
ثروة ضائعة: كيف تُهدر مصر مليارات الجنيهات من أصول الأوقاف؟
أثار تصريح رئيس الوزراء المصري
مصطفى مدبولي
حول "استثمار
أصول الأوقاف
بالشراكة مع القطاع الخاص"، عاصفة من الجدل خلال الأيام الماضية، بعدما تداولت وسائل إعلام ومواقع التواصل الاجتماعي عناوين تتحدث عن "بيع أصول الوقف"، وهو ما دفعه للخروج مجددا، الأربعاء، في مؤتمر صحافي، لتوضيح الموقف قائلا: "مال الوقف مال خاص.. ومفيش مجال نطلق عليه بيع أصول الأوقاف"، مؤكدا أن الهدف هو "تعظيم موارد وزارة الأوقاف عبر حسن إدارة الأصول، لا تصفيتها". إلا أن هذا التوضيح لم ينهِ الجدل، بل أعاد تسليط الضوء على ملف شديد الحساسية. فالأوقاف في مصر تمتد جذورها إلى قرون من
التراكم العقاري
والمالي. واليوم، في ظل أزمة اقتصادية خانقة وعجز متنامٍ في الموازنة، تُطرح هذه الأصول بوصفها "فرصة ضائعة" يجب تسييلها.
وتشير تقديرات رسمية متفرقة إلى أن
هيئة الأوقاف المصرية
تملك أكثر من 106 آلاف فدان من الأراضي الزراعية، إلى جانب نحو 4.7 ملايين متر مربع من الأراضي الفضاء داخل الحيز العمراني، فضلًا عما يزيد على 120 ألف وحدة عقارية بين سكنية وتجارية وإدارية موزعة على 27 محافظة. ويُعتقد أن القيمة السوقية الإجمالية لهذه الأصول تتجاوز ثلاثة تريليونات جنيه مصري (أكثر من 60.3 مليار دولار)، بحسب تصريحات مسؤولين في وزارة الأوقاف خلال عامي 2023 و2024، إلا أن العائد السنوي منها لا يتجاوز 3.5 مليارات جنيه فقط (نحو 2.8 مليون دولار).
خريطة الأوقاف في مصر
وتُعد محافظة القاهرة صاحبة الحصة الأكبر من العقارات الوقفية، حيث تنتشر الأوقاف في مناطق مثل السيدة زينب، الجمالية، الأزهر، الدرب الأحمر، مصر القديمة، وعين الصيرة، بما في ذلك عقارات تاريخية ذات طابع أثري. وتأتي محافظة الجيزة في المرتبة الثانية من حيث قيمة الأصول، نظرًا لامتلاك الأوقاف أراضي شاسعة على طريق الفيوم والدائري الأوسطي، إضافة إلى مبانٍ تجارية وسكنية في بولاق الدكرور والعمرانية. أما الإسكندرية، فتُعرف بكونها تضم عقارات فندقية ومباني تراثية وقفية في مناطق المندرة، الرمل، وشارع النبي دانيال، بعضها مؤجر منذ أكثر من 60 عامًا بعقود لم تُحدث حتى الآن.
أما في الوجه البحري، فتتمركز الأوقاف الزراعية في محافظات الدقهلية، كفر الشيخ، والشرقية، حيث تمتلك الهيئة أراضي خصبة عالية القيمة، ولكنها تعاني من ضعف العائد بسبب عقود الإيجار القديمة التي تعود إلى فترة ما قبل قانون الإصلاح الزراعي. كما تمتلك الأوقاف أصولًا استراتيجية في مراكز المدن بمحافظات الغربية والمنوفية ودمياط، بما في ذلك محال تجارية في قلب المناطق التجارية. وفي الوجه القبلي، تمتد الأراضي الوقفية عبر محافظات أسيوط، المنيا، سوهاج، وقنا، حيث تتوزع بين أراضٍ زراعية ومبانٍ مرتبطة بالخدمات الدينية والتعليمية. وتُشير تقارير صادرة عن لجان مجلس النواب عام 2022 إلى أن هناك أكثر من 8000 عقد إيجار في الصعيد لم تتم مراجعتها منذ عقود، ما يضع الدولة أمام تحدٍ مزدوج: نقص العوائد، وصعوبة استرداد الأصول من المستأجرين القدامى.
وتحتفظ الأوقاف في المحافظات الحدودية، مثل شمال سيناء، مطروح، البحر الأحمر، بأراضٍ نادرة الاستخدام، بعضها غير مسجل رسميًا، وآخر يخضع لتشابكات إدارية مع جهات سيادية أو محلية، ما يضعف من فرص استثماره أو حصره فعليًا. ويشير تقرير نشرته جريدة "الوطن" في منتصف 2024 إلى أن نسبة غير قليلة من الأراضي الوقفية لم تُسجل إلكترونيًا بعد، وتُدار بطريقة ورقية غير مميكنة، ما يجعل تتبعها واستثمارها مسألة معقدة إداريًا وقانونيًا. ما يكشفه هذا التوزيع هو أن الأوقاف المصرية لا تحتكر موقعًا بعينه، بل تمتد كخريطة ظل اقتصادية في قلب الحضر والريف على حد سواء، لكنها حتى الآن لم تتحول إلى ذراع استثماري حقيقي.
