logo
حقاً هل نعرفهم؟

حقاً هل نعرفهم؟

العربيةمنذ 2 أيام
في ندوة مشتركة مع زملاء تمت الأسبوع الماضي شارك فيها كاتب هذه السطور، وكان موضوع النقاش هو الحرب الإيرانية - الإسرائيلية وتداعياتها على منطقة الخليج، استمعت إلى المداخلات التي كانت فيها وجهات نظر متعددة، إلا أن الملاحظة التي خرجت بها من اللقاء، أننا لا نزال بعيدين عن النظر إلى هذا الموضوع الهام، وهو الموضوع "الإسرائيلي - العربي" بشكل جدي وعقلاني وعلمي.
تمتلئ مفرداتنا بنظرية المؤامرة، وهي أن هناك سايكس بيكو جديدة، وأن هناك قوة أميركية تريد الهيمنة على هذه المنطقة وتستعبد شعوبها. بدا لي أن ذلك الخط من التفكير أمر يحتاج إلى نقاش. وما زاد الأمر بلة أن قال أحدهم، وهو متأكد مما قال، إن هناك شعاراً لإسرائيل أنها تريد الهيمنة على المنطقة الممتدة من الفرات إلى النيل. حاولت أن أنظر في هذا الموضوع بشكل عقلاني، ولكني قبل أن أجيب عن الأسئلة المعلقة، أريد أن أنظر ولو قليلاً إلى الماضي القريب.
لقد ابتليت هذه المنطقة في مراحل متعددة من مسيرة الصراع العربي - الإسرائيلي بقيادات عربية أقرب إلى التفاهة منها إلى العقلانية. مثال في اجتماع الجامعة العربية في القاهرة أيار/ مايو 1967 (قبل أسبوعين من حرب حزيران/ يونيو من ذلك العام)، وكان رئيس الجمهورية السورية وقتها أمين الحافظ، قال للمجتمعين، ونشر قوله في الصحف في اليوم التالي، إنكم لو أعطيتموني أسبوعين فقط لقمت برمي إسرائيل في البحر . فقضية من النهر إلى البحر تتردد حتى وقتنا الحالي، دون فهم للمعطيات الحقيقية التي تحيط بنا!
أعود إلى نظرية المؤامرة، وأؤكد بأنه حسب البحث العلمي، لا يوجد هناك شعار رسمي لإسرائيل يقول من الفرات إلى النيل! تلك مقولة رتبها العقل العربي في إطار المزايدة الكبرى التي روج لها، ولا نزال نخوض بعضها.
ربما قليل منا يعرف أن هناك عدداً من مراكز البحث الإسرائيلية المتخصصة في الدراسات العربية والإسلامية سواء كانت هذه المراكز بحثية مستقلة، أو مرتبطة بجامعات، وعددها سبع مراكز كبرى، غير المراكز التابعة للجامعات الأصغر ، وعدداً من الجامعات تدرس الإسلام والعربية، كجزء من دراساتها الأكاديمية.
وفي حين أن القليل من العرب متخصص في الدراسات العبرية، فإن اللغة العربية تدرس بشكل رسمي وواسع في إسرائيل، وأما من يعرف العبرية من العرب فهم فقط عرب الداخل، حاملو الجنسية الإسرائيلية، ونحو 40 إلى 50 من أبناء الضفة الغربية، وفقط 10% من أبناء غزة، أما العرب خارج إسرائيل فإن تخصصهم نادر في الدراسات العبرية.
الفكرة الرئيسية هنا أن اعتماد العلم هو أساس فهم الآخر، وهو أساس بناء أدوات الصراع مع الآخر، أما اعتماد العاطفة والشعبوية والشعوذة، فهذا أمر لن يقودنا إلا إلى الإفلاس والهزيمة.
منذ فترة ليست بالقصيرة بدأت كتابات عربية تتحدث عن أهمية العلم، ومنها أقلام فلسطينية جادة كمثل صقر أبو فخر ورشيد الخالدي وغيرهما. الآن ذلك مفقود في عقل القيادات الشعبوية والأبوية، لأن العلم وتطوره والاستفادة منه، يحتاج إلى مجتمع فيه سقف حريات، لأن العلم هنا هو الرأي والرأي الآخر، والبحث والتقصي الحر في الممكن، والاعتماد على الأرقام، وعلى الحقائق الثابتة والصلبة، وليس على التمنيات أو الرغبات أو حتى المشعوذات.
الكثير مما اعتمدناه شعبياً حول صورة الإسرائيلي، هو صورة مشوهة، وغير حقيقية، نحن في حقيقة الأمر بشكل عام حتى في الدوائر الرسمية العربية نحط من قوة الآخر لفظاً، ونحسبه انتصاراً، ولا نعرف هذا الآخر حق المعرفة، كما لا نعرف الأركان الرئيسية التي تقوم عليها دولة إسرائيل، من حيث فصل السلطات والمساءلة وتحمل أخطاء الأفعال، ومن يهزأ بقوة عدوه يُهزم!!
بعد حرب 1973 ظهرت دراسة موسعة قامت بها مجموعة مستقلة إسرائيلية (تقرير اغرانات) حول الأخطاء التي ارتكبتها إسرائيل في تقدير الحرب. على إثر ذاك قدمت غولدا مائير استقالتها!
بعد الحرب التي قامت بين إسرائيل و"حزب الله" عام 2006، قال شيمون بيريز في مقالة له في "نيويورك تايمز"، لقد أخذنا كل الأخطاء التي ارتكبناها إلى أولادنا في الحجرات الخلفية من أجل الدراسة والاستعداد للمستقبل.
إذن ثنائية العلم والحرية، هي التي تقدم لنا الأدوات الحقيقية والصالحة في معالجة كل المشكلات التي تواجهنا، وهي الطريق والمنهج الصحيح، ليس فقط في مواجهات الأعداء، ولكن حتى في فهم الأصدقاء. الآن هذه الأدوات قليلاً ما يعترف بها في فضائنا العربي. ونعود من جديد إلى ترديد تلك الشعارات سايكس بيكو جديد وتقسيم للعرب، وتأكيد أن كل هذا الفضاء العالمي، هو معادٍ للعرب ولا يفهم طموحاتهم!!
هذا ما حدث في العراق تحت حكم صدام حسين والبعث، وكذلك ما حدث لسوريا تحت حكم البعث لنصف قرن تقريباً، كما حدث أيضاً في ليبيا حيث قرر السيد القذافي أن يكون ملك ملوك أفريقيا! وحارب حتى طواحين الهواء، هذا ما يفعله الحوثي اليوم في اليمن. ويعتقد الحوثي بأنه يساهم في تحرير فلسطين، في حين أن الشعب اليمني تحت سلطة هذا الحوثي فقير معدم، لا يجد حتى الدواء الذي يتداوى به أطفاله.
Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

