأ الحزب نزاعه المسلح ضد أنقرة عام 1984 مطالبًا بدولة كوردية مستقلة، قبل أن يعدّل أهدافه لاحقًا للمطالبة بحكم ذاتي وحقوق أكبر للكورد داخل تركيا.
شهدت التسعينيات أشرس فترات الصراع، حيث بلغت الحرب ذروتها بمنتصف ذلك العقد وتسببت في تدمير آلاف القرى وتهجير مئات الآلاف من الكورد داخل تركيا. وفي عام 1999 تلقّى الحزب ضربة قاصمة باعتقال زعيمه أوجلان في عملية دولية مثيرة للجدل. حُكم على أوجلان بالإعدام ثم خُفف إلى السجن المؤبد بعد إلغاء تركيا لعقوبة الإعدام عام 2002، ولا يزال محتجزًا في جزيرة إمرالي ببحر مرمرة منذ ذلك الحين.
بعد اعتقال أوجلان، تراجعت حدّة القتال مؤقتًا وانسحب المقاتلون إلى خارج تركيا، شهد العقد التالي محاولات حوار متقطعة، أبرزها مفاوضات سرّية في أوسلو (2009-2011) ومبادرة سلام علنية بدأت أواخر 2012.
وبناء على نداء من أوجلان عام 2013، أعلن PKK وقفًا لإطلاق النار وانسحابًا من تركيا فيما اعتُبر آنذاك خطوة تاريخية نحو إنهاء النزاع، غير أن عملية السلام هذه انهارت في يوليو 2015، فعاد العنف بوتيرة أشد وشهدت مناطق جنوب شرق تركيا عمليات عسكرية دامية دمرت أجزاءً من مدن كوردية مثل دياربكر ونصيبين.
على مدى السنوات اللاحقة، كثّفت أنقرة الضغط العسكري على PKK، فدفعته للتراجع إلى معاقله في جبال إقليم كوردستان، استخدمت تركيا ضربات جوية بطائرات حربية ومسيرات لاستهداف مقاتلي الحزب في العراق وسوريا، بينما صنفت أنقرة ومعها الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي PKK كمنظمة إرهابية محظورة. كذلك حظرت السلطات التركية أحزابًا سياسية مؤيدة للكورد بدعوى صلتها بالحزب، واعتقلت الآلاف من النشطاء ضمن اتحاد المجتمعات الكوردية (KCK) المظلة السياسية لـPKK. هذه السياسات خلقت مناخًا خانقًا للأصوات الكوردية المعارضة داخل تركيا، وقوّضت الثقة بعمليات السلام السابقة
دور القوى الإقليمية والدولية في الصراع
لم يكن صراع PKK- تركيا محليًا فحسب، بل تأثر وتداخل مع مصالح قوى إقليمية ودولية، فخلال الثمانينيات والتسعينيات، قدمت سوريا ملاذًا لأوجلان وقواعد خلفية لمقاتليه في سهل البقاع اللبناني، ما أثار توترات شديدة مع أنقرة بلغت حد التهديد العسكري التركي أواخر عام 1998. رضخت دمشق حينها للضغط ورحلّت أوجلان الذي اعتُقل بعد ذلك بأشهر بتنسيق دولي.
إيران من جهتها خاضت مواجهات مع فرع PKK على أراضيها (حزب بيجاك)، لكنها أيضًا استخدمت القضية الكوردية ورقة ضغط في علاقاتها مع أنقرة.
في العراق، سمحت الحكومات المتعاقبة ضمنيًا أو باتفاقات أمنية بدخول القوات التركية شمال البلاد لملاحقة مسلحي PKK منذ الثمانينيات، ورغم اعتبار بغداد التوغلات التركية انتهاكًا للسيادة، اضطرت للتعايش معها بسبب عجزها عن بسط السيطرة التامة على المناطق الجبلية الحدودية.
وفي السنوات الأخيرة، توصلت بغداد وأنقرة لتفاهمات أمنية لتعزيز التعاون ضد PKK، حتى أن الحكومة العراقية صنّفت الحزب لأول مرة منظمة محظورة عام 2023.
يرى مراقبون أن بغداد سعت بذلك لانتزاع الذريعة التركية للتوغل، تمهيدًا للمطالبة بانسحاب القوات التركية من قواعد مثل معسكر بعشيقة (زليكان) في نينوى.
ويشير الباحث الأمني والعسكري سرمد البياتي لوكالة شفق نيوز، إلى أن هذه الخطوة تحمل أهمية خاصة للعراق، لا سيما في ما يتعلق بمستقبل التواجد التركي في المناطق الحدودية شمالي البلاد. ويقول: "إذا تُرجم هذا القرار إلى التزام عملي، فستنتفي الذريعة التركية للبقاء داخل العراق، وسيفتح الباب لعودة الحياة إلى قرى مهجورة منذ سنوات".
