logo
غزة تتضوّر جوعا.. حين يصبح الطعام سلاحا والمجاعة سياسة ممنهجة

غزة تتضوّر جوعا.. حين يصبح الطعام سلاحا والمجاعة سياسة ممنهجة

معا الاخباريةمنذ 3 أيام
غزة- إعداد معا- بينما تنشغل العواصم الكبرى بخطابات السياسة والهُدن المؤقتة، يرزح أكثر من مليونَي فلسطيني في قطاع غزة تحت وطأة كارثة إنسانية غير مسبوقة، عنوانها الجوع والموت البطيء، وسلاحها الحصار والتجويع، ومرتكبها سلطة الاحتلال الإسرائيلي التي تحوّل حق الحياة إلى امتياز، وتمنح الطعام والدواء بتصاريح مشروطة أو لا تمنحه إطلاقًا.
أطفال يموتون بحثًا عن الماء والخبز
في مشهد يلخّص عمق المأساة، وثّقت صحيفة The Guardian (19 تموز 2025) استشهاد طفلين شقيقين أثناء وقوفهما في طابور للحصول على الماء من أحد المراكز شمال غزة.
لم يكونا مقاتلين، بل طفلين يبحثان عن البقاء في عالم تخلّى عن إنسانيته، وماتا برصاص الجيش الإسرائيلي، حسب شهود عيان والهلال الأحمر.
هذا المشهد ليس استثناءً، بل جزء من سلسلة طويلة من الانتهاكات، حيث استشهد عشرات الأطفال منذ بداية العام أثناء محاولتهم الحصول على الطعام أو الماء، وهو ما تؤكده تقارير منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسف).
كان كرم الغصين، 9 سنوات، و"لولو" (اسمها الحقيقي لانا)، 10 سنوات، يجلبان الماء من محطة توزيع قريبة عندما أصابتها غارة إسرائيلية.
كان الشقيقان ينتظران بجانب محطة توزيع مياه، التي جلبتها احدى مؤسسات الإغاثة يحملان صفائح ودلاء، عندما قُصفت المحطة يوم الأحد الماضي، مما أسفر عن استشهاد ستة أطفال وأربعة بالغين وإصابة 19 آخرين، معظمهم من الأطفال.
استشهد كل من لولو وكرم على الفور، مُمزقين إربًا من قوة الانفجار وكانا مشوهين لدرجة أن والدهما منع هبة (الأم) من رؤية جثتيهما."لم يسمحوا لي بتوديعهم أو حتى النظر إليهم ولو لمرة أخيرة"، قالت الام. "عانقني أحد إخوتي، محاولًا حجب المشهد عني وهو يبكي ويحاول مواساتي. بعد ذلك، لا أتذكر شيئًا. فقدت صلتي بالواقع".
لانا، كان والداها نادرا ما يستخدمانه لأن لقبها، الذي يعني اللؤلؤة، كان يعكس التألق اللطيف الذي أضفته على الحياة العائلية. قالت هبة: "كانت تتمتع بشخصية مرحة، وقلب مليء باللطف". وكان كرم ذكيًا، دائمًا الأول على فصله حتى أدت الهجمات الإسرائيلية إلى إغلاق مدارس غزة، كريمًا وناضجًا يفوق عمره. كان والده، أشرف الغصين، يناديه "أبو شريك" أو "شريكي"، لأنه بدا "كرجل في روحه".
فرضت إسرائيل حصارًا شاملًا على قطاع غزة بدءًا من 2 آذار، مما دفع غزة إلى شفا المجاعة، ولم تُخفّف كميات الطعام والوقود والإمدادات الطبية المحدودة للغاية المسموح بدخولها منذ مايو من وطأة الجوع الشديد.
لطالما كانت محاولة الحصول على الطعام مخاطرة قاتلة لأشهر، حيث استشهد أكثر من 800 شخص منذ أواخر أيار/ مايو في هجمات شبه يومية شنها جنود الاحتلال الإسرائيليون باستخدام أسلحة، بما في ذلك قذائف الدبابات والمدافع البحرية، لاستهداف الحشود اليائسة بالقرب من نقاط توزيع الغذاء.
