logo
غزو ثقافي؟

غزو ثقافي؟

صحيفة الخليجمنذ 6 أيام
الغزو الثقافي، عبارة أو مصطلح كان يُطلق على خطة متخيّلة لمنظومة فكرية تقودها دول، غالباً ما افتُرض أنها غربية (وليست شرقية). تقوم هذه الخطة على ضخٍّ متعمّد لمحتوى معلوماتي ثقافي تعليمي بلغة غير عربية، قد تكون إنجليزية أو فرنسية، يتضمن هذا المحتوى أفكاراً وفلسفات وعادات وتقاليد وسلوكيات وأزياء وأطباق طعام وقيماً. يُقصد بها زعزعة الهوية الأصلية (العربية)، تمهيداً لاحتلال غير مادي، بحيث تصبح البلاد العربية (المستهدفة) تابعة للمنظومة الغربية، في الشكل والمضمون، في الهيئة والمحتوى.
وكان يُطلق على هذا الغزو (الاستعمار الجديد)، وذلك بعد أن (فشل) الاستعمار التقليدي في تطويع تلك البلاد بالقوة، فآثروا اللجوء إلى ما يُسمى اليوم بالقوة الناعمة. وقد ازدهر هذا المصطلح (الغزو الثقافي) في حقب انتشرت فيها أحزاب قومية وشيوعية واشتراكية. وفي تلك الحقبة، كان الصراع على أشده بين الرأسمالية الغربية والاشتراكية الشرقية، بل وكانت تسود حرب باردة بين الغرب والشرق، أي بين الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا وكندا وأستراليا من جهة، وبين الاتحاد السوفييتي والصين والدول التي تدور في فلك الشيوعية والاشتراكية وتؤمن بها وتطبقها من جهة أخرى.
وبرزت الهوية كعنصر مهم جداً للدفاع عنه، الهوية بما فيها اللغة العربية والثقافية القومية، ولم يدر الحديث وقتها عن الدين، لأن الحلف الاشتراكي الشيوعي لم يكن يركّز على الدين، وكانت الأحزاب العربية الاشتراكية والقومية والشيوعية تدور في فلك المعسكر الشرقي، حتى إن بعضهم يقول إن مصطلح (الغزو الثقافي) هو صناعة المعسكر الشرقي، لأنه كان يستخدمها أيضاً ضمن أدوات تحصين المجتمعات الاشتراكية الشيوعية ضد الثقافة الغربية، فانتقل المصطلح تلقائياً من المعسكر الشرقي إلى (المعسكر العربي).
وبدأ المصطلح (الغزو الثقافي) بالتراجع بعد تراجع الحس القومي العربي، وضعف الأحزاب الاشتراكية والشيوعية العربية، وذلك بعد انهيار الاتحاد السوفييتي وتفكيكه إلى دول، بعضها الآن ضمن الاتحاد الأوروبي، وبعضها ينتظر الانضمام، ودول قليلة لا تزال تحتفظ باشتراكيتها وشيوعيتها، وعلى رأسها جمهورية الصين الشعبية وكوريا الشمالية وفيتنام وكوبا.
وأخذ المصطلح يتراجع أكثر بعد الحروب العربية الإسرائيلية وإبرام اتفاقيات سلام مع عدد من الدول العربية، بدأت مع مصر ثم الأردن ثم شملت دولاً أخرى، ولم يعد يُستخدم المصطلح حتى بعد ازدهار التنظيمات الإسلامية بأشكالها كافة، والحروب التي خاضتها مع الأنظمة التي نعتتها بالدكتاتورية والسلطوية، وانتصارها بعض الوقت.
