
كيف تعيد إيطاليا رسم خريطتها الغازية في شمالي أفريقيا؟
روما – في ظل متغيرات الطاقة العالمية، تسعى إيطاليا اليوم إلى إعادة صياغة إستراتيجيتها الطاقية انطلاقًا من جنوب البحر الأبيض المتوسط. وفي قلب هذه التحركات، أعلنت شركة "إيني" الإيطالية عن استثمارات ضخمة بقيمة 24 مليار يورو (27 مليار دولار) في قطاعي النفط والغاز بكل من الجزائر وليبيا ومصر، مما يسلط الضوء على طموح إيطالي واسع للتمركز في شمالي أفريقيا بوصفها مصدرا بديلا ومستقرا للطاقة بعد سنوات من الاعتماد شبه الكامل على الغاز الروسي.
لكن هذا الطموح يواجه تحديات متنامية، أبرزها التراجع الهيكلي في إنتاج الغاز في هذه الدول الثلاث وسط أزمات سياسية واقتصادية وبنية تحتية مهترئة، مما يجعل من المشروع الإيطالي معركة متعددة الجبهات بين الأمل والمخاطر.
الاندفاع الإيطالي
تعتمد إيطاليا بشكل كبير على الغاز الجزائري، إلا أن هذا الاعتماد بدأ يتعرض لاختبار قاسٍ بعد أن تراجعت واردات الغاز الجزائري إلى روما خلال عام 2024 إلى 21.1 مليار متر مكعب، بنسبة انخفاض قدرها 9% مقارنة بالعام 2023، الذي سجل فيه حجم الصادرات 25.5 مليار متر مكعب. ورغم التراجع، ظل الغاز الجزائري يشكل ما نسبته 41% من إجمالي واردات إيطاليا من الغاز، مقابل 36% في السنة التي سبقته.
أما ليبيا، فقد شهدت بدورها أدنى مستوى تصدير للغاز نحو إيطاليا منذ 13 عامًا، حيث انخفضت الصادرات إلى 140 مليون قدم مكعب يوميًا، في ظل الانقسامات السياسية والاشتباكات المسلحة التي تطال مناطق إنتاج الطاقة، مما عطّل تدفق الإمدادات بشكل كبير.
في مصر، التي كانت إلى وقت قريب مصدرًا واعدا للغاز، تحوّلت مؤخرًا إلى مستورد له نتيجة انخفاض الإنتاج إلى 4.87 مليارات قدم مكعب يوميًا خلال العام الماضي، مما شكّل ضربة قاسية للآمال الإيطالية في استقرار الإمدادات من القاهرة.
ورغم هذه الصورة القاتمة، لم تتردد "إيني" في الدفع بخططها الاستثمارية قدمًا، الأمر الذي أكده الرئيس التنفيذي للشركة كلاوديو ديسكالزي خلال مؤتمر للطاقة في مدينة رافينا الإيطالية عندما قال إن "هدفنا هو تعزيز إنتاج الطاقة في هذه الدول".
حصيلة اتفاقات قديمة وطموحات جديدة
تُوزَّع الاستثمارات البالغة 24 مليار يورو (27 مليار دولار) بالتساوي، أي 8 مليارات يورو (9 مليارات دولار) لكل من الجزائر وليبيا ومصر، وتركز بالدرجة الأولى على تطوير قطاع الغاز، وخصوصًا في ليبيا، خلال السنوات الأربع المقبلة.
ويشير الباحث في المعهد الإيطالي للدراسات السياسية الدولية "إسبي" ألدو ليغا إلى أن هذه الخطط الاستثمارية هي ثمرة لمجموعة من الاتفاقيات الأولية التي تم توقيعها خلال السنوات الماضية، مشددًا -في حديثه للجزيرة نت- على أن رغبة إيطاليا في تقليص الاعتماد على الغاز الروسي، بعد غزو أوكرانيا، دفعت بها نحو تنفيذ خطة "ماتي"، التي تهدف إلى تعزيز العلاقات الاقتصادية والسياسية مع القارة الأفريقية.
عقبات أمام الطموح الإيطالي
تستند خطة روما الإستراتيجية لتعزيز أمنها الطاقي إلى ثلاثي شمالي أفريقيا، إلا أن هذه الرؤية تصطدم بمجموعة من العقبات، حسب ما يوضح الباحث ألدو ليغا، أبرزها ارتفاع الطلب الداخلي في الدول الثلاث، وضعف البنية التحتية لنقل وتسييل الغاز، وعدم الاستقرار السياسي، خاصة في ليبيا.
