
بوادر أزمة اقتصادية ودبلوماسية: «مركزيّ عدن» يُقرّ نقل «ضمان الودائع»
وأعرب مراقبون عن مخاوفهم من أن تندرج هذه الخطوة في سياق استئناف تصعيد الحرب الاقتصادية بين طرفي الصراع، عقب إصدار البنك المركزي في صنعاء، الذي تُديره حركة «أنصار الله» (الحوثيون)، الأسبوع الماضي، عملة معدنية جديدة وإصدار نقدي ورقي آخر جديد.
في السياق، استهجنت وزارة الخارجية في حكومة «أنصار الله»، ما حمله بيان المبعوث الأممي الخاص لليمن، هانس غروندبرغ، إزاء إصدار مركزي صنعاء عملة جديدة، معتبرة أن ذلك البيان «يؤكّد مجدداً انحيازه (غروندبرغ) المطلق لدول العدوان (دول التحالف) ومرتزقتها وخروجه عن الولاية المناطة به كوسيط محايد».
وحسب وكالة الأنباء اليمنية (سبأ) بنسختها التابعة للحكومة، فقد أصدر محافظ البنك المركزي اليمنيّ في عدن، قراراً «بنقل المركز الرئيسي لمؤسسة ضمان الودائع المصرفية من مدينة صنعاء إلى العاصمة المؤقتة عدن. ونصت المادة الثانية، من القرار على العمل به من تاريخ صدوره وعلى جميع الجهات المختصة العمل بموجبه».
واُنشئت المؤسسة رسميًا عام 2008 بصنعاء، وهو العام الذي صدر فيه قانون المؤسسة بقرار جمهوري.
صنعاء: غروندبرغ «وسيطًا غير محايد»
ووفقًا لنص القانون، فأهم ما تهدف إليه هذه المؤسسة هو تحقيق «حماية صغار المودعين في البنوك عن طريق تأمين قدر معين من الودائع وتوفير آلية لضمان تعويض المودع عن ودائعه دون إبطاء في حالة إخفاق البنك لأي سبب كان وتقرر تصفيته. وتشجيع عدداً أكبر من المواطنين اليمنيين للتعامل مع الجهاز المصرفي، والمساهمة في تحقيق استقرار الجهاز المصرفي، وضمان اشتراك جميع البنوك في تحمل تكاليف الإخفاق المصرفي والأزمات الاقتصادية».
لكن لا يتوفر في القانون نصًا واضحًا يمنح رئيس مجلس إدارة البنك المركزي اليمنيّ، وهو رئيس مجلس إدارة المؤسسة، الحق في إصدار قرار بنقل المركز الرئيسي للمؤسسة من صنعاء، ولكن يمنح القانون المجلس حق انشاء فروع للمؤسسة في المحافظات. ووفقًا للبند الثاني من المادة الرابعة في قانون إنشاء المؤسسة «يكون مركز المؤسسة في مدينة صنعاء، ويجوز بقرار من المجلس فتح فروع ومكاتب لها في أنحاء الجمهورية».
ويرى مراقبون أن هذا القرار في حال صدر كرد فعل إزاء قرار الحوثيين إصدار عملة معدنية جديدة وإصدار نقدي ورقي جديد، فإن البلد مقبلة على موجة ثانية من الحرب الاقتصادية، التي ستكون تداعياتها كارثية على معاناة اليمنيين، لاسيما بعد أكثر من عشر سنوات من الحرب، التي أوصلت أوضاع الناس الاقتصادية إلى مستوى تراجعت فيها القدرة الشرائية إلى مؤشرات مخيفة، وتراجع معها متوسط الراتب في مناطق نفوذ الحكومة المعترف بها دوليًا إلى أقل من خمسين دولارًا أمريكيًا.
وفي هذا، يرى الخبير الاقتصادي في صنعاء، رشيد الحداد، أن «قرار بنك عدن ضد مؤسسة ضمان الودائع المصرفية، والمعنية بحماية حقوق صغار المودعين في البنوك التجارية، يأتي في إطار التصعيد ضد قطاع البنوك والمصارف اليمني، وبهذا القرار تتحمل حكومة الطرف الآخر والبنك التابع لها مسؤولية حقوق المودعين في كافة البنوك التجارية والإسلامية، والتي تتجاوز 1.7 تريليون ريال يمني بسعر صرف العملة المتداولة بصنعاء ما يزيد عن 3 مليارات دولار».