الوجه الآخر لأحداث السويداء السورية اقتصادياً واجتماعياً
الوجه الآخر لأحداث السويداء السورية اقتصادياً واجتماعياً

الشرق للأعمال

timeمنذ 37 دقائق

  • الشرق للأعمال

الوجه الآخر لأحداث السويداء السورية اقتصادياً واجتماعياً

مع اندلاع معارك السويداء السورية انقسمت السرديات في تفسير الأسباب. بعضها اعتبر أنها صراع طائفي وأعمال عنف متفرقة، في حين ذهبت أخرى إلى وصفها بأنها "عمل عسكري حكومي بهدف إخضاع المنطقة". لأي أزمة وجهان، وهذه الأزمة ليست استثناءً. فمحافظة السويداء لطالما عانت شحّاً بالموارد الطبيعية والاقتصادية، وتفاقمت أكثر مع انهيار مؤسسات الدولة، وصعود قوى محلية متنافسة. تعتبر السويداء معقلاً رئيسياً للدروز في سوريا. وبحسب آخر إحصاء رسمي صادر عام 2014، بلغ عدد سكان المحافظة 467 ألف نسمة، يعيش نحو الثلثين منهم في الأرياف، بينما يتوزع الثلث الأخير على مدن المحافظة وفي مقدمتها مدينة السويداء. اقرأ أيضاً: سوريا.. تعرف على بنود اتفاق وقف إطلاق النار في السويداء نظام اقتصادي خاص أفرز التوزع الريفي نظاماً اقتصادياً خاصاً شكل سيفاً ذا حدين على أهل المحافظة. تعتمد السويداء بشكل رئيس على القطاع الزراعي الذي يشكل نحو 40% من الناتج المحلي الإجمالي للمحافظة، في حين تشكل التجارة والخدمات 40% أيضاً. رغم أن النظام الزراعي عادةً ما يكون أكثر استقراراً من ذلك المعتمد على الخدمات، إلا أن الظروف المناخية لم تساعد، خصوصاً مع اعتماد 90% من الأراضي على الزراعة البعلية، التي تعتمد على مياه الأمطار الطبيعية لري المحاصيل، ما يجعلها رهينة لمعدلات الهطول المطري. مع تراجع الأمطار هذا الموسم إلى أقل من 30% من المتوسط السنوي، تضررت المحاصيل بشكل واضح، ما أدى إلى تراجع إنتاج القمح إلى أقل من 2000 طن، رغم زراعة أكثر من 30 ألف هكتار. أما محاصيل الحمص والشعير فليست أفضل حالاً. تأثير الأمطار على الأشجار المثمرة كان أكثر خطراً، إذ بدأ عدد هذه الأشجار بالتراجع والموت بسبب الجفاف، ما دفع بالمزارعين إلى تحطيبها. وعلى سبيل المثال، تراجع إنتاج التفاح، الذي يمثل مصدر دخل لنحو 11 ألف أسرة، بنسبة 80%، في حين تواجه أشجار الزيتون والخرمة (كاكي)، خطر الزوال نتيجة هطولات مطرية لم تتجاوز 150 ملم سنوياً. وحذر مدير الزراعة في السويداء مالك الحلبي في مقابلة مع وسائل إعلام محلية، من أن ما يجري لا يُعد أزمة موسمية، بل "دخولاً فعلياً في مرحلة تصحر"، مشدداً على أن استمرار هذه الظروف لعامين فقط، "كفيل بتحويل المحافظة إلى صحراء". الجفاف والركود يضربان قطاعات الزراعة والتجارة والخدمات في حالات مشابهة، غالباً ما يتوجه المزارعون إلى الاستعانة بأنظمة الري لمواجهة الجفاف، لكن الظروف الاقتصادية والاجتماعية والسياسية في المحافظة صعّبت من هذا الخيار. تواجه الآبار الجوفية خطر الجفاف، في حين أن ارتفاع أسعار الوقود وقطع الغيار، بالإضافة إلى الحرب، جعلت تقنيات الري خارج متناول معظم المزارعين. ونتيجة لذلك، خرج نحو 75% من الأراضي