
تسابق ليبي لتشكيل حكومة جديدة.. فهل ستتجاوز قبة البرلمان؟
طرابلس- يتصدر حاليا ملف تشكيل حكومة ثالثة موحدة بديلة عن الحكومتين المتنازعتين في ليبيا عنوان الأزمة، مدفوعا بمبررات دستورية ضاغطة وتحركات برلمانية متسارعة.
واستمع مجلس النواب عبر جلسات منفصلة إلى عدد من المرشحين للرئاسة، وهو ما يطرح تساؤلات بشأن مشروعية الخطوة وغاياتها وسقفها الزمني، وقدرة البرلمان على تمكين سلطة تنفيذية فاعلة من طرابلس ، ومدى الاعتراف والقبول الدولي، وأي انعكاسات لانقسام مجلس الدولة.
وفي محاولة لاستجلاء أبعاد هذه التطورات استطلعت الجزيرة نت آراء عدد من الفاعلين السياسيين الليبيين الذين عرضوا تحليلاتهم بشأن فرص النجاح والإخفاق والتحديات.
ما مبررات تشكيل حكومة ثالثة؟
أوضح عضو مجلس الدولة بالقاسم أقزيط للجزيرة نت أن استمرار وجود حكومتين متوازيتين في ليبيا يحتم الذهاب نحو تشكيل حكومة ثالثة موحدة تنهي هذا الوضع المشوه، لأن ليبيا لا يمكن أن تدار بمنطق الدولتين، حسب تعبيره.
ولفت أقزيط إلى وجود أغلبية وازنة داخل المجلسين تمتلك الإرادة السياسية الصادقة لتشكيل حكومة موحدة تعبر عن إرادة وطنية جامعة.
بدوره، برر عضو مجلس النواب عبد المنعم العرفي في حديثه للجزيرة نت أن الهدف من تحركات البرلمان هو إنهاء الانقسام والازدواجية، استنادا إلى التعديل الدستوري الـ13 الذي نص صراحة على تشكيل حكومة موحدة، مبينا أن مقترحات اللجنة الاستشارية عززت هذا التوجه.
من جهته، أكد عضو مجلس الدولة سعد بن شرادة للجزيرة نت أن تشكيل حكومة تنفيذية موحدة بات مطلبا، لكنه أبدى تحفظه على موقف المجتمع الدولي والبعثة الأممية.
ما تحديات تشكيل حكومة جديدة؟
يرى عضو مجلس النواب حسن جاب الله أن تشكيل حكومة جديدة في ظل غياب خارطة طريق واضحة وتفاهم مؤسسي بين مجلسي النواب والدولة ودون غطاء أممي عبر بعثة الأمم المتحدة و مجلس الأمن لن يفضي إلا إلى تكرار إخفاق تجربة حكومة فتحي باشاغا.
وقال جاب الله للجزيرة نت إن الدوافع الحالية المطروحة لتشكيل الحكومة لا ترتكز على مشروع وطني جامع ينهي المراحل الانتقالية ودستور دائم للبلاد، مشددا على ضرورة الاستفتاء على الدستور وحض المفوضية الوطنية العليا للانتخابات على القيام بدورها وطرحه للاستفتاء في أقرب وقت.
وأشار إلى أن العوائق الجوهرية تتمثل في الانقسام القائم داخل مجلس الدولة الذي يصفه بالشريك الجوهري في العملية التوافقية.
وعُيّن فتحي باشاغا رئيسا للحكومة الليبية من قبل البرلمان عام 2022 خلفا ل عبد الحميد الدبيبة ، لكنه لم يتمكن من دخول العاصمة طرابلس، وعمل لفترة من مدينتي بنغازي و سرت ، قبل أن تُسحب منه الثقة.
وعن سؤال الجزيرة نت بشأن مدى التنسيق بين المجلسين في خطوة تشكيل الحكومة الجديدة، أوضح عضو مجلس النواب عبد النبي عبد المولى أن أكثر من 100 عضو من مجلس النواب منحوا أصواتهم لمرشحين لرئاسة الحكومة الجديدة، في خطوة ترافقت مع مستوى عالٍ من التنسيق مع مجلس الدولة الذي بدوره منح تأييدا مشابها.
على ماذا استند البرلمان في خطوة تشكيل الحكومة الجديدة؟
المحلل السياسي عيسى عبد القيوم أشار في تصريحه للجزيرة نت إلى 3 متغيرات:
ما صدر عن إحاطة مجلس الأمن الأخيرة التي طالبت فيها الدول الكبرى بضرورة تشكيل حكومة جديدة.
توصيات اللجنة الاستشارية التابعة لبعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا بضرورة تشكيل حكومة موحدة.
اتفاق جنيف الذي حدد ولاية لحكومة الوحدة لا تتجاوز 18 شهرا، وهي مدة انتهت فعليا، مما يجعل استمرار حكومة الدبيبة خارج الشرعية الزمنية.
