
حالة طوارئ وطنية
ربما بدا إعلان الرئيس دونالد ترامب «حالة طوارئ وطنية في مجال الطاقة» في أول يوم له في المنصب -والذي كرّره خلال خطابه الأخير أمام الكونغرس- وكأنه يُحاكي حالات طوارئ وطنية أخرى، كتلك التي أعلنها الرؤساء في أعقاب هجمات 11 سبتمبر 2001، وللتعامل مع جائحة «كوفيد-19» في عام 2020.
ولكن لم يسبق أن شهدت البلاد حالة طوارئ وطنية في مجال الطاقة. فخلال أزمات الطاقة في سبعينات القرن الماضي، أعلن الرئيس جيمي كارتر حالات طوارئ محلية أو إقليمية في عدد قليل من الولايات. وقد أدت هذه الإجراءات إلى تعليق بعض اللوائح البيئية، مثل حدود تلوث الهواء لمحطات الطاقة التي تعمل بالفحم، لفترات قصيرة جداً لضمان حصول سكان المناطق المعنية على ما يكفي من الكهرباء.
ومنذ توليه الرئاسة حتى الآن، لم يتخذ ترامب أي إجراء لمعالجة هذه الحالة الطارئة، مع أنه صرّح خلال خطابه أمام الكونغرس برغبته في زيادة عمليات الحفر وبناء خط أنابيب جديد للغاز الطبيعي في ألاسكا. لكنه لم يُشر في نقاشه حول سياسة الطاقة مباشرةً إلى ارتفاع أسعار المستهلك المتوقع نتيجةً للرسوم الجمركية الباهظة التي فرضها على النفط والغاز والكهرباء الكنديين.
وكوني درست أسواق الطاقة لعقود، فقد شهدتُ العديد من الأحداث التي قد تُصنف كحالات طوارئ متعلقة بالطاقة، مثل الانهيارات النووية في محطات الطاقة حول العالم، ونقص الكهرباء والغاز الطبيعي، وانقطاعات التيار الكهربائي على نطاق واسع.
لكن على مدار خمسة عشر عاماً الماضية، أصبحت الولايات المتحدة قوة عظمى عالمية في مجال الطاقة حتى دون أي إعلان حالة طوارئ. فقد أدى ظهور تقنية التكسير الهيدروليكي إلى موجة من إنتاج النفط والغاز، حتى مع تباطؤ الطلب الأمريكي على الطاقة بشكل طفيف. وفي زمن يشهد وفرة كهذه في الطاقة، لا توجد حالة طوارئ واضحة بحجم أزمات الطاقة في سبعينات القرن الماضي. ولكن هناك بعض الأسباب التي تدعو للقلق.
إن أحد الأهداف التي حددها إعلان ترامب هو تعزيز ما يُطلق عليه الأمر التنفيذي «أمن الطاقة» في البلاد. وعادةً ما تشير هذه العبارة إلى القدرة على العمل باستخدام الطاقة المنتجة داخل الولايات المتحدة بدلاً من الخارج، لا سيما من الدول التي لديها صراعات أو خلافات طويلة الأمد مع واشنطن.
ومع ذلك، واستناداً إلى الأرقام الأولية، فإن الولايات المتحدة تتمتع بالفعل بأمن طاقة تام. ففي عام 2023، بلغ إنتاج الولايات المتحدة ما يقرب من 13 مليون برميل من النفط يومياً. ومنذ عام 2015، عندما رُفع الحظر الفيدرالي على صادرات النفط، دأبت الولايات المتحدة على زيادة كمية النفط التي تُصدرها سنوياً. وعلى مدار السنوات القليلة الماضية، أصبحت البلاد أكبر مُصدّر للبنزين في العالم، مع تصدير نحو 10% من إجمالي إنتاجها السنوي إلى دول أخرى.
ومنذ بداية طفرة التكسير الهيدروليكي للصخر الزيتي في منتصف العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، شهد إنتاج الولايات المتحدة من الغاز الطبيعي ازدياداً ملحوظاً. كما ارتفعت صادرات البلاد من الغاز الطبيعي خلال السنوات العشرة الماضية، على الرغم من أنها كانت محدودة بسبب عدد الموانئ القادرة على مناولة شحنات الغاز الطبيعي المسال.
ورغم زيادة الإنتاج المحلي من النفط لتلبية احتياجاتها، لا تزال الولايات المتحدة مستورداً صافياً للسلعة الخام. حيث استوردت في عام 2023 قرابة ضعف ما صدّرته من السلعة الحيوية.
ويعتمد إنتاج مصافي النفط الأمريكية من البنزين ووقود التدفئة على النفط المستورد. فمعظم مصافي النفط هناك قديمة جداً، وقد صُممت لمعالجة ما يُسمى النفط الخام «الثقيل» المُنتَج في دول مثل كندا، التي تُعدّ تاريخياً أكبر مصدر للنفط المستورد للولايات المتحدة.
