
الدبيبة: هدفنا ليبيا خالية من الميليشيات.. وبعضها أصبح أكبر من الدولة
قال رئيس حكومة الوحدة الوطنية الليبية عبد الحميد الدبيبة، السبت، إن "الميليشيات سيطرت على المشهد السياسي والاقتصادي الليبي"، ودعا الليبيين للانضمام إلى مشروع "ليبيا خالية من الميليشيات والفساد"، وذكر أن هدف العملية الأمنية في طرابلس كان إنهاء وجود التشكيلات المسلحة.
وجاءت تصريحات الدبيبة خلال كلمة مصورة، بعد اشتباكات مسلحة شهدتها العاصمة طرابلس بين "اللواء 444" و"جهاز الردع"، على خلفية قرار الدبيبة بحل الجهاز، وبعد يوم من تظاهرات تطالبه بالتنحي، واستقالة عدد من وزراء حكومته الجمعة.
وقال الدبيبة إنه سيستمر في محاربة الميليشيات، مضيفاً أن مشروع ليبيا خالية من الميليشيات، لا يزال مستمراً.
وأضاف الدبيبة، أن حكومته "وجدت عند تنصيبها ميليشيات تسيطر على المشهد الليبي"، وأن هذه الميليشيات انقسمت إلى ثلاث مجموعات، "المجموعة الأولى رفضت الانضمام لأي مشروع وغادرت، والمجموعة الثانية تلقت عروضاً بالانضمام إلى مؤسسات الدولة، واستجابت وانخرطت في مؤسسات الدولة العسكرية والمدنية، أما المجموعة الثالثة، فقد قررت البقاء كميليشيات، وعملت على هذا الأساس، مفضلة ابتزاز الدولة".
واعتبر أن "المجموعة الثالثة أصبحت أكبر من الدولة، ما دفع الحكومة للتعامل معها بهدوء"، في إشارة إلى العملية الأمنية في منطقة "أبوسليم" بطرابلس، والتي قال الدبيبة إنها كانت "تهدف لإنهاء التشكيلات المسلحة الخارجة عن مؤسسات الشرطة والجيش".
وقال الدبيبة، في كلمته، إن ما حدث في أبوسليم بطرابلس كان "عملية ناجحة في وقت سريع ودون أي أضرار رغم اكتظاظ المنطقة بالسكان".
وأضاف الدبيبة أن رئيس جهاز دعم الاستقرار عبد الغني بلقاسم خليفة الككلي الشهير بـ"غنيوة"، والذي لقي حتفه الأسبوع الماضي، "كان يقبض على المواطنين دون علم الدولة، ولديه سجون تبلغ مساحة زنازينها متراً مربعاً واحداً، وبها وسائل تعذيب مروعة، منها المناشير الكهربائية"، وفق قوله.
ولقي الككلي حتفه في 12 مايو الجاري خلال تبادل لإطلاق نار جنوب طرابلس، ما تسبب في تصاعد حدة التوترات والاشتباكات في العاصمة الليبية.
وقال الدبيبة أيضاً، إن الككلي، المعروف باسم "الكابوس"، "وضع يده على 6 مصارف في المدينة، ويسيطر على المال العام"، مضيفاً أن "كثيراً من المصارف كانت تخضع لأوامره تحت التهديد، كما أن بعض وزراء الحكومة أصبحوا يخشون مخالفة أوامره".
واعتبر الدبيبة أن العملية الأمنية في أبو سليم "تمت بشكل سلس"، و"بأقل الأضرار في الأرواح والممتلكات"، و"تُعد عملية ناجحة على جميع المستويات، رغم بعض التجاوزات التي حدثت مؤخراً".
وقال الدبيبة: "لدينا أمل في التخلص من الميليشيات، وهذا الأمل بدأ يكبر"، ودعا الليبيين المنخرطين في الميليشيات إلى "الانضمام لمؤسسات الدولة"، فيما اعتبر أن "المظاهرات مزعجة، وتحركها الأموال في كثير من الأحيان"، على حد قوله.
وذكر الدبيبة أن "أي طرف من الأطراف يرغب في الانضمام إلى الدولة، فليس هناك ما يمنعه"، مشيراً إلى أن "من يستمر في الفساد والابتزاز لن يُتساهل معه"، لأن "هناك مشروعاً لليبيا خالية من الميليشيات والفساد".
