logo
حرب خفية في أفريقيا.. كيف تنافس روسيا فرنسا على السيطرة؟

حرب خفية في أفريقيا.. كيف تنافس روسيا فرنسا على السيطرة؟

الجزيرة١٤-٠٣-٢٠٢٥

في سياق التوترات الجيوسياسية المتزايدة بين باريس وموسكو، أطلق برونو ريتايو، وزير الداخلية الفرنسي، تصريحات قوية اتهم فيها روسيا بشن "حرب غير تقليدية" لطرد بلاده من القارة الأفريقية.
ووفقا له، فإن موسكو لم تكتفِ بمجرد منافسة النفوذ الفرنسي، بل اتبعت إستراتيجية عدائية تهدف إلى إعادة تشكيل التوازنات الجيوسياسية في المنطقة، مستخدمة أدوات سياسية وعسكرية، واقتصادية، لتحقيق أهدافها.
في تصريحاته لإذاعة "آر تي إل" (RTL) الفرنسية، أكد ريتايو، أن روسيا تستخدم "أشكالا جديدة من الحرب"، تعتمد على التضليل الإعلامي والتحركات العسكرية غير المباشرة، والدعم السياسي للحكومات الأفريقية المناهضة لباريس.
إضعاف النفوذ
وأوضح وزير الداخلية الفرنسي، أن هذه الإستراتيجية ساعدت موسكو على إضعاف الوجود الفرنسي في مناطق حيوية مثل مالي ، و بوركينا فاسو ، وجمهورية أفريقيا الوسطى ، حيث شهدت السنوات الأخيرة إلغاء اتفاقيات عسكرية مع باريس واستبدالها بشراكات أمنية مع روسيا.
وتحدث عن حملة دعاية منظمة قادتها موسكو لإقناع الرأي العام الأفريقي بأن فرنسا تستغل موارد القارة دون تقديم فوائد حقيقية لشعوبها، وهو ما ساهم في تأجيج المشاعر المعادية لباريس، ودفع بعض الدول إلى البحث عن بدائل أمنية واقتصادية، أبرزها روسيا.
إحدى أبرز الأدوات الروسية التي سلط عليها وزير الداخلية الفرنسي الضوء هي مجموعة فاغنر ، القوة العسكرية الخاصة التي عملت كذراع غير رسمية لموسكو في أفريقيا. حيث قدمت هذه المجموعة، المرتبطة ب الكرملين ، خدمات أمنية لحكومات أفريقية مقابل حصولها على امتيازات اقتصادية، أبرزها استغلال الموارد الطبيعية كالذهب واليورانيوم.
وحسب ريتايو، فإن وجود فاغنر في أفريقيا لم يكن مجرد تعاون أمني، بل إستراتيجية متكاملة تهدف إلى إضعاف فرنسا، بتأليب الأنظمة الحاكمة عليها، وتقديم بدائل أمنية أكثر مرونة، دون فرض شروط دبلوماسية كما تفعل الدول الغربية.
تحدٍ متصاعد
أمام هذا التحدي المتصاعد، تجد فرنسا نفسها مضطرة إلى إعادة النظر في إستراتيجيتها الأفريقية. فمنذ عقود، شكلت المستعمرات الفرنسية السابقة ركيزة أساسية في السياسة الخارجية لباريس، حيث اعتمدت على تحالفات عسكرية ودبلوماسية لضمان استمرار نفوذها، إلا أن التغيرات السياسية في أفريقيا، وظهور لاعبين دوليين جدد مثل روسيا و الصين ، قلص من هيمنة باريس التقليدية.
ووفقا لوزير الداخلية الفرنسي، فإن فقدان بلاده مراكز نفوذها في أفريقيا لم يكن لمجرد أخطاء سياسية داخلية، بل كان بفعل "حرب هجينة" قادتها روسيا، مستفيدة من التراجع الغربي العام في المنطقة، خاصة بعد التحولات التي شهدتها مالي وبوركينا فاسو.
من الواضح أن النفوذ الفرنسي في أفريقيا لم يعد كما كان، في ظل صعود قوى جديدة مثل روسيا والصين و تركيا. ومع تصاعد المنافسة الجيوسياسية، سيكون على باريس إعادة تشكيل إستراتيجيتها بعيدا عن إرثها الاستعماري، وإلا فقد تجد نفسها خارج اللعبة في هذه القارة.
ما هو مؤكد حتى الآن، أن أفريقيا لم تعد ساحة نفوذ فرنسي خالص، وأن التحدي الروسي أثبت قدرة موسكو على زعزعة التوازنات التقليدية في القارة، في معركة نفوذ لا يبدو أنها ستنتهي في القريب العاجل.

Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

هل وجود المرتزقة الروس في أفريقيا يفاقم التوتّرات وعدم الاستقرار؟
هل وجود المرتزقة الروس في أفريقيا يفاقم التوتّرات وعدم الاستقرار؟

الجزيرة

time١٢-٠٥-٢٠٢٥

  • الجزيرة

هل وجود المرتزقة الروس في أفريقيا يفاقم التوتّرات وعدم الاستقرار؟

في إطار التطورات التي تمرّ بها أفريقيا وسعيها للسيادة والتعويض عن ما تعرّضت له شعوبها من الظلم والاضطهاد، وضمن فصول جديدة من إعادة التموقع والبحث عن النفوذ من اللاعبين الدوليين، تبرز روسيا كقوّة جديدة تسعى إلى تعزيز حضورها في القارة السمراء، وتسوّق نفسها بدعاية عدم المشاركة في ماضي الاستعمار لدول المنطقة. ومنذ عام 2018، ركّزت سياسة الكرملين على الحضور في أفريقيا عن طريق القوّة والشراكات العسكرية، ولكنها لم تستخدم الجيوش النظامية، وإنّما عبر شركات مليشيات خاصّة، حقّقت من ورائها نجاحات في مجالات الاقتصاد، وتسويق السلاح، والتغلغل داخل الأنظمة العسكرية التي استولت على السلطة عن طريق الانقلابات. وقد كشف تقرير جديد صدر عن مؤسسة راند الأميركية، أن روسيا تعمل على تعزيز حضورها العسكري غير الرسمي في أفريقيا عن طريق مجموعات من المتعاونين أو المرتزقة في مقدمتهم "مليشيات فاغنر" التي واصلت أنشطتها في القارة حتى بعد تمرّدها الفاشل في عام 2023 ومقتل زعيمها يفغيني بريغوجين. ويوثّق التقرير، الذي صدر تحت عنوان "الجماعات الروسية المرتزقة وشبه العسكرية في أفريقيا.. دراسة التغيّرات والتأثيرات منذ تمرد فاغنر" التّحوّلات التي طرأت على النفوذ الروسي في القارة خلال الفترة الممتدة من منتصف 2023 وحتى سبتمبر/أيلول 2024. مجموعات المرتزقة من أبرز المليشيات، أو المرتزقة الذين يعملون على خدمة مصالح روسيا في أفريقيا، مجموعة فاغنر التي انتشرت منذ عام 2018 في عموم القارة. وتعمل فاغنر كآلية مهمة تسعى موسكو من خلالها إلى الحد من عزلتها الاقتصادية والسياسية الدولية المتنامية، وقد ساعدت في انتشار روسيا وتوسيع نفوذها العالمي بتكلفة منخفضة نسبيا. وفي إطار سعيها إلى أن تتسيّد المشهد السياسي والاقتصادي في أفريقيا، أسّست موسكو تشكيلا عسكريا جديدا أو جيشا خاصا أطلق عليه " الفيلق الأفريقي" مطلع العام 2024. وحسب بعض المراقبين والمحللين فإن الفيلق يضم من 40 إلى 45 ألف مقاتل، وبدأت عمليات الانتداب والتجنيد له في ديسمبر/كانون الأول 2023 في عدد من