
نازحون سوريون من الساحل يستقرون في مناطق سيطرة "الإدارة الذاتية"
شهدت مدن شمال شرق سورية الخاضعة لسيطرة "الإدارة الذاتية"، خلال الآونة الأخيرة موجة نزوح جماعية، شملت عائلات وأفراداً، على خلفية أحداث
الساحل السوري
الأخيرة، حيث توزعت أعداد من النازحين على بلدات ومدن الطبقة والرقة، مروراً بالقامشلي، وصولاً إلى المالكية في أقصى شمال شرق محافظة الحسكة.
وفي ظل الفوضى الأمنية التي أعقبت سقوط النظام في سورية، في 8 ديسمبر/ كانون الأول الماضي، ارتُكبت انتهاكات وجرائم قتل خارج القانون، نفذتها مجموعات مسلحة منفلتة بحق المدنيين. وفي ريف حمص والساحل السوري، اضطرت العديد من العائلات إلى النزوح هرباً من هذا الواقع، متجهة نحو مناطق سيطرة "الإدارة الذاتية" في شمال وشرق البلاد، وسط أجواء توتر سادت خلال الفترة الأخيرة. وتتولى "الإدارة الذاتية" التابعة لـ"قوات سوريا الديمقراطية" (قسد)، إدارة هذه المناطق في سورية.
وقال حيدر يوسف (اسم مستعار) وهو قادم من ريف مدينة حمص وسط سورية، إنه وصل إلى القامشلي مع عائلته، منذ قرابة أسبوعين، مضيفاً لـ"العربي الجديد"، أنّ قرار مغادرة منزله والتوجه إلى القامشلي "لم يكن سهلاً، خاصة مع وجود ثلاثة أطفال، أكبرهم يبلغ من العمر 12 سنة، لكن سوء الأوضاع الأمنية، وعجز السلطات الأمنية الجديدة عن السيطرة وضبط الأمن، خاصة في الليل، كلها عوامل شجعتني على المغادرة، بالإضافة إلى معرفتي المسبقة بالقامشلي وأهلها، حيث عملت سابقاً ولعدة سنوات موظفاً حكومياً فيها".
وتابع يوسف، أنه "بعد محاولة عناصر من النظام المخلوع مهاجمة بعض المفارز الأمنية التابعة للحكومة الجديدة، اشتدت الفوضى الأمنية في قرى ريف حمص الشرقي، وهاجم مسلحون ملثمون من فصائل مسلحة قرانا، وبدأوا بإطلاق النار عشوائياً، ثم تطور الهجوم ليشمل عمليات قتل وضرب ونهب، وشاهدت عمليات ضرب وقتل، كما تعرضت لاعتداء شديد، حيث تم سحلي لمسافة 20 متراً، وتم شتمي وإهانتي قبل أن يهددني أحدهم بالذبح، ونجوت بعد تدخل أحد عناصر الأمن العام الذين وصلوا إلى المكان".
من جهتها قالت رولا سليمان، النازحة من ريف الساحل السوري، في حديث لـ"العربي الجديد": "وصلت مع عائلة زوجي وأولادي الأربعة ووالدي إلى مدينة المالكية منذ عدة أيام. ورغم بُعد المسافة، قدمنا من أقصى غرب البلاد إلى أقصى الشرق وقد اخترنا هذه الوجهة لعدة أسباب، أولها توفر قدر من الاستقرار مقارنة ببقية المناطق السورية".
وأضافت: "كما أن لدينا معارف كثرا من أبناء الساحل كانوا يعملون سابقاً في المنطقة الشرقية، سواء في مؤسسات الدولة المدنية والعسكرية أو في قطاع النفط، وأغلبهم لا يزالون هنا، ولم يعودوا إلى حمص أو اللاذقية، لما وجدوه من حسن معاملة من السكان المحليين". وأشارت سليمان إلى أنها التقت بعدد من النازحين خلال الرحلة، وأبلغوها بنيّتهم التوجّه إلى إقليم كردستان العراق إذا لم تستقر الأوضاع قريباً.
