
كيف واصلت صربيا إغراق إسرائيل بالأسلحة؟
ففي قلب أوروبا، كانت بلغراد في الأسابيع الماضية مسرحا لتحركات غامضة، وقرارات مثيرة للجدل، ووجهات شحن تثير أسئلة أكبر مما تجيب.
وبينما أعلن الرئيس الصربي ألكسندر فوتشيتش ، أمام الإعلام، وقف بيع الذخيرة لإسرائيل، كشفت صحيفة هآرتس أن بلاده سجلت هذا العام رقما قياسيا في صادرات السلاح إلى تل أبيب، متجاوزة إجمالي العام السابق، رغم استمرار حرب الإبادة في غزة.
صفقات مستمرة
في 23 يونيو/حزيران الماضي، أعلن فوتشيتش وقف بيع الذخيرة لإسرائيل خلال عدوانها على إيران، مبررا ذلك بأن الطرفين صديقان لبلاده، وأن أي استئناف للتصدير يتطلب قرارا خاصا.
وبينما أشارت صحيفة هآرتس إلى أن القرار جاء بدافع الحفاظ على التوازن بين الجانبين، رجّحت كذلك أن التوبيخ العلني الذي تلقاه فوتشيتش من الكرملين بسبب إرسال أسلحة لأوكرانيا لعب دورا في اتخاذ هذا الموقف.
ويرى الباحث المتخصص في السياسة الصربية أرتيوم كيربيش إينوك، في حديثه للجزيرة نت، أن هذه التصريحات كانت موجهة أساسا للرأي العام الدولي، مشيرا إلى فضيحة سابقة حين عثر على أسلحة صربية لدى الجيش الأوكراني رغم تأكيد فوتشيتش للحياد، وهو ما يكشف -وفقا له- تناقضا معتادا بين المواقف المعلنة والحقيقة.
يتطابق ذلك مع معطيات كشفتها هآرتس، فبعد ساعات فقط من التصريح هبطت في بلغراد طائرة شحن إسرائيلية من طراز بوينغ 747 مطلية بالكامل باللون الأبيض، أقلعت في اليوم التالي نحو قاعدة "نباطيم" الجوية في صحراء النقب ، وعند سؤاله عن الأمر اكتفى بالقول إنه لا يستطيع الإفصاح عما هبط أو أقلع من هناك.
وتكشف البيانات أن صربيا أرسلت خلال 6 أشهر فقط شحنات تجاوزت قيمتها ما تم تصديره طوال العام السابق، وفق تقرير نشرته صحيفة هآرتس في 5 أغسطس/آب الجاري.
ويُفسر إينوك أن استمرار هذه الصفقات يعود إلى مصالح اقتصادية ضيقة، إذ يعتمد نحو 24 ألف صربي على الإنتاج العسكري كمصدر دخل مباشر، و150 ألفا بشكل غير مباشر، وهو ما يجعل الحكومة تقدّم الربح على حساب الموقف الأخلاقي من الحرب على غزة.
كما أظهر تحقيق مشترك بين صحيفة هآرتس وشبكة البلقان للصحافة الاستقصائية "بيرن" أن النصف الأول من عام 2025 شهد تصدير أسلحة إلى إسرائيل بقيمة 55.5 مليون يورو، محطمة الرقم القياسي السابق البالغ 48 مليون يورو في العام الماضي.
ويصف إينوك هذا الأمر بأنه مثال على سياسة "اللعب على الحبلين" التي تتبعها بلغراد؛ إذ تدين الحرب والإبادة لفظيا، لكنها تواصل عمليا دعم المعتدي، مضيفا أن إسرائيل قد لا تكون الحليف الأهم لصربيا، لكنها شريك مربح يوفّر لها مكاسب سياسية واقتصادية، خصوصا مع دعم تل أبيب لموقفها في إنكار الإبادة الجماعية في البوسنة.
وخلال الفترة نفسها، سجلت بيانات الطيران العلنية ما لا يقل عن 16 رحلة شحن إسرائيلية إلى بلغراد، حملت الأسلحة المطلوبة من قبل جيش الاحتلال ، في ظل رفض الحكومة الصربية الكشف عن طبيعة هذه الشحنات.
شبكة شركات مصدّرة
لم تكن الأرقام القياسية في صادرات السلاح من صربيا إلى إسرائيل مجرد نشاط حكومي منظم، بل تقف خلفها شبكة معقدة من الشركات، تجمع بين كيانات رسمية وأخرى خاصة، ترتبط جميعها بعقود وصفقات تمتد من مصانع الذخيرة في بلغراد إلى ميادين القتال في غزة.