موقف
التحديثات الحية
أعيدوا الأوقاف المصرية لأصحابها
أين تتبخر أرباح الوقف؟
ورغم ضخامة أصول هيئة الأوقاف المصرية وانتشارها الجغرافي في مواقع استراتيجية بالمدن الكبرى والقرى، إلا أن العائد السنوي لا يتجاوز 3.5 مليارات جنيه وفقا لما أعلنه وزير الأوقاف السابق محمد مختار جمعة في تصريحات متكررة منذ عام 2021، وهو ما يمثل أقل من 0.2% فقط من القيمة السوقية التقديرية للأصول التي تتجاوز ثلاثة تريليونات جنيه، وفقًا لخبراء تقدير القيمة السوقية العقارية. هذا التفاوت الصارخ بين القيمة والعائد يُعد مؤشرًا واضحًا إلى غياب الإدارة الاستثمارية الكفوءة داخل الهيئة، إن لم يكن دلالة على تآكل هيكلي مزمن في آليات التعاقد والرقابة.
وتكشف مراجعات صادرة عن الجهاز المركزي للمحاسبات، حصل عليها بعض أعضاء لجنة الشؤون الدينية بمجلس النواب عام 2022، أن نحو 60% من العقارات المؤجرة بمعرفة الهيئة تخضع لعقود إيجار قديمة، بعضها منذ ثلاثينيات القرن الماضي، ولا تتجاوز قيمة الإيجار الشهري لبعض المحال عشرة جنيهات. ولا تستطيع الهيئة قانونًا تعديل هذه العقود أو رفع القيمة الإيجارية إلا عبر قضايا طويلة الأمد. ووفق تقرير صادر عن لجنة الخطة والموازنة في البرلمان، فإن الهيئة تخسر سنويًا ما يناهز 1.2 مليار جنيه بسبب عدم تحصيل فروق الإيجار العادل مقارنة بسعر السوق.
إضافة إلى ذلك، تُعاني الهيئة من ضعف شديد في القدرة على تحصيل الإيجارات المتأخرة، حيث تشير تقارير داخلية – وفق ما نقلته صحيفة "الشروق" في أغسطس/ آب 2023 – إلى أن إجمالي المديونيات المستحقة للهيئة من مستأجرين وجهات حكومية وخاصة تجاوزت 5.7 مليارات جنيه، منها ما يزيد عن ملياري جنيه متراكمة منذ أكثر من عشر سنوات، دون تحصيل فعلي.
وتُعمّق هذه الإشكاليات ضعف القدرة التشغيلية والاستثمارية للهيئة. فحتى في الحالات التي تُطوّر فيها الأوقاف بعض أراضيها بالشراكة مع مستثمرين، كما حدث في مشروع أرض الساحل الشمالي الذي أعلن عنه عام 2024، فإنها غالبًا ما تدخل بحصة عينية فقط دون قدرة على التمويل المباشر، ما يحد من قوة التفاوض ويُضعف نصيبها في الأرباح. وقد سبق أن انتقدت هيئة الرقابة الإدارية في مذكرة داخلية نُشرت مقتطفات منها في موقع "مدى مصر" أن نموذج الشراكة المعتمد حاليًا "يفتقر إلى شفافية التقييم، ويُفضي أحيانًا إلى تنازل فعلي عن القيمة الحقيقية للأرض دون ضمان لعائد مستقر أو رقابة لاحقة على الأداء".
ولا تقتصر المشكلة على سوء التعاقد والتحصيل، بل تمتد إلى غياب سياسة موحدة لإدارة المحافظ العقارية. فبينما تُدار بعض العقارات مباشرة من قبل الهيئة، يتم تفويض إدارات فرعية في المحافظات بإدارة الأصول الأخرى دون وجود نظام إلكتروني مركزي يضمن الشفافية والرقابة المتزامنة، كما أشار تقرير صادر عن وزارة التخطيط في ديسمبر/كانون الأول 2023 ضمن خطة تطوير الأداء المؤسسي.
اقتصاد عربي
التحديثات الحية
مصر: مخاوف من الاستيلاء على أموال صندوق الوقف الخيري
من المسؤول عن تجريف الوقف؟
من بين أبرز أسباب نزيف العوائد في ملف الأوقاف المصرية تأتي العقود القديمة والتعديات على ممتلكات الهيئة في صدارة المشهد، لتشكل معا شبكة من العقبات القانونية والإدارية التي تحول دون استعادة الدولة حقها في إدارة هذه الثروة بكفاءة. وتُظهر مراجعات رسمية أن ما يقرب من 60 ألف عقد إيجار ما زال ساريًا حتى اليوم بعقود يعود بعضها إلى خمسينيات وستينيات القرن الماضي، دون أن تُراجع أو تُعدل بما يتماشى مع تغيرات السوق العقاري، ولا مع معدلات التضخم التي تجاوزت 30% في السنوات الأخيرة.
وفي مناطق مثل الدرب الأحمر والسيدة زينب ومصر القديمة، تتقاضى هيئة الأوقاف إيجارات شهرية لا تتجاوز 12 جنيهًا في بعض الوحدات التجارية التي تُدر أرباحًا بعشرات آلاف الجنيهات شهريًا للمستأجرين. وتنتشر هذه العقود أيضًا في محافظات الدلتا والصعيد، خصوصًا في كفر الشيخ والمنيا وسوهاج، حيث تحولت مئات الأفدنة من الأراضي الوقفية إلى مشاريع زراعية وصناعية خاصة، تُدار فعليًا خارج سلطة الهيئة، بسبب صمت قانوني طويل (عدم البت) وممانعة اجتماعية قوية.
