
الشخصيّة القاعدية في التوجيه التراثيّ (2)
فإن كان الماوردي مشدوداً في صورة العدل إلى السعادة في مجال المدينة (المدينة اليونانيّة)، بتأثير من المنظومة الخُلقيّة الإغريقيّة؛ فهناك صورة للعدل في الخطاب الأشعري مشدودة إلى عالم الباطن وسحره، مع الغزاليّ. وكلاهما في نهاية المطاف يجمعان التعلّق بالتخلّق في صورة «التدبير»، وفق فضاء الشخصية القاعديّة للعصر الكلاسيكيّ.
ولا يكتفي المؤلّف باختزال بعض الفكر الأشعريّ الخُلقيّ في كتاب «أدب الدنيا والدين»، بل يمدّه حتى الفكر الأشعريّ السياسيّ، مع اختلاف تفاصيل الرؤية السياسية، لكنها في العموم تعتمد على الشخصية القاعديّة من الفضاء العربي-اليوناني في العصر الكلاسيكيّ، وأصول الكلام الأشعريّ وتفريعاته في أصول الفقه الأشعريّ، بأطر مجتمعة من هذا التشكيل وفق صيغة تعبير فقهيّة. ففي «الفصل الثامن: النصيحة والتدبير» تخصيص للاقتباس الإسلاميّ من الإرث اليوناني، من الرؤية الفلسفيّة السياسيّة وفق مفهوم «التدبير»، مع استحضار العقيدة الإسلاميّة، والفضاء العربيّ، وتقرير الطاعة والنصيحة لوليّ الأمر، فموقف الفقيه موقف المستشار الناصح. وقد انعكست رؤية الفقيه الأشعريّ المتكلّم الكاتب في السياسة على قراءته للتاريخ؛ تاريخ الأمم والشعوب، وترسيخ مبدأ «العادة» فيما جرت عليه أمور العالم، وهذه القراءة غرضها توظيف استخلاص ما جرت عليه عادة الأمم،ثم تقديمها للأمير في النوازل السياسيّة العاجلة، نحو: مطالبة الجند بمزيد امتيازات.
غير أنه بعد هذا التقديم المميز للأثر التربوي لـ»الشخصيّة القاعدية» عند توظيفه، لم يجر معه حتى منتهاه، بل صبّه في قالب بأداة أخرى، وهي أداة «المعرفة والقوّة»، الأداة شبه الشائعة في الدراسات المعاصرة، بحثاً عن القيم المحركة للمعرفة، والتي تؤول إلى السلطة (بمعنى القوة التدبيرية المحرّكة ضبطاً وتصميماً)، وهي من آثار ميشيل فوكو الممتدة على قطاع كبير من الدراسات التي تحاول دراسة التحولات التاريخية المعرفية للمجتمعات. ولعل هذا هو الذي قلل من القيمة العلميّة لكتابه، لأنه انطلق من «شخصية قاعدية» موجّهة تربوياً، ليؤول الأمر إلى تكوين بنية سلطويّة اجتماعيّة تعيد إنتاج العلوم بحسب الموجهات الخارجية، حزبية كانت أم عقدية، في تناقض بين الأداتين؛ فجمع بين أداتين «الشخصية القاعدية» و»القوة والمعرفة»؛ في حين الأولى كانت تربويّة تشوّفية، والثانية ليست قصدية بقدر ما هي إلزاميّة قهريّة إلى حد ما. فكيف يمكن حلّ هذا التناقض من إسقاط أداتين على حقل معرفيّ ضمن التراث؛ لتقديم صورة أقرب لواقعه؟
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


الرياض
منذ 6 ساعات
- الرياض
الشخصيّة القاعدية في التوجيه التراثيّ (2)
تقدّم في المقال السابق أثر «الشخصيّة القاعديّة» في توجيه المجتمعات والثقافات، من خلال نموذج الخطاب الثالث، وفق المجال التداولي الإسلاميّ، بحسب سعيد العلويّ. وأن دلالة «المروءة» حصيلة امتزاج بين الشقين العربيّ واليوناني، فصارت برنامجاً لا مجرد سمات. وهذا البرنامج يبدأ بمقام الدنيا في نظر المرء، فالمرء أو الفرد ليس مجرّد عنصر بل عالم انطوى فيه العالم الأكبر، وهو في منظومة تراتبيّة وجوديّة بتعالق مع محيطه، موصولاً بمن فوقه ومن دونه، أشبه بتراتبية المدينة اليونانيّة وتقسيم طبقاتها. فلم تعد الدنيا مجرّد حرث الآخرة، بل هي منظومة مركّبة، والفرد فيها عنصر في بنية علاقات بنيوية عميقة، يتحدد موقعه بحسب الطبائع والرُتب والاستعدادات، والتي تنتظم كلها من أجل غرض «الإصلاح العام» لهذا المجتمع، في تشكّله السياسيّ في المدينة أو الدولة. فالفضائل