
الخبير رؤوف فرّاح يشرح جذور مأزق الجزائر مع جيرانها في الساحل
يتوقف رؤوف فرّاح، الخبير الجزائري في التحولات السياسية بمنطقتي شمال إفريقيا والساحل، في هذا الحوار، عند حادثة إسقاط الطائرة المالية المسيرة، وما سبقها من تطورات مهّدت لتوتر العلاقة بين باماكو والجزائر.
لديك قراءة مركّزة في التوترات الحالية بين الجزائر والجيران في جنوب الصحراء، هل يمكن أن تختصرها لمتابعي موقع "الخبر"؟
حادثة إسقاط الطائرة المسيّرة التركية من قبل الجيش الجزائري، في الأول من أفريل، في منطقة تينزواتين، تمثل منعطفا حاسما في العلاقات بين الجزائر وباماكو. لم تكن هذه الحادثة معزولة بل جاءت كنتيجة لمسار طويل من تدهور العلاقات. ففي حين ترى الجزائر - وعن حق - في هذه الحادثة انتهاكا لسيادتها الترابية، تؤكد مالي أن الطائرة كانت تحلّق داخل مجالها الجوي. وقد أعقبت الحادثة سلسلة من الإجراءات المتسارعة: استدعاء السفراء، تعليق الرحلات، وإغلاق الأجواء.
هذا التدهور ناتج عن تشابك في الخلافات الاستراتيجية والتوترات الدبلوماسية وإعادة تشكيل التحالفات الجيوسياسية، بداية من الانقلاب العسكري الذي أوصل المجلس العسكري إلى السلطة، في أوت 2020. وتجلّت هذه التوترات من خلال ثلاثة عناصر أساسية:
*انسحاب السلطات المالية من اتفاق السلام والمصالحة المنبثق عن مسار الجزائر، والذي أُعلن عنه في جانفي 2024، منهيا بذلك عقدا من الوساطة الإقليمية.
*تنامي نفوذ مجموعة "فاغنر" شبه العسكرية، التي تقاتل إلى جانب الجيش المالي في شمال البلاد، وتقترب بشكل متزايد من الحدود الجزائرية منذ عام 2024.
*تصاعد الخطاب السيادي الذي يتضمن اتهامات صريحة للجزائر بالتدخل، بل وبدعم الجماعات المصنفة إرهابية، لاسيما بعد نهاية عملية برخان العسكرية الفرنسية في نوفمبر 2022.
حادثة الطائرة المسيّرة لا تخرج عن هذا السياق التصادمي، بل هي استمرار له. كما أن الوضع تأجج مع ظهور تحالف دول الساحل الذي يضم مالي وبوركينا فاسو والنيجر، والذي يتبنّى خطابا سيادويا متشدّدًا ويقصي الأطر التقليدية للتعاون الإقليمي.
ويجب ألا ننسى أن هذا التحالف انسحب رسميا من المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا (إكواس) في جانفي 2025، ويدخل في توترات مع العديد من دول غرب إفريقيا.
يسعى هذا التكتل لفرض نفسه كنموذج بديل، لكنه يواجه في المقابل عزلة متزايدة.
ماذا كان يجب على الجزائر أن تقوم به لتفادي ما يسميه البعض "حركة تمرد" من مالي والنيجر وبوركينافاسو.. علما أن بوادرها تلوح منذ مدة غير قصيرة؟
الأزمة الحالية تخص العلاقات بين الجزائر ومالي بشكل أساسي. لا توجد أزمة مفتوحة مع النيجر أو بوركينا فاسو، رغم أن العقيد عاصمي غويتا، رئيس مالي، يلعب دورا محوريا في ديناميكية تحالف AES . كثّفت الجزائر مؤخرا علاقاتها مع النيجر، وهاذا توجه يجب أن نحافظ عليه.
من المبالغة اعتماد قراءة متشائمة. لا النيجر ولا بوركينا فاسو ولا حتى مالي، يسعون إلى الدخول في مواجهة عسكرية مع الجزائر. احتمال التصعيد العسكري ضعيف للغاية، إن لم يكن منعدما
رغم أن التصعيد السياسي يبقى واردًا. على الحدود، من المهم التذكير أن السلطات المالية لا تسيطر فعليا على المناطق المقابلة لبرج باجي مختار، تيميونين أو تينزواتين. وقد شهد عام 2024 هزائم قاسية للجيش المالي ومقاتلي مجموعات "فاغنر" في أقصى شمال مالي، في مواجهة مجموعات متمردة ما تزال تنشط في المنطقة.
