logo
"المدينة الإنسانية" في غزة: ما الهدف من إنشائها؟

"المدينة الإنسانية" في غزة: ما الهدف من إنشائها؟

الجزيرة١٨-٠٧-٢٠٢٥
في ظل تصاعد الضغوط لإدخال المزيد من المساعدات إلى غزة، يستفيق الفلسطينيون في القطاع على كابوس جديد يحمل اسمًا مضللًا "المدينة الإنسانية".
فمنذ إعلان كاتس عن خطته، اتضحت طبيعتها والهدف "الإسرائيلي" منها، إذ إن من يدخل إلى هذه المدينة لن يخرج منها إلى القطاع، إنما إلى خارج حدوده، وهو ما يعني ترحيلًا مباشرًا وخنقًا لما تبقى من الوجود الفلسطيني في قطاع غزة، ضمن إستراتيجية ممنهجة تستهدف التصفية الصامتة.
في هذا السياق، كشف موقع "كاونتر بانش" عن تقرير صادم يسلط الضوء على خطة "إسرائيلية" وُصفت بأنها "الأكثر وقاحة" في مسار الإبادة الجماعية الحديثة، وتقضي بإنشاء ما يسمى "مدينة إنسانية" جنوب قطاع غزة، ولكن خلف هذا الاسم الخادع، تكمن نوايا مرعبة بترحيل مئات الآلاف من الفلسطينيين قسرًا إلى معسكر اعتقال مقنع، لا يهدف إلى النجاة، بل إلى التمهيد لتطهير عرقي شامل.
ونقل التقرير، استنادًا إلى صحيفة "هآرتس"، أن وزير حرب كيان الاحتلال، كاتس، يقترح تهجير نحو 600 ألف فلسطيني إلى منطقة محاطة بالأسوار تُقام على أنقاض مدينة رفح جنوب قطاع غزة، وتُصنف هذه المدينة بأنها "إنسانية".
لكن الخطة تتضمن فرزًا لسكان غزة، وفصل مَن يُشتبه بانتمائهم لحركة المقاومةالإسلامية "حماس"، تمهيدًا لترحيل المدنيين قسرًا إلى خارج القطاع، والاستيلاء على المناطق، ونزع السلاح من قطاع غزة، وتنفيذ خطة التهجتر التي سبق أن عرضها دونالد ترمب.
ووفقًا لكاتس أيضًا، يقود نتنياهو محاولات للبحث عن دول تستوعب الغزيين، ومع ذلك، كشف مصدر "إسرائيلي" أن تداعيات الخطة السياسية والقضائية والاقتصادية تجعل تنفيذها صعبًا، وذلك في رأي أكثر من مسؤول مطلع عليها.
وأوضح المصدر نفسه أن متخذي قرار هذه الخطة أدركوا أن صعوبتها الرئيسية تكمن في عدم استعداد أي دولة من الدول التي توجهت إليها "إسرائيل" لاستيعاب سكان من غزة.
ويحذر "كاونتر بانش" من أن الهدف ليس إعادة توطين السكان، بل محو وجودهم تمامًا من الجغرافيا الفلسطينية، وهو ما يمثل امتدادًا مباشرًا لفكر صهيوني لطالما حلم بالسيطرة الكاملة على غزة دون فلسطينيين، أما من يُحشرون في تلك "المدينة"، فلن يُسمح لهم بمغادرتها ولا بالعودة إلى منازلهم المدمرة، وسيظلون محاصرين في منطقة عسكرية مغلقة تحت التهديد المستمر، إلى حين ترتيب خروجهم النهائي.
وتشير الخطة إلى انتهاك صارخ للقانون الدولي، فالترحيل القسري لسكان أرض محتلة يُعد جريمة حرب وتطهيرًا عرقيًا وفقًا لمواثيق الأمم المتحدة، ومع ذلك، يبدو أن كاتس، مدفوعًا بهوس "الحل النهائي"، لا ينوي التراجع، بل أعلن عن بدء البناء خلال فترة وقف إطلاق النار المتوقعة، في إشارة إلى تسريع محموم لفرض واقع جديد قبل أي تسوية محتملة.
في العالم العربي، الوضع أشدّ مأساوية، فالأنظمة تمضي قُدمًا نحو التطبيع وعقد الصفقات، بينما يُترك الفلسطينيون فريسة للجوع والموت والتهجير. ويتساءل موقع "كاونتر بانش": أين الخطوط الحمراء التي لطالما لوّحت بها العواصم الرسمية؟
يوجه التقرير اتهامًا مباشرًا إلى المجتمع الدولي، الذي لم يكتفِ بالصمت بل شارك بفاعلية في المذبحة الجارية منذ 20 شهرًا، من خلال الدعم العسكري والغطاء الدبلوماسي. فقد سقط أكثر من 55 ألف شهيد فلسطيني، غالبيتهم من النساء والأطفال، تحت نيران القصف "الإسرائيلي" الذي استهدف المستشفيات والمخابز والمساجد والمدارس ومخيمات اللاجئين.
لم يكتفِ الاحتلال بالتدمير، بل استخدم التجويع كسلاح، فمنع وصول المساعدات، وهاجم القوافل الإغاثية، وأنشأ نقاط توزيع للمساعدات سرعان ما تحولت إلى كمائن مميتة، واستكمالًا لهذه الصورة القاتمة، أُنشئت "مؤسسة غزة الإنسانية" بدعم أميركي، تهدف إلى تحويل الإغاثة إلى أداة للضغط والسيطرة، بعيدًا عن إشراف الأمم المتحدة والمنظمات المستقلة، ويتساءل التقرير بمرارة: كيف لحكومة قامت على أنقاض المحرقة أن تنشئ اليوم معسكر اعتقال جماعي؟
وكيف تستمر واشنطن في تزويدها بالسلاح، ومنع المساءلة في الأمم المتحدة، ومعاقبة كل من يجرؤ على قول الحقيقة، مثل المقررة الأممية فرانشيسكا ألبانيزي؟
أما في العالم العربي، فالوضع أشدّ مأساوية، فالأنظمة تمضي قُدمًا نحو التطبيع وعقد الصفقات، بينما يُترك الفلسطينيون فريسة للجوع والموت والتهجير. ويتساءل موقع "كاونتر بانش": أين الغضب العربي؟
وأين الخطوط الحمراء التي لطالما لوّحت بها العواصم الرسمية؟
إذا لم تنهض الأمة العربية والإسلامية والعالم الآن، فلن يكونوا مجرد متفرجين على الإبادة، بل شركاء فيها، فلا وقت للتردد، ولا مكان للحياد
على الرغم من الصورة القاتمة، يضيء التقرير بارقة أمل تتمثل في الاجتماع طارئ الذي عقدته "مجموعة لاهاي" يومي 15 و16 يوليو/ تموز في كولومبيا. وهدف هذا الاجتماع إلى دعم دعوى جنوب أفريقيا ضد إسرائيل أمام محكمة العدل الدولية بتهمة ارتكاب جريمة إبادة جماعية.
ويدعو الموقع جميع الدول التي تدّعي التزامها بالعدالة إلى الانضمام الفوري لهذه الدعوى، وممارسة ضغط حقيقي لوقف مخطط الاحتلال الكارثي.
كما يطالب الموقع أعضاء الكونغرس الأميركي بإعلان موقف واضح وفوري، والكف عن الخطابات المزدوجة وتمويل القنابل التي تهدم المدارس على رؤوس الأطفال والنساء، والتوقف عن الصمت إزاء ارتكاب أبشع المجازر على مرأى ومسمع من العالم.
فإذا لم تنهض الأمة العربية والإسلامية والعالم الآن، فلن يكونوا مجرد متفرجين على الإبادة، بل شركاء فيها، فلا وقت للتردد، ولا مكان للحياد.
Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