في غضون ذلك، يُمثل القلق بشأن تهالك شبكة الطاقة الكهربائية في البلاد محوراً آخر لإعلان ترامب حالة الطوارئ في مجال الطاقة. وقد دأب الخبراء على إصدار تحذيرات لسنوات. وخلصت دراسة أُجريت العام الماضي حول شبكة النقل الوطنية، بتكليف من وزارة الطاقة الأمريكية، إلى أن الولايات المتحدة بحاجة إلى مضاعفة حجم الشبكة خلال العقدين المقبلين.
ولأول مرة منذ ما يقرب من نصف قرن، تواجه الولايات المتحدة احتمال زيادة سريعة في الطلب على الكهرباء، بغض النظر عن ازدياد عدد السكان وتحسن الاقتصاد، فالأمر هذه المرة الأمر مختلف. إذ يُعزى نمو الطلب على الكهرباء الآن إلى إنشاء مراكز بيانات ضخمة، والسيارات الكهربائية وأنظمة التدفئة والتبريد.
وتشير تقارير وزارة الطاقة إلى أن استخدام الكهرباء في مراكز البيانات تحديداً قد تضاعف ثلاث مرات خلال السنوات العشرة الماضية، ويمكن أن يتنامى أكثر خلال السنوات القليلة المقبلة. وبهذا المعدل، قد تُمثل مراكز البيانات أكثر من 10% من إجمالي الطلب على الكهرباء قبل عام 2030.
إن الزمن كفيل بإخبارنا ما إذا كان إعلان حالة الطوارئ في مجال الطاقة سوف يُستخدم لحل المشاكل الحقيقية في إمدادات الطاقة في البلاد، أو ما إذا كان سوف يُستخدم لتعزيز منتجي النفط والغاز الذين جعلوا من الولايات المتحدة بالفعل قوة عالمية في القطاع.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة

البوابة
منذ 2 ساعات
- البوابة
واشنطن تسعى لرفع العقوبات عن سوريا وتعيين السفير الأمريكي لتركيا مبعوثًا خاصًا
أعلن السفير الأمريكي لدى تركيا، توماس باراك، توليه منصب المبعوث الخاص للولايات المتحدة إلى سوريا. تأتي هذه الخطوة في وقت تسعى فيه إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بشكل جدي إلى رفع العقوبات المفروضة على دمشق، في تحول محتمل في السياسة الأمريكية تجاه سوريا. وفي منشور له عبر منصة "إكس" (تويتر سابقًا)، أكد باراك أنه سيعمل على دعم وزير الخارجية الأمريكي، ماركو روبيو، في تنفيذ قرار رفع العقوبات الأمريكية عن سوريا. ويأتي هذا التأكيد بعد أن أصدر الرئيس دونالد ترامب إعلانًا وصف بأنه "تاريخي" في وقت سابق من هذا الشهر، أشار فيه إلى أن واشنطن ستتجه نحو رفع هذه العقوبات. المبعوث الخاص إلى سوريا وقال السفير باراك في منشوره: "بصفتي ممثلًا للرئيس ترامب في تركيا، أشعر بالفخر لتولي دور المبعوث الخاص إلى سوريا ودعم الوزير روبيو في تحقيق رؤية الرئيس". ويعرف توماس باراك بأنه مسؤول تنفيذي بارز في شركة للاستثمار المباشر، كما أنه يعمل مستشارًا للرئيس ترامب منذ فترة طويلة، وقد سبق له أن ترأس اللجنة الرئاسية الافتتاحية لترامب في عام 2016، ما يعكس قربه من دائرة صنع القرار في البيت الأبيض. وكانت وكالة "رويترز" للأنباء قد ذكرت قبل أيام أن الولايات المتحدة تعتزم تعيين باراك مبعوثًا خاصًا إلى سوريا، وهو ما تم تأكيده الآن. وتأتي هذه التطورات في أعقاب اللقاء الذي جمع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بالرئيس السوري أحمد الشرع في المملكة العربية السعودية في الرابع عشر من شهر مايو الجاري. كما حضر السفير باراك اجتماعًا هامًا نظمته الولايات المتحدة وتركيا في واشنطن يوم الثلاثاء الماضي، تم خلاله بحث الوضع في سوريا بشكل معمق، حيث نوقشت مسألة تخفيف العقوبات وجهود مكافحة الإرهاب. ومن المتوقع أن يؤدي رفع العقوبات الأمريكية عن سوريا إلى تمهيد الطريق أمام مشاركة أوسع للمنظمات الإنسانية العاملة في البلاد، وتسهيل حركة التجارة والاستثمار الأجنبي، في ظل سعي سوريا لإعادة إعمار ما دمرته سنوات الحرب. وفي هذا السياق، كتب السفير باراك في منشوره على منصة "إكس" موضحًا الأهداف من وراء هذا التوجه الجديد: "رفع العقوبات عن سوريا سيحافظ على هدفنا الأساسي المتمثل في هزيمة تنظيم داعش نهائيًا، وسيمنح الشعب السوري فرصة حقيقية لمستقبل أفضل". ويعكس هذا التصريح ربطًا مباشرًا بين تخفيف الضغوط الاقتصادية على دمشق وبين تعزيز جهود مكافحة الإرهاب وتحقيق الاستقرار للشعب السوري.