ويُعد أنبوب "ترانسميد"، الرابط الحيوي بين الجزائر وصقلية الإيطالية عبر تونس، مثالًا على تلك التحديات، إذ تبلغ طاقته الاستيعابية 33 مليار متر مكعب سنويًا، إلا أنه لا يُستخدم بكامل قدرته الفعلية بسبب تراجع الإنتاج. الحال ذاته ينطبق على خطوط الغاز الليبية والمصرية التي تعاني من تقادم البنية التقنية وغياب الاستثمارات التوسعية اللازمة.
ويحذّر ديسكالزي من تزايد الطلب المحلي على الغاز في كل من الجزائر وليبيا ومصر بنسبة سنوية تتراوح بين 7% و8%، مما يعمّق الفجوة بين العرض والطلب، ويحد من القدرة على التصدير.
من جانبه، يرى ألدو ليغا أن غياب استثمارات الدولة الجزائرية في تحديث البنية التحتية سيُقوّض إمكانيات التصدير مستقبلًا، مضيفا أن استثمارات "إيني" تهدف في جوهرها إلى دعم البنية التحتية المحلية بهدف رفع القدرة الإنتاجية المخصصة للتصدير دون الإضرار بالاحتياجات الداخلية.
الغاز المصاحب فرصة ضائعة
من القضايا الحساسة التي تناولها التقرير مسألة "الغاز المصاحب"، أي الغاز الذي يخرج إلى جانب النفط الخام، لكنه غالبًا ما يُهدر عبر الحرق بدلًا من استغلاله كمورد طاقي يمكن أن يخفف من أزمة التصدير.
ويصف الباحث في شؤون النفط والغاز المهندس عامر الطائي هذه الممارسة بأنها "خسارة كبيرة في مورد حيوي"، مضيفًا أن هذا الغاز يمكن استخدامه في تشغيل محطات الكهرباء، مما يسمح بتوفير مزيد من الغاز الطبيعي للتصدير.
ويعزو الطائي عدم استغلال هذا المورد إلى ضعف البنية التحتية في المنطقة، وغياب الاستثمارات المخصصة لمعالجة الغاز المصاحب وتحويله إلى طاقة فعالة. لكنه يؤكد أن استثمارات "إيني" الجديدة قد تمثل نقطة تحول، إذ إنها تُعنى جزئيًا بتطوير البنية اللازمة لاستغلال هذا المورد، خاصة في مصر التي تشهد طلبًا داخليا متزايدًا على الغاز.
آفاق إنتاجية واكتشافات جديدة
تعمل "إيني" على زيادة الإنتاج من حقل "ظهر" في مصر بنحو 200 مليون قدم مكعب يوميًا من خلال حفر ثلاث آبار جديدة. وفي حقل "أوريون"، من المتوقع أن يبدأ الإنتاج في غضون ثلاث سنوات باستثمار يقدّر بـ130 مليون دولار. أما في حقل "نرجس"، فقد أعلنت "إيني" عن اكتشاف جديد للغاز في يناير/كانون الثاني 2023، مما يفتح آفاقًا إضافية لتعزيز الإمدادات.
في ليبيا، اتفقت "إيني" مع السلطات الليبية على تنفيذ ثلاثة مشاريع جديدة، أبرزها مشروع "مليتة" المشترك مع المؤسسة الوطنية للنفط، والمتوقع أن يبدأ العمل فيه عام 2026 بقدرة إنتاجية تبلغ 750 مليون قدم مكعب يوميًا.
كما يشمل التعاون مشروع "بوري غاز"، الذي يهدف إلى تقليل حرق الغاز واستخدام الغاز المصاحب، مما يسهم في خفض انبعاثات الكربون بنحو 1.5 مليون طن من مكافئ ثاني أكسيد الكربون سنويًا، إلى جانب مشروع تعزيز إنتاج الغاز من حقل بحر السلام. يُذكر أن خط أنابيب "غرين ستريم"، الذي يبلغ طوله 520 كيلومترًا، يربط ليبيا بإيطاليا وتبلغ طاقته 11 مليار متر مكعب سنويا.
أما في الجزائر، فقد استحوذت "إيني" في عام 2022 على حصة نسبتها 45.89% في حقل "إن أميناس"، و33.15% في حقل "إن صالح"، اللذين يُداران بالشراكة مع "سوناطراك" الجزائرية و"إكوينور" النروجية. وقد بلغ إنتاجهما في عام 2021 نحو 11 مليار متر مكعب من الغاز، و12 مليون برميل من المكثفات وغاز البترول المسال.