"هددوا سلامة الركاب أم غنوا بالعبرية؟".. حملة على طيار بعد طرده أطفالا يهودا
"هددوا سلامة الركاب أم غنوا بالعبرية؟".. حملة على طيار بعد طرده أطفالا يهودا

الجزيرة

timeمنذ 3 ساعات

  • الجزيرة

"هددوا سلامة الركاب أم غنوا بالعبرية؟".. حملة على طيار بعد طرده أطفالا يهودا

في مشهد أثار تفاعلات واسعة على منصات التواصل الاجتماعي، أظهر مقطع مصور إنزال مجموعة من الأطفال اليهود من طائرة تابعة لشركة "ڤويلينغ" الإسبانية، كانت تستعد للإقلاع من مطار مدينة فالنسيا، يوم الأربعاء 24 يوليو/تموز 2025. الفيديو الذي وثّق لحظة توقيف مديرة مخيم صيفي، كانت برفقة الأطفال وتكبيلها بالأصفاد من الشرطة الإسبانية، تصدّر المشهد الرقمي، وأطلقت معه حملة إسرائيلية منددة شارك فيها وزراء وصحف ومنظمات تابعة للاحتلال. وسرعان ما تصاعدت الاتهامات، ووصفت الحادثة بأنها "أخطر مظاهر معاداة السامية في أوروبا"، مدعومة بمقاطع فيديو حصدت ملايين المشاهدات وزعم أن الأغاني العبرية كانت الشرارة. لكن، هل كانت هذه الرواية هي الحقيقة الكاملة؟ وما الذي حدث فعلا على متن تلك الرحلة الجوية ليؤدي إلى هذا المشهد المثير للجدل؟ وهل تخفي وراءها ملابسات مختلفة تماما عمّا تم تداوله؟ الرواية الإسرائيلية وزير الشتات الإسرائيلي عميحاي شيكلي كان من أوائل من تداولوا الفيديو، ونشره على منصة "إكس" حيث تجاوز 18 مليون مشاهدة. وادعى الوزير أن الأطفال –الذين تتراوح أعمارهم بين 10 و15 عامًا– كانوا يغنون بالعبرية على متن الطائرة، قبل أن يجبروا على مغادرتها، قائلا "إن طاقم الطائرة وصف إسرائيل بأنها دولة إرهابية". وتابع شيكلي: "تماشيا مع حملة الأكاذيب التي تقودها حماس وترددها قنوات، مثل الجزيرة وصحيفة هآرتس، نشهد تزايدا في الحوادث المعادية للسامية، وهذه من أخطرها". هجوم على الطيار لم تقف الحملة عند الاتهامات اللفظية، بل شملت أيضا هجوما حادا على قائد الطائرة إيفان شيريلا، إذ ربطت بعض وسائل الإعلام الإسرائيلية اسمه بتدريب طالبين تورطا لاحقا في هجمات 11 سبتمبر/أيلول 2001، رغم غياب أي دلائل على ضلوعه المباشر، وهو ما نفته لاحقًا صحيفة "يديعوت أحرونوت". ورغم مشاركة صحف إسرائيلية في نشر صور الطيار على نطاق واسع، وإظهاره كأنه أحد المتورطين الرئيسيين في هجمات 11 سبتمبر/أيلول، أكدت صحيفة "يديعوت أحرونوت" أن الطيار لم يكن على علم بهوية الطالبين اللذين دربهما. وعلى إثر الحادثة، أعرب وزير أوروبا والشؤون الخارجية الفرنسي، جان-نويل بارو، عن "قلقه الشديد" في اتصال بالرئيسة التنفيذية لشركة "ڤويلينغ"، مطالبا بتوضيح ما إذا كان الأطفال الفرنسيون قد تعرضوا للتمييز الديني. ضمن الحملة الرقمية التي رافقت الحادثة، تداولت حسابات إسرائيلية موثقة على منصة "إكس" صورة تُظهر طيارًا داخل قمرة القيادة وخلفه علم فلسطين، زاعمة أنه قائد الرحلة الإسبانية، ومرفقة بتعليقات من نوع: "هل تشعر بالأمان عندما يكون طيارك يحمل هذا العلم؟". وكالة "سند" للرصد والتحقق الإخباري في شبكة الجزيرة، أجرت تطابقا على الصورة وتبين أنها لا تعود إلى الطيار الإسباني، طبقا لمقارنة صور سابقة له بالصورة المزعومة، بل وُظفت ضمن الحملة الممنهجة لتثبيت سردية مضللة عن الحادثة. View this post on Instagram A post shared by StandWithUs (@standwithus) رواية الشركة: "سلوك عدواني وانتهاك للسلامة" في أول رد رسمي على الحادثة، أوضحت شركة الطيران الإسبانية "ڤويلينغ" (Vueling Airlines)، أن مراهقين على متن الرحلة رقم VY8166 تصرفوا تصرفا "عدوانيا وتخريبيا"، حيث تورّط بعضهم في العبث بمعدات السلامة مثل الأقنعة الهوائية وزجاجات الأكسجين، وتجاهلوا تعليمات الطاقم المتكررة، ما استلزم استدعاء الشرطة وتفعيل بروتوكول الطوارئ، التزامًا بالمادة 41 من قانون السلامة الجوية الإسباني رقم 21/2003. إعلان وأضافت الشركة في بيانها الصادر بتاريخ 25 يوليو/تموز، أن استمرار الرحلة كان سيُعرض الركاب والطاقم للخطر، ما اضطرها إلى اتخاذ الإجراءات الوقائية اللازمة. كما دافعت "ڤويلينغ" عن قائد الطائرة، إيفان شيريلا، المولود في جزر الكناري، مؤكدة أنه يعمل مع الشركة منذ عام 2006، ويُعد من الطيارين ذوي الخبرة والكفاءة العالية. وفي بيان لاحق صدر يوم الاثنين 28 يوليو/تموز الجاري، أعلنت الشركة أنها تلقت شهادات من ركاب كانوا على متن الرحلة، أعربوا فيها عن مخاوفهم، وطلبوا الحفاظ على سرية هوياتهم لحماية خصوصيتهم، مؤكدين استعدادهم للإدلاء بشهاداتهم لدى الجهات المختصة عند الطلب. وأشارت الشركة إلى أنها على تواصل مستمر مع السلطات الإسبانية والفرنسية، في إطار التزامها بتقديم المعلومات بشفافية تامة. وأدانت "ڤويلينغ" بشدة، ما وصفته بـ"نشر معلومات مضللة وخطِرة عبر وسائل التواصل الاجتماعي من أطراف ثالثة" عن هوية طاقم الطائرة أو الركاب، مؤكدة أن هذا النوع من الترويج قد "يعرض سلامة الأشخاص وأمن الرحلات الجوية للخطر".

تجويع غزة جريمة إسرائيلية مدانة قانونا ومحصنة أميركيا
تجويع غزة جريمة إسرائيلية مدانة قانونا ومحصنة أميركيا

الجزيرة

timeمنذ 3 ساعات

  • الجزيرة

تجويع غزة جريمة إسرائيلية مدانة قانونا ومحصنة أميركيا

على الرغم من كثرة الأحكام والشهادات الصادرة عن المحاكم والهيئات الأممية بشأن جريمة التجويع الإسرائيلي لسكان قطاع غزة فإن المواقف الغربية المنحازة إلى إسرائيل تعيق وقف هذه الجريمة التي ترقى إلى مستوى الإبادة الجماعية وفقا لشهادات، منها دعوى المدعي العام لمحكمة الجنايات الدولية كريم خان. وشكّل هذا الواقع سابقة تاريخية وفقا لتصريحات الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش في مارس/آذار 2024، والتي أشارت إلى أن نصف سكان القطاع كانوا حينها يواجهون الجوع على نحو كارثي، وهي أعلى نسبة جوع سبق تسجيلها في أي مكان وفي أي زمان، وذلك نتيجة لـ"كارثة لم يصنعها سوى البشر". وأدرج تقرير لجنة المسؤولية التي تم تشكيلها عام 1919 بعد الحرب العالمية الأولى "التجويع المتعمد للمدنيين" باعتباره انتهاكا لقوانين وأعراف الحرب يخضع للملاحقة الجنائية، ومنذ ذلك الحين أصبح قاعدة من قواعد القانون الدولي العرفي. التجويع جريمة حرب وينص القانون الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية على أن "استخدام تجويع المدنيين عمدا كأسلوب من أساليب الحرب" يعد جريمة حرب في النزاعات المسلحة الدولية. وتشكل هذه القاعدة الأساس القانوني لمحاكمة دولة الاحتلال أمام كل من محكمة الجنايات الدولية و محكمة العدل الدولية بفعل جرائمها في قطاع غزة، وفي مقدمتها جريمة الإبادة الجماعية من خلال التجويع. فقد شكل "تجويع المدنيين كأسلوب من أساليب الحرب" البند الأول من التهم التي وجهها مدعي عام المحكمة الجنائية الدولية كريم خان إلى كل من رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير الدفاع الإسرائيلي السابق يوآف غالانت، والتي طلب على أساسها في 20 مايو/أيار 2024 إلقاء القبض عليهما. كما تضمنت التهم "الإبادة (و/ أو) القتل العمد، بما في ذلك الموت الناجم عن التجويع باعتباره جريمة ضد الإنسانية"، مشيرا إلى أن الجرائم ضد الإنسانية التي وجِّه الاتهام بها قد ارتكِبت في إطار هجوم واسع النطاق ومنهجي ضد السكان المدنيين الفلسطينيين عملا بسياسة الدولة. وأكد خان توفر ركن "القصد" في هذه الجرائم بقوله "يدفع مكتبي بأن الأدلة التي جمعناها، والتي شملت مقابلات مع ناجين وشهود عيان، ومواد مرئية وصورا فوتوغرافية ومواد مسموعة ثبتت صحتها، وصورا ملتقطة بالأقمار الصناعية، وبيانات أدلت بها المجموعة التي يُدَّعى أنها ارتكبت الجرائم تثبت أن إسرائيل تعمدت حرمان السكان المدنيين في كل مناطق غزة بشكل منهجي من المواد التي لا غنى عنها لبقائهم الإنساني". وقد حدث ذلك من خلال فرض حصار كامل على غزة تضمّن الإغلاق التام للمعابر الحدودية الثلاثة، وهي رفح وكرم أبو سالم وبيت حانون اعتبارا من 8 من أكتوبر/تشرين الأول 2023 ولفترات مطولة، ثم التقييد التعسفي لنقل الإمدادات الأساسية، بما في ذلك الطعام والدواء من خلال المعابر الحدودية بعد إعادة فتحها. وشمل الحصار أيضا قطع أنابيب المياه العابرة للحدود من إسرائيل إلى غزة لفترة طويلة بدأت من 9 أكتوبر/تشرين الأول 2023، وهي المصدر الرئيسي للمياه النظيفة التي يحصل عليها الغزيون، كما قطع الاحتلال إمدادات الكهرباء ومنعها منذ ذلك التاريخ وحتى اليوم. وقد وقع ذلك إلى جانب هجمات أخرى ضد المدنيين، بما في ذلك هجمات على أولئك الذين