
ترامب يهذي على الهواء.. لو كان بايدن لواجه العزل
ظهر دونالد ترامب في لحظة ضعف ذهني علني، من زلات اللسان إلى تصريحات غير منطقية، بطريقة كان من شأنها أن تطيح بأي رئيس آخر. لكن القبول المتساهل داخل الحزب الجمهوري يكشف انهيار المعايير، وتحول الكفاءة العقلية إلى تفصيل غير مهم حين يتقدم الولاء على المسؤولية.
***
فيما مضى، كانت أي زلة بسيطة تصدر عن رئيس للولايات المتحدة -سواء تعثر في جملة، أو نسي اسماً، أو تعرض لتوقف مفاجئ في منتصف خطابه- تُقابل برد فعل مبالغ فيه وتعامل كأنها حالة طوارئ وطنية.
كانت عناوين الصحف لتسارع إلى التحذير من "تدهور إدراكي"! بينما تتسابق الحملات الدعائية للحزب الجمهوري، كما فعلت عندما استهدفت الرئيس جو بايدن إلى التساؤل: "من هو الذي يدير البلاد فعلياً"؟ في تلميح إلى أن نائبة الرئيس آنذاك، كامالا هاريس، هي التي تدير الدفة وتتحكم في الأمور من وراء الكواليس.
وعلى "تويتر" (وليس "إكس"، ولن يسمى "إكس" أبداً)، سارع كثر إلى تشخيص حالة "جو المسكين" بالخرف، وارتفعت أصوات طالبت بتفعيل "التعديل الـ25" من الدستور الأميركي (الذي يجيز نقل السلطة في حال ثبت عجز الرئيس عن أداء مهامه). ولم يتردد خصوم بايدن -وحتى بعض الذين يفترض أنهم حلفاؤه- في تقديمه بصورة بائسة، على أنه رجل مشتت الذهن بالكاد يدرك ما يدور حوله، وغائب عن الواقع، وأنه يسير بخطى ثقيلة نحو ولاية ثانية، مدفوعاً بغروره فحسب.
لكن دونالد ترامب عاد الآن. والسؤال المطروح: هل تبدلت المعايير فعلاً أم أنها لم تتغير، وإنما باتت تطبق بانتقائية؟
في الخطاب الذي ألقاه ترامب بعد ظهر الثلاثاء خلال "قمة بنسلفانيا للطاقة والابتكار" التي عقدت في بيتسبيرغ، قدم الرئيس الأميركي السابع والأربعون عرضاً كاملاً لحالته الذهنية.
استهل كلمته بالزعم، بكل ثقة ومن دون تردد، بأنه أمّن بالفعل مبلغ 16 تريليون دولار من الاستثمارات لدعم الاقتصاد الأميركي. وللتذكير فحسب، فإن هذا الرقم يتجاوز نصف الناتج المحلي الإجمالي للولايات المتحدة، الذي لا يتعدى 30 تريليون دولار.
لكننا نعرف ترامب جيداً، وقد اعتدنا منه هذا النوع من المبالغات. وهو دائماً ما يروج لأحدث أفكاره أو مشاريعه -أو حتى تسريحة شعره- باعتبارها الأعظم في التاريخ، ولا ينسى أن يشير إلى "بعض الناس" الذين يقولون إنها الأروع على الإطلاق مما شهده العالم حتى الآن.
لكن الحديث هذه المرة لم يكن على سبيل الدراما أو المبالغة المتعمدة. كان رئيس الولايات المتحدة يزعم، بكل جدية، بأنه تمكن، بمفرده، من تمويل نصف الاقتصاد الرأسمالي العالمي خلال ستة أشهر فقط.
وبعد لحظات، حاول ترامب تقديم النائب الجمهوري دان موزر، فسأل وهو يتفحص الحضور: "أين دان"؟ عندها اضطر ديف مكورميك، الجالس إلى جواره، إلى إخباره بهدوء بأن جميع النواب ظلوا في واشنطن.
فأجابه ترامب: "أوه، إنهم في واشنطن يعملون على مشروع القانون التالي؟ رائع! هذا يعني أنني لست مضطراً إلى ذكر أسمائهم -مع أنني متأكد من أنهم يتابعون عبر شاشة التلفزيون، لا شك في ذلك".
وأطلق ترامب ضحكة متوترة -على نحو غير معهود منه- قبل أن يتمتم بكلمات مبهمة، مكرراً أن من "الجيد" أن هناك من "يقوم بعمل ما" في واشنطن، قبل أن يتوقف عن الكلام فجأة. كان المشهد غريباً ومحرجاً للمشاهدة.
