
واشنطن تتبرأ من عار تل أبيب والأمراض النفسية تحاصر الإسرائيليين
لم تعد إسرائيل كما كانت.. عبارة موجزة تلخص الكثير من التحولات داخل الولايات المتحدة الأمريكية بعد قرابة عامين على عدوان غزة.. فالهجوم على إسرائيل لم يعد مجرد مادة خلاف بين الحزبين، والانحياز للحق الفلسطينى لم يعد قاصرا على حزب الأقلية داخل الكونجرس، أو ورقة ضغط يراوغ بها من يحلمون بالعودة إلى البيت الأبيض.. ففى الرحلة من الانحياز المطلق لـ«حق إسرائيل فى الدفاع عن نفسها»، مرورا بتهمة معاداة السامية وصولا إلى الإقرار ـ ولو فى الغرف المغلقة ـ بأن تل أبيب باتت حليف «عالى الكلفة»، ولا يقدم ما يليق بحجم ما يتلاقاه، الكثير من التفاصيل والمحطات الفارقة.. تفاصيل ستجد معها إسرائيل أن صباح اليوم التالى لنهاية حرب غزة ليس مفروشا بالورود، وأن الانتصار، أى انتصار فى ميادين القتال لن يفى بما ستتكبده فى المستقبل القريب.
وفى مقابلة مع شبكة سى إن إن الأمريكية، أمس الأول الاثنين، وصف السيناتور الديمقراطى بيرنى ساندرز، رئيس وزراء الاحتلال بـ«مجرم حرب»، معتبرا أن ما تفعله الحكومة الإسرائيلية فى غزة هو مذبحة تجاه الشعب الفلسطينى بأكمله.
وقال ساندرز: «كان لإسرائيل الحق فى الدفاع عن نفسها من الهجوم الذى شنته حماس، لكن ما فعلته منذ ذلك الحين هو شن حرب على الشعب الفلسطينى بأكمله، هناك الآن نحو 60 ألف قتيل، معظمهم من النساء والأطفال وكبار السن، هناك 18 ألف طفل قتلوا، و3 آلاف طفل بتر أحد أطرافهم. والآن علاوة على كل هذا الدمار، الدمار البشرى، التدمير الهائل لمساكنهم، مدارسهم، جامعاتهم، أنظمتهم الصحية، وفوق كل ذلك، ما يفعله نتنياهو هو فرض حصار يمنع دخول الغذاء، والناس يموتون جوعا».
وكشف ساندرز، أنه قدم قرارا قبل أسبوعين، حصل على 27 صوتا من الديمقراطيين لوقف وصول الأسلحة العسكرية إلى غزة، دون أى دعم من الجمهوريين، وقال: «رغم ذلك، أعتقد أن الجمهوريين على مستوى القاعدة الشعبية يدركون أيضا أن تقديم مليارات الدولارات لحكومة تجوع الأطفال ليس فكرة جيدة».
وفى أوساط الحزب الجمهورى، اتهم ستيف بانون، المستشار السابق لترامب، حكومة نتنياهو بـ«الكذب»، مؤكدا أن رئيس وزراء الاحتلال «خان الدعم الأمريكى»، وقال فى بودكاست «Bannnon's War room» الذى يقدمه على الإنترنت قبل أسابيع، إن حكومة إسرائيل مطالبة بأن تبرهن أنها شريك للولايات المتحدة.
واستطرد بانون، مخاطبا ساسة تل أبيب: «هل لديكم الجرأة بعد كل ما فعله هذا الرجل «ترامب» من أجلكم، أن تكذبوا عليه؟ عندما قال لكم: هذا ما فعلته وأحتاج أن تكونوا شركاء، وأطلب منكم التهدئة، ماذا فعلتم؟ قلتم لا يمكننا، وهذا كذب جديد من الأكاذيب العديدة التى تلقيناها من حكومة نتنياهو».