ومحاولة الحصول على مياه نظيفة هي أيضًا صراع. فقد دمرت الهجمات الإسرائيلية، التي استمرت قرابة عامين، محطات معالجة المياه وشبكات الأنابيب. في حزيران، حذرت اليونيسف من أن غزة تواجه جفافًا من صنع الإنسان، وأنه بدون وقود لتشغيل المحطات المتبقية، قد يبدأ الأطفال بالموت عطشًا.
كارثة غذائية شاملة: أكثر من 90% يواجهون الجوع
وفقًا لتقرير التصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي (IPC) الصادر في ايار 2025، يعاني أكثر من 1.95 مليون شخص، أي ما يزيد عن 93% من سكان القطاع، من انعدام حاد في الأمن الغذائي، وتحديدًا ضمن المراحل الثالثة إلى الخامسة، وهي مستويات تعني "أزمة" وصولاً إلى "كارثة غذائية".
ووفقًا لتقرير التصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي (IPC)، يُواجه 470,000 شخص في غزة جوعًا كارثيًا (المرحلة الخامسة من التصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي)، ويعاني جميع السكان من انعدام أمن غذائي حاد. كما يتوقع التقرير، بقلق، أن 71,000 طفل وأكثر من 17,000 أم سيحتاجون إلى علاج عاجل لسوء التغذية الحاد.
وقالت سيندي ماكين، المديرة التنفيذية لبرنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة: "تتضور جوعًا عائلات غزة، بينما يبقى الطعام الذي يحتاجونه على الحدود. لا يمكننا إيصاله إليهم بسبب تجدد الصراع والحظر الكامل على المساعدات الإنسانية المفروض منذ أوائل آذار".
وأضافت: "من الضروري أن يتحرك المجتمع الدولي بشكل عاجل لإعادة تدفق المساعدات إلى غزة. إذا انتظرنا حتى تأكيد المجاعة، فسيكون الأوان قد فات بالفعل بالنسبة لكثير من الناس".
ويتوقع تقرير التصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي (IPC) لغزة أن تجدد العمليات العسكرية، والحصار الكامل المستمر، والنقص الحاد في الإمدادات اللازمة للبقاء على قيد الحياة، قد يدفع مستويات انعدام الأمن الغذائي وسوء التغذية الحاد والوفيات إلى ما يتجاوز حدود المجاعة في الأشهر المقبلة.
تواجه الغالبية العظمى من أطفال غزة حرمانًا غذائيًا شديدًا، كما أكدت 17 وكالة تابعة للأمم المتحدة ومنظمة غير حكومية في تقرير التصنيف المرحلي المتكامل.
وإلى جانب محدودية الوصول إلى الخدمات الصحية والنقص الحاد في المياه النظيفة وخدمات الصرف الصحي، من المتوقع ارتفاع سريع في سوء التغذية الحاد في محافظات شمال غزة وغزة ورفح.
صرحت كاثرين راسل، المديرة التنفيذية لليونيسف: "لا يأتي خطر المجاعة فجأة، بل يتكشف في الأماكن التي يُمنع فيها الوصول إلى الغذاء، وتتعرض فيها الأنظمة الصحية للتدمير، ويُترك فيها الأطفال دون الحد الأدنى من سبل العيش. الجوع وسوء التغذية الحاد واقع يومي يعيشه الأطفال في جميع أنحاء قطاع غزة".
وأضافت: "لقد حذرنا مرارًا وتكرارًا من هذا المسار، وندعو جميع الأطراف مجددًا إلى منع وقوع كارثة".
أُغلقت المعابر الحدودية المؤدية إلى غزة لأكثر من أربعة أشهر - وهي أطول فترة واجهها السكان على الإطلاق - مما تسبب في ارتفاع أسعار المواد الغذائية في الأسواق إلى مستويات فلكية، مما جعل ما تبقى من الطعام بعيدًا عن متناول معظم الأسر.
استنفد برنامج الأغذية العالمي آخر مخزوناته الغذائية لدعم مطابخ الوجبات الساخنة للأسر في 25 نيسان. وقبل ذلك بشهر تقريبًا، أغلقت جميع المخابز الـ 25 التي يدعمها برنامج الأغذية العالمي أبوابها بسبب نفاد دقيق القمح ووقود الطهي. في الوقت نفسه، هناك 116,000 طن من المساعدات الغذائية - وهي كافية لإطعام مليون شخص لمدة تصل إلى أربعة أشهر - في ممرات الإغاثة.