بدروه، يرى أستاذ القانون الخاص راقي المسماري أن الروزنامة التشريعية في ليبيا وصلت إلى درجة من الترهل، وذلك بعد مرور 14 عاما على صدور الإعلان الدستوري في 2011 الذي عُدّل 13 مرة، الأمر الذي يضع علامات استفهام كبرى بشأن المشهد الدستوري برمّته.
وأضاف المسماري للجزيرة نت أن تشكيل حكومة جديدة يمكن أن يتخذ أحد المسارين:
توافق المجلسين، ويتضمن تقديم مشروع توافقي لتشكيل حكومة وفق القوانين المعمول بها، مع ضرورة تقديم برنامج قادر على إقناع البعثة لنيل الثقة والقبول السياسي.
حوار سياسي جديد تتخذه البعثة بهدف إعادة بناء مسار سياسي شامل في حال تعذر التوافق بين المجلسين.
ما معايير اختيار الرئيس الجديد؟
يوضح النائب العرفي أن معايير اختيار رئيس الحكومة الجديدة مرتبطة بنجاعة المشروع المقدم ومدى واقعيته وسرعة إنجازه، فضلا عن قدرته على تقليص أي أضرار محتملة، مؤكدا أن العامل الحاسم في هذه العملية هو الدعم الدولي، وأن غيابه سيجعل الحكومة المقترحة مجرد كيان محلي محدود الفاعلية.
وتوقع العرفي أن تكون مدينة سرت مقرا للحكومة الجديدة، نظرا لتجهيزاتها الفنية وموقعها الوسيط بين مختلف المناطق، مما يضمن عمل الحكومة بتوازن.
هل يستطيع البرلمان تمكين سلطة تنفيذية فاعلة من طرابلس؟
تواجه الحكومة الجديدة مجموعة تحديات، أبرزها إمكانية تقلدها مهامها من العاصمة طرابلس، إذ يُشخص المحلل السياسي محمد مطيريد المأزق بوضوح قائلا "الحكومة المقبلة إن لم تجد موطئ قدم آمن في طرابلس فستكون تكرارا مريرا لتجربة باشاغا، حكومة ولدت في البرلمان وماتت في سرت".
وأشار مطيريد للجزيرة نت إلى تفاهم أمني بين قوة الردع وبعض التشكيلات المسلحة من الزاوية، مما قد يمهد الطريق أمام شخصية تنفيذية من الزاوية أو سوق الجمعة للدخول إلى العاصمة، وإذا ما اختار البرلمان شخصية مقبولة من هذه المناطق فإن الحكومة المقبلة قد تتمكن من العبور إلى طرابلس.
إعلان
وهو ما يتفق معه المحلل السياسي عيسى عبد القيوم الذي تحدث عن "توازنات جهوية" تبرر أن جميع المرشحين لرئاسة الحكومة الجديدة هم من الغرب الليبي بحكم أن رئاسة البرلمان تتموضع في الشرق، لافتا إلى أن هذا التوازن لا يكتمل إلا بالتوافق الداخلي في الغرب، بما في ذلك القوى العسكرية الفاعلة.
ويعتقد عبد القيوم -حسب تصريحه للجزيرة نت- أنه في حال تعذر هذا التوافق فإن البرلمان سيحتفظ بحكومة أسامة حماد كأمر واقع، في حين ستستمر حكومة الدبيبة بسلطة منقوصة وضعيفة تدار على الهامش.
وتوقع المحلل السياسي محمد مطيريد توجهين:
إذا عجز البرلمان عن إيصال حكومته إلى طرابلس فستظل حكومة مناكفة لا أكثر بلا سلطة تنفيذية فعلية.
إذا تمكن عبر ترتيبات محلية دقيقة في تمكين رئيس وزراء يحظى بقبول جغرافي وأمني داخل العاصمة فستكون ليبيا أمام تحول نوعي يجبر المجتمع الدولي على إعادة تموضعها من جديد.
ما ضمانات الاعتراف الدولي؟
في الوقت الذي أكد فيه عضو مجلس الدولة سعد بن شرادة أن الحكومة الجديدة إن لم تحظ بدعم واضح من المجتمع الدولي فإنها ستظل مبادرة محلية معزولة، وقد تعد قفزة في الهواء فإن عضو مجلس النواب عبد النبي عبد المولى أوضح أن البرلمان أجرى اتصالات متعددة مع الأطراف الدولية التي أجمعت على ضرورة تشكيل حكومة موحدة.
وأشار إلى أن التعقيدات الإقليمية والدولية تشتت الاهتمام الدولي بالملف الليبي، مما يجعل التوافق الداخلي أكثر إلحاحا، داعيا المجتمع الدولي إلى تحمّل مسؤولياته ودعم هذه الخطوة عبر منح الحكومة المقبلة غطاء سياسيا واعترافا دوليا.
بدوره، أشار البرلماني عبد المنعم العرفي إلى توجيه رئيس مجلس النواب عقيلة صالح رسائل واضحة إلى البعثة الأممية والشركاء الإقليميين والدوليين لحثهم على دعم هذه الخطوة ومواكبتها.
