
بوادر أزمة اقتصادية ودبلوماسية: «مركزيّ عدن» يُقرّ نقل «ضمان الودائع»
وأعرب مراقبون عن مخاوفهم من أن تندرج هذه الخطوة في سياق استئناف تصعيد الحرب الاقتصادية بين طرفي الصراع، عقب إصدار البنك المركزي في صنعاء، الذي تُديره حركة «أنصار الله» (الحوثيون)، الأسبوع الماضي، عملة معدنية جديدة وإصدار نقدي ورقي آخر جديد.
في السياق، استهجنت وزارة الخارجية في حكومة «أنصار الله»، ما حمله بيان المبعوث الأممي الخاص لليمن، هانس غروندبرغ، إزاء إصدار مركزي صنعاء عملة جديدة، معتبرة أن ذلك البيان «يؤكّد مجدداً انحيازه (غروندبرغ) المطلق لدول العدوان (دول التحالف) ومرتزقتها وخروجه عن الولاية المناطة به كوسيط محايد».
وحسب وكالة الأنباء اليمنية (سبأ) بنسختها التابعة للحكومة، فقد أصدر محافظ البنك المركزي اليمنيّ في عدن، قراراً «بنقل المركز الرئيسي لمؤسسة ضمان الودائع المصرفية من مدينة صنعاء إلى العاصمة المؤقتة عدن. ونصت المادة الثانية، من القرار على العمل به من تاريخ صدوره وعلى جميع الجهات المختصة العمل بموجبه».
واُنشئت المؤسسة رسميًا عام 2008 بصنعاء، وهو العام الذي صدر فيه قانون المؤسسة بقرار جمهوري.
صنعاء: غروندبرغ «وسيطًا غير محايد»
ووفقًا لنص القانون، فأهم ما تهدف إليه هذه المؤسسة هو تحقيق «حماية صغار المودعين في البنوك عن طريق تأمين قدر معين من الودائع وتوفير آلية لضمان تعويض المودع عن ودائعه دون إبطاء في حالة إخفاق البنك لأي سبب كان وتقرر تصفيته. وتشجيع عدداً أكبر من المواطنين اليمنيين للتعامل مع الجهاز المصرفي، والمساهمة في تحقيق استقرار الجهاز المصرفي، وضمان اشتراك جميع البنوك في تحمل تكاليف الإخفاق المصرفي والأزمات الاقتصادية».
لكن لا يتوفر في القانون نصًا واضحًا يمنح رئيس مجلس إدارة البنك المركزي اليمنيّ، وهو رئيس مجلس إدارة المؤسسة، الحق في إصدار قرار بنقل المركز الرئيسي للمؤسسة من صنعاء، ولكن يمنح القانون المجلس حق انشاء فروع للمؤسسة في المحافظات. ووفقًا للبند الثاني من المادة الرابعة في قانون إنشاء المؤسسة «يكون مركز المؤسسة في مدينة صنعاء، ويجوز بقرار من المجلس فتح فروع ومكاتب لها في أنحاء الجمهورية».
ويرى مراقبون أن هذا القرار في حال صدر كرد فعل إزاء قرار الحوثيين إصدار عملة معدنية جديدة وإصدار نقدي ورقي جديد، فإن البلد مقبلة على موجة ثانية من الحرب الاقتصادية، التي ستكون تداعياتها كارثية على معاناة اليمنيين، لاسيما بعد أكثر من عشر سنوات من الحرب، التي أوصلت أوضاع الناس الاقتصادية إلى مستوى تراجعت فيها القدرة الشرائية إلى مؤشرات مخيفة، وتراجع معها متوسط الراتب في مناطق نفوذ الحكومة المعترف بها دوليًا إلى أقل من خمسين دولارًا أمريكيًا.