استقالات في حكومة الدبيبة
وكان وزراء في حكومة الوحدة الوطنية الليبية التي يقودها عبد الحميد الدبيبة، قد أعلنوا استقالتهم الجمعة، في الوقت الذي احتشد فيه آلاف المتظاهرين في ميدان الشهداء وسط العاصمة طرابلس للدعوة لإسقاط الحكومة وإجراء الانتخابات.
وأغلقت مدرعات وآليات مسلحة الطرق المؤدية إلى مقر رئاسة الوزراء في طرابلس، وقالت الحكومة إن شرطياً من المكلفين بحماية المقر سقط برصاص مجهولين، وإنها أحبطت "محاولة اقتحام".
وشهد ميدان الشهداء في طرابلس، مظاهرة احتجاجاً على الاشتباكات التي شهدتها العاصمة بين فصائل مسلحة، الاثنين الماضي، وتسببت في سقوط ضحايا، وألحقت أضراراً بالممتلكات العامة والخاصة، بحسب وكالة الأنباء الليبية "وال".
ووفقاً لـ"وال"، حمّل المتظاهرون حكومة الدبيبة مسؤولية "تدهور الوضع الأمني، وتدني مستوى المعيشة"، مطالبين باستقالتها.
وحتى الآن، استقال وزراء الصحة والحكم المحلي والثقافة والمالية والإسكان والاقتصاد، كما ظهر وزير النفط محمد عون في فيديو متداول أعلن فيه استقالته ودعا الدبيبة إلى التنحي عن السلطة.
وقال نائب رئيس حكومة الوحدة الوطنية ووزير الصحة المكلف رمضان أبو جناح على "فيسبوك"، إنه تقدم باستقالته من منصبه، متهماً الدبيبة بـ"إهدار الأموال العامة، ونهب لصالح المنتفعين، وشراء الولاءات من ذوي النفوس الضعيفة لغرض الاستمرار في السلطة"، وفق قوله.
كما قال وزير الحكم المحلي بحكومة الوحدة الوطنية بدر الدين التومي الذي قدم استقالته، إن قراره جاء "اصطفافاً وانحيازاً للشعب، ودعماً لتوجهه واستكمالاً لمسيرة الإصلاح وحقناً لدماء الليبيين".

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


الشرق الأوسط
منذ 7 ساعات
- الشرق الأوسط
من أشعل حرب طرابلس؟
هذا سؤال يتردد وفي حاجة لإجابة دقيقة عنه، بعد أن انطلقت مظاهرات تطالب بإسقاط الحكومة في طرابلس التي اتهمها بيان عمداء البلديات والتحركات الشعبية بالقتل واستخدام السلاح لقمع المتظاهرين، الأمر الذي عبرت عنه البعثة الدولية بالقلق وتحذير الحكومة من تكرار الاعتداء على المتظاهرين من قبل حكومة غير منتخبة ديمقراطياً، فقط جاءت نتيجة اتفاق سياسي ولا تريد أن تغادر إلا عبر الانتخابات؛ في ثنائية شيزوفرينية. البعض نسب الحرب لغريزة البقاء التي تعاني منها حكومة الوحدة الوطنية منتهية الولاية بحكم سحب الثقة منها من قبل البرلمان الشرعي في البلاد، فكأن هذه الحكومة كان شعارها: «نحكمكم أو نخرب بيوتكم»؛ خياران لا ثالث لهما تعلنهما الحكومة بكل عنجهية وتسويف وتجاهل للأزمة الليبية التي تتفاقم وتتشظى، رغم جميع المحاولات المتعددة لإعادة تجميع الفرقاء. وقد جاء بيان لعمداء بلديات المنطقة الغربية والجبل الغربي ليدعو جميع الليبيين للانتفاض وإسقاط حكومة الدبيبة، حيث ورد في البيان: «نطالب مؤسسات الدولة العسكرية والأمنية والشرطية للانحياز الكامل للشعب الليبي، ودعم انتفاضته الشعبية. حكومة الدبيبة استخفت بدماء أبناء العاصمة، وباعت ورهنت تراب ليبيا للاحتلال الأجنبي، وندعو الشعب الليبي لإطاحة هذه الحكومة