وقد كشفت تقارير برلمانية صادرة عن لجنة الشؤون الدينية بمجلس النواب، خلال دور الانعقاد الثالث (2023–2024)، أن "هيئة الأوقاف تواجه عقبات كبيرة في فسخ أو تعديل العقود القديمة بسبب التشابكات القضائية، والرفض الشعبي في بعض القرى والنجوع". ووفقًا للنائب محمد إسماعيل، عضو اللجنة، فإن أكثر من 70% من دعاوى الهيئة المتعلقة بتحسين القيمة الإيجارية لم تُحسم قضائيًا حتى الآن، وهو ما يعيق عملية التحصيل العادل ويُهدر الفرص الاستثمارية.
أما التعديات، فهي تمثل الوجه الآخر للمشكلة. فبحسب بيانات رسمية صدرت عن الهيئة في مارس/ آذار 2024، فإن هناك نحو تسعة آلاف حالة تعدٍ موثقة على أراضي الأوقاف، تشمل البناء بدون ترخيص، والاستيلاء على الأراضي الزراعية، وتغيير نشاط بعض الأصول دون إذن. ورغم أن الحكومة أطلقت حملات موسعة لإزالة التعديات ضمن خطة "استرداد حق الوقف"، إلا أن التنفيذ على الأرض يصطدم في بعض الحالات بمقاومة اجتماعية أو غموض في الملكية، خاصة في المناطق التي لم تُسجل فيها الأوقاف بشكل نهائي.
وتُشير مذكرة داخلية صادرة عن جهاز تفتيش وزارة التنمية المحلية – حصلت عليها صحيفة "الدستور" في أكتوبر/تشرين الأول 2024 – إلى أن ضعف التنسيق بين الهيئة والمحليات أدى إلى استمرار التعديات دون ردع فوري، وغياب حصر ميداني دقيق للأصول المعتدى عليها في بعض المحافظات. كما أن غياب خرائط مساحية محدثة، واعتماد الهيئة على مستندات قديمة غير ممسوحة إلكترونيًا، يعقّد مهمة استعادة السيطرة الكاملة على هذه الأصول.
اقتصاد الناس
التحديثات الحية
مصر: تعديل تشريعي لرفع إيجارات أراضي وعقارات الأوقاف
نماذج ناجحة.. لماذا لا تُعمم؟
رغم الصورة القاتمة التي ترسمها بيانات العقود القديمة والتعديات، إلا أن الواقع لا يخلو من نماذج إيجابية تُظهر أن أصول الوقف – إذا أُديرت باحتراف – يمكن أن تتحول إلى محرك تنموي حقيقي. في السنوات الأخيرة، بدأت هيئة الأوقاف المصرية تنفيذ عدد من المشروعات الوقفية بالشراكة مع القطاع الخاص، محققة نجاحًا نسبيًا في بعض الملفات. ومن أبرز هذه التجارب، مشروع مجمع السنية الوقفي في منطقة السيدة زينب بالقاهرة، وهو مشروع تجاري وإداري وسكني مقام على أرض تابعة للأوقاف بمساحة خمسة آلاف متر مربع، وقد تم تنفيذه بالشراكة مع شركة عقارية خاصة، بنظام "حق الانتفاع"، مع احتفاظ الهيئة بملكية الأرض. ووفق بيانات الهيئة، يحقق المشروع عائدًا سنويًا يُقدّر بنحو 30 مليون جنيه، بعد أن كان العائد السابق من الأرض لا يتجاوز بضعة آلاف فقط بسبب تأجيرها بعقود قديمة.
كذلك، يُعد مشروع أبراج المحمودية في محافظة الإسكندرية نموذجًا آخر، حيث جرى تحويل أرض فضاء وقفية كانت مهملة منذ عقود إلى مشروع سكني وتجاري عبر آلية الشراكة التنموية. وقد أشادت به وزارة الإسكان باعتباره نموذجًا للتنمية الحضرية القائمة على الأصول غير المستغلة. وتمتلك الهيئة حصة من العائدات، فضلًا عن عقود تشغيل تضمن دخلاً مستدامًا.
أما في قطاع الزراعة، فقد دخلت الهيئة شراكة مع مستثمرين محليين في استصلاح أراضٍ وقفية بمحافظة الفيوم، ضمن مشروع الاستثمار الزراعي الوقفي الذي بدأ تجريبيًا عام 2022، ويستهدف زراعة محاصيل استراتيجية بنظام الميكنة الحديثة، وهو ما مكّن من مضاعفة العائد من الفدان ثلاث مرات مقارنة بالنظام التقليدي السابق. وقد أشار تقرير صادر عن وزارة الزراعة في مارس/ آذار 2024 إلى أن المشروع يمكن أن يتحول إلى منصة لتوفير الأمن الغذائي إذا توسّع تدريجيًا.
ورغم أن هذه النماذج أثبتت فاعليتها، إلا أن تعميمها يواجه تحديات كبيرة، أبرزها افتقار الهيئة إلى جهاز تنفيذي استثماري محترف، وعدم وجود هيكل مالي مستقل يسمح لها بإدارة العوائد والاستثمار مباشرة. كما أن معظم الشراكات الناجحة اعتمدت على تدخل مباشر من الحكومة لدفع المشروع، وليس على آلية مؤسسية دائمة. من ناحية أخرى، فإن معايير اختيار الشركاء في بعض هذه المشروعات تُثار حولها تساؤلات تتعلق بالشفافية والعدالة، وفقًا لما ورد في تقرير الرقابة المالية البرلمانية لعام 2023، والذي أوصى بضرورة وجود لائحة علنية لمعايير التعاقدات الوقفية تُعرض على البرلمان والمجتمع.