الدول الأفريقية وفي روسيا. ومن خلال تطبيق تليغرام، والقنوات التلفزيونية العسكرية الروسية، تمت الدعاية والترويج له على نطاق واسع من أجل أن يلتحق به الشباب في أفريقيا، أو المقاتلون الروس الذين لديهم خبرات في الحروب. ورغم أن الفيلق الأفريقي أُنشئ ليكون بديلا من مجموعة فاغنر التي تمرّدت عام 2023، فإنها لا تزال موجودة في العديد من البلدان وتخدم مصالح روسيا. ويؤكد الباحثون، أن الهيكل التنظيمي للمرتزقة يختلف من بلد إلى آخر، مما يمنح موسكو مرونة في التعامل مع الحكومات الأفريقية والتهرّب من الالتزامات القانونية الدولية. التركيز على 6 دول وعلى عكس الخطابات الرسمية التي تزعم أن المرتزقة الروس يساهمون في دعم الاستقرار وبناء القدرات الدفاعية للدول الأفريقية، يقول تقرير مؤسسة راند الأميركية، إن هذه الجماعات في الواقع تستغل حالة انعدام الأمن لتحقيق الأرباح، خصوصًا في دول تشهد نزاعات مسلحة أو ضعفًا في مؤسّسات الدولة. ووفقا للتقرير، تتمتّع الجماعات الروسية المسلّحة بحضور واضح في 6 دول أفريقية وهي السودان، وليبيا، والنيجر ومالي، وبوركينافاسو، وجمهورية أفريقيا الوسطى. ووفقا للتقرير، فإن المرتزقة الروس يقومون بتهريب الذهب من السودان ومالي إلى خارج البلاد، الأمر الذي يحتمل أن يضيع على البلدين مئات الملايين من الدولارات. وتشير بعض التقارير إلى أن المرتزقة الروس حصلوا على قرابة 2.5 مليار دولار من الذهب منذ الغزو الروسي لأوكرانيا. وفي ليبيا، تقوم الجماعات المرتبطة بالمرتزقة الروس بالعديد من الأنشطة الاقتصادية غير الشرعية، مثل تهريب المخدّرات، والاتجار بالبشر، وتزوير العملة المحلّية. الرأي العام يرفض المرتزقة وتظهر تحليلات توجّه الرأي العام في عدد من الدول الأفريقية التي تشهد نشاطًا للمرتزقة الروس، أن نظرة السكان تجاه هذه الجماعات المسلّحة سلبية في الغالب. ويرى مواطنون أن وجود المرتزقة يفاقم معاناتهم الأمنية والاقتصادية ولا يقدم حلولًا، إذ زاد عدد الهجمات والقتلى التي ارتكبتها الجماعات الإسلامية المتشددة بشكل كبير منذ أن حلّت مليشيات الروس محل قوات الأمن التابعة للأمم المتحدة في غرب أفريقيا وتخلص الدراسة إلى التحذير من الأنشطة التي تقوم بها هذه الجماعات موكّدة أنّها لا تبقى محصورة داخل حدود الدول المستضيفة، بل تمتد لتؤثر على البلدان المجاورة بفعل العنف العابر للحدود والاقتصادات غير المشروعة التي تصاحب العمليات.