الزراعية عن الخدمة هذا الموسم. الكوارث الزراعية ترافقت مع تراجع في قطاعي الخدمات والتجارة بسبب الثورة التي بدأت في 2011 ضد نظام بشار الأسد. ورغم أن أبرز مناطق المحافظة الإدارية (مدينة السويداء، شهبا، وصلخد) لم تشهد الكثير من التوترات خلال الحرب بسبب انتماء العديد من أبنائها إلى الجيش وعدم انضمامهم إلى التشكيلات العسكرية المناهضة للنظام، إلا أنها لم تسلم من آثار تدهور القدرة الشرائية وانهيار قيمة العملة، وانقطاع سلاسل الإمداد مع المحافظات الأخرى. تُفسّر هذه العوامل كيف سقطت المحافظة سريعاً في أتون البطالة والفقر بعد 2012، حيث لم يكن هناك قطاع قادر على امتصاص الصدمات أو خلق فرص بديلة. خلاف تاريخي متجدد التاريخ كان حاضراً أيضاً ليزيد من معاناة أهل المحافظة، خصوصاً أن أحد جوانب الأزمة الحاصلة الآن في السويداء هو الخلاف التاريخي بين الدروز والبدو على الأراضي الزراعية ومصادر المياه، والذي يعود إلى عدة عقود سابقة، وهو ما لفت إليه الرئيس أحمد الشرع في خطابه الأخير. تعود جذور هذه النزاعات إلى بدايات القرن العشرين، عندما بدأ الدروز بالاستقرار في المناطق الزراعية الغنية بالموارد، بينما بقي البدو الذين يقدر عددهم بثلث سكان المحافظة، في أطراف البادية. وتفاقمت هذه الخلافات بعد الاستقلال نتيجة لضعف التسوية القانونية للأراضي، والاعتماد على معايير عشائرية أحياناً لتوزيع الملكيات. وتأججت الأزمة مع تغيّر المناخ ونُدرة المياه، مما حوّل بعض الآبار إلى موضع نزاع مسلح في السنوات الأخيرة، خاصة في المناطق القريبة من البادية، كقرى الحقف وملّاحة وبريكة. خرجت هذه الخلافات إلى العلن بشكل واضح خلال عام 2000، عندما أدت المواجهة الدامية على خلفية تعديات لبعض عشائر البدو على المناطق الزراعية، إلى سقوط مئات الضحايا والجرحى. وترافق مع ذلك اندلاع انتفاضة شعبية في المحافظة مثّلت تحدياً أمنياً للنظام السوري في بدايات حكم بشار الأسد الذي تولى السلطة بعد وفاة والده حافظ الأسد. حاول النظام التعامل مع الأحداث على أنها "فتنة" وقدم نفسه على أنه ضامن للمجتمع وخاصة الدروز، وروج لاستجابته لمطالب المنتفضين، من خلال إرسال تعزيزات أمنية بذريعة حماية أهالي المحافظة من اعتداءات البدو، فيما كان يعزز قبضته الأمنية على المحافظة. إلا أنه لجأ إلى اعتقال عدد من الشباب المشاركين في هذه التظاهرات، فيما قتل آخرين، وفق تقرير حديث صادر عن "مركز حرمون. الخلفيات التاريخية توصل لاشتباكات دامية من هنا يمكن فهم أسباب اندلاع الاشتباكات بين عشائر البدو والدروز، إذ أجمعت تقارير على أنها بدأت بعدما قامت مجموعات مسلحة بالاعتداء على تاجر درزي وسرقة ممتلكاته على طريق السويداء–دمشق الحيوي لأهل المحافظة، وهي اعتداءات باتت متكررة في الفترة الأخيرة. دفع ذلك بعض الجماعات المسلحة الدرزية إلى خطف عدة أشخاص من أبناء البدو، ما أطلق سلسلة من عمليات الخطف المتبادلة، قبل أن تتطور إلى اشتباكات دامية. عقود من الأزمات والاتهامات بالتخطيط للانفصال