
أحزمة الصين المتعددة.. هل حان وقت انطلاق المارد؟
ولأن تلك الإجراءات كانت شاملة ومسّت جميع الاقتصادات دون استثناء فقد رأت فيها جل الدول حربا تجارية غير مسبوقة وتهديدا مباشرا للاقتصاد العالمي.
ولتخفيف آثار تلك "الصدمة" على الأسواق العالمية قررت إدارة الرئيس ترامب تأجيل تنفيذ الإجراءات التي اتخذتها، ومنحت شركاءها التجاريين -خاصة الأوروبيين- 90 يوما للتفاوض بشأن التوصل المشترك إلى إقرار تعريفات "مناسبة".
لكن هذا التأجيل لم يشمل الصين ، فردت بكين بإجراءات مماثلة، ومضى البلدان في تصعيد الموقف ورفع متبادل للتعريفات الجمركية بلغ نسبة 145% من الجانب الأميركي و125% من الجانب الصيني.
وبشأن الدروع الجيواقتصادية والسياسية الصينية في حربها الاقتصادي مع الولايات المتحدة نشر مدير إدارة البحوث بمركز الجزيرة للدراسات عز الدين عبد المولى تعليقا بعنوان " أحزمة الصين المتعددة" ناقش فيه قوة الصين المضافة إلى قوتها الذاتية الصاعدة التي باتت واقعا لم يعد ممكنا تجاوزه أو احتواؤه.
ويعتقد عبد المولى أن الولايات المتحدة -وهي تخوض هذه المواجهة سعيا لتحقيق رؤية "أميركا أولا"- تبدو خائفة مرتبكة وتتحرك من موقع دفاعي حمائي، وتنظر إلى أصدقائها باعتبارهم عبئا على اقتصادها وأمنها وقوتها، كما تبدو أميركا الترامبية تسير نحو العزلة، متحللة من التزاماتها الدولية ومن تحالفاتها الخارجية ومن أحزمتها الإستراتيجية التي شكلت على مدى عقود طويلة قوتها الحقيقية ومنحتها موقع القيادة والريادة العالميتين.
ويرى أن الصين بالمقابل تخوض هذه المواجهة متدرعة بعدد من الأحزمة تدور حولها وتعزز قوتها الصاعدة، فهدف بكين الأساسي -الذي تسعى إلى تحقيقه في مئويتها مع حلول عام 2049- هو امتلاك ناصية "القوة الشاملة".
ولن يتحقق ذلك في نظر القيادة الحالية دون توحيد البر الصيني باستعادة تايوان ، وتحقيق التفوق الاقتصادي النوعي والمزيد من الانخراط في شؤون العالم والاندراج الواسع في نسيجه المتنامي، وهو ما يتحقق عبر مجموعة مبادرات دولية وإقليمية.
تتمدد مصالح الصين في الخارج بأشكال عدة، ولكن الرؤية التي تقود هذا التمدد وتضبط إيقاعه في سياق إستراتيجي واحد تعكسها " مبادرة الحزام والطريق".
فقد أطلقت بكين عام 2013 مشروعا جيواقتصاديا ضخما يربط شرق العالم بغربه عبر شبكة من الطرقات البرية والبحرية، وبنية تحتية متطورة من الطرق السريعة وسكك الحديد وأنابيب الطاقة والمعابر الحدودية ومناطق التجارة الحرة لتسهيل تنقل البضائع والأموال.
وتربط المبادرة الصين بأكثر من 150 دولة في شرق آسيا وغربها وفي أوروبا وأفريقيا وأميركا اللاتينية وتمر عبر المحيطين، وتغطي هذه الشبكة مساحة جغرافية تضم أكثر من ثلثي سكان المعمورة، ويتجاوز مجموع ناتجها المحلي الخام 40% من الناتج العالمي، وتستقطب نصف قيمة التجارة الخارجية للصين.
ورغم القيمة الاقتصادية لمبادرة "الحزام والطريق" فإن أهميتها الحقيقية تكمن في كونها تعبر عن رؤية الصين الشاملة لمستقبل العالم، عالم تكون فيه بكين قطبا رئيسيا ومركزا فاعلا لا هامشا تابعا، وتحتل فيه موقعا قياديا على جميع المستويات، وتشكل جزءا ضروريا من نسيجه الاقتصادي والسياسي والأمني لا يمكن عزله أو الاستغناء عنه.