اقتصاد عربي
التحديثات الحية
مصر: السيسي يستهدف ممتلكات الأوقاف لتمويل المشروعات
من يعيد "المال المحبوس"؟
لم تكن أزمة أصول الأوقاف يومًا في نقص القيمة أو غموض الملكية، بل في نمط مزمن من الجمود الإداري، والقصور التشريعي، واللامسؤولية السياسية. فما يتجاوز ثلاثة تريليونات جنيه من الأراضي والعقارات الوقفية الموزعة على خريطة مصر لا تزال تُدار بعقلية "الدفتر والسجل الورقي"، بينما تُترك فرص الاستثمار والتشغيل لعقود مؤبدة بإيجار جنيهات، وتعديات لا تُرد.
الوقائع التي تكشفها الوثائق الرسمية والتصريحات الحكومية وتقارير الرقابة تؤكد أن ملف الأوقاف ليس مجرّد ثروة معطلة، بل مرآة صريحة لعجز الدولة عن التحول من الحيازة إلى التمكين، ومن التجميد إلى الإنتاج. النماذج الناجحة موجودة، لكنها محاطة ببحر من الفشل المؤسسي، والبيروقراطية الجامدة، والمصالح المتشابكة التي تعيق أي إصلاح حقيقي. ليس المطلوب الآن خططا نظرية جديدة، بل قرارات سيادية جريئة تُنهي عهد الإهمال، تبدأ بتعديل جذري لقانون الوقف ليواكب بيئة الاقتصاد الحديث، وتنتهي بتأسيس كيان اقتصادي مستقل لإدارة الأصول، يُعامل كما تُعامل الصناديق السيادية، ويخضع لرقابة البرلمان والمجتمع، لا لوصاية بيروقراطية.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


القدس العربي
منذ ساعة واحدة
- القدس العربي
هل أصبح عز الدين الحداد زعيم حماس في غزة وآخر قادتها الأحياء؟
لندن – 'القدس العربي': نشرت صحيفة 'التايمز' تقريرا لمراسلتها في إسرائيل غابرييل وينغر قالت فيه إن الزعيم الجديد لحماس في غزة هو عز الدين الحداد. وقالت إنه ترقى في قيادة الحركة بعد نجاته من ست محاولات اغتيال، وهو مسؤول عن إعادة بناء بنيتها العسكرية والمدنية أثناء فترة وقف إطلاق النار القصيرة بين إسرائيل وحماس. ومن بين الواجبات الأخرى في ذلك الوقت هو التأكد من تسليم الأسرى لدى حماس بسلاسة وبدون مشاكل. إلا أن صعود الحداد لم يتوقف عند هذا النقطة، فقد علمت 'التايمز' أن القيادي العسكري البالغ من العمر 55 عاما تولى قيادة الجناح العسكري من محمد السنوار الذي أعلنت إسرائيل قتله منتصف شهر أيار/مايو. وتقول مصادر إن الحداد يسيطر على الاستخبارات التابعة للحركة في غزة، ويعرف بكنية أبو صهيب وهو من يتحكم بالأسرى الإسرائيليين ولديه فيتو على الخطة الأمريكية لوقف إطلاق النار والتي قدمها مبعوث الرئيس دونالد ترامب إلى الشرق الأوسط، ستيف ويتكوف. وتقول حماس إنها قبلت المقترح من الناحية المبدئية، لكنها تقدمت ببعض التعديلات على الخطة واقترحت إطارا لعملية التبادل خلال الستين يوما التي اقترحتها الخطة الأمريكية، وهي مقترحات اعتبرها ويتكوف 'غير مقبولة' و'تعيدنا للوراء'. تقول مصادر إن الحداد يسيطر على الاستخبارات التابعة لحماس في غزة، ويعرف بكنية أبو صهيب وهو من يتحكم بالأسرى الإسرائيليين ولديه فيتو على الخطة الأمريكية لوقف إطلاق النار ويقول المفاوضون الدوليون لوقف إطلاق النار إن الحداد هو آخر عقبة أمام وقف إطلاق النار. كما أنه المطلوب الأول لإسرائيل حيث نجا من 6 محاولات اغتيال، منذ عام 2008. وحاولت إسرائيل اغتياله منذ بداية الحرب في تشرين الأول/أكتوبر 2023 ثلاث مرات، بما في ذلك إرسال قوات عسكرية إلى بيت قيل إنه كان فيه ولم يعثروا على أحد هناك. وفي ليلة الهجوم على إسرائيل في 7 تشرين الأول/أكتوبر طلب من الحداد التنسيق الأولي لعملية الاختراق وعبأ المقاتلين الذين هم تحت إمرته، وذلك حسب وثيقة تقول إسرائيل إنه تم العثور عليها. وتحدد الوثيقة أن مسؤولياته في العملية كانت مهمة إعلانات وسيطرة على مناطق قرب الحدود مع غزة. وتولى الحداد تحديدا السيطرة على قاعدة ناحال عوز العسكرية، التي قتل فيها 60 جنديا و15 إسرائيليا وأخذ آخرون إلى غزة. ووضعت إسرائيل سابقا مكافأة بقيمة 750,000 دولار لمن يدلي بمعلومات عنه. ولكنه حذر جدا في اتصالاته ويتجنب الظهور علنا أمام كاميرات