logo
الاقتصاد الكلي في 2025

الاقتصاد الكلي في 2025

السوسنة٢٧-٠٧-٢٠٢٥
عام 2025 لا يحمل علامات انفجار اقتصادي ولا انهيار شامل، بل يعكس لحظة عالمية دقيقة تقف فيها الاقتصادات الكبرى والنامية على حافة القرار. التحدي الحقيقي لم يعد محصورًا في معدلات النمو المسجلة، بل في قدرة النظم الاقتصادية على إدارة تحولات معقدة تشمل صدمات التضخم، ارتفاع الدين، التحولات البيئية، وتغيّر أنماط العولمة. هو عام اختبار لقدرة الأنظمة على إعادة تشكيل نفسها، لا على التمسك بالاستمرارية.ورغم تقديرات صندوق النقد الدولي بأن معدل النمو العالمي سيبلغ نحو 3.3%، إلا أن هذا الرقم يخفي تفاوتًا صارخًا بين الاقتصادات. فبينما تتجاوز الهند نموًا نسبته 6.5% مدفوعة بالطلب المحلي والاستثمارات التكنولوجية، تكافح اقتصادات رئيسية في منطقة اليورو لتجاوز عتبة 1% في ظل انكماش قطاعي التصنيع والعقارات. وحتى داخل القارات، تُسجّل دول مثل نيجيريا والمكسيك معدلات نمو مختلفة رغم تعرضها لظروف خارجية متشابهة، مما يعكس تأثير البنية المؤسسية والسياسات الداخلية على الأداء الاقتصادي.التضخم لا يزال حاضرًا بقوة، ليس فقط بفعل أسعار الطاقة والغذاء، بل أيضًا بسبب تكرار اضطرابات سلاسل التوريد، والتغيرات المناخية المتسارعة التي أثرت على إنتاج الحبوب في مناطق مثل شرق أفريقيا وجنوب آسيا. فوفقًا لبيانات منظمة الأغذية والزراعة (FAO)، شهد إنتاج القمح تراجعًا بنسبة 3.8% عالميًا بسبب موجات الحر والجفاف المتكرر. في الولايات المتحدة بلغ معدل التضخم السنوي في مايو 2025 حوالي 2.7%، أما في الأرجنتين فلامس 7.4%، وسط ضعف المؤسسات النقدية والثقة في العملة.البنوك المركزية، وفي مقدمتها الاحتياطي الفيدرالي والبنك المركزي الأوروبي، باتت أمام معضلة: الاستمرار في تشديد السياسات النقدية لكبح الأسعار، أو التخفيف منها لإنعاش الطلب. بعض الاقتصادات بدأت مسار التيسير التدريجي، لكن أسعار الفائدة المرتفعة لا تزال تعيق قدرة الدول النامية على جذب الاستثمارات. مثلًا، في كينيا، قفزت تكلفة الاقتراض الحكومي إلى أكثر من 13% نتيجة ارتفاع العوائد على السندات السيادية، مما حدّ من قدرة الحكومة على تمويل مشاريع البنية التحتية.في هذا السياق، تشكّل إعادة هيكلة الدعم والإنفاق أحد الحلول الهيكلية الأكثر إلحاحًا. الدول التي تعتمد على دعم استهلاكي شامل تجد نفسها في مأزق مالي، خصوصًا عند ارتفاع أسعار الطاقة. المغرب، على سبيل المثال، ألغى تدريجيًا دعم الوقود منذ عام 2015، وبدأ بتحويل الوفورات إلى برامج حماية اجتماعية أكثر استهدافًا. في المقابل، لا تزال دول أخرى تُنفق نسبة تفوق 6% من الناتج المحلي الإجمالي على دعم غير موجه، مما يزيد الهدر المالي.