لجوء واغتراب
التحديثات الحية
نازحون سوريون يعودون إلى قراهم المدمرة من قاعدة حميميم
وتابعت: "واجهنا الكثير من الصعوبات والتحديات أثناء رحلة نزوحنا من الساحل إلى مناطق سيطرة الإدارة الذاتية، فالرحلة كانت طويلة وشاقة، خاصة مع وجود الأطفال، ومرورنا بحواجز أمنية لا نعرف هويتها، لكن الحمد لله مرّت الرحلة بسلام، وكان استقبال الناس لنا هنا جيداً، وقدّموا لنا المسكن والمواد الغذائية وكل ما نحتاجه، وهذا ما جعلنا في حالة نفسية جيدة ومريحة، رغم صعوبة الحدث".
من جانبه، قال شيخموس أحمد، رئيس مكتب النازحين واللاجئين والمنكوبين التابع لـ"الإدارة الذاتية" في شمال وشرق سورية، لـ"العربي الجديد": "قدم عدد من العائلات من منطقة الساحل السوري إلى مدن مقاطعة الجزيرة خوفاً من الفصائل التي ارتكبت جرائم بحق المدنيين، وهم موجودون في مدينة القامشلي ودرباسية".

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


العربي الجديد
منذ 5 أيام
- العربي الجديد
شرق أوسط جديد على غير هوى بنيامين نتنياهو
"إنه شرق أوسط جديد بالفعل، لكنه على غير هوى رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو"، كان هذا أول ما تبادر إلى الذهن بعد ذيوع صورة اجتماع الرياض المنعقد بين الرئيسين، الأميركي دونالد ترامب، والسوري أحمد الشرع، على هامش القمة الخليجية الأميركية، في حضور ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، ومشاركة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان عن بعد، بواسطة تقنية "الفيديو كونفرانس". لله في خلقه شؤون، وقد يجمع الشتيتين بعدما يظنان كل الظن ألا تلاقيا، خاصة لو كانا رجلين كترامب والشرع، الأول يقف من ورائه تحالف يميني متطرف، بعض أركانه لديهم هوس بما يطلقون عليه "الخطر الإسلامي"، والثاني ماضيه الجهادي الفاقع جعله مطلوباً أميركياً وفوق رأسه مكافأة قدرها 10 ملايين دولار لمن يدلي بمعلومات عنه، ما لبثت واشنطن أن تراجعت عنها بعد وصوله إلى رئاسة البلاد، ومع هذا فالمصالح تتصالح، وثمة أحداث قد تجري على "الهامش" غير أنها تنافس "المتن"، بل قد تتفوق عليه أهمية ودلالة، فبلا شك الحدث الأبرز في زيارة ترامب الخليجية، قراره رفع العقوبات عن سورية ولقاء رئيسها، بعد وساطة خليجية تركية، تبدت في حضور تلك الصورة ذات الحمولة الرمزية العالية، والدلالات السياسية والجيواستراتيجية الآتية ضمن تقارب بين طرفين يتوقان للاستحواذ على مزيد من النفوذ داخل نظام إقليمي جديد يتشكل عبر مخاض متسارع، تحفزه تداعيات الوحشية الإسرائيلية في حربها على غزة ولبنان، وما تلاها من محاولات تمدد دولة الاحتلال على حساب الجميع عرباً وأتراكاً وإيرانيين، استثماراً للدعم الأميركي الهائل وآثار الدمار الواسع فلسطينياً ولبنانياً وسورياً، وما ارتبط به من انكماش طهران وانشغالها داخلياً ببقاء النظام وخارجياً في الحفاظ على ما تبقى من مواقعها المتقدمة في العراق واليمن. لم يعد سراً أن نتنياهو قد سعى لدى ترامب خلال زيارته