
نتنياهو الأصلي والعرب المستنسخون
لا يتحكّم نتنياهو بالشرق الأوسط جغرافياً وديموغرافياً فقط، بل صار يوزّع حصص الثروات الطبيعية في المنطقة، مانح الغاز لمن يرضى عنه ويراه الأولى بالرعاية، وموزّع الأدوار في إدارة الأراضي التي ينوي احتلالها، فيعلن، بكلّ ثقةٍ، إنه سوف يحرّر غزّة من حركة حماس، ويسند إدارتها إلى دول عربية لا تهدّد إسرائيل، ثمّ يأتي إعلان أكبر صفقة غاز طبيعي في التاريخ (35 مليار دولار) تمنحها تل أبيب إلى القاهرة، فتشتعل بعدها مباشرةً منابر الإعلام الرسمي المصري بالهجوم على المقاومة الفلسطينية، وتحميلها المسؤولية عن تدمير غزّة وقتل شعبها وإبادته، ثمّ يرتفع سقف الجنون المتصهين ليصل حدّ اعتبار فصائل المقاومة دخيلةً على فلسطين وعلى المنطقة، بالتزامن مع مهرجانٍ احتفاليٍّ هادر بنجاح الحكومة المصرية في إنجاز الصفقة، التي ستأتي بالخير والرخاء والنماء، وكأن مصر باتت "هبة الغاز الإسرائيلي".
ثمّة ما يبدو أنه إذعان رسمي عربي لهلاوس نتنياهو وأكاذيبه وأساطيره، وكأنه صار"السيد الأصلي الوحيد" في الشرق الأوسط، بينما الجميع مستنسخون أو مستحدثون أو وافدون على المنطقة، وإلا ما هو التفسير العقلاني والمنطقي لكرنفال الفرح المصري بتعميق التعاون مع الاحتلال في مجال الطاقة؟ وما هو المنطق الذي يدفع لبنان الرسمي إلى وضع رقبته، سعيداً مبتسماً محتفلاً بالنجاح، في يد الإدارة الأميركية، التي تبدو صهيونية التوجّهات والغايات، أكثر من صهاينة إسرائيل أنفسهم؟ ما الذي يجعل وطناً مقاوماً اسمه "لبنان الكرامة" يستقبل الورقة الأميركية كأنها نصّ مقدّس نزل من السماء للتو، يقول إن المقاومة رزيلة وخطيئة، وإن في السلاح المرفوع في وجه العدو هلاك للبلاد، وإن لا مناص من أن تنفيذ كلّ أوامر نتنياهو وأحلامه كي يعيش لبنان في كنف الشرق الأوسط الإسرائيلي؟
ما الذي يمكن أن يبرّر صمت سورية عن الاعتداءات الإسرائيلية اليومية على سيادتها، وضمّها مناطق جديدة إلى جانب الجولان المحتل، واعتبارها السويداء وشعبها ضمن رعاياها وتحت حمايتها؟ ما الذي يبرّر هذا السخاء الخليجي المنهمر على إدارة دونالد ترامب، التي يربطها بالاحتلال الصهيوني حبل سُرّي يجعلهما كياناً واحداً، في وقتٍ يموت الشعب الفلسطيني جوعاً؟ ما الذي يجعل الدوائر الرسمية والإعلامية المصرية ترى في إلقاء بعض المساعدات جواً، بأمر نتنياهو وإذنه، لتسقط على رؤوس الفلسطينيين، إنجازاً سياسياً وعسكرياً مصرياً، يؤكّد الريادة في النضال من أجل القضية الفلسطينية؟ وما المنطق في اعتبار مرور بعض شاحناتٍ من معبر كرم أبو سالم، الذي تهيمن عليه إسرائيل هيمنة مطلقة، بطولةً في وقت جعلت معبر رفح المصري الفلسطيني محرّماً على السلطات المصرية؟
الشاهد أن ثمّة استسلاماً عربياً كاملاً للدخول فيما أسميتُها مرحلة تمزيق الخرائط ومحو الفواصل وإذابة الحدود، كما حلم بها شيمون بيريس قبل أكثر من ربع قرن، حين رسم خريطة الشرق الأوسط الجديد، في أنوار "كامب ديفيد" (1978)، ثمّ "أوسلو" (1993)، تلك الرؤية التي ضمّنها كتابه الأشهر، وفيها حتمية المشروع الواحد الذي تتشارك فيه إسرائيل والدول العربية، داعياً الجميع إلى التحرّر من قيود التاريخ والجغرافيا، والانخراط في التصوّر الصهيوني للمنطقة.
من كان يتصوّر أن أحلام بيريس القديمة سوف لن تُشبع جوع إسرائيل الجديدة بعد ربع قرن، إذ يتجاوز ما حققه نتنياهو في أرض الواقع أسوأ كوابيس الشعب العربي وأبعد من أحلام الصهاينة الأُوَل، لنصل إلى لحظة يقول فيها مصطفى الفقّي (سكرتير حسني مبارك السابق ورجل عبد الفتاح السيسي الحالي) في الشهور الأولى من العدوان الصهيوني على غزّة: "لا نريد شيئاً يعكّر صفو المنطقة والتعايش المشترك مع إسرائيل"، ثمّ يضيف في مقابلة تلفزيونية: "التابو بياخد أجيال، وأحفادك بإذن الله هيتعاملوا مع أحفاد الإسرائيليين في محبّة وصفاء بشرق أوسط مختلف... ندعو الله".

