
تقرير أمَّهات بين فكَّي المجاعة في غزَّة: الاحتلال يمنع عنَّا المساعدات
"جعانة ومريضة ومبتورة ومرمية.."، تختلط هذه الكلمات بدموع المسنة انتصار معروف في خيمة نزوحها القسري الملتهبة في وقت الظهيرة، دون أن يسد جوعها طعام، أو يروي عطشها ماء، أو يداوي وجعها دواء.
تواري انتصار وجهها بين ركبتيها لئلا يظهر ضعفها وجوعها وألمها، وتكتم صوتها لئلا يسمع أحد أنينها، في وقت تتفشى المجاعة على الأرض، مع منع الاحتلال إدخال المساعدات الإنسانية لغزة باستثناء كميات شحيحة، يرعى ويسلح عصابات من اللصوص لسرقتها، وفق تأكيدات فلسطينية وأممية.
تعاني انتصار، التي تعيش محطات النزوح مع ابنها وزوجته وأطفاله بعد وفاة شريك حياتها، من مرضي الكلى والسكري، وقد أدى ذلك مع المجاعة وشح الدواء إلى بتر جزء من أطرافها، وقد استقبلت يوما جديدا من المعاناة بـ"أمنية" الحصول على "شيء تأكله".
تحمل تجاعيد وجهها قهرا يتجاوز معاني الكلمات، لكنها تحاول التعبير بصراحة جلية عن مأساتها لصحيفة "فلسطين": "كلنا جعانين وميتين من الجوع"، مشيرة إلى أنها لا تستطيع المخاطرة بحياتها عبر المزاحمة على بضع شاحنات مساعدات تسرق قبل أن تصل إلى المجوعين.
ومنذ الثاني من مارس/آذار، أطبق جيش الاحتلال حصاره على قطاع غزة، مانعا دخول المساعدات الإنسانية بما في ذلك الغذاء، قبل أن يسمح أخيرا، تحت ضغط دولي، بدخول بضع شاحنات تقول المنظمات الدولية إنها تمثل قطرة في محيط الاحتياج الإنساني.
ويرعى جيش الاحتلال عصابات منظمة لنهب المساعدات في غزة، اعترف رسميا بتمويلها وتسليحها وتوفير الحماية لها أثناء تنفيذ عملياتها.
ويعرقل الاحتلال تأمين ما يسمح بدخوله من مساعدات شحيحة في غزة عبر استهداف رجال الشرطة في غزة، التي أكدت في بيانات عدة عزمها على مواصلة أداء مهامها في خدمة المواطنين، رغم الاستهدافات الإسرائيلية الممنهجة. ويسعى الاحتلال أيضا إلى إفشال محاولات العشائر تأمين المساعدات، ضمن سياسة متعمدة لإحداث حالة من الفوضى، وفق مراقبين.
وأخيرا، تفاخر الاحتلال بإلقائه ما زعم أنها مساعدات جوا على قطاع غزة، في خطوة يؤكد مراقبون أن ترمي لـ"تجميل صورته"، في إطار "هندسة التجويع"، دون أن تحدث أي فارق في واقع المجاعة.
بأسى، تقول المسنة: أولادنا لا يذهبون إلى مناطق دخول المساعدات الشحيحة، يخافون من القتل على يد الاحتلال، أو إصابتهم بالأذى من اللصوص، نحن ننتظر أن يرزقنا الله.
وتطالب بفتح المعابر وإدخال ما يكفي من المساعدات الإنسانية وتولي وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين أونروا المسؤولية عن توزيعها على المجوعين في غزة.
لكن الاحتلال يشن هجمة ممنهجة على أونروا ومؤسساتها ومرر قرارا بـ"حظرها" في برلمانه "الكنيست"، في خطوة يؤكد مراقبون أن هدفها شطب حق العودة.
زوجة ابنها ياسمين معروف تجلس إلى جانبها في خيمة النزوح القسري، ومعها أحد أطفالها وهو مصاب بسوء التغذية، تقول لصحيفة "فلسطين" بقهر: "قاعدين في الشارع هنا.. نسوان جعانات".
تصف حالة أولادها الذين يبلغ أكبرهم 10 أعوام: "عيانين من قلة الأكل، مرخيين (مصابين بالهزال)، لا في أكل ولا مية ولا دوا ولا حاجة متوفرة عنا".