وفي هذا، يرى الخبير الاقتصادي في صنعاء، رشيد الحداد، أن «قرار بنك عدن ضد مؤسسة ضمان الودائع المصرفية، والمعنية بحماية حقوق صغار المودعين في البنوك التجارية، يأتي في إطار التصعيد ضد قطاع البنوك والمصارف اليمني، وبهذا القرار تتحمل حكومة الطرف الآخر والبنك التابع لها مسؤولية حقوق المودعين في كافة البنوك التجارية والإسلامية، والتي تتجاوز 1.7 تريليون ريال يمني بسعر صرف العملة المتداولة بصنعاء ما يزيد عن 3 مليارات دولار».
ويعتقد في تصريح لـ»القدس العربي»، أن «مثل هذا القرار يأتي في إطار إقحام القطاع المصرفي في الصراع، ومحاولة من محاولات بنك عدن لتصدير أزمته إلى البنوك التجارية، خاصة وأن مثل هذا القرار، الذي، جاء بعد عشر سنوات يهدف إلى ضرب ثقة المودعين بالبنوك، ولن يعزز الثقة بينهما»، مشيرًا إلى أن «البنك المركزي في صنعاء لا يزال مستمرًا في، الحفاظ على حقوق المودعين، ويقدم معالجات خاصة لمواجهة طلبات صغار المودعين، ومنذ مطلع العام الجاري يجرى دفع تعويضات مالية شهرية وفق برنامج متفق عليه بين البنك المركزي بصنعاء والبنوك التجارية وبتمويل من البنك المركزي بصنعاء»، معتبرًا أن «ما يقوم به بنك عدن هو محاولة إرباك للقطاع المصرفي في صنعاء، مع تنصله عن أي مسؤولية تجاه مثل هذا القرارات الاعتباطية».
واعتبر الحداد أن «القرار غير قانوني، لأن القانون رقم (40) لعام 2008 بشأن مؤسسة ضمان الودائع المصرفية، وتحديدًا في الفقرة الثانية من المادة الرابعة منه تنص على أن يكون مركز المؤسسة في مدينة صنعاء، ويجوز بقرار من المجلس فتح فروع ومكاتب لها في أنحاء الجمهورية».
رئيس منتدى الإعلام والبحوث الاقتصادية في عدن، المحلل الاقتصادي، عبد الحميد المساجدي، قال لـ «القدس العربي» ، «إن قرار محافظ البنك المركزي اليمني في عدن بنقل مقر مؤسسة ضمان الودائع من صنعاء إلى عدن لا ينبغي قراءته كخطوة تصعيدية أو سياسية بقدر ما هو إجراء إداري طبيعي ومنطقي يتسق مع الواقع الجديد للقطاع المصرفي في اليمن، ومع المهام التي أنشئت من أجلها المؤسسة ذاتها».
ويعتقد أن «المؤسسة أنشئت عام 2008 لتكون أداة لحماية المودعين وتعزيز الثقة في النظام المصرفي»، معتبرًا أنها «تخضع لإشراف البنك المركزي اليمني ويرأسها محافظ البنك، وبالتالي فإن ارتباطها الوثيق بالبنك يجعل من الطبيعي أن تنتقل حيثما يوجد المركز الفعلي لقيادة السياسة النقدية في البلاد».
ويرى المساجد أنه «مع انتقال معظم البنوك التجارية والإسلامية إلى عدن، بات من الضروري أن تُنقل معها المؤسسات المرتبطة بالرقابة والإشراف، وفي مقدمتها مؤسسة ضمان الودائع كي تتمكن من ممارسة دورها بفاعلية، وتكون على تماس مباشر مع البنوك والمودعين».
واعتب أن «الأهم من ذلك، أن المؤسسة وهي في صنعاء كانت فعليًا معطلة ولم تؤدِ الدور المناط بها، لا في حماية حقوق المودعين، ولا في التدخل في الحالات التي عجزت فيها بعض البنوك عن الإيفاء بالتزاماتها تجاه عملائها. الأمر الذي أضعف ثقة الجمهور بها، وأفرغ وجودها من مضمونه، وهو ما يجعل من إعادة تفعيلها اليوم في بيئة تشغيلية حقيقية خطوة في الاتجاه الصحيح». وقال: «بخصوص ما يُثار عن أن قانون تأسيس المؤسسة لم يتضمن نصًا صريحًا بشأن نقل مقرها، فهو اعتراض شكلي، لأن المؤسسة ليست كيانًا سياديًا منفصلًا، بل هي وحدة مرتبطة تنظيميًا وإداريًا بالبنك المركزي، وهو الجهة المختصة باتخاذ مثل هذه القرارات التنظيمية والإجرائية، بما يخدم الصالح العام ويعزز من فاعلية السياسة النقدية».
