
صالح سليم الحموري يكتب : ترامب في ديارنا
في 29 أبريل 2025، أجرت منصة TED مقابلة مهمة مع إيان بريمير، رئيس مجموعة أوراسيا وأحد أبرز المحللين في شؤون الجغرافيا السياسية، والذي سبق لي حضور إحدى محاضراته مطلع هذا العام، خلال القمة العالمية للحكومات، حيث تحدث عن التحديات الكبرى التي تواجه العالم.
جاءت المقابلة لتقييم أول 100 يوم من الولاية الثانية للرئيس دونالد ترامب، وإدارتها الإعلامية هيلين والترز، وقد كشف عن مزيج معقد من السياسات الشعبوية، والتصعيد الاقتصادي، والنزعة الانعزالية، في ظل تصاعد علامات الاستفهام حول مستقبل العلاقات الدولية والنظام الليبرالي العالمي.
في مستهل ولاية ترامب الثانية، تصدّرت السياسة التجارية أولوياته، حيث شكّل ما سُمِّي بـ"يوم التحرير" نقطة تحول بإعلانه فرض تعريفات جمركية واسعة النطاق على معظم دول العالم، في محاولة لإعادة التوازن إلى العلاقات التجارية. وبحسب ترامب، فإن الهدف من هذه الإجراءات هو تحقيق مبدأ المعاملة بالمثل تجاه الدول التي يرى أنها "تستغل" الولايات المتحدة. إلا أن المحلل إيان بريمير أشار إلى أن التنفيذ جاء فوضويًا ومربكًا، وأسفر عن نتائج اقتصادية سلبية، أبرزها تراجع ثقة الأسواق والمستهلكين.
ويُعرف ترامب بنزعته الصدامية، وهو ما بدا جليًا في موقفه من شركة أمازون، حين أعلنت نيتها تنبيه المستهلكين إلى التكاليف المترتبة على الرسوم الجمركية. فما كان منه إلا أن تدخّل شخصيًا لمنع ذلك، في خطوة تعكس توجهًا نحو تقييد الأصوات المعارضة وفرض رواية رسمية أحادية الجانب.
في محور العلاقات مع الصين، أكد إيان بريمير أن التوتر التجاري بلغ ذروته، مع فرض تعريفات جمركية تجاوزت 145%، في ظل غياب تام لأي مفاوضات جادة بين الجانبين. وبينما يرى ترامب أن الضغوط الاقتصادية ستجبر الصين على الانصياع، فإن بريمير يعارض هذا الطرح، مؤكدًا أن بكين مستعدة لتحمل الألم على المدى القصير، وتراهن على أن انكفاء الولايات المتحدة عن المؤسسات متعددة الأطراف سيمنحها فرصة تاريخية لتوسيع نفوذها وقيادة نظام عالمي جديد.
هذا الرأي يتقاطع مع ما طرحه البروفيسور فرانسيس فوكوياما، أستاذ العلوم السياسية ومؤلف كتاب "نهاية التاريخ"، خلال كلمته في المنتدى الاستراتيجي العربي مطلع عام 2024، حيث أشار إلى أن ما يشهده العالم من تحولات يمثل لحظات حاسمة في التاريخ. وأكد أن مسار المستقبل القريب سيكون مرهونًا بما ستؤول إليه الأحداث خلال نهاية العام وعام 2025، خصوصًا داخل الولايات المتحدة، التي لا تزال تُشكّل بوصلة رئيسية لتوجهات العالم. وحذّر فوكوياما من أن فوز ترامب في الانتخابات سيكون له تأثيرات بعيدة المدى على مختلف الدول، لا سيما على صعيد السياسات الخارجية، التي يُتوقع أن تشهد تحولات جذرية قد تعيد تشكيل الخارطة الجيوسياسية العالمية.
والان علاقة الولايات المتحدة بأوكرانيا دخلت مرحلة حرجة، إذ قلّصت إدارة ترامب الدعم العسكري والاستخباراتي، ما أجبر القيادة الأوكرانية على الرضوخ لشروط ترامب بخصوص وقف إطلاق النار، دون ضمانات استراتيجية. وفي أوروبا، ساهمت سياسات ترامب في توحيد مواقف القارة، لكن بريمير يحذر من أن هذا التماسك قد لا يصمد طويلًا في ظل غياب النمو وقلة الموارد والضغط الشعبي الداخلي، ما قد يؤدي إلى تفكك الاتحاد الأوروبي في المستقبل.
من أكثر النقاط إثارة للقلق في تحليل بريمير كانت "تآكل الضوابط الدستورية والمؤسسية داخل الولايات المتحدة". إدارة ترامب الثانية، وفقًا له، تحيط نفسها بأشخاص لا يعارضونه، حتى إن خالف قرارات المحكمة العليا. قضاة عينهم ترامب نفسه لم يسلموا من التجاهل. الترحيل غير القانوني للمهاجرين، رغم الأحكام القضائية، يعكس تغولًا على سيادة القانون وتآكلًا في مبدأ فصل السلطات.