العميلة، التي فرطت في السيادة الوطنية ومقدرات الوطن وأزهقت الأرواح، ندعو لإجراء انتخابات حرة ونزيهة، وتشكيل حكومة وطنية توافقية»، وطالبوا مجلسي النواب والدولة وبشكل عاجل، بتسمية رئيس حكومة وطنية جديدة تتولى زمام الأمور، لإنقاذ ما يمكن إنقاذه، بعد تغول الميليشيات وعجز الحكومات المتعاقبة عن احتواء الميليشيات، بما في ذلك حكومة الدبيبة ورضوخها لسطوة الميليشيات لدرجة شرعنتها بوصفها قوات نظامية، في حين هي تدين بالولاء لأمراء الميليشيات، ولا تمتلك الحكومة أي سلطة عليها، سوى أنها تدفع لها الإتاوات. فالميليشيات في العاصمة تشكلت على أساس المال والمصالح المشتركة، وأخرى جهوية كميليشيات من مدينة مصراتة التي تدعم رئيس الحكومة من باب الحمية القبلية، وأخرى من الزنتان، اللتين تتنازعان تقاسم النفوذ في العاصمة، في مقابل ظهور ميليشيات «طرابلسية» التشكيل، مثل ميليشيا غنيوة الذي قتل مؤخراً في كمين نصب له. واعترف رئيس الحكومة بقتل القوة المسلحة التي تحمل رقم 444، قائدَ جهاز دعم الاستقرار، الذي وصف بقائد ميليشيا، في حين أنَّ القوة التابعة له هي بحكم قرار من رئيس الحكومة نفسه وتكليف غنيوة بترؤس جهاز دعم الاستقرار، الذي وصف في أول خلاف بأنَّه ميليشيا، واعتراف رئيس الحكومة بسطوة الميليشيات بذلك في خطاب متلفز بعد انتهاء العمليات القتالية في طرابلس. مقتل قائد جهاز دعم الاستقرار قد يكون جزءاً من خطة التخلص من قائد ميليشيا في ثوب مشرعن مسبقاً. صحيح أن تاريخ الرجل مثقل بالدماء والنهب والابتزاز، لكنه ليوم مقتله كان مشرعناً رسمياً من حكومة تنصلت منه بمجرد مقتله، في حين كان يتسلم الملايين من الدنانير شهرياً من هذه الحكومة. طرابلس العاصمة الليبية أسيرة لمجموعة من الميليشيات المسلحة ذات الطابع الإجرامي والمتطرف، حيث تتنوع فيها الولاءات بين الإسلام السياسي المتطرف، وآخر إجرامي للدفع المسبق كبنادق مستأجرة. طرابلس ميدان سيبيتموس سيفيروس، وطرابلس شارع عمر المختار والسرايا الحمراء وميدان الشهداء وميدان الغزالة، هي اليوم أسيرة ميليشيات الدفع المسبق، حيث سيطرت هذه الميليشيات على العاصمة طرابلس منذ الأيام الأولى لحراك فبراير (شباط) 2011 الذي انتهى بالفوضى وانتشار السلاح، إذ لم يكن هناك أي نية صادقة أو جهد صادق لجمعه ولملمة الفوضى من قبل حلفاء «الناتو» الذي أسقط الدولة الليبية وتركها نهباً للميليشيات، التي أغلبها يدعي التبعية للدولة ويرتدي الملابس العسكرية، ويتقاسم تبعيتها الشكلية تحت وزارات كالداخلية أو الدفاع، بينما الحقيقة هي جماعات غير منضوية تحت سلطة الدولة، بل ميليشيات نهب ومال أسود تتحكم به في قهر السكان ورهن البلاد. طرابلس اليوم تبتلعها نيران الميليشيات، وتغيب فيها سلطة الدولة وسط سطوة المدافع والبنادق، فارتهن القرار السياسي في مؤسساتنا لتوازنات قوى خارجية تتقاسم النفوذ، ومواردنا النفطية، وتُنهب خزائن المال العام. حكومة طرابلس سقطت برلمانياً وشعبياً بعد أن فقدت مصداقيتها، واستخدمت السلاح لقمع المتظاهرين السلميين الذين ضاقوا ذرعاً بالميليشيات وجحيمها.