وشهدا العام 2024 تصعيدًا اقتصاديًا متبادلًا بين الطرفين، عبرت عنه قرارات لكل من «مركزيّ» عدن وصنعاء تتعلق بتعاملات البنوك، وهو التصعيد الذي انتهى بتفاهمات رعتها الأمم المتحدة بين الطرفين، ونصت على إلغاء القرارات والإجراءات الأخيرة ضد البنوك من الجانبين، والتوقف عن ذلك مستقبلاً، واستئناف طيران اليمنية للرحلات بين صنعاء والأردن، وزيادة الرحلات اليومية إلى ثلاث، وتسيير رحلات إلى القاهرة والهند يومياً أو بحسب الحاجة.
وكان أهم ما تضمنته تلك التفاهمات أن نصت على «البدء في عقدِ اجتماعات لمناقشة كافة القضايا الاقتصادية والإنسانية بناءً على خريطة الطريق»، وهو البند الذي كان كفيلًا، في حال تطبيقه، بالوصول بالبلد إلى تجاوز فعلي لكافة الإشكالات ذات العلاقة بالملفين الاقتصادي والإنساني، وهو الملف الذي يمثل معوقًا كبيرًا أمام استكمال السير في مسار التسوية بناءً على خارطة الطريق، التي أعلن المبعوث الأممي عن توصل الأطراف اليمني إليها في ديسمبر/ كانون الأول 2023، ومنذئذ لم تتحقق خطوة للأمام، بل ساد جمودًا على كافة مسارات التسوية، مع بقاء البلد يعيش هدنة هشة يوازيها تأهبًا لاستئناف الحرب.
المبعوث الأممي الخاص لليمن اعتبر في بيان صدر عنه الخميس، إصدار مركزي صنعاء، الذي تديره «أنصار الله» (الحوثيون)، عملة جديدة «خرقًا» لتلك التفاهمات، وهو البيان الذي رفضه الحوثيون، واعتبروه انحيازًا للطرف الآخر.
واعتبرت وزارة الخارجية في حكومة الحركة، أن هذا البيان يؤكد انحياز المبعوث الأممي للطرف الآخر، وخروجًا عن «الولاية المناطة به كوسيط محايد». وأكدّت رفضها للبيان «كونه جاء متناغماً مع البيانات الصادرة عن بعض دول العدوان وفي مقدمتها أمريكا وبريطانيا وفرنسا».
وقالت: «إن البنك المركزي بصنعاء أصدر العملة بناءَ على دراسة مالية ومهنية باعتبارها بديل للأوراق النقدية التالفة دون أن يترتب على ذلك أي آثار نقدية أو اقتصادية».
وأضافت أن جهودها ترمي «للتخفيف من معاناة الشعب اليمني، وينبغي أن تحظى بالإشادة والتقدير».
واعتبرت أن لجوؤها لإصدار عملة هو قرار اضطراري، «بعد أن وصلت المحادثات بشأن هذا الملف إلى طريق مسدود بسبب تعنت ومماطلة وعدم جدية دول العدوان وحكومة المرتزقة بعد مرور عشر سنوات من المعاناة اليومية للمواطن اليمني جراء التعامل بالعملة القديمة».
وقالت إن صنعاء وافقت على اقتراح تشكيل لجنة اقتصادية مشركة، «وهو ما كان سيؤدي إلى المضي في حل جميع الإشكاليات»، محملة الطرف الآخر «مسؤولية عدم ظهور اللجنة للنور».