الحذر يبقى ضروريا على طول الشريط الحدودي، إلا أن تعزيز التدابير الأمنية قد بدأ فعليًا منذ استئناف المعارك بين الجيش المالي ومقاتلي أزواد. التحدي الحقيقي لا يتمثل في صدّ هجوم مباشر، بل في استباق تداعيات الصراع: خطر التمدد الإرهابي، تهريب الأسلحة، والاضطرابات الأمنية العابرة للحدود.
لكن في العمق، الإجابة على هذا الوضع يجب أن تكون سياسية أولاً. على الجزائر أن تواصل التعاون الثنائي مع النيجر، وتوسّع قنوات الحوار - حتى غير الرسمية - مع مالي، من دون وسطاء، وأن توضّح استراتيجيتها في الساحل في الوقت المناسب. كما سيكون من المفيد إعادة تفعيل آليات التعاون الأمني، بما يخدم المصالح المشتركة للشعوب الحدودية.
أصبح جنوب الصحراء منطقة نفوذ قوى كبيرة. لماذا الاهتمام بها، بينما تحاصرها المشاكل، خصوصا أنها ملاذ للجماعات الإرهابية ولشبكات المخدرات وكل أصناف الإجرام؟
في خضم هذه التوترات، لا يمكن تجاهل البعد الجيوسياسي الأوسع: فالساحل اليوم منطقة استراتيجية تتقاطع فيها أجندات دولية متعددة، ما حوّلها إلى ساحة تنافس أمني واقتصادي مكثّف. فرنسا التي كانت القوة المهيمنة سابقا، تراجعت إلى الخلف ونقلت جزءا من عملياتها إلى خليج غينيا، في محاولة للعودة لاحقا إلى الساحل.
في هذا الفراغ، تتقدم قوى إقليمية غير إفريقية - روسيا، تركيا، الإمارات - بسرعة، غالبا بتدخلات عدوانية تشمل بيع الأسلحة، دعم الأنظمة العسكرية والانقلابات. جهات أخرى تسعى إلى استغلال الموارد الطبيعية الاستراتيجية: كالذهب (كندا، أستراليا، الصين) واليورانيوم في النيجر (فرنسا، الصين)، أو الثروات السمكية في المحيط الأطلسي (إسبانيا، الاتحاد الأوروبي) عن طريق شركات دولية.
أما الدول الأوروبية، فترى في الساحل أرضا لمحاربة الهجرة غير النظامية من خلال سياسات "تصدير الحدود" الكولونيالية، كما يتضح حاليا في موريتانيا ومعظم دول شمال إفريقيا.
في هذا السياق أيضا، يسعى المغرب، بدافع من حسابات سياسية ضيقة، إلى كسب ودّ الأنظمة العسكرية وبيع الوهم بوجوده كبديل اقتصادي.
أمام هذا المشهد المعقد، تجد الجزائر نفسها أمام تحديات متزايدة رغم ما تملكه من مقومات واضحة. فهي تواجه صدمة مزدوجة: سقوط شركائها التقليديين جرّاء الانقلابات المتتالية. والدخول السريع والعشوائي لقوى أجنبية، بعضها شركاء، لكن كثيرا منها ينافس الجزائر على النفوذ.
أمام هذه التحديات، تعاني الجزائر في تجديد استراتيجيتها الساحلية. لا تزال سياساتها تقليدية، تركّز على الأمن الداخلي، من دون رؤية شاملة تأخذ بعين الاعتبار كل تعقيدات النزاعات وطموحات شعوب المنطقة. للاحتفاظ بمكانتها كفاعل إقليمي، تحتاج الجزائر إلى سياسة خارجية أكثر مرونة وابتكارا تنطلق من مصالح إفريقية مشتركة.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


بلد نيوز
٢٧-٠٤-٢٠٢٥
- بلد نيوز
أسلحة صينية وكورية وروسية إلى خليفة حفتر.. سببان وراء زيادة نقل السلاح في الشرق الليبي بعد سقوط نظام الأسد
كشفت مصادر ليبية متطابقة تحدثت إلى "عربي بوست" أن الجنرال الليبي المتقاعد خليفة حفتر عمد خلال الفترة القليلة الماضية إلى شراء أسلحة من كل من الصين وكوريا الشمالية وروسيا من أجل تقوية قواته في الشرق، تحسبًا لأي تطورات يشهدها المشهد الليبي. كما أشارت مصادر ليبية قريبة من حكومة الوحدة الليبية برئاسة عبد الحميد الدبيبة إلى أن خليفة حفتر تلافى قرار مجلس الأمن الدولي الذي صدر عام 2011 والذي حظر على ليبيا شراء أي أسلحة، وقام بشراء أسلحة في يناير/كانون الثاني 2025 من كوريا الشمالية، وأدخل هذه الأسلحة إلى ليبيا عن طريق سفينة ترفع العلم السنغافوري. شراء أسلحة