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


الجزيرة
منذ 5 ساعات
- الجزيرة
من تونس لرفح.. قافلة الصمود تستعد لفك الحصار عن غزة
تونس- في مشهد استثنائي داخل أحد مقرات الكشافة بالعاصمة تونس، احتشد عشرات الرجال والنساء من مختلف الأعمار، استعدادا للمشاركة في قافلة الصمود البرية لكسر الحصار على غزة ، وهي مبادرة إنسانية نوعية تنظمها تنسيقية العمل المشترك من أجل فلسطين في تونس ، ومن المقرر انطلاقها في التاسع من يونيو/حزيران الجاري من تونس باتجاه معبر رفح مرورا بليبيا ومصر. وداخل قاعة فسيحة، يسود تركيز شديد على تعليمات المدرب، حيث يتابع المشاركون تفاصيل الإسعافات الأولية في حالات الطوارئ، ويتحد الجميع بإرادة لا تلين وإصرار لا يضعف في صورة تعكس تأهبا نفسيا وجسديا لمرافقة القافلة في رحلتها البرية الطويلة نحو غزة المحاصرة والمجوّعة. وحسب القائمين على القافلة، فقد تم أمس الاثنين غلق الرابط الإلكتروني المخصص للتسجيل بعد استقبال نحو 7 آلاف طلب مشاركة، استكمل نحو ألفي منهم وثائق سفرهم بالكامل. كما أعلنت وفود جزائرية وليبية انضمامها رسميا، مما حوّلها إلى مبادرة مغاربية ذات بُعد إقليمي. رحلة تاريخية وتأتي القافلة في سياق مأساوي فرضه الحصار الخانق الذي يشنه الاحتلال الإسرائيلي على سكان قطاع غزة منذ بداية حرب الإبادة، ردا على عملية " طوفان الأقصى" التي شنتها المقاومة الفلسطينية، وعلى رأسها حركة المقاومة الإسلامية (حماس) ، في السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023. وقد خلّف العدوان الإسرائيلي المستمر عشرات آلاف الشهداء والجرحى في ظل صمت دولي مريب وغياب فعّال للجهود الإنسانية والسياسية لكسر دائرة العنف وتخفيف معاناة المدنيين في غزة. وفي هذا النطاق، تسعى القافلة لأن تكون صرخة مدوية في وجه هذا الصمت ورسالة تضامن من شعوب المنطقة مع معاناة الفلسطينيين، لا سيما المرضى والأطفال والنساء والشيوخ ضحايا القصف والحصار، وفق المنظمين. من جانبه، أكد نبيل شنوفي أحد الناطقين الرسميين باسم القافلة أن غايتها "كسر الحصار الهمجي المفروض على أهالي غزة، وتوجيه رسالة للفلسطينيين أن أشقاءهم بالمغرب العربي معهم قلبا وقالبا". وأشار شنوفي إلى أن الاستعدادات تسير بوتيرة متسارعة لإنجاحها على جميع المستويات، وأن التنسيقية نظمت مع شركائها -على غرار الكشافة التونسية وعمادة الأطباء والهلال الأحمر وغيرهم- دورات تدريبية للمشاركين في الإسعافات الأولية والمسائل القانونية ضمن سلسلة أنشطة تحضيرية قبل التحرك، من بينها نصب خيم طبية لمعاينة صحتهم للتأكد من مدى قدرتهم على تحمل مشقة السفر وإصدار الشهادات الطبية لفائدتهم. وأضاف للجزيرة نت: "قمنا بجميع الاستعدادات، معنا أطباء وميكانيكيون ومعدات ضخمة وسنأخذ معنا حتى قطع غيار للسيارات، تحسبا لأي طارئ على الطريق"، مبينا أن هذه القافلة تندرج ضمن "رحلة تاريخية" تحمل هدفا إنسانيا يتمثل في كسر الحصار و"تجويع الكيان الصهيوني الغاصب لأهل غزة"، والمطالبة بتسريع الهدنة ووقف المجازر الوحشية وسط الصمت الدولي. وبخصوص نوعية المشاركين، أوضح أنهم يمثلون طيفا واسعا من المجتمع التونسي من شباب في سن 18 عاما إلى كبار السن الذين تزيد أعمارهم على 70 عاما، بينهم أطباء وطلبة ونقابيون وكشافة وصحفيون ونشطاء من الهلال الأحمر وعمادة الأطباء وعسكريون متقاعدون وغيرهم. رسالة ضمير ولا تخضع القافلة لأي غطاء سياسي أو جمعياتي، بل يتم