الأخيرة إلى البيت الأبيض من أجل الإبقاء على العقوبات الأميركية على دمشق، إمعاناً في إضعافها أكثر، فما يجري فرصة لـ"توسيع النفوذ"، كما يقول يسرائيل كاتس وزير حربه، بالتالي يمكن استغلال الوضع السوري الهش من أجل تمدد دولة الاحتلال إقليمياً، تحقيقاً لما يصفه نتنياهو بإعادة تشكيل منطقة الشرق الأوسط بقيادة إسرائيلية، لكن على ما يبدو يصرّ ترامب، الموصوف سياسياً بـ"الرئيس غير المتوقع"، على السير في مسار منفرد، شمل وقفاً لإطلاق النار مع جماعة الحوثي، تاركاً إسرائيل لصواريخهم، بالإضافة إلى التفاوض المباشر مع حركة حماس وإيران عدوتي إسرائيل اللدودين اللتين لا حل معهما سوى القضاء التام عليهما وهو ما لا يتأتى في رأي نتنياهو بغير "القوة المفرطة والتدمير الشامل" حتى يتخلص من القيود التي تحد من توسع دولته وإدماجها في منطقة لا تزال جسداً غريباً فيها رغم كل ما قامت به. منذ ما يُعرف بالاتفاقيات الإبراهيمية في عام 2020 ورئيس الوزراء الإسرائيلي يسرف في الحديث عن "نقطة تحول تاريخية"، و"بداية الشرق الأوسط الجديد"، تحقيقاً لإعادة تشكيل المنطقة عبر التطبيع، وهو في ذلك لا يعد الأول بين أقرانه من رؤساء وزراء الاحتلال، سبقه بها شمعون بيريز (تولى المنصب مرتين، الأولى من عام 1984 إلى 1986، والثانية لسبعة أشهر بين 1995 إلى 1996)، ولديه كتاب بالعنوان ذاته The New Middle East صدر عام 1993 بعد اتفاقية أوسلو، وخلاصته أن دمج إسرائيل في النظام الإقليمي ممكن بواسطة السلام والتعاون الاقتصادي، وهو ما ثبت فشله عربياً من خلال النموذج المصري السابق لتلك الفترة، إذ يمكن اعتبار زيارة الرئيس أنور السادات إلى القدس المحتلة عام 1977 ومن بعدها اتفاقية السلام في عام 1979 ومشاريع التطبيع الاقتصادي المتوالية، بداية ونهاية المشروع هذا، إذ لم يتغير شيء على أرض الواقع بالقاهرة، وظلت إسرائيل العدو الأول للشعب المصري، وهو ما تحافظ عليه الأنظمة المصرية المتوالية، بل وتستثمره داخلياً وخارجياً، ويعلم نتنياهو ومن سبقه جيداً أن الشعوب وإن كانت صامتة عن العلاقات مع دولة الاحتلال إلا أنها لا تقرّ حكامها على اتفاقاتهم، خاصة بعد الهمجية الواسعة وقتل آلاف الأطفال والنساء في فلسطين ولبنان وسورية. على ضوء ما سبق، يتضح أن كثيراً من المسلمات السابقة لما قبل السابع من أكتوبر 2023، لم تعد بالقدر ذاته من الفعالية، فإسرائيل لم تعد البوابة الحصرية للباب العالي الأميركي، والنفوذ المالي والسياسي الخليجي والتركي قادران في حال اتحادهما على مواجهتها، خاصة أنها في أسوأ حالاتها اليوم، ولم تستعد قوة الردع التي كانت تحتال بها على المنطقة، وتبين خواؤها أمام خصم لا يمتلك شيئاً مقارنة بها، كما خسرت سياسياً على مستوى العالم وتراجعت حتى لدى بعض الدوائر في واشنطن، وباتت تستشعر ثقل وتكلفة أفعالها وحتى أفكارها مثل الحديث عن طرد أهالي غزة ونهب أرضهم، وكلها فرقعات لم تنجح بالرغم من سياسة القوة العارية ضد المدنيين العزل، وإنما أدخلتها في صدامات متكررة مع مصر والأردن أول وأقدم دولتين عقدتا معها اتفاقية سلام، تلاها تطبيع اقتصادي، وكل هذا يوسّع من التناقضات، بل ويخصم من علاقات دولة الاحتلال مع الأنظمة التي طبّعت معها ويعزلها أكثر عن محيطها الذي تحلم بإعادة تشكيله وقيادته وليس مجرد الاندماج فيه. السؤال الآن هل يتكرر التعاون العربي التركي ويتعمق أكثر؟