وأضاف بانون، موجها كلامه لمؤيدى إسرائيل فى الولايات المتحدة: «هذا الوضع يجعل الدفاع عن إسرائيل أمرا صعبا للغاية، عندما يكون أعلى مسؤول فى البلاد يتعامل من أسفل الرزمة، لا يلعب بنزاهة، والحقيقة أنه كاذب صريح.. إذا كنتم حقا تحبون إسرائيل وترغبون فى ألا تبقى فقط بل تزدهر، فعليكم أن تطرحوا أسئلة صعبة، وأسئلة صعبة جدا، وأن تطالبوا بإجابات واضحة وصادقة».
وفى مؤشر على حجم السخط الذى يسود دوائر الفكر وصنع القرار الأمريكى تجاه إسرائيل، نشرت صحيفة نيويورك تايمز نهاية يوليو الماضى مقالا للكاتب الكبير توماس فريدمان بعنوان: «كيف خدع نتنياهو ترامب فى غزة؟» ليجيب عن سؤالا بات ملحا لدى كثير من الأمريكيين، حيث قال إن الإدارة الأمريكية فى حاجة ماسة للتحرر من قيود الدعم المفتوح الذى تقدمه لتل أبيب، قياسا بما يرتكبه بنيامين نتنياهو من فظائع داخل قطاع غزة.
السؤال الذى طرحه فريدمان ليس الأول من نوعه، ففى مايو الماضى ذكر فى الصحيفة نفسها أن حكومة بنيامين نتنياهو لا يمكن أن تكون حليفا للولايات المتحدة، مشيرا إلى أن الرئيس الأمريكى دونالد ترامب مطالب بأن يدرك حقيقة جوهرية: «هذه الحكومة تتصرف بطرق تهدد المصالح الأمريكية الأساسية فى المنطقة».
الأصوات المعارضة لإسرائيل فى أوساط الساسة الأمريكيين لم تكن بمعزل عن حراك الجامعات، فمنذ الأشهر الأولى للعدوان، شكلت التظاهرات الجامعية المعارضة لجرائم الاحتلال ورقة ضغط حقيقية على صانع القرار داخل الولايات المتحدة فى الأشهر الأخيرة من ولاية جو بايدن، وكانت نواة لمواجهة مفتوحة قادها ترامب ضد إدارات تلك الجامعات فى خطوة أثبتت الأيام عدم جدواها.
وبعيدا عن آراء النخب الأمريكية، كشفت دراسة نشرها المركز القومى لدراسات الانتخابات داخل الولايات المتحدة فى الربع الأول من العام الجارى بيانات لافتة، حيث تضمنت الدراسة سؤالا يختبر رؤية الأمريكيين عما إذا كانت إسرائيل تشكل تهديدا للولايات المتحدة أم لا.
وبحسب النتائج التى نشرتها صحيفة واشنطن بوست، فى ذلك الحين، فإن قطاعات واسعة من الأمريكيين باتت تعارض سياسة «الشيك على بياض» فى تزويد إسرائيل بالسلاح، بل ترفض أى احتمال لإرسال قوات عسكرية إذا اشتعل نزاع أوسع فى المنطقة.
وألمحت النتائج التى نشرت بعد أكثر من عام على عدوان غزة بأن الأجيال الجديدة داخل الولايات المتحدة ترى أن العلاقة مع إسرائيل يجب أن يتم تقييمها بزوايا القيمة والكلفة والعائد بدلا من الاكتفاء بسرديات دينية وتاريخية.
وبحسب النتائج فإن 56% من الأمريكيين يرون فى إسرائيل مصدرا للتهديد بغض النظر عن حجم هذا التهديد، مقابل 42 % من العيّنة تنظر لإسرائيل على أنها «غير مهدّدة إطلاقا»، وبشكل مفصل فإن 22 % ممن يرون إسرائيل تشكل تهديدا للولايات المتحدة يعتبرون ذلك التهديد «محدود»، مقابل 24 % يضعونها فى إطار «التهديد المتوسط»، فى حين يراها 16 % تهديدا كبيرا.