ويعتقد في تصريح لـ»القدس العربي»، أن «مثل هذا القرار يأتي في إطار إقحام القطاع المصرفي في الصراع، ومحاولة من محاولات بنك عدن لتصدير أزمته إلى البنوك التجارية، خاصة وأن مثل هذا القرار، الذي، جاء بعد عشر سنوات يهدف إلى ضرب ثقة المودعين بالبنوك، ولن يعزز الثقة بينهما»، مشيرًا إلى أن «البنك المركزي في صنعاء لا يزال مستمرًا في، الحفاظ على حقوق المودعين، ويقدم معالجات خاصة لمواجهة طلبات صغار المودعين، ومنذ مطلع العام الجاري يجرى دفع تعويضات مالية شهرية وفق برنامج متفق عليه بين البنك المركزي بصنعاء والبنوك التجارية وبتمويل من البنك المركزي بصنعاء»، معتبرًا أن «ما يقوم به بنك عدن هو محاولة إرباك للقطاع المصرفي في صنعاء، مع تنصله عن أي مسؤولية تجاه مثل هذا القرارات الاعتباطية».
واعتبر الحداد أن «القرار غير قانوني، لأن القانون رقم (40) لعام 2008 بشأن مؤسسة ضمان الودائع المصرفية، وتحديدًا في الفقرة الثانية من المادة الرابعة منه تنص على أن يكون مركز المؤسسة في مدينة صنعاء، ويجوز بقرار من المجلس فتح فروع ومكاتب لها في أنحاء الجمهورية».
رئيس منتدى الإعلام والبحوث الاقتصادية في عدن، المحلل الاقتصادي، عبد الحميد المساجدي، قال لـ «القدس العربي» ، «إن قرار محافظ البنك المركزي اليمني في عدن بنقل مقر مؤسسة ضمان الودائع من صنعاء إلى عدن لا ينبغي قراءته كخطوة تصعيدية أو سياسية بقدر ما هو إجراء إداري طبيعي ومنطقي يتسق مع الواقع الجديد للقطاع المصرفي في اليمن، ومع المهام التي أنشئت من أجلها المؤسسة ذاتها».
ويعتقد أن «المؤسسة أنشئت عام 2008 لتكون أداة لحماية المودعين وتعزيز الثقة في النظام المصرفي»، معتبرًا أنها «تخضع لإشراف البنك المركزي اليمني ويرأسها محافظ البنك، وبالتالي فإن ارتباطها الوثيق بالبنك يجعل من الطبيعي أن تنتقل حيثما يوجد المركز الفعلي لقيادة السياسة النقدية في البلاد».
ويرى المساجد أنه «مع انتقال معظم البنوك التجارية والإسلامية إلى عدن، بات من الضروري أن تُنقل معها المؤسسات المرتبطة بالرقابة والإشراف، وفي مقدمتها مؤسسة ضمان الودائع كي تتمكن من ممارسة دورها بفاعلية، وتكون على تماس مباشر مع البنوك والمودعين».
واعتب أن «الأهم من ذلك، أن المؤسسة وهي في صنعاء كانت فعليًا معطلة ولم تؤدِ الدور المناط بها، لا في حماية حقوق المودعين، ولا في التدخل في الحالات التي عجزت فيها بعض البنوك عن الإيفاء بالتزاماتها تجاه عملائها. الأمر الذي أضعف ثقة الجمهور بها، وأفرغ وجودها من مضمونه، وهو ما يجعل من إعادة تفعيلها اليوم في بيئة تشغيلية حقيقية خطوة في الاتجاه الصحيح». وقال: «بخصوص ما يُثار عن أن قانون تأسيس المؤسسة لم يتضمن نصًا صريحًا بشأن نقل مقرها، فهو اعتراض شكلي، لأن المؤسسة ليست كيانًا سياديًا منفصلًا، بل هي وحدة مرتبطة تنظيميًا وإداريًا بالبنك المركزي، وهو الجهة المختصة باتخاذ مثل هذه القرارات التنظيمية والإجرائية، بما يخدم الصالح العام ويعزز من فاعلية السياسة النقدية».