نحو «العدل» تتعدد صوره بحسب المرتبة، فعدل مع من دونه، وعدل مع من فوقه، وعدل مع نظيره وكفؤه، والعدل هنا بدلالته اليونانيّة «التوسّط» (يمكن الرجوع لكتاب «الأخلاق» لأرسطو، أو «تهذيب الأخلاق وتطهير الأعراق» لمسكويه؛ لفهم دلالة «الاعتدال» أو «العدل» أو «التوسّط» وجريان هذا المفهوم، والتراتبية الخُلقيّة، في القطاع الخلقيّ في الفكر الإسلامي والحضارة الإسلاميّة، تأثراً بهذا التقاطع بين الثقافتين العربيّة واليونانيّة في العقل العمليّ. إضافة لأهميّة كتاب عليزيعور «حوافز يونانية في العقل العمليّ اليونانيّ»، وتأثيره حتى في القطاع الفقهيّ من المعارف الإسلاميّة). فإن كان الماوردي مشدوداً في صورة العدل إلى السعادة في مجال المدينة (المدينة اليونانيّة)، بتأثير من المنظومة الخُلقيّة الإغريقيّة؛ فهناك صورة للعدل في الخطاب الأشعري مشدودة إلى عالم الباطن وسحره، مع الغزاليّ. وكلاهما في نهاية المطاف يجمعان التعلّق بالتخلّق في صورة «التدبير»، وفق فضاء الشخصية القاعديّة للعصر الكلاسيكيّ. ولا يكتفي المؤلّف باختزال بعض الفكر الأشعريّ الخُلقيّ في كتاب «أدب الدنيا والدين»، بل يمدّه حتى الفكر الأشعريّ السياسيّ، مع اختلاف تفاصيل الرؤية السياسية، لكنها في العموم تعتمد على الشخصية القاعديّة من الفضاء العربي-اليوناني في العصر الكلاسيكيّ، وأصول الكلام الأشعريّ وتفريعاته في أصول الفقه الأشعريّ، بأطر مجتمعة من هذا التشكيل وفق صيغة تعبير فقهيّة. ففي «الفصل الثامن: النصيحة والتدبير» تخصيص للاقتباس الإسلاميّ من الإرث اليوناني، من الرؤية الفلسفيّة السياسيّة وفق مفهوم «التدبير»، مع استحضار العقيدة الإسلاميّة، والفضاء العربيّ، وتقرير الطاعة والنصيحة لوليّ الأمر، فموقف الفقيه موقف المستشار الناصح. وقد انعكست رؤية الفقيه الأشعريّ المتكلّم الكاتب في السياسة على قراءته للتاريخ؛ تاريخ الأمم والشعوب، وترسيخ مبدأ «العادة» فيما جرت عليه أمور العالم، وهذه القراءة غرضها توظيف استخلاص ما جرت عليه عادة الأمم،ثم تقديمها للأمير في النوازل السياسيّة العاجلة، نحو: مطالبة الجند بمزيد امتيازات. غير أنه بعد هذا التقديم المميز للأثر التربوي لـ»الشخصيّة القاعدية» عند توظيفه، لم يجر معه حتى منتهاه، بل صبّه في قالب بأداة أخرى، وهي أداة «المعرفة والقوّة»، الأداة شبه الشائعة في الدراسات المعاصرة، بحثاً عن القيم المحركة للمعرفة، والتي تؤول إلى السلطة (بمعنى القوة التدبيرية المحرّكة ضبطاً وتصميماً)، وهي من آثار ميشيل فوكو الممتدة على قطاع كبير من الدراسات التي تحاول دراسة التحولات التاريخية المعرفية للمجتمعات. ولعل هذا هو الذي قلل من القيمة العلميّة لكتابه، لأنه انطلق من «شخصية قاعدية» موجّهة تربوياً، ليؤول الأمر إلى تكوين بنية سلطويّة اجتماعيّة تعيد إنتاج العلوم بحسب الموجهات الخارجية، حزبية كانت أم عقدية، في تناقض بين الأداتين؛ فجمع بين أداتين «الشخصية القاعدية» و»القوة والمعرفة»؛ في حين الأولى كانت تربويّة تشوّفية، والثانية ليست قصدية بقدر ما هي إلزاميّة قهريّة إلى حد ما. فكيف يمكن حلّ هذا التناقض من إسقاط أداتين على حقل معرفيّ ضمن التراث؛ لتقديم صورة أقرب لواقعه؟


حضرموت نت
منذ يوم واحد
- حضرموت نت
علماء اليمن تناشد الشعب للوقوف صفا واحد لمواجهة الحوثيين وتطالب القيادة السياسية بحمايتهم وإنهاء الانقلاب الحوثي