شنغهاي للتعاون
تأسست منظمة شنغهاي للتعاون في عام 2001، وضمت حين تأسيسها كلا من الصين وروسيا وكازاخستان وقرغيزستان وطاجيكستان وأوزبكستان.
هذه المنظمة الأوراسية ذات طبيعة اقتصادية وسياسية وأمنية، وهي أكبر المنظمات الإقليمية على أكثر من صعيد، خاصة بعد توسعها وانضمام 4 دول أخرى، هي الهند (2017) وباكستان (2017) وإيران (2023) وروسيا البيضاء (2024).
وتضم شنغهاي للتعاون عضوين مراقبين، هما منغوليا وأفغانستان، وتتمتع 14 دولة أخرى بوضعية "شريك حوار"، منها 6 دول عربية هي مصر والسعودية وقطر والإمارات والكويت والبحرين.
ويغطي امتداد المنظمة الجغرافي نحو ربع مساحة العالم، وعدد سكانها يتجاوز 40% من سكانه، أما الناتج المحلي الخام لمجموع أعضاء المنظمة فيبلغ 23% من الناتج المحلي الخام على مستوى العالم.
وتعد الصين القلب النابض لمنظمة شنغهاي والمحور الذي تدور عليه، فهي لا تمنحها اسم إحدى مدنها وحسب، بل تعد الشريك الاقتصادي الأكبر لكل بلدانها.
وتعمل منظمة شنغهاي في تناسق مع سياسة بكين الخارجية، وتتكامل مع مبادرة الحزام والطريق التي تنخرط فيها أغلب دول المنظمة، كما تشكل منصة متقدمة لاستعراض قوة الصين الاقتصادية وتأكيد وزنها العالمي.
مجموعة "بريكس بلس"
مجموعة بريكس هي حزام جيواقتصادي آخر يدعم صعود الصين ويشكل قوة مضافة إلى قوتها الذاتية، وقد توسعت المجموعة -التي تأسست عام 2009- وضمّت في السابق كلا من البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب أفريقيا، لتشمل 10 دول بعد توسعها عام 2024 وانضمام مصر وإثيوبيا وإيران والإمارات والمملكة العربية السعودية.
إعلان
ولا تزال المجموعة مفتوحة لضم المزيد من الدول، ولعب دور متزايد في إطار مواجهة الهيمنة الغربية، وتعزيز نسيج المنظمات الإقليمية والدولية، وتمهيد الطريق لنظام عالمي متعدد القطبية.
وتزداد أهمية مجموعة بريكس في ظل النقاش الجاري بشأن التخلص من هيمنة الدولار الأميركي الذي لا يزال يستحوذ على نحو 80% من التجارة العالمية.
وإلى جانب هذه الأحزمة المتعددة تحيط الصين نفسها بشراكات إستراتيجية مع أكثر من 80 دولة، وتعد بكين الشريك التجاري الأكبر لأهم الكتل الاقتصادية في العالم، مثل الولايات المتحدة الأميركية و الاتحاد الأوروبي ومنظمة آسيان.
وهي كذلك الشريك التجاري الأكبر لأكثر من 60 دولة، أبرزها اليابان وكوريا الجنوبية وروسيا وأستراليا وجنوب أفريقيا والسعودية والبرازيل.
ومع كونها ثاني أكبر اقتصاد عالمي بعد الولايات المتحدة تعد الصين -حسب إحصاءات 2024- المُصدِّر الأول للبضائع في العالم بقيمة ناهزت 3.58 تريليونات دولار، متجاوزة قيمة صادرات الولايات المتحدة التي تقدر بـ2.1 تريليون دولار.
وتدرك بكين جيدا أن العالم يمر بتحولات كبرى، ويبدو أنها ترى في اللحظة الترامبية الراهنة فرصة تاريخية لشد أحزمتها وتعديل وتيرة سيرها في خضم جملة من المفارقات:
أولها: أن ترامب -الذي يرغب في السير منفردا، ويستهدف الجميع بسياساته الحمائية- لا يزعجها بقدر ما يربك أصدقاءه وحلفاءه.