وفى مارس 2024، ذكر جون هوفمان، خبير السياسة الخارجية فى معهد «كاتو» الأمريكى للدراسات، أن إسرائيل «لم تعد مصدر مكاسب استراتيجية» بقدر ما أصبحت مصدرا محتملا للخطر على المصالح الأمريكية، موضحا فى مقال نشرته مجلة فورين بوليسى أن إسرائيل هى أكبر متلق مساعدات، لافتا إلى أن حجم ما حصلت عليه من الولايات المتحدة الأمريكية منذ الحرب العالمية الثانية يقدر بأكثر من 300 مليار دولار، إلا أن المقابل الذى تتحصل عليه واشنطن من وراء هذا الدعم فى حاجة لإعادة تقييم.
وأضاف هوفمان: «يزعم المؤيدون لإسرائيل أن الدعم الثابت أمر بالغ الأهمية لتعزيز المصالح الأمريكية فى الشرق الأوسط. على سبيل المثال، أشار السيناتور الجمهورى ليندسى جراهام ذات مرة إلى إسرائيل باعتبارها «عيون وآذان أمريكا فى المنطقة، وفى حين أن تبادل المعلومات الاستخبارية قد يكون له بعض القيمة الاستراتيجية، فإن الحرب فى غزة أوضحت الآثار السلبية العديدة لهذه العلاقة، وعلى وجه التحديد كيف أدى احتضان واشنطن غير المشروط لإسرائيل إلى تقويض موقعها الاستراتيجى فى الشرق الأوسط مع الإضرار بصورتها العالمية، لقد سلطت الحرب الضوء بشكل صارخ على الإخفاقات الأساسية لسياسة الولايات المتحدة فى الشرق الأوسط».
وتابع الباحث الأمريكى: «لقد حان الوقت لإعادة تقييم جوهرى للعلاقة بين الولايات المتحدة وإسرائيل، كما كان لدعم واشنطن الثابت لإسرائيل وسط الحرب فى غزة تداعيات إقليمية كارثية. من شرق البحر الأبيض المتوسط إلى البحر الأحمر، هناك سلسلة من نقاط التوتر المختلفة تهدد بجر المنطقة – والولايات المتحدة – إلى حرب واسعة النطاق، بالإضافة إلى ذلك فإن دعم واشنطن المستمر للحملة الإسرائيلية الوحشية فى غزة قد شوه صورة واشنطن كرمز للقيم الليبرالية».
و حالة من الهلع باتت تهيمن على المواطنين الإسرائيليين، منذ اندلاع الحرب على غزة، خاصة بعدما تمكنت الفصائل من اقتحام أراضيهم، واختطاف مواطنين بينهم ضباط كبار بالجيش، وهو ما يعد مؤشرا لحالة من الهشاشة الأمنية فى الداخل، وهو ما وضع ضغوطا كبيرة ليس فقط على المجتمع، وإنما أيضا على كاهل الجنود الإسرائيليين، الذين باتوا فى مواجهات مباشرة مع الفصائل، فى الوقت الذى يخشون فيه عمليات نوعية قد تستهدفهم.
فبحسب تقارير عبرية، فإن معظم حالات الانتحار فى صفوف الجنود الإسرائيليين كانت بسبب صدمات نفسية ناجمة عن الحرب المستمرة فى قطاع غزة، وهو ما يعكس التداعيات السلبية للمعركة التى يخوضها نتنياهو وحكومته، منذ ما يقرب من عامين.
فى هذا الإطار، قالت تقارير أذاعتها قنوات عبرية: إن عدد جنود الجيش الإسرائيلى، الذين اتخذوا خطوة الانتحار منذ بداية عام 2025، وحتى أواخر يوليو الماضى، وصل إلى 16 جنديا، حيث أفادت بأن حالات الانتحار ناجمة عن الصدمات النفسية الناتجة عن طول أمد الحرب، والفترات الطويلة التى يقضيها الجنود فى ساحة القتال، إلى جانب المشاهد المروعة وفقدان الأصدقاء.