، وتحديداً في القضية الفلسطينية أهم ملفات المنطقة، فلم يعد "البعبع" الإيراني قائماً، وأميركا ترغب في الانسحاب وترك الشرق الأوسط في يد أهله، تركيزاً على ملف الصين، والتكامل بين العرب والترك، يعظم من مكاسبهما ويقلل من حجم ونفوذ دولة الاحتلال، وهو ما يمكن الاستفادة منه في الضغط عليها وعلى أميركا لانتزاع حقوق الشعب الفلسطيني، ووقف تمدد الاحتلال على ما تبقى من أرضه. إنها فرصة أخيرة قد تمثل نوراً نخرج به من النفق، وإن لم تستغلها هذه الأمة وتستيقظ من سباتها وفرقتها، فإنها ذاهبة إلى حيث رحل الشاعر حافظ إبراهيم، بعد إشكال مع زوج والدته، استدعى أن يترك له البيت، فكتب له بيتين من الشعر قائلاً: "ثقلت عليك مؤونتي إني أراها واهية... فافرح فإني ذاهب متوجه في داهية".


العربي الجديد
٠٩-٠٥-٢٠٢٥
- العربي الجديد
نازحون سوريون من الساحل يستقرون في مناطق سيطرة "الإدارة الذاتية"
شهدت مدن شمال شرق سورية الخاضعة لسيطرة "الإدارة الذاتية"، خلال الآونة الأخيرة موجة نزوح جماعية، شملت عائلات وأفراداً، على خلفية أحداث الساحل السوري الأخيرة، حيث توزعت أعداد من النازحين على بلدات ومدن الطبقة والرقة، مروراً بالقامشلي، وصولاً إلى المالكية في أقصى شمال شرق محافظة الحسكة. وفي ظل الفوضى الأمنية التي أعقبت سقوط النظام في سورية، في 8 ديسمبر/ كانون الأول الماضي، ارتُكبت انتهاكات وجرائم قتل خارج القانون، نفذتها مجموعات مسلحة منفلتة بحق المدنيين. وفي ريف حمص والساحل السوري، اضطرت العديد من العائلات إلى النزوح هرباً من هذا الواقع، متجهة نحو مناطق سيطرة "الإدارة الذاتية" في شمال وشرق البلاد، وسط أجواء توتر سادت خلال الفترة الأخيرة. وتتولى "الإدارة الذاتية" التابعة لـ"قوات سوريا الديمقراطية" (قسد)، إدارة هذه المناطق في سورية. وقال حيدر يوسف (اسم مستعار) وهو قادم من ريف مدينة حمص وسط سورية، إنه وصل إلى القامشلي مع عائلته، منذ قرابة أسبوعين، مضيفاً لـ"العربي الجديد"، أنّ قرار مغادرة منزله والتوجه إلى القامشلي "لم يكن سهلاً، خاصة مع وجود ثلاثة أطفال، أكبرهم يبلغ من العمر 12 سنة، لكن سوء الأوضاع الأمنية، وعجز السلطات الأمنية الجديدة عن السيطرة وضبط الأمن، خاصة في الليل، كلها عوامل شجعتني على المغادرة، بالإضافة إلى معرفتي المسبقة بالقامشلي وأهلها، حيث عملت سابقاً ولعدة سنوات موظفاً حكومياً فيها". وتابع يوسف، أنه "بعد محاولة عناصر من النظام المخلوع مهاجمة بعض المفارز الأمنية التابعة للحكومة الجديدة، اشتدت الفوضى الأمنية في قرى ريف حمص الشرقي، وهاجم مسلحون ملثمون من فصائل مسلحة قرانا، وبدأوا بإطلاق النار عشوائياً، ثم تطور