ثانيها: أن الصين -التي ارتبط اسمها بالانغلاق والحمائية، وظلت على مدى ألفي عام تبني حولها "سور الصين العظيم"- تجد نفسها اليوم في مقدمة القوى العالمية التي تقود حركة العولمة التي ارتبطت بالغرب إلى حد كبير، وأسهمت الولايات المتحدة تحديدا في رسم مساراتها وفتح الأسواق أمام التجارة الدولية.
وأخيرا، يتوقف الأمر على الموقع الذي ينظر منه المرء إلى أحزمة الصين المتعددة:
تبدو كأنها تحتضن العالم وتضم بعضه إلى بعض بمنظومة من المنافع المشتركة.
ومن جهة أخرى تبدو كأنها تطوقه وتشده إليها بشبكة من الحبائل التي يمكن أن تحوّل تلك المنافع إلى ديون متراكمة في ظل الاختلال المتزايد والنمو غير المتكافئ لاقتصادات العالم.
وبصرف النظر عن موقعنا وموقفنا من تلك الأحزمة الأكيد أن ثمة شيئا قد تغير في مزاج الصين وفي رؤيتها لذاتها وللعالم كشف عنه موقفها الصلب في حرب التعريفات الترامبية، مفاده أن على أميركا أن تعترف بأن القوة الصينية باتت واقعا لم يعد ممكنا تجاوزه أو احتواؤه، وأن على الصين أن تدرك بالمقابل حقيقة قوتها، وأن تتصرف في العالم وفق هذا الإدراك.
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


الجزيرة
منذ 2 ساعات
- الجزيرة
هل تختفي الدراسات العربية والإسلامية من جامعات أوروبا بسبب العجز المالي؟
على خطى جامعة أوتريخت الهولندية، وفي خطوة مثيرة للجدل، أعلنت كلية العلوم الإنسانية في جامعة لايدن بهولندا -إحدى أعرق الجامعات الأوروبية- عن خطة تقشفية قد تؤدي إلى إلغاء برنامج الإسلام واللغة العربية الذي يعود تاريخه إلى 4 قرون، ضمن سلسلة إجراءات لخفض الميزانية. ويأتي هذا القرار المحتمل ضمن خطة أوسع لإعادة هيكلة البرامج الأكاديمية بسبب عجز سنوي متوقع يصل إلى 5.7 ملايين يورو، ناتج عن ارتفاع التكاليف وتراجع التمويل الحكومي. وتشمل الخطة تقليص عدد كبير من المقررات الدراسية، وإلغاء أو دمج تخصصات أكاديمية. يُعد برنامج اللغة العربية في جامعة لايدن من أقدم البرامج المتخصصة في العالم الغربي، وأسهم عبر تاريخه الطويل في تكوين نخب فكرية ودبلوماسية أدت أدوارا محورية في فهم وتحليل العالم العربي والإسلامي. وخلال تلك الفترة، كونت الجامعة مجموعة عريقة من الكتب والمخطوطات. بيد أن الخطة الجديدة تقترح إلغاء كافة التخصصات المرتبطة بدراسات الشرق الأوسط، بما في ذلك العربية، والفارسية، والتركية، والعبرية، والدراسات الإسلامية. وأثار هذا التوجه ردود فعل غاضبة داخل الأوساط الأكاديمية، حيث اعتبر البعض أن الجامعة تُعرِّض بذلك التعدد الثقافي والمعرفي للخطر. دبلوماسيو المستقبل بلا لغة عربية؟ في خضم القلق العام من احتمالية إلغاء برنامج اللغة العربية في جامعة لايدن، تتساءل افتتاحية صحيفة "تراو" الهولندية: "إذا أُلغي البرنامج الدراسي الذي مضى عليه 400 عام بسبب عجز الميزانية، فمن أين سيكتسب دبلوماسيو المستقبل معارفهم عن الثقافات العربية؟". أيضا، عبّر أكاديميون عن قلقهم من تأثير هذا القرار على مستقبل البحث العلمي وفهم المنطقة العربية، حيث قال أحد الأساتذة: "نحن نواجه خطر أن يصبح لدينا جيل من الدبلوماسيين والسياسيين لا يملك الحد الأدنى من المعرفة باللغة والثقافة العربية، وهذا أمر خطير في عالم متعدد الأقطاب". ويرى البروفيسور يواس فاخيميكرز، الأستاذ المشارك في كلية الدراسات الإسلامية والعربية بجامعة أوتريخت ومنسق برنامج بكالوريوس الإسلام واللغة العربية، "أن نية إلغاء برنامجي بكالوريوس الإسلام واللغة العربية والدراسات الدينية هي خطة غير دقيقة وغير واضحة، ودليل على غياب الرؤية". ويضيف أن "هناك اهتماما كبيرا بالمواد التي يغطيها البرنامجان، وهو أمرٌ ليس مفاجئا، إذ إن معرفة العالم العربي أساسية. بالإضافة إلى ذلك، يُتيح هذا البرنامج مساحة لوجهات نظر غير غربية، وهو أمرٌ تُوليه الجامعة تقديرا كبيرا". برامج مهددة بالإلغاء في جامعتي أوتريخت ولايدن، تُهدد العديد من برامج اللغات بالإلغاء، بما في ذلك اللغة العربية. هذا على الرغم من السمعة العالمية العريقة لجامعة لايدن التي تفتخر بأن بها أحد أقدم برامج اللغة العربية في أوروبا، وهو تقليد يعود تاريخه إلى أكثر من 400 عام. ولهذا السبب تحديدا، تُشكل خطط إلغاء البرنامج مصدر قلق كبير للمستشرق كاريل كيرستن. ويقول كيرستن، وهو محاضر في "كينغز كوليدج لندن" وخبير في الشؤون العربية: "لا أفهم تماما ما يعتقدون أنهم يوفرونه من خلال هذا. الأمر لا يتعلق بمبالغ طائلة من المال، بل بالضرر الهائل الذي يسببه إلغاء برنامج عمره 400 عام". ويتابع البروفيسور كيرستن: "تتمتع هذه الجامعة -لايدن- بسمعة عالمية. تأسست في خضم حرب الثمانين عاما، ونجت من الاحتلالين الفرنسي والألماني، وفترة الاستعمار. أجد قرار إلغاء برامج اللغة العربية في الجامعات قصير النظر للغاية. لقد تضاعفت المناصب الإدارية والتنظيمية خمسة أضعاف، لذا أنا أعرف أين يجب أن أبحث". مصحف لايدن تحتفظ مكتبات جامعة لايدن بالعديد من صفحات القرآن الكريم القديمة جدّا في مجموعاتها الشرقية. وبفضل التحليل باستخدام طريقة الكربون-14، يبدو الآن أن أقدم تلك الصفحات يعود تاريخها إلى النصف الثاني من القرن السابع الميلادي. وتقول كارين شيبر، الخبيرة في مجال حفظ الكتب والورق في أمستردام والحاصلة على الدكتوراه في "تقاليد تجليد الكتب الإسلامية": "في عام 2011، وبتنسيق من أكاديمية برلين-براندنبورغ للعلوم، أطلقت الجمعية الألمانية للأبحاث والوكالة الوطنية الفرنسية للأبحاث مشروع 'قرآنيكا' الدولي لدراسة تاريخ النصوص القرآنية المبكرة". وتضيف: "لا يقتصر البحث على النص نفسه، بل يشمل أيضا الشظايا المادية التي يمكن تأريخها بدقة باستخدام طريقة الكربون-14. ولأن هذا البحث مُكلف ولا يُجرى إلا في مختبرات متخصصة، كانت إجابتنا 'نعم' عندما طُلب من جامعة لايدن المشاركة في المشروع وتحليل العديد من شظايانا القرآنية". "تلقينا منذ ذلك الحين نتائج الاختبار. حُدد تاريخ قطعة البردي بين عامي 650 و715 