بعد ذلك، واجه الرئيس البالغ من العمر 79 سنة صعوبة في نطق اسم أحد مساعديه في البيت الأبيض، قبل أن يتدارك الموقف، ويضيف "يخبرونني أنك تقوم بعمل رائع".
وفي إضافة إلى طبق التخبط الكلامي، أطلق تعليقاً مبهماً عن تيد كاتشينسكي، المعروف باسم "مفجر الجامعات" (وهو عبقري رياضيات سابق تحول إلى إرهابي محلي نفذ سلسلة تفجيرات في الولايات المتحدة في الفترة ما بين العامين 1978 و1995)- واصفاً إياه بـ"الطالب النابغة"، قبل أن يضيف "لكن الأمور لم تسر على ما يرام بالنسبة له في استنتاج يفتقر إلى المنطق، لكنه قُدم وكأنه ثمرة تفكير عميق لا يقدر عليه سوى قلة من الناس".
لو كان بايدن هو من قال أياً من هذا، لكانت "فوكس نيوز" قد أطلقت عداً تنازلياً مباشراً لبدء إجراءات العزل.
لكن من غير المرجح أن تهيمن هذه الزلات على دورة الأخبار -على الرغم من أن الرئيس دونالد ترامب، الذي يفترض أنه أكثر من يتمتع بالحيوية في عمر الـ79، بدأ بوضوح يواجه صعوبة في البقاء مستيقظاً خلف الميكروفون.
هنا تبرز ضرورة التوقف عند مسألة "حكم المسنين" في السياسة الأميركية، بعد أن بدا في الانتخابات الأخيرة وكأننا نشاهد جدَّين أصلعين يتنازعان على مشط. هذه الصورة الساخرة سلطت الضوء على مشكلة أعمق: إصرار شخصيات بارزة من كلا الحزبين (أبرزهم: السيناتورة الديمقراطية الراحلة دايان فاينستين، وزعيم الجمهوريين في مجلس الشيوخ ميتش ماكونيل الذي ظهرت عليه مراراً علامات الإرهاق والضعف)، على التمسك بالسلطة بدلاً من تسليمها لمن يمتلكون القدرات الذهنية والبدنية التي تؤهلهم لتحمل أعباء القيادة.
قد يقال أيضاً إن "الجمهوريين" لديهم قدرة لافتة على التماسك ورص الصفوف، حتى عندما يواجهون تقصيراً واضحاً في أداء الواجب، في حين لا يتردد "الديمقراطيون" في الانقضاض على بعضهم بعضاً عند أول اختبار. وربما يقال أيضاً إن من يعتاد إطلاق الكلام بلا حساب، قد ينساق، حرفياً، إلى ترديد أكاذيب سخيفة، إلى أن تتكشف الحقيقة: الإمبراطور عار تماماً (كل ما حوله كان مجرد وهم أو خداع).
يجد الرئيس الأميركي نفسه اليوم في لحظة ضعف. وكتب على منصة "تروث سوشيال" أنه يشعر بخيبة أمل من "أبنائه" و"بناته" لأنهم لم يصدقوا ما قيل عن أن "قائمة إبستين" لم تكن موجودة أساساً (في إشارة إلى جيفري إبستين، رجل الأعمال الأميركي الذي انتحر في سجنه بعد إدانته بارتكاب جرائم جنسية). وفي غضون ذلك، يلوِّح قطب الأعمال، إيلون ماسك، بفكرة تأسيس حزب سياسي جديد، بينما ترتفع بين الحين والآخر أصوات معارضة من داخل المعسكر المحافظ نفسه، على غرار الناشطة اليمينية لورا لومر والمذيع المحافظ تاكر كارلسون. وحتى نائب الرئيس، جي دي فانس، يلتزم الصمت ويتفادى الدفاع عن زميله في الترشح كلما تصاعدت فضيحة أو جدل جديد.
من هنا، كان يفترض أن تكون هذه الفرصة سانحة أمام دونالد ترامب ليظهر تماسكه ويستعرض ما تبقى من أوراقه السياسية. غير أنه كشف، في بضع ملاحظات مقتضبة، عن ضعف إدراكه وعدم فهمه واقع الاقتصاد الأميركي، وعجزه عن تذكر مكان وجود نواب حزبه -إلى حد أنه دعا نائباً إلى الانضمام إليه على المنصة بينما كان في الواقع في ولاية أخرى. كما بدا أنه يجهل اسم أحد مساعديه، ولم يتمكن من مقاومة النعاس خلال ظهور علني في الساعات الأولى من بعد الظهر.