الشق السياسي من الأزمة لا يقل خطورة، ويمتد لما قبل حرب 2011. لعبت السويداء أدواراً وطنية مهمة في تاريخ سوريا الحديث؛ إذ كانت مهد الثورة السورية الكبرى عام 1925 بقيادة سلطان باشا الأطرش. رغم هذه الخلفية الوطنية، لطالما وُجهت اتهامات لبعض الأطراف في السويداء بالسعي للانفصال عن الدولة، ما أدى إلى أزمات متكررة مع السلطة. شهدت السويداء أولى أزماتها مع الدولة السورية عام 1947، إذ برزت ملامح صراع سياسي إثر الانتخابات التشريعية، حيث بقيت 4 مقاعد نيابية من أصل 5 مخصصة لتمثيل دروز السويداء، شاغرة لعام كامل. كما شهدت في العام نفسه تظاهرات واشتباكات مسلحة، بين الزعامة التقليدية لآل الأطرش، وحركة من الفلاحين أطلقت على نفسها اسم "الشعبيين". واتُهم رئيس البلاد آنذاك شكري القوتلي، بتشجيع "الشعبيين" على التمرد على نفوذ آل الأطرش، نتيجة علاقاتها الجيدة مع الأسرة الهاشمية في الأردن، ودعمها مشروع الهلال الخصيب. انتهت الأزمة بين الطرفين بالصلح، قبل أن تعود المواجهات في عهد الرئيس أديب الشيشكلي عام 1953، ثم بعد انقلاب فبراير 1966، ثم محاولة الانقلاب الفاشلة لابن السويداء الرائد سليم حاطوم في يوليو 1966، والذي أُعدم في يونيو 1967. هذه الاتهامات تكررت في سياقات مختلفة. فعلى سبيل المثال، واجهت الاحتجاجات السلمية في السويداء عام 2021 اتهامات بالرغبة في الانفصال عن سوريا. وعزز نظام بشار الأسد هذه الرواية لإبقاء السويداء في عزلة، كما سعى لتصوير مطالب أهالي السويداء بأنها غير مدعومة وطنياً. تكتيكات نظام الأسد: من التجاهل إلى التحريض الداخلي انتهج نظام الأسد تكتيكات خاصة للتعامل مع السويداء خلال أحداث الثورة السورية بعد 2011. فبينما شهدت محافظات أخرى احتجاجات، حافظت المحافظة إلى حد كبير على الحياد النسبي، ولم تنخرط فصائل كبيرة منها في القتال إلى جانب أي من الطرفين، بل ركزت على حماية مناطقها والدفاع الذاتي. اقرأ أيضاً: سوريا.. لماذا تحتج "السويداء" بعد 12 عاماً من الحياد؟ أبرز مظاهر هذا الحياد تمثلت في الرفض الواسع للشباب الدروز لأداء الخدمة العسكرية الإلزامية في جيش الأسد خلال سنوات الحرب. تحوّلت السويداء بذلك إلى ملاذ آمن لكثير من المتخلفين عن الخدمة، والمتوارين عن أنظار السلطات، والمطلوبين بسبب مواقفهم السياسية المعارضة. ورغم أن النظام ضيّق الخناق أحياناً عبر حملات تجنيد قسرية، إلا أنه غالباً ما تجنّب صداماً واسعاً مع الجماعة الدرزية، مفضلاً التعامل بوسائل غير مباشرة. اتّبع نظام الأسد أساليب غير تقليدية، مثل غض البصر عن انتشار الجماعات المسلحة وعصابات الخطف والسرقة، بالإضافة إلى محاولات لإثارة الفتن بين المحافظة وجوارها. كما اتُهم بتسهيل هجمات تنظيم "داعش" على المحافظة لترهيب أهلها، وخصوصاً مجزرة يوليو 2018 التي أسفرت عن سقوط أكثر من 250 مدنياً. ظهر هذا التعامل جلياً خلال فترة الحرب، إذ أدت أزمة ندرة الوقود إلى صعوبة ريّ المحاصيل ونقل المنتجات، وذلك بالتزامن مع غلاء أسعار البذور والأسمدة