الهجوم ليشمل عمليات قتل وضرب ونهب، وشاهدت عمليات ضرب وقتل، كما تعرضت لاعتداء شديد، حيث تم سحلي لمسافة 20 متراً، وتم شتمي وإهانتي قبل أن يهددني أحدهم بالذبح، ونجوت بعد تدخل أحد عناصر الأمن العام الذين وصلوا إلى المكان". من جهتها قالت رولا سليمان، النازحة من ريف الساحل السوري، في حديث لـ"العربي الجديد": "وصلت مع عائلة زوجي وأولادي الأربعة ووالدي إلى مدينة المالكية منذ عدة أيام. ورغم بُعد المسافة، قدمنا من أقصى غرب البلاد إلى أقصى الشرق وقد اخترنا هذه الوجهة لعدة أسباب، أولها توفر قدر من الاستقرار مقارنة ببقية المناطق السورية". وأضافت: "كما أن لدينا معارف كثرا من أبناء الساحل كانوا يعملون سابقاً في المنطقة الشرقية، سواء في مؤسسات الدولة المدنية والعسكرية أو في قطاع النفط، وأغلبهم لا يزالون هنا، ولم يعودوا إلى حمص أو اللاذقية، لما وجدوه من حسن معاملة من السكان المحليين". وأشارت سليمان إلى أنها التقت بعدد من النازحين خلال الرحلة، وأبلغوها بنيّتهم التوجّه إلى إقليم كردستان العراق إذا لم تستقر الأوضاع قريباً. لجوء واغتراب التحديثات الحية نازحون سوريون يعودون إلى قراهم المدمرة من قاعدة حميميم وتابعت: "واجهنا الكثير من الصعوبات والتحديات أثناء رحلة نزوحنا من الساحل إلى مناطق سيطرة الإدارة الذاتية، فالرحلة كانت طويلة وشاقة، خاصة مع وجود الأطفال، ومرورنا بحواجز أمنية لا نعرف هويتها، لكن الحمد لله مرّت الرحلة بسلام، وكان استقبال الناس لنا هنا جيداً، وقدّموا لنا المسكن والمواد الغذائية وكل ما نحتاجه، وهذا ما جعلنا في حالة نفسية جيدة ومريحة، رغم صعوبة الحدث". من جانبه، قال شيخموس أحمد، رئيس مكتب النازحين واللاجئين والمنكوبين التابع لـ"الإدارة الذاتية" في شمال وشرق سورية، لـ"العربي الجديد": "قدم عدد من العائلات من منطقة الساحل السوري إلى مدن مقاطعة الجزيرة خوفاً من الفصائل التي ارتكبت جرائم بحق المدنيين، وهم موجودون في مدينة القامشلي ودرباسية".


العربي الجديد
٠٩-٠٥-٢٠٢٥
- العربي الجديد
فرصة أخيرة لإنقاذ سورية
بعد خمسة أشهر على سقوط نظام الأسد، ما زال الوضع الأمني في سورية يتّسم بالهشاشة، فتتنقل الأزمات الأمنية التي تأخذ طابعاً طائفياً من منطقة إلى أخرى، فيما تتزايد احتمالات المواجهة بين الإدارة السورية الجديدة وقوات سوريا الديمقراطية (قسد) بعد مؤتمر القامشلي أخيراً، الذي طالب بمركزية إدارية واسعة (فهمها كثيرون دعوة إلى الفدرالية). في الوقت نفسه، تتصاعد الاعتداءات الإسرائيلية على الأراضي السورية، ويزداد تدخّلها في شؤون سورية الداخلية بداعي حماية الأقليات، في غياب تقدّم حقيقي في جبهة العلاقة مع واشنطن، التي تضع إدارة دمشق الجديدة في فترة اختبار قبل أن تحسم موقفها منها. ما زال الوضع الاقتصادي والمعيشي (هو الآخر) صعباً، بسبب عجز دول عديدة عن مدّ يد المساعدة بسبب العقوبات الأميركية، وإحجام رجال أعمال سوريين (وغيرهم) عن ضخّ استثمارات في عروق الاقتصاد المُنهَك، إمّا نتيجة عدم