تنظيمها على نحو مستقل بالتنسيق مع عدد من الشركاء من بينهم الاتحاد العام التونسي للشغل والكشافة التونسية، وفق شنوفي، الذي أضاف أن جميع من أتموا وثائقهم وحصلوا على الموافقة يتلقون كتيبات إرشادية -عبر البريد الإلكتروني وتطبيق واتساب- تتضمن تفاصيل دقيقة عن خط السير والإجراءات القانونية والصحية خلال هذه الرحلة البرية. من جانبه، قال وائل نوار -وهو أحد الناطقين الرسميين باسم القافلة- للجزيرة نت إن هذا الحدث يعكس الروح التضامنية العميقة بين الشعوب الحرة وقضية فلسطين ، ويجسد وعيا جماعيا يتجاوز الحدود السياسية والجغرافية، مشيرا إلى مشاركة نحو ألفي شخص أتموا جميع وثائق السفر بعد الإعلان عن غلق باب التسجيل على المنصة الإلكترونية المخصصة في الغرض أمس الاثنين. وأوضح نوار أن القافلة لا تنقل مساعدات إغاثية فقط، بل هي قافلة إنسانية شعبية مستقلة، تهدف إلى كسر الحصار الوحشي على غزة وإيصال رسالة ضمير حي من الشعوب العربية إلى الضمير الدولي الغائب. وأضاف "ليست المشكلة في توفر المساعدات، فهناك آلاف الأطنان مكدسة في العريش ورفح، التي يمنع الاحتلال الصهيوني دخولها، ولهذا سنرابط في رفح بضعة أيام لنطالب بإدخالها وتسريع الهدنة ووقف حرب الإبادة التي تحصد يوميا مئات الأرواح". وبشأن طبيعة التنسيق مع السلطات التونسية والليبية والمصرية، قال نوار إنه يجري بسلاسة، وإن قائمة المشاركين الرسمية ستُسلم إلى السفارة المصرية للحصول على التأشيرات اللازمة. وعن مسار القافلة، كشف المتحدث عن أنها ستنطلق من شارع محمد الخامس بالعاصمة تونس فجر التاسع من يونيو/حزيران الجاري، مع نقاط استراحة في محافظات صفاقس، وقابس، وبنقردان، لتجميع بقية المشاركين مرورا بليبيا عبر طرابلس ومصراتة وسرت وبنغازي وطبرق، قبل دخول معبر السلوم المصري يوم 12 من الشهر نفسه، وصولا إلى القاهرة، ثم معبر رفح يوم 15 من الشهر ذاته، وفق التقديرات. تحرك دولي ومن المقرر أن تدوم الرحلة 14 يوما، لكن، بسبب الظروف المتغيرة التي قد تواجه الرحلة، كالتعطيلات أو التأخيرات، من الممكن أن تستغرق أكثر من ذلك بـ3 أيام إضافية كحد أقصى. ويقول نوار "نحن مستعدون لجميع هذه الاحتمالات، لكننا حريصون على إتمام المهمة بأفضل صورة ممكنة". ووفقا له، فإنه عند وصول القافلة إلى معبر رفح، ستجتمع لجنة دولية تضم ممثلين عن قافلة الصمود، والمسيرة العالمية إلى غزة، وأسطول الحرية، لتتولى مهمة تقرير مدة البقاء في رفح، وذلك بناء على الظروف والتنسيق مع الجهات المعنية للضغط لفتح المعبر وإدخال المساعدات الإنسانية. وأضاف الناشط "نخطط للبقاء في رفح حتى 5 أيام إذا سارت الأمور بسلاسة، لكن في حال واجهتنا تأخيرات أو تعقيدات قد يقل هذا الوقت إلى يومين، ومع ذلك، نحن ملتزمون بالبقاء ضمن إطار الرحلة المقدرة بـ14 يوما". وفي ظل الحصار الوحشي على غزة، تأتي هذه المبادرة ضمن مسيرة عالمية واسعة النطاق نحو القطاع تنظمها "تنسيقية العمل المشترك من أجل فلسطين" بالشراكة مع تحالف أسطول الحرية والمسيرة العالمية إلى غزة، التي تضم آلاف المشاركين من نحو 25 دولة. كما تأتي ضمن تحركات مدنية من نشطاء حول العالم لكسر الحصار على غزة، وقد انطلقت أولى خطواتها عبر البحر مع مغادرة سفينة "مادلين" من كاتانيا الساحلية جنوب إيطاليا نحو غزة، وعلى متنها 12 ناشطا دوليا. وبذلك، تشكل قافلة الصمود البرية من تونس أحد أضلاع هذا الحراك الدولي الذي يحمل شعار "نحن قادمون إلى غزة برا وبحرا وجوا".