بين الإرث التاريخي والطموح الجيوسياسي
تُعد شركة "إيني" واحدة من أبرز أدوات السياسة الطاقية الإيطالية، حيث تلعب دورًا محوريا في تنفيذ الإستراتيجية التوسعية لـ روما ضمن خطة "ماتي" في شمالي أفريقيا. ويشير الباحث ألدو ليغا إلى أن حضور "إيني" في المنطقة يعود إلى عقود، إذ بدأ التعاون مع الجزائر منذ استقلالها في ستينيات القرن الماضي.
ويرى المهندس عامر الطائي أن هذا الاستثمار يكرس أولوية التعاون الطاقي بين إيطاليا والدول الأفريقية، ويعزز موقع روما كبوابة أوروبية للغاز الأفريقي، في ظل التحولات الجيوسياسية والمنافسة الصينية الأميركية المتسارعة في القارة السمراء.
ورغم التحديات السياسية والهيكلية في الجزائر وليبيا ومصر، فإن إيطاليا تبدو مصممة على الاستفادة من اللحظة الدولية الراهنة لتأمين إمدادات الغاز، مما يمنحها ورقة تفاوضية قوية، وفي الوقت ذاته يتيح لشركائها الجنوبيين فرصًا لتوسيع أسواقهم وتعزيز حضورهم في معادلة الطاقة العالمية.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


الجزيرة
منذ 8 ساعات
- الجزيرة
وسط حملات كشف طلاسم مدفونة.. السلطات الجزائرية تحذّر الإعلام من "الترويج للخرافة"
وجهت سلطة ضبط السمعي البصري -المشرفة على الإعلام في الجزائر- انتقادات حادة لعدد من القنوات التلفزيونية المحلية في بيان شديد اللهجة، معبرة عن استيائها العميق إزاء ما وصفته بـ"تفشي ممارسات إعلامية غير مهنية"، ومؤكدة أن هذه التجاوزات تشكل تهديدا مباشرا لوعي المواطنين وتمثل ضربا للجهود الوطنية المبذولة لمحاربة الشعوذة والدجل والخرافة. ووجّه البيان إدانة صريحة إلى بعض القنوات المحلية، متهما إياها بالانزلاق المهني ببث برامج ومحتويات وصفها بأنها "تروّج لخطابات لا أساس لها من الصحة العلمية، وتكرّس مفاهيم خرافية ومضلّلة". وقالت السلطة إن هذه البرامج تستغل معاناة المواطنين بهدف رفع نسب المشاهدة، في تجاهل تام لمسؤولية الإعلام في التثقيف والتنوير – حسب تعبيرها -. وجاء في البيان: "ما يُعرض في بعض هذه البرامج لا يشكل فقط استخفافا بعقول الجزائريين، بل يندرج ضمن الممارسات التي يعاقب عليها القانون". السلطة أكدت، أن ما يحدث يشكل انزلاقا مهنيا خطِرا، منتقدة في السياق ذاته افتقار بعض البرامج إلى أبسط المعايير الإعلامية الرصينة، وافتقاد مقدميها ومعديها إلى الحد الأدنى من التأهيل الأكاديمي، معتبرة أن تناول المواضيع الاجتماعية الحساسة بهذه الطريقة يفتح الباب أمام تضليل المشاهدين. كما حذرت جميع المؤسسات الإعلامية السمعية البصرية من التمادي في مثل هذه التجاوزات، مطالبة بالابتعاد عن استضافة "شخصيات تُمنح ألقابا وصفات تفتقر للمصداقية، وتُقدَّم على أنها خبراء أو معالجون، دون أي تدقيق مهني". وشددت سلطة الضبط على دورها في حماية الرأي العام من التضليل الإعلامي، معتبرة أن مثل هذه البرامج تمثل استخفافا بعقول المواطنين، وتندرج ضمن التجاوزات التي يعاقب عليها القانون. حملات تطوعية لتنظيف المقابر تأتي هذه التطورات في وقت تشهد فيه عدة ولايات جزائرية حملات تطوعية مكثفة لتنظيف المقابر، أطلقها شباب وناشطون عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وأسفرت عن العثور على كميات كبيرة من الطلاسم والأحجبة والأغراض المشبوهة، المدفونة بين القبور. ووثّقت صور ومقاطع فيديو انتشرت على نطاق واسع في وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي العثور على رسائل مكتوبة بأسماء أشخاص، وصور شخصية، وأقفال مربوطة بخيوط ملونة، يُعتقد أنها أدوات تُستخدم في أعمال السحر والشعوذة. وقد أثارت هذه المشاهد موجة من الغضب والذهول، وسط مطالبات بتشديد الرقابة ومكافحة هذه الظاهرة. الحملات حظيت بدعم شعبي واسع، حيث اعتبرها بعض الدعاة مبادرة مباركة تعزز الوعي الديني والمجتمعي بخطورة أعمال السحر والدجل. واعتبر مراقبون أن هذه التحركات تكشف عن حجم تغلغل الممارسات الخرافية في المجتمع، وضرورة التصدي لها على الصعيد الإعلامي والتربوي والديني. وفي ختام بيانها، شددت سلطة ضبط السمعي البصري على أهمية تطهير المشهد الإعلامي من المظاهر السلبية، داعية إلى الالتزام الصارم بالقيم المهنية والأخلاقية، والامتناع عن تسويق محتوى يُعد مخالفا للقانون ومسيئا للوعي الجماعي.