ميديا بارت: أصول الشر المسمى إسلاموفوبيا
ميديا بارت: أصول الشر المسمى إسلاموفوبيا

الجزيرة

time١١-٠٥-٢٠٢٥

  • الجزيرة

ميديا بارت: أصول الشر المسمى إسلاموفوبيا

قدمت ردود الفعل السياسية والإعلامية على اغتيال أبو بكر سيسيه مثالا واضحا على حالة الإنكار التي تعيشها فرنسا، ومن ثم فلا بد -عند تقاطع الإرث الاستعماري وفشل الليبرالية الجديدة- من محاربة ظاهرة الإسلاموفوبيا بوصفها إحدى صور رفض المساواة. بهذه المقدمة افتتح موقع ميديا بارت مقالا مطولا -بقلم كارين فوتو- قالت فيه إن الإسلاموفوبيا لم تظهر في فرنسا مع طعن أبو بكر سيسيه صباح الجمعة 25 أبريل/نيسان الماضي، في مسجد لاغران كومب بمنطقة غارد، بل إن فرنسا تعيش تجربة مروعة من عواقب نفوذها، ليس في الفضاء السياسي والإعلامي فحسب، بل في أعلى مستويات الدولة. وقد أظهرت تعليقات المهاجم الصريحة المسيئة للمسلمين أمام الكاميرا جمود السلطة التنفيذية وخواء شعارات الجمهورية والعالمية التي تنادي بها، إذ لم تقم الحكومة حتى بالحد الأدنى أمام مأساة تستهدف شعبا جعلت منه هدفا سياسيا، وإن كان تم فتح تحقيق قضائي بتهمة "القتل العمد على أساس العرق أو الدين". ونبه الموقع إلى أن رد الفعل المتأخر من وزير الداخلية المسؤول عن الشؤون الدينية برونو ريتايو، واختياره الذهاب إلى مقاطعة أليس بدلا من المسجد، وعدم قدرته على ذكر اسم الشاب المالي، وعدم رغبته في مقابلة الأسرة، لا يمكن اعتبارها إلا علامة على عدم الاحترام والازدراء للمسلمين الذين يعيشون في فرنسا. وذكّرت الكاتبة بأن المسلمين يمثلون 10% من سكان المناطق الحضرية، وأنهم ضحايا للتحيز بعد الغجر، ولكن قبل الصينيين واليهود والسود، حسب اللجنة الاستشارية الوطنية لحقوق الإنسان، رغم أن دينهم يحتل المرتبة الأولى في البلاد، قبل الكاثوليكية واليهودية والبروتستانتية. مصطلح لا يزال محل نزاع وبالإضافة إلى إخفاقات ريتايو في أعقاب اغتيال أبو بكر سيسيه، كانت هناك سلسلة من الاختلالات السياسية والمؤسسية -حسب الموقع- مثل تأخر محافظ غارد 4 أيام عن مكان الحادث، وغياب ممثلي السلطات العامة عن المسيرة الصامتة، والخلافات حول الوقوف دقيقة صمت في الجمعية الوطنية ومجلس الشيوخ. غير أن جذور الإسلاموفوبيا وجدت تعبيرها الأكثر إثارة للقلق خارج هذه المؤسسات، حيث كان الجدل داخل الفضاء السياسي والإعلامي حول استخدام مصطلح "الإسلاموفوبيا"، علما أنه مصطلح مقبول منذ عقدين من الزمن بإجماع العلماء والمنظمات الدولية. ومن ثم، فإن