وشهدا العام 2024 تصعيدًا اقتصاديًا متبادلًا بين الطرفين، عبرت عنه قرارات لكل من «مركزيّ» عدن وصنعاء تتعلق بتعاملات البنوك، وهو التصعيد الذي انتهى بتفاهمات رعتها الأمم المتحدة بين الطرفين، ونصت على إلغاء القرارات والإجراءات الأخيرة ضد البنوك من الجانبين، والتوقف عن ذلك مستقبلاً، واستئناف طيران اليمنية للرحلات بين صنعاء والأردن، وزيادة الرحلات اليومية إلى ثلاث، وتسيير رحلات إلى القاهرة والهند يومياً أو بحسب الحاجة.
وكان أهم ما تضمنته تلك التفاهمات أن نصت على «البدء في عقدِ اجتماعات لمناقشة كافة القضايا الاقتصادية والإنسانية بناءً على خريطة الطريق»، وهو البند الذي كان كفيلًا، في حال تطبيقه، بالوصول بالبلد إلى تجاوز فعلي لكافة الإشكالات ذات العلاقة بالملفين الاقتصادي والإنساني، وهو الملف الذي يمثل معوقًا كبيرًا أمام استكمال السير في مسار التسوية بناءً على خارطة الطريق، التي أعلن المبعوث الأممي عن توصل الأطراف اليمني إليها في ديسمبر/ كانون الأول 2023، ومنذئذ لم تتحقق خطوة للأمام، بل ساد جمودًا على كافة مسارات التسوية، مع بقاء البلد يعيش هدنة هشة يوازيها تأهبًا لاستئناف الحرب.
المبعوث الأممي الخاص لليمن اعتبر في بيان صدر عنه الخميس، إصدار مركزي صنعاء، الذي تديره «أنصار الله» (الحوثيون)، عملة جديدة «خرقًا» لتلك التفاهمات، وهو البيان الذي رفضه الحوثيون، واعتبروه انحيازًا للطرف الآخر.
واعتبرت وزارة الخارجية في حكومة الحركة، أن هذا البيان يؤكد انحياز المبعوث الأممي للطرف الآخر، وخروجًا عن «الولاية المناطة به كوسيط محايد». وأكدّت رفضها للبيان «كونه جاء متناغماً مع البيانات الصادرة عن بعض دول العدوان وفي مقدمتها أمريكا وبريطانيا وفرنسا».
وقالت: «إن البنك المركزي بصنعاء أصدر العملة بناءَ على دراسة مالية ومهنية باعتبارها بديل للأوراق النقدية التالفة دون أن يترتب على ذلك أي آثار نقدية أو اقتصادية».
وأضافت أن جهودها ترمي «للتخفيف من معاناة الشعب اليمني، وينبغي أن تحظى بالإشادة والتقدير».
واعتبرت أن لجوؤها لإصدار عملة هو قرار اضطراري، «بعد أن وصلت المحادثات بشأن هذا الملف إلى طريق مسدود بسبب تعنت ومماطلة وعدم جدية دول العدوان وحكومة المرتزقة بعد مرور عشر سنوات من المعاناة اليومية للمواطن اليمني جراء التعامل بالعملة القديمة».
وقالت إن صنعاء وافقت على اقتراح تشكيل لجنة اقتصادية مشركة، «وهو ما كان سيؤدي إلى المضي في حل جميع الإشكاليات»، محملة الطرف الآخر «مسؤولية عدم ظهور اللجنة للنور».