الاتحاد
منذ 2 ساعات
- الاتحاد
غرامات ضخمة.. لطرد المهاجرين غير الشرعيين
مجموعة من المهاجرين غير الشرعيين بالقرب من قرية ساسابي الحدودية بولاية أريزونا الأميركية. أصبح الحد من الهجرة غير الشرعية إلى الولايات المتحدة الأميركية هدفاً يحظى بتركيز إدارة ترامب، التي وجدت طريقة جديدة للضغط على هذا النوع من المهاجرين كي يغادروا البلاد، فهي تعاقب بعضهم بغرامات تقارب 1000 دولار يومياً عن كل يوم يقيمون فيه داخل الولايات المتحدة بشكل غير قانوني. وتشير «نيويورك تايمز» إلى أنه حتى الآن، فرضت الإدارة الأميركية غرامات بقيمة ملياري دولار على ما يقارب 7000 شخص فشلوا في مغادرة البلاد بعد أن أُمروا بذلك أو قالوا إنهم سيغادرون طوعاً. وأطلق الرئيس دونالد ترامب حملة كبيرة على الهجرة منذ توليه منصبه، مستخدماً تكتيكات متنوعة لمتابعة عمليات القبض على المخالفين وترحيلهم، لكن كانت هناك معوقات تحول من دون تفعيل هذه السياسة، أهمها يكمن في نقص الموارد اللازمة لتنفيذها. كما شجع المسؤولون المهاجرين على مغادرة الولايات المتحدة الأميركية طوعاً من خلال تسهيل رحلات مجانية لهم لبلدانهم الأصلية ومنحهم 1000 دولار. وخلال هذا الأسبوع، تم نقل العشرات من المهاجرين الذين يغادرون البلاد طوعاً إلى كولومبيا وهندوراس. (الصورة من خدمة نيويورك تايمز)


الاتحاد
منذ 3 ساعات
- الاتحاد
أميركا تريد إلغاء القيود على غازات الاحتباس الحراري
أكدت وكالة حماية البيئة الأميركية، اليوم السبت، أنها تعمل على صياغة خطة لإلغاء جميع القيود على الغازات المسببة للاحتباس الحراري من محطات الكهرباء التي تعمل بالفحم والغاز في الولايات المتحدة على أن تنشرها بعد مراجعتها. وقال متحدث باسم الوكالة "عبر كثيرون عن مخاوفهم من أن تغيير الإدارة السابقة لتلك القاعدة يعد تجاوزا ويمثل محاولة لإيقاف توليد الكهرباء بأسعار معقولة وطرق موثوقة في الولايات المتحدة، مما يزيد الأسعار على الأسر الأميركية ويزيد اعتماد البلاد على مصادر الطاقة الأجنبية". وأضاف "في إطار تلك المراجعة، تعمل وكالة حماية البيئة على إعداد قاعدة مقترحة". كانت صحيفة "نيويورك تايمز" أول من أورد تقريرا عن مسودة الخطة وذكرت أن الوكالة في خطتها المقترحة قالت إن ثاني أكسيد الكربون والغازات الدفيئة الأخرى الناتجة عن محطات الكهرباء التي تحرق الوقود الأحفوري "لا تسهم بشكل كبير في التلوث الخطير" أو في تغير المناخ لأنها تمثل حصة صغيرة ومتناقصة من الانبعاثات عالميا. وأضاف التقرير أن الوكالة رأت أن الحد من هذه الانبعاثات لن يكون له تأثير كبير على الصحة العامة والرفاه الاجتماعي. وضمن جهودها لدعم عمليات النفط والغاز والتعدين، تسعى الحكومة الأميركية في عهد الرئيس دونالد ترامب للإسراع في إلغاء جميع أوجه الإنفاق الاتحادي المتعلق بجهود مكافحة تغير المناخ. ووعد ترامب في ولايته الأولى بإلغاء القواعد التي تركز على الحد من تلوث الكربون المنبعث من محطات الطاقة.