تتصدر شركة إنتاج الأسلحة الصربية "يوغوإمبورت إس دي بي آر" (Yugoimport–SDPR) المشهد، إذ تستحوذ على الحصة الأكبر من الصادرات، وهي مملوكة للحكومة بشكل كامل وتصنف نفسها على موقعها الرسمي بأنها العمود الفقري لصناعة السلاح في صربيا، وواجهة الدولة في سوق الأسلحة العالمي.
ومن إجمالي صادرات عسكرية بلغت 55.5 مليون يورو إلى إسرائيل في النصف الأول من هذا العام، استحوذت شركة يوغوإيمبورت على أكثر من 50 مليون يورو، بينما تولّت 4 شركات خاصة صربية تصدير المبلغ المتبقي، وهي:
روماكس تريد (Romax Trade)
وإيديبرو (Edepro)
وكونفيدكس (Confidex)
وإل إس إي لاند سيستمز إنجنيرينغ (LSE Land Systems Engineering).
كما شاركت شركة خاصة خامسة في عمليات التصدير العام الماضي، وفقا لصحيفة هآرتس العبرية.
وتُعد روماكس تريد، التي تتخذ من مدينة نوفي ساد مقرا لها، من أكثر الشركات إثارة للجدل، إذ أظهرت بيانات رسمية من وزارة التجارة الصربية أنها حصلت في عامي (2021 و2022) على تراخيص لتصدير ذخيرة وأسلحة من مصنع كروشيك (Krušik) المملوك للدولة إلى إسرائيل.
وأثارت الشركة جدلا داخليا بعد اتهام المعارضة لها بشراء "مدافع صوتية" أو أجهزة صوتية بعيدة المدى (LEADs) لمصلحة الشرطة الصربية، وهي أجهزة قال متظاهرون إنها استخدمت لتفريق حشود كبيرة خلال احتجاجات مارس/آذار الماضي.
هذا العام، صدّرت روماكس ذخيرة من إنتاج كروشيك إلى شركة إيسبرا الإسرائيلية (ISPRA By E.I Ltd)، المتخصصة في منتجات السيطرة على الحشود غير الفتاكة. وتضم قائمة عملاء إيسبرا مصلحة السجون الإسرائيلية، والشرطة، وجيش الدفاع الإسرائيلي.
إعلان
وبحسب قاعدة بيانات الصادرات العسكرية الإسرائيلية، تصدّر إيسبرا إلى عشرات الدول في العالم، ويُقال إن قنابل الغاز المسيل للدموع التي تنتجها استُخدمت العام الماضي لتفريق المحتجين في كينيا.
ارتفاع وتيرة التصدير
كشفت شبكة البلقان للصحافة الاستقصائية عن تفاصيل شحنات تجارية مرتبطة بإسرائيل، حيث تم تصدير بضائع كبيرة عبر رحلات شحن جوية إسرائيلية في فترتين رئيسيتين:
في يناير/كانون الثاني، تم إرسال 3 شحنات بقيمة نحو 15 مليون يورو، بالتزامن مع وصول 3 طائرات شحن إلى مطار نيكولا تسلا في بلغراد ومغادرتها إلى قاعدة نباطيم.
في مايو/أيار، صدّرت 3 شركات ما مجموعه 21.3 مليون يورو، وفي الشهر نفسه سُيّرت 6 رحلات جوية للجيش الإسرائيلي عبر بلغراد.
يفسر رئيس تحرير مركز الدراسات العربية الأوراسية، أحمد دهشان، ذلك بأن ذروة الشحنات في هذين الشهرين تزامنت مع أشد فترات العدوان الإسرائيلي على غزة مما عزز حاجة إسرائيل إلى هذه الأسلحة الخفيفة والفردية، إذ كانت في ذلك الوقت تعمل على اجتياح القطاع بشكل موسع.
ويضيف دهشان أن الصفقات المبرمة بين الجانبين تركز على أسلحة خفيفة وذخائر مناسبة لحروب العصابات والقتال الفردي، وهي أنواع مطلوبة في المواجهات داخل قطاع غزة ، خصوصا أن المقاومة الفلسطينية لا تمتلك دفاعات جوية أو مدرعات أو أسلحة ثقيلة.
ويرى أن صربيا تمثل مصدرا مثاليا لإسرائيل بسبب قرب المسافة، وانخفاض الكلفة، وامتلاكها قاعدة صناعية قوية، في وقت امتنعت فيه العديد من الدول الأوروبية عن تصدير السلاح لتل أبيب.