اصطفوا للحصول على الطعام، وإعاقة توصيل الوكالات الإنسانية للمساعدات، وشن هجمات على عمال الإغاثة وقتلهم، مما أجبر الكثير من الوكالات على إيقاف أعمالها في غزة أو تقييدها. وأكد خان أن "هذه الأفعال قد ارتُكبت في إطار خطة مشتركة لاستخدام التجويع كأسلوب من أساليب الحرب وأعمال عنف أخرى ضد السكان المدنيين في غزة كوسيلة (1) للتخلص من حماس ، (2) ولضمان عودة الرهائن الذين اختطفتهم حماس، (3) ولإنزال العقاب الجماعي بالسكان المدنيين في غزة الذين رأوا فيهم تهديدا لإسرائيل". قرار المحكمة الجنائية الدولية وبالفعل، قبلت الدائرة التمهيدية الأولى في المحكمة الجنائية الدولية بتاريخ 21 نوفمبر/تشرين الثاني 2024 دعوى كريم خان، ورفضت الطعنين المقدمين من دولة الاحتلال، وأصدرت أمرين باعتقال كل من نتنياهو وغالانت. ونص قرارها على أنها توصلت إلى وجود "أسباب معقولة" للاعتقاد بأن نتنياهو وغالانت "يتحمل كل منهما المسؤولية الجنائية عن الجرائم الآتي ذكرها كمشاركيْن لارتكابهما الأفعال بالاشتراك مع آخرين: جريمة الحرب المتمثلة في التجويع كأسلوب من أساليب الحرب، والجرائم ضد الإنسانية المتمثلة في القتل والاضطهاد والأفعال اللاإنسانية الأخرى". واعتبرت الدائرة أن هناك أسبابا معقولة للاعتقاد بأن كلا الشخصين حرم السكان المدنيين في غزة عن علم وقصد من المواد التي لا غنى عنها لبقائهم، بما في ذلك الغذاء والماء والدواء والمواد الطبية إضافة إلى الوقود والكهرباء، استنادا إلى دورهما في عرقلة المساعدات الإنسانية. كما أشارت إلى أن القرارات التي سمحت بدخول المساعدات الإنسانية إلى غزة أو بزيادتها كانت غالبا مرهونة بشروط. ولم تُتخذ تلك القرارات حتى تفي إسرائيل بالتزاماتها بموجب القانون الدولي الإنساني أو لضمان تزويد السكان المدنيين في غزة على نحو مناسب بما يحتاجونه من سلع، بل كانت في الواقع استجابة لضغوط من المجتمع الدولي أو لطلبات من الولايات المتحدة الأميركية. وعلى أي حال، لم تكن زيادات المساعدات الإنسانية كافية لتحسين وصول السكان إلى المواد الأساسية. وإضافة إلى ذلك، توصلت الدائرة إلى وجود أسباب معقولة للاعتقاد بأنه لم يتسن تحديد حاجة عسكرية واضحة أو مبرر آخر بموجب القانون الدولي الإنساني للقيود المفروضة على النفاذ إلى عمليات الغوث الإنساني. وعلى الرغم من التحذيرات والدعوات الصادرة عن جهات -من بينها مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة والأمين العام للأمم المتحدة ودول ومنظمات حكومية ومنظمات مجتمع مدني حول الوضع الإنساني في غزة- فإنه لم يُسمح إلا بالنزر اليسير من المساعدات الإنسانية. وفي هذا الصدد، أخذت الدائرة في اعتبارها مدة الحرمان الطويلة وتصريح نتنياهو الذي ربط توقف السلع الأساسية والمساعدات بأهداف الحرب. تباطؤ محكمة العدل الدولية وتوصلت الدائرة التمهيدية الأولى في المحكمة الجنائية الدولية إلى وجود أسباب معقولة للاعتقاد بأن غياب الغذاء والماء والكهرباء والوقود ومواد طبية معينة أوجد أحوالا معيشية بقصد إهلاك جزء من السكان المدنيين في غزة، وهو ما أدى إلى وفاة مدنيين -بينهم أطفال- بسبب سوء التغذية والتجفاف. لكنها، وعلى أساس ما قدمه الادعاء من مواد شملت الفترة الممتدة إلى غاية 20 أيار/مايو 2024 لم تتمكن من الوقوف على استيفاء جميع أركان الإبادة كجريمة ضد الإنسانية، ورغم ذلك فإنها توصلت إلى وجود أسباب معقولة للاعتقاد بأن