ومع ظهور الشبكة العالمية للمعلومات (الإنترنت)، نتيجة ثورة المعلومات والاتصال والفتوحات التقنية، وانتشار الفضائيات والهواتف المتحركة، ومع انفتاح المجتمعات وظهور مصطلحات مثل العولمة والنظام العالمي الجديد، والقرية الصغيرة، والتبادل المعرفي، والتفاعل المجتمعي واحترام ثقافة الآخر وغيرها من العبارات التي صهرت الشعوب والدول عن طريق وسائل الاتصال الحديثة، وظهور وسائل التواصل الاجتماعي، لم يعد لمصطلح الغزو الثقافي أي أهمية، ولم يعد (البعبع) الذي تخاف منه الناس.
فما كان (الأقدمون) يحذّرون منه أصبح مطلباً علمياً وتعليمياً ومنهجياً، خاصة في ما يخص اللغة الأجنبية، ولا سيّما اللغة الإنجليزية. فجميعنا نتسابق، ومنذ سنوات طويلة، على إلحاق أبنائنا بالمدارس التي تستخدم الإنجليزية لغة للتدريس، وجميعنا نعلم ما تحمله اللغة من ثقافة وفنون وعادات وتقاليد وسلوكيات وقيم وفلسفات وأفكار وآداب وطرق تفكير وأساليب تعبير، بل إن نسبة من الطلبة لا يتحدثون إلا باللغة الإنجليزية، ويتفاخرون بذلك، وتبعاً لهذا، فإنهم لا يقرؤون سوى كتب باللغة الإنجليزية، ويشاهدون أفلاماً ناطقة باللغة الإنجليزية، وكان من الطبيعي أن تكون الألعاب ناطقة باللغة الإنجليزية حتى أصبح لدينا جيل من ال(bad boys)، حين تجلس إليهم يشعرونك وكأنهم من كوكب آخر.
فهل أصبح مصطلح الغزو الثقافي إيجابياً، بمعنى أن كل ما كان يُنهى عنه أصبح مجازاً ومقبولاً حد الفرح. أم أن علينا اختراع مصطلح جديد للحديث عن الهوية والشخصية الوطنية، مصطلح لا يلغي الانفتاح ولا التفاعل بين الشعوب ولا التبادل المعرفي، ولا إجادة اللغات الأجنبية، وفي الوقت نفسه، يعمل على الحفاظ على الهوية والشخصية الوطنية، بطريقة حضارية تنسجم والتوجهات المعرفية العالمية.
لقد اختلطت الأجناس البشرية اليوم حتى كادت تصبح شعباً واحداً، تتحدث لغة واحدة، وتستخدم تقنيات واحدة، وتجتمع في منصات إعلامية واجتماعية واحدة (سوشيال ميديا)، ونقترب من مصطلح الغابة، ولكن بشكله الإيجابي (البقاء للأقوى)، الأقوى علمياً ومعرفياً وتكنولوجياً وتقنياً واقتصادياً. ويجب أن نضيف إليه الأقوى أخلاقياً وقيمياً، فأي حضارة تخسر هذه العناصر القوية محكوم عليها بالفشل ثم الانهيار، والإمبراطوريات التي انهارت، بما فيها الإمبراطورية الإسلامية، كان انهيارها بسبب تراجع الأخلاقيات، وأبرز مثال على ذلك في تاريخنا، الحضارة الأندلسية، إضافة إلى الإمبراطوريات الأخرى، التي انهارت من داخلها، وحضارة العالم الجديدة المستندة إلى التكنولوجيا والتقنيات الحديثة والذكاء الاصطناعي، ستنهار إذا لم ترتكز على دعائم وقيم إنسانية عالية. طبعاً، البعض له رأي آخر.. لكنه قليل..
لا أحد يغزو أحداً ثقافياً، بل الإنسان نفسه يمهّد لهذا الغزو، ويتماهى معه ويتساهل، حتى يصل إلى طريق مسدود، فيفقد هويته، التي كان يعتقد أنها ثابتة لا تتزحزح.
Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