رفض تسمية واقع اجتماعي ما -حسب الكاتبة- هو طريقة لإخفائه اجتماعيا وسياسيا، أو حتى إنكار وجوده، وهو يعني -على أقل تقدير- عدم الاعتراف بحجمه أو تأثيره، بحيث إن النقاش العام يمنع من التوصل إلى تشخيص يتناسب مع المشكلة وتوفير الردود السياسية المناسبة. يقول المفكر رضا ضياء إبراهيمي -في مقال بعنوان "الأصول الفرنسية لإنكار الإسلاموفوبيا"- إنه ليس من قبيل المصادفة أن يكون هذا الإنكار فرنسيا، لأنه ينبع من تاريخنا الاستعماري، إذ تعمل السلطات برفضها قبول الماضي على منع أي تعويض، وبذلك تنتهك الحاضر وتقسم المجتمع وتدمره. ويشير مصطلح الإسلاموفوبيا الذي يعني حرفيا "الخوف من الإسلام" إلى الطريقة التي يتم بها استخدام العداء لهذا الدين للتغطية على رفض المسلمين، يقول عالم الاجتماع عبد المالك الصياد "إن الإسلام له دور مماثل لدور لون البشرة، فهو كالمشجب الذي نعلق عليه كل تحيز وكل وصمة وكل عنصرية". وبما أن انتقاد الأديان يقع ضمن حرية التعبير، فقد تم النظر إلى الإسلاموفوبيا باعتبارها طريقة "محترمة" لوصم الأقلية، رغم أنها -مثل معاداة السامية وجميع أشكال العنصرية الأخرى- جريمة وليست رأيا. نشوء مشكلة المسلمين وذكّرت الكاتبة بأن اغتيال أبو بكر سيسيه كان تتويجا لعملية طويلة من بناء "مشكلة إسلامية" ذات تأثير في تشكيل نظرة المجتمع الفرنسي لمواطنيه المسلمين، يقول نوربرت إلياس إن "الاستياء ينشأ عندما تكون مجموعة هامشية أدنى اجتماعيا ومحتقرة على وشك المطالبة بالمساواة القانونية والاجتماعية". وعليه، يكون هناك تسامح مع المجموعات الهامشية المكروهة ما دامت لا تسعى إلى الهروب من الدونية الاجتماعية التي وضعت فيها، ومنذ ثمانينيات القرن الـ20، عندما ظهرت أعراضه الأولى، ارتبط رفض المسلمين ارتباطا وثيقا بآثار الليبرالية الجديدة ومسألة ما بعد الاستعمار، أي المسألة الاجتماعية والمسألة العنصرية. وعندما أضرب العمال المهاجرون في شركة سيتروين وفي شركة تالبوت عام 1982، بدعم من النقابات، سرعان ما وجدوا أن أفعالهم أصبحت غير شرعية، على أساس أن مطالبهم الاجتماعية التقليدية تضاف إلى مطلب مكان للصلاة، كما حدث عام 1976 في رينو. وعام 1989، أُطلقت المرحلة الثانية من الصاروخ المعادي للإسلام مع "قضية الحجاب" الأولى في مجلة كريل، وذلك في سياق فتوى المرشد الإيراني الأعلى وقتها آية الله الخميني ضد سلمان رشدي بعد نشر كتابه "آيات شيطانية". وفي وقت قضية الحجاب، كان لا بد من إجبار المسلمين على دفع ثمن هذا التدخل