وسجّلت مستشفيات غزة خلال 24 ساعة ثماني حالات وفاة جديدة بينهم طفل نتيجة المجاعة وسوء التغذية. وبذلك، يرتفع العدد الإجمالي لضحايا المجاعة وسوء التغذية إلى 188 شهيدًا، من بينهم 94 طفلًا، وفق وزارة الصحة.
الاحتلال صنع المجاعة
ولا تزال سياسة التجويع التي يمارسها الاحتلال حتى الآن -كما تؤكد ياسمين- سيدة الموقف، لأن المساعدات لا تصل إلى المواطنين بسبب رفضه تولي أونروا المسؤولية.
تنظر بحسرة إلى طفلها، قائلة: "ابنك بيطلب منك خبزة.. شو قيمتها الخبزة؟ ليش ما وكالة أونروا تمسك المساعدات وترجع للبرنامج القديم وتسلم كل المواطنين؟".
وتضيف: لو لم يمنع الاحتلال المساعدات من الدخول ولم يجوعنا منذ بداية حرب الإبادة واستمرت أونروا والجهات الأممية في دورها لما وصلنا إلى هذا الوضع.
وتطالب بتولي أونروا المسؤولية عن توزيع المساعدات لكل المجوعين، "لأن ما يدخل من مساعدات شحيحة يسرقها اللصوص وتباع بأسعار باهظة لا نستطيع دفعها".
وقبل أيام، وجدت ياسمين نفسها مجبرة تحت سيف التجويع على التوجه إلى إحدى مناطق توزيع المساعدات المشبوهة التي تشرف عليها سلطات الاحتلال بالتعاون مع شركة أمريكية، أملا في الحصول على ما يسد رمق العيش، لكنها أدركت أنها في "مصيدة للموت" ليس إلا.
تقول: الاحتلال يدعي أنه يريد توزيع مساعدات عبر ما تسمى "مؤسسة غزة الإنسانية"، فلماذا يقتل الناس ويطلق عليهم النار هناك؟
وتروي ياسمين أنها شاهدت في اليوم الذي ادعت المؤسسة المذكورة تخصيصه للنساء، شهيدات مجوعات بينهن طفلات ارتقين برصاص الاحتلال.
وبعيدا عن إشراف الأمم المتحدة والمنظمات الإغاثية الدولية، بدأت سلطات الاحتلال منذ 7 مايو/أيار تنفيذ خطة توزيع مساعدات عبر ما تُعرف بـ"مؤسسة غزة الإنسانية"، وهي مدعومة إسرائيليا وأميركيا ومرفوضة من الأمم المتحدة. وأسفرت عمليات الاستهداف المرتبطة بما يعرف بـ"مصائد المساعدات الأميركية الإسرائيلية" عن استشهاد وإصابة مئات من المجوعين منذ بدء هذه الخطة.
وتؤكد ياسمين فشلها في الحصول على أي مساعدات من المؤسسة الإسرائيلية-الأمريكية، مضيفة: ابني ذو الـ10 أعوام يطلب مني تحت وطأة التجويع السماح له بالذهاب إلى مراكزها، لكنني أرفض لأنها رحلة خاسرة، وقد تودي به إلى الموت، في سبيل حفنة من الطحين، حتى إن حصل عليها لا تكفي سوى ليوم واحد.
ولا تطلب الأمهات في غزة سوى ما يحفظ الحياة: خبزة ودواء وأمان، لكن الاحتلال يمعن في صناعة المجاعة، ويترك المجوعين للموت أو لمصائد الرصاص.