الرياض
منذ 7 ساعات
- الرياض
طرابلس: تشكيل لجنة هدنة لتيسير وقف إطلاق النار
كشفت البعثة الأممية في ليبيا عن تشكيل المجلس الرئاسي الليبي "لجنة هدنة" بالتعاون مع البعثة الأممية، وذلك بالبناء على التهدئة التي تم التوصل إليها الأسبوع الماضي، وذكرت البعثة في بيان، أن اللجنة تركز على تيسير وقف دائم لإطلاق النار مع التركيز على حماية جميع المدنيين، والاتفاق على الترتيبات الأمنية للعاصمة طرابلس، وأشارت البعثة إلى أن تشكيل اللجنة، يعكس التزامًا من جميع الأطراف بتجنب المزيد من التصعيد، وضمان امتثال جميع الأطراف لالتزاماتها بموجب القانون الدولي لحقوق الإنسان والقانون الإنساني الدولي.


الشرق السعودية
منذ 9 ساعات
- الشرق السعودية
جدل محتدم بعد استقبال إدارة ترمب "لاجئين بيض" من جنوب إفريقيا
في تحول لافت في سياسة اللجوء الأميركية، استقبلت إدارة الرئيس دونالد ترمب، في 12 مايو، أول فوج لاجئين بيض من جنوب إفريقيا، يضم 59 شخصاً من الأقلية "الأفريكانية"، في مطار العاصمة واشنطن، وذلك بعد حصولهم على صفة "لاجئ" خلال فترة قياسية لم تتجاوز 3 أشهر. المجموعة التي تقول إنها تتعرض لتمييز وعنف على أساس عرقي، حظيت باستقبال رسمي من مسؤولين أميركيين كبار، في خطوة أثارت موجة انتقادات لتزامنها مع تعليق جميع برامج إعادة توطين اللاجئين الآخرين، بما فيهم الفارين من الحروب والمجاعات في دول مثل السودان والكونغو الديمقراطية وأفغانستان. وبينما تصف إدارة ترمب أفراد المجموعة بأنهم "ضحايا للتمييز العنصري"، والرئيس نفسه ذهب إلى وصف ما يحدث بأنه "إبادة جماعية" ضد البيض، وهو ما ينفيه نظيره الجنوب إفريقي سيريل رامافوزا، يرى مراقبون أن هذا التحرك يعكس توجهاً سياسياً مثيراً للجدل، خاصة أن المجموعة تنتمي إلى الأقلية التي أسست نظام الفصل العنصري السابق في بلادها. ويُقابل ذلك وجهة نظر أخرى من خبيرة هجرة أميركية تدافع عن سياسة الرئيس ترمب، وتؤكد سردية التمييز العنصري في حق هذه الشريحة، وتُعتبر إعادة توطينهم في الولايات المتحدة، حاجة "فورية"، مبررة ذلك بعدم وجود بلد مجاور يمكنهم اللجوء إليه. أول لاجئين "أفريكانيين" منذ بداية ولايته الثانية، صعّد ترمب انتقاداته لجنوب إفريقيا، واتخذ سلسلة من الخطوات العقابية التي أثارت غضب الحكومة هناك. أحد أبرز ملامح هذا التصعيد كان ترويج الرئيس الأميركي ومستشاره الملياردير إيلون ماسك، المولود في جنوب إفريقيا، أن بريتوريا تُمارس تمييزاً ضد المزارعين "البيض"، الذين ينحدرون من المستوطنين الهولنديين وغيرهم من الأوروبيين، الذي استوطنوا البلاد في حِقَب سابقة. وجاء دعم ترمب للأقلية البيضاء، عقب إقرار جنوب إفريقيا قانون نزع الملكية في يناير الماضي، والذي يمنح الحكومة سلطة مصادرة الأراضي، أحياناً دون تعويض، في حال توافرت شروط "العدالة والمصلحة العامة". القانون الذي لم يُطبق حتى الآن، تبرره حكومة جنوب إفريقيا بأنه يأتي ضمن محاولات معالجة إرث نظام الفصل العنصري، الذي حَرم السود من ملكية الأراضي لعقود، وما زالوا حتى اليوم لا يملكون سوى نحو 4% من الأراضي الخاصة، رغم أنهم يشكلون أكثر من 80% من السكان. لكن في المقابل انتقد ماسك، مستشار