الجريمة ضد الإنسانية المتمثلة في القتل ارتُكبت بالنسبة لهؤلاء المجني عليهم. ويشير دليل أركان الجرائم للمحكمة الجنائية الدولية إلى ضرورة توفر 4 عناصر لإثبات جريمة حرب التجويع كأسلوب من أساليب الحرب، وهي أن يحرم مرتكب الجريمة المدنيين من مواد لا غنى عنها لبقائهم، وأن ينوي مرتكب الجريمة تجويع المدنيين كأسلوب من أساليب الحرب، وأن يقع السلوك في سياق نزاع مسلح دولي ومرتبط به، وأن يكون مرتكب الجريمة على علم بالظروف التي تثبت وجود نزاع مسلح. وفي سياق مواز، تشهد الدعوى التي قدمتها دولة جنوب أفريقيا أمام محكمة العدل الدولية بشأن تورط دولة الاحتلال بجرائم ترقى إلى مستوى الإبادة الجماعية تباطؤا مما يحد من فاعليتها، ويجعل أي قرارات لاحقة لها ضعيفة التأثير، إذ إنها ستكون بعد تراجع ذروة الحاجة لها على الأغلب. وكانت آخر محطات التأخير هي قبول المحكمة في 14 أبريل/نيسان 2025 طلب دولة الاحتلال تمديد المهلة المحددة لتقديم مذكرتها المضادة حتى 28 يناير/كانون الثاني 2026 على الرغم من تأكيد جنوب أفريقيا أن إسرائيل لم تقدم مبررا كافيا لمثل هذا التمديد. ويعني هذا التمديد أن إسرائيل لن تخضع لأي عواقب جديدة كبرى من الناحية القانونية أو الدبلوماسية قبل عام 2026 أو ربما 2027. الحماية الأميركية للجريمة شنت الولايات المتحدة حملة دبلوماسية وإعلامية وقضائية ضد مؤسسات الأمم المتحدة التي تعارض الجرائم الإسرائيلية، ولا تتسق مع سياسات نتنياهو الساعية إلى تصفية القضية الفلسطينية وتهجير سكان غزة، بما شمل كل من المحكمة الجنائية الدولية ومحكمة العدل الدولية ووكالة الأونروا والعديد من كبار مسؤولي الأمم المتحدة. ووصل الأمر بالرئيس الأميركي دونالد ترامب إلى إصدار أمر تنفيذي في فبراير/شباط 2025 يعد أي جهد لمحكمة الجنايات الدولية للتحقيق في الجرائم الإسرائيلية "تهديدا غير عادي واستثنائي للأمن القومي والسياسة الخارجية للولايات المتحدة". وبموجب ذلك، أعلن ترامب "حالة طوارئ وطنية لمعالجة هذا التهديد"، مما يجيز فرض عقوبات مالية وقيود سفر على أفراد ومنظمات تتعاون مع المحكمة الجنائية للتحقيق في قضايا تخص الولايات المتحدة أو حلفائها. وبالفعل، فرضت الولايات المتحدة في 6 يونيو/حزيران 2025 عقوبات على 4 قاضيات في المحكمة الجنائية الدولية على خلفية قضايا مرتبطة بواشنطن وإسرائيل، بما يشمل حظر دخولهن إلى الولايات المتحدة، وتجميد أي أموال أو أصول يملكنها فيها. كما أسهمت الضغوط الأميركية في استقالة أحد قضاة المحكمة في يوليو/تموز 2025، وهو القاضي البريطاني أندرو كايلي المكلف إلى جانب المحامية الأميركية بريندا هوليس في قيادة تحقيقات بشأن انتهاكات إسرائيل في الأراضي الفلسطينية المحتلة. ولا يمكن استبعاد دور الضغوط الأميركية في قرار المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية كريم خان في 16 مايو/أيار 2025 بالتنحي مؤقتا عن مهامه، بانتظار استكمال تحقيق خارجي في مزاعم تتعلق بسوء سلوك جنسي. وفي المحصلة، بينما تحذر المؤسسات الأممية من جريمة تجويع غير مسبوقة في التاريخ الحديث يدفع الغطاء الأميركي غير المسبوق لهذه الجرائم باتجاه إطالة أمدها بهدف تحقيق الأهداف الأميركية الإسرائيلية المشتركة بشأن تصفية القضية الفلسطينية، حتى لو استلزم الأمر تقويض أسس " النظام الدولي القائم على القواعد"، والذي تشكل المؤسسات القضائية الدولية أحد أركانه الأساسية.