من الجانب الغربي، تبنت الولايات المتحدة ودول أوروبية موقفًا حذرًا. فعلى الرغم من إدراجها PKK على قوائم الإرهاب، دعمت واشنطن الجماعات الكوردية في سوريا (قوات سوريا الديمقراطية قسد وعمادها فصيل YPG) في قتال تنظيم داعش.
وتعتبر أنقرة YPG امتدادًا سوريًا لحزب العمال، ما وضع تركيا في مواجهة غير مباشرة مع حليفها الأمريكي بسوريا، ومع ذلك، رحبت واشنطن والاتحاد الأوروبي بأي بارقة أمل للسلام؛ فقد أيدتا دعوة دولت بهتشلي (حليف أردوغان القومي) في أكتوبر 2024 لإطلاق سراح أوجلان إذا أعلن إنهاء النزاع المسلح.
ويُنظر إلى التغيرات الإقليمية الأخيرة، كسقوط نظام بشار الأسد في سوريا نهاية 2024 وتراجع نفوذ إيران بسبب أزماتها، على أنها هيأت ظرفًا مؤاتيًا لعزل PKK ودفعه نحو عملية سلام. فمع إدارة سورية جديدة أكثر تناغمًا مع أنقرة، طالبت تركيا بحل فصيل YPG وطرد قياداتها من سوريا، مهددةً بعملية عسكرية لسحقها إذا لم تُلبَّ مطالبها. هذه التحولات الإقليمية وضعت الحركة الكوردية أمام واقع جديد أقل دعمًا، ما دفع قيادتها لإعادة تقييم جدوى استمرار الكفاح المسلح.
ويصف النائب عن الحزب الديمقراطي الكوردستاني محما خليل القرار بـ"الخطوة التاريخية التي ستسهم في استقرار المنطقة ودفع عجلة الحوار السياسي".
ويضيف أن "الكفاح المسلح فقد فعاليته السياسية، والقناعة لدى قيادة الحزب وعلى رأسهم أوجلان، كانت أن اللحظة باتت مناسبة لاختيار مسار جديد".
وفي السياق ذاته، قال عبد السلام برواري، وهو سياسي كوردي بارز، لوكالة شفق نيوز، إن إعلان الحل جاء بعد إدراك عميق من قيادات الحزب بأن الاستمرار في العمل المسلح لم يعد مجدياً. وأوضح أن "الأمل في كوردستان بات معقوداً على ترجمة هذه الخطوة إلى واقع ملموس، عبر إنهاء التواجد العسكري التركي وتمكين سكان القرى الحدودية من العودة".
جاء إعلان حل PKK عقب المؤتمر الثاني عشر للحزب الذي عُقد بشكل سري في مناطق جبلية في إقليم كوردستان بين 5 و7 أيار/مايو 2025.
وعبر بيان مطوّل نُشر في وسائل إعلام مقربة منه (وكالة فرات للأنباء)، قال الحزب إنه "أتم مهامه التاريخية" وقرر حل هيكله التنظيمي ووقف العمل المسلح.
جاءت هذه الخطوة بعد أشهر من الصمت الذي أعقب رسالة استثنائية بعث بها أوجلان من سجنه في جزيرة إيمرالي، دعا فيها إلى "إلقاء السلاح" وإنهاء العمل المسلح، معتبراً أن "الزمن قد تغير، والمعركة يجب أن تنتقل إلى الساحة السياسية". وأثارت هذه الرسالة جدلاً واسعًا داخل صفوف الحزب، قبل أن تتبلور القناعة لدى القيادة المركزية بضرورة تبني نداء مؤسسها.
الحكومة التركية، التي لطالما صنّفت الحزب كتنظيم إرهابي، رحبت بحذر بالخطوة، معتبرة إياها تطورًا "يستحق المتابعة الدقيقة".
وقال وزير الخارجية هاكان فيدان إن "تركيا لن تعتبر المسألة منتهية حتى تتأكد من تطبيق القرار فعليًا في الميدان"، في إشارة إلى المخاوف من ظهور جماعات منشقة قد تواصل العمل المسلح تحت مسميات مختلفة.
الباحث التركي إسلام أوزكان وصف الإعلان بأنه "فرصة نادرة لإنهاء الصراع العرقي داخل تركيا".
وأضاف لوكالة شفق نيوز،: "إذا ما وُجّهت موارد مكافحة التمرد نحو التنمية والرفاه، فستكون تركيا أمام نقطة تحول حقيقية، شرط التزام الحكومة بالإصلاح السياسي".
مسرح النزاع
في إقليم كوردستان، قوبل الإعلان بترحيب واسع.
فقد كان الإقليم الساحة الخلفية الرئيسية للنزاع، حيث دارت معظم المعارك بين الجيش التركي ومسلحي PKK عبر الحدود الشمالية، مخلّفة خسائر بشرية ومادية جسيمة.