ولم تقتصر العلاقات العسكرية بين صربيا وإسرائيل على الشركات المحلية، بل امتدت إلى صفقات مباشرة مع كبرى شركات السلاح الإسرائيلية.
ففي يناير/كانون الثاني، أبرمت بلغراد صفقة مع شركة " إلبيت سيستمز" بقيمة 335 مليون دولار لشراء أنظمة صواريخ متعددة الفوهات من طراز "بلس" وطائرات استطلاع مسيرة من طراز "هيرمز 900″، وفق ما ذكرته صحيفة هآرتس العبرية.
وتُعد "إلبيت سيستمز"، بحسب وكالة رويترز، أكبر شركة دفاع في إسرائيل، إذ وفّرت منذ بدء الحرب على غزة في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023 ذخائر، وطائرات مسيّرة، وأنظمة صواريخ موجهة، وقدرات استطلاع، وأنظمة أخرى للجيش الإسرائيلي.
وتشير الوكالة إلى أن نحو 32% من إيرادات الشركة تأتي من السوق الإسرائيلية، في حين تأتي النسبة المتبقية من الخارج، مع بلوغ قائمة طلبياتها 23.1 مليار دولار، يُنفَّذ أكثر من نصفها خلال عامي 2025 و2026.
ووفق تقرير المقررة الأممية فرانشيسكا ألبانيزي، تُعتبر "إلبيت سيستمز" من بين الشركات التي تنتج أدوات المراقبة والسيطرة على الحشود والحرب الحضرية، إضافة إلى تقنيات التعرف على الوجوه والاغتيالات الموجهة، وهي أدوات قالت إنها "تُختبر عمليا على الفلسطينيين".
روابط شخصية وصفقات خلف الكواليس
لم تقتصر صفقات السلاح بين صربيا وإسرائيل على العلاقات الرسمية بين الحكومتين، بل لعبت شبكة من الشخصيات المقرّبة من صناع القرار دورا مهما في استمرار تدفق الأسلحة حتى في أوج الحرب على غزة.
ففي أواخر يوليو/تموز، وصل فريق من المحققين الإسرائيليين إلى بلغراد لاستجواب مستشار العلاقات العامة الإسرائيلي سوروليك أينهورن، وقد عمل هذا الرجل سابقا مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ، كما كان مستشارا للرئيس الصربي ألكسندر فوتشيتش، ويمتلك شبكة علاقات واسعة في المنطقة.
ووفقا للتحقيق المشترك، استغل أينهورن هذه العلاقات لتسهيل صفقات سلاح من صربيا إلى إسرائيل بناء على طلب مباشر من مكتب نتنياهو، وكان الهدف ضمان وصول ذخيرة وأسلحة يحتاجها الجيش الإسرائيلي، رغم النقص الذي سببته الحرب.
وقد جرى التحقيق في بلغراد تحت إجراءات مشددة، وفرضت السلطات الصربية أمرا بحظر نشر بعض تفاصيله باعتبارها "سرية للغاية"، وتشير تقارير هآرتس إلى أن هذه السرية تشمل بالتحديد المعلومات المتعلقة بصفقات السلاح التي ساعد أينهورن في إبرامها.
ورغم رفض الحكومة الصربية الكشف عن محتوى الشحنات، تشير تقارير سابقة إلى أنها شملت قذائف مدفعية من عيار 155 ملم، وهي ذخائر ثقيلة قد تسبب دمارا واسعا إذا استُخدمت في مناطق مأهولة. والتُقطت صور في مطار بلغراد أظهرت شاحنات محمّلة بهذه القذائف قبيل وصول طائرات الشحن الإسرائيلية.
ويرجح إينوك -في حديثه للجزيرة نت- أن هذه الشحنات أسهمت في تجديد ترسانة إسرائيل خلال وقف إطلاق النار بين يناير/كانون الثاني ومارس/آذار 2025، بعدما استهلك الجيش الإسرائيلي كميات كبيرة من هذه القذائف، كما أن الشحنات التي تلتها ارتبطت -على الأرجح- ببدء عملية "عربات جدعون" ضد غزة في مايو/أيار من العام نفسه.
ويرى ميركو داوتوفيتش، أستاذ العلاقات الدولية في جامعة ويبستر بطشقند، أن العلاقات بين نتنياهو وفوتشيتش تقوم على "تفاهمات بين زعماء شعبويين يسعون للبقاء في الحكم عبر السيطرة على المؤسسات"، مؤكدا أن صربيا استفادت من صفقات مراقبة وتسليح مع شركات إسرائيلية، بينها برمجيات تجسس قالت منظمة العفو الدولية إنها استُخدمت ضد صحفيين وناشطين.