أزمة الدين بدورها بلغت مستويات مقلقة. فبحسب معهد التمويل الدولي (IIF)، تجاوز الدين العالمي 307 تريليون دولار، ما يعادل 336% من الناتج المحلي العالمي. بعض الدول مثل مصر وغانا وإثيوبيا تواجه خطر العجز عن السداد، بينما لجأت سريلانكا إلى إعادة هيكلة ديونها بعد انهيار مالي شامل. الحلول لا تكمن فقط في تقليص الاقتراض، بل في تحسين نوعيته: ربط التمويل بمشاريع إنتاجية، إصدار أدوات مثل الصكوك والسندات الخضراء، وتحسين الحوكمة المالية لزيادة الكفاءة والشفافية.في المقابل، الاقتصاد الأخضر لم يعد خيار رفاهية بل ضرورة هيكلية. أكثر من 2.2 تريليون دولار يُتوقع استثمارها عالميًا في مشاريع الطاقة المتجددة عام 2025، خصوصًا في مجالات الهيدروجين الأخضر وتخزين الطاقة. تشيلي تقود قفزة نوعية في هذا القطاع، وتخطط لتصبح أول مصدر للهيدروجين الأخضر في أميركا اللاتينية. الأردن والمغرب ومصر كذلك تسير في مسار توسعة مشاريع الطاقة الشمسية وطاقة الرياح، مع توجه لتعزيز الربط الكهربائي الإقليمي.التحول الرقمي أيضًا يعد أداة رئيسية لتعزيز الشفافية والكفاءة الاقتصادية. تجربة إستونيا في رقمنة الخدمات الحكومية أصبحت نموذجًا عالميًا، حيث يتم إصدار أكثر من 99% من الوثائق والمعاملات إلكترونيًا. رواندا أطلقت مبادرة "Irembo" التي تتيح أكثر من 100 خدمة حكومية إلكترونية، وتهدف لرقمنة كافة المعاملات بحلول 2026. في مثل هذه الحالات، يقل الفساد، وتزداد الكفاءة، ويُفتح المجال أمام القطاع الخاص للابتكار.في الجانب التجاري، لم تعد العولمة التقليدية محفزًا تلقائيًا للنمو. توقعات منظمة التجارة العالمية تشير إلى نمو محدود في التجارة الدولية لا يتجاوز 2.4% هذا العام، وسط تصاعد الحمائية وتراجع كفاءة سلاسل الإمداد. لذلك، تسعى بعض الدول إلى تعزيز التكامل الإقليمي، كما تفعل دول غرب أفريقيا من خلال تفعيل اتفاقية التجارة الحرة القارية (AfCFTA)، أو ما تحاوله دول أمريكا اللاتينية ضمن تكتل "التحالف من أجل أمريكا اللاتينية".ولكنّ التحدي الأعمق لا يقتصر على الاقتصاد، بل يمتد إلى الثقة المؤسسية. تآكل الثقة بين المواطن والدولة في عدد من الدول يقوض حتى أفضل السياسات. نسبة الشباب الذين يعتقدون أن حكوماتهم "تعمل لصالحهم" لا تتجاوز 34% في استطلاع أجرته مؤسسة "إيدلمان" في 20 دولة. وهذا الانفصال يؤدي إلى نوع من الركود المعنوي، يعادل في خطورته الركود الاقتصادي.من هنا، تظهر الحاجة إلى عقد اجتماعي جديد يعيد تعريف العلاقة بين المواطن والدولة. يتطلب هذا إصلاحات ضريبية عادلة (مثلاً: تحويل العبء الضريبي من الدخل إلى الأرباح غير المنتجة)، وتوجيه الدعم نحو الإنتاج، وضخ استثمارات طويلة الأجل في التعليم والتدريب، كما فعلت سنغافورة التي تخصص أكثر من 4% من ناتجها للتعليم التقني.عام 2025 ليس لحظة انهيار، بل نقطة انعطاف. من يقرأ التحولات جيدًا، ويعيد هندسة اقتصاده بشكل شمولي، سيكون في موقع أفضل لعبور السنوات المقبلة. في هذا العصر، الذكاء المؤسسي، لا الحجم، هو من يصنع الفارق. والنجاح لن يكون لمن يملك الموارد فقط، بل لمن يحسن إدارتها ويُشرك شعبه في صياغة مستقبله.
Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