الإعلام. ويقول المسؤولون الاستخباراتيون الإسرائيليون على الأرض إن الحداد يغير أماكن وجوده باستمرار ولا يثق إلا بدائرة صغيرة. وقد قتل ابنه الأكبر صهيب وحفيده في غارة إسرائيلية في كانون الثاني/يناير. كما قتل ابنه الثاني في نيسان/أبريل هذا العام. وقد عمل في البداية إلى جانب زعيم حماس السابق يحيى السنوار لملاحقة العملاء. ونقلت الصحيفة عمن وصفته مصدرا في المنطقة قوله: 'هو آخر القادة الباقين في الميدان بغزة، مما يعني أن الضغط عليه كبير. ولو لم تكن هناك صفقة، فإنه لا يريد أن يتذكر بأنه الرجل الذي أدار غزة وقد تفككت تحت السيطرة الإسرائيلية. ومن جهة أخرى، فيجب أن يظهر القيادة'. وأضاف المصدر أن حماس يبدو أنها لا توافق على صفقة تزيد من سيطرة إسرائيل على القطاع، وفي الوقت نفسه تواصل ملاحقة قادة حماس الكبار في داخل القطاع وخارجه. وتضيف الصحيفة أن الحداد يملك القول النهائي في وقف إطلاق النار في غزة، لكن مفاوضين كبارا مع الولايات المتحدة، قالوا إن محمد إسماعيل درويش، الذي حل محل المفاوضين السابقين، ووصفه المسؤولون الاستخباراتيون سابقا بأنه شخص 'غير معروف'، كان مسؤولا عن عمليات حماس المالية التي تولد الدعم المالي. ويعرف بـ'أبو عمر حسن'، ولم يكن أبدأ في غزة، حيث يتزايد الغضب في داخل قيادة حماس في غزة على القيادة الخارجية لعدم قدرتهم على تأمين وقف إطلاق النار أو توفير الإمدادات المالية لمواصلة الحرب ضد إسرائيل. وظل درويش بعيدا عن الأضواء، خشية تعرضه لهجوم من إسرائيل. وفي تموز/ يوليو الماضي اغتالت إسرائيل رئيس المكتب السياسي لحماس، إسماعيل هنية وهو في زيارة لطهران، العاصمة الإيرانية. ومنذ خرقها لوقف إطلاق النار، زادت إسرائيل من هجماتها. وطالب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو قادة حماس تسليم أسلحتهم أو الخروج إلى المنفى.


العربي الجديد
منذ 3 ساعات
- العربي الجديد
كوريا الجنوبية: اجتماع طارئ لبحث التعامل مع الرسوم الأميركية الجديدة
أعلنت وزارة الصناعة الكورية الجنوبية أن الحكومة عقدت اجتماعا طارئا مع كبرى شركات صناعة الصلب المحلية، اليوم الاثنين، لمناقشة تأثير خطة الولايات المتحدة لمضاعفة الرسوم الجمركية على جميع واردات الصلب إلى 50% في وقت لاحق من هذا الأسبوع. ونقلت وكالة يونهاب الكورية الجنوبية عن مسؤولين في الوزارة قولهم، إن مسؤولين من مجموعة "بوسكو" وشركة "هيونداي ستيل" وغيرها من شركات الصلب الكبرى في البلاد شاركوا في الاجتماع، الذي استضافته وزارة التجارة والصناعة والطاقة. وجاء اجتماع اليوم الاثنين بعد أن أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترامب الأسبوع الماضي، أنه سيضاعف الرسوم الجمركية على واردات الصلب الأجنبية لتصل إلى 50% اعتبارا من يوم الأربعاء المقبل. وقالت الوزارة إن مسؤولي صناعة الصلب طلبوا من الحكومة مشاركة المعلومات بسرعة بشأن الإجراءات الجمركية الأميركية ومواصلة التعاون مع القطاع الخاص للرد عليها. وأضافت الوزارة أن الحكومة ستعمل على تقليل أي تأثير سلبي للرسوم الجمركية الأميركية على الصناعة المحلية من خلال المفاوضات التجارية مع واشنطن. وتعمل شركات صناعة الصلب الكورية الجنوبية على تخفيف تأثير رسوم ترامب الجمركية، حيث تخطط بعض الشركات لزيادة إنتاجها في الولايات المتحدة. وتخطط شركة هيونداي ستيل لاستثمار 5.8 مليارات دولار لبناء مصنع للصلب يعمل بأفران القوس الكهربائي في ولاية لويزيانا بحلول عام 2029، وهو أول منشأة إنتاج لها في الخارج، وفقا لمسؤولي الشركة. وانخفضت صادرات كوريا الجنوبية من الصلب في مايو / أيار بنسبة 12.4% مقارنة بالعام السابق لتصل قيمتها إلى 2.6 مليار دولار، مع انخفاض الشحنات إلى الولايات المتحدة بنسبة 20.6% خلال الفترة المذكورة. أسواق التحديثات الحية بنك كوريا المركزي يخفض الفائدة 25 نقطة إلى 2.5% وتراجعت صادرات كوريا الجنوبية إجمالا في شهر مايو/ أيار لأول مرة منذ أربعة أشهر، مع انخفاض الشحنات إلى الولايات المتحدة والصين. وقال وزير الصناعة في كوريا الجنوبية آن دوك-جون أمس الأحد، إن "انخفاض الصادرات إلى كل من الولايات المتحدة والصين، أكبر سوقين، يشير إلى أن إجراءات الرسوم الجمركية الأميركية تؤثر بالاقتصاد العالمي وبصادراتنا". وجرى تعليق "الرسوم الجمركية المتبادلة" التي فرضها ترامب، بما في ذلك رسوم جمركية بنسبة 25%على كوريا الجنوبية، لمدة 90 يوماً لإجراء مفاوضات، وسط مساع للتوصل إلى اتفاق قبل 8 يوليو/ تموز المقبل. انتخابات كوريا الجنوبية وسط الانقسام السياسي والأزمة الاقتصادية في السياق، تنطلق الانتخابات الرئاسية في كوريا الجنوبية غدا الثلاثاء، وسط أزمة اقتصادية وانقسام سياسي، حيث سيواجه الرئيس الكوري القادم طريقا صعبا، ليس فقط لإعادة توحيد الصف الوطني، بل أيضا في ظل بيئة اقتصادية متدهورة على الصعيدين المحلي والدولي. وأبرز المتنافسين في الانتخابات، لي جيه-ميونغ مرشح الحزب الديمقراطي، وكيم مون-سو مرشح حزب سلطة الشعب، ولي جون-سيوك مرشح حزب الإصلاح الجديد. وتأثر الاقتصاد في كوريا الجنوبية، بالأزمة السياسية، بعد محاولة فاشلة من الرئيس السابق يون سيوك-يول لفرض الأحكام العرفية، ما أدى إلى تراجع إنفاق المستهلكين وإقالته. وشهدت كوريا تراجعا في الإنتاج الصناعي والصادرات في قطاعات التصنيع والتعدين والخدمات والبناء في وقت سابق من هذا العام. اقتصاد دولي التحديثات الحية كوريا الجنوبية تواجه تباطؤاً اقتصادياً حاداً وتحديات ديموغرافية كما خفض بنك كوريا أسعار الفائدة وتوقعات النمو لعام 2025 من 1.5% إلى 0.8%. وعلى الرغم من أن معدل التوظيف العام لا يزال في منتصف النطاق المئوي الثاني، فقد بلغ معدل البطالة بين الشباب 7.5% في مارس/آذار، وهو أعلى مستوى منذ جائحة كورونا. وتعكس الديناميكيات التجارية الراهنة بين كوريا الجنوبية والولايات المتحدة القلق الأوسع الذي يساور سول بشأن تحالفها مع واشنطن، وتُبرز كيف أن النزعة القومية الاقتصادية التي أعاد ترامب إحياءها قد أعادت تسليط الضوء بقسوة على الاقتصاد الكوري، حيث عمّقت الرسوم الجمركية الشاملة التي أعلن عنها ترامب في 2 إبريل/نيسان، على الواردات من كوريا الجنوبية، الجدل الاقتصادي الدائر في الحملات الانتخابية. ووضعت هذه الرسوم الفائض التجاري الكوري البالغ 66 مليار دولار مباشرة في مرمى إدارة ترامب. ولطالما واجهت كوريا صعوبة في تحقيق التوازن بين الولايات المتحدة، التي تشكل الضامن الأمني لها، وبين الصين، التي تُعد شريكها الاقتصادي الرئيسي. لكن بعد الضغوط الاقتصادية التي مارستها بكين عقب نشر نظام الدفاع الصاروخي الأميركي "ثاد" في عام 2016، بدأت سول تسعى إلى تقليص اعتمادها الاقتصادي على الصين، مما جعل الحفاظ على علاقات تجارية إيجابية مع الولايات المتحدة أكثر أهمية من أي وقت مضى. وليست هذه هي المرة الأولى التي يستهدف فيها ترامب العلاقات التجارية بين البلدين، ففي ولايته الأولى، هاجم ترامب اتفاقية التجارة الحرة بين كوريا الجنوبية والولايات المتحدة، التي يصفها خبراء التجارة بأنها "المعيار الذهبي" لاتفاقيات التجارة الحديثة لما تتضمنه من أحكام قوية لحماية الملكية الفكرية والأسرار التجارية، واصفا إياها بأنها "صفقة مروعة"، قبل أن يفرض إعادة التفاوض عليها في عام 2018 لتعديل بعض اللوائح المتعلقة بصناعة السيارات. وفي خطابه أمام الكونغرس في 4 مارس/آذار من هذا العام، عاد ترامب ليكرر اتهامه لكوريا بممارسات تجارية غير عادلة، قائلا: "الرسوم الجمركية المتوسطة في كوريا أعلى بأربع مرات، تخيلوا ذلك، أربع مرات"، رغم أن معدلات الرسوم الجمركية قد أُزيلت فعليا بموجب اتفاقية التجارة الحرة بين الجانبين وأصبحت أقل من 1%. وصوّر ترامب ما تبقى من الحواجز التجارية باعتبارها إهانة لعقود من الضمانات الأمنية التي قدمتها الولايات المتحدة، قائلا: "نحن نقدم الكثير من المساعدات عسكريا وبطرق