ومع ذلك، يشير دهشان إلى أنه لم تسجل أي دولة عربية اعتراضا رسميا على هذه العلاقات، رغم أن استمرارها قد يسهم في زيادة الدمار في غزة، في ظل غياب أي محاسبة دولية لإسرائيل على انتهاكاتها للقوانين الدولية.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


الجزيرة
منذ ساعة واحدة
- الجزيرة
هل يشهد موقف ألمانيا من إسرائيل تحولا تدريجيا بسبب غزة؟
أكد السفير الإسرائيلي السابق إيلان مور -في مقال له بصحيفة هآرتس- أن على الإسرائيليين فهم أن ألمانيا لا تفكر في التراجع عن التزامها تجاه إسرائيل، بل تسعى للوفاء به، لكن بمسؤولية وتروّ، على حد تعبيره. وتابع مور -وهو سفير سابق لإسرائيل في كل من كرواتيا والمجر، ونائب للسفير في ألمانيا- أن الالتزام التاريخي لألمانيا مع إسرائيل يفرض عليها أن تعبر عن موقفها الأخلاقي بوضوح حتى مع شريك مقرب مثل تل أبيب. وأضاف أن العلاقات بين الطرفين ليست على وشك الانكسار، لكنها تدخل مرحلة جديدة من الحذر المتبادل، فـ"الشراكة العميقة -خاصة المتجذرة في ذكريات أليمة- لا تقاس فقط بلحظات التضامن، بل أيضا بقدرتها على استيعاب الخلافات". وزاد أن الاعتراف المحتمل بدولة فلسطينية يعد اختبارا لعلاقة البلدين، معبرا عن أمله في أن تكون أسسها قوية بما يكفي لتحمل الخلافات الحالية. وخلافا لفرنسا وبريطانيا وكندا، لا تعتزم ألمانيا الاعتراف بدولة فلسطين في سبتمبر/أيلول المقبل، معتبرة أن الخطوة يمكن أن تُتخذ بعد مفاوضات إسرائيلية فلسطينية. قرار تاريخي وأكد أن على إسرائيل وشعبها أن يصغوا إلى ألمانيا وحججها المبدئية، وأن يدركوا أن أي خلاف ليس بالضرورة خيانة، غير أنه أشار إلى أن على ألمانيا -في المقابل- التصرف "بحساسية وحكمة بما يليق بعلاقة نشأت من ألسنة حريق التاريخ، فألمانيا تتحدث لا لأنها نسيت، بل لأنها تتذكر تماما"، على حد تعبيره. وكان المستشار الألماني فريدريش ميرتس قد أعلن بداية الشهر الجاري أن ألمانيا ستوقف صادراتها إلى إسرائيل من المعدات العسكرية التي يمكن استخدامها في قطاع غزة ، وذلك ردا على خطة الحكومة الإسرائيلية للسيطرة على مدينة غزة. وفي دفاعه عن القرار، قال ميرتس في تصريح لقناة تلفزيونية ألمانية رسمية حينها: "تقف جمهورية ألمانيا الاتحادية إلى جانب إسرائيل منذ 80 عاما. ولن يتغير شيء من ذلك، وسنواصل مساعدتها في الدفاع عن نفسها". وشدد على أن تضامن ألمانيا مع إسرائيل لا يعني "أنه يتعين علينا اعتبار أن كل قرار تتوصّل إليه الحكومة هو قرار جيد وندعمه إلى حد تقديم المساعدة العسكرية بما في ذلك الأسلحة". ووُجّهت انتقادات علنية في صفوف "الاتحاد الديمقراطي المسيحي" -الذي يتزعّمه ميرتس- لحظر الأسلحة الجزئي الذي فرضه المستشار، بما في ذلك في المنظمة الشبابية للحزب التي اعتبرت أن الخطوة تتعارض مع المبادئ الأساسية الحزبية والألمانية. العلاقات بين ألمانيا وإسرائيل ليست على وشك الانكسار، لكنها تدخل مرحلة جديدة من الحذر المتبادل، والشراكة العميقة -خاصة المتجذرة في ذكريات أليمة- لا تقاس فقط بلحظات التضامن، بل أيضا بقدرتها على استيعاب الخلافات بواسطة السفير الإسرائيلي السابق إيلان مور كفى شعورا بالذنب ويرى المتتبعون أن نبرة ميرتس حيال إسرائيل تشهد تشددا منذ أشهر مع تدهور الأوضاع الإنسانية في غزة. ويشرح السفير السابق إيلان مور أن من الواجب