وأكد الزعيم الكوردي مسعود بارزاني (رئيس الحزب الديمقراطي الكوردستاني) إلى إعلان "دعمه الكامل لإنجاح عملية السلام في تركيا"، مشيداً بمواقف الأطراف المعنية وخطواتها الإيجابية بعد مؤتمر PKK، وبأن تفضي العملية إلى نتائج خير تعم المنطقة.
كما أصدر نيجيرفان بارزاني رئيس إقليم كوردستان بيانًا رحّب فيه بقرار حل الحزب وإلقاء السلاح استجابة لدعوة أوجلان، معتبرًا إياه "خطوة مصيرية تفتح صفحة جديدة في المنطقة".
وأضاف أن هذه الخطوة "تدل على النضج السياسي وتمهد الطريق لحوار حقيقي يعزز التعايش والاستقرار في تركيا وجميع أنحاء المنطقة"، معرباً عن تطلع أربيل لأن تقابلها خطوات إيجابية أخرى من كافة الأطراف المعنية، بما يرسخ أساس سلام دائم وشامل ينهي عقودًا من العنف والمعاناة.
كما عد رئيس الاتحاد الوطني الكوردستاني، بافل طالباني، القرار بـ"خطوة تاريخية ومصيرية"، مؤكدا على ضرورة حل القضية الكوردية بـ"شكل سلمي".
هذا الموقف الإيجابي من قيادة كوردستان مفهوم في ضوء تأثر الإقليم الطويل بالحرب؛ إذ أدى الصراع إلى إفراغ نحو 700 قرية كوردية وتهجير سكانها خلال العقود الماضية، فضلًا عن خسائر اقتصادية نتيجة تعطّل الزراعة ونزوح الأهالي.
كما تكبّد الإقليم خسائر من جراء القصف التركي المتكرر على مناطق مثل محافظة دهوك والسليمانية بحجة ملاحقة PKK، وحتى فرضت أنقرة حصارًا جويًا على مطار السليمانية لعدة أشهر خلال السنوات الأخيرة بسبب تواجد قيادات للحزب هناك.
محللون يرون أن إعلان الحزب إنهاء وجوده المسلح قد يفتح الباب أمام إعادة تموضع عميقة في السياسة الكوردية داخل تركيا. "ربما نكون بصدد ولادة حزب سياسي جديد من رحم العمال الكوردستاني"، يقول محمد أمين بينجويني، المختص في شؤون الحركات الكوردية لوكالة شفق نيوز.
ويضيف أن الحزب "قد يغير اسمه ويستبدل قياداته، لكنه سيواصل النضال بوسائل ديمقراطية".
ورغم أن أوجلان لا يزال معزولاً في سجنه، إلا أن تأثيره الرمزي يبقى قوياً، خصوصاً لدى القواعد الشعبية للحزب. ويرى مراقبون أن قدرة أنقرة على اغتنام هذه اللحظة لفتح مسار حوار شامل قد تحدد ما إذا كان إعلان حل الحزب سيكون نقطة تحول تاريخية حقيقية، أم مجرد فصل آخر في صراع لم ينته بعد.
رغم الأجواء التفاؤلية، يُدرك كثيرون أن الطريق إلى السلام محفوف بتحديات وعقبات. أحد أبرز المخاوف يتمثل في احتمال حدوث انشقاقات داخل صفوف PKK أو ظهور فصائل راديكالية ترفض التخلي عن السلاح.
القلق لا ينحصر فقط في الجانب التركي أو الغربي. ففي الداخل الكوردي التركي، قوبل القرار بمزيج من الأمل والتوجس.
ففي كبرى المدن الكوردية في تركيا، دياربكر، عبّر البعض عن سعادتهم بإنهاء دوامة العنف، فيما ظل آخرون حذرين، مستذكرين انهيار محاولات السلام السابقة عام 2015.
المخاوف الكبرى تتعلق بمصير آلاف المقاتلين في الجبال، والفراغ الذي قد يخلفه غياب التنظيم. فهل سيتم استيعابهم سياسياً؟ هل من ضمانات دولية؟ وما مصير القرى والبلدات التي كانت تحت تأثير عمليات القتال؟ تبقى هذه الأسئلة مفتوحة.
في النهاية، يرى محللون أن الكرة باتت في ملعب أنقرة. فإذا ما استجابت الحكومة بخطوات إصلاحية، كرفع القيود عن الأحزاب الكوردية وإطلاق سراح السجناء السياسيين، فقد تبدأ تركيا فصلاً جديداً من التعايش. أما إذا تم التعامل مع الخطوة كاستسلام ظرفي، فإن جذور الأزمة قد تبقى قائمة، بانتظار دورة عنف أخرى.
القرار، رغم رمزيته التاريخية، لا يشكّل خاتمة للصراع، بل بداية لمسار سياسي طويل، يحتاج إلى ضمانات داخلية وإقليمية ودولية، ومرونة في إدارة المصالح والاعتراف بالتعددية. ووسط الحذر والترقب، تبقى آمال السلام معلقة على إرادة الطرفين، وقدرتهما على تجاوز إرث الدم والانطلاق نحو تسوية سياسية شاملة.

Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

الرقة… اختتام دورة تدريبية لأعضاء وعضوات الحزب باسم الشهيدة كرم شهاب
الرقة… اختتام دورة تدريبية لأعضاء وعضوات الحزب باسم الشهيدة كرم شهاب

حزب الإتحاد الديمقراطي

timeمنذ 19 ساعات

  • حزب الإتحاد الديمقراطي

الرقة… اختتام دورة تدريبية لأعضاء وعضوات الحزب باسم الشهيدة كرم شهاب

اختتمت لجنة التدريب في حزب الاتحاد الديمقراطيPYD الدورة التدريبية لأعضاء وعضوات الحزب في مدينة الرقة، وذلك لتمكينهم إدارياً وسياسياً. انضم إلى الدورة التدريبية 17 عضو وعضوة لحزب الاتحاد الديمقراطي PYD في مدينة الرقة، واستمرت مدة 10 أيام، خلالها تلقى المشاركون والمشاركات محاضرات قيمة عن تاريخ حزب الاتحاد الديمقراطي PYD، البرنامج السياسي والنظام الداخلي للحزب بالإضافة لعدة محاضرات مهمة وقيمة. واختتمت الدورة التدريبية بإلقاء العديد من الكلمات من قبل إداريي الحزب في مدينة الرقة، الذين أكدوا بدورهم أن هذه الدورة التدريبية افتتحت تحت اسم الشهيدة 'كرم شهاب' تخليداً لذكراها وتكريماً لمسيرتها النضالية في سبيل الوصول لمجتمع ديمقراطي حر. وأكدوا بدورهم على أن الهدف من فتح الدورات التدريبية هو رفع المستوى الفكري والتمكين الإداري والسياسي، ليكون الأعضاء جديرين في إدارة المجتمع وفق أسس سليمة مبنية على العدالة والمساواة المجتمعية. واختتمت الدورة التدريبية باحتفالية وسط ترديد الهتافات التي تنادي بحرية القائد عبد الله أوجلان وتحيي مقاومة المرأة.