وضعف القدرة على توفير الأعلاف، فضلاً عن انهيار أسعار المحاصيل مقابل تكلفة إنتاجها. إلى جانب ذلك، شهدت الخدمات الأساسية مثل الكهرباء تدهوراً حاداً، كما تفاقمت أزمة مياه الشرب، مع معاناة بعض مناطق المدينة وريفها من انقطاع المياه بشكل كامل لفترات طويلة. ولم تسلم الاتصالات وخدمات الإنترنت، أما أسعار المواد الغذائية والسلع الأساسية فشهدت ارتفاعاً تجاوز قدرة معظم الأسر على تحملها. عسكرة المجتمع وانتشار الجماعات المسلحة مع انسحاب الدولة فعلياً من السويداء منذ 2012، برزت ظاهرة الاعتماد على جماعات مسلحة محلية للحماية وتوفير مصادر دخل بديلة. ظهرت العديد من المجموعات المسلحة منذ 2013 تحت شعارات مثل "الدفاع الذاتي" و"حماية السويداء"، بعضها ذو طابع ديني، وبعضها ارتبط بشكل غير مباشر بأجهزة أمنية تابعة لنظام بشار الأسد. أما في صفوف البدو، فظهرت جماعات مسلحة محلية لحماية القرى أو للسيطرة على طرق التهريب، أبرزها مجموعات في خربة عواد والعمان. ووفق تقرير توسعت أنشطة هذه الجماعات من الحماية، إلى السيطرة على طرق التجارة الداخلية والتهريب عبر البادية، وصولاً إلى تجارة "الكبتاغون" وفرض الأتاوات. وتشير عدة تقارير إلى أن محافظة السويداء أصبحت إحدى المحطات الرئيسية لصناعة وتهريب الكبتاغون نحو الأردن والخليج، بفضل شبكات ميدانية ترتبط بأجهزة أمنية سورية وشخصيات محلية نافذة. وتُقدَّر عوائد هذه التجارة بمليارات الدولارات سنوياً، فيما كانت تتقاطع المصالح بين بعض الجماعات المسلحة المحلية، والفرقة الرابعة في جيش النظام التي قادها ماهر الأسد، وكانت تشرف على خطوط التهريب من درعا والسويداء إلى الحدود الأردنية. احتجاجات أغسطس 2023 في خضم هذا الواقع، اتخذت الحكومة السورية في أغسطس 2023 قراراً برفع دعم الوقود بشكل شبه كامل، مما ضاعف أسعار المحروقات بين ليلة وضحاها. وشكّلت هذه الخطوة الشرارة التي أطلقت سلسلة احتجاجات غاضبة في السويداء. خرج المئات من أبناء المحافظة إلى الشوارع مرددين شعارات ضد الغلاء والسياسات الحكومية، وقاموا بقطع الطرقات وإشعال الإطارات احتجاجاً. وكانت تلك الاحتجاجات بداية لتحول أكبر في المزاج الشعبي، إذ سرعان ما تحولت إلى مطالب سياسية أشمل، تبعها إغلاق عشرات المكاتب لحزب "البعث" في المدينة وريفها، وتحويل بعضها إلى مراكز خدمة مدنية. واجه بشار الأسد حراك السويداء بمزيج من التجاهل التكتيكي والإجراءات الأمنية المدروسة. فمن جهة، حاول احتواء الاحتجاجات عبر امتصاص الغضب وعدم اللجوء إلى المواجهة العنيفة المباشرة، ربما تفادياً لتأجيج المشاعر في منطقة تقطنها أقلية موالية تاريخياً للدولة، ومن جهة أخرى، بدأت الأجهزة الأمنية باتخاذ خطوات لإضعاف زخم الحراك. النظام استمر في اتباع سياسة إضعاف السويداء من الداخل. فهو لم يستجب لمطالب تحسين الخدمات فقط، بل قلّص مجدداً نشاط المؤسسات الحكومية الخدمية في المحافظة، كرد فعل على إغلاق المحتجين لمقار حزب "البعث". كذلك سعى النظام إلى ضرب وحدة الصف المحلي عبر