تجويع غزة والثلاثية الآثمة
تجويع غزة والثلاثية الآثمة

الجزيرة

timeمنذ 4 ساعات

  • الجزيرة

تجويع غزة والثلاثية الآثمة

على الرغم من كثرة الأحكام والشهادات الصادرة عن المحاكم والهيئات الأممية بشأن جريمة التجويع الإسرائيلي لسكان قطاع غزة فإن المواقف الغربية المنحازة إلى إسرائيل وفي مقدمتها الموقف الأميركي تعيق وقفها، بينما مثل العجز الدولي الضلع الثالث لمثلث الجريمة التي ترقى إلى مستوى الإبادة الجماعية ، وفقا لشهادات، منها دعوى المدعي العام لمحكمة الجنايات الدولية كريم خان. وشكّل هذا الواقع سابقة تاريخية وفقا لتصريحات الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش في مارس/آذار 2024، والتي أشارت إلى أن نصف سكان القطاع كانوا حينها يواجهون الجوع على نحو كارثي، وهي أعلى نسبة جوع سبق تسجيلها في أي مكان وفي أي زمان، وذلك نتيجة لـ"كارثة لم يصنعها سوى البشر". وأدرج تقرير لجنة المسؤولية التي تم تشكيلها عام 1919 بعد الحرب العالمية الأولى "التجويع المتعمد للمدنيين" باعتباره انتهاكا لقوانين وأعراف الحرب يخضع للملاحقة الجنائية، ومنذ ذلك الحين أصبح قاعدة من قواعد القانون الدولي العرفي. التجويع جريمة حرب وينص القانون الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية على أن "استخدام تجويع المدنيين عمدا كأسلوب من أساليب الحرب" يعد جريمة حرب في النزاعات المسلحة الدولية. وتشكل هذه القاعدة الأساس القانوني لمحاكمة دولة الاحتلال أمام كل من محكمة الجنايات الدولية و محكمة العدل الدولية بفعل جرائمها في قطاع غزة، وفي مقدمتها جريمة الإبادة الجماعية من خلال التجويع. فقد شكل "تجويع المدنيين كأسلوب من أساليب الحرب" البند الأول من التهم التي وجهها مدعي عام المحكمة الجنائية الدولية كريم خان إلى كل من رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير الدفاع الإسرائيلي السابق يوآف غالانت، والتي طلب على أساسها في 20 مايو/أيار 2024 إلقاء القبض عليهما. كما تضمنت التهم "الإبادة (و/ أو) القتل العمد، بما في ذلك الموت الناجم عن التجويع باعتباره جريمة ضد الإنسانية"، مشيرا إلى أن الجرائم ضد الإنسانية التي وجِّه الاتهام بها قد ارتكِبت في إطار هجوم واسع النطاق ومنهجي ضد السكان المدنيين الفلسطينيين عملا بسياسة الدولة. وأكد خان توفر ركن "القصد" في هذه الجرائم بقوله "يدفع مكتبي بأن الأدلة التي جمعناها، والتي شملت مقابلات مع ناجين وشهود عيان، ومواد مرئية وصورا فوتوغرافية ومواد مسموعة ثبتت صحتها، وصورا ملتقطة بالأقمار الصناعية، وبيانات أدلت بها المجموعة التي يُدَّعى أنها ارتكبت الجرائم تثبت أن إسرائيل تعمدت حرمان السكان المدنيين في كل مناطق غزة بشكل منهجي من المواد التي لا غنى عنها لبقائهم الإنساني". وقد حدث ذلك من خلال فرض حصار كامل على غزة تضمّن الإغلاق التام للمعابر الحدودية الثلاثة، وهي رفح وكرم أبو سالم وبيت حانون اعتبارا من 8 من أكتوبر/تشرين الأول 2023 ولفترات مطولة، ثم التقييد التعسفي لنقل الإمدادات الأساسية، بما في ذلك الطعام والدواء من خلال المعابر الحدودية بعد إعادة فتحها. وشمل الحصار أيضا قطع أنابيب المياه العابرة للحدود من إسرائيل إلى غزة لفترة طويلة بدأت من 9 أكتوبر/تشرين الأول 2023، وهي المصدر الرئيسي للمياه النظيفة التي يحصل عليها الغزيون، كما قطع الاحتلال إمدادات الكهرباء ومنعها منذ ذلك التاريخ وحتى اليوم. وقد وقع ذلك إلى جانب هجمات أخرى ضد المدنيين، بما في ذلك هجمات على أولئك الذين اصطفوا