الجزيرة
منذ 19 ساعات
- الجزيرة
"رايتس ووتش": القضاء الليبي عاجز عن التحقيق في انتهاكات حقوق الإنسان
قالت منظمة هيومن رايتس ووتش إن قطاع العدالة في ليبيا غير قادر على إجراء تحقيقات جادة في الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان والجرائم الدولية، بسبب الانقسامات التي تمزقه. وسجلت المنظمة في تقرير أصدرته أمس الاثنين، أن النظام القضائي في ليبيا يتسم بـ"انتهاكات جسيمة للإجراءات القانونية الواجبة". وأكد التقرير أن المليشيات غير الخاضعة للمساءلة تسيطر على السجون ومراكز الاحتجاز التي لا تخضع إلا ظاهريا لـ"رقابة عدة وزارات وسلطات حكومية". وأوضح التقرير أن قانون العقوبات الليبي والتشريعات الأخرى ذات الصلة "قديمة ولا تتناول الجرائم الدولية، وتحتاج إلى إصلاح شامل لمواءمتها مع التزامات ليبيا الدولية في مجال حقوق الإنسان". وتتضمن التشريعات المحلية في ليبيا أحكاما وقوانين وصفها التقرير بـ"القمعية والتعسفية الموروثة من عهد الزعيم السابق معمر القذافي"، معتبرا أنها تتعارض مع القانون الدولي. كما أفادت "رايتس ووتش" بأن القوانين والأحكام القضائية الصادرة منذ الإطاحة بالقذافي "تُقيد الحريات ولا تتماشى مع القانون الدولي ، فيما تواصل المحاكم العسكرية في الشرق والغرب محاكمة المدنيين تحت ذريعة الجرائم المتعلقة بـ"الإرهاب". وأشار التقرير إلى أن الإجراءات القضائية في المحاكم المدنية والعسكرية تشوبها انتهاكات "جسيمة" للإجراءات القانونية الواجبة، حيث يحتجَز "الليبيون وغير الليبيين بشكل تعسفي لفترات طويلة". كما لفت التقرير إلى أن مرافق الاحتجاز في ليبيا "مشتتة ويسودها العنف والأوضاع غير الإنسانية للمهاجرين وطالبي اللجوء والمواطنين الليبيين على حد سواء". وأردف التقرير أن التعذيب وسوء المعاملة، والاحتجاز التعسفي، والأوضاع غير الإنسانية، بما في ذلك الاكتظاظ، ممارسات واسعة الانتشار، مؤكدًا أنها وُثقت توثيقًا جيدًا. وأفاد بأن الجماعات المسلحة والقوات شبه الحكومية التي تسيطر على مرافق الاحتجاز "لا تنفذ دائما أوامر الإفراج أو تمتثل لأوامر المحكمة باستدعاء المحتجزين"، كما أن الحق في محاكمة عادلة "لا يُحترم في ليبيا". ودعت المنظمة السلطات الليبية إلى إلغاء جميع القوانين التي تنتهك القانون الدولي "فورا" و" الإعلان الدستوري الليبي"، ووضع الأسس لإصلاح تشريعي شامل بمشاركة فقهاء القانون والمنظمات المدنية المحلية والدولية. كما طالبت بتعديل قانون العقوبات لتجريم الجرائم الدولية الخطيرة على وجه التحديد، وضمان معايير المحاكمة العادلة وحقوق الإجراءات القانونية الواجبة بما يتماشى مع القانون الدولي، وممارسة رقابة فعالة وحقيقية على جميع مرافق الاحتجاز.


الجزيرة
منذ يوم واحد
- الجزيرة
الملفات الغامضة بين صدام والقذافي من صواريخ سكود إلى معسكرات المعارضة
كثيرة هي الملفات التي جمعت بين الرئيس العراقي الأسبق صدام حسين والزعيم الليبي الراحل معمّر القذافي ، ولا سيما أن العلاقة بين الرجلين كانت بين شدّ وجذب كغيرها من علاقات زعماء المنطقة في الربع الأخير من القرن الـ20. وقد بدأت الحكاية في أواخر ستينيات وسبعينيات القرن الماضي حين تزامن صعود الرجلين في وقت واحد، ودخولهما في صراع على النفوذ والكلمة في المنطقة. من التأييد إلى التنافس حين أزاح العقيد معمر القذافي نظام حكم محمد إدريس السنوسي في فجر الأول من سبتمبر/أيلول 1969، كانت بغداد تتابع المشهد من موقع المنتصر الثوري الآخر، وقد ترسخت فيها سلطة حزب البعث بعد انقلاب جرى بقيادة أحمد حسن البكر ونائبه وقريبه القوي صدام حسين في العام السابق على انقلاب القذافي. وحينها لم تتردد العراق في إعلان الترحيب بـ"الثورة الليبية الفتية"، بل أرسلت وفدا رفيعا يقوده صدام نفسه إلى طرابلس الغرب، حاملا وعودا بالدعم المطلق