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


العربي الجديد
منذ 15 دقائق
- العربي الجديد
مكاسب إسرائيل من صفقة الغاز مع مصر... تعرف عليها
طرحت صفقة الغاز بين مصر وإسرائيل ، التي تم توقيعها يوم 7 أغسطس/آب الجاري، بقيمة 35 مليار دولار، تساؤلات حول الرابحين والخاسرين منها. وبدأت وسائل إعلام إسرائيلية وأجنبية تحصي مكاسب وخسائر كل طرف، مؤكدة أن صفقة الغاز بين القاهرة وتل أبيب تمنح دولة الاحتلال مكاسب اقتصادية هائلة، وتجعلها لاعباً رئيسياً في سوق الطاقة، بينما تحول مصر إلى رهينة للغاز الإسرائيلي وبوابة مرور تخدم مصالح الغير. فقد وصف الرئيس التنفيذي لشركة نيوميد الإسرائيلية، أحد الشركاء في حقل ليفياثان، يوسي أبو، في تصريح لصحيفة غلوبس العبرية، 8 أغسطس الحالي، الاتفاقية بأنها "منجم أموال للإسرائيليين"، حيث ستدفع مصر 35 مليار دولار على مدار 14 عاماً لإسرائيل مقابل الغاز، وأشار إلى أنها سوف تجلب "أموالاً كثيرة للإسرائيليين، ولخزينة الدولة"، حيث ستدفع "نيوميد"، أيضاً من مكاسبها من مصر، ملايين الدولارات لوزارة المالية الإسرائيلية في صورة عوائد ورسوم وضرائب تذهب للإسرائيليين. عوائد تذهب إلى خزائن الاحتلال وأوضح الرئيس التنفيذي أن الشركة دفعت 205 ملايين شيكل من جميع أنواع العوائد والرسوم والضرائب في الربع الثاني من عام 2025، ووصل إجمالي ما دفعته إلى خزينة الدولة الإسرائيلية منذ بداية عام 2025 إلى 428 مليون شيكل (الدولار = 3.41 شواكل). كما أكد يوسي أبو أهمية صفقة الغاز كأنها مرساة لخلق التطبيع مع الدول العربية خاصة مصر، موضحاً أن إسرائيل تستهدف ذلك التطبيع الاقتصادي مع العالم العربي. أيضاً قالت صحيفة تايمز أوف إسرائيل، 7 أغسطس الجاري، إن الصفقة مُربحة بصورة كبيرة لإسرائيل، حيث سينتج منها "تحويل مئات الملايين من الشواكل من عائدات الغاز والضرائب إلى خزائنها". ولفتت إلى أنه "مقابل مضاعفة الصفقة لكمية الغاز الطبيعي السنوية الموردة من حقل ليفياثان البحري إلى مصر إلى ثلاثة أمثالها تقريباً، فهي سوف تسهم في تعزيز إيرادات الدولة الإسرائيلية من عوائد هذه الصفقة". اقتصاد الناس التحديثات الحية حكومة مصر تعتزم رفع أسعار الغاز رغم الصفقة مع إسرائيل ونقلت صحيفة جيروزاليم بوست، 7 أغسطس الحالي، عن المساهم المسيطر في مجموعة ديليك الإسرائيلية، إسحق تشوفا، قوله: "بالنسبة لنا، لا يُعد هذا إنجازاً تجارياً استثنائياً فحسب، بل هو أيضاً إنجاز تاريخي يُعزز التعاون الإقليمي"، ومجموعة ديليك هي شركة قابضة إسرائيلية متعددة الجنسيات، وشركة نيوميد تابعة لها. وقد أثير جدل في إسرائيل حول قدرتها على الوفاء بالكميات الضخمة في الصفقة لمصر وتأثيرها على احتياجات الاحتلال من الغاز. وقالت صحيفة هآرتس، 8 أغسطس الحالي، إن الاتفاقية الجديدة تعني أن ينتج حقل ليفياثان الإسرائيلي حوالي 130 مليار متر مكعب من الغاز الطبيعي، أي أكثر من ضعف الإنتاج الأصلي. وبيّنت أن الاتفاقية ستؤدي بذلك إلى نضوب احتياطيات إسرائيل من الغاز الطبيعي في غضون 20 عاماً تقريباً، وفقاً تقرير لجنة وزارية إسرائيلية بحثت الأمر. وذكرت أنه منذ بدء الإنتاج في حقل ليفياثان، استقبلت السوق المصرية ما يقارب 23.5 مليار متر مكعب من غاز الحقل. ويورد الحقل حالياً 4.5 مليارات متر مكعب سنوياً بموجب عقود طويلة الأجل. وبموجب بنود الصفقة الموقعة بين الطرفين، ستُزوَّد مصر بنحو 22% من سعة خزان ليفياثان، ونحو 13% من إجمالي سعة الغاز لدى دولة الاحتلال، وفق "غلوبس". خبر سار للاقتصاد الإسرائيلي بسبب هذه المكاسب الإسرائيلية الضخمة من الصفقة، فقد وصف وزير الطاقة، إيلي كوهين، الصفقة مع مصر بأنها "خبر سار للاقتصاد الإسرائيلي، سيُدر مليارات الدولارات على خزينة الدولة، ويخلق فرص عمل، ويعزز الاقتصاد". وقال إنها "أكبر صفقة غاز في التاريخ"، واعتبر أنها "خبر مهم أمنياً وسياسياً واقتصادياً"، و"أخبار رائعة للاقتصاد الإسرائيلي، ستجلب مليارات الدولارات إلى خزائن