تشجيع جماعات مسلحة مرتبطة بالأجهزة الأمنية وأخرى خارجة عن القانون في ريف السويداء الشرقي والغربي. هذه الجماعات تورطت في تهريب المخدرات وخصوصاً "الكبتاغون" عبر الحدود الأردنية، وكانت هذه الجماعات ترى في استمرار الاحتجاجات تهديداً لأنشطتها غير المشروعة. لكن سرعان ما تطورت الاحتجاجات إلى مظاهرات حاشدة في مدينة السويداء وبلدات أخرى مثل شهبا وصلخد والقريّا. بلغت الاحتجاجات ذروتها في أواخر أغسطس ومطلع سبتمبر 2023، حيث احتشد المئات يومياً في ساحة السير (ساحة الكرامة) وسط مدينة السويداء. وأظهرت مقاطع مصورة انتشرت آنذاك مشاهد غير مسبوقة؛ إذ أقدم متظاهرون غاضبون على تمزيق صور الأسد وإسقاط تماثيله في الساحات، كما أغلقوا مبنى فرع حزب "البعث" ورفعوا فوقه راية الثورة السورية (علم الاستقلال). استمرت المظاهرات بوتيرة متفاوتة، ولكنها خفتت تدريجياً بحلول 2024. بين التهميش الداخلي والتجاذبات الإقليمية بالإضافة إلى العوامل الداخلية، فإن السويداء تقع في قلب بيئة إقليمية شديدة التعقيد. فالمحافظة تحدّ الأردن من الجنوب، وتشترك معها في حدود طويلة، شكّلت تاريخياً معبراً للتهريب بأنواعه. خلال سنوات الحرب، ازدهرت تجارة المخدرات وخاصة أقراص "الكبتاغون" عبر الجنوب السوري، وشملت خطوط التهريب نحو الأردن مسار ريف السويداء. أدى ذلك إلى توتر متزايد مع الأردن الذي اعتبر تهريب المخدرات عبر حدوده الشمالية تهديداً لأمنه القومي. وفي مايو 2023 نُسب لسلاح الجو الأردني استهداف منزل أحد أبرز مهربي المخدرات في قرية خربة عواد شرق السويداء، ما أسفر عن سقوطه وعدد من معاونيه. وجهت عمّان بذلك رسالة حازمة بأنها لن تتهاون مع تحول الجنوب السوري إلى بؤرة تهدد استقرارها. الدور الإسرائيلي في أحداث السويداء على الجهة الأخرى من الجنوب السوري، سعت إسرائيل أيضاً إلى مراقبة مجريات الأحداث في السويداء عن كثب، في محاولة لاستغلال الفرصة وقضم المزيد من الأراضي، او إنشاء منطقة "موالية" منزوعة السلاح، كما صرح أكثر من مسؤول إسرائيلي. ويكتسب الموقف الإسرائيلي حساسية إضافية لوجود طائفة درزية في فلسطين المحتلة وفي الجولان المحتل؛ إذ حاولت الحكومة الإسرائيلية استثمار اضطرابات السويداء، وقبلها جرمانا، بزعم حماية الدروز في سوريا. وصدرت تصريحات عن مسؤولين إسرائيليين تتعهد بعدم السماح بتهجير أو تهديد أبناء الطائفة الدرزية في سوريا، في محاولة لكسب ودهم، وكمدخل لنفوذ إقليمي في البلاد، وهو الأمر الذي لاقى آذاناً صاغية عند فئة منهم، بينما عارضه آخرون. اقرأ أيضاً: تظاهرات في السويداء ضد تصريحات نتنياهو عن الجنوب السوري ترافق ذلك مع تقارير عن قنوات تواصل غير مباشرة بين شخصيات درزية سورية وجهات إسرائيلية. وتجلى الدور الإسرائيلي خلال الأحداث الأخيرة، من خلال مناشدة أحد مشايخ العقل حكمت الهجري إسرائيل من ضمن دول للتدخل لحماية الطائفة، وهو الزعم نفسه الذي بررت فيه إسرائيل ضرباتها الأخيرة على دمشق التي تبعد عن مدينة السويداء نحو 128 كيلومتراً.