سياسيا وعسكريا، فضلا عن المالي والسياسي لتثبيت أركان النظام الجديد الذي يبدو أنه كان يتفق فكريا مع النظام العراقي الجديد. لكن هذا التقارب الذي بدا واعدا في بدايته، لم يكن سوى ومضة عابرة في سماء مشحونة بالتناقضات، ذلك أن القذافي سرعان ما تبنى رؤية الرئيس المصري الأسبق جمال عبد الناصر ، الرجل الذي اعتبره قائده الروحي ونموذج الزعامة في المنطقة. كان ناصر وقتها على خلاف عميق مع البعثيين في العراق وسوريا على الرغم من تبني كلا الفريقين خطاب القومية العربية، وخصوصا صدام حسين، الذي وصفه عبد الناصر ذات مرة بـ"البلطجي"، كما يروي جواد هاشم وزير التخطيط العراقي السابق، في مذكراته "مذكرات وزير عراقي مع البكر وصدام". ومع رحيل عبد الناصر في سبتمبر/أيلول 1970 سرعان ما طفت الخلافات المكتومة بين الرجلين إلى السطح، لتتخذ منحى صداميا في الملفات الإقليمية. ففي صيف عام 1971، اختار العراق دعم انقلاب شيوعي في السودان كان يستهدف إسقاط الرئيس جعفر النميري، وكما يذكر محمد عبد العزيز في كتابه "أسرار جهاز الأسرار: جهاز الأمن السوداني" فقد تحركت ليبيا بسرعة لإجهاض ذلك الانقلاب، بل ألقت القبض على اثنين من أبرز قادته وهما بابكر النور وفاروق عثمان، وسلّمتهما لاحقا للنميري، ليُنفَّذ فيهما حكم الإعدام. كانت تلك اللحظة بمثابة إعلان قطيعة صامتة بين طرابلس وبغداد، ورسالة واضحة أن تحالفات الشعارات القومية باتت لا تصمد أمام صراع الأجندات والثأر التاريخي بين الناصرية والبعث في ملفات المنطقة المختلفة. ولم تمضِ سوى أشهر على هذا التوتر حتى دخل المشهد العربي منعطفا جديدا، ففي عام 1972، طرح الرئيس المصري وقتها أنور السادات مشروعا طموحا لتشكيل اتحاد الجمهوريات العربية بين مصر وليبيا وسوريا في كيان وحدوي ثلاثي. وقد بدا هذا المشروع جزءا من تطلعات وشعارات القذافي الناصرية، كما أيده حافظ الأسد بحذر كدأبه في مشاريع المنطقة، لكن البعث العراقي بقيادة صدام رأى فيه كارثة قومية، وربما إهانة شخصية له، ففي نظره كانت الخطوة محاولة "استسلامية" تُمهّد لتنازلات سياسية في القضية الفلسطينية، وفق ما يذكره الباحث عباس البخاتي في دراسته عن موقف دول المغرب العربي من الحرب العراقية-الإيرانية. ولم تلبث الأوضاع أن اتخذت منحى آخر مع اندلاع حرب أكتوبر/تشرين الأول 1973 ، فأمام التحدي الوجودي الذي فرضته الحرب، التقت مصالح العرب، فتوحدوا خلف قرار تاريخي بوقف ضخ النفط إلى الدول الغربية المؤيدة لإسرائيل، كان ذلك اصطفافا استثنائيا فرضه واقع الحرب أكثر من كونه ثمرة مصالحة سياسية عميقة. مرحلة العداء لكن أمل الالتقاء ما لبث أن تبدّد مع توقيع الرئيس المصري أنور السادات اتفاقية كامب ديفيد مع إسرائيل في أواخر السبعينيات، هذه الخطوة المثيرة للجدل دفعت ليبيا إلى التحرك السياسي والدعوة إلى إنشاء جبهة مواجهة سمتها "الصمود والتصدي"، التي ضمّت أبرز العواصم العربية المعارضة للتطبيع مثل بغداد ودمشق والجزائر. ورغم ما حملته الجبهة من شعارات الوحدة والمواجهة، فإن واقعها كان مختلفا، فقد كانت في جوهرها أداة للمناورة الإقليمية، أكثر منها جبهة صلبة لمواجهة المشروع الإسرائيلي. ففي نهاية السبعينيات كانت ملامح السلطة في العراق قد تغيّرت جذريا، إذ لم يعد صدام حسين مجرد نائب لأحمد حسن البكر، بل أصبح هو المحرك الفعلي للدبلوماسية والسياسة العراقية، يتحكم في بوصلتها بتوازن مدروس بين الطموح السياسي والإحساس بالخطر. كما لم يكن يدير الملفات الخارجية فقط، بل كان يُمهد بهدوء لوراثة الحكم، وهو ما تحقق حين دفع البكر إلى التنحي، ليصعد صدام رسميا إلى رأس الدولة في يوليو/تموز 1979. لم يفتح هذا التحول فصلا جديدا في الحكم العراقي فقط، بل فجر صراعا شخصيا وسياسيا طالما كان كامنا تحت السطح، حيث التنافس المحموم بين صدام حسين ومعمر