للحصول على الطعام، وإعاقة توصيل الوكالات الإنسانية للمساعدات، وشن هجمات على عمال الإغاثة وقتلهم، مما أجبر الكثير من الوكالات على إيقاف أعمالها في غزة أو تقييدها. وأكد خان أن "هذه الأفعال قد ارتُكبت في إطار خطة مشتركة لاستخدام التجويع كأسلوب من أساليب الحرب وأعمال عنف أخرى ضد السكان المدنيين في غزة كوسيلة (1) للتخلص من حماس ، (2) ولضمان عودة الرهائن الذين اختطفتهم حماس، (3) ولإنزال العقاب الجماعي بالسكان المدنيين في غزة الذين رأوا فيهم تهديدا لإسرائيل". قرار المحكمة الجنائية الدولية وبالفعل، قبلت الدائرة التمهيدية الأولى في المحكمة الجنائية الدولية بتاريخ 21 نوفمبر/تشرين الثاني 2024 دعوى كريم خان، ورفضت الطعنين المقدمين من دولة الاحتلال، وأصدرت أمرين باعتقال كل من نتنياهو وغالانت. ونص قرارها على أنها توصلت إلى وجود "أسباب معقولة" للاعتقاد بأن نتنياهو وغالانت "يتحمل كل منهما المسؤولية الجنائية عن الجرائم الآتي ذكرها كمشاركيْن لارتكابهما الأفعال بالاشتراك مع آخرين: جريمة الحرب المتمثلة في التجويع كأسلوب من أساليب الحرب، والجرائم ضد الإنسانية المتمثلة في القتل والاضطهاد والأفعال اللاإنسانية الأخرى". واعتبرت الدائرة أن هناك أسبابا معقولة للاعتقاد بأن كلا الشخصين حرم السكان المدنيين في غزة عن علم وقصد من المواد التي لا غنى عنها لبقائهم، بما في ذلك الغذاء والماء والدواء والمواد الطبية إضافة إلى الوقود والكهرباء، استنادا إلى دورهما في عرقلة المساعدات الإنسانية. كما أشارت إلى أن القرارات التي سمحت بدخول المساعدات الإنسانية إلى غزة أو بزيادتها كانت غالبا مرهونة بشروط. ولم تُتخذ تلك القرارات حتى تفي إسرائيل بالتزاماتها بموجب القانون الدولي الإنساني أو لضمان تزويد السكان المدنيين في غزة على نحو مناسب بما يحتاجونه من سلع، بل كانت في الواقع استجابة لضغوط من المجتمع الدولي أو لطلبات من الولايات المتحدة الأميركية. وعلى أي حال، لم تكن زيادات المساعدات الإنسانية كافية لتحسين وصول السكان إلى المواد الأساسية. وإضافة إلى ذلك، توصلت الدائرة إلى وجود أسباب معقولة للاعتقاد بأنه لم يتسن تحديد حاجة عسكرية واضحة أو مبرر آخر بموجب القانون الدولي الإنساني للقيود المفروضة على النفاذ إلى عمليات الغوث الإنساني. وعلى الرغم من التحذيرات والدعوات الصادرة عن جهات -من بينها مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة والأمين العام للأمم المتحدة ودول ومنظمات حكومية ومنظمات مجتمع مدني حول الوضع الإنساني في غزة- فإنه لم يُسمح إلا بالنزر اليسير من المساعدات الإنسانية. وفي هذا الصدد، أخذت الدائرة في اعتبارها مدة الحرمان الطويلة وتصريح نتنياهو الذي ربط توقف السلع الأساسية والمساعدات بأهداف الحرب. تباطؤ محكمة العدل الدولية وتوصلت الدائرة التمهيدية الأولى في المحكمة الجنائية الدولية إلى وجود أسباب معقولة للاعتقاد بأن غياب الغذاء والماء والكهرباء والوقود ومواد طبية معينة أوجد أحوالا معيشية بقصد إهلاك جزء من السكان المدنيين في غزة، وهو ما أدى إلى وفاة مدنيين -بينهم أطفال- بسبب سوء التغذية والتجفاف. لكنها، وعلى أساس ما قدمه الادعاء من مواد شملت الفترة الممتدة إلى غاية 20 أيار/مايو 2024 لم تتمكن من الوقوف على استيفاء جميع أركان الإبادة كجريمة ضد الإنسانية، ورغم ذلك فإنها توصلت إلى وجود أسباب معقولة للاعتقاد بأن الجريمة ضد الإنسانية المتمثلة في القتل ارتُكبت بالنسبة لهؤلاء المجني عليهم. ويشير دليل أركان الجرائم للمحكمة