في المجال العام، ويترجم عالم الاجتماع بيير بورديو ما يجب فهمه بشأن ما كان يحدث في كريل، قائلا إن "السؤال إذا ما كان يجب علينا أن نقبل ارتداء ما يسمى بالحجاب الإسلامي في المدرسة أم لا يحجب السؤال الكامن، وهو هل يجب علينا أن نقبل المهاجرين من أصل شمال أفريقي في فرنسا أم لا؟". وكما يتبين من الحلقات المؤسسة لإضرابات العمال ثم إضرابات كريل، فإن بناء "مشكلة إسلامية" ليس مسؤولية اليمين المتطرف الفرنسي وحده، رغم تنظيره منذ ستينيات القرن الـ20 لوجود اختلاف عربي وإسلامي على أساس فكرة أن الإسلام غير متوافق مع "تقاليدنا الفرنسية". وقود اليمين المتطرف ورأت الكاتبة أن التمثيلات السلبية للإسلام المنتشرة الآن على نطاق واسع في المجتمع الفرنسي تم نقلها في المقام الأول من خلال الخطاب السياسي وقوانين الدولة وتأطير وسائل الإعلام، وعبر الانقسامات الحزبية، حيث عملت التصريحات الصادمة والعناوين الرئيسية التي تحمل وصمة العار بشكل أكثر فعالية على تهميش المسلمين. ومن المناقشة حول الهوية الوطنية التي أطلقها الرئيس السابق نيكولا ساركوزي إلى قانون الرئيس الحالي إيمانويل ماكرون بشأن الانفصال، فرضت السلطات العامة المسلمين بوصفهم شخصية الأقلية بامتياز، ومن دون تسميتهم على وجه التحديد، انتهى بهم الأمر إلى صورة لمجموعة تم تشكيلها باعتبارها "عدوا داخليا"، و"متطرفة محتملة"، وهم بالتالي فئة من الأشخاص غير المرغوب فيهم، ومن المبرر أن نسعى للتخلص منهم حفاظا على تماسك الأمة. وهذا العنف في وصف المسلمين بأنهم غير فرنسيين لا يمكن -حسب الكاتبة- إلا أن يذكرنا بالوحشية التي أجبرت بها الإدارة الاستعمارية النساء الجزائريات على خلع حجابهن من أجل تصويرهن أو إجبارهن على إظهار ارتباطهن بفرنسا. وبالإضافة إلى عجز السلطات عن هضم الاستقلال، فإن الفشل الواضح لليبرالية الجديدة، دفع الأحزاب الحاكمة إلى الاستيلاء على الموضوعات المفضلة لدى اليمين المتطرف، لقناعتهم بأنهم لن يتمكنوا من البقاء في السلطة إلا من خلال إغراء ناخبي الجبهة الوطنية. وخلصت كارين فوتو إلى أن هواجس اليمين المتطرف تتسلل إلى المجتمع بشكل عميق بسبب وسائل الإعلام والنخب السياسية، ويتطلب عكس هذا المسار الاتفاق على تسمية الإسلاموفوبيا، ثم مواجهة التاريخ الاستعماري، وإعادة تأسيس "جمهورية غير قابلة للتجزئة، علمانية وديمقراطية واجتماعية" تستحق هذا الاسم لأنها تضمن "المساواة أمام القانون لجميع المواطنين دون تمييز على أساس الأصل أو العرق أو الدين".