ميلاديا، أي قبل أكثر من قرن مما كان يُعتقد سابقا، ويُرجّح أن أقدم قطعة على الرق قد كُتبت بين عامي 650 و700 ميلادي. ويؤكد هذا البحث عمر هذه النصوص وأهميتها، فقد كُتبت أقدم قطعة بعد وفاة النبي محمد بحوالي 30 إلى 70 عاما". في السابق، لم تكن قطع القرآن الكريم على الرق والبردي تحمل تاريخا محددا، وكان تاريخ قطعة البردي يُقدَّر بشكل متحفظ بين 770 و830 ميلاديًا تقريبا. وبناء على الخط العربي الطويل والمائل المعروف باسم "الحجازي"، عرفنا أن قطع لايدن قديمة، لكننا لم نكن نعرف عمرها بالضبط. إغلاقات في جامعة أوتريخت أكدت جامعة أوتريخت أنها تُخطط لإلغاء دراسات 6 برامج شهادات -الألمانية، والفرنسية، والإسلام والعربية، والإيطالية، والكلتية، والدراسات الدينية- بحلول عام 2030. وهي برامج تستقبل أقل من 25 طالبا جديدا سنويّا، ولم تكن مربحة لسنوات. هذا يعني أن قبول الطلاب الجدد سيتوقف اعتبارا من الأول من سبتمبر/أيلول. ويُوضح توماس فايسينس، عميد كلية العلوم الإنسانية بالجامعة: "يعود ذلك إلى استمرارنا في الحفاظ على مجموعة من البرامج التي أصبحت باهظة التكلفة. ومع التخفيضات التي أعلن عنها مجلس الوزراء، علينا خفض نفقاتنا إلى حد بعيد. ولتجنب المزيد من العجز بحلول عام 2030، علينا خفض نفقاتنا بنسبة 10%". ويرد البروفيسور يواس فاخيميكرز: "إذا اتضح من الأخبار على مدى العشرين عاما الماضية أن الإسلام والعالم العربي يُشكلان مصدر قلق كبير في كل من الشرق الأوسط وهولندا، وربما يكون عام 2023-2024 هو الأبرز، ومع ذلك، أعلنت كلية العلوم الإنسانية بجامعة أوتريخت أنها ترى ضرورة إلغاء 6 برامج بكالوريوس، بما في ذلك برنامج الإسلام واللغة العربية، كجزء من خطة انتقالية". ردود فعل على مواقع التواصل الاجتماعي، تستمر ردود الفعل. ويقول ماتيس هولمان: "للأسف، دراسات اللغات ليست خيارا شائعا، ولكن قيمتها المضافة يُقلَّل من شأنها كثيرا. وتُنتج دراسة هذه اللغات معرفة حول الثقافة المعنية، وتنتج مستشارين يمكنهم تقديم المشورة لرواد الأعمال، أو مترجمين يمكنهم ترجمة أدلة التعليمات. ومن ثم، لدينا خبراء يمكنهم تقديم معلومات أقل تحيزا". ويستطرد هولمان: "أجد اختفاء اللغتين الألمانية والفرنسية في أوتريخت أمرا صادما للغاية. إن حقيقة أن الجامعة ترفض هذه الدراسات باعتبارها 'غير مربحة' تشير إلى أن الربح، وليس المعرفة، هو هدف مؤسسة أكاديمية كانت ضمن أفضل 50 جامعة عالميّا لسنوات". أما رولاندر دورلاند فيقول متهكما: "حسنا.. بعد بضعة عقود سنصبح جزءا من 'الشرق الأوسط'. ربما حان الوقت لدراسة 'الثقافة والتاريخ الهولندي القديم'؟". وتقول آنا راب: "من المخزي أن تكون هذه هي الخطط وأن يكون هناك الكثير من عدم اليقين المحيط بها". وفيما تعمل الكليتان في جامعتي أوتريخت ولايدن على تقليص عدد المقررات الدراسية لتحقيق التوازن المالي، يأمل المدافعون عن البرنامج أن يُراجَع القرار نظرا لأهمية اللغة العربية أكاديميّا وجيوسياسيّا.