على تل أبيب متابعة رسائل برلين بقلق، لكنه أكد أن على برلين -من جهتها- أن تتجنب خطوات أحادية قد تزعزع استقرار المنطقة أو "تبعث برسائل خطأ إلى أعداء إسرائيل". وذكر أنه مع استمرار الحرب على غزة، و"سقوط عشرات الآلاف من الضحايا، والدمار الواسع، والتقارير عن انهيار إنساني، تصاعد الضغط في ألمانيا ضد إسرائيل"، واتهم من سماهم بـ"اليسار الراديكالي، وممثلين عن المهاجرين المسلمين، وشباب تقدميين" بالدفع باتجاه سياسة جديدة مضمونها "كفى شعورا بالذنب، نعم للمسؤولية العالمية". زلزال سياسي وعسكري غير أنه أوضح أن الجيل الأكبر وتيار الوسط في السياسة الألمانية يعتقدون أن المحرقة تفرض التزاما ألمانيا خاصا تجاه إسرائيل وأمنها. يُذكر أن الكاتبة الإسرائيلية أنطونيا يمين كانت قد أكدت -في مقال نشرته صحيفة "نيوز 12" الإسرائيلية قبل أيام- أن ألمانيا بقرارها حظر إرسال أسلحة لإسرائيل تبعث برسالة واضحة وصادمة مفادها أنه بعد 80 عاما على انتهاء المحرقة، لم تعد ذكرى الهولوكوست تمنح الحصانة التلقائية لإسرائيل. وأوضحت الكاتبة أن القرار بتعليق جزئي لصادرات السلاح والعتاد العسكري إلى إسرائيل يشكل تحولا حاسما، يرسل رسالة مفادها أن ألمانيا لم تعد تمنح الدعم التلقائي لإسرائيل. وأشارت إلى أن هذا القرار يشكل زلزالا سياسيا وعسكريا، نظرا لأن ألمانيا تُعد المورد الثاني لأجهزة الجيش الإسرائيلي بعد الولايات المتحدة، وتلعب دورا محوريا في الدعم الأمني والسياسي لإسرائيل داخل أوروبا.


الجزيرة
منذ ساعة واحدة
- الجزيرة
رئيس المخابرات الإسرائيلي السابق: الفلسطينيون بحاجة لنكبة جديدة
في تسجيلات مسربة حديثا، قال الرئيس السابق لمخابرات الجيش الإسرائيلي أهارون هاليفا إن تمكُّن حماس من تنفيذ عملية طوفان الأقصى لا يعود لفشل مخابراتي ولا إلى ضعف في الاستجابة، وإنما لشيء أعمق من ذلك يعود لسنوات عديدة ويتطلب تصحيحا أعمق. تفكيك النظام بأكمله وخلال التسجيلات المسربة، سرد هاليفا الأحداث التي سبقت صبيحة السابع من أكتوبر/تشرين الأول، وأوضح سبب قراره الاستقالة من منصبه. وتناول الحديث -الذي يعود لأشهر سابقة- أيضا القرارات السياسية والعسكرية التي قال إنها قادت لعملية طوفان الأقصى. ونفى هاليفا أن يكون "الفشل الاستخباراتي" أو خطأ أشخاص بعينهم وراء تنفيذ العملية، وقال "إنه شيء أعمق من ذلك بكثير يعود لسنوات ويتطلب تصحيحا أكثر عمقا". وشدد على أن الأمر لا يتعلق بخطأ يمكن تصحيحه، مبينا أن "النظام بأكمله يتطلب تفكيكا وإعادة بناء". وقال إنه سُئل خلال فعاليات إحياء الذكرى الـ50 لحرب السادس من أكتوبر/تشرين الأول 1973، عما إذا كان يعتقد أن ذلك قد يحدث مرة أخرى، وأجاب: "نعم، قد يحدث مرة أخرى". وأضاف "أكرر: هذا اليوم قد يحدث مرة أخرى". مكالمة في وقت متأخر في جزء من التسجيلات، سرد رئيس الاستخبارات العسكرية السابق أحداثا وقعت خلال الساعات التي سبقت تنفيذ حركة المقاومة الإسلامية (حماس) عملية طوفان الأقصى. وقال "تم تفعيل بطاقات تحديد هوية المشترك (إس آي إم SIM) في وقت مبكر من الساعة التاسعة مساء يوم الجمعة"، في إشارة إلى شرائح الهواتف الخلوية الإسرائيلية التي فعّلتها عناصر من حماس قبل الهجوم. وأضاف "لكن أول وآخر مكالمة هاتفية تلقيتها ليلا كانت الساعة 03:20 صباحا من مساعِدتي"، أي قبل اقتحام حماس الحدود بنحو 