المصادر الليبية أوضحت أن عملية شراء الأسلحة من روسيا والصين وكوريا الشمالية زادت بعد سقوط نظام بشار الأسد، ولجوء روسيا إلى إعادة تموضع قواتها من جديد داخل الشرق الليبي، وبالأخص في قواعد مثل "الخادم" في بنغازي وقواعد أخرى في جنوب ليبيا. قاعدة الخادم- منصات التواصل كشفت هذه المصادر أن جزءًا من الأسلحة التي يدخلها خليفة حفتر إلى ليبيا تخص "قواته العسكرية" التي يطلق عليها "الجيش العربي الليبي"، والتي يسعى من خلالها إلى تعزيز وضع هذه القوات عسكريًا، ما يسمح له بالجاهزية إذا ما أراد أن يهاجم العاصمة الليبية طرابلس مرة أخرى لاقتحامها والسيطرة عليها. أما الجزء الثاني من هذه الأسلحة التي يشتريها خليفة حفتر ويقوم بإدخالها إلى ليبيا – بحسب المصادر – فتخضع للإشراف الروسي، الذي يقوم باستخدامها في توزيعها على عناصر وقواعد "فيلق أفريقيا" التابع له، والذي قامت روسيا بإنشائه منذ شهور، والمنتشر في ليبيا ومالي والنيجر. يُذكر أن "فيلق أفريقيا" هو المسمى الجديد لقوات "فاغنر" الروسية التي استعان بها خليفة حفتر في ليبيا لمحاولة دخول العاصمة الليبية طرابلس في عام 2019، لكنه فشل ومني بهزيمة كبيرة ما اضطره إلى العودة إلى بنغازي والتمركز هناك من جديد. لاحقًا، لجأت روسيا إلى إعادة تسمية قوات "فاغنر" التي تقاتل بالوكالة بمسمى جديد، وهو "فيلق أفريقيا"، وجعلت من ليبيا المركز الرئيسي لعمل هذه القوات على أن تنتشر في دول أفريقية كثيرة وتقدم خدمات عسكرية لها. استلام معدات عسكرية سرًا كان موقع "أفريكا إنتليجنس" قد كشف قبل يومين خلال تقرير له أن قائد القيادة العامة المشير خليفة حفتر مستمر في استلام معدات عسكرية سرًا، حيث تم إرسال سفينة إنزال إلى ميناء بنغازي من قبل شركة "بنغوين إنترناشيونال" لتحقيق هذا الغرض، وهي سفينة إنزال تُستخدم لنقل المشاة والمركبات العسكرية. بحسب الموقع، السفينة المعروفة باسم "بنغوين ترانسبورتر"، تُستخدم لنقل المشاة والمركبات العسكرية، وكانت قد رست في ميناء بنغازي تحت علم سنغافورة، وهي مملوكة لشركة "بيليكان شيب مانجمنت سيرفيسز" السنغافورية، وهي شركة تابعة لشركة "بنغوين إنترناشيونال"، وتعمل في مجال بناء السفن. يُعتقد أن المجموعة السنغافورية ترغب في بدء أعمالها التجارية في القارة الأفريقية من خلال ليبيا، وفق موقع "أفريكا إنتليجنس". وقال التقرير إن المجموعة السنغافورية قد تكون مهتمة بليبيا، إذ ترغب في بدء أعمالها التجارية في القارة الأفريقية. وقال الموقع إن الشركة السنغافورية "بيليكان شيب مانجمنت سيرفيسز"، هي شركة تابعة لشركة "بنغوين إنترناشيونال"، وتعمل في مجال بناء السفن، ويرأسها جيمس ثام تاك تشونغ. في سياق متصل، ذكر "أفريكا إنتليجنس" أن مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة ناقش في اجتماعه الأخير بشهر يناير/كانون الثاني عدم فعالية حظر الأسلحة المفروض على ليبيا منذ عام 2011. كما استنكر أحد الأعضاء البارزين في المجلس تصاعد تدفق شحنات المعدات العسكرية من روسيا إلى منطقة برقة خلال الفترة الأخيرة، خاصة بعد انسحاب القوات الروسية من سوريا عقب تراجع نظام بشار الأسد. الشركة السنغافورية بالبحث حول شركة Pelican Ship Management Services Pte. Ltd. وجدنا أنها تأسست في 25 أكتوبر/تشرين الأول 1991، وهي شركة خاصة محدودة بالأسهم مقرها في سنغافورة. تقدم الشركة مجموعة شاملة من خدمات إدارة السفن، بما في ذلك الإدارة التقنية، وتوفير الطواقم، وإدارة السلامة. وتُشغّل الشركة أسطولًا من العبارات وقوارب الطاقم عالية الأداء، مع التركيز على الصيانة المهنية والالتزام بمعايير الصحة والسلامة والبيئة