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


القدس العربي
منذ ساعة واحدة
- القدس العربي
إسرائيل تخصص 274 مليون دولار لدعم الاستيطان في الضفة المحتلة
القدس المحتلة: خصصت الحكومة الإسرائيلية 274.6 مليون دولار لمشاريع استيطان في الضفة الغربية المحتلة، بعد ساعات من تأييد الكنيست اقتراحا يدعم 'ضم' الضفة. وقالت صحيفة 'يسرائيل هيوم' الخميس: 'وافقت وزيرة المواصلات ميري ريغيف ووزير المالية بتسلئيل سموتريتش في لجنة المالية على ميزانيات إضافية واسعة لإعادة تأهيل طرق يهودا والسامرة (التسمية التوراتية للضفة)'. وأفادت بتخصيص 918 مليون شيكل (نحو 274.6 مليون دولار) لتنفيذ مشاريع بنى تحتية لربط المستوطنات ببعضها وبإسرائيل. وبحسب الصحيفة، تم إقرار هذه المشاريع مساء الأربعاء والإعلان عنها الخميس. ونقلت عن ريغيف قولها في بيان: 'منذ عودتي إلى وزارة النقل، عملتُ من أجل الاستيطان، واستثمرنا مليارات الشواكل (الدولار يعادل 3.3 شواكل) في البنية التحتية للنقل في يهودا والسامرة وغور الأردن'. وتابعت: 'تخصيصات الميزانية التي أُقرت الليلة هي استمرار لسياسة واضحة مفادها: (تطبيق) السيادة (ضم الضفة المحتلة) عمليا من خلال العمل'. و'رغم أن قانون دعم تطبيق السيادة أقره الكنيست أمس (الأربعاء)، فإن العمل على أرض الواقع بدأ يوم عودتي إلى الوزارة'، حسب ريغيف. بدوره، قال سموتريتش في البيان: 'بهذه الطريقة تُحقق السيادة الفعلية، ويُجلب مليون ساكن (مستوطن)، وتُلغى فكرة (إقامة) الدولة العربية (الفلسطينية) الإرهابية'، وفق تعبيراته. وتؤكد الأمم المتحدة أن الاستيطان في الأراضي المحتلة غير قانوني، ويقوض إمكانية معالجة الصراع وفقا لمبدأ حل الدولتين، وتدعو إسرائيل منذ عقود إلى وقفه دون جدوى. وبأغلبية 71 نائبا ومعارضة 13 من أصل 120، أيد الكنيست مساء الأربعاء اقتراحا قدمه النواب سيمحا روتمان (حزب الصهيونية الدينية) وليمور سون هار ميليش (القوة اليهودية) ودان إيلوز (الليكود). ويدعو الاقتراح الحكومة إلى ضم الضفة الغربية المحتلة، بما فيها غور الأردن، وهو اقتراح 'تصريحي فقط، وليس له أي قوة قانونية مُلزمة، ولكنه يحمل ثقلا رمزيا وتاريخيا كبيرا'، وفق القناة '14' العبرية. وحسب تقديرات إسرائيلية، يوجد أكثر من 750 ألف مستوطن في الضفة الغربية، بما فيها القدس الشرقية. وتكثف إسرائيل تحركاتها لضم الضفة الغربية عبر تسريع الاستيطان وتهجير الفلسطينيين من أراضيهم المحتلة. ومنذ 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023، قتل الجيش الإسرائيلي والمستوطنون في الضفة، بما فيها القدس الشرقية، ما لا يقل عن 1005 فلسطينيين، وأصابوا نحو 7 آلاف، إضافة إلى اعتقال أكثر من 18 ألفا، وفق معطيات فلسطينية. وتشن إسرائيل، منذ 7 أكتوبر 2023، حرب إبادة جماعية بدعم أمريكي في قطاع غزة، خلفت أكثر من 202 ألف فلسطيني بين شهيد وجريح، معظمهم أطفال ونساء، وما يزيد على 9 آلاف مفقود، إضافة إلى مئات آلاف النازحين، ومجاعة أزهقت أرواح كثيرين. ومنذ عقود تحتل إسرائيل فلسطين وأراضي في سوريا ولبنان، وترفض الانسحاب منها وقيام دولة فلسطينية مستقلة، وعاصمتها القدس الشرقية، على حدود ما قبل حرب 1967. (الأناضول)