الرئيس الأميركي، والرئيس التنفيذي لشركة تسلا، قانون نزع الملكية، زاعماً أن البيض في جنوب إفريقيا يتعرضون لإبادة جماعية. واتهم ترمب حكومة جنوب إفريقيا بـ"مصادرة الأراضي"، ومعاملة فئات معينة من الناس معاملة سيئة للغاية"، في إشارة إلى الأقلية "الأفريكانية". وقال ترمب في مؤتمر صحافي بالبيت الأبيض في 12 مايو "إن ما يحدث هو إبادة جماعية". وفي فبراير الماضي، أصدر ترمب أمراً تنفيذياً علّق بموجبه المساعدات الأميركية إلى جنوب إفريقيا، بحجة أن المزارعين البيض يُعاملون بشكل غير عادل. كما تضمن الأمر إعادة توطين "الهاربين" منهم "من التمييز العنصري الذي ترعاه الحكومة". وأعطى هذا الإجراء أولوية إدارية خاصة لـ"الأفريكانيين" في المؤسسات الأميركية التي تعمل على ملفاتهم، بعد أن أوقف ترمب فعلياً قبول اللاجئين الجدد بتوقيعه أمراً منفصلاً في اليوم الأول من رئاسته، معلّقاً بذلك برنامج قبول اللاجئين الأميركي الذي استمر لعقود. وذهب ترمب إلى أبعد من ذلك، معلناً عبر منصة "تروث سوشيال" للتواصل الاجتماعي، أن أي مزارع من جنوب إفريقيا يسعى للفرار من بلاده لأسباب تتعلق بالسلامة، "سيتم الترحيب به في الولايات المتحدة مع منح مسار سريع للحصول على الجنسية". جنوب إفريقيا: الأفريكانيون ليسوا مُضطهدين ومع وصول أول فوج من اللاجئين إلى الولايات المتحدة، علّق رئيس جنوب إفريقيا سيريل رامافوزا على الخبر قائلاً: "اللاجئ هو شخص يُضطر لمغادرة بلده خوفاً من الاضطهاد السياسي أو الديني أو الاقتصادي. وهم لا ينطبق عليهم هذا الوصف". ومن جنوب إفريقيا أيضاً، انتقد المحلل السياسي ستيفن جروتس، الجهود التي بذلتها السلطات الأميركية للعثور على أشخاص يمكن القول إنهم معرضون لخطر الاضطهاد؛ لأنهم من "البيض الأفارقة". وقال جروتس لـ"الشرق"، إنه "من المُدهش أن تبحث الولايات المتحدة بنفسها عن لاجئين، لم أسمع قط عن دولة تفعل ذلك من قبل، تبحث بالفعل عن أشخاص ليذهبوا إلى بلادها كلاجئين. إنه لأمر مُذهل". لكن في الولايات المتحدة، يبدو الموقف مختلفاً في نظر جيسيكا فوجان، مديرة دراسات السياسات بمركز دراسات الهجرة، وهو مركز قانوني مناهض للهجرة. رحبت فوجان بقرار قبول اللاجئين البيض من جنوب إفريقيا، مؤكدة أنهم في "حاجة ماسة" إلى إعادة التوطين، وقالت فوجان لـ"الشرق"، إن ما يحدث في جنوب إفريقيا يتوافق مع التعريف التقليدي لسبب إنشاء برنامج اللاجئين. وذكرت فوجان أن الولايات المتحدة تاريخياً لم تستقبل لاجئين "أفريكانيين"، مضيفة: "رغم أن ذلك ممكن. من المؤكد أن العديد من المزارعين البيض اضطروا إلى الفرار من الاضطهاد، مثل ما حدث بسبب إجراءات الحكومة في زمبابوي". وكان المزارعون البيض في زمبابوي قد تعرضوا لنزع أراضيهم وإعادة توزيعها في أوائل الألفية الثانية بقرارات حكومية. ولجأ بعضهم إلى دول مثل أستراليا التي منحتهم "مساراً سريعاً" للحصول على تأشيرات، لكن لم يكن هناك استقبال واسع لهم كلاجئين في الولايات المتحدة. المزارعون البيض زادت حدة التوترات بين واشنطن وبريتوريا، في مارس الماضي، وعلى إثرها تم طرد سفير جنوب إفريقيا لدى الولايات المتحدة، إبراهيم رسول، بعد اتهامه لترمب باستخدام "الضحايا