الدولية. يقع مقر المكتب المسجل للشركة في 21 طريق تواس، سنغافورة 638489. وهي شركة تابعة مملوكة بالكامل لشركة Penguin International Limited، حيث تتولى Pelican Ship Management Services عمليات إدارة السفن في سنغافورة، بينما تقوم شركة Penguin Shipyard International، التابعة أيضًا، بأعمال الإصلاح والصيانة في حوض بناء السفن الخاص بها في تواس. تُظهر السجلات أن رأس المال المدفوع للشركة يبلغ 1,600,000 دولار سنغافوري، ويشغل كونديكيريل فيليب جورج منصب المدير الرئيسي. وبالنسبة لنشاط الشركة في الشرق الأوسط، لم تشر المصادر المفتوحة المتاحة الآن إلى سوابق لها تخص قيامها بنشاط غير قانوني مثل تهريب الأسلحة، وهو ما طرح تساؤلات كبيرة حول "انخراطها الآن في تهريب سلاح إلى ليبيا". بناء السفن شركة بينغوين تتميز بأنها لا تقتصر فقط على بناء السفن، بل تمتلك وتشغل أيضًا أسطولًا من السفن، وتعمل على تطوير سفن جديدة مثل Flex-42X التي تتميز بميزات متقدمة مثل جسر الحركة المعلق ونظام مراقبة الوقود الإلكتروني (EFMS). كما أن شركة Penguin International Limited هي شركة سنغافورية محلية مسجلة في البورصة، متخصصة في تصميم وبناء وامتلاك وتشغيل السفن السريعة المصنوعة من الألومنيوم. من خلال مجموعة من الشركات التابعة المتكاملة، تمتلك شركة بنغوين وتدير أسطولًا من قوارب الطاقم وعبارات الركاب وقوارب العمل (بما في ذلك أول أسطول في سنغافورة من السفن البحرية الكهربائية بالكامل)، بالإضافة إلى أحواض بناء السفن المصنوعة من الألومنيوم في سنغافورة وباتام بإندونيسيا. منذ عام 1996، سلّمت شركة بنغوين أكثر من 300 قارب طاقم من الألومنيوم، وعبارات ركاب، وزوارق دورية، وقوارب عمل لأصحاب السفن في أكثر من 20 دولة، ويشمل ذلك زوارق الطاقم متعددة الأدوار الرائدة للشركة (سلسلة FLEX-40 وسلسلة FLEX-42) وسفن الأمن المدرعة (FLEX FIGHTER). اليوم، أصبحت شركة Penguin أكبر شركة في العالم لبناء قوارب الطاقم لمشاريع النفط والغاز البحرية، وطاقة الرياح البحرية، والأمن البحري. وباعتبارها مالكًا ومشغلًا للسفن، تدير شركة Penguin أسطولًا مكونًا من حوالي 50 سفينة، بما في ذلك قوارب الطاقم، وقوارب الأمن، والعبارات الكهربائية البحتة (وشاحنات الشاطئ السريعة DC)، وقوارب الإرشاد، وقوارب الخط، وقاطرات الربط، وقوارب الإنزال. مدير شركة بينغوين إنترناشيونال كذلك وجدنا أن مدير شركة بينغوين إنترناشيونال هو جيمس ثام، الذي بدأ مسيرته في الشركة بعد انتقاله من الصحافة البحرية إلى مجال تطوير الأعمال في قطاع بناء السفن، حيث بدأ في بينغوين كمدير لتطوير الأعمال عام 2006 قبل أن يصبح المدير العام في 2008. تحت قيادته، أصبحت بينغوين واحدة من أبرز الشركات في مجال بناء قوارب الطاقم المصنوعة من الألومنيوم، خاصة في أسواق جنوب شرق آسيا وغرب أفريقيا. حققت الشركة نجاحًا كبيرًا، حيث حققت 44% من الحصة السوقية العالمية في هذا المجال. حفتر له الحق في التسليح في حين ترى مصادر ليبية في البرلمان الليبي في طبرق، والمحسوبة على حفتر، أن الجنرال الليبي له الحق في شراء ما يراه من سلاح من أجل تسليح "جيشه" في الشرق، وبما أن مجلس الأمن الدولي قد أصدر قرارًا بحظر شراء ليبيا لأي أسلحة منذ عام 2011، فلحفتر الحق في أن يسلك الطريق الذي يراه لجلب هذه الأسلحة حتى لو كان بطريقة غير قانونية. لكن المصدر نفى في "برلمان طبرق" أن يكون قد تم مناقشة أي صفقة لشراء السلاح داخل البرلمان أو حتى في الدوائر الضيقة في بنغازي ما بين حفتر ودوائر السلطة هناك، مشددًا على أن مثل هذه المسارات "غير مطروحة للنقاش أصلاً" لما يعتقد حفتر