العربي الجديد
منذ ساعة واحدة
- العربي الجديد
سورية تعلن تحويل مطار المزة العسكري إلى مدني
أعلنت السلطات السورية، اليوم الخميس، قرارها تحويل مطار المزة العسكري في العاصمة دمشق إلى مطار مدني دولي، بطاقة استيعابية تصل إلى 30 مليون مسافر سنوياً، في خطوة وصفتها أوساط حكومية بأنها جزء من "خطة طموحة لتطوير البنية التحتية للنقل الجوي" في البلاد. وجاء الإعلان خلال كلمة رئيس هيئة الطيران المدني السوري، عمر الحصري، في منتدى الاستثمار السوري-السعودي الأول، الذي انطلق اليوم الخميس في قصر الشعب بدمشق، بمشاركة وفود اقتصادية من كلا البلدين. وأوضح الحصري أن القرار يشمل تحويل مطار المزة إلى مطار مدني جديد قادر على استيعاب 30 مليون مسافر سنوياً، إضافة إلى رفع الطاقة التشغيلية لـ مطار دمشق الدولي إلى 5 ملايين، وتأهيل مطار حلب الدولي ليتسع إلى مليوني مسافر. ويحمل مطار المزة في ذاكرة السوريين دلالات متباينة، إذ ارتبط في سنوات الحرب باستخدامه قاعدة عسكرية كان لها دور في عمليات النظام السوري، كمنصة لإطلاق الصواريخ وقصف المدن والبلدات المنتفضة خلال السنوات الماضية، ولا سيما في محافظات دمشق وريفها ودرعا والقنيطرة، ما تسبب في سقوط ضحايا ونزوح الآلاف من قراهم وبلداتهم. وتحويله إلى مطار مدني يطرح أسئلة حول كيفية إدارة العلاقة بين الذاكرة الشعبية والتنمية العمرانية. وفي هذا السياق، قال أحمد الصباغ أحد سكان دمشق، لـ"العربي الجديد"، إنّ "المشروع خطوة كبيرة على المستوى الفني والتجاري، لكنه بحاجة إلى مقاربة تأخذ بعين الاعتبار تاريخ الموقع وما عايشه السوريون خلال سنوات الحرب". وأضاف: "لا أحد يعارض إعادة الإعمار أو تحديث البنية التحتية، لكن من المهم أيضاً أن ترافق هذه المشاريع إشارات واضحة نحو الإنصاف والمصالحة المجتمعية، حتى يشعر الناس أن الماضي لم يُمحَ، بل تم تجاوزه بكرامة". وتابع: "لا أحد ينكر أهمية تطوير المطارات، لكن في ظل انقطاع الكهرباء لساعات طويلة، وانعدام المياه في بعض الأحياء، ونقص الدواء في المستشفيات، تبدو هذه المشاريع وكأنها تقفز فوق حاجات المواطن اليومية". وأضاف: "نتمنى أن تكون الاستثمارات متوازنة، بحيث تشمل قطاعات التعليم والصحة والنقل الداخلي، لا أن تتركز فقط في مشاريع ذات طابع رمزي أو تجميلي، يمكن تأجيلها". ويأتي هذا التطور في ظل تزايد المؤشرات على انفتاح اقتصادي خليجي تجاه دمشق، تُوّج بانعقاد منتدى الاستثمار السوري-السعودي الأول، الذي تخلله إعلان عن مشاريع مشتركة وفرص عمل، وتأكيد سعودي على استعداد الرياض لإطلاق "استثمارات كبيرة" في سورية. وكان وزير الإعلام السوري، حمزة المصطفى، قد أشار أمس الأربعاء، خلال مؤتمر صحافي، إلى أنّ المنتدى سيساهم في تأمين نحو 50 ألف فرصة عمل. ورغم الطابع الإيجابي الذي حاولت الحكومة السورية إبرازه، إلا أن مراقبين يؤكدون أن نجاح مثل هذه المشاريع يتطلب بيئة قانونية وإدارية جاذبة، ومناخاً سياسياً