القدرة على تحويل الأموال إلى سورية، أو بانتظار اتّضاح مصير العقوبات الأميركية بعد انتهاء فترة الإعفاء التي قرّرتها إدارة بايدن المنصرفة، مطلع يوليو/ تمّوز المقبل. بالطبع، لم يكن أحد يتوقّع أن تكون طريق الإدارة السورية الجديدة معبّدةً بالورود بعد الدمار والخراب الذي ألحقه نظام الأسد بالبلاد ونسيجها الاجتماعي، لكنّ الأكيد أيضاً أن نهجها لم يكن مساعداً، وبسببه خسرنا (بعد خمسة أشهر ثمينة) الزخم المحلّي والعربي والدولي الذي صاحب سقوط النظام البائد، كما أخذت تتلاشى الرغبة التي تشكّلت لدى جزء معتبر من الدول بشأن مساعدة سورية في النهوض، وتجنّب الفوضى، متشجّعةً بالخطاب الوطني المتوازن، الذي تبنّاه أحمد الشرع (وإدارته) لحظةَ سقوط النظام. في الشهرَين الأخيرَين، أخذت الصدامات الطائفية (بغضّ النظر عن أسبابها) تؤذي صورة الإدارة الجديدة، التي راحت تبدو للعالم غير قادرة (أو غير راغبة) في ضبطها والحدّ منها. لقد باتت أحداث العنف الطائفي المتنقل تثير مخاوفَ الدول المجاورة من احتمال انتقالها إليها، أمّا الدول الأبعد فقد صارت تخشى من بدء فصلٍ جديدٍ في الصراع السوري، يدفع بموجات لجوء جديدة في حال (لا سمح الله!) دخلت البلاد في مواجهاتٍ طائفيةٍ واسعة، مدعومة من أطراف خارجية، فيما باتت هذه التطوّرات تمدّ خصوم الإدارة في دمشق بالذخيرة اللازمة للتشكيك في صدق نياتها وخطابها الرائج أنها تغيّرت، وتسعى إلى بناء دولة المواطنة والقانون. يتفاقم الشعور بالمرارة لدى فئاتٍ واسعة من السوريين، بمن فيهم "سنّة" المدن الكبرى، بسبب التهميش والإقصاء فوق ذلك، انكشفت قابلية الإدارة الجديدة للابتزاز الإسرائيلي والأميركي، بحيث بدا وكأنّها مفتوحةً للاستدراج بهذا الاتجاه من دون حدود، ففي مقابل الاستجابة لمطالبها الثلاثة المتمثّلة في: رفع تصنيف هيئة تحرير الشام تنظيماً إرهابياً من جانب الأمم المتحدة والولايات المتحدة؛ ورفع العقوبات الأميركية عن سورية؛ وانتزاع اعتراف دولي (أميركي تحديداً). تتفنّن إدارة ترامب في تقديم مطالبها التي تثبت حسن السلوك، فيما صارت إسرائيل هي من يقرّر شروط التطبيع مع دمشق، بدل العكس، وتسعى إلى استغلال عجز الأخيرة عن احتواء التوتّرات الطائفية لتجريدها من قدراتها العسكرية، والعمل على تفتيتها، بذريعة "حماية الأقلّيات" السورية، التي تتوجّس من توجّهات الإدارة الجديدة. داخلياً، يتفاقم الشعور بالمرارة لدى فئاتٍ واسعة من السوريين، بمن فيهم "سنّة" المدن الكبرى، بسبب التهميش والإقصاء، مع استمرار الإدارة الجديدة في نهج الاستئثار والاستفراد، وسباقها مع الزمن للإمساك بمفاصل الدولة عبر تعييناتٍ شرطها الوحيد الولاء والانتماء إلى "الجماعة". تثير التوجّهات السياسية للإدارة الجديدة أيضاً مخاوفَ جزءٍ لا يستهان به من السوريين من مختلف الطوائف، خاصّة بعد إنشاء ما سمّي بـ"أمانة الشؤون السياسية" في وزارة الخارجية، التي باتت تقوم مقام الحزب الحاكم (استولت الأمانة المذكورة على مقارّ حزب البعث وصادرت جميع ممتلكاته