الأرقام المذكورة، نشرتها تقارير صحفية وتليفزيونية، إلا أن المؤسسة العسكرية لم تصدر أى تعليق حولها تحت ذريعة أن البيانات فى هذا الشأن لا تصدر إلا مرة واحدة بالعام، وفى موعد محدد.
وبحسب تقرير نشرته صحيفة سويدية، فإن عدد الجنود فى الجيش الإسرائيلى الذين انتحروا خلال الشهور الثلاثة الأخيرة من 2023، «من 7 أكتوبر إلى نهاية ديسمبر» بلغ 7 جنود، بينما كان عدد المنتحرين خلال الشهور التسعة الأولى من العام، 10 جنود، فى حين بلغ عدد الجنود الذين انتحروا فى العام الماضى 21 جنديا.
وبعيدا عن الجنود الإسرائيليين وأزماتهم التى دفعت قطاعا منهم لاتخاذ قرار الانتحار، فإن ثمة أزمة غير مسبوقة فى الصحة النفسية داخل المجتمع الإسرائيلى، وهو ما أكدته ورقة بحثية نشرتها دورية أكاديمية إسرائيلية متخصصة فى الأبحاث الصحية، حيث كشفت ارتفاعا حاد فى معدلات اضطراب ما بعد الصدمة والاكتئاب والقلق، مع تأثيرات مستمرة وعميقة على فئات بعينها مثل النساء، والأقليات العرقية ولا سيما العرب، والأشخاص الذين عانوا فقدانًا أو نزوحًا أو أزمات اقتصادية.
وأوضحت الورقة البحثية أن البيانات، التى تم الحصول عليها قبل وبعد الهجوم، أظهرت تضاعف معدلات الإصابة المحتملة باضطراب ما بعد الصدمة تقريبًا «من 16.2 % إلى 29.8 %»، وارتفاعًا كبيرًا فى معدلات القلق العام والاكتئاب خلال أشهر قليلة.
كما أظهرت نتائج المتابعات حتى ثمانية أشهر بعد الهجوم أن نحو ثلثى السكان فى مناطق الصراع ظلوا يعانون من أعراض تفوق العتبة الإكلينيكية، مع استمرار الفوارق بين الجنسين والأقليات والأغلبية. وفى المقابل، أظهرت الدراسات تحسنًا تدريجيًا فى الأداء الوظيفى رغم بقاء مستويات الضيق النفسى المرتفعة، ما يعكس مسارات متباينة بين التعافى الجزئى واستمرار المعاناة النفسية.
اقترح الباحثون إعادة هيكلة جذرية لنظام الصحة النفسية فى إسرائيل، تشمل تدريبًا واسع النطاق على التشخيص المعيارى والعلاجات النفسية قصيرة المدة المدعومة بالأدلة، واعتماد الطب النفسى الدقيق الذى يراعى الفروق الفردية، وتوسيع نطاق الرعاية عبر نماذج «نقل المهام» و«تقاسم المهام» لزيادة الوصول للعلاج رغم نقص الأخصائيين، وشددوا على ضرورة التركيز على الفئات الأكثر عرضة، ومتابعة نتائج العلاج بشكل منهجى، لضمان استجابة فعّالة تخفف الأعباء طويلة الأمد على الأفراد والأسر والمجتمع الإسرائيلى ككل.
كما رصدت أبحاث أخرى، أجرتها جامعة القدس وكلية كولومبيا، ارتفاعا حادا فى اضطرابات ما بعد الصدمة والقلق والاكتئاب بين مواطنى إسرائيل، حيث كشفت أن ما يقارب 520 ألف إسرائيلى «أى حوالى 5.3 % من السكان» يُعانون من اضطراب ما بعد الصدمة، نتيجة الهجمات التى بدأت فى 7 أكتوبر والحرب التى تلتها.