الوضع يزداد قتامة في شمال القطاع، حيث تفيد منظمة الصحة العالمية (WHO) بأن بعض العائلات لا تتلقى سوى وجبة واحدة كل يومين، وغالبًا ما تكون مكونة من أعشاب أو طعام فاسد، وهو ما أدى إلى تفشي أمراض سوء التغذية، خاصة بين الأطفال دون سن الخامسة.
لم تعد غزة قادرة على إنتاج غذائها. ففي تقرير قدمته منظمة الأغذية والزراعة (FAO) لمجلس الأمن الدولي في حزيران 2025، أكدت أن أكثر من 70% من الأراضي الزراعية قد دُمّرت بفعل القصف الإسرائيلي أو أصبحت غير صالحة للزراعة بسبب نقص المياه والبذور والأسمدة. أما الثروة الحيوانية، فقد شهدت انهيارًا شبه كامل، حيث نفقت 95% من الماشية تقريبًا بسبب نقص العلف والأدوية.
ولم يكن الصيد البحري أفضل حالًا، إذ تستمر إسرائيل في فرض قيود مشددة على الوصول إلى المياه الإقليمية وأحيانا الى البحر نفسه حيث استشهد وأصيب واعتقل عدد من الصيادين في الأشهر الماضية كان أخرهم اعتقال 4 صيادين في بحر غزة مساء السبت 19 تموز، ما أدى إلى توقف أكثر من 80% من قوارب الصيد عن العمل، في وقت تحتاج فيه غزة لكل مصدر غذائي متاح.
نشرت صحيفة (فايننشل تايمز) تحقيقًا موسعًا بعنوان "Inside Gaza's Death Traps"، وثّقت فيه شهادات فلسطينيين حاولوا الوصول إلى مراكز توزيع مساعدات تشرف عليها مؤسسة Gaza Humanitarian Foundation، بدعم وإشراف دوليين، لكنها تحوّلت إلى "فخاخ موت".
تقول إحدى الشهادات: "ذهب زوجي ليجلب كيس طحين... لم يعد أبدًا". وتشير الوثائق إلى أن القوات الإسرائيلية تطلق النار بشكل ممنهج على من يقترب من نقاط التوزيع، أو تُبقيها محاصرة بحيث يصعب الخروج منها بعد استلام المساعدات.
وقد وثقت وكالة رويترز في 19 تموز 2025 حادثة استشهاد 32 فلسطينيًا برصاص جيش الاحتلال الإسرائيلي بينما كانوا يحاولون الاقتراب من شاحنات مساعدات غرب غزة، في مشهد يعكس استخدام المساعدات كسلاح نفسي وتكتيكي في الحرب. حيث استشهد ما لا يقل عن 32 مواطنا بنيران إسرائيلية أثناء توجههم إلى موقع لتوزيع المساعدات في غزة فجر السبت، وفقًا لوزارة الصحة في غزة ومستشفى ناصر في خان يونس.
وادعى الجيش الإسرائيلي إنه أطلق طلقات تحذيرية على "مشتبه بهم" اقتربوا من قواته بعد أن رفضوا الاستجابة لنداءات التوقف، على بُعد كيلومتر واحد تقريبا من موقع لتوزيع المساعدات لم يكن نشطا آنذاك.
التجويع كسلاح: جريمة حرب مكتملة الأركان
وفقا لنظام روما الأساسي لمحكمة الجنايات الدولية، يُعد استخدام التجويع كوسيلة حرب ضد المدنيين جريمة حرب بموجب المادة 8 فقرة (2)(b) وقد أدانت منظمات مثل هيومن رايتس ووتش وأوكسفام ومكتب مفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان السياسات الإسرائيلية في غزة، ووصفتها بأنها استخدام ممنهج للتجويع كسلاح جماعي، في انتهاك صارخ للقانون الإنساني الدولي.
كما أشار بعض الخبراء إلى أن طبيعة السياسات المتبعة، خاصة منع دخول المساعدات، قد ترقى إلى جرائم ضد الإنسانية أو حتى الإبادة الجماعية، لكونها تستهدف بشكل ممنهج فئة سكانية محددة على أسس قومية وجغرافية.