كاميرا "العربية" توثق انسحاب الجيش السوري من السويداء
كاميرا "العربية" توثق انسحاب الجيش السوري من السويداء

العربية

timeمنذ 40 دقائق

  • العربية

كاميرا "العربية" توثق انسحاب الجيش السوري من السويداء

وثقت كاميرا "العربية" و"الحدث"، اليوم الخميس، لحظات انسحاب وحدات من الجيش السوري من مواقعها في محافظة السويداء جنوب البلاد، في إطار تنفيذ بنود اتفاق وقف النار مع وجهاء المحافظة لنقل مهام الأمن الداخلي إلى الشرطة المحلية. أتى ذلك، فيما انتشر مقاتلون دروز على جانب طريق في إحدى القرى القريبة من مدينة السويداء مع انسحاب كامل قوات الجيش السوري من المحافظة. وسحبت السلطات السورية قواتها بالكامل من محافظة السويداء في جنوب سوريا، الأربعاء، في وقت كلّف الرئيس أحمد الشرع فصائل درزية مسؤولية الأمن منددا بالتدخل الإسرائيلي. وأفاد عناصر من القوات الأمنية السورية على أطراف المحافظة، أن القوات أنهت انسحابها فجرا، بحسب "فرانس برس". وأعلنت دار طائفة الدروز في سوريا، اليوم الخميس، أنه تم الاتفاق مع دمشق لحقن الدماء وسحب القوات الحكومية من السويداء المحافظة الواقعة جنوب سوريا. وقالت ‎دار طائفة المسلمين الموحدين الدروز في سوريا، في بيان نشر عبر صفحتها على "فيسبوك"، إنه تم تشكيل لجنة تقصي حقائق وتعويض المتضررين بالسويداء. كما بينت أنه تم تفعيل الأمن الداخلي من أبناء وضباط السويداء، مضيفة "تنظيم السلاح الثقيل بالتنسيق مع وزارتي الداخلية والدفاع". اتفاق لوقف النار وكانت السلطات السورية قد توصلت مع فصائل درزية في السويداء إلى اتفاق جديد لوقف إطلاق النار، بعد اشتباكات استمرت أياماً أوقعت عدداً من القتلى. وأعلنت وزارة الداخلية، الأربعاء، التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار في السويداء، يضم 14 بنداً، ينص أبرزها على إيقاف كل العمليات العسكرية بشكل فوري، وتشكيل لجنة مراقبة من الدولة السورية وشيوخ دروز للإشراف على عملية التنفيذ. وسرعان ما أيد شيخ العقل يوسف جربوع، وهو واحد من ثلاث مرجعيات درزية بارزة في السويداء، الاتفاق، لكن الشيخ البارز الآخر حكمت الهجري أعلن في بيان "ضرورة الاستمرار في الدفاع المشروع واستمرار القتال"، حسب تعبيره. ويقدّر تعداد الدروز في سوريا بنحو 700 ألف، يعيش معظمهم في جنوب البلاد، في محافظة السويداء خصوصاً.