3 ساعات، ولم تكن تلك المكالمة متعلقة بالبطاقات. وقال إن مساعدته أخبرته بأن هناك حادثا، وأنه يتم التعامل معه من طرف القادة العسكريين المعنيين، وأبلغته بأنها ستوقظه مرة أخرى إذا حدث شيء استثنائي. وأعاد التأكيد أنه لم يتصل به أي شخص بعد تفعيل حماس البطاقات، وكشف عن أنه تم الاتصال بقائد الجيش في الجنوب الذي اتصل بدوره برئيس الشاباك. إعلان وتحدث عن وثيقة للشاباك في الساعة الثالثة فجرا تقول: "حسب تقديرنا، سيبقى الهدوء قائما، لا شيء يحدث، كل شيء تحت السيطرة". وألقى هاليفا باللوم على النسق -أو المسار- العملياتي والاستخباري القائم منذ سنوات. وقال إنه خلال الساعات التي سبقت الهجوم لم يحدث أي شيء آخر، وإن أي شخص يقول غير ذلك كاذب. وأضاف هاليفا أنه بعدما أجرى تحقيقا في الهجوم خلص إلى أن الإخفاق في صده لا يتعلق بإهمال أو خطأ فردي، بل بسبب حالة فشل أوسع نطاقا. ولكنه ألقى باللوم على جهاز الشاباك لعدم اكتشاف الهجوم وإحباطه قبل وقوعه، وقال مخاطبا الجهاز: "أين كنتم وأين المليارات التي تصرف عليكم؟". وبخصوص استقالته، قال هاليفا إنه قرر تحمل المسؤولية، "ففي مثل هذا الحادث المأسوي وأمام هذه الكارثة، يجب على الجميع تحمل المسؤولية والعودة لمنازلهم". ووصف الذين قرروا البقاء في مناصبهم بأنهم خائفون. وأضاف "أعتقد أن هؤلاء الناس لا يستطيعون النظر في المرآة، ولا يستطيعون النظر إلى أطفالهم، إنه أمر صعب". وعندما سُئل عما يُقلقه بشأن مستقبل إسرائيل ، قال هاليفا: "أمور كثيرة تُقلقني… لستُ قلقا بشأن ما سيحدث بعد عام أو عامين، بل أتساءل: أي نوع من البلدان سنكون بعد 50 عاما؟! هناك أماكن لا أشعر فيها بالتفاؤل". وبالتطرق إلى الحرب المستعرة في غزة منذ أكتوبر/تشرين الأول 2023، وتحديدا ارتفاع عدد القتلى الفلسطينيين، قال هاليفا إن "50 ألف قتيل في غزة أمر ضروري ومطلوب للأجيال القادمة". وقال إنه ينبغي قتل 50 فلسطينيا مقابل كل إسرائيلي قتلته حماس في عملية طوفان الأقصى. واعتبر أن الفلسطينيين "بحاجة إلى نكبة بين الحين والآخر ليشعروا بالثمن". وذهب هاليفا إلى أن إسرائيل تستثمر في الصراع الفلسطيني الداخلي، وأن نتنياهو وراء الخلاف بين الضفة وغزة، لأنه لا يريد العمل مع السلطة الفلسطينية ، لأن لديها اعترافا من المجتمع الدولي. أما حماس فيمكن الاستمرار في قتالها بشدة، لأنه ليست لها شرعية دولية، حسب تعبيره. بيد نتنياهو وأكد أن القيادة العسكرية والسياسية بحاجة إلى "توفير الحماية لمواطنيها"، وفشلها في هذه المهمة يحتم على من تولوا المناصب "العودة إلى منازلهم، وتطهير الساحة". وعن رفض نتنياهو تحمل المسؤولية والاستقالة، قال إنه قرر تعزيز مركز حماس "لأسبابه الخاصة". ووفق هاليفا، فإن نتنياهو ترك قوة حماس تتعاظم، وترك حزب الله يعزز قدراته، "وكان يعلم أن مشكلة الأسرى تتفاقم ورأى الحرم القدسي يحترق ورأى موجات الإرهاب تتصاعد، وكان كل شيء معروفا". وبعد تسريب التسجيلات، أصدر المسؤول العسكري السابق بيانا قال فيه: "كارثة السابع من أكتوبر/تشرين الأول وفعت في أثناء وجودي في السلطة، وأتحمل المسؤولية الكاملة عما حدث". وأبدى أسفه على تسريب حديثه الذي "كان في منتدى مغلق"، وقال إن ما تم تسريبه جزء فقط، ولا يعكس الصورة الكاملة، "خاصة عندما يتعلق الأمر بقضايا معقدة ومفصلة، ومعظمها سري للغاية". ودعا