أهميتها، ومن ثم لا يجب أن يتشارك فيها أحد. بطبيعة الحال، يقول المصدر الليبي في برلمان طبرق إن ذلك ليس ممارسة ديمقراطية حقيقية، لكنه يستطرد بالقول إن أوضاع ليبيا ليست صحية سياسيًا، ومن ثم فما يحدث طبيعي بسبب الظروف الحالية للبلاد. خليفة حفتر /رويترز في المقابل، يشير مصدر مطلع مقرب من حكومة الدبيبة إلى أن ما يقال حول سفينة الإنزال في بنغازي، والتي قامت بإنزال أسلحة قرب السواحل الليبية وقامت قوات حفتر بنقلها إلى داخل ليبيا، هي معلومات صحيحة، إذ يوضح كلامه بالقول إن سفن الإنزال، بطبيعة الحال، هي سفن لا تحتاج إلى أن تصل إلى الشواطئ لأنها مصممة للتحرك وسط الظروف الاستثنائية وظروف الحرب. ومن ثم، ووفق كلام المصدر الليبي، فإن السفينة تقوم بعملية الإنزال للسلاح داخل المياه وليس على الشاطئ، ما يجعلها بعيدة عن الرصد أو المشاهدة من أي أطراف أخرى. وأشار المصدر الليبي المقرب من حكومة الدبيبة إلى أنها ليست المرة الأولى التي يلجأ فيها حفتر إلى شراء أسلحة بالمخالفة للقانون، لكن الحرب التي أدارها على طرابلس في عام 2019 شهدت إدخال كميات كبيرة من السلاح إلى ليبيا لكي يقوم باستخدامها في حربه على طرابلس. وقال المصدر إن هناك تقريرًا صدر في هذه الفترة من الأمم المتحدة كشف أن الإمارات أرسلت عشرات الرحلات الجوية إلى حفتر محملة بالذخيرة وأنظمة الدفاع وذلك في عام 2020. تلى ذلك محاولات كثيرة من جانب حفتر لشراء وتهريب أسلحة وإدخالها إلى ليبيا بالمخالفة للقانون، على حسب قول المصدر الليبي.


الشروق
١٦-٠٤-٢٠٢٥
- الشروق
حوار هادئ بين الجزائر ودول الساحل لتصحيح الوضع
في ظل استمرار الأزمة بين الجزائر والسلطات العسكرية في مالي واستدعاء السفراء وتبادل التصريحات الحادة، تتوسع دائرة القلق في الساحل من تبعات هذا الوضع الذي قد تكون له انعكاسات خطيرة على المنطقة. في هذا الحوار مع 'الشروق/الشروق أونلاين' يعود الكاتب والسياسي النيجري، عمر مختار الأنصاري، إلى ما يجمع الجزائر ودول الساحل، مؤكدا بأنها حليف تاريخي يدعم تطلعات شعوب المنطقة نحو الحرية والتنمية، داعيا إلى حوار هادئ بعيدًا عن التصعيد الذي لا يخدم سوى أعداء الاستقرار. الشروق/الشروق أونلاين: كيف تتابعون تطورات الأزمة الدبلوماسية بين الجزائر ومالي، خاصة بعد التوتر الأخير والتصريحات المتبادلة؟ عمر مختار الأنصاري: كسياسي ديمقراطي في النيجر، نتابع بقلق بالغ التطورات بين الجزائر ومالي، لأننا نؤمن بأن الاستقرار الإقليمي يعتمد على التعاون بين الدول الملتزمة بالديمقراطية واحترام إرادة الشعوب. الجزائر كشريك استراتيجي للنيجر، قدمت دعمًا مستمرًا لاستقرارنا، من خلال مبادرات مثل التعاون الأمني المشترك لمكافحة الإرهاب، ودعم مشاريع التنمية في مناطقنا الحدودية، بالإضافة إلى تدريب الكوادر المدنية والعسكرية. وفي مالي كذلك، لعبت الجزائر دورًا تاريخيًا هامًا حيث ساهمت في استقرارها عبر دعمها الأمني خلال ثورة التوارق عام 1963، من خلال تسليم قادة التمرد، مما ساعد على إنهاء النزاع. كما واصلت الجزائر جهودها من خلال وساطتها في أزمات التوارق خلال التسعينيات، وصولاً إلى اتفاق الجزائر للسلام عام 2015 الذي سعى لإنهاء النزاع في شمال مالي. هذه المبادرات تؤكد التزام الجزائر بالحلول السلمية. نرى أن التوتر الحالي قد يكون مرتبطًا بانحراف بعض الأنظمة الانقلابية عن مبادئ الحكم الرشيد، مما يعيق جهود الجزائر الدبلوماسية، لذلك، ندعو إلى حوار هادئ يعيد الأمور إلى مسارها الصحيح، بعيدًا عن التصعيد الذي لا يخدم سوى أعداء الاستقرار. مثل مالي، استدعت كل من النيجر وبوركينا سفيريهما من الجزائر. هل ترى أن هناك إمكانية لانخراطهما في تصعيد أكبر ضد الجزائر إذا استمرت الأزمة؟ قرار استدعاء السفراء يعكس موقفًا مؤسفًا من بعض الأنظمة التي تسيطر عليها توجهات انقلابية، وهو لا يمثل إرادة شعوب النيجر وبوركينا فاسو. الجزائر، بالنسبة لنا ليست خصمًا، بل حليف تاريخي يدعم تطلعات شعوبنا نحو الحرية والتنمية. نعتقد أن التصعيد ضد الجزائر لن يخدم إلا أجندات تستهدف زعزعة المنطقة، ونحن في النيجر نسعى لتعزيز الحوار مع الجزائر لإعادة بناء الثقة. الأنظمة الانقلابية قد تجد نفسها معزولة إذا استمرت في هذا النهج، بينما الحل الدبلوماسي هو السبيل لضمان استقرار الجميع. حسب رأيك، ما هي الأسباب الحقيقية التي أدت إلى هذا التوتر غير المسبوق بين الجزائر ومالي؟ وهل هناك أطراف خارجية تساهم في تأجيج الخلاف؟ التوتر الحالي ينبع من اختلاف جوهري في الرؤى: الجزائر تدافع عن حلول سياسية ودبلوماسية ترتكز على احترام السيادة والحكم الديمقراطي، بينما يعتمد النظام الانقلابي في مالي مقاربات عسكرية متشددة أثارت قلق الجزائر ودول الجوار. قرار مالي الاستعانة بمجموعات مثل فاغنر، إلى جانب تعزيز التعاون العسكري مع قوى خارجية، يتعارض مع جهود الجزائر للحفاظ على استقرار المنطقة. لا يمكن استبعاد دور أطراف خارجية تسعى لاستغلال هذا التوتر لتعزيز نفوذها في الساحل، مستفيدة من الفوضى التي تخلقها الأنظمة غير الشرعية. نحن ندعو إلى وحدة إقليمية تحمي مصالح شعوبنا من هذه التدخلات، مع دعم نهج الجزائر الدبلوماسي. ما هي المخاطر التي قد تنجم عن استمرار هذا التوتر على استقرار منطقة الساحل؟ وهل هناك خطر أن تتحول المنطقة إلى ساحة لتصفية الحسابات الدولية؟ استمرار التوتر، خاصة بسبب سياسات الأنظمة الانقلابية، قد يقوّض التعاون الإقليمي الضروري لمواجهة الإرهاب والجريمة المنظمة وتحديات التنمية. الساحل منطقة هشة، والانقسامات ستفتح المجال أمام الجماعات المتطرفة وقوى خارجية تسعى لاستغلال شعوب المنطقة، ونخشى أن يتحول الساحل إلى ساحة لتصفية الحسابات الدولية إذا لم نعزز الحوار عبر آليات مثل 'الإيكواس' والاتحاد الإفريقي، وندعم الجهود الدبلوماسية للحفاظ على السيادة الإقليمية ومنع أي استغلال خارجي. رغم دور الجزائر المناهض للاستعمار ومساهمتها في حركات التحرر الإفريقية، والروابط التاريخية والثقافية مع مالي والنيجر، نشهد حملات تشويه عبر وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي تتهم الجزائر بدعم الإرهاب وتدعو للتصعيد ضدها. ما تحليلك؟ هذه الحملات مؤسفة ولا تعكس الحقيقة التاريخية لدور الجزائر كمدافع عن الحرية والاستقرار. الجزائر قدمت دعمًا موثقًا لإفريقيا، مثل تدريب مقاتلي حركات التحرر في الستينيات والسبعينيات، واستضافة مفاوضات السلام لدول مثل إثيوبيا وإريتريا، ودعم استقلال ناميبيا وزيمبابوي. في الساحل، قادت الجزائر مبادرات مثل اتفاق الجزائر 2015، وتوفير المساعدات الإنسانية للنازحين في مالي والنيجر، ودعم مشاريع مكافحة التصحر والتنمية المستدامة. نحن في النيجر، نرى أن هذه الحملات قد تكون مدفوعة من أطراف تستفيد من إضعاف الجزائر، خاصة تلك التي تدعم الأنظمة الانقلابية لزعزعة الوحدة الإقليمية؛ كما أننا لا ننسى للجزائر رفضها للتدخل العسكري بالنيجر وإغلاق أجوائها عن الطيران الفرنسي ودعوتها إلى مبادرة للحل السلمي والدبلوماسي، نأسف لرفضها من طرف المجلس العسكري الحاكم بناء على توجيهات من باماكو. وفي الختام ندعو إلى تعزيز التواصل بين شعوبنا ودحض هذه التهم والادعاءات بالحقائق المشهرة والموثقة، والحفاظ على الروابط الأخوية مع الجزائر الشقيقة التي لم نر منها سوى الأخوة وحسن الجوار.