المصدر / فلسطين أون لاين

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


معا الاخبارية
منذ يوم واحد
- معا الاخبارية
الاتحاد حياة وإنتصار
في الماضي ليس بالبعيد لم يكن يعرف العالم الكثير عن فلسطين، أما الآن، ولعدة أسباب منها فداحة ما يحدث من جرائم إبادة جماعية وبسب توفر التكنولوجيا ووسائل التوصل الإجتماعي وتنامي التضامن العالمي مع قضيتنا العادلة ، وبعد أن سقطت كل الأقنعة وسقطت شعارات القانون الدولي الإنساني فانه لا يخفى على القاصي والداني في كل أصقاع الأرض ما حل بنا في فلسطين السنتين الأخيرتين من فظائع يندى لها جبين الإنسانية . واقعنا مؤلم جدا ويمزق نياط القلب خاصة عندما نرى الأطفال يرتقون جوعاً في غزة تحت نظر وسمع العالم أجمع ، في غزة شلالات الدم مستمرة فمن لم يرتقي بصواريخ الطائرات أو بقذائف الدبابات يرتقي أثناء معركته من أجل الحصول على رغيف الخبز والإباده مستمرة ويوميا وفي كل لحظة . الضفة الغربية والقدس .. ليس بخير أيضاً ، فالمستوطنين ينهبون الارض يومياً ويقتلون من يحاول القرب منهم وبحراسة الجيش ، والإعتقالات مستمرة والسيطرة على أبار المياه وإغلاق القرى والمدن أصبح عادة والشعب يراقب أحوال الطرق في كل صباح على مجموعات التواصل الاجتماعي قبل الخروج من البيت ، وأصبح الخروج من المدن والقرى ليلاً في غاية الخطر والصعوبة، وخاصة مع استمرار الإعتقالات التعسفية والتي تجاوزت الأحد عشرة ألفا وأكثر ، حيث يزج بشبابنا في أسوء ظروف في معتقلات في غاية الاساءة ، حيث الحرمان من أبسط الحقوق التي ضمنتها القوانين الدولية والإنسانية ، لا غذاء ولا دواء ولا مواد تنظيف ولا زيارة للأهل أو المحامين ، عدا عن إنتشار الأمراض الجلدية، مع الإشارة الى أنه فقط في السنتين الاخيرتين أستشهد أكثر من 76 معتقل . أمام هذا الوضع الصعب وضبابية المستقبل نحن بحاجة لمعجزة لمواجهة هذا الظلم ، معجزة تخفف عن شعبنا ، إذ لا بد من القوة ، بدون قوة لن نتمكن من الضغط لوقف الحرب وادخال المساعدات والإعمار والافراج عن الأسرى ، نحتاج قوة من أجل الاعتراف بدولتنا وسيادتنا ، ولن يكون لنا قوة بدون إتحاد ، شعوب العالم الحر معنا ونحن منقسمون وضعفاء ، رغم الإيمان بحتمية النصر ورغم هول التضحيات . قال تعالى "وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعاً وَلاَ تَفَرَّقُوا " وقال أفضل الخلق محمد رسول الله " المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضاً" ، الأمر هنا واضح وصادر من فوق سبع سماوات والطريق واضح ايضاً، الإتحاد قوة وحياة وإنتصار ، ونكرر بأننا بحاجة لمعجزة للخروج مما نحن فيه ، والمعجزة أو مفتاحها هو الإتحاد ، المعجزات هي وليدة الرجال المتحدون ، فالوحدة قانون الإنتصار.... واجب أخلاقي ووطني وديني العمل على وحدة الصف ، وهذه الوحدة يجب العمل عليها بعدة مستويات وهي تبدأ من البيت الواحد والقرية والمدينة والحزب والتنظيم الواحد . أمام كلتلك التحديات والمخاطرالتي تهدد مسيرة التحرر الوطني وتهدد القضية الفلسطينية لا بد من طي صفحة الإنقسام البغيض وتغليب التناقض الرئيسي مع المحتل وأدواته وترك كل التناقضات الجانبية، لأن كثرة الجدل يحبط الأمل ويهلك العمل – ويجب أن يصبح الكل الفلسطيني جبهة واحدة وموحدة وتجنيد كل الطاقات وقدرات وإمكانيات شعبنا خاصة الشابة منها وإستغلال التضامن الاقليمي والعربي والعالمي والإستفادة من تجارب الشعوب الحرة الأخرى. في لحظة الحسم الكل مسؤول ومطلوب من الجميع العمل، المسؤول الحكومي والحزبي والوزير والسفير وغيرهما ، كلٌ عليه مسؤولية ، المواطن البسيط ورجل الأعمال والتاجر والعامل والفلاح وسائق التكسي عليه ايضاً مسؤولية، الجرح بالكف والألم عظيم والكل مسؤول أمام ضميره وأمام الله، لنترك لوم الآخرين ولنلم أنفسنا أولاً، وليحاسب منا كل من استغل منصبه لذاته ، ولنتذكر المثل الفلسطيني الذي يقول "نفس الرجال يحيي الرجال" وما أكثر الرجال في فلسطين . في هذا المقام لا بد من أن نقدر ونشكر أشقائنا وإخوتنا العرب في كل مكان ابتداءً من الاردن ومصر الى آخر دولة عربية وإسلامية ، فهم الأهل والعزوة ، كانوا وسيبقون . وهنا أيضا أترك سؤالا برسم الإجابة : ماذا لو إتحد العرب والمسلمين ؟ من أجل خيرنا وخيرهم ومن أجل عالم أفضل خال من الظلم والقهر والحرمان .