نخب عراقية تستبعد انتهاء الوجود التركي في البلاد بعد حلّ حزب العمال!عادل الجبوري
نخب عراقية تستبعد انتهاء الوجود التركي في البلاد بعد حلّ حزب العمال!عادل الجبوري

ساحة التحرير

timeمنذ 2 أيام

  • ساحة التحرير

نخب عراقية تستبعد انتهاء الوجود التركي في البلاد بعد حلّ حزب العمال!عادل الجبوري

نخب عراقية تستبعد انتهاء الوجود التركي في البلاد بعد حلّ حزب العمال! عادل الجبوري بعد نحو شهرين ونصف من دعوة زعيم حزب العمال الكردستاني التركي المعارض (PKK) عبد الله أوجلان إلى حلّ الحزب وإلقاء السلاح، أصدر الحزب، في الثالث عشر من أيار/مايو الجاري، قرارًا وصف بالتاريخي، قضى بإنهاء العمل المسلح بأشكاله ومظاهره كافة، والشروع بمرحلة جديدة تهدف إلى إرساء السلم وترسيخ التعايش مع الدولة التركية. أثارت هذه التطورات المتسارعة ردود فعل واسعة، من مختلف الأطراف الإقليمية والدولية، وكان العراق من بين أكثر الأطراف المعنية بتداعيات وانعكاسات القرار، نظرًا إلى أن الحزب يتخذ، منذ حوالي أربعين عامًا، من الأراضي العراقية منطلقًا لنشاطه العسكري المسلح والسياسي لاحقًا. وهذا ما شكّل ذريعة دائمة لانتهاك تركيا السيادة العراقية، من خلال إنشاء عشرات القواعد والمقرات العسكرية والاستخباراتية داخل الأراضي العراقية. وتشير تقارير متعددة إلى وجود آلاف العسكريين الأتراك في معسكرات دائمة وغير دائمة، في محافظات دهوك وأربيل والموصل. والتساؤل الذي يطرح نفسه في خضم هذه المتغيرات: هل ستنسحب تركيا فعليًا من العراق بعد حلّ حزب العمال؟ وما الذي ينبغي على الحكومة العراقية فعله حيال هذا الملف؟ على الحكومة العراقية التحرك لإخراج القوات التركية في هذا الصدد، يشير عضو الرابطة الدولية للكتاب والمحللين السياسيين قاسم سلمان العبودي إلى أنَّ: 'حجة الوجود التركي، في شمال العراق، لطالما كانت مرتبطة بوجود حزب العمال الكردستاني المصنّف تنظيمًا إرهابيًا بحسب القانون التركي، والآن وبعد حلّ الحزب نفسه، ينبغي على الحكومة العراقية أن تتحرك لإخراج القوات التركية استنادًا إلى القانون الدولي، وإلا سيكون وجود تلك القوات قوات احتلال، ما لم يُثبت أنه يستند إلى اتفاقيات رسمية مبرمة بين العراق وتركيا'. يضيف العبودي، في تصريح خاص لموقع 'العهد' الإخباري، أن: 'المعطيات الإقليمية والدولية تشير إلى أن القوات التركية لن تنسحب من شمال العراق، في انسجام مع المخطط الغربي الذي تقوده الولايات المتحدة وحلفاؤها في المنطقة، وعلى رأسهم الكيان الصهيوني وبعض الدول العربية'، موضحًا أنَّ: 'تركيا لا تُخفي أطماعها، في شمال العراق وشمال سوريا، وتسعى إلى أخذ حصتها من الاستراتيجية