الخبر
١٣-٠٤-٢٠٢٥
- الخبر
الخبير رؤوف فرّاح يشرح جذور مأزق الجزائر مع جيرانها في الساحل
يتوقف رؤوف فرّاح، الخبير الجزائري في التحولات السياسية بمنطقتي شمال إفريقيا والساحل، في هذا الحوار، عند حادثة إسقاط الطائرة المالية المسيرة، وما سبقها من تطورات مهّدت لتوتر العلاقة بين باماكو والجزائر. لديك قراءة مركّزة في التوترات الحالية بين الجزائر والجيران في جنوب الصحراء، هل يمكن أن تختصرها لمتابعي موقع "الخبر"؟ حادثة إسقاط الطائرة المسيّرة التركية من قبل الجيش الجزائري، في الأول من أفريل، في منطقة تينزواتين، تمثل منعطفا حاسما في العلاقات بين الجزائر وباماكو. لم تكن هذه الحادثة معزولة بل جاءت كنتيجة لمسار طويل من تدهور العلاقات. ففي حين ترى الجزائر - وعن حق - في هذه الحادثة انتهاكا لسيادتها الترابية، تؤكد مالي أن الطائرة كانت تحلّق داخل مجالها الجوي. وقد أعقبت الحادثة سلسلة من الإجراءات المتسارعة: استدعاء السفراء، تعليق الرحلات، وإغلاق الأجواء. هذا التدهور ناتج عن تشابك في الخلافات الاستراتيجية والتوترات الدبلوماسية وإعادة تشكيل التحالفات الجيوسياسية، بداية من الانقلاب العسكري الذي أوصل المجلس العسكري إلى السلطة، في أوت 2020. وتجلّت هذه التوترات من خلال ثلاثة عناصر أساسية: *انسحاب السلطات المالية من اتفاق السلام والمصالحة المنبثق عن مسار الجزائر، والذي أُعلن عنه في جانفي 2024، منهيا بذلك عقدا من الوساطة الإقليمية. *تنامي نفوذ مجموعة "فاغنر" شبه العسكرية، التي تقاتل إلى جانب الجيش المالي في شمال البلاد، وتقترب بشكل متزايد من الحدود الجزائرية منذ عام 2024. *تصاعد الخطاب السيادي الذي يتضمن اتهامات صريحة للجزائر بالتدخل، بل وبدعم الجماعات المصنفة إرهابية، لاسيما بعد نهاية عملية برخان العسكرية الفرنسية في نوفمبر 2022. حادثة الطائرة المسيّرة لا تخرج عن هذا السياق التصادمي، بل هي استمرار له. كما أن الوضع تأجج مع ظهور تحالف دول الساحل الذي يضم مالي وبوركينا فاسو والنيجر، والذي يتبنّى خطابا سيادويا متشدّدًا ويقصي الأطر التقليدية للتعاون الإقليمي. ويجب ألا ننسى أن هذا التحالف انسحب رسميا من المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا (إكواس) في جانفي 2025، ويدخل في توترات مع العديد من دول غرب إفريقيا. يسعى هذا التكتل لفرض نفسه كنموذج بديل، لكنه يواجه في المقابل عزلة متزايدة. ماذا كان يجب على الجزائر أن تقوم به لتفادي ما يسميه البعض "حركة تمرد" من مالي والنيجر وبوركينافاسو.. علما أن بوادرها تلوح منذ مدة غير قصيرة؟ الأزمة الحالية تخص العلاقات بين الجزائر ومالي بشكل أساسي. لا توجد أزمة مفتوحة مع النيجر أو بوركينا فاسو، رغم أن العقيد عاصمي غويتا، رئيس مالي، يلعب دورا محوريا في ديناميكية تحالف AES . كثّفت الجزائر مؤخرا علاقاتها مع النيجر، وهاذا توجه يجب أن نحافظ عليه. من المبالغة اعتماد قراءة متشائمة. لا النيجر ولا بوركينا فاسو ولا حتى مالي، يسعون إلى الدخول في مواجهة عسكرية مع الجزائر. احتمال التصعيد العسكري ضعيف للغاية، إن لم يكن منعدما