الدولة". وأضاف أن "هذا يرسخ مكانتنا قوة إقليمية رائدة في مجال الطاقة، والتي يعتمد عليها جيراننا ويحتاجون إلينا"، مشيراً إلى أن "اقتصاد الغاز الطبيعي، هو أحد الأصول الاستراتيجية لإسرائيل". اقتصاد عربي التحديثات الحية الحكومة المصرية تطرح الأراضي بكورنيش النيل أمام القطاع الخاص وكان كوهين قد لمح في ديسمبر/ كانون الأول 2024، إلى "الدور السياسي والاقتصادي" للغاز الإسرائيلي، حيث كتب معلقاً على إنشاء خط ثالث لتصدير الغاز لمصر، عبر منصة إكس، بقوله إن "الطاقة الإسرائيلية قوة سياسية". وكتب الصحافي الإسرائيلي إيدي كوهين: "بهذا المبلغ الذي ستدفعه مصر في الصفقة (35 مليار دولار) ستشتري إسرائيل سرب طائرات إف 35 وتصنع 100 دبابة وتشتري مئة ألف صاروخ ومليون رشاش". رفع السعر مكسب لتل أبيب وركزت صحف الاحتلال على أن تل أبيب هي الرابح الأكبر من الصفقة من زاويتين: الأولى هي نجاح إسرائيل في رفع سعر الغاز على مصر بنسبة 14.8% في الصفقة الجديدة المعدلة، والثانية، تتمثل في خسائر مصر في هذه الاتفاقية، "إلغاء بند رئيسي كان يمنح مصر الحق في تقليل الكميات المستوردة من إسرائيل إذا انخفض سعر خام برنت عن 50 دولاراً للبرميل". ويعني هذا البند أن مصر ستظل ملزمة بدفع كامل قيمة الصفقة وفقاً للأسعار المحددة حالياً، حتى إذا تراجعت الأسعار مستقبلاً أو انخفضت حاجة البلاد إلى الغاز، وفق صحيفة جيروزاليم بوست في 7 أغسطس الجاري. ووفقاً لنص الاتفاقية، يجري الاعتماد على صيغة Take or Pay، وهو بند شائع في عقود الطاقة، يُلزم المستورد بدفع قيمة كميات الغاز المتفق عليها سنوياً، سواء تسلّمها بالفعل أو لم يفعل لانخفاض الحاجة أو الأسعار، وهو ما يضمن دخلاً ثابتاً ومستقراً لإسرائيل على حساب مصر، بغض النظر عن التغيرات في السوق أو مدى حاجة القاهرة لما ستستورده من غاز. وفي السنوات الماضية، كانت مصر تستورد الغاز من إسرائيل بأسعار تتراوح بين 5.5 إلى 7 دولارات لكل مليون وحدة حرارية. وكانت تل أبيب تطالب بزيادة سعر توريد المليون وحدة حرارية لأكثر من ثمانية دولارات، وقتما كان سعر السوق ما بين أربعة وخمسة دولارات، واستغلت حرب غزة وأوقفت التصدير إلى مصر، بحجة الحرب، لممارسة ضغوط لرفع السعر. وكان سعر المليون وحدة حرارية من الغاز الإسرائيلي إلى مصر يبلغ حوالي 6.70 دولارات، ومع ذلك، طلبت إسرائيل زيادة السعر بنسبة 25%. وفقاً للعقد، من المقرر أن يتم تصدير نحو 130 مليار متر مكعب من الغاز (الإسرائيلي) إلى مصر حتى عام 2040، بدلاً من حوالي 64 مليار متر مكعب تم الاتفاق عليها عام 2018، وزيادة كمية الاستيراد من 850 مليون قدم مكعبة إلى 1.7 مليار.


العربي الجديد
منذ ساعة واحدة
- العربي الجديد
قمة ألاسكا بين ترامب وبوتين قد تحدد شكل العلاقات الدولية: الدوافع وحزمة المقايضات المحتملة
يعقد الرئيسان الأميركي دونالد ترامب والروسي فلاديمير بوتين، الجمعة المقبل، قمة في ولاية ألاسكا، الولاية الأميركية الأكبر مساحة والتي لا يفصلها عن روسيا سوى مضيق بيرينغ، وحصلت عليها الولايات المتحدة من روسيا القيصرية مقابل 7.2 ملايين دولار في عام 1867. وفي حين تحمل قمة ألاسكا على أرض أميركية كانت روسية في السابق، رسائل حول عدم أهمية ملكية الأرض الحالية للوصول إلى السلام، وسهولة تخطي الحدود عبر مضيق بيرينغ الذي يتجمد أشهراً طويلة في السنة، أثارت القمة المنتظرة مخاوف أوكرانيا والاتحاد الأوروبي من أن يتفق الزعيمان على فرض حلول لإنهاء الحرب الأوكرانية المستمرة منذ 24 فبراير/ شباط 2022، تمنح بوتين مكافأة، وتكرس سابقة في أوروبا منذ الحرب العالمية الثانية (1939 ـ 1945)، وهي الاعتراف بتغيير الخرائط السياسية عبر استخدام القوة. كما تبرز مخاوف جدية من احتمال أن تشكّل قمة ألاسكا بداية لتقاسم النفوذ بين البلدين، خصوصاً بعد إلقاء إدارة ترامب مسؤولية تسليح أوكرانيا على حساب الأوروبيين، في ظلّ مؤشرات إلى توجه إدارته للتركيز على منطقة آسيا والمحيط الهادئ، ناهيك عن عدم تبني ترامب أي