روسيا: الضربات الإسرائيلية على دمشق انتهاك صارخ لسيادة سوريا
روسيا: الضربات الإسرائيلية على دمشق انتهاك صارخ لسيادة سوريا

العربية

timeمنذ ساعة واحدة

  • العربية

روسيا: الضربات الإسرائيلية على دمشق انتهاك صارخ لسيادة سوريا

نددت وزارة الخارجية الروسية، اليوم الخميس، بالغارات الجوية الإسرائيلية ع لى سوريا، وقالت إنها تشكل انتهاكا لسيادة البلاد وللقانون الدولي. وقالت الوزارة في بيان "موجة العنف الجديدة في سوريا مثيرة للقلق بشكل بالغ". وأضافت "ندد الجانب الروسي مرارا باستخدام إسرائيل التعسفي للقوة في سوريا. هذه الهجمات التي تشكل انتهاكا صارخا لسيادة البلاد والقانون الدولي، يتعين التنديد بها بشدة". وتابعت "نحن على قناعة بأن حل هذه المشكلة يكمن في الحوار وتعزيز الوحدة الوطنية". وشنت إسرائيل، أمس، غارات جوية قوية على دمشق، استهدفت مقر وزارة الدفاع ومناطق قريبة من القصر الرئاسي بالعاصمة السورية غداة تصاعد العنف في محافظة السويداء الجنوبية. وبحسب الجانب الإسرائيلي، جاءت هذه الضربات ردًا على هجمات الحكومة السورية ضد الطائفة الدرزية، وتأكيدا على أن إسرائيل لن تسمح باستهداف الدروز. اندلاع الاشتباكات واندلعت الاشتباكات في السويداء منذ 13 يوليو، بين مسلحين وقبائل بدوية موالية للحكومة، وأسفرت عن وفاة مئات بينهم مدنيون وعسكريون، وشنّت القوات الحكومية حملة للسيطرة على المدينة. في المقابل، ردّت إسرائيل عبر سلاح الجو باستهداف قوات سورية في درعا ودمشق، معلنة أنها تهدف إلى منع قوات الحكومة من التوغل جنوباً. وقف النار وأعلنت وزارة الداخلية السورية، الأربعاء، التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار في السويداء، يضم 14 بنداً، ينص أبرزها على إيقاف كل العمليات العسكرية بشكل فوري، وتشكيل لجنة مراقبة من الدولة السورية وشيوخ دروز للإشراف على عملية التنفيذ. وسرعان ما أيد شيخ العقل يوسف جربوع، وهو واحد من ثلاث مرجعيات درزية بارزة في السويداء، الاتفاق، لكن الشيخ البارز الآخر حكمت الهجري أعلن في بيان "ضرورة الاستمرار في الدفاع المشروع واستمرار القتال"، حسب تعبيره. ويقدّر تعداد الدروز في سوريا بنحو 700 ألف، يعيش معظمهم في جنوب البلاد، في محافظة السويداء خصوصاً.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

هل أنت مستعد للنغماس في عالم من الحتوى العالي حمل تطبيق دايلي8 اليوم من متجر ذو النكهة الحلية؟ ّ التطبيقات الفضل لديك وابدأ الستكشاف.
app-storeplay-store