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


العربي الجديد
منذ 25 دقائق
- العربي الجديد
البرلمان الإيراني يقر قانون مكافحة المحتوى الكاذب وسط انتقادات عدة
أقر نواب مجلس الشورى الإسلامي (البرلمان) في إيران، في جلسته العلنية اليوم الأحد بصفة عاجلة مشروع قانون مكافحة المحتوى الكاذب على شبكات التواصل الاجتماعي . وقد حظي المشروع بدعم 205 نواب مقابل 42 معترضًا و3 ممتنعين، من أصل 260 نائبًا حضروا الجلسة. وأوضح معاون الشؤون التشريعية في مكتب الرئاسة الإيرانية، كاظم دلخوش، أن مشروع القانون يتضمن 22 مادة، بوجود بعض الثغرات، إلا أنه أكد إمكانية معالجتها أثناء مناقشة التفاصيل بمشاركة النواب. وشدد دلخوش على أهمية تدفق المعلومات والأخبار، قائلاً إن "أحداً لا يعارض هذا الفضاء الرقمي، بل يُوظَّفُ أيضاً أداةً اقتصادية"، إلا أنه أبدى قلقه من "تبعات الأخبار المحرفة" والتي قال إنها "تمس أمن المجتمع وتؤدي إلى تضليل الرأي العام وإضعاف التماسك الوطني". ودعا المسؤول الإيراني إلى ضرورة التمييز بين الأخبار الصحيحة والمزيفة لما لذلك من أثر في تعزيز الوحدة الوطنية. في المقابل، أبدى المتحدث باسم اللجنة القضائية والقانونية البرلمانية، علي آذري، انتقاداته لمشروع القانون، واصفًا إياه بـ "غير ناضج إطلاقًا" ويحمل العديد من العيوب؛ محذرًا من أن من شأنه التسبب بتكدّس كبير في القضايا الجنائية أمام القضاء. ينص مشروع القانون على أنه في حال أقدم أي مستخدم أو منصة إلكترونية على نشر محتوى خبري مناف للواقع عبر الفضاء الافتراضي، فإنه إضافة إلى إلزامه بتعويض الأضرار الناتجة، يعاقب بالسجن من ستة أشهر إلى ثلاث سنوات، وغرامة مالية من درجـة رابعة تراوح بين ألفي إلى أربعة آلاف دولار، فضلاً عن منعه من ممارسة أي نشاط افتراضي لمدة تراوح بين ثلاثة أشهر وسنتين. انتقادات للمشروع أثار تقديم الحكومة الإيرانية لمشروع القانون المذكور إلى البرلمان موجة انتقادات في الأوساط الإعلامية الإيرانية. ووصف رئيس تحرير صحيفة "سازندكي" الإصلاحية، أكبر منتجبي، المشروع بأنه "معاد لحرية التعبير"، مضيفاً في منشور له على منصة "إكس": "في مجتمع يسوده الشك، تصبح مسألة تحديد ما هو محتوى مخالف للواقع مسألة فردية، حيث يمكن لكل شخص أن يعتبر أي محتوى غير واقعي بحسب رأيه". وأكد منتجبي أن "من الأفضل أن تتجنب الحكومة التدخل في الشؤون المهنية وتترك معالجة الإشكالات للمؤسسات النقابية المختصة، وتتراجع عن هذا المسار". من جانبه، كتب الناشط الإعلامي ياشار سلطاني على "إكس" أن مشروع مكافحة نشر الأخبار الكاذبة الذي تقدمت به حكومة الرئيس مسعود بزشكيان هو "بمثابة حكم بالإعدام على حرية التعبير الناقصة أصلاً في إيران"، مضيفًا أن هذا المشروع "يفتح الباب أمام السلطات لمزيد من قمع الإعلام المستقل". إعلام وحريات التحديثات الحية الأخبار الكاذبة... معضلة السوريين بعد سقوط النظام من ناحية أخرى، اعتبر الخبير القانوني الإيراني كامبيز نوروزي أن هذا المشروع ليس إلا عودة إلى خطة سابقة كان البرلمان يسعى لإقرارها قبل عامين، لكنها سقطت بسبب الانتقادات الواسعة آنذاك. وأشار نوروزي، في سياق حديثه، إلى وعود الرئيس مسعود بزشكيان الانتخابية برفع القيود عن الإنترنت وإلغاء سياسة حجب المواقع، مؤكدًا أنه 'لم يتم تنفيذ هذه الوعود، بل على العكس، جرى اليوم عبر إقرار مثل هذه اللوائح بناء جدار جديد حول حرية التعبير'. وطالب نوروزي الرئيس بزشكيان بإلغاء هذا المشروع وتوضيح موقفه بوضوح للرأي العام، حفاظاً على التزامه تجاه حقوق المواطنين. تشريعات متلاحقة ويأتي إقرار القانون في سياق مجموعة تشريعات برلمانية إيرانية في أعقاب العدوان الإسرائيلي على إيران الشهر الماضي. ومن هذه القوانين الجديدة، هو قانون تشديد العقوبات على الجواسيس والمتعاونين مع "الكيان الصهيوني والدول المعادية التي تستهدف الأمن والمصالح الوطنية للبلاد". تم إقرار هذا القانون في الثلاثين من الشهر الماضي وهو مؤلف من 9 مواد، وجاء في مادته الرابعة أن "أي إجراء أو تعاون في الأنشطة السياسية أو الثقافية أو الإعلامية أو الدعائية، أو إحداث أو تضخيم أضرار مصطنعة، أو إعداد أو نشر أخبار كاذبة أو أي محتوى من شأنه بطبيعته أن يُسبب رعباً وهلعاً عاماً أو يؤدي إلى الفرقة أو المساس بالأمن القومي، إذا لم يكن مُندرجاً تحت عقوبة الإفساد في الأرض، فإنه سيُعاقب عليه بالسجن التعزيري من الدرجة الثالثة، والفصل الدائم من الخدمات الحكومية والعامة، وذلك بحسب تقدير المحكمة". وتضيف هذه المادة أن "إرسال مقاطع فيديو وصور إلى شبكات معادية أو أجنبية، والتي من شأن نشرها بطبيعتها أن تُضعف الروح المعنوية العامة أو تُحدث الفرقة أو تمس بالأمن القومي، سيُعاقب عليه بالسجن التعزيري من الدرجة الخامسة والفصل الدائم من الخدمات الحكومية والعامة، كما أن التظاهر والاجتماعات غير القانونية في وقت الحرب تستوجب السجن التعزيري من الدرجة الرابعة".