هاليفا لتشكيل لجنة تحقيق حكومية في أحداث السابع من أكتوبر/تشرين الأول، "لاستخلاص الاستنتاجات اللازمة لمنع تكرار مثل هذه الكارثة". إعلان وكان أهارون هاليفا استقال من منصبه العام الماضي على خلفية أحداث السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، بينما تم تسريب حديثه ليل الجمعة حيث بُث على القناة الـ12 الإسرائيلية. وشنت كتائب عز الدين القسام عملية طوفان الأقصى ردا على جرائم الاحتلال بحق المدنيين والأسرى والمقدسات الفلسطينية. ووفق أرقام إسرائيلية متداولة، فإن عملية طوفان الأقصى أسفرت عن مقتل أكثر من ألف إسرائيلي. يذكر أن الحكومة الإسرائيلية رفضت إنشاء لجنة تحقيق رسمية في أحداث السابع من أكتوبر/تشرين الأول، وتذرعت في البداية بأن تشكيل هذه اللجنة سيصرف انتباه الجيش ويثير الانقسام. ولاحقا، تذرعت بأن اللجنة ستكون منحازة ضد الحكومة، إذ سيتم تعيين أعضائها من قبل رئيس المحكمة العليا.


الجزيرة
منذ 2 ساعات
- الجزيرة
أميركا تدفع ثمنا باهظا لتنمرها على حلفائها
يُجمع عدد كبير من المحللين في الولايات المتحدة وخارجها على أن الرئيس الأميركي دونالد ترامب زاد من حالة اللايقين في علاقة الولايات المتحدة مع حلفائها في أوروبا، وشرق آسيا بصورة أساسية. وقد نشأ هذا اللايقين من أجندة ترامب الجمركية العدائية، ووجهة نظره بأن حلفاء أميركا يستغلونها، فهو يطلق التهديدات هنا وهناك ثم يتراجع عنها، مما يجعل حلفاء أميركا أكثر حذرا. انخرطت إدارة ترامب في حروب تجارية أدت إلى توتر لدى الحلفاء، كما قوض ترامب التزامات أميركا تجاه حلف الأطلسي، مما أدى إلى شروخ مع الحلفاء عبر الأطلسي. وانسحبت الولايات المتحدة من الاتفاقيات العالمية المتعلقة بالمناخ والصحة وحقوق الإنسان، وهي اتفاقيات تجعل العالم أكثر أمنا. في الوقت الذي تنشغل فيه الولايات المتحدة بردع الصين، القوة الصاعدة، تتزايد تكاليف حماية الحلفاء في المحيطين؛ الهادئ والهندي، وسط ظروف غير مستقرة، وهذا يدفع الولايات المتحدة إلى تحميل الحلفاء أعباء أكبر قد تتعارض مع مصالحهم الإستراتيجية وقدراتهم المالية. إن سياسات ترامب في استفزاز جوار الصين ليست جديدة، لكن إدارة بايدن أجبرت حلفاء أميركا على محاذاة سياسات الولايات المتحدة في الدفاع والأمن الاقتصادي تجاه الصين. ومع ذلك، فإن الرسوم الجمركية- إلى جانب فرض شروط جديدة على الالتزام الأميركي تجاه الحلفاء- بثت حالة من انعدام الثقة وعدم اليقين في تحالفات راسخة منذ عقود. إن ربط قضايا الاقتصاد السياسي بالأمن والدفاع يخلق متطلبات جديدة للحفاظ على التحالفات قويةً. الأصوات التي كانت خافتة في اليابان، وكوريا الجنوبية بشأن طبيعة التحالف مع أميركا أصبحت أعلى، بل وصل بعضها إلى المطالبة بفك الارتباط مع الولايات المتحدة. وصار كلا البلدين يسابق الزمن لتصنيع السلاح؛ فكوريا الجنوبية تنتج الآن واحدة من أفضل الدبابات في العالم، واليابان بدأت في توظيف قدراتها التكنولوجية في صناعة السلاح، كما حصلت كوريا على عقود لتصدير السلاح. ورغم ذلك فإن فكرة دخول دول جوار الصين في حرب مع الولايات المتحدة ضد بكين باتت مستحيلة في عهد ترامب؛ لأن نتائج الحرب ستكون سلبية على الجميع، بينما تتبع الصين سياسة قوة واضحة مع تعزيز تحالفاتها الاقتصادية، في وقت يتراجع فيه الوجود العسكري الأميركي، وتهدد