تتحمل إسرائيل، كقوة احتلال بموجب اتفاقيات جنيف، المسؤولية الكاملة عن حياة وسلامة السكان المدنيين في قطاع غزة. وقد بدأت محكمة الجنايات الدولية (ICC) في جمع الأدلة لفتح تحقيق رسمي بجرائم الحرب المحتملة، منها سياسة التجويع الممنهج.
لكن رغم هذه الخطوات، فإن آليات المحاسبة تبقى مُعطّلة أو بطيئة، خاصة مع وجود ضغوط دبلوماسية دولية تتزعمها الولايات المتحدة الامريكية تحاول حرف الأنظار أو تأخير الإجراءات، مما يُرسّخ سياسة الإفلات من العقاب.
إن ما يحدث في غزة ليس أزمة إنسانية طارئة فحسب، بل هو اختبار صارخ لضمير العالم. تحوّل رغيف الخبز إلى عمل بطولي، وقطرة الماء إلى فعل مقاومة، والطفولة إلى هدف عسكري. وإن لم يتحرّك العالم اليوم لوقف هذه الجريمة، فإن المجاعة في غزة لن تكون مجرد مأساة محلية، بل وصمة عار في جبين الإنسانية كلها.
Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

غزة تتضوّر جوعا.. حين يصبح الطعام سلاحا والمجاعة سياسة ممنهجة
غزة تتضوّر جوعا.. حين يصبح الطعام سلاحا والمجاعة سياسة ممنهجة

معا الاخبارية

timeمنذ 3 أيام

  • معا الاخبارية

غزة تتضوّر جوعا.. حين يصبح الطعام سلاحا والمجاعة سياسة ممنهجة

غزة- إعداد معا- بينما تنشغل العواصم الكبرى بخطابات السياسة والهُدن المؤقتة، يرزح أكثر من مليونَي فلسطيني في قطاع غزة تحت وطأة كارثة إنسانية غير مسبوقة، عنوانها الجوع والموت البطيء، وسلاحها الحصار والتجويع، ومرتكبها سلطة الاحتلال الإسرائيلي التي تحوّل حق الحياة إلى امتياز، وتمنح الطعام والدواء بتصاريح مشروطة أو لا تمنحه إطلاقًا. أطفال يموتون بحثًا عن الماء والخبز في مشهد يلخّص عمق المأساة، وثّقت صحيفة The Guardian (19 تموز 2025) استشهاد طفلين شقيقين أثناء وقوفهما في طابور للحصول على الماء من أحد المراكز شمال غزة. لم يكونا مقاتلين، بل طفلين يبحثان عن البقاء في عالم تخلّى عن إنسانيته، وماتا برصاص الجيش الإسرائيلي، حسب شهود عيان والهلال الأحمر. هذا المشهد ليس استثناءً، بل جزء من سلسلة طويلة من الانتهاكات، حيث استشهد عشرات الأطفال منذ بداية العام أثناء محاولتهم الحصول على الطعام أو الماء، وهو ما تؤكده تقارير منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسف). كان كرم الغصين، 9 سنوات، و"لولو" (اسمها الحقيقي لانا)، 10 سنوات، يجلبان الماء من محطة توزيع قريبة عندما أصابتها غارة إسرائيلية. كان الشقيقان ينتظران بجانب محطة توزيع مياه، التي جلبتها احدى مؤسسات الإغاثة يحملان صفائح ودلاء، عندما قُصفت المحطة يوم الأحد الماضي، مما أسفر عن استشهاد ستة أطفال وأربعة بالغين وإصابة 19 آخرين، معظمهم من الأطفال. استشهد كل من لولو وكرم على الفور، مُمزقين إربًا من قوة الانفجار وكانا مشوهين لدرجة أن والدهما منع هبة (الأم) من رؤية جثتيهما."