العربي الجديد
منذ 2 ساعات
- العربي الجديد
زراعة الخضار في إدلب تعاني ارتفاع أسعار الأسمدة وتهاوي القدرة الشرائية
يجد مزارعو الخضار في إدلب شمال غربي سورية أنفسهم عالقين بين ارتفاع تكاليف الإنتاج، وعلى رأسها السماد، في ظل غياب الدعم الحكومي من جهة، وتراجع أسعار بيع المنتجات في السوق المحلية مع استمرار انهيار القدرة الشرائية من جهة أخرى، ما يهدد جدوى مواسمهم الزراعية ويجعل العمل في الزراعة مخاطرة مالية حقيقية. وقال أحمد الحسين، وهو مزارع من ريف إدلب الجنوبي، إنّ الموسم الزراعي الحالي ورغم بدايته المبشرة من حيث وفرة الإنتاج، سرعان ما تحوّل إلى عبء اقتصادي أثقل كاهل المزارعين، بسبب ارتفاع تكاليف الزراعة بشكل غير مسبوق، يقابله انهيار في أسعار بيع الخضار. وأوضح الحسين، لـ"العربي الجديد"، أنّ تكلفة زراعة دونم واحد من الكوسا تخطت 500 دولار، توزعت بين ثمن السماد والبذور والمحروقات وأجور الأيدي العاملة، مشيراً إلى أن العائدات النهائية لم تغطِّ سوى نصف هذه التكاليف في أفضل الأحوال، ما يعني خسارة مادية مباشرة لكل من استثمر في هذا المحصول. وأضاف أنّ معظم المزارعين في المنطقة يعتمدون على الزراعة مصدرَ دخل وحيداً، ولا يملكون بديلاً عنها، وهو ما يدفعهم إلى الاستمرار في الزراعة، حتى وإن كانت النتائج خاسرة. وحذر من أن هذا النمط القسري في العمل الزراعي يجعل المزارعين يغرقون في الديون، إذ يلجؤون إلى الاستدانة من التجار أو شراء المواد الزراعية بالدين، على أمل التعويض لاحقاً، وهو ما لا يتحقق غالباً في ظل غياب الدعم والتقلبات الحادة في السوق. وأشار الحسين إلى أن كثيراً من المزارعين باتوا يعيشون حالة من الإحباط، إذ يفاجؤون في كل موسم بأن التكاليف أعلى من التقديرات، في حين تنخفض الأسعار بحدّة في ذروة الإنتاج، بسبب قلة التصدير، وضعف القدرة الشرائية لدى السكان المحليين. اقتصاد عربي التحديثات الحية أزمة المصارف... هموم السوريين تتعمّق بفصل الموظفين وحجز الودائع ارتفاع تكاليف الإنتاج وتابع أنّ "بيع المحصول بالجملة لا يعود على المزارع بما يسد كلفة النقل"، لافتاً إلى أن بعضهم "يترك جزءاً من محصوله في الأرض لأنه لا يجد جدوى في حصده". ولا يختلف عن الحسين حال خالد القدور، وهو مزارع في محيط مدينة سلقين، الذي يؤكد أنّ أسعار الأسمدة "ارتفعت بنحو 300% خلال عامين"، خاصة الأسمدة المستوردة، في حين أنّ أسعار الخضار "تشهد انهياراً كبيراً في السوق، نتيجة ضعف الطلب، وزيادة العرض، وغياب التصدير". وتابع لـ"العربي الجديد"، أنّ "النايلون الزراعي، وأدوية المبيدات، وحتى أكياس التعبئة ارتفعت أسعارها، بينما