لوموند تحذر من المعايير المزدوجة حول الإسلام بفرنسا
لوموند تحذر من المعايير المزدوجة حول الإسلام بفرنسا

الجزيرة

time٠٤-٠٥-٢٠٢٥

  • الجزيرة

لوموند تحذر من المعايير المزدوجة حول الإسلام بفرنسا

تناولت بعض الصحف الفرنسية الجريمة التي وقعت في أحد المساجد من زاويتين متقاربتين، بحيث ركزت "لوموند" على خطر المعايير المزدوجة، في حين أوردت "لوفيغارو" خبر نصيحة محامي عائلة الضحية لها بعدم مقابلة وزير الداخلية الفرنسي برونو ريتايو مطلقا. وذكرت "لوموند" -في افتتاحيتها- بأن استعجال وزير الداخلية بالظهور في نانت بعد مقتل طالبة مدرسة ثانوية بسكين يتناقض مع غيابه -بصفته مسؤولا عن الشؤون الدينية- عن مسرح جريمة قتل شاب مالي على يد عنصر معاد للمسلمين. وقالت الصحيفة إن خطاب "المعايير المزدوجة" قوي للغاية بحيث لا يمكن استخدامه باستخفاف في السياسة ولا القضايا الاجتماعية، موضحة أنه حاضر فيما يتصل بالطريقة التي تفاعل بها الزعماء السياسيون وخاصة وزير الداخلية، بعد طعن الشاب المالي المسلم أبو بكر سيسيه (22 عاما) بمسجد خديجة في لا غراند كومب بمنطقة غارد. ونصحت "لوموند" وسائل الإعلام والسياسيين بالحذر في تعليقاتهم المباشرة بعد وقوع مثل هذه الجريمة، لأن تحديد ملابساتها ودوافعها قد يستغرق وقتا طويلا، وذكّرت بظهور ريتايو -الذي يتنافس مع لوران ووكيز على رئاسة حزب الجمهوريين – في نانت بعد ساعات قليلة من مقتل طالبة في المدرسة الثانوية وإلقائه اللوم دون حكمة على "الوحشية" و"المجتمع الذي أراد تفكيك السلطة". وعلقت الصحيفة بأن مثل هذا التفسير العلني قبل أي تحقيق، والتسرع في استغلال المأساة سياسيا، لا يليق بوزير هو المسؤول عن النظام العام، وأكدت أنه يتناقض مع غيابه -بصفته مسؤولا عن الشؤون الدينية- عن مسجد لا غراند كومب. ويضاف إلى ذلك أن وزير الداخلية -رغم إدانة رئيس الجمهورية إيمانويل ماكرون"للعنصرية والكراهية على أساس الدين" وتنديد رئيس الوزراء فرانسوا بايرو"بالإهانة المعادية للإسلام"- اكتفى بوصف جريمة القتل بأنها "مروعة" ولم يذهب إلى منطقة غارد إلا بعد 3 أيام. وذكرت الصحيفة بأن المسلمين -كجميع سكان هذا البلد- لهم الحق في الحماية، وفي أن يحصلوا على التعاطف من السلطات عندما يكون ذلك مناسبا، ومع ذلك فإن ملايين الفرنسيين من أصل أو ديانة إسلامية يؤخذون رهائن ويستخدمون في معارك سياسية تميل إلى الخلط بين الإسلام والإسلاموية. وختمت "لوموند" افتتاحيتها بأن المعنى العميق للعلمانية هو التوفيق بين الحياة الجماعية والحرية الدينية، وأنها لا تستطيع أن تتسامح مع الكراهية ضد أتباع دين ما، ولا مع أدنى موقف يميل إلى المنافسة بين الضحايا. أجد ذلك غير محترم ومن جانبها، قالت "لوفيغارو" إن وزير الداخلية دعا عائلة سيسيه إلى لقائه غدا الاثنين، ولكن محامي العائلة ياسين بوزرو -الذي فاجأته الدعوة- اعتبر أن الوزير "أهان العائلة أمام فرنسا كلها" مطالبا بعدم الاستجابة للدعوة مطلقا. وأشار بوزرو إلى أنه نصح أقارب الضحية "بعدم الذهاب إلى مقابلة وزير أساء إليهم بهذه الطريقة أمام كل فرنسا" وذلك بعد أن تحدث ريتايو للصحافة عن الضحية باعتباره كان "في وضع غير نظامي" واعتبار أن عائلته يصعب العثور عليها لتفرقها في أفريقيا. وعلق المحامي -حسب تقرير إيما فران للصحيفة- بأن على وزير الداخلية استقبال العائلة المثبتة قانونيا، وقال "أنصح موكلي بشدة بعدم التوجه إلى وزير وصف سيسيه بأنه شخص في وضع غير قانوني. أجد ذلك غير محترم". وكان أفراد العائلة الذين دعوا إلى البرلمان من قبل عدد من النواب قالوا إن "ريتايو رفض الاجتماع معنا" ولكن الوزير قال إنه لم يتلق أي طلب من عائلة أبوبكر سيسي للقاء "وأنا رهن إشارتهم، لكنني لا أقبل أن تستغل هذه المواضيع الخطيرة والمؤلمة من قِبل جهات أو جمعيات تستفيد من محنة عائلة". وبعد مرور أسبوع على مقتل سيسيه، أعلن المدعي العام بمدينة نيم أنه "لا يوجد دليل يشير إلى أنه التقى بمهاجمه" وأكد أنه "في هذه المرحلة لا يوجد أي وصف إرهابي" ولكن محامييْ العائلة تقدما بشكوى مدنية بتهمة "القتل بدافع إرهابي".

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

مستعد لاستكشاف الأخبار والأحداث العالمية؟ حمّل التطبيق الآن من متجر التطبيقات المفضل لديك وابدأ رحلتك لاكتشاف ما يجري حولك.
app-storeplay-store