لم يسمحوا لي بتوديعهم أو حتى النظر إليهم ولو لمرة أخيرة"، قالت الام. "عانقني أحد إخوتي، محاولًا حجب المشهد عني وهو يبكي ويحاول مواساتي. بعد ذلك، لا أتذكر شيئًا. فقدت صلتي بالواقع". لانا، كان والداها نادرا ما يستخدمانه لأن لقبها، الذي يعني اللؤلؤة، كان يعكس التألق اللطيف الذي أضفته على الحياة العائلية. قالت هبة: "كانت تتمتع بشخصية مرحة، وقلب مليء باللطف". وكان كرم ذكيًا، دائمًا الأول على فصله حتى أدت الهجمات الإسرائيلية إلى إغلاق مدارس غزة، كريمًا وناضجًا يفوق عمره. كان والده، أشرف الغصين، يناديه "أبو شريك" أو "شريكي"، لأنه بدا "كرجل في روحه". فرضت إسرائيل حصارًا شاملًا على قطاع غزة بدءًا من 2 آذار، مما دفع غزة إلى شفا المجاعة، ولم تُخفّف كميات الطعام والوقود والإمدادات الطبية المحدودة للغاية المسموح بدخولها منذ مايو من وطأة الجوع الشديد. لطالما كانت محاولة الحصول على الطعام مخاطرة قاتلة لأشهر، حيث استشهد أكثر من 800 شخص منذ أواخر أيار/ مايو في هجمات شبه يومية شنها جنود الاحتلال الإسرائيليون باستخدام أسلحة، بما في ذلك قذائف الدبابات والمدافع البحرية، لاستهداف الحشود اليائسة بالقرب من نقاط توزيع الغذاء. ومحاولة الحصول على مياه نظيفة هي أيضًا صراع. فقد دمرت الهجمات الإسرائيلية، التي استمرت قرابة عامين، محطات معالجة المياه وشبكات الأنابيب. في حزيران، حذرت اليونيسف من أن غزة تواجه جفافًا من صنع الإنسان، وأنه بدون وقود لتشغيل المحطات المتبقية، قد يبدأ الأطفال بالموت عطشًا. كارثة غذائية شاملة: أكثر من 90% يواجهون الجوع وفقًا لتقرير التصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي (IPC) الصادر في ايار 2025، يعاني أكثر من 1.95 مليون شخص، أي ما يزيد عن 93% من سكان القطاع، من انعدام حاد في الأمن الغذائي، وتحديدًا ضمن المراحل الثالثة إلى الخامسة، وهي مستويات تعني "أزمة" وصولاً إلى "كارثة غذائية". ووفقًا لتقرير التصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي (IPC)، يُواجه 470,000 شخص في غزة جوعًا كارثيًا (المرحلة الخامسة من التصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي)، ويعاني جميع السكان من انعدام أمن غذائي حاد. كما يتوقع التقرير، بقلق، أن 71,000 طفل وأكثر من 17,000 أم سيحتاجون إلى علاج عاجل لسوء التغذية الحاد. وقالت سيندي ماكين، المديرة التنفيذية لبرنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة: "تتضور جوعًا عائلات غزة، بينما يبقى الطعام الذي يحتاجونه على الحدود. لا يمكننا إيصاله إليهم بسبب تجدد الصراع والحظر الكامل على المساعدات الإنسانية المفروض منذ أوائل آذار". وأضافت: "من الضروري أن يتحرك المجتمع الدولي بشكل عاجل لإعادة تدفق المساعدات إلى غزة. إذا انتظرنا حتى تأكيد المجاعة، فسيكون الأوان قد فات بالفعل بالنسبة لكثير من الناس". ويتوقع تقرير التصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي (IPC) لغزة أن تجدد العمليات العسكرية، والحصار الكامل المستمر، والنقص الحاد في الإمدادات اللازمة للبقاء على قيد الحياة، قد يدفع مستويات انعدام الأمن الغذائي وسوء التغذية الحاد والوفيات إلى ما يتجاوز حدود المجاعة في الأشهر المقبلة. تواجه الغالبية العظمى من أطفال غزة حرمانًا غذائيًا شديدًا، كما أكدت 17 وكالة تابعة للأمم المتحدة ومنظمة غير حكومية في تقرير التصنيف المرحلي المتكامل. وإلى جانب محدودية الوصول إلى الخدمات الصحية والنقص الحاد في المياه النظيفة وخدمات الصرف الصحي، من المتوقع ارتفاع سريع في سوء التغذية الحاد في محافظات شمال غزة وغزة ورفح. صرحت كاثرين راسل، المديرة التنفيذية لليونيسف: "لا يأتي خطر المجاعة فجأة، بل يتكشف في الأماكن التي يُمنع