القذافي، فعقب وفاة عبد الناصر، بدا أن الاثنين يتسابقان على ملء الفراغ القيادي في المشهد العربي. وهذا ما يذكره عبد السلام التريكي وزير الخارجية الليبي الأسبق، في شهادته التي وثّقها غسان شربل في كتابه "في خيمة القذافي"، فإن هذا الصراع اتخذ طابعا عدائيا منذ البداية، لا تحكمه فقط الخلافات الأيديولوجية، بل أيضا خصومة شخصية لا تهدأ. وما إن أمسك صدام بمقاليد الحكم في يوليو/تموز 1979، حتى بادر بالانسحاب من "جبهة الصمود والتصدي" التي أنشأتها ليبيا ردا على اتفاقية كامب ديفيد، ولم يُخفِ صدام سبب قراره بل وجّهه صراحة نحو سوريا التي كان يقودها حافظ الأسد، غريمه اللدود، حيث اتهمها بمحاولة زعزعة نظامه من الداخل. وكانت هذه الاتهامات أكثر من مجرد خلافات دبلوماسية، إذ استُخدمت كذريعة لحملة تمحيص لصفوف الداخل من المعارضين، بمن فيهم المحتملون، وحملت رسائل قاسية عن طبيعة النظام الجديد الذي أراد صدام منه ألا يتحكم فيه من رآهم خصومه وقتئذ. وكما يرصد بعض الباحثين، فقد تحول التنافس بين النظامين الليبي والعراقي إلى ما يشبه حرب زعامة باردة، فيها كل أدوات التأثير، من التحالفات الإقليمية إلى التصعيد الإعلامي، مرورا بالاغتيالات السياسية والدعم العابر للمعارضات، ولقد كانت تلك الفترة إحدى أكثر مراحل النظام العربي الرسمي توترا، حيث بدا أن وحدة الصف شعار يتهاوى أمام طموحات الزعامة المتضاربة. لم يمضِ وقت طويل حتى جاء رد القذافي على خصمه العراقي، حيث اختار أن تتحول طرابلس إلى ملاذ آمن لقيادات المعارضة الكردية العراقية، ووفر لهم القذافي غطاء سياسيا وإعلاميا يعزز موقعهم في مواجهة النظام العراقي. ولم تكن الخطوة مجرد تضامن، بل رسالة لاذعة لصدام في وقت كان يخوض فيه مواجهات دامية ضد ما اعتبره التمرد الكردي في الشمال. لكن التصعيد لم يتوقف عند هذا الحد، فقد وجّه القذافي ضربته الثانية إلى الداخل الليبي نفسه عندما ضيّق الخناق على حزب البعث الليبي الذي كانت له ميول نحو البعث العراقي، ومع تصاعد الحملة انتهى الأمر بمقتل القيادي البارز في الحزب عامر الدغيس في مطلع الثمانينيات، في حادثة فُهمت في بغداد على أنها تصفية سياسية ورفض مطلق لأي نفوذ بعثي عراقي في الجماهيرية الليبية. وهكذا تحول التوتر بين الزعيمين إلى صراع استنزاف مفتوح كل منهما يستهدف العمق الإستراتيجي للآخر، ويضربه في خاصرته الضعيفة، فبينما سعى القذافي إلى زعزعة شمال العراق بدعم الأكراد، ردّ صدام بتقويض نفوذ طرابلس في الجنوب الليبي كما سنرى عبر دعم أعدائها. وتُوّج الخلاف بين الرجلين بمواقف علنية محرجة ومواجهات ساخنة على هامش المؤتمرات العربية، واحدة من أكثر هذه اللحظات شهرة ما جرى في قمة الدار البيضاء في أوائل الثمانينيات، التي جمعت الزعيمين في لقاء مباشر، تحوّل إلى مشادة ساخرة علنية. فخلال القمة، وكما يروي عبد الرحمن شلقم مندوب ليبيا السابق في الأمم المتحدة في مقابلة صحفية، لم يُخف صدام كراهيته واستهزاءه حين خاطب القذافي بنبرة ساخرة قائلا: "أخ معمر، ماذا سميت ليبيا؟ أعطني العنوان الكامل". وكان يشير بذلك إلى الاسم المبالغ فيه الذي اختاره القذافي رسميا لدولته: "الجماهيرية العربية الليبية الشعبية الاشتراكية العظمى". وتعالت ضحكات خافتة في القاعة، بينما تجمد وجه القذافي، فصدام كما يذكر شلقم كان شرسا لم يكن يكتفي بالخلاف السياسي، بل استثمر اللحظة لإهانة رمزية تنتقص من مشروع القذافي الأيديولوجي، ومن تلك اللحظة الحاسمة لم تعد العلاقة بين الرجلين قابلة للترميم. وقد عبر الوزير الليبي عبد الرحمن شلقم لاحقا عن تلك اللحظة بقوله: العلاقة بينهما تحولت إلى كراهية صريحة.. وكان أحد أوجه تلك الكراهية أن القذافي سلم صواريخ إلى إيران استخدمتها لاحقا لقصف المدن العراقية أثناء الحرب". كسر العظام والنهاية وكما يروي سالم الجميلي، ضابط