وبحسب تقارير منشورة بصحف إسرائيلية، فإنه من المتوقع أن يصل عدد طالبى العلاج من أعراض اضطرابات ما بعد الصدمة والقلق والاكتئاب إلى حوالى 900 ألف شخص، إلا أن منظومة الصحة النفسية العامة تواجه صعوبة فى تلبية هذه الحاجة.
الحديث عن منظومة الصحة النفسية والتحديات التى تواجهها كان محل اهتمام العديد من الأقلام والكاميرات فى الدولة العبرية، حيث رصد تقرير منشور بصحف أمريكية معاناة تل أبيب فيما يتعلق بنظام الصحة النفسية قبل اندلاع الحرب، وهو ما يعنى انهيارها عمليا بعدها، فى ظل عدم قدرتها على الوفاء بالحالات المتزايدة فى هذا الإطار.
معاناة المواطن الإسرائيلى لم تقتصر على القلق والاكتئاب، وإنما باتت تطارده فى منامه، وهو ما أظهرته أبحاث الجامعة العبرية بالقدس، التى رصدت أن أكثر من 20 % من الإسرائيليين باتوا ينامون أقل من 6 ساعات فى الليلة، بينما ارتفعت حالات الأرق الإكلينيكى بنسبة 19 %، فى حين ارتفعت نسبة مستخدمى الأدوية المنومة بنسبة 5 %.
وفى سياق آخر، شهدت الخطوط الساخنة زيادة هائلة فى عدد المكالمات، ما يشير إلى ارتفاع الذروة فى الضغط النفسى العام، بما يشمل فئات كانت أقل استدعاءً للدعم مثل الأطفال والرجال، حيث زادت بمعدل 33 ألف طلب شهريا خلال الأشهر الستة الأولى من اندلاع الحرب فى غزة.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


نون الإخبارية
منذ 32 دقائق
- نون الإخبارية
سامي أبو العز يكتب: إسرائيل الكبرى.. وهم نتنياهو
وكأنّ بنيامين نتنياهو يعيش في عالم صنعه بخياله، حين خرج في تصريحاته الأخيرة يتحدث عن «إسرائيل الكبرى» بثقة المتوهم الذي يظن أنّ الشمس في يمينه والقمر في يساره، وأنّ الدنيا قد دانت له بالولاء والطاعة. وبكل صلف وغرور، صدّرت وسائل الإعلام الإسرائيلية هذا الحلم المزعوم، لتسوقه على أنه قدر محتوم، بينما هو في حقيقته كابوس قديم يعاد تسويقه كلما احتاج الاحتلال جرعة من التحريض والتعبئة. فكرة «إسرائيل الكبرى» ليست وليدة اليوم، بل هي جزء من الأساطير السياسية والدينية التي روجتها الحركة الصهيونية منذ تأسيسها، متكئة على تأويلات انتقائية من النصوص الدينية اليهودية، تزعم أن حدود «أرض الميعاد» تمتد من نهر النيل إلى نهر الفرات. هذا النص لم يكن يومًا خريطة جغرافية حقيقية بقدر ما كان رمزًا دينيًا روحيًا في العهد القديم، لكن الصهيونية حوّلته إلى مشروع توسعي استعماري، يستبيح الأرض والإنسان باسم «الحق التاريخي». تاريخيًا، لم تتحقق هذه الأسطورة في أي عهد من عهود بني إسرائيل، بل كانت مجرد دعاية لشد العصبية الدينية وتبرير الاحتلال. حتى كبار المؤرخين اليهود المعاصرين يعترفون بأن «إسرائيل الكبرى» لم تكن كيانًا سياسيًا قائمًا، بل أداة لتعبئة الجموع. إعلان نتنياهو عن هذا الحلم الآن ليس صدفة، فهو يواجه مأزقًا سياسيًا داخليًا خانقًا، وتحديات ميدانية في غزة تستنزف جيشه وتكشف ضعف منظومته الأمنية. في ظل هذا الإخفاق، يلجأ إلى خطاب قومي متطرف لإعادة شحن مؤيديه، وصرف الأنظار عن الفشل الميداني والضغوط الدولية. كما أن الخطاب يأتي متزامنًا مع محاولة فرض وقائع جديدة على الأرض، من خلال الاستيطان المكثف في الضفة الغربية، والتصعيد الوحشي في غزة، وكأنه يقول للعالم: «هذا هو مشروعنا الحقيقي، فإما أن تقبلوا به أو تواجهوا قوتنا». ما يحدث في غزة ليس حربًا عسكرية فقط، بل جزء من استراتيجية أوسع لتهجير الفلسطينيين وإفراغ القطاع من سكانه، تمهيدًا لتغيير جغرافي وديمغرافي يخدم مشروع «إسرائيل الكبرى». تصريحات نتنياهو ليست مجرد أحلام، بل إنذار صريح بأن الحرب على غزة هي خطوة على طريق أكبر، وأن المشروع التوسعي لا يقتصر على فلسطين التاريخية وحدها. التصريحات فجرت موجة غضب عارمة في العالمين العربي والإسلامي، إذ اعتُبرت إهانة مباشرة لسيادة الدول وحدودها، وتأكيدًا على أن الاحتلال لا يتوقف عند حدود فلسطين. لكنّ الغضب وحده لا يكفي، فالتاريخ علّمنا أن الصهيونية لا تتراجع أمام البيانات والشجب، بل أمام قوة سياسية وشعبية وعسكرية تواجه مشروعها على الأرض. التاريخ لا يرحم الأوهام، من فرعون الذي قال «أنا ربكم الأعلى» إلى نابليون الذي حلم بالسيطرة على المشرق، مرورًا بكل الغزاة من التتار إلى الاستعمار البريطاني والفرنسي، كانت النتيجة واحدة: تسقط الإمبراطوريات ويبقى الشرق العربي عصيًّا على الابتلاع. نتنياهو اليوم يعيد نفس المشهد المكرر، متخيلًا أن أوهامه قادرة على محو التاريخ والجغرافيا معًا، لكنه ينسى أن هذه الأرض لفظت كل من حاول ابتلاعها، وأن الشعوب التي أسقطت الصليبيين والمغول، لن تسمح لوهم «إسرائيل الكبرى» أن يتحول إلى واقع. سيظل حلمه مجرد فقاعات إعلامية تنفجر عند أول مواجهة حقيقية، لأن الشمس لا تُحمل في يمين أحد، ولا القمر يُحاصر في يسار أحد، ولأن هذه الأرض تعرف كيف تكتب نهاية كل محتل. samyalez@ للمزيد من مقالات الكاتب اضغط هنا


نون الإخبارية
منذ 32 دقائق
- نون الإخبارية
البيت الأبيض يكشف تفاصيل القمة المرتقبة بين بوتين وترامب
أعلن البيت الأبيض تفاصيل جدول أعمال القمة المنتظرة بين الرئيسين الروسي فلاديمير بوتين والأمريكي دونالد ترامب، والتي ستنعقد غدا الجمعة في ولاية ألاسكا الأمريكية. تأتي هذه القمة في ظل تطورات دولية تتطلب تعزيز الحوار بين موسكو وواشنطن حول مجموعة من القضايا السياسية والاقتصادية. جدول أعمال وتفاصيل اللقاء الثنائي وفقًا لبيان صادر عن البيت الأبيض، من المقرر أن يغادر الرئيس الأمريكي دونالد ترامب واشنطن متوجهًا إلى ولاية ألاسكا، حيث سيلتقي نظيره الروسي فلاديمير بوتين في اجتماع ثنائي. وسيتضمن اللقاء العديد من المراحل، تبدأ بمحادثات مغلقة بين الزعيمين يناقشان خلالها القضايا الملحة التي تواجه العالم، يلي ذلك إقامة عشاء مشترك بحضور وفدي البلدين، مما يعكس حرص الطرفين على تحسين العلاقات الثنائية. الأزمة الأوكرانية في صدارة المناقشات