يرى بريمير أن "الضغوط الاقتصادية المتزايدة"، وانعكاساتها على الأسواق والناخبين، قد تدفع ترامب إلى التراجع أو تعديل بعض السياسات، كما حدث سابقًا مع قراره حول عزل رئيس الاحتياطي الفيدرالي. ومع ذلك، فإن عناده وثقته المفرطة بنفسه، مدعومة بمستشارين مطيعين، قد تؤدي إلى مزيد من التصعيد قبل أن يحدث أي تراجع فعلي.
يكشف هذا التقييم الشامل لإدارة ترامب في عام 2025 أن العالم يتجه نحو نظام أكثر تقلبًا، تتراجع فيه المؤسسات، وتتصاعد فيه المواجهات الاقتصادية، وتغيب فيه الدبلوماسية التقليدية.
الولايات المتحدة اليوم لم تعد القوة التي تقود العالم بتوافق دولي، بل باتت تفرض إرادتها أحاديًا، ما يفتح المجال أمام "الصين" وقوى أخرى لإعادة رسم قواعد اللعبة.
في ظل هذا التحول، يصبح السؤال المحوري: هل ستصمد "القيم الديمقراطية" و"التحالفات التقليدية" أمام هذا المد الجديد؟ أم أننا نشهد بالفعل "بداية عصر ما بعد أمريكا"؟.
*صالح سليم الحموري
مستشار التدريب والتطوير
كلية محمد بن راشد للإدارة الحكومية

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


رؤيا
منذ 6 ساعات
- رؤيا
ارتفاع أسعار النفط عالميا بأكثر من 1% مع تراجع المخزونات الأمريكية
ارتفاع العقود الآجلة لخام برنت 83 سنتاً لتسجل 63.52 دولار للبرميل ارتفعت أسعار النفط بأكثر من 1% خلال تعاملات الخميس، مع استمرار التوتر بين روسيا وأوكرانيا، وتبادل الطرفين الاتهامات بشأن تعثر جهود التوصل إلى اتفاق لإنهاء الحرب بين البلدين. كما كشفت بيانات أمريكية عن مؤشرات على طلب قوي في أكبر اقتصاد في العالم. وارتفعت العقود الآجلة لخام برنت 83 سنتاً، أو بنسبة 1.24%، لتسجل عند التسوية 67.67 دولار للبرميل، بينما صعدت العقود الآجلة للخام الأمريكي 81 سنتاً، أو بنسبة 1.29%، لتسجل 63.52 دولار للبرميل. وكانت العقود الآجلة للخامين القياسيين قد ارتفعت بأكثر من 1% خلال تعاملات الأربعاء. ويهيمن على السوق حالة من عدم اليقين بشأن مسار التوصل إلى اتفاق سلام في أوكرانيا، ما دفع المتعاملين إلى توخي الحذر بعد موجة بيع شهدتها السوق خلال الأسبوعين الأخيرين. يأتي ذلك وسط آمال متزايدة بانتهاء المفاوضات الأمريكية التي يقودها الرئيس دونالد ترمب بطريقة دبلوماسية قريباً. وفي التطورات الأخيرة، تبادلت روسيا وأوكرانيا اللوم على بعضهما البعض بشأن تعثر جهود السلام. ونفذت القوات الروسية يوم الخميس هجوماً جوياً واسع النطاق بالقرب من الحدود مع الاتحاد الأوروبي، فيما زعمت كييف استهدافها لمصفاة نفط روسية. وعلقت شركة ريتربوش وشركاه للاستشارات النفطية، بأن "بعض أثر المخاطر الجيوسياسية بدأ يظهر تدريجياً في السوق". وأوضح المحلل تاماس فارغا من شركة بي في إم أويل أسوشيتس أن حالة عدم اليقين حول مفاوضات إنهاء الحرب في أوكرانيا تعني أن احتمال فرض عقوبات جديدة على موسكو ما زال قائماً. تراجع المخزونات الأمريكية وحصلت الأسعار أيضاً على دعم من تراجع أكبر من المتوقع في مخزونات النفط الأمريكية الأسبوع الماضي، ما يشير إلى قوة الطلب المحلي. وكشفت بيانات إدارة معلومات الطاقة الأمريكية الأربعاء عن انخفاض مخزونات النفط بمقدار ستة ملايين برميل للأسبوع المنتهي في 15 أغسطس، متجاوزة توقعات المحللين التي كانت تشير إلى تراجع قدره 1.8 مليون برميل. وقال المحلل أليكس هودز من شركة StoneX: "تتناقض هذه المخزونات المحدودة مع توقعات فائض المعروض التي توقعتها كل من وكالة الطاقة الدولية وإدارة معلومات الطاقة الأمريكية لعام 2026، مما يتحدى التوقعات الأوسع للمتعاملين في السوق". ويترقب المستثمرون أيضاً ندوة الاحتياطي الفدرالي الأمريكي في جاكسون هول بولاية وايومنغ، بحثاً عن مؤشرات حول احتمال خفض معدلات الفائدة في اجتماع البنك المركزي خلال سبتمبر/ أيلول، حيث من المقرر أن يلقي رئيس الاحتياطي الفدرالي جيروم باول كلمة الجمعة.