الرسوم الجمركية الأميركية اقتصادات هذه الدول. وإذا كانت هذه الدول ستقبل لفترة بالشروط الأميركية لبقاء القوات الأميركية على أراضيها، فإن الدعوات لفصل اليابان عن الاعتماد على الحماية الأميركية أصبحت علنية، لكن تظل قدرات هذه الدول على رفع الإنفاق الدفاعي مشكلة كبيرة. ما لا يدركه ترامب هو أن إلحاق الضرر بصناعة السيارات الألمانية سيقلل من رغبة ألمانيا في بقاء القوات الأميركية على أراضيها، فالسيطرة على ألمانيا تعني ضمنا السيطرة على أوروبا وحلف الأطلسي. فالاقتصاد الأقوى في أوروبا هو الذي يرفع ميزانية الدفاع. وقد جاءت الحرب الأوكرانية لتسقط عن ألمانيا كل القيود التي فُرضت عليها بعد الحرب العالمية الثانية، ورغم أن المواطن الألماني سيتأثر سلبا برفع موازنة الدفاع، فإن المتطرفين الألمان سيدفعون نحو ذلك ويدعمونه. وفي هذا السياق، بدا أن فرنسا، وألمانيا تتبعان نهجا لبناء قدرات دفاعية مستقلة عن أميركا، ولهذا رأينا القلق الأوروبي في الاستقبال الاستثنائي من قبل الملك تشارلز لماكرون في لندن. فبريطانيا، الحليف الأوروبي الأقرب لأميركا، أصبحت أكثر قلقا من التقلبات الأميركية، وكل ذلك يدفع الولايات المتحدة نحو العزلة دوليا. إن من المؤسف بالنسبة للكثير من الأميركيين الشرخ الذي أحدثه ترامب في العلاقة مع الجار الودود كندا. فلم تمثل كندا تهديدا للولايات المتحدة إلا في رياضة الهوكي، ولطالما اعتبر الكنديون الأميركيين أقرباء لهم. فالحدود الفاصلة بين البلدين هي أطول حدود غير محمية في العالم، واقتصاداهما متشابكان بشكل وثيق. ومع ذلك، فإن ما فعله ترامب بحديثه عن كندا كأنها الولاية الحادية والخمسون، وفرضه رسوما جمركية عقابية، وتهديده بعدم الدفاع عنها بموجب نظام الدفاع الصاروخي المقترح "القبة الذهبية" ما لم تدفع تكلفته (مع الاستمرار في رفع الفاتورة)، قد أثار كل ذلك استياء شعب عُرف باعتداله. ويسود في كندا حتى الآن شعور بالصدمة وعدم التصديق، حتى مع تراجع ترامب عن بعض تصريحاته، فما بدا أنه أسس راسخة للسياسة الخارجية الكندية يذوب كالأنهار الجليدية، ويبدو أن ما تهدّم لن يُصلح بسهولة، بل يحتاج إلى جيل قادم على الأقل. ترى مارغريت ماكملان، أستاذة التاريخ الدولي في جامعة أكسفورد، أن التحالفات وبناءها عمل صعب، تتطلب إدارتها الصبر والتحمل والمهارة، تماما كالحديقة التي تحتاج إلى عناية دائمة. فالتوصل إلى فهم أعمق للدول الأخرى وقادتها وتعلم كيفية التفاوض معهم، أمر شاق. إن توبيخ الحلفاء علنا على عيوبهم المزعومة، كما فعل نائب الرئيس الأميركي جيه دي فانس مع الأوروبيين في مؤتمر ميونخ للأمن في فبراير/شباط 2025، أو إصدار الأوامر والإهانات على وسائل التواصل الاجتماعي كما يفعل ترامب يوميا تقريبا، أو إرسال رسائل علنية إلى رؤساء الدول الآخرين قبل تسليمها لمتلقيها، لا يؤدي هذا إلا إلى تراكم الاستياء وجعل العلاقات المستقبلية أكثر صعوبة. ولنتذكر أنه لو لم يتمكن كيسنجر من إقامة علاقة احترام متبادل مع نظيره الصيني تشو إن لاي، لكان افتتاح العلاقات بين الولايات المتحدة والصين خلال إدارة نيكسون قد تأخر لسنوات. وهكذا، ففيما يواصل الرئيس الأميركي الضغط والتنمر على حلفاء الولايات المتحدة التاريخيين، يبدأ هؤلاء رويدا رويدا في رسم مسار جديد لأنفسهم، وقد لا يجدهم ترامب عندما يحتاجهم.