عديدة أخرى لكوريا الجنوبية. لكن هذا ما يحدث، من الأصدقاء والأعداء على حد سواء". وسواء كان الفائز من التقدميين أو المحافظين، فسيرث ليس فقط بلدا منقسما خلّفه يون، بل أيضا إدارة أميركية تتطلع لاختبار مدى صلابة كوريا في ملفات التجارة. وأرسلت كوريا بالفعل فريق تفاوض رفيع المستوى إلى واشنطن، ومهد الأرضية للمفاوضات، إلا أن تحديات مهمة لا تزال قائمة، ولن تُواجه جميعها على طاولة التفاوض. اقتصاد دولي التحديثات الحية نجل ترامب يلتقي قادة أعمال كوريين وسط مخاوف بشأن الرسوم الجمركية وبعد اجتماع جانبي لوزراء منتدى التعاون الاقتصادي لآسيا والمحيط الهادئ في 16 مايو/أيار الجاري، حذر وزير التجارة آن دوك-جين من أن سول قد تفوت الموعد النهائي لاتفاق الرسوم الجمركية في يوليو/تموز إذا تدخلت السياسة الداخلية. وتقول وتقول الباحثة دارسي دراودت-فيخاريس في تقرير نشره مجلس العلاقات الخارجية مؤخرا، إن ذلك لا يقل أهمية عن بناء علاقة شخصية وثيقة من النوع الذي يقدره ترامب. ويمكن لكوريا أن تستلهم العبرة من اليابان، وتحديدا من النموذج الذي مثله رئيس الوزراء السابق شينزو آبي، الذي أسفر تقاربه الشخصي مع الرئيس ترامب، والذي نُسج خلال جولات الغولف المشتركة، عن إنجازات دبلوماسية ملموسة. غير أن كلا من لي جاي-ميونغ وكيم مون-سو، وهما سياسيان بنيا نفسيهما من خارج النخبة، يمثلان تناقضا حادا مع القادة المتعلمين من النخبة الذين اعتاد ترامب التعامل معهم. ومن يجلس مقابل ترامب على طاولة القمة، سيتعين عليه تحويل شرعيته الانتخابية إلى موقف تفاوضي ناجح. (أسوشييتد برس، العربي الجديد)


العربي الجديد
منذ 5 ساعات
- العربي الجديد
تغطية الإعلام الغربي للإبادة تتغيّر… لكن من يغيّر سيليكون فالي؟
شهدت الأسابيع الأخيرة تغيراً تدريجياً، لكنه ملحوظ في تغطية وسائل الإعلام الغربية لما يحدث في غزة. بعد أشهر من التهرب، بدأ الإعلام الأوروبي والأميركي باستخدام مصطلح الإبادة الجماعية عند الحديث عن العدوان الإسرائيلي المتواصل منذ السابع من أكتوبر/ تشرين الأول 2023 على قطاع غزة. صحيفة ليبراسيون كتبت على صفحتها الأولى: "الإبادة في غزة مستمرة"، بينما وصفت "لوموند" الوضع بأنه "حرب شاملة لا تميز بين مدني ومسلح"، منتقدة منع دخول المساعدات وتجويع السكان أداة حرب. في ألمانيا، نشرت "دير شبيغل" تحقيقات معمّقة حول جرائم حرب "محتملة". وفي الولايات المتحدة، وبعد تردد طويل، بدأ كُتّاب رأي في صحيفتَي نيويورك تايمز وواشنطن بوست بإبداء تشكيك علني في "الرواية الأمنية" الإسرائيلية. حتى إن مراسلين عسكريين معروفين بقربهم من البنتاغون باتوا يتحدثون عن "عدم فعالية القصف العنيف في تحقيق أهدافه"، وعن "كلفة أخلاقية وسياسية طويلة المدى". لكن هذا التحول المتأخر في لغة الإعلام، الذي جاء استجابة لضغط جماهيري وأكاديمي وشعبي، يطرح سؤالاً موازياً: لماذا لا نشهد تحولاً مماثلاً في وادي السيليكون؟ ولماذا تبدو كبرى شركات التكنولوجيا وكأنها تقف، صامتة – أو متواطئة – أمام مأساة موثقة عالمياً؟ منذ بدء حرب الإبادة على غزة ، أثبتت تقارير موثقة أن الشركات التكنولوجية الأميركية الكبرى - مثل أمازون، وغوغل، ومايكروسوفت، وميتا، وبالانتير - لم تكن مجرد مراقب صامت، بل فاعلاً نشطاً في دعم الآلة العسكرية الإسرائيلية، تقنياً وتمويلياً وأيديولوجياً. اعتمد الجيش الإسرائيلي بشكل واسع على أدوات استهداف مبنية على الذكاء الاصطناعي. وهذه البرامج لا تعمل في فراغ، بل تعتمد على بنية رقمية قوية توفرها شركات أميركية: غوغل : تقدم خوارزميات التعرف إلى الوجه. أمازون : تقدم خدمات حوسبة سحابية لاستضافة البيانات التحليلية. مايكروسوفت : توفر أدوات التعرف إلى الكلام لتسريع معالجة المعلومات الاستخبارية. تُستخدم هذه الأدوات في أنظمة يصفها جنود إسرائيليون سابقون بأنها تشبه "البحث عن صديق على فيسبوك"، لكن النتيجة ليست دعوة إلى لقاء، بل إشارة إلى اغتيال. في