فلسطين أون لاين
منذ يوم واحد
- فلسطين أون لاين
"كنتُ أنا ونفسُه عليه": الحرب النفسية من قلب السيف إلى عمق الوعي
د. بلسم الجديلي سُئل الإمام عليّ بن أبي طالب كرّم الله وجهه: "ما السرّ يا إمام في أنّك ما قاتلتَ أحدًا إلا وقتلتَه؟" فأجاب بحكمة تفيض عمقًا: *"ما قاتلتُ أحدًا إلا وظنّ أني قاتله، فكنتُ أنا ونفسه عليه."* هذا الجواب لا يشرح فقط استراتيجية الإمام في المعارك، بل يُمثل أحد أعمق المفاهيم في علم النفس القتالي والحرب المعنوية. لقد فهم الإمام أن القتال الحقيقي لا يبدأ حين تتقاطع السيوف، بل حين ترتجف النفوس أو تطمئن، تخاف أو تثق. *معنى أن تكون أنت ونفس خصمك عليه:* في هذا القول الموجز، نكتشف مبدأ استراتيجيًا بالغ الدقة: *الانتصار يبدأ من داخل العدو، لا من خارجه.* فعندما يُصاب الخصم بالارتباك، حين يظن أن هزيمته حتمية، فإنه يبدأ القتال وهو مهزوم داخليًا. لا تعود قوته الجسدية ذات نفع، ولا سلاحه يشفع له، لأن سيف اليقين الذي في نفس خصمه قد سبق. في المقابل، إن من يُقاتل وهو يثق بأنه سينتصر، يُصبح جسده وروحه وتحركاته في حالة من التماهي الكامل مع النصر. لا يشك، ولا يتردد، ولا يتراجع. وتلك هي قمة الحرب النفسية: *أن توجّه ضربة إلى القلب قبل أن ترفع سيفك إلى العنق.* *الإمام عليّ ونظرية السيطرة النفسية:* كلمات الإمام تلخص واحدة من أكثر النظريات عمقًا في الحرب النفسية: *السيطرة على ساحة الوعي قبل ساحة الميدان.* هو لم يكن يهزم أعداءه بقوته الجسدية فقط، بل بنفاذ بصيرته وثقته وشجاعته التي كانت تشق الطريق إلى نفس العدو فتُربكه، وتُشعره بأنه خاسر مسبقًا، فيُقاتل بيدٍ مرتجفة ونفسٍ مهزوزة. هذا المفهوم اليوم يُشكل أساسًا في استراتيجيات الجيوش والمخابرات، بل في خطابات الزعماء وتحركات الإعلام. فكم من جيشٍ قويّ انهزم لأن قياداته بثت الشك والخوف، وكم من مقاومة صغيرة هزمت عدواً متفوقًا فقط لأنها زرعت في وعيه أنه مهزوم لا محالة. *الحرب النفسية في غزة.. تتكرر:* في غزة اليوم، تتجلى نفس الفكرة التي قالها الإمام عليّ، لكن بشكل معكوس: *الاحتلال يحاول أن يكون هو و"نفس الغزي" عليه.* يحاول أن يجعل الفلسطيني يعتقد أن المعركة محسومة، أن المقاومة لا جدوى منها، وأن الانهيار قادم لا محالة. يُحاصره بالإعلام، بالإشاعة، بالمشهد الدموي، وبالضغط الاقتصادي والمعنوي، ليهزمه من الداخل قبل أن يواجهه في الميدان. لكن من يقاوم هذا، ويحتفظ بثقته، يثبت أن النصر قرار داخلي قبل أن يكون نتيجة مادية. *بين النفس والعدو.. من يحسم المعركة؟* من يسيطر على نفس خصمه، هو المنتصر الحقيقي. فقد رأينا أن الحروب تُكسب أحيانًا قبل أن تبدأ، وأن الجيوش تنهار لأن جنودها فقدوا الثقة، وليس لأن العدو تفوق عسكريًا. كما رأينا أفرادًا من المقاومة يصمدون وحدهم، ويقلبون المعادلة، لأنهم كانوا هم وأنفسهم معًا ضد عدوهم، بينما كان العدو هو ونفسه ضده. *ختامًا: لا تنتصر السيوف وحدها* الدرس الأهم من قول الإمام عليّ هو أن الانتصار يبدأ من النفس. ومن هنا، فإن من يُريد أن يربح معركة، سواء كانت سياسية أو فكرية أو عسكرية، عليه أن يتقن فن السيطرة على المعركة الداخلية أولًا. من يُهزم من الداخل، لا يمكن أن ينتصر في الخارج. ومن يُنتصر في داخله، فإن كل العوائق تصبح مجرد تفاصيل. *كنتُ أنا ونفسه عليه..* قولٌ خالد، يُلخّص آلاف الصفحات في علم النفس القتالي، ويمنحنا مفتاحًا لفهم الصمود والانتصار في زمن تُخاض فيه المعارك على الوعي، لا فقط على الأرض.