أكثر استقراراً. اقتصاد عربي التحديثات الحية سورية توقّع 47 اتفاقية اقتصادية مع السعودية بقيمة 6.4 مليارات دولار وفي تعليقه على المشروع، يرى الخبير الاقتصادي مروان الخطيب، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن الإعلان عن مشروع بهذا الحجم يعكس رغبة سياسية في جذب المستثمرين الخليجيين، لكنه يصطدم بواقع مالي هش، وبيئة اقتصادية متعثرة. وأشار إلى أن تكاليف مشروع كهذا تُقدّر بمليارات الدولارات، بينما تعاني الحكومة من عجز مزمن في الموازنة العامة، وتراجع مستمر في الإيرادات، وقيود على الاستيراد والتمويل الخارجي. واعتبر الخطيب أن الرهان على التمويل الخليجي قد يخفف العبء، لكنه لا يغني عن إصلاحات داخلية أساسية لضمان استدامة المشاريع ونجاحها، مشيراً إلى أن المشكلة ليست في الأفكار، بل في القدرة التنفيذية والمؤسسية. ورأى أن موازنة المشاريع الرمزية مع احتياجات الناس اليومية ستكون عامل حسم في مدى تقبل الشارع السوري لما يُعلن عنه من خطط تنموية.


العربي الجديد
منذ ساعة واحدة
- العربي الجديد
مشروع قانون وشيك وتحذيرات من بنك إنكلترا.. فهل تنجح لندن في تقنين الأصول الرقمية؟
تستعد المملكة المتحدة لإطلاق أول إطار قانوني شامل لتنظيم سوق الأصول الرقمية، في خطوة قد تعيد تشكيل مستقبل العملات المشفّرة في البلاد. ففي إبريل/نيسان 2025، نشرت وزارة الخزانة البريطانية مشروع لائحة تشريعية لتعديل قانون الخدمات والأسواق المالية، بينما أطلقت هيئة السلوك المالي (FCA) مشاورات واسعة هذا الصيف بشأن تنظيم العملات المستقرة وخدمات حفظ الأصول الرقمية. ومن المتوقع أن تدخل هذه القواعد حيّز التنفيذ في عام 2026، ما يضع بريطانيا على مسار جديد لضبط هذا القطاع المتسارع. وفي خضم هذه التحولات، حذّر بنك إنكلترا من انفلات السيطرة على العملات المستقرة، ولا سيما تلك المرتبطة بالدولار الأميركي، التي قد تتجاوز قيمتها 3.7 تريليونات دولار عالميًا بحلول 2030. وأعرب محافظ البنك، أندرو بيلي، عن مخاوفه من إصدار بنوك تجارية لعملات مستقرة خاصة بها دون وجود إطار تنظيمي صارم يضمن الشفافية وثقة المستخدمين، وفق ما نشرته صحيفة "فاينانشال تايمز" بتاريخ 17 تموز/يوليو 2025. وسط هذا الزخم التنظيمي، تزداد أهمية الأسئلة القانونية المتعلقة بطبيعة الأصول الرقمية ومكانتها في القانون الخاص. هل يمكن اعتبار العملات المشفّرة "ممتلكات" خاضعة للملكية القانونية؟ وما القواعد التي تنطبق عليها في حالات الضمان والإفلاس؟ في هذا السياق، يقدّم الدكتور أليستير ماكفرسون، كبير المحاضرين في القانون التجاري بجامعة أبردين، رؤية معمّقة حول الجدل القانوني المتعلق بهذه الأصول في إنكلترا وويلز، والتشريعات المرتقبة في إسكتلندا، والفراغات القانونية التي ما زالت قائمة رغم التقدم الحاصل. أصول مشفّرة وحقوق ملكية: تحليل قانوني من ماكفرسون يقول ماكفرسون في رده على استفسارات "العربي الجديد"، إن العملة المشفّرة أصبحت محورًا أساسيًا للنقاش القانوني في المملكة المتحدة، ولا سيما في ما يتعلق بوضعها أصلاً قابلاً