الأميركية الجديدة المعنونة بــــ'الشرق الأوسط الجديد'، ولذلك من الصعب عليها التفريط بالمناطق التي احتلتها في شمال العراق'. يتابع العبودي بالقول: 'نعتقد أن على الدبلوماسية العراقية أن تنشط في هذا الملف، وإلا فإن الفصائل المسلحة العراقية سيكون لها موقف آخر، وهو موقف لن يُرضي الجانب التركي بالتأكيد'. لتركيا ثوابت جيوسياسية في العراق وسوريا من جهته، يرى الباحث في الشأن السياسي عدنان آل ردام، في حديثه لموقع 'العهد' الإخباري، أن: 'الوجود العسكري التركي في العراق ليس مرتبطًا أساسًا بأنشطة حزب العمال، وإن استُخدمت هذه الأنشطة ذريعةً لذلك، لأن لتركيا ثوابت جيوسياسية في العراق وسوريا منذ توقيع معاهدة سايكس بيكو'. كما يوضح آل ردام أن: 'تركيا، ومنذ مئة عام، تدرج في موازنتها السنوية ليرة تركية واحدة في إيرادات افتراضية من نفط كركوك، في إشارة رمزية تؤكد تمسكها بأن كركوك والموصل جزء من الكيان الجيوسياسي التركي. ومنذ عهد مؤسس الجمهورية مصطفى كمال أتاتورك وحتى عهد الرئيس رجب طيب أردوغان، تؤكد أنقرة سعيها إلى استعادة ما تعده أراضيها التي اقتطعتها المعاهدة المذكورة، وترى في المتغيرات الحالية فرصة لتحقيق ذلك، خصوصًا في ظل تصاعد نفوذ 'الإخوان المسلمين' في سوريا'. إلى ذلك؛ يشير آل ردام إلى أن: 'حلّ حزب العمال سيضع تركيا في موقع متقدم لترسيخ نفوذها السياسي، في العراق وسوريا، من خلال ما يتيحه لها وجودها العسكري من فرص جديدة'. حلّ حزب العمال قد يخلق مشكلات داخل المجتمع الكردي في تركيا أما رئيس تحرير موقع 'ألواح طينية' الإلكتروني قاسم العجرش، فقد نظر إلى القضية من زاوية مختلفة، وقال لموقع 'العهد' إن: 'مشهد نزول آلاف المقاتلين والمقاتلات من حزب العمال الكردستاني من جبال قنديل العراقية يثير الاستغراب والتساؤلات، خصوصًا بشأن مكاسب الحزب بعد أربعة عقود من الكفاح المسلح، وما إذا كان سيتخلى نهائيًا عن هذا النهج، وماذا سيفعل عناصره لاحقًا؟'. ويعرب العجرش عن خشيته من انضمام مقاتلي الحزب السابقين إلى جيوش المشكلات الاجتماعية والاقتصادية التي يعانيها المجتمع التركي، لافتًا إلى: 'السلطة الحزبية الكبيرة التي يتمتع بها زعيم الحزب عبد الله أوجلان'، متسائلًا عن: 'آفاق توظيف هذه الشخصية في المستقبل السياسي التركي'. يختم العجرش بالقول: 'إن حلّ حزب العمال قد يخلق مشكلات جديدة داخل المجتمع الكردي في تركيا، وستمتد تأثيراتها إلى العراق أيضًا، خصوصًا في المناطق التي يتواجد فيها الحزب بشكل كبير'. ‎2025-‎05-‎22 The post نخب عراقية تستبعد انتهاء الوجود التركي في البلاد بعد حلّ حزب العمال!عادل الجبوري first appeared on ساحة التحرير.