البيض كأداة للفتنة"، ما دفع الولايات المتحدة إلى اتهام رسول بـ"إثارة الفتنة العنصرية". وقال ترمب في مؤتمر صحافي إن المزارعين البيض يُقتلون في جنوب إفريقيا، مضيفاً: "لكن سواء كانوا من البيض أو السود، فلا فرق بالنسبة لي"، وهو ما يختلف معه رئيس كرسي الأبحاث في المركز الإفريقي للهجرة والمجتمع، لورين لاندو. وقال لاندو لـ"الشرق"، إن هناك أساطير متجذرة منذ زمن بعيد، تم الترويج لها في كل من الولايات المتحدة وجنوب إفريقيا، تزعم أن حكومة بريتوريا انقلبت على السكان البيض المسيحيين في البلاد، وأن جنوب إفريقيا "تعد ساحة مناسبة للرئيس ترمب كي يظهر نفسه بمظهر المُنقذ للمسيحية البيضاء". لكن الأساطير التي تحدث عنها لاندو اعتبرتها فوجان حقائق لا تقبل الجدال، قائلة "إنهم يتعرضون لتمييز ممنهج". وأشارت مذكرة لوزارة الخارجية الأميركية إلى أن معظم الأفريكانيين الوافدين "شهدوا أو تعرضوا للعنف الشديد ذي صلة عنصرية، بما في ذلك اقتحامات المنازل أو جرائم القتل أو سرقة السيارات التي وقعت قبل ما يصل إلى 25 عاماً". وأضافت المذكرة أن "العديد من الناس قالوا أيضاً إنهم لا يثقون بالشرطة، مشيرين إلى أن جهات إنفاذ القانون لم تحقق بشكل كافٍ في الجرائم المرتكبة ضد الأفريكانيين". لكن البيانات الرسمية الصادرة عن شرطة جنوب إفريقيا لا تدعم ادعاءات القتل الممنهج التي تستهدف البيض؛ فقد ذكرت هذه البيانات أنه في الفترة من أبريل 2020 إلى مارس 2024، قُتل 225 شخصاً في مزارع بجنوب إفريقيا، بينهم 101 من العمال ومعظمهم من السود. و53 من المزارعين، وهم في الغالب من البيض. كما تقدم بيانات توزيع الثروة دليلاً آخر على عدم وجود اضطهاد منهجي ضد البيض في جنوب إفريقيا، في رأي عضو المجلس الاستشاري للهجرة، جادل لاندو، الذي شغل منصب رئيس اتحاد اللاجئين والمهاجرين في جنوب إفريقيا. وقال لاندو إن الأسرة السوداء النموذجية تمتلك 5% من الثروة التي تمتلكها الأسرة البيضاء النموذجية في جنوب إفريقيا، معترفاً في الوقت نفسه بوجود حوادث تمييز ووجود مجموعات تتبنى مواقف معادية للبيض، لكنه أكد أن هذه التصرفات تُدان على نطاق واسع، "وتشير جميع الأدلة إلى أن البيض في جنوب إفريقيا يتمتعون بامتيازات وحماية تفوق غيرهم". ومن الولايات المتحدة، قال أستاذ العلوم السياسية والعضو المنتدب لمركز الهجرة العالمية في جامعة "كاليفورنيا ديفيس"، براد جونز، إن تعامل الولايات المتحدة مع البيض من جنوب إفريقيا "تجلٍّ للنزعة القومية البيضاء التي لطالما روّج لها ترمب". وقال جونز لـ"الشرق"، إن توجّه الإدارة الأميركية مدفوع أيضاً بتأثير إيلون ماسك، ويغذيه شعور البيض بالغبن أو فقدان الامتيازات، محذراً من أن هناك بالفعل أشخاصاً حقيقيين يسعون للحصول على وضع لاجئ أو لجوء سياسي، ويواجهون تهديدات وجودية حقيقية تمس حياتهم". علاقة إسرائيل يمتلك البيض حصة هائلة غير متناسبة من الأراضي في جنوب إفريقيا، وبحسب بيانات هيئة الأراضي الحكومية يمتلك البيض في جنوب إفريقيا، الذين يشكلون نحو 7% من سكان البلاد، نحو ثلاثة أرباع المزارع والممتلكات الزراعية بشكل فردي. لكن يبدو أن سعي حكومة "الأغلبية السوداء" إلى تصحيح هذا