ضغوط وعقوبات على موسكو لإجبارها على وقف الحرب. على العكس، فقد قدّم تنازلات من قبيل استبعاد انضمام أوكرانيا لحلف شمال الأطلسي (ناتو)، وضرورة الانطلاق من الأوضاع الميدانية على الأرض، وإلقاء مسؤولية استمرار الحرب على الرئيس فولوديمير زيلينسكي. اجتماع ويتكوف ـ بوتين شكل الاجتماع الخامس بين المبعوث الرئاسي الأميركي الخاص ستيف ويتكوف وبوتين، الأربعاء الماضي، في موسكو، نقطة انعطاف في جهود إنهاء الحرب الأوكرانية، وربما يشكل نقطة تحول في علاقات البلدين والسياسة العالمية. وعلى الرغم من أن اجتماع ويتكوف ـ بوتين، جاء قبل يومين من انتهاء مهلة حددها ترامب لروسيا للشروع في مسار سلمي لإنهاء الحرب، وإلا تعرضت مع حلفائها لعقوبات، إلا أن التسريبات المتتالية منذ انتهاء الاجتماع، كشفت أن ويتكوف ناقش في الكرملين اقتراح الولايات المتحدة لوقف إطلاق النار في أوكرانيا، وقدم عرضاً إيجابياً للغاية يصعب رفضه بالنسبة لروسيا. وحسب ما رشح، فإن العرض الأميركي يسمح لبوتين بإنهاء الحرب مع وقف إطلاق النار في أوكرانيا، والبدء بتسوية سياسية تتضمن الاعتراف الفعلي بالمكاسب الإقليمية التي حققتها موسكو جراء الحرب، عبر تأجيل هذه القضية لمدة 49 أو 99 عاماً. ولاحقاً ظهرت تسريبات تفيد بأن بوتين وافق على وقف إطلاق النار عند الخطوط الحالية في زابوريجيا وخيرسون في حال انسحبت أوكرانيا من كامل أراضي دونيتسك ولوغانسك. العرض الأميركي يسمح لبوتين بإنهاء الحرب مع وقف إطلاق النار وحسب التسريبات، فإن الولايات المتحدة توافق على رفع معظم العقوبات المفروضة على روسيا، وعلى المدى البعيد العودة إلى التعاون في مجال الطاقة، أي استيراد الغاز والنفط الروسيين، حسب جدول زمني يتم التوافق عليه. ولم تتلقَّ موسكو أي وعدٍ بوقف الدعم العسكري لأوكرانيا، ولكن إدارة ترامب لم تقرّ أي حزمة مساعدات عسكرية لأوكرانيا. وفي حال توافق الزعيمان على إنهاء الحرب، فسيقدم ترامب تنازلات كبيرة لروسيا، وسيوافق بوتين على وقف إطلاق النار من دون تحقيق أهدافه كاملة. في هذا الإطار، بدا أن بوتين سعى إلى تمهيد أجواء قمة ألاسكا عبر تقديم تنازلات، ولكن مع الترويج بأنها انتصار له، وفي نهاية الأسبوع الماضي اتصل بوتين بزعماء تسع دول، وفي مقدمهم الحلفاء في مجموعة "بريكس"، مثل الصين والهند والبرازيل وجنوب أفريقيا، إضافة إلى زعماء من دول الاتحاد السوفييتي السابق. كما عقد اجتماعاً لمجلس الأمن الروسي كان لافتاً فيه عدم مشاركة نائب رئيس المجلس، الرئيس السابق دميتري ميدفيديف، في إشارة واضحة إلى رغبة روسيا بالذهاب إلى قمة ألاسكا بإيجابية، لمنع خطر انزلاق البلدين إلى مواجهة نووية، بعد السجال بين ترامب وميدفيديف وقرار ترامب نشر غواصتين نوويتين . ومما يوحي بتوجه بوتين نحو حلول وسط مع ترامب، عدم اتصاله بأهم حليفين قدما دعماً عسكرياً له في الحرب مع أوكرانيا وهما إيران وكوريا الشمالية. تقارير دولية التحديثات الحية ألاسكا... ولاية باعتها روسيا لأميركا تستضيف قمة ترامب وبوتين في المقابل، فإن ترامب الراغب بقوة في الحصول على جائزة نوبل للسلام، حصل على لقاء مع بوتين بعد أشهر من التعثر في الوصول إلى تحقيق واحد من أهم وعوده الانتخابية وهو وضع حد للحرب. ومن الواضح أن ترامب لا يهمه بشكل كبير شكل الاتفاق الممكن أن ينتج عن قمة ألاسكا المرتقبة، لأسباب عدة، أهمها أنه لا ينظر إلى أوكرانيا كقضية وجودية للأمن القومي الأميركي، وهو ما يبرر وقف المساعدات العسكرية والاقتصادية وعدم الضغط على بوتين. وربما يجد ترامب في القمة سلماً للنزول من الشجرة العالية التي صعد إليها، بعد زيادة الضغوط الغربية والداخلية من أجل الحسم مع بوتين. ويعجز ترامب عن فرض عقوبات ثانوية على جميع مشتري النفط والغاز من روسيا، رغم أن فرض هذه العقوبات سيعني توقف صادرات المواد الخام الروسية، وسيؤدي حتماً إلى انهيار الاقتصاد والميزانية الروسية. وينطلق ترامب من أن العقوبات الثانوية يمكن أن تتسبب في ارتفاع كبير لأسعار موارد