سعر الكيلو الواحد من البندورة لا يكاد يصل إلى ربع دولار"، مؤكداً أن كثيراً من المزارعين "بدؤوا يتخلون عن زراعة الخضار الموسمية ويتجهون لمحاصيل أقل تكلفة رغم قلة عائدها". وطالب بضرورة تدخل المنظمات العاملة في المنطقة لتوفير مستلزمات الإنتاج بأسعار مدعومة، أو على الأقل تقديم قروض زراعية ميسرة تساعد المزارعين على الاستمرار، في وقت تشير فيه التقديرات المحلية إلى أن أكثر من 60% من سكان المنطقة يعتمدون بشكل مباشر أو غير مباشر على الزراعة مصدرَ دخل رئيسياً. غياب الدعم لمزارعي إدلب من جهته، رأى المهندس الزراعي عبد الله خطاب أن التدهور المتسارع في القطاع الزراعي بإدلب لا يعود فقط إلى عوامل مناخية أو موسمية، بل يرتبط بشكل مباشر بغياب أي شكل من أشكال الدعم المنظم للمزارعين، وتركهم فريسة لاحتكار التجار وتقلبات السوق السوداء، وهو ما خلق فجوة بين تكلفة الإنتاج وسعر البيع. وأوضح خطاب، لـ"العربي الجديد"، أنّ أسعار الأسمدة، التي تُعد العمود الفقري للزراعة، شهدت ارتفاعات قياسية خلال العامين الأخيرين، ولا سيما الأسمدة المستوردة، حيث تضاعفت أسعار بعضها ثلاث مرات بسبب الاحتكار أو قلة توفرها في السوق. ولفت إلى أنّ بعض التجار يتحكمون في توقيت طرح هذه المواد ويخزّنونها لفترات، مستغلين غياب الرقابة والبدائل. وأشار إلى أن المحروقات، الضرورية لتشغيل مضخات المياه والآليات الزراعية، تضيف عبئاً آخر على كاهل الفلاح، خاصة أن أسعارها غير مستقرة وتتأثر بالعوامل السياسية والميدانية. كما أن مواد مثل الأدوية الزراعية والمبيدات والبلاستيك الزراعي لم تعد متاحة بسهولة، وإن وجدت، فإن أسعارها تفوق قدرة أغلب المزارعين. أسواق التحديثات الحية الحكومة السورية تلغي البطاقة الذكية للغاز وحذر خطاب من أنّ استمرار هذا النهج سيقود إلى نتائج كارثية على المدى القريب، أبرزها عزوف عدد كبير من المزارعين عن زراعة محاصيل الخضار ذات الكلفة العالية، والتوجه إلى محاصيل أقل تكلفة، أو حتى ترك الأرض بوراً، ما يعني تقلص المساحات المزروعة وتهديد الأمن الغذائي المحلي. وأضاف أن هذا التراجع سيترجم لاحقاً إلى ارتفاع كبير في أسعار الخضار بالأسواق، ليس بسبب قلة الإنتاج فحسب، بل أيضاً بسبب قلة العرض مقارنة بالطلب، خصوصاً إذا استمر المزارعون في الخروج من مواسمهم بخسائر متكررة. وأكد خطاب لـ"العربي الجديد" أن إنقاذ القطاع الزراعي في إدلب لا يمكن أن يتم إلا عبر تدخل منظم، سواء من الجهات المحلية أو المنظمات الداعمة، لضمان توفير مستلزمات الإنتاج بأسعار مدعومة، أو عبر إطلاق برامج دعم فني وتمويل صغير تمكّن المزارعين من الصمود.