الخلل، وتلبية المطالب الشعبية بالأراضي، عبر إقرار قانون نزع الملكية في يناير الماضي، الذي لم يطبق حتى الآن، قد أثار استياء الإدارة الأميركية لأنه يعد ممارسة للتمييز الإيجابي نيابةً عن السكان السود المضطهدين تاريخياً، حسبما قال أستاذ الدراسات السياسية في جامعة ويتواترسراند، بجوهانسبرج في جنوب إفريقيا، داريل جلاسر. لكن السبب الآخر الذي ذكره جلاسر لاستهداف الإدارة الأميركية لجنوب إفريقيا هو قيام الأخيرة برفع دعوى قضائية ضد إسرائيل أمام محكمة العدل الدولية، تتهم فيها تل أبيب بارتكاب إبادة جماعية في غزة. وقال جلاسر، الذي ترتكز أبحاثه على نظرية وممارسة الديمقراطية في جنوب إفريقيا لـ"الشرق"، إن هذا التحرّك من جنوب إفريقيا أثار غضب ترمب لأنه ينتقد حليفاً وثيقاً للولايات المتحدة، لافتاً إلى أنه نفس موقف الحزب الجمهوري المؤيد لإسرائيل دون قيد أو شرط. وأضاف: "أصبحت جنوب إفريقيا عالقة في انشغالات السياسة الداخلية الأميركية وتُعاقَب للسبب نفسه الذي تُعاقَب به الجامعات الأميركية". وفي أمره التنفيذي الصادر في 7 فبراير والذي فرض عقوبات على جنوب إفريقيا وأوقف جميع المساعدات الأميركية، قال ترمب إن جنوب إفريقيا اتخذت "مواقف عدائية تجاه الولايات المتحدة وحلفائها" في إشارة إلى القضية المرفوعة ضد إسرائيل. اعتبر أستاذ التاريخ ودراسات التنمية العالمية في جامعة كوينز، مارك ايبيخت، أن دعم جنوب إفريقيا للقضية الفلسطينية ليس بالأمر الجديد أو العابر، وأن اليهود في جنوب إفريقيا "فخورون جداً بما قامت به الحكومة" في المحكمة الجنائية الدولية. وأضاف إيبخيت، المهتم بقضايا العدالة الاجتماعية في جنوب إفريقيا لـ"الشرق"، أنه منذ انتهاء نظام الفصل العنصري، قبل 30 عاماً، تبنّت الحكومات المتعاقبة، بدءاً من عهد نيلسون مانديلا، مواقف متعاطفة مع الفلسطينيين، انطلاقاً من قراءة تاريخية ترى في معاناة الشعب الفلسطيني أوجه تشابه مع تجارب السود في جنوب إفريقيا خلال حقبة الفصل العنصري. التنوع والشمول والمساواة الانتقادات الأميركية لجنوب إفريقيا، من قبل شخصيات مثل وزير الخارجية ماركو روبيو، لم تتوقف عند المواقف الجيوسياسية، بل امتدت أيضاً إلى الشعار الذي اختارته بريتوريا لرئاستها لمجموعة العشرين: "التضامن والمساواة والاستدامة". قاطع روبيو اجتماع وزراء خارجية مجموعة العشرين في جنوب إفريقيا خلال فبراير الماضي، وأعلن مقاطعته لقمة المجموعة المقررة في نوفمبر المقبل، وقال إنه لن يُبذر أموال دافعي الضرائب الأميركيين عليه. وكانت إدارة ترمب قد تحركت، فور توليه الرئاسة، لتفكيك برامج التنوع والمساواة والاستدامة في الولايات المتحدة. وقال المحلل السياسي جروتس، إن ترمب يشنّ حملةً ضد ما يُطلق عليه الأميركيون التنوع والمساواة والشمول، بينما في جنوب إفريقيا، "نُسميه العمل الإيجابي، وهو مُكرّس في دستورنا. بمعنى آخر، من المهم جداً بالنسبة لنا أن يكون هناك إنصاف للسود، بسبب ما فعله البيض خلال حقبة الفصل العنصري، وقبل ذلك الاستعمار". إيلون ماسك ويُتهم الملياردير المولود في حقبة الفصل العنصري بجنوب إفريقيا، إيلون ماسك، بتبنِّي خطاب تيار قومي أبيض داخل جنوب إفريقيا وخارجها، خاصة