عام 2021، وقّعت غوغل وأمازون عقداً مع الحكومة الإسرائيلية بقيمة 1.2 مليار دولار تحت اسم "نيمبوس"، يتيح استخدام خدماتهما في الوزارات، ومن بينها الجيش والمخابرات. العقد يحتوي على بنود تمنع الموظفين من الاعتراض على استخدام التقنية في عمليات عسكرية. ورغم احتجاجات موظفين وناشطين داخل الشركتين، استمرت الشركتان في تفعيل المشروع. بعض التطبيقات التي نُفّذت ضمن "نيمبوس" ظهرت لاحقاً في أدوات المراقبة داخل الضفة الغربية وغزة، بما فيها أنظمة تمييز الوجوه وتتبّع حركة الأفراد. أما شركة Palantir، التي أسسها بيتر ثيل وأليكس كارب، فتُعَدّ اليوم أحد أهم مزوّدي الجيشين الأميركي والإسرائيلي بأدوات "استهداف ذكية". بعد افتتاحها فرعاً في تل أبيب عام 2015، باتت تزود إسرائيل بأدوات تحليل بيانات ضخمة تشمل البريد الإلكتروني، والمكالمات، والموقع الجغرافي، والسوشيال ميديا. يرى مؤسسو بالانتير أنفسهم ضمن "الطبقة المحاربة الرقمية"، ويعتبرون تقنياتهم "وسيلة لخوض الحرب من دون دماء"، رغم أن نتائجها على الأرض تقول عكس ذلك: آلاف القتلى من المدنيين في غزة في غضون أشهر. بعيداً عن أدوات القتل المباشرة، لعبت "ميتا" دوراً مختلفاً، لكنه لا يقل خطورة. بحسب تحقيق لـ"الجزيرة"، سمحت الشركة بنشر أكثر من 100 إعلان مدفوع يروّج لبيع شقق في مستوطنات غير شرعية في الضفة الغربية، ويدعو إلى تمويل وحدات عسكرية إسرائيلية تنفذ عمليات في غزة. من بين الإعلانات: تمويل لطائرات مسيّرة تستخدم في استهداف الغزيين، وشراء معدات قناصة للواء غولاني، والترويج لمشروع "رامات أديرت" في مستوطنة أريئيل. ورغم سياسة "ميتا" التي "تحظر الترويج للأسلحة"، استمرت هذه الإعلانات لفترات طويلة من دون تدخل يذكر، مع كل المداخيل المالية التي جنتها الشركة منها. في موازاة ذلك، شكا الآلاف حذف منشورات مؤيدة لفلسطين، أو خفض وصولها عبر خوارزميات "فيسبوك" و"إنستغرام"، ما يعزز الشكوك حول انحياز سياسي ممنهج. انطلاقاً من كل ما سبق، يمكن فهم أسباب انحياز الشركات في سيليكون فالي، حتى مع تغيّر المواقف السياسية والإعلامية الغربية. فأولاً، الحرب تدرّ أرباحاً هائلة. عقود الدفاع تُقدّر بعشرات المليارات، وغالباً ما تكون طويلة الأمد. مقابل ذلك، تراجعت أرباح الإعلانات والاشتراكات، ما يدفع الشركات إلى البحث عن مصادر دخل مستقرة. السبب الثاني، الذي غالباً ما يُسقَط عند الحديث عن وادي السيليكون. فأغلب شركات التكنولوجيا في الوادي، ولدت في أحضان البنتاغون. فأولى برمجيات الإنترنت، والحواسيب المتقدمة، ونظم GPS، جميعها كانت مشاريع عسكرية في الأصل. واليوم، تعود هذه العلاقة إلى الواجهة عبر الذكاء الاصطناعي. ولا تخفي بعض الشركات أهمية المشاريع الدفاعية ــ العسكرية هذه. فيروج مستثمرون ومؤسسو شركات مثل Anduril لفكرة أن "السلام لا يتحقق إلا بالخوف". في قمة DefenseTech الأخيرة في تل أبيب قبل أشهر قليلة، قال ممثل Palantir: "الشعوب تريد الأمان، والأمان يعني أن العدو خائف". تكنولوجيا التحديثات الحية "مايكروسوفت" تحظر رسائل البريد الإلكتروني التي تحوي كلمة "فلسطين" إلى جانب تداخل العلاقات التكنولوجية ــ العسكرية، عملت الشركات في الوادي إلى قمع أي صوت عمّالي محتج على التعاون مع الاحتلال. فبعد احتجاجات موظفين على مشاريع عسكرية، عمدت الشركات إلى ميثاقات تمنع العمل السياسي الداخلي. في مشروع "نيمبوس"، وُضع بند يمنع الاعتراض الأخلاقي من قبل العاملين. إذاً صحيح أن الصحافة الغربية بدأت تعيد النظر في خطابها، وتنتقد صراحة سياسات الاحتلال الإسرائيلي، وتستخدم كلمات كانت قبل أشهر محرّمة (إبادة، تطهير عرقي، تجويع جماعي)، لكن الشركات التقنية تواصل دورها في تمكين هذه السياسات على الأرض. وإذا كانت الصحافة قادرة - بتراكم الضغط - على التحوّل، فإن التكنولوجيا لا تخضع للضغط الأخلاقي بالسهولة نفسها. فهي محكومة بمنطق الربح والسوق والعلاقات مع مراكز القرار.