بعد اتفاق السلام.. العمال الكوردستاني يدعو أنقرة لتخفيف "قيود حبس" زعيمه أوجلان
بعد اتفاق السلام.. العمال الكوردستاني يدعو أنقرة لتخفيف "قيود حبس" زعيمه أوجلان

شفق نيوز

timeمنذ 4 أيام

  • شفق نيوز

بعد اتفاق السلام.. العمال الكوردستاني يدعو أنقرة لتخفيف "قيود حبس" زعيمه أوجلان

شفق نيوز/ ذكرت قناة "فرانس 24" الفرنسية، يوم الثلاثاء، أن حزب العمال الكوردستاني "PKK" ناشد السلطات التركية تخفيف إجراءات الاعتقال المفروضة على زعيمه عبد الله أوجلان، باعتبار أنه من سيتولى مهمة تنفيذ قرار حلّ الحزب وإلقاء السلاح، والتفاوض حول ذلك مع المسؤولين الأتراك. ونقل التقرير الفرنسي الذي ترجمته وكالة شفق نيوز، عن المتحدث باسم الجناح السياسي للحزب زاغروس هيوا، وصفه لأوجلان بأنه "المفاوض الرئيسي"، مشيراً إلى أن "تركيا لم تقدم حتى الآن أي ضمانات لعملية سلام". وذكرّ التقرير باتخاذ الحزب "قرارات تاريخية" من وقف إطلاق النار إلى حلّ نفسه رسمياً في 12 أيار/ مايو الجاري، وإنهاء التمرد المسلح المستمر منذ عقود، موضحاً أن "هذه الخطوات جاءت استجابة لنداء من أوجلان، أطلقه عبر رسالة من سجنه في جزيرة آمرالي قرب إسطنبول، حيث يحتجز في عزلة منذ العام 1999". ونقل التقرير عن هيوا قوله إنه "باعتبارنا منظمة خاضت كفاحاً مسلحاً لمدة 41 عاماً، قررنا أن نحلّ أنفسنا وننهي الكفاح المسلح"، مضيفاً أن الحزب "يمنح بذلك السلام فرصة حقيقية". وأعرب عن أمله بأن "تجري الدولة التركية الآن تعديلات تتعلق بظروف العزلة المفروضة على القائد أوجلان، وأن تؤمن له ظروف عمل حرة وآمنة لكي يتمكن من قيادة العملية"، مضيفاً أن "القائد آبو هو مفاوضنا الرئيسي في أي محادثات مع تركيا، وأنه هو وحده بإمكانه قيادة التنفيذ العملي للقرار الذي اتخذه مؤتمر الحزب بحلّ نفسه، بما يمهد لتسوية سياسية". ولفت التقرير إلى أنه "ليس واضحاً حتى الآن الآلية المتعلقة بالحلّ، إلا أن الحكومة التركية سبق لها وأن صرحت بأنها ستراقب العملية عن كثب لضمان التنفيذ الكامل". إلا أن التقرير نقل عن هيوا قوله إن "تنفيذ القرار سيتم التفاوض عليه بين أوجلان والمسؤولين الأتراك". وبحسب التقرير، فإن "المراقبين يتوقعون أن تظهر الحكومة انفتاحاً جديداً تجاه الكورد، الذين يشكلون نحو 20% من سكان تركيا". وبرغم أن هيوا أكد أن "الحزب أظهر حسن نية وجدية وصدق فيما يتعلق بالسلام"، إلا أنه اتهم الدولة التركية بأنها "لم تقدم حتى الآن أي ضمانات ولم تتخذ أي خطوات لتسهيل العملية، وأنما واصلت القصف المدفعي والجوي ضد مواقع الحزب". ولفتت القناة الفرنسية إلى أن "تقارير إعلامية تركية تتحدث عن أن المسلحين الذين لم يرتكبوا جرائم على الأراضي التركية قد يعودون دون ملاحقة قانونية ضدهم، بينما قد يُجبر قادة الحزب على البقاء في المنفى أو في العراق". وأشار هيوا إلى أن "السلام الحقيقي يتطلب الاندماج، لا النفي، وفي حال كانت الدولة التركية صادقة وجادة فيما يتعلق بالسلام، فعليها إجراء التعديلات القانونية اللازمة حتى يتم دمج أعضاء الحزب في مجتمع ديمقراطي". ونوه إلى أن "الكورد يعتبرون أقلية عرقية لها ثقافتها ولغتها الخاصة، ويعيشون في منطقة جبلية ممتدة عبر تركيا وسوريا والعراق وإيران، وقد كافحوا لفتررة طويلة من أجل الحصول على وطن خاص بهم وأنهم تعرضوا لهزائم متكررة". ولفت إلى أن "ملايين الكورد يعيشيون حالياً بأمان نسبي في إقليم كوردستان وأيضاً تحت الإدارة الكوردية شبه المستقلة في شمال شرق سوريا حيث أن أنقرة تعتبر قوات سوريا الديمقراطية فرعاً من حزب العمال الكوردستاني". وأوضح هيوا بالقول: "نحن لا نتدخل في شؤون قوات سوريا الديمقراطية، والعملية الحالية هي بين حزب العمال الكوردستاني وتركيا فقط، ولا طرف آخر معني بها"، معتبراً أن "هذه العملية ستكون لها آثار إيجابية بالتأكيد على تسوية القضية الكوردية في بقية أجزاء كوردستان".

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

مستعد لاستكشاف الأخبار والأحداث العالمية؟ حمّل التطبيق الآن من متجر التطبيقات المفضل لديك وابدأ رحلتك لاكتشاف ما يجري حولك.
app-storeplay-store