: اخبار اليمن| ناشدت هيئة علماء اليمن جميع أبناء الشعب اليمني بمختلف مكوناتهم للتوحد والوقوف صفاً واحداً لمواجهة مليشيا الحوثي الانقلابية الإرهابية التابعة لإيران، داعية إلى تحرير ما تبقى من أرض الوطن من سيطرة هذه العصابة المتمردة، كما دعت إلى اتخاذ مواقف جادة في الداخل والخارج لوقف الجرائم والإفراج عن المختطفين في سجون المليشيات الحوثية وتأمين الحماية للدعاة. وطالب علماء اليمن، القيادة السياسية ومؤسسات الدولة الشرعية بحماية العلماء وإنهاء الانقلاب الحوثي، داعية جميع العلماء والدعاة إلى الصمود والثبات. جاء ذلك في بيان إدانة واستنكار صادر عن هيئة علماء اليمن، مساء الأربعاء، للجريمة البشعة التي ارتكبتها مليشيا الحوثي بحق الشيخ المربي ومعلم القرآن صالح حنتوس في مديرية السلفية بمحافظة ريمة. وقالت هيئة علماء اليمن، في بيانها، إن مسلحي الحوثي حاصروا منزل الشيخ حنتوس وقصفوه بالأسلحة الثقيلة وأضرموا النار فيه، ما أدى إلى مقتله وإصابة زوجته، معتبرة أن هذه الجريمة تعبر عن مدى حقد هذه المليشيات وعدائها لدين الله، وحربها على العلماء والدعاة وبيوت الله'. وأضاف البيان أن الشيخ الراحل أفنى حياته في خدمة القرآن الكريم وتعليم الأجيال، وظل مثالاً للإصلاح والورع، لكن الحوثيين استهدفوه بعد سنوات من التضييق والابتزاز. واستنكرت الهيئة، هذه الجريمة الغادرة، ومحمًلة المليشيات الحوثية كامل المسؤولية الشرعية والجنائية للجرائم والانتهاكات، مؤكدة أن استهداف العلماء يدخل ضمن مخطط ممنهج للنيل من هوية الشعب اليمني وعقيدته الصحيحة. واختتمت الهيئة بيانها بالدعاء للشيخ صالح حنتوس بالرحمة والقبول في الشهداء، ولزوجته بالشفاء العاجل، مؤكدة أن 'هذه الجرائم تكشف زيف شعارات الحوثيين وبعدهم عن قيم الإسلام والسلام'.


الشرق الأوسط
منذ يوم واحد
- الشرق الأوسط
قلّة عددهم
لفتنا، جنابك، غير مرة، إلى أننا المنطقة الأقل استحقاقاً لجوائز «نوبل» في سائر أنواعها. وكلما فكرنا في الأمر، غاب عنا السبب، أو الأسباب. لكن طرح التساؤل وتكراره قد يساعد، ربما، في تذكير هذه الأسرة الكبرى من العالم العربي بمدى القصور الذي نغرق به، وأيضاً مدى المسؤولية الواقعة علينا. هل يجوز، مثلاً، أن يكون هناك أحمد زويل واحد، بين 110 ملايين مصري، و400 مليون عربي؟ النسبة كارثية تقريباً في جميع الحقول. ومن يعد ألفَ عام إلى الوراء يجد أن العرب كانوا أكثر ازدهاراً في كل العلوم والمعارف أكثر بكثير مما أصبحوا عليه فيما بعد. وفي العصور والقرون الماضية أسماء مرجعية من كبار وعظماء العلماء الذين أثْروا حضارات العالم، بينما يغيب 400 مليون عربي اليوم عن لائحة الشرف في أهم 500 جامعة حول العالم. تضم أميركا نحو 65 ألف عالم، العدد الأكبر في التاريخ. وقد تكون مجمل الأسباب طبيعية، أولها المال، وثانيها الفن في التعدد البشري، والعلم يجرّ العلم مثلما تجر قلّته النمل والذباب. وتعتبر بريطانيا ثانية أكثر الدول تقدماً. مَن الدولة الثالثة؟ إنها الصين المذهلة. وإذا كانت الصين قد قطعت كل تلك المسافات من بلد مجاعات ومستنقعات إلى هذه المرتبة العجائبية، فليس هناك ما يمنع أن نحاول الانضمام إلى تلك القافلة. غيّر التقدم الصيني معنى التطور. يروي وزير العدل اللبناني السابق جوزيف شاوول أنه ذهب إلى بكين على رأس وفد قضائي، بدعوة من حكومتها. وفي اليوم التالي كانت الوزارة المضيفة قد وضعت برنامجاً كاملاً للمؤتمرات، والجلسات. وكانت الجلسة الأولى حول عمل المدّعين العامّين. ألقى المضيف الصيني كلمة الترحيب، ثم تطلع إلى الوزير سائلاً: «كم عدد المدّعين العامّين في وزارتكم دكتور شاوول؟». تنحنح الوزير الضيف وقال: «نحو 500، حضرة المضيف العزيز. وماذا عن عددهم في وزارتكم؟». بكل جدية أجاب: 730 ألفاً! اطلبوا العلم ولو في الصين، عملاً بالقول الكريم منذ تلك الأيام.