العربي الجديد
منذ 3 ساعات
- العربي الجديد
حملة ترامب ضد الهجرة تزيد الطلب على السجون الخاصة
منذ عودته إلى البيت الأبيض ، يبذل الرئيس الأميركي دونالد ترامب جهوداً حثيثة للوفاء بوعده بتنفيذ أكبر عملية ترحيل لمهاجرين في تاريخ الولايات المتحدة الأميركية، الأمر الذي يثير استياء عدد من الأميركيين، في حين يستفيد آخرون من ازدياد الطلب على مراكز الاحتجاز الخاصة الآخذة في الازدهار. ف المهاجرون الذين يعتقلهم عناصر وكالة إنفاذ قوانين الهجرة والجمارك في الولايات المتحدة الأميركية يتعيّن وضعهم مؤقتاً في مراكز، من قبيل المنشأة التي تُجهَّز في مدينة كاليفورنيا سيتي غربي البلاد، قبل ترحيلهم. وقال رئيس بلدية كاليفورنيا سيتي ماركيت هوكينز: "عندما تتحدّث إلى السكان هنا، بغالبيتهم، تجد لديهم وجهة نظر إيجابية حيال هذا الأمر". وأردف: "ينظرون إلى الانعكاسات الاقتصادية، أليس كذلك؟". ومن المتوقّع أن يُفتَح في كاليفورنيا سيتي، التي تضمّ 15 ألف نسمة وتبعد 160 كيلومتراً إلى الشمال من لوس أنجليس، مركز احتجاز مترامي الأطراف تشغّله شركة "كورسيفيك"، إحدى أكبر شركات القطاع الخاص التي تملك وتدير سجوناً ومراكز احتجاز خاصة وكذلك تدير مراكز أخرى على أساس الامتياز. وتفيد الشركة، التي رفضت طلب وكالة فرانس برس إجراء مقابلة في هذا الخصوص، بأنّ المنشأة المنتظر فتح أبوابها سوف تخلق نحو 500 وظيفة وتدرّ مليونَي دولار أميركي من عوائد الضرائب على المدينة. وقد بيّن هوكينز لوكالة فرانس برس أنّ "كثيرين سكان المدينة وُظّفوا للعمل في هذه المنشأة". أضاف أنّ "أيّ مصدر دخل يمكن أن يساعد المدينة في إعادة بناء نفسها وإعادة تقديم صورتها سوف يكون موضع ترحيب ويُنظر إليه بإيجابية". وكانت حملة ترامب ضدّ الهجرة، مثل تلك التي أثارت احتجاجات في لوس أنجليس ، قد أسفرت عن احتجاز عدد قياسي من الأشخاص المعنيين بلغ 60 ألف شخص في يونيو/ حزيران الماضي، وفقاً لأرقام هيئة إنفاذ قوانين الهجرة والجمارك الأميركية. وتظهر تلك الأرقام أنّ لا أحكام صادرة بحقّ الغالبية العظمى من المحتجزين، علماً أنّ وعود حملة ترامب الانتخابية كانت قد لفتت إلى ملاحقة المجرمين الخطرين من بين الأجانب. Private ICE detention contractors, CoreCivic and GEO Group, donated nearly $2.8M to Trump's 2024 election efforts and inaugural fund. Now, Trump's budget bill is allocating $45 billion to increase ICE detention space. That's no coincidence. — Citizens for Ethics (@CREWcrew) July 26, 2025 ويقبع أكثر من 80% من المحتجزين في منشآت يديرها القطاع الخاص، بحسب مشروع "تراك" لدى جامعة "سيراكيوز" الأميركية. ومع تعليمات إدارة ترامب بزيادة عدد الاعتقالات اليومية ثلاثة أضعاف وتخصيص 45 مليار دولار لمراكز احتجاز جديدة، فإنّ القطاع يتطلّع إلى طفرة غير مسبوقة. يُذكر أنّ المدير التنفيذي لشركة "كورسيفيك" ديمون هينينغر كان قد قال، في مكالمة هاتفية مع مستثمرين في شهر مايو/ أيار الماضي، إنّه "لم يسبق في تاريخ شركتنا، الممتدّ على 42 عاماً، أن شهدنا هذا الحجم من النشاط والطلب على خدماتنا مثل الذي نشهده الآن". وعندما تولّى ترامب ولايته الرئاسية الثانية في 20 يناير/ كانون الثاني 2025، كانت ثمّة 107 مراكز احتجاز عاملة. أمّا الآن، بعد ستّة أشهر، فإنّ العدد يُقدَّر بنحو 200. وبالنسبة إلى السياسيين الديموقراطيين، فإنّ هذه الزيادة مُتعمَّدة. وصرّحت عضو الكونغرس نورما توريس، لصحافيين