فلسطين أون لاين
منذ يوم واحد
- فلسطين أون لاين
تقرير أمَّهات بين فكَّي المجاعة في غزَّة: الاحتلال يمنع عنَّا المساعدات
غزة/ نبيل سنونو: "جعانة ومريضة ومبتورة ومرمية.."، تختلط هذه الكلمات بدموع المسنة انتصار معروف في خيمة نزوحها القسري الملتهبة في وقت الظهيرة، دون أن يسد جوعها طعام، أو يروي عطشها ماء، أو يداوي وجعها دواء. تواري انتصار وجهها بين ركبتيها لئلا يظهر ضعفها وجوعها وألمها، وتكتم صوتها لئلا يسمع أحد أنينها، في وقت تتفشى المجاعة على الأرض، مع منع الاحتلال إدخال المساعدات الإنسانية لغزة باستثناء كميات شحيحة، يرعى ويسلح عصابات من اللصوص لسرقتها، وفق تأكيدات فلسطينية وأممية. تعاني انتصار، التي تعيش محطات النزوح مع ابنها وزوجته وأطفاله بعد وفاة شريك حياتها، من مرضي الكلى والسكري، وقد أدى ذلك مع المجاعة وشح الدواء إلى بتر جزء من أطرافها، وقد استقبلت يوما جديدا من المعاناة بـ"أمنية" الحصول على "شيء تأكله". تحمل تجاعيد وجهها قهرا يتجاوز معاني الكلمات، لكنها تحاول التعبير بصراحة جلية عن مأساتها لصحيفة "فلسطين": "كلنا جعانين وميتين من الجوع"، مشيرة إلى أنها لا تستطيع المخاطرة بحياتها عبر المزاحمة على بضع شاحنات مساعدات تسرق قبل أن تصل إلى المجوعين. ومنذ الثاني من مارس/آذار، أطبق جيش الاحتلال حصاره على قطاع غزة، مانعا دخول المساعدات الإنسانية بما في ذلك الغذاء، قبل أن يسمح أخيرا، تحت ضغط دولي، بدخول بضع شاحنات تقول المنظمات الدولية إنها تمثل قطرة في محيط الاحتياج الإنساني. ويرعى جيش الاحتلال عصابات منظمة لنهب المساعدات في غزة، اعترف رسميا بتمويلها وتسليحها وتوفير الحماية لها أثناء تنفيذ عملياتها. ويعرقل الاحتلال تأمين ما يسمح بدخوله من مساعدات شحيحة في غزة عبر استهداف رجال الشرطة في غزة، التي أكدت في بيانات عدة عزمها على مواصلة أداء مهامها في خدمة المواطنين، رغم الاستهدافات الإسرائيلية الممنهجة. ويسعى الاحتلال أيضا إلى إفشال محاولات العشائر تأمين المساعدات، ضمن سياسة متعمدة لإحداث حالة من الفوضى، وفق مراقبين. وأخيرا، تفاخر الاحتلال بإلقائه ما زعم أنها مساعدات جوا على قطاع غزة، في خطوة يؤكد مراقبون أن ترمي لـ"تجميل صورته"، في إطار "هندسة التجويع"، دون أن تحدث أي فارق في واقع المجاعة. بأسى، تقول المسنة: أولادنا لا يذهبون إلى مناطق دخول المساعدات الشحيحة، يخافون من القتل على يد الاحتلال، أو إصابتهم بالأذى من اللصوص، نحن ننتظر أن يرزقنا الله. وتطالب بفتح المعابر وإدخال ما يكفي من المساعدات الإنسانية وتولي وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين أونروا المسؤولية عن توزيعها على المجوعين في غزة. لكن الاحتلال يشن هجمة ممنهجة على أونروا ومؤسساتها ومرر قرارا بـ"حظرها" في برلمانه "الكنيست"، في خطوة يؤكد مراقبون أن هدفها شطب حق العودة. زوجة