الجزيرة
منذ 2 ساعات
- الجزيرة
الأمم المتحدة للجزيرة: يمكننا إطعام الناس لكن إسرائيل لا تفي بالتزاماتها
قال فرحان حق -نائب المتحدث باسم الأمين العام للأمم المتحدة- إن المنظمة الدولية حاضرة في قطاع غزة، وإن موظفيها يعانون الجوع ويتعرضون للخطر وهم يحاولون مساعدة الفلسطينيين، مؤكدا أن إسرائيل لا تفي بالتزاماتها. وفي مقابلة مع الجزيرة، قال حق إن إسرائيل لا تسمح إلا بإدخال كميات قليلة جدا من الطعام والوقود، وإن عليها الالتزام بما عليها كقوة احتلال لأن هناك مليوني فلسطيني يواجهون الموت جوعا. وباستطاعة الأمم المتحدة إطعام الناس كما فعلت خلال الهدنة السابقة وستقوم بالأمر نفسه في حال تم وقف إطلاق النار ، كما قال المسؤول الأممي مؤكدا استعداد كافة موظفي المنظمة للقيام بما يجب عليهم. وأكد حق أن مسألة المعابر مرتبطة بالحكومتين المصرية والإسرائيلية، وقال إن إجبار أي شعب على مغادرة أهله يمثل جريمة حرب وفق القانون الدولي ، مشيرا إلى أن الأمم المتحدة لا يمكنها إعطاء توصيفات بعينها ما لم تصدر المؤسسات القضائية الدولية رأيها بشأنها. وأمس الاثنين، أقادت مصادر في مستشفيات غزة باستشهاد 11 فلسطينيا من طالبي المساعدات بنيران جيش الاحتلال في القطاع خلال يوم واحد. كما قالت منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسيف) إن "الجوع ينتشر في غزة والناس يموتون وسوء التغذية المميت بين الأطفال يصل إلى مستويات كارثية". وفي غضون ذلك، قالت المتحدثة باسم البيت الأبيض كارولين ليفيت إن الرئيس دونالد ترامب يرى أن الحرب في غزة طالت وأن القتال أصبح أكثر دموية في الأيام الأخيرة، مؤكدة أنه يريد دخول المساعدات بطريقة آمنة. وشهدت الأيام الماضية تحذيرات متزايدة من تفشي الجوع في القطاع المنكوب الذي تفرض عليه إسرائيل حصارا تاما منذ عودتها للحرب في مارس/آذار الماضي. وخلال شهرين اثنين، قتلت قوات الاحتلال 800 فلسطيني على الأقل خلال سعيهم للحصول على مساعدات وفق الآلية التي حددتها مع الولايات المتحدة. وتم الإعلان عن موت أطفال في غزة بسبب سوء التغذية الحاد، ولم تعد المستشفيات تجد وجبة واحدة للمرضى ولا للطواقم الطبية، وأكدت العديد من المنظمات الأممية أن القطاع يواجه كارثة حقيقية.


جريدة الوطن
منذ 2 ساعات
- جريدة الوطن
إفريقيا الجائعة.. حديقة واشنطن الخلفية
منذ عقود، كانت علاقة الولايات المتحدة بالقارة الإفريقية تُشبه إلى حد كبير علاقة سيد بحديقته الخلفية: لا يُوليها عناية يومية، لكنه يحرص أن تبقى على قيد الحياة لتثمر حين تندر الثمار في حقوله الأخرى. وعلى الرغم من كل الشعارات حول التنمية والشراكة والديمقراطية، فإن السياسات الأميركية تجاه إفريقيا – خاصة في عهد الرئيس دونالد ترامب – تكشف عن منطق استعلائي قائم على التهميش، والمصلحة الأنانية، والنظرة النفعية البحتة للقارة. في 9 يوليو الجاري، استضاف ترامب خمسة رؤساء أفارقة في «غداء عمل» بالبيت الأبيض، ركّز على ما سمّاه «الفرص التجارية» التي قد تعود بالنفع على الطرفين. لكن حتى هذا اللقاء، الذي بدا احتفاليا في ظاهره، لم يخلُ من دلالات مثيرة للقلق. فمن حيث الشكل، لم يكن الغداء جزءا من استراتيجية شاملة لانفتاح أميركي جديد على إفريقيا، بل بدا كمبادرة انتقائية، أشبه بـ«تسوّق سياسي» يروم صفقات معدنية وتجارية، في محاولة واضحة لمنافسة الصين على كعكة القارة. لقد أزال ترامب الستار عن النفاق المعتاد في الدبلوماسية الأميركية. فوزير خارجيته ماركو روبيو صرّح بوضوح أن واشنطن ستتخلى عن «نموذج المساعدات الخيرية»، وستتعامل فقط مع الدول التي