الجنائية الدولية إلى ضرورة توفر 4 عناصر لإثبات جريمة حرب التجويع كأسلوب من أساليب الحرب، وهي أن يحرم مرتكب الجريمة المدنيين من مواد لا غنى عنها لبقائهم، وأن ينوي مرتكب الجريمة تجويع المدنيين كأسلوب من أساليب الحرب، وأن يقع السلوك في سياق نزاع مسلح دولي ومرتبط به، وأن يكون مرتكب الجريمة على علم بالظروف التي تثبت وجود نزاع مسلح. وفي سياق مواز، تشهد الدعوى التي قدمتها دولة جنوب أفريقيا أمام محكمة العدل الدولية بشأن تورط دولة الاحتلال بجرائم ترقى إلى مستوى الإبادة الجماعية تباطؤا مما يحد من فاعليتها، ويجعل أي قرارات لاحقة لها ضعيفة التأثير، إذ إنها ستكون بعد تراجع ذروة الحاجة لها على الأغلب. وكانت آخر محطات التأخير هي قبول المحكمة في 14 أبريل/نيسان 2025 طلب دولة الاحتلال تمديد المهلة المحددة لتقديم مذكرتها المضادة حتى 28 يناير/كانون الثاني 2026 على الرغم من تأكيد جنوب أفريقيا أن إسرائيل لم تقدم مبررا كافيا لمثل هذا التمديد. ويعني هذا التمديد أن إسرائيل لن تخضع لأي عواقب جديدة كبرى من الناحية القانونية أو الدبلوماسية قبل عام 2026 أو ربما 2027. الحماية الأميركية للجريمة شنت الولايات المتحدة حملة دبلوماسية وإعلامية وقضائية ضد مؤسسات الأمم المتحدة التي تعارض الجرائم الإسرائيلية، ولا تتسق مع سياسات نتنياهو الساعية إلى تصفية القضية الفلسطينية وتهجير سكان غزة، بما شمل كل من المحكمة الجنائية الدولية ومحكمة العدل الدولية ووكالة الأونروا والعديد من كبار مسؤولي الأمم المتحدة. ووصل الأمر بالرئيس الأميركي دونالد ترامب إلى إصدار أمر تنفيذي في فبراير/شباط 2025 يعد أي جهد لمحكمة الجنايات الدولية للتحقيق في الجرائم الإسرائيلية "تهديدا غير عادي واستثنائي للأمن القومي والسياسة الخارجية للولايات المتحدة". وبموجب ذلك، أعلن ترامب "حالة طوارئ وطنية لمعالجة هذا التهديد"، مما يجيز فرض عقوبات مالية وقيود سفر على أفراد ومنظمات تتعاون مع المحكمة الجنائية للتحقيق في قضايا تخص الولايات المتحدة أو حلفائها. وبالفعل، فرضت الولايات المتحدة في 6 يونيو/حزيران 2025 عقوبات على 4 قاضيات في المحكمة الجنائية الدولية على خلفية قضايا مرتبطة بواشنطن وإسرائيل، بما يشمل حظر دخولهن إلى الولايات المتحدة، وتجميد أي أموال أو أصول يملكنها فيها. كما أسهمت الضغوط الأميركية في استقالة أحد قضاة المحكمة في يوليو/تموز 2025، وهو القاضي البريطاني أندرو كايلي المكلف إلى جانب المحامية الأميركية بريندا هوليس في قيادة تحقيقات بشأن انتهاكات إسرائيل في الأراضي الفلسطينية المحتلة. ولا يمكن استبعاد دور الضغوط الأميركية في قرار المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية كريم خان في 16 مايو/أيار 2025 بالتنحي مؤقتا عن مهامه، بانتظار استكمال تحقيق خارجي في مزاعم تتعلق بسوء سلوك جنسي. وفي المحصلة، بينما تحذر المؤسسات الأممية من جريمة تجويع غير مسبوقة في التاريخ الحديث يدفع الغطاء الأميركي غير المسبوق لهذه الجرائم باتجاه إطالة أمدها بهدف تحقيق الأهداف الأميركية الإسرائيلية المشتركة بشأن تصفية القضية الفلسطينية، حتى لو استلزم الأمر تقويض أسس " النظام الدولي القائم على القواعد"، والذي تشكل المؤسسات القضائية الدولية أحد أركانه الأساسية.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

هل أنت مستعد للنغماس في عالم من الحتوى العالي حمل تطبيق دايلي8 اليوم من متجر ذو النكهة الحلية؟ ّ التطبيقات الفضل لديك وابدأ الستكشاف.
app-storeplay-store