الجزيرة
منذ 10 ساعات
- الجزيرة
"موديز" ترفع التصنيف الائتماني لنيجيريا وتصف اقتصادها بالمستقر
أعلنت وكالة "موديز" الأميركية للتصنيف الائتماني رفع تصنيف نيجيريا من درجة "سي إيه إيه1" (Caa1) إلى "بي3" (B3)، مشيدة بالتحسن الملحوظ في الأوضاع المالية والخارجية للبلاد خلال الفترة الأخيرة. وقالت الوكالة إن الإصلاحات الجوهرية التي أجرتها نيجيريا على نظام إدارة النقد الأجنبي ساهمت بشكل واضح في تحسين ميزان المدفوعات، وزيادة احتياطيات البنك المركزي النيجيري من العملة الصعبة. وأشارت الوكالة إلى أن مخاطر التضخّم في نيجيريا، والتي كانت ناجمة عن التحولات السياسية، قد تراجعت، كما بدأت معدّلات تكاليف الاقتراض المحلي في إظهار مؤشرات أولية على التراجع، مما عزز الثقة في استقرار السياسات الجديدة. وكان البنك الدولي قد أشار في تقرير له خلال شهر مايو/أيار الماضي إلى أن نيجيريا سجّلت خلال 2024 أسرع نمو اقتصادي لها منذ نحو 10 سنوات، مدعوما بأداء قوي في الربع الأخير، وتحسّن في الإيرادات العامة، مع بقاء التضخم عند مستويات مرتفعة تُعدّ من أبرز التحديات القائمة. وقال البنك الدولي إن الإصلاحات التي تمّ تنفيذها في سوق الصرف الأجنبي ساهمت في خلق سعر صرف موحّد ومستقر يعكس الواقع الاقتصادي، ما أتاح للبنك المركزي إعادة بناء احتياطاته الرسمية، التي تجاوزت حاليا 37 مليار دولار أميركي. إعلان وفي الوقت نفسه، عدّلت موديز النظرة المستقبلية لنيجيريا من "إيجابية" إلى "مستقرة"، مؤكدة أن وتيرة التحسّن في المؤشرات الاقتصادية قد تتباطأ، لكنها لن تتراجع كليا، حتى في حال انخفاض أسعار النفط.


الجزيرة
منذ 12 ساعات
- الجزيرة
تسابق ليبي لتشكيل حكومة جديدة.. فهل ستتجاوز قبة البرلمان؟
طرابلس- يتصدر حاليا ملف تشكيل حكومة ثالثة موحدة بديلة عن الحكومتين المتنازعتين في ليبيا عنوان الأزمة، مدفوعا بمبررات دستورية ضاغطة وتحركات برلمانية متسارعة. واستمع مجلس النواب عبر جلسات منفصلة إلى عدد من المرشحين للرئاسة، وهو ما يطرح تساؤلات بشأن مشروعية الخطوة وغاياتها وسقفها الزمني، وقدرة البرلمان على تمكين سلطة تنفيذية فاعلة من طرابلس ، ومدى الاعتراف والقبول الدولي، وأي انعكاسات لانقسام مجلس الدولة. وفي محاولة لاستجلاء أبعاد هذه التطورات استطلعت الجزيرة نت آراء عدد من الفاعلين السياسيين الليبيين الذين عرضوا تحليلاتهم بشأن فرص النجاح والإخفاق والتحديات. ما مبررات تشكيل حكومة ثالثة؟ أوضح عضو مجلس الدولة بالقاسم أقزيط للجزيرة نت أن استمرار وجود حكومتين متوازيتين في ليبيا يحتم الذهاب نحو تشكيل حكومة ثالثة موحدة تنهي هذا الوضع المشوه، لأن ليبيا لا يمكن أن تدار بمنطق الدولتين، حسب تعبيره. ولفت أقزيط إلى وجود أغلبية وازنة داخل المجلسين تمتلك الإرادة السياسية الصادقة لتشكيل حكومة موحدة تعبر عن إرادة وطنية جامعة. بدوره، برر عضو مجلس النواب عبد المنعم العرفي في حديثه للجزيرة نت أن الهدف من تحركات البرلمان هو إنهاء الانقسام والازدواجية، استنادا إلى التعديل الدستوري الـ13 الذي نص صراحة على تشكيل حكومة موحدة، مبينا أن مقترحات اللجنة الاستشارية عززت هذا التوجه. من جهته، أكد عضو مجلس الدولة سعد بن شرادة للجزيرة نت أن تشكيل حكومة تنفيذية موحدة بات مطلبا، لكنه أبدى تحفظه على موقف المجتمع الدولي والبعثة الأممية. ما تحديات تشكيل حكومة جديدة؟ يرى عضو مجلس النواب حسن جاب الله أن تشكيل حكومة جديدة في ظل غياب خارطة طريق واضحة وتفاهم مؤسسي بين مجلسي النواب والدولة ودون غطاء أممي عبر بعثة الأمم المتحدة و مجلس الأمن لن يفضي إلا إلى تكرار إخفاق تجربة حكومة فتحي باشاغا. وقال جاب الله للجزيرة نت إن الدوافع الحالية المطروحة لتشكيل الحكومة لا ترتكز على مشروع وطني جامع ينهي المراحل الانتقالية ودستور دائم للبلاد، مشددا على ضرورة الاستفتاء على الدستور وحض المفوضية الوطنية العليا للانتخابات على القيام بدورها وطرحه للاستفتاء في أقرب وقت. وأشار إلى أن العوائق الجوهرية تتمثل في الانقسام القائم داخل مجلس الدولة الذي يصفه بالشريك الجوهري في العملية التوافقية. وعُيّن فتحي باشاغا رئيسا للحكومة الليبية من قبل البرلمان عام 2022 خلفا ل عبد الحميد الدبيبة ، لكنه لم يتمكن من دخول العاصمة طرابلس، وعمل لفترة من مدينتي بنغازي و سرت ، قبل أن تُسحب منه الثقة. وعن سؤال الجزيرة نت بشأن مدى التنسيق بين المجلسين في خطوة تشكيل الحكومة الجديدة، أوضح عضو مجلس النواب عبد النبي عبد المولى أن أكثر من 100 عضو من مجلس النواب منحوا أصواتهم لمرشحين لرئاسة الحكومة الجديدة، في خطوة ترافقت مع مستوى عالٍ من التنسيق مع مجلس الدولة الذي بدوره منح تأييدا مشابها. على ماذا استند البرلمان في خطوة تشكيل الحكومة الجديدة؟ المحلل السياسي عيسى عبد القيوم أشار في تصريحه للجزيرة نت إلى 3 متغيرات: ما صدر عن إحاطة مجلس الأمن الأخيرة التي طالبت فيها الدول الكبرى بضرورة تشكيل حكومة جديدة. توصيات اللجنة الاستشارية التابعة لبعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا بضرورة تشكيل حكومة موحدة. اتفاق جنيف الذي حدد ولاية لحكومة الوحدة لا تتجاوز 18 شهرا، وهي مدة انتهت فعليا، مما يجعل استمرار حكومة الدبيبة خارج الشرعية الزمنية. بدروه، يرى أستاذ القانون الخاص راقي المسماري أن