الوكيل
منذ 7 ساعات
- الوكيل
الاتحاد الأوروبي يلغي الرسوم الجمركية على السلع الصناعية...
الوكيل الإخباري- سيلغي الاتحاد الأوروبي الرسوم الجمركية على جميع السلع الصناعية الأمريكية، بحسب بيان مشترك صدر عن بروكسل وواشنطن بشأن الاتفاقية الإطارية "حول التجارة المتبادلة والعادلة والمتوازنة". وجاء في بيان مشترك صادر عن الجانبين: "يعتزم الاتحاد الأوروبي إلغاء التعريفات الجمركية على جميع السلع الصناعية الأمريكية، إلى جانب منح وصول تفضيلي للأسواق الأوروبية لمجموعة واسعة من المنتجات البحرية والزراعية الأمريكية. اضافة اعلان التزامات أوروبية: • شراء غاز طبيعي مسال ونفط ومنتجات طاقة نووية من الولايات المتحدة بقيمة 750 مليار دولار بحلول عام 2028. • زيادة كبيرة في مشتريات المعدات العسكرية والدفاعية الأمريكية. • استثمار 40 مليار دولار على الأقل في شراء رقائق الذكاء الاصطناعي الأمريكية لمراكز البيانات. من جانبها، وافقت الولايات المتحدة على تطبيق رسوم الدولة الأكثر رعاية على بعض السلع من الاتحاد الأوروبي. ينطبق هذا على الموارد الطبيعية غير المتجددة، والطائرات وقطع غيارها، والأدوية الجنيسة ومكوناتها، والسلائف الكيميائية. ويأتي هذا الاتفاق بعد أن هدد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في منتصف يوليو بفرض رسوم جمركية بنسبة 30% على البضائع الأوروبية اعتبارا من 1 أغسطس، محذرا من أن أي زيادة مقابلة في الرسوم على المنتجات الأمريكية ستواجه برسوم إضافية. بعد عودته إلى البيت الأبيض، شرع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في تشديد سياسته التجارية عبر سلسلة من الإجراءات الحمائية التي شملت فرض رسوم جمركية مرتفعة على الواردات، خاصة من الصين والاتحاد الأوروبي.


الوكيل
منذ 10 ساعات
- الوكيل
الاتحاد الأوروبي يلغي الرسوم الجمركية على السلع الصناعية...
الوكيل الإخباري- سيلغي الاتحاد الأوروبي الرسوم الجمركية على جميع السلع الصناعية الأمريكية، بحسب بيان مشترك صدر عن بروكسل وواشنطن بشأن الاتفاقية الإطارية "حول التجارة المتبادلة والعادلة والمتوازنة". وجاء في بيان مشترك صادر عن الجانبين: "يعتزم الاتحاد الأوروبي إلغاء التعريفات الجمركية على جميع السلع الصناعية الأمريكية، إلى جانب منح وصول تفضيلي للأسواق الأوروبية لمجموعة واسعة من المنتجات البحرية والزراعية الأمريكية. اضافة اعلان التزامات أوروبية: • شراء غاز طبيعي مسال ونفط ومنتجات طاقة نووية من الولايات المتحدة بقيمة 750 مليار دولار بحلول عام 2028. • زيادة كبيرة في مشتريات المعدات العسكرية والدفاعية الأمريكية. • استثمار 40 مليار دولار على الأقل في شراء رقائق الذكاء الاصطناعي الأمريكية لمراكز البيانات. من جانبها، وافقت الولايات المتحدة على تطبيق رسوم الدولة الأكثر رعاية على بعض السلع من الاتحاد الأوروبي. ينطبق هذا على الموارد الطبيعية غير المتجددة، والطائرات وقطع غيارها، والأدوية الجنيسة ومكوناتها، والسلائف الكيميائية. ويأتي هذا الاتفاق بعد أن هدد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في منتصف يوليو بفرض رسوم جمركية بنسبة 30% على البضائع الأوروبية اعتبارا من 1 أغسطس، محذرا من أن أي زيادة مقابلة في الرسوم على المنتجات الأمريكية ستواجه برسوم إضافية. بعد عودته إلى البيت الأبيض، شرع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في تشديد سياسته التجارية عبر سلسلة من الإجراءات الحمائية التي شملت فرض رسوم جمركية مرتفعة على الواردات، خاصة من الصين والاتحاد الأوروبي.