تُظهر «القدرة على مساعدة نفسها». وبعبارة أخرى: لا حديث بعد الآن عن حقوق الإنسان أو الحكم الرشيد أو دعم الديمقراطية. المهم هو عدد الصفقات التجارية التي ينجزها السفراء، لا عدد المدارس أو مراكز الصحة التي تفتتحها المعونة الأميركية. وبينما قد يرحّب بعض القادة الأفارقة بهذا النهج، ويجدون فيه راحة من الضغط الأخلاقي الأميركي، إلا أن الصورة الكبرى تفضح استخفافا هيكليا بالقارة. فاختيار الضيوف في غداء ترامب لم يكن نتيجة اعتبارات استراتيجية متوازنة، بل أقرب إلى المزاجية السياسية. فبعضهم، كان موجودًا في واشنطن أصلاً. وآخرون، لا تربطهم مصالح تُذكر بواشنطن، بل يواجهون تحديات داخلية تجعل من الدعوة دعما ضمنيا لشرعيات هشّة. وفي هذا السياق، تبرز قضية ذلك البلد الإفريقي الصغير بوصفها نموذجا للفوضى في الرؤية الأميركية. لا توجد سفارة أميركية هناك، ولا مصالح اقتصادية تُذكر، لكن رئيسها تلقّى دعوة مميزة للبيت الأبيض، رغم أن شرعيته محل شك قانوني، بعد تأجيل الانتخابات. الرسالة الضمنية واضحة: واشنطن لا تُمانع في دعم زعماء شرعيتهم مهزوزة، ما داموا قادرين على على التعايش مع الصلف الأميركي وامتصاصه. ولعل ما يُظهر حقيقة العلاقة الأميركية–الأفريقية أكثر من أي شيء، هو فرض الولايات المتحدة رسوما جمركية قاسية على دول إفريقية لا تستورد ما يكفي من السلع الأميركية. ليسوتو، الدولة الصغيرة التي تعتمد على تصدير الألماس والملابس، تعرضت لعقوبة اقتصادية لمجرد أنها تعاني من عجز تجاري مع أميركا. أما جنوب إفريقيا، فقد تلقت تهديدات مباشرة من ترامب بسبب عضويتها في مجموعة «بريكس»، ورفعت واشنطن سيف الرسوم بنسبة 30 % على صادراتها، في رسالة تنذر بعقوبات أوسع قد تطال دولًا أخرى كإثيوبيا ومصر. وإذا كانت واشنطن قد حاولت من قبل التقليل من مخاوفها بشأن نفوذ الصين وروسيا في إفريقيا، فإن الوقائع اللاحقة كشفت العكس. فالإدارة الأميركية أضحت تعترف بأن نشاط بكين وموسكو يُهدد مصالحها في القارة. الصين، التي ضخت مئات المليارات في مشاريع الطاقة والبنى التحتية، تُتهم من قبل واشنطن بمحاولة تقويض النظام الدولي وتعزيز مصالحها الضيقة. أما روسيا، فتُقدَّم كقوة زعزعة، تستخدم الشركات العسكرية الخاصة لنشر الفوضى وتعظيم مكاسبها في الفراغات الأمنية. وتزداد خيبة واشنطن حين تنظر إلى مواقف القارة السياسية. فمعظم دول إفريقيا رفضت إدانة الهجوم الروسي على أوكرانيا، ما يُفسَّر كصفعة دبلوماسية للغرب. وبينما تضخ الصين استثمارات تفوق 50 مليار دولار سنويا، وتُبرم مئات الصفقات مع عشرات الدول، لم تستثمر أميركا سوى 22 مليارا في 80 شركة خلال الفترة نفسها. بل إن الصين عقدت قمة ضخمة في 2006 مع 35 رئيسا إفريقيا، لا تزال واشنطن عاجزة عن مجاراتها في الزخم والحضور. ومع ذلك، لا تزال الولايات المتحدة تحافظ على وجود عسكري مُنظّم في إفريقيا، رغم غياب الصراعات الساخنة المباشرة على نمط الشرق الأوسط. فقيادة «أفريكوم»، التي أُسست عام 2008، تُشرف على العمليات العسكرية الأميركية في 53 دولة، بما يعكس قناعة أميركية بأن القارة لا يجب أن تترك فارغة أمام الآخرين، حتى إن لم تكن أولوية سياسية أو اقتصادية. وفي خضم هذا التدافع نحو القارة – من الشرق والغرب – يبرز سؤال يطعن في عمق الخطاب التنموي الدولي: هل ستستفيد إفريقيا من هذا التزاحم على مواردها؟ أم أنها تظل فريسة نَهَمٍ استعماريٍّ بثوبٍ جديد، تؤدي فيه الأنظمة الفاسدة دور الوسيط المُطيع؟ الإجابة المؤلمة أن الحديقة الخلفية قد لا تُزهر، ما دام من يُمسك بمقصِّ التقليم لا يريدها أن تنمو أصلا.