من الصعب الترويج لصورة "المتمرد" أو "صاحب التأثير القوي" حين يغفو صاحبها على الطاولة ويتمتم بأسماء لا يكاد يستطيع أن يلفظها بوضوح.
لكن، وكما اعتدنا، سيتم دمج كل هذا ببساطة ضمن أساطير حركة "لنجعل أميركا عظيمة مرة أخرى" على أنه مجرد سمة طريفة إضافية في شخصية ترامب المتقلبة والمحببة لدى مؤيديه.
وسوف يتكتل "الجمهوريون" حوله كما فعلوا دائماً، على الرغم من أنهم لم يتوانوا عن مهاجمة بايدن على أخطاء أقل بكثير. ولن يفعلوا ذلك لأنهم مقتنعون فعلاً بحدة ذكائه أو كفاءته... بل لأنهم، في هذه المرحلة، لم يعودوا يرون أن ذلك مهم أصلاً.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


مصراوي
منذ 17 دقائق
- مصراوي
بسبب ترامب.. الدولار يتجه لتكبد خسائر أسبوعية
واجه الدولار الأميركي ضغوطًا يوم الجمعة، ويتجه لتسجيل خسارة أسبوعية، بعد أن أثار ترشيح الرئيس الأميركي دونالد ترامب المؤقت لأحد أعضاء مجلس الاحتياطي الفيدرالي توقعات بتعيين شخصية تميل إلى السياسات التيسيرية خلفًا لجيروم باول مع اقتراب نهاية ولايته، وفقًا لما تم نشره على "CNN الاقتصادية". وفي الوقت نفسه، استقر الجنيه الإسترليني بالقرب من أعلى مستوياته في أسبوعين، مدعومًا بالمكاسب الحادة التي حققها يوم الخميس بعد أن خفض بنك إنجلترا أسعار الفائدة، لكن ذلك تم عبر تصويت انقسم بنتيجة 5-4، ما يشير إلى تردد في الاتجاه نحو التيسير النقدي. تعيينات وتوقعات سياسة نقدية قرار ترامب بترشيح رئيس مجلس المستشارين الاقتصاديين، ستيفن ميران، لملء مقعد شاغر في مجلس الاحتياطي الفيدرالي، أسهم في زيادة الضغوط على الدولار، خاصة في ظل استمرار البحث عن مرشح دائم للمجلس. ويخلف ميران الحاكمة السابقة أدريانا كوغلر التي استقالت بشكل مفاجئ الأسبوع الماضي. قال جوزيف كابورسو، رئيس قسم الاقتصاد الدولي في بنك الكومنولث الأسترالي: "نتوقع أن يدعو ميران إلى خفض أسعار الفائدة، لكنه لن يدفع اللجنة الفيدرالية لاتخاذ قرار فعلي ما لم تدعمه البيانات". وأضاف أن أداء ميران قد يجعله مرشحًا محتملًا لاستبدال باول بعد انتهاء ولايته في مايو أيار. كان ترامب قد انتقد باول مرارًا بسبب عدم خفض أسعار الفائدة، وعلى الرغم من تراجعه عن تهديدات بإقالته، فإنه سرّع عملية البحث عن بديل. أداء الدولار وأسواق العملات انخفض مؤشر الدولار، الذي يقيس أداء العملة الأميركية مقابل سلة من العملات الرئيسية، بنسبة تقترب من 0.7% منذ بداية الأسبوع، مع تزايد التوقعات بخفض أسعار الفائدة بسبب تباطؤ الزخم الاقتصادي الأميركي، خاصة في سوق العمل. سجل المؤشر 98.04 في التداولات المبكرة يوم الجمعة، واستقر الين الياباني عند 147.07 لكل دولار. يتوقع آدم غروتزينغر، مدير محفظة السندات في "نيوبيرغر بيرمان"، أن يقوم الاحتياطي الفيدرالي بتنفيذ أربعة تخفيضات متتالية بمقدار 100 نقطة أساس، تبدأ في وقت لاحق من العام الجاري وتنتهي في أوائل العام المقبل. أنهت الأسهم الأميركية تداولات الخميس على أداء متباين، حيث هبط مؤشر داو جونز بنحو 0.5%، فيما أغلق إس آند بي 500 دون تغيير يُذكر، في حين ارتفع ناسداك بنحو 0.3%. قال غروتزينغر: "لا تستبعدوا ظهور بيانات اقتصادية أضعف في الربع الثالث، لكننا نتوقع نمواً معقولاً لبقية العام، وإن كان أبطأ من السنوات السابقة". رهانات السوق يقوم المتداولون بتسعير احتمالية 93% لخفض سعر الفائدة في سبتمبر، مع توقع خفضين على الأقل قبل نهاية العام. قال رئيس بنك الاحتياطي الفيدرالي في أتلانتا، رافائيل بوستيك، يوم الخميس إن المخاطر على سوق العمل ارتفعت، لكنه أكد أن البيانات المستقبلية ستحدد القرار النهائي في الاجتماع المقرر 16-17 سبتمبر.