الروزنامة التشريعية في ليبيا وصلت إلى درجة من الترهل، وذلك بعد مرور 14 عاما على صدور الإعلان الدستوري في 2011 الذي عُدّل 13 مرة، الأمر الذي يضع علامات استفهام كبرى بشأن المشهد الدستوري برمّته. وأضاف المسماري للجزيرة نت أن تشكيل حكومة جديدة يمكن أن يتخذ أحد المسارين: توافق المجلسين، ويتضمن تقديم مشروع توافقي لتشكيل حكومة وفق القوانين المعمول بها، مع ضرورة تقديم برنامج قادر على إقناع البعثة لنيل الثقة والقبول السياسي. حوار سياسي جديد تتخذه البعثة بهدف إعادة بناء مسار سياسي شامل في حال تعذر التوافق بين المجلسين. ما معايير اختيار الرئيس الجديد؟ يوضح النائب العرفي أن معايير اختيار رئيس الحكومة الجديدة مرتبطة بنجاعة المشروع المقدم ومدى واقعيته وسرعة إنجازه، فضلا عن قدرته على تقليص أي أضرار محتملة، مؤكدا أن العامل الحاسم في هذه العملية هو الدعم الدولي، وأن غيابه سيجعل الحكومة المقترحة مجرد كيان محلي محدود الفاعلية. وتوقع العرفي أن تكون مدينة سرت مقرا للحكومة الجديدة، نظرا لتجهيزاتها الفنية وموقعها الوسيط بين مختلف المناطق، مما يضمن عمل الحكومة بتوازن. هل يستطيع البرلمان تمكين سلطة تنفيذية فاعلة من طرابلس؟ تواجه الحكومة الجديدة مجموعة تحديات، أبرزها إمكانية تقلدها مهامها من العاصمة طرابلس، إذ يُشخص المحلل السياسي محمد مطيريد المأزق بوضوح قائلا "الحكومة المقبلة إن لم تجد موطئ قدم آمن في طرابلس فستكون تكرارا مريرا لتجربة باشاغا، حكومة ولدت في البرلمان وماتت في سرت". وأشار مطيريد للجزيرة نت إلى تفاهم أمني بين قوة الردع وبعض التشكيلات المسلحة من الزاوية، مما قد يمهد الطريق أمام شخصية تنفيذية من الزاوية أو سوق الجمعة للدخول إلى العاصمة، وإذا ما اختار البرلمان شخصية مقبولة من هذه المناطق فإن الحكومة المقبلة قد تتمكن من العبور إلى طرابلس. إعلان وهو ما يتفق معه المحلل السياسي عيسى عبد القيوم الذي تحدث عن "توازنات جهوية" تبرر أن جميع المرشحين لرئاسة الحكومة الجديدة هم من الغرب الليبي بحكم أن رئاسة البرلمان تتموضع في الشرق، لافتا إلى أن هذا التوازن لا يكتمل إلا بالتوافق الداخلي في الغرب، بما في ذلك القوى العسكرية الفاعلة. ويعتقد عبد القيوم -حسب تصريحه للجزيرة نت- أنه في حال تعذر هذا التوافق فإن البرلمان سيحتفظ بحكومة أسامة حماد كأمر واقع، في حين ستستمر حكومة الدبيبة بسلطة منقوصة وضعيفة تدار على الهامش. وتوقع المحلل السياسي محمد مطيريد توجهين: إذا عجز البرلمان عن إيصال حكومته إلى طرابلس فستظل حكومة مناكفة لا أكثر بلا سلطة تنفيذية فعلية. إذا تمكن عبر ترتيبات محلية دقيقة في تمكين رئيس وزراء يحظى بقبول جغرافي وأمني داخل العاصمة فستكون ليبيا أمام تحول نوعي يجبر المجتمع الدولي على إعادة تموضعها من جديد. ما ضمانات الاعتراف الدولي؟ في الوقت الذي أكد فيه عضو مجلس الدولة سعد بن شرادة أن الحكومة الجديدة إن لم تحظ بدعم واضح من المجتمع الدولي فإنها ستظل مبادرة محلية معزولة، وقد تعد قفزة في الهواء فإن عضو مجلس النواب عبد النبي عبد المولى أوضح أن البرلمان أجرى اتصالات متعددة مع الأطراف الدولية التي أجمعت على ضرورة تشكيل حكومة موحدة. وأشار إلى أن التعقيدات الإقليمية والدولية تشتت الاهتمام الدولي بالملف الليبي، مما يجعل التوافق الداخلي أكثر إلحاحا، داعيا المجتمع الدولي إلى تحمّل مسؤولياته ودعم هذه الخطوة عبر منح الحكومة المقبلة غطاء سياسيا واعترافا دوليا. بدوره، أشار البرلماني عبد المنعم العرفي إلى توجيه رئيس مجلس النواب عقيلة صالح رسائل واضحة إلى البعثة الأممية والشركاء الإقليميين والدوليين لحثهم على دعم هذه الخطوة ومواكبتها.