بين جماعات مثل "أفري فوروم"، وهي جماعة ضغط تدافع عن مصالح الأفريكانيين، وتروج أن العنف ضد المزارعين البيض يشكل ظاهرة "استثنائية" أو ممنهجة ضد فئة واحدة. لكن منظمات مستقلة مثل "رابطة مكافحة التشهير" كذّبت مزاعم وجود "إبادة جماعية" ضد البيض في جنوب إفريقيا، وأكدت أنها لا تستند إلى أي أدلة موضوعية، بل تُستخدم كأداة دعائية من قبل اليمين المتطرف لإثارة الخوف، وتبرير سياسات عنصرية مضادة. وقال أستاذ العلوم السياسية جلاسر، إن إيلون ماسك رّوج لكذبة "الإبادة الجماعية للبيض في جنوب إفريقيا"، وكان أحد أسباب استهداف الإدارة الأميركية لجنوب إفريقيا. لكن جلاسر أكد أن ماسك ليس حالة فردية، لكن تأثيره قوي باعتباره مستشار رئيس أميركا، لافتاً إلى أن ماسك "جزء من مجموعة من الرجال البيض الذين نشأوا في ظل الفصل العنصري بجنوب إفريقيا ولم يتقبلوا تماماً التحول الديمقراطي هناك، حيث أصبح للفقير الأسود صوت مساوٍ للغني الأبيض"، موضحاً أن "هؤلاء يشعرون بأنهم فقدوا نفوذهم السياسي، رغم استمرار امتيازاتهم الاقتصادية، ويعيدون تصدير هذا الإحساس بالخسارة إلى السياق الأميركي، حيث يُستغل كخطاب مظلومية يخدم سياسات اليمين القومي". مسار سريع لـ"البيض" وتعليق للآخرين في يوم تنصيبه، علّقت إدارة ترمب جميع طلبات اللجوء، بما في ذلك تلك المقدمة من أشخاص فارّين من مناطق النزاع، في المقابل أعلن عن "مسار سريع" لقبول البيض من جنوب إفريقيا كلاجئين. أثار ذلك الأمر، غضب منظمات حقوقية، مثل "هيومن رايتس ووتش"، معتبرين أن سياسة اللجوء أصبحت انتقائية، وتحمل بعداً عنصرياً وقاسياً، خاصة أن المتضررين كانوا إلى حدّ كبير من السود والأفغان وغيرهم من الفئات المهمشة. وعندما واجه ترمب سؤالاً مباشراً بشأن سبب تسريع معالجة طلبات اللجوء للأفريكانيين، مقارنةً بطالبي اللجوء الآخرين، أجاب بأن هناك "إبادة جماعية" جارية ضد "المزارعين البيض". وبينما وصف لاندو، رئيس الأبحاث في المركز الإفريقي للهجرة والمجتمع، سرعة استجابة الإدارة الأميركية للبيض في جنوب إفريقيا مقابل إيقاف طلبات اللجوء الأخرى بأنه "أمر سخيف، ومُهين، وعنصري، ومخيب للآمال"، استنكرت فوجان، مديرة دراسات السياسات في مركز دراسات الهجرة، ذلك الوصف، وقالت إنه لا يوجد سبب للافتراض بأن هناك دوافع عنصرية أو سياسية وراء ذلك، مضيفة: "ولا أستطيع أن أتخيل ما هو المكسب السياسي المحتمل من ذلك الأمر". وتابعت فوجان إن تعليق برامج اللاجئين الأخرى لم يكن متزامناً مع حالة البيض من جنوب إفريقيا، بل تم الإعلان عنه قبل أسابيع، وهو يتماشى مع ما فعله ترمب خلال ولايته الأولى، "وإذا كان هناك من دعم لهذا القرار، فقد يكون من أشخاص مثل إيلون ماسك". ودافعت فوجان عن قرار الإدارة قائلة إن اللاجئين الأفريكانيين بحاجة "فورية" لإعادة التوطين، ولا يوجد لديهم بلد مجاور يمكنهم اللجوء إليه، على عكس الكثير من اللاجئين ضمن برنامج الأمم المتحدة، الذين لديهم خيارات للجوء داخل منطقتهم الأصلية، مضيفة أن نسبة صغيرة فقط من اللاجئين في برنامج الأمم المتحدة تُصنّف على أنها بحاجة فورية لإعادة التوطين، "واللاجئين البيض في جنوب إفريقيا ينطبق عليهم هذا الأمر".