المخابرات العراقي في زمن صدام، في كتابه "المخابرات العراقية 1968- 2003، أسوار وأسرار"، فإنه في عام 1985 وبينما كانت الجبهات مشتعلة على طول الحدود الشرقية في معركة العراق مع إيران، تلقّت بغداد ضربة صادمة من حيث لم تكن تنتظر صاروخ سكود سوفياتي الصنع يدخل المعركة ويسقط على مبنى البنك المركزي العراقي وسط العاصمة، محدثا دمارا هائلا وذعرا أكبر، ولم يكن الصاروخ إيراني المنشأ، إذ لم تكن إيران آنذاك تمتلك هذا النوع من الصواريخ ضمن منظومتها العسكرية. وبحسب الجميلي، فإن ما كشفه التحقيق العسكري والاستخباري العراقي كان أخطر من مجرد صاروخ، فبعد تحليل بقاياه تبين أن هذا السلاح قد شُحن من ليبيا إلى إيران، في خطوة اعتبرتها بغداد طعنة في الظهر، نفذها العقيد معمر القذافي بدافع شخصي صرف، تمثل في كراهيته العميقة لصدام حسين. وكالعادة لم يتنظر صدام طويلا للرد، وهو الذي كان يرى في الضربة إهانة مقصودة تستدعي ردا إستراتيجيا، أصدر أوامره بسرعة إلى جهاز المخابرات والقيادة العسكرية بالتوجه نحو الحدود الليبية، لم تكن الخطة غزوا مباشرا، بل فتح ساحة ضغط متقدمة على النظام الليبي من خاصرته الجنوبية. وهنا لعبت تشاد دور المحور، حيث كانت علاقات العراق آنذاك متينة مع الرئيس التشادي حسين حبري، الذي كان يخوض حربا مفتوحة ضد القذافي في منطقة شريط أوزو، وبالمقابل كانت طرابلس تدعم فصائل متمردة ضد حبري، مما جعل الأرض التشادية بيئة خصبة للحروب بالوكالة. وفي قلب الصحراء المحاذية للحدود الليبية التشادية، بدأت ملامح خطة عراقية جريئة بالتشكل، تمثلت في إنشاء شبكة دعم منظم لحركات المعارضة الليبية، وتزويدها بالتمويل والسلاح والمشورة الاستخباراتية. تلك الفصائل التي كانت حتى وقت قريب مشتتة وهامشية، تحوّلت فجأة إلى أداة ضغط حقيقية على نظام معمر القذافي، بعد أن باتت مدعومة مباشرة من بغداد، وتتلقى تعليماتها من ضباط مخابرات عراقيين نافذين ومدربين. ولم يكن هذا التحول تكتيكيا عابرا، بل كان رسالة صريحة من صدام حسين يهدد من خلالها القذافي، وهكذا انزلقت العلاقة بين العراق وليبيا إلى مرحلة من التصعيد المتبادل لا رجعة فيها، وخرج التنافس الشخصي بين الزعيمين من دوائر السياسة ليغدو صراعا ميدانيا ممتدا، تتخلله العمليات السرية والتحركات العابرة للحدود. وبحسب شهادة الجميلي، أحد الضباط المشاركين في الملف، فقد أُنشئ معسكر خاص للمعارضة الليبية على الشريط الحدودي بين ليبيا وتشاد، نُقل إليه المعارضون المقيمون في بغداد وتشاد على حد سواء، وخضعوا هناك لتدريبات عسكرية مكثفة. ولضمان استمرار الإمداد، تم تسيير جسر جوي مباشر من قاعدة الرشيد العسكرية في بغداد إلى مطار أنجامينا التشادي، نُقلت عبره كميات ضخمة من الأسلحة الخفيفة والمتوسطة، بما في ذلك قاذفات مضادة للدروع وهاونات. وكانت العمليات تحت إشراف مباشر من ضباط بارزين في جهاز المخابرات العراقي، وبتنسيق سياسي قاده طارق عزيز نائب رئيس الوزراء آنذاك، الذي تولى ملف العلاقات مع المعارضة الليبية. وبعد استكمال التدريب، شنت قوات المعارضة الليبية عملية هجومية مباغتة على وحدات الجيش الليبي في تشاد بقيادة الرائد خليفة حفتر، وقد أسفرت هذه العملية عن تكبيد القوات الليبية خسائر فادحة، أجبرت حفتر على الانسحاب من ساحة المواجهة. وفيما بدا أنه اعتراف بجدية التهديد، قرر القذافي إرسال مدير استخباراته أحمد قذاف الدم إلى بغداد في مهمة سرية، وقد كان في استقباله كبار المسؤولين الأمنيين، يتقدمهم فاضل البراك مدير المخابرات، والفريق حسين كامل قريب صدام وزوج ابنته. وقد أفضى اللقاء إلى اتفاق غير مكتوب بأن يوقف العراق دعم المعارضة الليبية، في مقابل وقف طرابلس دعمها العسكري لإيران في حربها ضد بغداد، بحسب ما يروي الجميلي، وهكذا كانت نهاية صفحة من صفحات الخلاف بين الزعيمين.