للملكية في القانون الخاص. ويوضح أن المحاكم والمحللين القانونيين في إنكلترا وويلز باتوا يقرّون عمومًا بإمكانية اعتبار الأصول المشفّرة ممتلكات، أي إنه يمكن حيازة حقوق ملكية فيها، رغم استمرار الجدل بشأن الفئة القانونية الدقيقة من "الممتلكات الشخصية" التي تنتمي إليها هذه الأصول. ويشير ماكفرسون إلى أن عمل لجنة القانون في هذا المجال أسفر عن مشروع قانون الملكية (الأصول الرقمية)، المعروض حاليًا على البرلمان البريطاني. ورغم أن المشروع موجز للغاية، إلا أنه يهدف إلى توضيح أن الأصل، بما في ذلك الأصل الرقمي، يمكن أن يكون موضوعًا لحقوق ملكية شخصية، حتى لو لم يندرج ضمن الفئتين التقليديتين المعتمدتين في القانون الإنكليزي. وأوضح أن اختصار نص المشروع يعكس اعتماد المحاكم السابقة على تطوير بعض المبادئ القانونية المتعلقة بالأصول الرقمية، ولا سيما الأصول المشفّرة، لكونها موكولة باستمرار بتطوير القانون في هذا المجال. اقتصاد دولي التحديثات الحية بنك إنكلترا يتجه بالمملكة المتحدة نحو الركود بحلول نهاية العام تشريعات منتظرة في إسكتلندا أما بالنسبة إلى إسكتلندا، فيلفت ماكفرسون إلى أنه لا توجد أي سوابق قضائية فيها تتعلق بالأصول الرقمية، ما يجعل التشريع المرتقب في البلاد خلال العام المقبل مرشحًا لأن يكون أكثر شمولًا وتفصيلًا. ويضيف أن قانون الملكية يشكل بنية تحتية قانونية حاسمة ترتكز عليها فروع قانونية أخرى، مثل قانون المعاملات المضمونة وقانون الإعسار (أي الحالة القانونية التي يُقر فيها الفرد أو الشركة بعدم قدرتهما على الوفاء بالتزاماتهما المالية). ويوضح أن تأكيد وضع الأصول المشفّرة كملكية، ووضع قواعد قانونية لانتقال هذه الملكية، من شأنه أن يساعد على معالجة قضايا أخرى في القانون الخاص. الغموض القانوني في استخدام العملات باعتبارها ضماناً يؤكّد ماكفرسون أن العملات المشفّرة يمكن أن تُستخدم ضماناً في المعاملات، وهناك خيارات متنوعة متاحة لكل من المقترضين والمقرضين في هذا السياق. إلا أن بعض المسائل لا تزال غامضة، منها: ما إذا كان حصول المُقرض على "التحكم" في أصل مشفّر دون نقل ملكيته يعادل قانونًا حيازة مادية تؤسس لحق ضمان (رهن). ويقول: "ما زلنا في انتظار مزيد من التوضيحات حول هذه المسألة". الأصول الرقمية ضمن إجراءات الإفلاس يتابع ماكفرسون بأن من غير المشكوك فيه أن الأصول المشفّرة تدخل ضمن تركة المدين المُعسر، سواء في حالات الإفلاس الشخصي أو إشهار إعسار الشركات. ففي حال امتلاك فرد أو شركة لأصول مشفّرة ودخولهم في إجراءات إفلاس ، يمكن بيع هذه الأصول واستخدام العائد لسداد ديون الدائنين. ومع ذلك، يشير إلى وجود صعوبات عملية في تحديد ما إذا كان المدين يملك مثل هذه الأصول، وكيفية تحديدها، ثم السيطرة عليها لتنفيذ أحكام القضاء. ويكمل ماكفرسون: "رغم أن هذه التحديات قد تظهر أيضًا في حالات ملكية أخرى، إلا أن طبيعة الأصول المشفّرة تجعل هذه المشكلات أكثر وضوحًا"، لافتًا إلى أن تنفيذ الأحكام ضد العملات المشفّرة خارج سياق الإعسار يواجه عادة تحديات أكبر. ورغم وجود