الطاقة والإضرار بجهوده لخفض التضخم وإثارة غضب الأميركيين. وفرض ترامب عقوبات على الهند، ولكن الأرجح أنها جاءت في إطار جهوده لإجبارها على التفاوض بشأن التعرفات الجمركية، ويصعب عليه فرض مثل هذه الرسوم على الصين. قمة ألاسكا مخرج للرئيسين وتشكل قمة ألاسكا مخرجاً مناسباً للرئيسين، ومن المؤكد أن الكشف عن موعدها لم يكن عبثياً، فقد جاء الإعلان قبل يوم واحد فقط من انتهاء مهلة ترامب، التي ألزمت روسيا بإنهاء الحرب أو مواجهة جولة جديدة من العقوبات والتعرفات الجمركية على شركائها التجاريين الرئيسيين. ولا يستطيع بوتين تحمّل الاستسلام، لكن ترامب لا يستطيع فرض عقوبات إلا إذا كان متأكداً من فعاليتها. لا يريد أي منهما إظهار الضعف. وعليه فإن قمة ألاسكا المرتقبة هي المخرج لهما، وهو ما يسمح لترامب بالقول إن تهديداته نجحت، لكنه في المقابل ليس كافياً ليبدو بوتين وكأنه يستسلم. والأرجح أن بوتين سيستغل قمة ألاسكا لإقناع ترامب برغبته في إنهاء الحرب، مع سعيه لتحقيق أهدافها القصوى، والتي تُعدّ بمثابة استسلام فعلي لأوكرانيا. ومع الاعتراضات الأوروبية ستحاول روسيا مجدداً تصوير الوضع على أساس أن أوكرانيا وحلفاءها الأوروبيين، وليس روسيا، هم المسؤولون عن إطالة أمد الصراع. ومن المؤكد أن رفض كييف أو الحكومات الغربية لمقترحات ترامب يُعدّ أيضاً انتصاراً دبلوماسياً للكرملين. يراهن بوتين على إجراء انتخابات في أوكرانيا خلال فترة محددة وواضح أن الجانب الروسي يراهن على إثارة اهتمام ترامب "المقاول ورجل الأعمال"، فقد دارت النقاشات بين ويتكوف وكيريل دميترييف، المسؤول في الكرملين عن التعاون الاستثماري مع دول العالم في مجال الطاقة، وكذلك منح الشركات الأميركية فرصة للاستثمار في المعادن النادرة في روسيا والمناطق التي احتلتها في أوكرانيا. ومنذ صعود ترامب إلى الحكم مرة ثانية في 20 يناير/ كانون الثاني الماضي، بدا أنه يتعجل الوصول إلى إنهاء الحرب الروسية على أوكرانيا، ولكنه يفتقر إلى خطة واضحة للتأثير على بوتين وإجباره على إنهاء الحرب. وعلى عكس ترامب، فإن بوتين لم يكن في عجلة من أمره، وقام بما يكفي لجعل ترامب يعتقد أنه ملتزم بالتوصل إلى نهاية تفاوضية للحرب. وأثبتت الوقائع الميدانية منذ بداية الحرب، من تحرير كورسك الروسية من القوات الأوكرانية، وتسارع وتيرة احتلال روسيا الأراضي في شرق أوكرانيا، بما فيها مقاطعات سومي ودنيبروبتروفسك وخاركيف، التي لم تضمها روسيا رسمياً ولا تطالب بها، أن بوتين قادر على الاستمرار في القتال لعدة أشهر من دون دفع أثمان كبيرة، فاحتياطيات أوكرانيا القتالية تضاءلت مع وقف المساعدات الأميركية، ونقص أعداد الجنود، وعجز أوروبا عن سد الفجوة. وزاد إصرار بوتين على تحقيق أهدافه القصوى مع تحول العلاقات بين الولايات المتحدة من العداء الشديد في عهد جو بايدن إلى ودية بشكل لا يمكن تصوره في عهد ترامب. ومنذ البداية أظهر ترامب وأركان إدارته عدم تحمسهم لدعم أوكرانيا، والاستعداد للتفاوض على رأس أوكرانيا وشركائها الأوروبيين، وإذا لزم الأمر توجيه الضغط على زيلينسكي لقبول المتطلبات الأميركية للمحادثات. وأدرك الكرملين أن ترامب يولي أهمية ضئيلة للعلاقات مع الحلفاء التقليديين لحلف شمال الأطلسي (ناتو) ولا يلتزم بالحلف. وتنطلق موسكو من أن ترامب يتوق إلى الحصول على جائزة نوبل للسلام ويحتاج إلى إثبات أن جهوده قد حققت سلاماً دائماً، مقابل أنه لا يهتم بالتسوية العادلة لأوكرانيا. تقارير دولية التحديثات الحية س/ج | ما نعرفه عن القمة المرتقبة بين ترامب وبوتين وهذا ما يخلق الفرصة لبوتين لفرض شروط من شأنها إضعاف قدرة أوكرانيا على المقاومة على المدى الطويل، وتشمل الأولويات الحد من حجم الجيش الأوكراني ومنع انتشار القوات الأوروبية على الأراضي الأوكرانية. وتعززت آمال روسيا بالحصول على كل ما تريد مع شلل الديمقراطيين في الولايات المتحدة بسبب هزيمتهم في الانتخابات، وصمتهم إزاء هجوم ترامب على الحكومة الفيدرالية والاستعداد للتخلي عن