اليوم السابع
منذ 17 دقائق
- اليوم السابع
صحيفة كندية: قمة بوتين-ترامب قد تخفف التوتر بين موسكو والغرب
كتبت صحيفة "ذا جلوب آند ميل" الكندية أن القمة المرتقبة بين الرئيسين الأمريكي دونالد ترامب والروسي فلاديمير بوتين قد تؤدي إلى تخفيف التوتر في العلاقات بين موسكو والغرب. وكتبت الصحيفة: "ما بدأ بضغوط اقتصادية أمريكية لدفع روسيا إلى صنع السلام مع أوكرانيا، ثم تصاعد إلى تهديدات نووية، انتهى بإعداد لقاء يشبه إلى حد كبير قمم الحرب الباردة السوفيتية الأمريكية بين ترامب وبوتين، حيث ستحدد نتيجة هذا اللقاء المصير المستقبلي لأوكرانيا". واعتبرت الصحيفة أن "هذا اللقاء قد يمثل فرصة لتخفيف التوتر بين موسكو والغرب"، لكنه سيثير قلق أوكرانيا حيث "ليس من الواضح بعد الثمن الذي سيكون ترامب مستعدا لدفعه مقابل هذا التحسن المحتمل". وفي نفس السياق، أفادت صحيفة "وول ستريت جورنال" في وقت سابق، نقلا عن مصادر مطلعة، بأن المحادثات الهاتفية بين الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ونظيره الأمريكي دونالد ترامب جرت دائما في أجواء ودية. يأتي هذا في أعقاب استقبال الرئيس بوتين للمبعوث الأمريكي الخاص ستيف ويتكوف في الكرملين يوم 6 أغسطس، حيث أكد مساعد الرئيس الروسي يوري أوشاكوف أن موسكو وواشنطن اتفقتا على عقد القمة قريبا، وأن الجانبين بدآ التحضيرات الفعلية للقاء.


الدستور
منذ 21 دقائق
- الدستور
أسعد بشارة: رفض حزب الله تسليم سلاحه يعني المزيد من التدهور في لبنان
قال الكاتب الصحفي اللبناني أسعد بشارة، إن قرار الحكومة اللبنانية بحصر السلاح بيد الدولة ونشر الجيش في المناطق الحدودية يصب في مصلحة لبنان، مشيرًا إلى أن حزب الله يعارض هذا التوجه لأنه يتمسك بسلاحه لأسباب تتعارض مع المصلحة الوطنية. وأضاف "بشارة"، في مداخلة لقناة "إكسترا نيوز"، أن الخطة التي أقرها مجلس الوزراء تتضمن الانسحاب الكامل للاحتلال الإسرائيلي وضمان السيادة الكاملة للبنان، إلى جانب عقد مؤتمر دولي لإعادة الإعمار بكلفة تُقدّر بـ 11 مليار دولار، لافتًا إلى أن هذه الخطة تحظى بدعم وضمانات عربية ودولية. ونوه بأن الولايات المتحدة، رغم انحيازها التقليدي لأمن إسرائيل، يمكن أن تلعب دور الضامن لسيادة لبنان إذا تم الالتزام بالاتفاقات، محذرًا من أن استمرار الوضع الحالي قد يؤدي إلى توسع المواجهات مع الجانب الإسرائيلي. وأردف أن ازدواجية السلاح لا يمكن أن تُقبل في أي دولة طبيعية، متسائلًا: "هل يمكن أن تقبل مصر بوجود قوة مسلحة خارج إطار الجيش الوطني؟ بالتأكيد لا". ولفت إلى أن رفض حزب الله تسليم سلاحه يعني المزيد من التدهور، موضحًا أن الاحتفاظ بالسلاح لن يحقق مكاسب للبنان، بل سيؤدي إلى خسائر أكبر، في حين أن الدولة قادرة عبر المفاوضات والإجماع الوطني على استعادة السيادة وتحريك الاقتصاد.