ابنها ياسمين معروف تجلس إلى جانبها في خيمة النزوح القسري، ومعها أحد أطفالها وهو مصاب بسوء التغذية، تقول لصحيفة "فلسطين" بقهر: "قاعدين في الشارع هنا.. نسوان جعانات". تصف حالة أولادها الذين يبلغ أكبرهم 10 أعوام: "عيانين من قلة الأكل، مرخيين (مصابين بالهزال)، لا في أكل ولا مية ولا دوا ولا حاجة متوفرة عنا". وسجّلت مستشفيات غزة خلال 24 ساعة ثماني حالات وفاة جديدة بينهم طفل نتيجة المجاعة وسوء التغذية. وبذلك، يرتفع العدد الإجمالي لضحايا المجاعة وسوء التغذية إلى 188 شهيدًا، من بينهم 94 طفلًا، وفق وزارة الصحة. الاحتلال صنع المجاعة ولا تزال سياسة التجويع التي يمارسها الاحتلال حتى الآن -كما تؤكد ياسمين- سيدة الموقف، لأن المساعدات لا تصل إلى المواطنين بسبب رفضه تولي أونروا المسؤولية. تنظر بحسرة إلى طفلها، قائلة: "ابنك بيطلب منك خبزة.. شو قيمتها الخبزة؟ ليش ما وكالة أونروا تمسك المساعدات وترجع للبرنامج القديم وتسلم كل المواطنين؟". وتضيف: لو لم يمنع الاحتلال المساعدات من الدخول ولم يجوعنا منذ بداية حرب الإبادة واستمرت أونروا والجهات الأممية في دورها لما وصلنا إلى هذا الوضع. وتطالب بتولي أونروا المسؤولية عن توزيع المساعدات لكل المجوعين، "لأن ما يدخل من مساعدات شحيحة يسرقها اللصوص وتباع بأسعار باهظة لا نستطيع دفعها". وقبل أيام، وجدت ياسمين نفسها مجبرة تحت سيف التجويع على التوجه إلى إحدى مناطق توزيع المساعدات المشبوهة التي تشرف عليها سلطات الاحتلال بالتعاون مع شركة أمريكية، أملا في الحصول على ما يسد رمق العيش، لكنها أدركت أنها في "مصيدة للموت" ليس إلا. تقول: الاحتلال يدعي أنه يريد توزيع مساعدات عبر ما تسمى "مؤسسة غزة الإنسانية"، فلماذا يقتل الناس ويطلق عليهم النار هناك؟ وتروي ياسمين أنها شاهدت في اليوم الذي ادعت المؤسسة المذكورة تخصيصه للنساء، شهيدات مجوعات بينهن طفلات ارتقين برصاص الاحتلال. وبعيدا عن إشراف الأمم المتحدة والمنظمات الإغاثية الدولية، بدأت سلطات الاحتلال منذ 7 مايو/أيار تنفيذ خطة توزيع مساعدات عبر ما تُعرف بـ"مؤسسة غزة الإنسانية"، وهي مدعومة إسرائيليا وأميركيا ومرفوضة من الأمم المتحدة. وأسفرت عمليات الاستهداف المرتبطة بما يعرف بـ"مصائد المساعدات الأميركية الإسرائيلية" عن استشهاد وإصابة مئات من المجوعين منذ بدء هذه الخطة. وتؤكد ياسمين فشلها في الحصول على أي مساعدات من المؤسسة الإسرائيلية-الأمريكية، مضيفة: ابني ذو الـ10 أعوام يطلب مني تحت وطأة التجويع السماح له بالذهاب إلى مراكزها، لكنني أرفض لأنها رحلة خاسرة، وقد تودي به إلى الموت، في سبيل حفنة من الطحين، حتى إن حصل عليها لا تكفي سوى ليوم واحد. ولا تطلب الأمهات في غزة سوى ما يحفظ الحياة: خبزة ودواء وأمان، لكن الاحتلال يمعن في صناعة المجاعة، ويترك المجوعين للموت أو لمصائد الرصاص. المصدر / فلسطين أون لاين