لصالحها). يحصل هذا فيما يحظر على الآخرين تشكيل الأحزاب السياسية بموجب المادة "1/14" من نصّ الإعلان الدستوري الصادر في 13 مارس/ آذار الماضي. تدفع هذه التوجّهات المترافقة مع انعدام الشفافية وأجواء الشحن والتخوين والترهيب، التي تسود وسائط التواصل الاجتماعي، ضدّ أيّ صوت معارض أو ناصح، كثيرين ممّن تحمّسوا للنظام الجديد في أوّل الأمر إلى الانفضاض عنه. بتنا في كلّ يوم نرى أن قاعدة النظام الجديد تصبح أضيق، وعدد أصدقائه يصبح أقلّ. ولولا أن وضع البلد لا يحتمل، ولولا حرص كثيرين على وحدة سورية، وتمتّعهم بدرجة عالية من المسؤولية تجاه التحدّيات التاريخية التي تواجهها، سواء من أعداء الخارج، خاصّة إسرائيل، أو الخوف من انزلاق البلاد إلى الفوضى، لشهدنا بدايةَ تشكّل جبهة معارضة سياسية واسعة للنظام الجديد. لولا حرص كثيرين على وحدة سورية، وتمتّعهم بدرجة عالية من المسؤولية، لشهدنا تشكّل جبهة معارضة سياسية واسعة للنظام الجديد لا أحد يريد ذلك، على أمل أن يغيّر النظام الجديد نهجه وسياساته، فتُقدّم مصلحة الوطن على المطامح الشخصية، ونوازع حبّ السلطة والتعامل مع الدولة بمنطق غنيمة الحرب. وهذا لن يتم من دون بناء توافق وطني واسع على الحكم يتبلور من خلال حوار وطني حقيقي، ينتج منه حكومة وحدة وطنية، تشارك فيها القوى السياسية والاجتماعية المؤثّرة كافّة، مهمتها التعامل مع العالم ورفع العقوبات، ومواجهة اعتداءات إسرائيل وتدخّلاتها، بصفتها ممثّلةً للسوريين كلّهم، وقيادة المرحلة الانتقالية الصعبة نحو برّ الأمان، مع حفظ حقّ هيئة تحرير الشام في تبوّؤ مكانة متقدّمة فيها. من دون هذا لن نخطو خطوةً واحدةً نحو الأمام، بل سنبقى ندور في الحلقة المفرغة نفسها من العنف الأهلي، واستمرار الفقر، والبلطجة الإسرائيلية التي تتغذّى من انقساماتنا الطائفية، ونضيّع بذلك فرصةً ذهبيةً للإنقاذ والنهوض. هذا موقف لا مكان فيه للسلبية أو التسويف، خوفاً من تهويلات وسائل التواصل الاجتماعي، ولا مكان فيه للانتظار حتى تتضح الصورة، أو استبانة أين ترجح الكفّة، ففي هذا سلوك انتهازي غير مسؤول، وتخاذل لا يليق عن نصرة وطن مهدّد بالضياع. وكلّما أسرعنا في بناء الإجماع الوطني المنشود في شكل الدولة ونظامها السياسي والاقتصادي والاجتماعي، وطريق إدارتها، كلّما زادت فرصنا في النجاح. امتازت سورية عبر التاريخ بنقطتي قوّة أساسيَّتَين، موقعها الجغرافي الاستثنائي في مركز العالم القديم، وطاقاتها البشرية التي أنتجت للعالم أغنى الحضارات. الجغرافيا معطىً ثابتٌ لا يتغيّر، وقد قرّرت مصير سورية آلاف السنين، وكذلك شأن الرأسمال البشري السوري بتجدّده الدائم، ومستوى الوعي ونضج التفكير الذي يتمتّع به. هذا يدفع إلى القول إن الجيل الراهن من النُخب والقادة السوريين ليسوا أقلّ شأناً من آبائهم، صنّاع الاستقلال السوري الأول، وهم بالمثل قادرون على اغتنام الفرصة والتصدّي لمهمة إنقاذ البلد، الفارق اليوم أننا أمام مسؤولية تاريخية وأخلاقية أكبر من تلك التي واجهت الأوائل.