بعد إلغاء راتبه السابق.. تيسلا تقدم عرضًا خياليًا لإيلون ماسك!
بعد إلغاء راتبه السابق.. تيسلا تقدم عرضًا خياليًا لإيلون ماسك!

خبرني

timeمنذ ساعة واحدة

  • خبرني

بعد إلغاء راتبه السابق.. تيسلا تقدم عرضًا خياليًا لإيلون ماسك!

خبرني - أعلنت شركة تيسلا عن حزمة رواتب جديدة للرئيس التنفيذي إيلون ماسك، تصل قيمتها إلى 29 مليار دولار، تشمل 96 مليون سهم مقيد، تهدف إلى الاحتفاظ به وتحفيزه في ظل اشتداد المنافسة على المواهب في قطاع الذكاء الاصطناعي. وتأتي هذه الخطوة بعد أن ألغى قاضٍ في ولاية ديلاوير حزمة الرواتب السابقة التي تعود لعام 2018، مما دفع الشركة إلى إعادة النظر في خططها بشأن تعويض ماسك. وتشترط الحزمة الجديدة بقاء ماسك في منصب قيادي لمدة عامين على الأقل، كما من المتوقع أن تعزز من قوته التصويتية داخل الشركة.

بوتين وبن زايد يبحثان تعزيز التعاون الثنائي
بوتين وبن زايد يبحثان تعزيز التعاون الثنائي

السوسنة

timeمنذ 2 ساعات

  • السوسنة

بوتين وبن زايد يبحثان تعزيز التعاون الثنائي

السوسنة - استقبل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، يوم الخميس، نظيره الإماراتي الشيخ محمد بن زايد آل نهيان في الكرملين بموسكو، في إطار زيارة رسمية تهدف إلى بحث سبل تعزيز العلاقات الثنائية بين البلدين.وخلال اللقاء، أعرب بوتين عن سعادته بلقاء الرئيس الإماراتي مجددًا، مشيدًا بعلاقات الصداقة والتعاون المتنامية بين روسيا والإمارات، لا سيما في المجالات الإنسانية والتعليمية والثقافية، بالإضافة إلى التنسيق المشترك على المستوى الدولي، بما في ذلك الأمن الدولي ومنصات الأمم المتحدة.من جانبه، عبّر الشيخ محمد بن زايد عن سروره بزيارة روسيا، مشيدًا بتاريخها العريق، ومشيرًا إلى أن حجم التبادل التجاري بين الإمارات والدول الأوراسية بلغ نحو 30 مليار دولار، معربًا عن تطلعه إلى مضاعفة هذا الرقم خلال السنوات الخمس المقبلة سواء مع روسيا أو الاتحاد الأوراسي، مؤكدًا حرص بلاده على توسيع الجسور والعلاقات الاستراتيجية مع موسكو. إقرأ أيضًا:

اتفاقية إسرائيلية مصرية لتصدير الغاز بقيمة 35 مليار
اتفاقية إسرائيلية مصرية لتصدير الغاز بقيمة 35 مليار

السوسنة

timeمنذ 3 ساعات

  • السوسنة

اتفاقية إسرائيلية مصرية لتصدير الغاز بقيمة 35 مليار

السوسنة - أعلن يوم الخميس عن توقيع حقل ليفياثان الإسرائيلي للغاز الطبيعي على أكبر اتفاقية تصدير في تاريخ إسرائيل، تقضي بتزويد مصر بما يصل إلى 130 مليار متر مكعب من الغاز الطبيعي حتى عام 2040، أو حتى استيفاء كامل الكميات المتفق عليها، بقيمة إجمالية تصل إلى 35 مليار دولار. وتشارك في تشغيل الحقل شركة "نيوميد" التي كشفت عن تفاصيل الاتفاق، مشيرة إلى أن الحقل الواقع قبالة السواحل الإسرائيلية في البحر الأبيض المتوسط يحتوي على احتياطيات تقدر بنحو 600 مليار متر مكعب من الغاز.وتأتي هذه الاتفاقية في ظل عودة تدريجية لتدفق الغاز من حقلي "ليفياثان" و"كاريش" إلى مصر، بعد توقف مؤقت إثر التصعيد الأخير بين إسرائيل وإيران، حيث بلغ معدل التدفق نحو مليار قدم مكعب يوميًا. وتقوم مصر باستخدام جزء من هذه الكميات لتلبية احتياجاتها المحلية، فيما يُعاد تصدير الجزء الآخر، مما يدر عليها أرباحًا كبيرة.وتُظهر الاتفاقية مدى اعتماد مصر المتزايد على واردات الغاز من إسرائيل بعد تراجع إنتاجها المحلي، رغم امتلاكها بنية تحتية متقدمة لإعادة تصدير الغاز. في المقابل، تستمر إسرائيل في توسيع قدراتها الإنتاجية عبر حقول الغاز البحرية، ومن المتوقع أن تُخصَّص كميات إضافية من الإنتاج المستقبلي من حقل ليفياثان لتلبية احتياجات السوقين المصري والأردني.وفي سياق متصل، شهد الإعلام العبري دعوات لوقف تصدير الغاز إلى مصر، إلا أن الاتفاقية الجديدة تؤكد استمرار التعاون بين الجانبين في قطاع الطاقة على المدى الطويل. إقرأ أيضًا:

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

هل أنت مستعد للنغماس في عالم من الحتوى العالي حمل تطبيق دايلي8 اليوم من متجر ذو النكهة الحلية؟ ّ التطبيقات الفضل لديك وابدأ الستكشاف.
app-storeplay-store