أمام مركز احتجاز في مدينة أديلانتو جنوبي ولاية كاليفورنيا، بأنّ "شركات السجون الخاصة تستغلّ المعاناة الإنسانية والجمهوريين يسمحون لها بالاستمرار من دون رادع". وفي مطلع عام 2025، كان ثلاثة أشخاص محتجزين هناك. أمّا اليوم فثمّة مئات، وكلّ واحد منهم يدرّ على الشركة المشغّلة مخصّصات يومية من أموال دافعي الضرائب. ولم يُسمَح لتوريس بزيارة المنشأة التي تديرها مجموعة "جي إي أو" الخاصة، لأنّها لم تقدّم إشعاراً بذلك قبل سبعة أيام، وفقاً لما أوضحته. ومجموعة "جي إي أو" شركة مساهمة تستثمر في السجون الخاصة ومرافق الصحة النفسية في الولايات المتحدة الأميركية وأستراليا وجنوب أفريقيا والمملكة المتحدة، وتشمل مرافقها مراكز احتجاز مهاجرين ومراكز احتجاز ذات إجراءات أمنية مشدّدة ومرافق للصحة النفسية والعلاج السكني. أضافت توريس أنّ "حرمان أعضاء الكونغرس من الوصول إلى مرافق احتجاز خاصة مثل أديلانتو ليس مجرّد إهانة، بل إنّه أمر خطر وغير قانوني ومحاولة يائسة لإخفاء الانتهاكات التي يجرى التحدّث عنها خلف هذه الجدران". وتابعت توريس: "سمعنا قصصاً مروّعة عن محتجزين تعرّضوا للاعتقال العنيف، والحرمان من الرعاية الطبية الأساسية والعزل لأيام، وتُركوا مصابين من دون علاج". لجوء واغتراب التحديثات الحية "أليغاتور ألكاتراز".. مركز احتجاز مهاجرين يثير جدالاً في فلوريدا من جهتها، قالت المحامية لدى المركز القانوني للمدافعين عن المهاجرين في الولايات المتحدة الأميركية كريستين هنسبيرغر إنّ أحد موكّليها اشتكى من اضطراره إلى الانتظار "ستّ ساعات أو سبع للحصول على مياه نظيفة". أضافت أنّ المياه "غير نظيفة وبالتأكيد ليست... متوافقة مع حقوق الإنسان الأساسية". وأكدت هنسبيرغر، التي تمضي ساعات على الطريق متنقّلة من مركز إلى آخر للوصول إلى موكّليها، أنّ كثيرين حُرموا من الحصول على استشارة قانونية، وهو حقّ دستوري في الولايات المتحدة الأميركية. لكنّ مجموعة "جي إي أو"، الشركة المساهمة التي تستثمر في السجون الخاصة ومرافق الصحة النفسية في الولايات المتحدة الأميركية وأستراليا وجنوب أفريقيا والمملكة المتحدة، علماً أنّ مرافقها تشمل مراكز احتجاز المهاجرين ومراكز احتجاز ذات إجراءات أمنية مشدّدة ومرافق للصحة النفسية والعلاج السكني، وهيئة إنفاذ قوانين الهجرة والجمارك الأميركية نفتا الاتهامات بسوء المعاملة في مراكز الاحتجاز. وقالت مساعدة وزيرة الأمن الداخلي تريشا ماكلولين إنّ "الادّعاءات بالاكتظاظ أو بظروف سيّئة في مرافق هيئة الهجرة والجمارك غير صحيحة بصورة قاطعة". أضافت المسؤولة في إدارة ترامب أنّ "المعتقلين جميعاً يحصلون على وجبات طعام مناسبة وعلاج طبي، وتُتاح لهم فرص التواصل مع عائلاتهم ومحاميهم". في المقابل، يروي أقارب عدد من المعتقلين قصصاً مختلفة. وقالت المواطنة الأميركية أليخاندرا موراليس إنّ زوجها الذي لا يحمل وثائق احتُجز خمسة أيام في لوس أنجليس قبل نقله إلى أديلانتو. وبيّنت موراليس أنّه لا يُسمَح لهم في مركز الاحتجاز بلوس أنجليس "حتى بتنظيف أسنانهم ولا بالاستحمام، ولا بأيّ شيء"، مضيفةً أنّهم "يُجبَرون جميعاً على النوم أرضاً في زنزانة معاً". وأشارت هنسبيرغر إلى أنّ المعتقلين وأقاربهم يرون أنّ معاملتهم تبدو متعمّدة. أضافت أنّهم "بدأوا يشعرون بأنّها استراتيجية لاستنزاف الناس ووضعهم في هذه الظروف اللاإنسانية، ثمّ الضغط عليهم للتوقيع على شيء (وثائق) يوافقون من خلاله على ترحيلهم". (فرانس برس، العربي الجديد)