وأكد البيان أن إدارة الرئيس ترامب تواصل التركيز على الحلول الدبلوماسية كأولوية لمعالجة الأزمة الأوكرانية، ومع ذلك، لم تُغلق الإدارة الأمريكية الباب أمام استخدام «أدوات أخرى» إذا فشلت الجهود التفاوضية، هذه التصريحات تُبرز مدى جدية الولايات المتحدة في السعي لإيجاد حلول لهذه القضية المعقدة. تصريح الجانب الروسي بشأن القمة في تصريح سابق، أشار يوري أوشاكوف مساعد الرئيس الروسي إلى أن اللقاء سيبدأ يوم الجمعة الساعة 10:30 مساءً بتوقيت موسكو، وسيكون بحضور مترجمين لضمان التواصل الفعّال بين الزعيمين. وأوضح أنه عقب الاجتماع الثنائي، سيعقد الرئيسان مؤتمرًا صحفيًا مشتركًا، حيث سيطلعان وسائل الإعلام على نتائج النقاش والاتفاقات المحتملة التي تم التوصل إليها. رمزية مكان انعقاد القمة تميزت قمة الرئيسين باختيار مكان رمزي لعقدها، حيث ستُقام بالقرب من الضريح التذكاري للطيارين السوفيت الذين شاركوا إلى جانب نظرائهم الأمريكيين في الحرب العالمية الثانية. هذا المكان يحمل دلالة تاريخية تعكس الروابط التي جمعت البلدين خلال حقبة صعبة سبق أن أحيت روسيا ذكراها في مايو الماضي. محاور النقاش: التعاون الثنائي والأزمة الأوكرانية صرّح أوشاكوف بأن الموضوع الرئيسي للنقاش سيكون تسوية الأزمة الأوكرانية، بالإضافة إلى بحث سبل تعزيز التعاون الثنائي بين موسكو وواشنطن. وأضاف أن العلاقات بين البلدين ما زالت تحمل إمكانيات كبيرة غير مستغلة بعد، مما يجعل هذه المباحثات فرصة مهمة لفتح آفاق جديدة للتعاون. الوفد الروسي المرافق للرئيس بوتين سيضم الوفد المرافق للرئيس الروسي عددًا من الشخصيات البارزة، من بينهم مساعد الرئيس يوري أوشاكوف، ووزير الخارجية سيرغي لافروف، ووزير المالية أنطون سيلوانوف، ورئيس صندوق الاستثمارات المباشرة الروسي كيريل دميتريف. هذا التشكيل يعكس حرص روسيا على تقديم فريق مختص وشامل لتعزيز المباحثات الثنائية. آفاق اللقاءات المستقبلية بين الزعيمين اختتم أوشاكوف حديثه بالإشارة إلى احتمالية عقد لقاء آخر بين بوتين وترامب في المستقبل، وربما سيكون اللقاء المقبل على أرض روسيا، هذه التصريحات تعد مؤشرًا إيجابيًا على استمرار جهود الحوار وتعزيز العلاقات بين البلدين في المستقبل القريب. القمة: خطوة نحو تقارب جديد؟ تعكس هذه القمة أهمية العلاقات الروسية الأمريكية ومدى تأثيرها على الأمن والاستقرار الدولي، اختيار المواضيع والنقاط الرئيسية للنقاش يشير إلى استعداد الزعيمين لمعالجة قضايا عالقة بعقلانية ومرونة. الوقت وحده كفيل بالكشف عن مدى نجاح هذه الاجتماعات في تقريب وجهات النظر بين الطرفين وتحقيق نتائج ملموسة تعود بالنفع على العالم بأسره. المصدر نوفوستي


النهار المصرية
منذ 38 دقائق
- النهار المصرية
لماذا يّعقد لقاء الرئيس الأمريكي ونظيره الروسي في ولاية ألاسكا؟