بعض الآليات التي تُعين المسؤولين القانونيين على التعامل مع الأصول المشفّرة ضمن التركات المفلسة، "فلا يزال هناك خطر كبير من تعطيل التنفيذ، بما في ذلك من خلال تصرفات احتيالية من طرف المدين". ويحذّر ماكفرسون من تعقيدات إضافية تتعلّق بكيفية حيازة الأصول المشفّرة، ودور الأطراف الثالثة مثل مزوّدي المحافظ الإلكترونية ومنصات التداول. ويتطرّق إلى البُعد الدولي لتلك الأصول الذي يزيد من صعوبة التنفيذ، سواء عندما تكون الأصول بحوزة طرف ثالث نيابة عن المدين أو عندما يحاول المدين نقلها دون إذن قانوني، بينما تجري محاولات لاستردادها. اقتصاد دولي التحديثات الحية المملكة المتحدة تسجل أعلى معدل سنوي للتضخم منذ 2012 تشريعات متسارعة: من لندن إلى المنافسين الدوليين في هذا السياق، يبرز الزخم التنظيمي المتواصل الذي يشهده المشهد البريطاني منذ عام 2023، حين نشرت هيئة السلوك المالي البريطانية (FCA) وبنك إنكلترا بيانًا مشتركًا يدعو إلى تقنين شامل للعملات المستقرة، في ظل تصاعد استخدامها المتوقع ضمن أنظمة الدفع. وقد شكّلت هذه الدعوة نقطة انطلاق نحو إعادة رسم الإطار القانوني للأصول الرقمية في المملكة المتحدة. وعلى مدار عام 2025، تسارعت وتيرة التشريع، حيث نشرت الجهات التنظيمية في إبريل/نيسان مشروع لائحة تعديلية تُدرج العملات المشفّرة ضمن الأنشطة الخاضعة للرقابة، وتُخضع إصدار العملات المستقرة وحفظ الأصول وتشغيل المنصات لضوابط صارمة. كذلك وضعت معايير رأسمالية ومتطلبات شفافية، تمهيدًا لإصدار دليل تنظيمي شامل منتصف عام 2026. وتتماهى هذه الخطوات مع توصيات لجنة القانون البريطانية، التي دعت إلى الاعتراف القانوني بفئة جديدة من الممتلكات تتلاءم مع طبيعة الأصول الرقمية، وأوصت بإنشاء هيئة فنية استشارية لمساعدة المحاكم في التعامل مع قضاياها المعقدة. التحدي العالمي: هل تتفوّق لندن في سباق التنظيم الرقمي؟ لا تنفصل هذه الجهود عن سياق عالمي محتدم، إذ دخل قانون الأسواق في الأصول المشفّرة (MiCA) حيّز التنفيذ الكامل في الاتحاد الأوروبي أواخر 2024، واضعًا معايير واضحة لتداول العملات الرقمية وحمايات صارمة للمستهلكين. وفي الولايات المتحدة، تبنّى الكونغرس في يونيو 2025 قانونًا يُلزم بدعم العملات المستقرة باحتياطيات نقدية شفافة، ما عزز ثقة الأسواق وأشعل موجة من التحديثات التشريعية. وبينما يتجه العالم نحو نماذج تنظيمية متقدمة، تجد المملكة المتحدة نفسها أمام اختبار مصيري: كيف يمكنها إرساء إطار قانوني يوازن بين الابتكار وحماية السوق، مع الحفاظ على لندن في صدارة الساحة الرقمية العالمية؟ هذه التحديات لا تنفصل عن التحليل القانوني العميق الذي قدّمه الدكتور أليستير ماكفرسون، الذي يكشف كيف أن مستقبل الأصول المشفّرة لن يُحدده فقط الاعتراف بملكيتها، بل أيضًا قدرة المنظومة القانونية على تطويع أدواتها بما يستجيب لتحولات السوق، محليًا وعالميًا. ومع اقتراب عام 2026، تبدو الأسواق الرقمية في بريطانيا على أعتاب مرحلة جديدة، تتطلب جاهزية قانونية لا تقل عن جاهزيتها التقنية والاقتصادية.