مواقف القوة الصلبة والناعمة الأميركية التي تراكمت على مدى عقود، وخوف الجمهوريين المعتدلين من تبعات تحدي ترامب. بناء على تحليل الأوضاع السابقة، وانطلاقاً من قناعة في موسكو بأن إدارة ترامب تشعر بالارتياح تجاه القوى العظمى التي تملي شروطها على الدول الأصغر حجماً، وجد بوتين الفرصة سانحة لإقناع ترامب بفرض تسوية سلمية مصممة روسياً على أوكرانيا. روسيا وأهمية قمة ألاسكا تأمل روسيا في أن تكون قمة ألاسكا بمثابة "يالطا جديدة"، في إشارة إلى قمة يالطا في شبه جزيرة القرم في عام 1945، حين تقاسم المنتصرون في الحرب العالمية الثانية على ألمانيا النازية النفوذ في العالم. ومؤكد أن بوتين سيسعى إلى الحصول على اعتراف أميركي بسيطرة قواته على مناطق جديدة في أوكرانيا، وتحويل مكاسبه المؤقتة إلى مكاسب دائمة. قد يقبل بوتين نوعاً من الاعتراف الضمني أو الفعلي بدلاً من الاعتراف الرسمي. ولكن السياسة الخارجية الأميركية والأوروبية ليست موحدة حينما يتعلق الأمر بالاعتراف بالشرعية، ما يجعل الموقف أكثر تعقيداً بالنسبة للأوروبيين. الحديث عن اعتراف قانوني رسمي أو إعادة ترسيم الحدود غير مطروح، ولكن قد يُتوصل إلى نوع من الاعتراف الفعلي. وقد تستخدم لغة مشابهة لتوفير اعتراف فعلي من الولايات المتحدة من دون أن يكون قانونياً أو رسمياً. ولكن روسيا التي بدأت تعاني من تأثيرات الحرب اقتصادياً وبشرياً، ويمكن أن تتعمق مشكلاتها في حال تغير وجهة ترامب نحو الضغط عليها، يمكن أن تقبل بتهدئة مؤقتة مرحلية، فهدف بوتين كما يتضح من مقالاته وتصريحاته وكذلك تصريحات كبار مساعديه تنطلق من أن لا فرصة لأوكرانيا إلا مع روسيا، مع منطلقات ترتكز إلى عدم وجود أساس للدولة الأوكرانية. الجانب الروسي يراهن على إثارة اهتمام ترامب "المقاول ورجل الأعمال" ويراهن بوتين على إجراء انتخابات في أوكرانيا خلال فترة محددة بعد دخول وقف إطلاق النار حيز التنفيذ، والهدف من ذلك هو أن يجلب إلى السلطة قوى سياسية لا ترى بديلاً عن العلاقات الوثيقة مع روسيا من أجل بقاء أوكرانيا. وتشكل الاعتراضات الأوكرانية والأوروبية عثرة في إمكانية وقف الحرب وفق الشروط الروسية. ورغم التعب من آثار الحرب في أوكرانيا، فإن قسماً من المجتمع الأوكراني ما زال مصراً على رفض الشروط الروسية ومواصلة القتال. ويمكن أن يساهم "تحالف الراغبين" الأوروبي في دعم أوكرانيا بالصمود، ولكن قدرة البلدان الأوروبية على توفير دعم لزيلينسكي من أجل استعادة الأراضي التي احتلتها روسيا غير واقعي على المدى المنظور ولسنوات عدة. تشدّد أوروبي في بيان، السبت الماضي، بعد الإعلان عن قمة بوتين ـ ترامب، أكد قادة فرنسا وبريطانيا وألمانيا وبولندا وإيطاليا وفنلندا ورئيسة المفوضية الأوروبية، أنه "لا يمكن إجراء مفاوضات جادّة إلا في سياق وقفٍ لإطلاق النار، أو خفض ملموس في وتيرة الأعمال العدائية"، وأنه يتعين التمسك بمبدأ أن "الحدود الدولية لا يجوز تغييرها بالقوة. وينبغي أن يكون خط التماس الحالي هو نقطة الانطلاق لأي مفاوضات". وجدد القادة "تمسكهم الثابت بسيادة أوكرانيا واستقلالها وسلامة أراضيها ووقوفهم الحازم إلى جانب أوكرانيا"، وشددوا على أن "أي حلّ دبلوماسي يجب أن يراعي المصالح الأمنية الحيوية لأوكرانيا وأوروبا". واستبق الكرملين الاعتراضات الأوروبية عبر تقديم الدول الأوروبية الملتزمة بدعم أوكرانيا باعتبارها تخرب السلام، على أمل أن يهدد ترامب بتوجيه نيران أميركا الاقتصادية نحوها عقاباً لها. من غير الواضح بعد ما إذا كان ممكناً إنهاء الحرب الأوكرانية في قمة واحدة جرى التحضير لها على عجل، ولكن من المؤكد أن قمة ألاسكا ستحدد شكل العلاقات الدولية في السنوات المقبلة. وفي حال نجاح بوتين وترامب في التوصل إلى تفاهمات لإنهاء الحرب وفق ما تسرب عن لقاء بوتين مع ويتكوف، فإن واشنطن تقرّ عملياً بدور عالمي جديد لموسكو، والموافقة على مبدأ تقاسم النفوذ يؤثر على أمن أوروبا كاملة، وتنطلق لمرحلة ثانية للتوافق مع الصين على مناطق شرق آسيا والمحيط الهادئ. وفي حال الفشل، فإن ترامب أمام خيارات صعبة لا تتعلق فقط بخسارة جائزة نوبل للسلام، بل بتعديل مخططاته، والإقرار بخطأ الرهان على تسوية مع بوتين. وبانتظار القمة، سيكثف الأوكرانيون والأوروبيون جهودهم لإقناع ترامب بعدم تقديم تنازلات، ولكن أوروبا تقف أمام خيارات صعبة بشأن مستقبل أمنها واستقرارها وقيمها. طاقة التحديثات الحية أسواق النفط تترقب قمة ترامب وبوتين.. والأسعار تواصل التراجع