لقاء مرتقب بين الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ونظيره الروسي فلاديمير بوتين في ولاية ألاسكا، للتباحث حول الحرب الروسية الأوكرانية، وفق ما أعلنه مساعد الرئيس الروسي يوري أوشاكوف، موضحًا أن اختيار الموقع منطقي جغرافيًا وتاريخيًا، إذ لا يفصل ألاسكا عن روسيا سوى مضيق بيرينج، ما يجعل الانتقال إليها مباشرًا لعقد قمة بالغة الأهمية، وأشار أوشاكوف إلى أن البلدين جاران ويتقاسمان الحدود، فضلًا عن تقاطع مصالحهما الاقتصادية في القطب الشمالي، ما يفتح آفاقًا لمشاريع مشتركة واسعة النطاق. لاختيار تلك المنطقة دلالات كبيرة، بحسب تحليل لمروة عبد الحليم الباحثة بالمركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية، موضحة أن الزيارة ستكون الأولى من نوعها لرئيس روسي إلى ألاسكا، رغم أن عدة زعماء سوفييت وروس زاروا الولايات المتحدة في الماضي دون الوصول إلى هذه الولاية، مثل نيكيتا خروتشوف، ليونيد بريجنيف، ميخائيل غورباتشوف، بوريس يلتسين، ودميتري مدفيديف، أما آخر زيارة رئاسية روسية للولايات المتحدة فكانت في سبتمبر 2015، حين ألقى بوتين كلمة أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة. ووفق «مروة»، تحمل ألاسكا تاريخًا استثنائيًا مع روسيا؛ إذ اكتشفها الروس عام 1732 وكانت مستعمرة روسية من 1799 حتى بيعها للإدارة الأمريكية عام 1867 مقابل 7.2 مليون دولار، بينما كانت الإمبراطورية الروسية تسعى لسداد ديونها. هذه الخلفية جعلت اختيارها لاستضافة القمة يحمل دلالة رمزية وثقافية، وهو ما رحب به أنصار الكرملين بوصفه تذكيرًا بجذور الولاية الأرثوذكسية وحصونها وتاريخ تجارة الفراء، حتى ترامب أشار عن غير قصد إلى تلك الجذور حين قال في البيت الأبيض: «سأذهب إلى روسيا يوم الجمعة»، قبل أن يصحح تصريحه، والمفارقة أن القوميين الروس لطالما دعوا إلى استعادة ألاسكا كجزء من رؤية أوسع لإحياء الإرث الإمبراطوري، وهو ما يرتبط، بشكل أو بآخر، بخلفيات الصراع الدائر في أوكرانيا. من جانبه، أعلن حاكم الولاية مايك دانليفي أن ألاسكا جاهزة لاستضافة اللقاء، مشيرًا إلى أنها موقع مثالي من حيث الجغرافيا والتاريخ، وبحسب مروة عبدالحليم، من المرجح أن تعقد القمة في مدينة أنكوراج، وسط تطمينات أمنية من مدير مركز الأمن والاستدامة القطبي في جامعة ألاسكا، تروي بوفار، الذي أكد أن الوضع لا ينذر بمشكلات أمنية. يذكر أن أنكوراج كانت قد استضافت في مارس 2021 اجتماعًا دبلوماسيًا رفيع المستوى بين إدارة الرئيس الأمريكي السابق جو بايدن ومسؤولين صينيين، والذي تحول إلى مواجهة علنية حادة أمام الكاميرات. ومن المتوقع أن تناقش روسيا والولايات المتحدة تطوير القطب الشمالي، والتعاون في مجال الطاقة والمعادن النادرة، وهو ما قد يكون السبب الرمزي وراء اختيار ألاسكا مكانًا للقمة، وفق الباحثة، نظرًا لقربها من القطب الشماليؤ كما تشير تقارير إلى أن بوتين قد يضع إكليلًا تذكاريًا في المقبرة العسكرية «فورت ريتشاردسون» حيث يرقد طيارون سوفييت قُتلوا في المنطقة.