إسرائيل تقتل العشرات في غزة
إسرائيل تقتل العشرات في غزة

صحيفة الخليج

timeمنذ ساعة واحدة

  • صحيفة الخليج

إسرائيل تقتل العشرات في غزة

غزة-أ ف ب أعلن جهاز الدفاع المدني في غزة مقتل 31 فلسطينياً في غارات جوية إسرائيلية الأحد في مناطق مختلفة من القطاع، بينهم 20 في مخيم النصيرات في وقت تتعثر فيه مفاوضات وقف إطلاق النار بين إسرائيل وحماس. وتتبادل إسرائيل والحركة الفلسطينية الاتهامات بتعطيل المفاوضات غير المباشرة التي انطلقت الأسبوع الماضي في الدوحة بوساطة كل من قطر ومصر والولايات المتحدة لإنهاء الحرب المدمرة والمستمرة منذ أكثر من 21 شهراً. والسبت، حذرت سبع وكالات تابعة للأمم المتحدة في إعلان مشترك من نقص الوقود في غزة، والذي بلغ «مستويات حرجة»، وأصبح «عبئاً جديداً لا يمكن أن يتحمله سكان على حافة المجاعة». وقال المتحدث باسم الدفاع المدني محمود بصل لفرانس برس الأحد إن طواقم الدفاع المدني ومسعفين نقلوا «31 قتيلاً على الأقل وعشرات المصابين إثر الغارات الجوية الإسرائيلية العنيفة على قطاع غزة». وأوضح بصل أنه تم نقل «8 قتلى وعدد من الجرحى بينهم عدد من الأطفال اثر غارة جوية إسرائيلية صباح اليوم استهدفت نقطة لتوزيع مياه الشرب في منطقة للنازحين في غرب مخيم النصيرات»، مشيراً إلى أنهم نقلوا إلى مستشفى العودة في المخيم. وأشار في بيان لاحق إلى ارتفاع عدد القتلى إلى عشرة. وقتل عشرة فلسطينيين آخرون بينهم عدد من الأطفال، وأصيب أكثر من عشرين شخصاً، جراء غارة نفذتها طائرة حربية إسرائيلية فجراً على منطقة السوارحة في غرب مخيم النصيرات وسط القطاع، وفق بصل. وأكد بصل أيضاً سقوط «5 قتلى وعدد من الإصابات من بينهم أطفال ونساء جراء غارة جوية إسرائيلية استهدفت منزلاً في وسط مخيم الشاطئ» غرب مدينة غزة. وفي تل الهوى في جنوب غرب المدينة، نقل مسعفو الهلال الأحمر الفلسطيني قتيلين وعدداً من المصابين إثر غارة جوية إسرائيلية استهدفت شقة في بناية سكنية. كما أشار إلى سقوط «قتيلة طفلة وعدة إصابات جراء غارة للجيش استهدفت منزلاً قرب مسجد المجمع الإسلامي في حي الصبرة» جنوب غرب المدينة. وفي منطقة المواصي غرب خان يونس في جنوب القطاع، قتل ثلاثة أشخاص في غارة جوية استهدفت خيمة للنازحين.

إصابة بزشكيان في محاولة اغتيال خلال هجوم إسرائيل على طهران
إصابة بزشكيان في محاولة اغتيال خلال هجوم إسرائيل على طهران