رغم أن التصعيد السياسي يبقى واردًا. على الحدود، من المهم التذكير أن السلطات المالية لا تسيطر فعليا على المناطق المقابلة لبرج باجي مختار، تيميونين أو تينزواتين. وقد شهد عام 2024 هزائم قاسية للجيش المالي ومقاتلي مجموعات "فاغنر" في أقصى شمال مالي، في مواجهة مجموعات متمردة ما تزال تنشط في المنطقة. الحذر يبقى ضروريا على طول الشريط الحدودي، إلا أن تعزيز التدابير الأمنية قد بدأ فعليًا منذ استئناف المعارك بين الجيش المالي ومقاتلي أزواد. التحدي الحقيقي لا يتمثل في صدّ هجوم مباشر، بل في استباق تداعيات الصراع: خطر التمدد الإرهابي، تهريب الأسلحة، والاضطرابات الأمنية العابرة للحدود. لكن في العمق، الإجابة على هذا الوضع يجب أن تكون سياسية أولاً. على الجزائر أن تواصل التعاون الثنائي مع النيجر، وتوسّع قنوات الحوار - حتى غير الرسمية - مع مالي، من دون وسطاء، وأن توضّح استراتيجيتها في الساحل في الوقت المناسب. كما سيكون من المفيد إعادة تفعيل آليات التعاون الأمني، بما يخدم المصالح المشتركة للشعوب الحدودية. أصبح جنوب الصحراء منطقة نفوذ قوى كبيرة. لماذا الاهتمام بها، بينما تحاصرها المشاكل، خصوصا أنها ملاذ للجماعات الإرهابية ولشبكات المخدرات وكل أصناف الإجرام؟ في خضم هذه التوترات، لا يمكن تجاهل البعد الجيوسياسي الأوسع: فالساحل اليوم منطقة استراتيجية تتقاطع فيها أجندات دولية متعددة، ما حوّلها إلى ساحة تنافس أمني واقتصادي مكثّف. فرنسا التي كانت القوة المهيمنة سابقا، تراجعت إلى الخلف ونقلت جزءا من عملياتها إلى خليج غينيا، في محاولة للعودة لاحقا إلى الساحل. في هذا الفراغ، تتقدم قوى إقليمية غير إفريقية - روسيا، تركيا، الإمارات - بسرعة، غالبا بتدخلات عدوانية تشمل بيع الأسلحة، دعم الأنظمة العسكرية والانقلابات. جهات أخرى تسعى إلى استغلال الموارد الطبيعية الاستراتيجية: كالذهب (كندا، أستراليا، الصين) واليورانيوم في النيجر (فرنسا، الصين)، أو الثروات السمكية في المحيط الأطلسي (إسبانيا، الاتحاد الأوروبي) عن طريق شركات دولية. أما الدول الأوروبية، فترى في الساحل أرضا لمحاربة الهجرة غير النظامية من خلال سياسات "تصدير الحدود" الكولونيالية، كما يتضح حاليا في موريتانيا ومعظم دول شمال إفريقيا. في هذا السياق أيضا، يسعى المغرب، بدافع من حسابات سياسية ضيقة، إلى كسب ودّ الأنظمة العسكرية وبيع الوهم بوجوده كبديل اقتصادي. أمام هذا المشهد المعقد، تجد الجزائر نفسها أمام تحديات متزايدة رغم ما تملكه من مقومات واضحة. فهي تواجه صدمة مزدوجة: سقوط شركائها التقليديين جرّاء الانقلابات المتتالية. والدخول السريع والعشوائي لقوى أجنبية، بعضها شركاء، لكن كثيرا منها ينافس الجزائر على النفوذ. أمام هذه التحديات، تعاني الجزائر في تجديد استراتيجيتها الساحلية. لا تزال سياساتها تقليدية، تركّز على الأمن الداخلي، من دون رؤية شاملة تأخذ بعين الاعتبار كل تعقيدات النزاعات وطموحات شعوب المنطقة. للاحتفاظ بمكانتها كفاعل إقليمي، تحتاج الجزائر إلى سياسة خارجية أكثر مرونة وابتكارا تنطلق من مصالح إفريقية مشتركة.