العربي الجديد
منذ 2 ساعات
- العربي الجديد
"حرب على الربّ" وحلّ الدولتَين؟
لا أحد يقدر على وقف المذبحة وعمليات الإبادة الجماعية والإعدام بوسائل مختلفة، جوعاً وقصفاً وتدمير خيام بقذائف الدبابات، وإطلاق نار على الراكضين وراء المساعدات الإنسانية، وترك المرضى يموتون في المستشفيات من دون دواء، أو تحت أنقاضها بعد تدميرها، أو في الطرقات بإجبارهم على السير على الأقدام كيلومترات. لا أحد يقدر على وقف هذه الحرب ضدّ الإنسانية إلا الإدارة الأميركية، لكنّها تفعل عكس ذلك. كلّ ما يروّجه المسؤولون الأميركيون أن "الرئيس ترامب كلّف نتنياهو... بإنهاء المهمّة في غزّة". وكرّر ترامب أكثر من مرّة قوله: "أترك لهم القرار بخصوص مستقبل غزّة". الإسرائيليون لا يستهدفون مستقبل غزّة فقط، إنهم يهدّدون مستقبل فلسطين كلّها وشعبها، وحقّه في إقامة دولته في أرضه. يريدون السيطرة على كلّ الأرض واقتلاع الفلسطينيين منها وتهجيرهم إلى الخارج. وبذلك هم يُهدّدون مستقبل المنطقة. ها هو رئيس مجلس النواب الأميركي، مايك جونسون، يزور مستوطنة أرئيل، ويقول: "وجودي هنا يمثّل أهمية رمزية كبيرة، يهودا والسامرة يمثّلان مهد الإيمان اليهودي، وهما موعودتان للشعب اليهودي وفق ما ورد في الكتاب المقدّس. إن هذه الأرض حقّ لليهود، حتى لو عارض العالم ذلك، فإن الولايات المتحدة تتمسّك به"... هل ثمّة أوضح من ذلك؟ إنه تفويض أميركي. إطلاق يد إسرائيل من دون حدود، للسيطرة على الأرض كلّها لأنها حقّ لهم، ولو عارض العالم كلّه، فأين ستقوم الدولة الفلسطينية؟ وكيف سيتحقّق حلّ الدولتَين الذي دُفن منذ سنوات بمشاركة عربية متنوّعة الأدوار والأهداف والمصالح الآنية والوهمية، عندما حصل الانقلاب على المبادرة العربية التي أُقِّرت في بيروت عام 2002، مع انطلاق اندفاعة نتنياهو التي لا تتوقّف؟ إذا انتقدتَ إسرائيل ودعوْتها إلى احترام الشرعية الأخلاقية والإنسانية والدولية، فأنت تعلن "الحرب على الربّ" رغم كلّ المجازر التي يرتكبها جيش الاحتلال، أعلنت الإدارة الأميركية أنها ستفرض عقوباتٍ على المستوطنين الذين يقومون "بأعمال عنف"، ولم تفعل شيئاً، بل غطّت عنفهم وارتكاباتهم في المسجد الأقصى، بقيادة إيتمار بن غفير، وعناصر من الشرطة والجيش الإسرائيلي، وتوسّع الاستيطان في القدس والضفة الغربية استناداً إلى "الحقّ الإلهي" بالأرض كلّها. ها هو وزير المالية، بتسلئيل سموتريتش، يعود إلى مستوطنة أخليت عام 2005 في الضفة، ويقف تحت شعارات: "شعب إسرائيل يعود إلى (مستوطنة) سانور... الموت للعرب". هذا ما ينتظر العرب الذين يتحدّثون عن حلّ الدولتَين الوهمي، الورقي، النظري، هذا إذا أُقرّ. وها هو الحاخام رونين شالوف يعلن: "كلّ غزّة، وكلّ طفل فيها يجب أن يموت جوعاً. أنا لا أشفق على الإرهابيين المستقبليّين، رغم أنهم اليوم لا يزالون صغاراً، فإنني أرجو أن يظلّوا جائعين ويموتون". ماذا لو قال عربي أو مسلم "الموت لإسرائيل" بعد كلّ جرائمها التي ينتقدها العالم؟ ماذا لو قال أحدهم: "ليمت أطفال إسرائيل بكلّ الطرق، انتقاماً لما فعله أهلهم بنا؟ أبسط جواب واقعي: حملة عالمية ضدّ "أعداء السامية" و"الكراهية" و"الحقد" و"التحريض على الإرهاب"، وبالتالي إطلاق يد إسرائيل وتبرير جرائمها. فأي عدالة إلهية أو قانونية هنا؟ أي إنسانية ورسالة أخلاقية توجّه إلى العالم، وتحديداً إلى الشعب الفلسطيني؟ ما قيمة اتفاقات ومعاهدات "الأخوة والإنسانية"، و"الإبراهيميات" الموقّعة مع إسرائيل؟ ها هو وزير خارجية أميركا ماركو روبيو يعلن: "إقامة دولة فلسطينية ليست مسألة حقيقية، فلا يمكن تحديد الحدود أو من سيديرها، ولا يمكن أن تكون هناك دولة أو منطقة تتمتّع بحكم ذاتي إذا لم يُحدَّد من سيديرها". إنها عملية إلغاء لوجود الشعب الفلسطيني وممثّليه. إنكار لوجوده في الأساس. من أسقط الحدود كلّها؟ الاتفاقات كلّها؟ من دعا (ويدعو) إلى استخدام القنبلة النووية ضدّ الشعب الفلسطيني؟ أليس عدد من المسؤولين الأميركيين والإسرائيليين؟ من يدعو إلى اقتلاع الفلسطينيين من أرضهم ونقلهم إلى دول أخرى بعيدة مسافات ضوئية عن هذه الأرض؟ أليس أصحاب مشروع "ريفييرا" في غزّة، وتكريس احتلال الضفة لأنها "حقّ إلهي للإسرائيليين" كما زعم جونسون؟ من قتل إسحاق رابين الذي وقّع سلاماً مع الفلسطينيين؟ ثمّ من قتل شريكه ياسر عرفات؟ من حاصر (ويحاصر) الفلسطينيين اليوم؟ من اتهم عرفات ومحمود عبّاس بأنهما ليسا "شريكين في صنع السلام"، بل "يدعمان الإرهاب"؟ من حاصر مؤسّسات السلطة الفلسطينية، وأقفل مكتب منظمة التحرير في واشنطن؟ من صادر أموالها؟ من رفض (ويرفض) أي دور لها في إدارة شؤون الفلسطينيين؟ أليست إسرائيل وأميركا، وتتساءلان الآن عن الحدود والجهات التي ستدير مناطق حكم ذاتي؟ في الأساس، هل سلّمت إسرائيل بحكم ذاتي أو بحقّ فلسطيني أو بإدارة فلسطينية أو بكيان فلسطيني، وقبلت بشيء من القرارات والنداءات الدولية لوقف مسلسل القتل والتهجير والإبادة؟ ها هو نائب الرئيس الأميركي، جي دي فانس، يقول: "لا خطط لدينا للاعتراف بدولة فلسطينية. لا نعرف ما معنى الاعتراف بدولة فلسطينية بالنظر إلى عدم وجود حكومة هناك". أمّا الأخطر من ذلك كلّه فهو ما صرّح به الحاخام ديفيد دانيال كوهين: "ماكرون بموافقته على الاعتراف بدولة فلسطينية يكشف عن معاداته للسامية، ويطلق إعلان حرب على الربّ، من مصلحته أن يجهّز نعشه". الدعوة إلى إقامة دولة فلسطينية احتراماً للقوانين الدولية والشرعية الدولية، ولحقّ الشعب الفلسطيني في أرضه، "دعوة ضدّ السامية" و"حرب على الربّ". لا يستهدف الإسرائيليون مستقبل غزّة فقط، إنهم يهدّدون مستقبل فلسطين كلّها وشعبها إذا انتقدتَ إسرائيل ودعوْتها إلى احترام الشرعية الأخلاقية والإنسانية والدولية، فأنت تعلن "الحرب على الربّ". إسرائيل هي "الرب"، وعليك أن تجهّز نعشك. هذا تهديدٌ مباشرٌ لرئيس الدولة الفرنسية. فهل سيسلم أحد من العرب في هذه الحال؟ وكيف سيصل هؤلاء إلى حلّ الدولتَين الفعلي أمام هذه الوقائع؟ واهم أي عربي في أي دولة كانت إذا اعتقد أنه قادر على الاستمرار وحماية حكمه وضمان أمنه واستقراره وازدهار بلاده واستمراره أمام هذا التفلّت الإسرائيلي، والدعم الأميركي المفتوح له. فكلّ ما تقوم به إسرائيل "إلهام ربّاني"، ولا بدّ من ترجمته، لأن قادة دولة الاحتلال والإرهاب والتوسّع لا يخونون "عهودهم" و"مبادئهم" و"إيمانهم" و"التزاماتهم الدينية" و"التعاليم الربّانية"، أمّا التزامات الواهمين العرب فهي تجاه أميركا من دون تردّد، واتفاقات مع الإسرائيليين الفالتين. كان ينقصنا في هذه الآخرة أن يخرج العبقري يئير، ابن العبقري نتنياهو، ليقول: "قطر القوة الرئيسة خلف موجة معاداة السامية العالمية. إنها ألمانيا النازية المعاصرة". رغم كلّ ما قامت به قطر، وما تلعبه من أدوار ووساطات، تصنّف في هذه الخانة، من المُتّهَمين داخل إسرائيل (وخارجها) بارتكابهم محرقة ضدّ الفلسطينيين. ها هو موقع ديكلاسيفايد، ينقل عن تقرير للجيش البريطاني: "إسرائيل تقصف المستشفيات في غزّة بطرق لم تفعلها ألمانيا النازية في الحرب العالمية الثانية. وأن هجماتها تشبه هجمات روسيا في أوكرانيا. وقلق الجيش من سلوك إسرائيل يناقض دفاع الحكومة عن تصدير أسلحة لها واعتبارها لا ترتكب جرائم بغزّة". وها هي ألمانيا نفسها، رغم دعمها اللامحدود لإسرائيل في كلّ المجالات الأمنية والسياسية والعسكرية والدبلوماسية والإعلامية والمالية، تعلن "تعليق تصدير الأسلحة إلى إسرائيل"، لأنها لم تعد تحتمل الضغوط الشعبية الرافضة لما ترتكبه بحقّ الفلسطينيين.