صحيفة الخليج

timeمنذ 5 ساعات

  • صحيفة الخليج

إصابة بزشكيان في محاولة اغتيال خلال هجوم إسرائيل على طهران

كشفت وكالة فارس الإيرانية، تفاصيل تتعلق بإصابة الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان بجروح، في الهجوم الإسرائيلي الذي استهدف المجلس الأعلى للأمن القومي الشهر الماضي. وقالت الوكالة، إن الرئيس بزشكيان أصيب بجروح طفيفة في ساقه، وذلك في الهجوم الإسرائيلي الذي استهدف اجتماعاً للمجلس الأعلى للأمن القومي، يوم 16 يونيو. ووفق الوكالة فإن الهجوم الإسرائيلي الذي طال اجتماعاً للمجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني، كان يحضره رؤساء السلطات الثلاث وكبار المسؤولين في البلاد. وأضافت الوكالة أن المسؤولين الإيرانيين تمكنوا من الخروج من المبنى الذي كان يحتضن الاجتماع، علماً أنهم كانوا في الطوابق السفلية، باستخدام فتحة طوارئ معدّة مسبقاً لمثل هذا الغرض، بعد أن أصيب بعضهم. وأشارت الوكالة إلى أنه بالنظر إلى دقة المعلومات التي حصلت عليها إسرائيل بشأن الاجتماع المستهدف، فإن السلطات الإيرانية تجري تحقيقاً في احتمال وجود «متسلل». وذكرت الوكالة أن هذا الهجوم صمم ليكون مشابهاً لعملية اغتيال الأمين العام السابق لحزب الله، حسن نصر الله. وفي الهجوم، تم إطلاق 6 قنابل أو صواريخ، استهدفت مداخل ومخارج المبنى الذي كان الاجتماع جارياً فيه، لإغلاق منافذ الهروب وقطع تدفق الهواء. وبعد الانفجارات، انقطع التيار الكهربائي، لكن المسؤولين تمكنوا من الخروج من المبنى باستخدام فتحة طوارئ. واتهم بزشكيان إسرائيل بمحاولة اغتياله بدون أن يحدد متى، في مقابلة أجراها معه الإعلامي الأمريكي تاكر كارلسون الأسبوع الماضي. ووقتها قال بزشكيان: «حاولوا، نعم. تحركوا على هذا النحو، لكنهم فشلوا». وأضاف: «لم تكن الولايات المتحدة من يقف خلف محاولة قتلي. كانت إسرائيل. كنت في اجتماع حاولوا قصف المنطقة التي كنا نعقد الاجتماع فيها». وتابع: «أنا لا أخاف من التضحية بنفسي دفاعاً عن بلدي وحماية سيادة بلدي. أنا مستعد للتضحية بحياتي من أجل بلدي. ولكن هل سيجلب ذلك الأمن إلى المنطقة؟».

إصابة بزشكيان في محاولة اغتيال خلال هجوم إسرائيل على طهران
إصابة بزشكيان في محاولة اغتيال خلال هجوم إسرائيل على طهران

سكاي نيوز عربية

timeمنذ 9 ساعات

  • سكاي نيوز عربية

إصابة بزشكيان في محاولة اغتيال خلال هجوم إسرائيل على طهران

وقالت الوكالة، إن الرئيس بزشكيان أصيب بجروح طفيفة في ساقه، وذلك في الهجوم الإسرائيلي الذي استهدف اجتماعا للمجلس الأعلى للأمن القومي، يوم 16 يونيو. ووفق الوكالة فإن الهجوم الإسرائيلي الذي طال اجتماعا للمجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني، كان يحضره رؤساء السلطات الثلاث وكبار المسؤولين في البلاد. وأضافت الوكالة أن المسؤولين الإيرانيين تمكنوا من الخروج من المبنى الذي كان يحتضن الاجتماع، علما أنهم كانوا في الطوابق السفلية، باستخدام فتحة طوارئ معدّة مسبقا لمثل هذا الغرض، بعد أن أصيب بعضهم. وأشارت الوكالة إلى أنه بالنظر إلى دقة المعلومات التي حصلت عليها إسرائيل بشأن الاجتماع المستهدف، فإن السلطات الإيرانية تجري تحقيقا في احتمال وجود "متسلل". وذكرت الوكالة أن هذا الهجوم صمم ليكون مشابها لعملية اغتيال الأمين العام السابق لحزب الله ، حسن نصر الله. وفي الهجوم، تم إطلاق 6 قنابل أو صواريخ، استهدفت مداخل ومخارج المبنى الذي كان الاجتماع جاريا فيه، لإغلاق منافذ الهروب وقطع تدفق الهواء. وبعد الانفجارات، انقطع التيار الكهربائي، لكن المسؤولين تمكنوا من الخروج من المبنى باستخدام فتحة طوارئ. واتهم بزشكيان إسرائيل بمحاولة اغتياله بدون أن يحدد متى، في مقابلة أجراها معه الإعلامي الأميركي تاكر كارلسون الأسبوع الماضي. ووقتها قال بزشكيان: "حاولوا، نعم. تحركوا على هذا النحو، لكنهم فشلوا". وأضاف: "لم تكن الولايات المتحدة من يقف خلف محاولة قتلي. كانت إسرائيل. كنت في اجتماع حاولوا قصف المنطقة التي كنا نعقد الاجتماع فيها".

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

هل أنت مستعد للنغماس في عالم من الحتوى العالي حمل تطبيق دايلي8 اليوم من متجر ذو النكهة الحلية؟ ّ التطبيقات الفضل لديك وابدأ الستكشاف.
app-storeplay-store