فيها الوصول إلى الغذاء، وتتعرض فيها الأنظمة الصحية للتدمير، ويُترك فيها الأطفال دون الحد الأدنى من سبل العيش. الجوع وسوء التغذية الحاد واقع يومي يعيشه الأطفال في جميع أنحاء قطاع غزة". وأضافت: "لقد حذرنا مرارًا وتكرارًا من هذا المسار، وندعو جميع الأطراف مجددًا إلى منع وقوع كارثة". أُغلقت المعابر الحدودية المؤدية إلى غزة لأكثر من أربعة أشهر - وهي أطول فترة واجهها السكان على الإطلاق - مما تسبب في ارتفاع أسعار المواد الغذائية في الأسواق إلى مستويات فلكية، مما جعل ما تبقى من الطعام بعيدًا عن متناول معظم الأسر. استنفد برنامج الأغذية العالمي آخر مخزوناته الغذائية لدعم مطابخ الوجبات الساخنة للأسر في 25 نيسان. وقبل ذلك بشهر تقريبًا، أغلقت جميع المخابز الـ 25 التي يدعمها برنامج الأغذية العالمي أبوابها بسبب نفاد دقيق القمح ووقود الطهي. في الوقت نفسه، هناك 116,000 طن من المساعدات الغذائية - وهي كافية لإطعام مليون شخص لمدة تصل إلى أربعة أشهر - في ممرات الإغاثة. الوضع يزداد قتامة في شمال القطاع، حيث تفيد منظمة الصحة العالمية (WHO) بأن بعض العائلات لا تتلقى سوى وجبة واحدة كل يومين، وغالبًا ما تكون مكونة من أعشاب أو طعام فاسد، وهو ما أدى إلى تفشي أمراض سوء التغذية، خاصة بين الأطفال دون سن الخامسة. لم تعد غزة قادرة على إنتاج غذائها. ففي تقرير قدمته منظمة الأغذية والزراعة (FAO) لمجلس الأمن الدولي في حزيران 2025، أكدت أن أكثر من 70% من الأراضي الزراعية قد دُمّرت بفعل القصف الإسرائيلي أو أصبحت غير صالحة للزراعة بسبب نقص المياه والبذور والأسمدة. أما الثروة الحيوانية، فقد شهدت انهيارًا شبه كامل، حيث نفقت 95% من الماشية تقريبًا بسبب نقص العلف والأدوية. ولم يكن الصيد البحري أفضل حالًا، إذ تستمر إسرائيل في فرض قيود مشددة على الوصول إلى المياه الإقليمية وأحيانا الى البحر نفسه حيث استشهد وأصيب واعتقل عدد من الصيادين في الأشهر الماضية كان أخرهم اعتقال 4 صيادين في بحر غزة مساء السبت 19 تموز، ما أدى إلى توقف أكثر من 80% من قوارب الصيد عن العمل، في وقت تحتاج فيه غزة لكل مصدر غذائي متاح. نشرت صحيفة (فايننشل تايمز) تحقيقًا موسعًا بعنوان "Inside Gaza's Death Traps"، وثّقت فيه شهادات فلسطينيين حاولوا الوصول إلى مراكز توزيع مساعدات تشرف عليها مؤسسة Gaza Humanitarian Foundation، بدعم وإشراف دوليين، لكنها تحوّلت إلى "فخاخ موت". تقول إحدى الشهادات: "ذهب زوجي ليجلب كيس طحين... لم يعد أبدًا". وتشير الوثائق إلى أن القوات الإسرائيلية تطلق النار بشكل ممنهج على من يقترب من نقاط التوزيع، أو تُبقيها محاصرة بحيث يصعب الخروج منها بعد استلام المساعدات. وقد وثقت وكالة رويترز في 19 تموز 2025 حادثة استشهاد 32 فلسطينيًا برصاص جيش الاحتلال الإسرائيلي بينما كانوا يحاولون الاقتراب من شاحنات مساعدات غرب غزة، في مشهد يعكس استخدام المساعدات كسلاح نفسي وتكتيكي في الحرب. حيث استشهد ما لا يقل عن 32 مواطنا بنيران إسرائيلية أثناء توجههم إلى موقع لتوزيع المساعدات في غزة فجر السبت، وفقًا لوزارة الصحة في غزة ومستشفى ناصر في خان يونس. وادعى الجيش الإسرائيلي إنه أطلق طلقات تحذيرية على "مشتبه بهم" اقتربوا من قواته بعد أن رفضوا الاستجابة لنداءات التوقف، على بُعد كيلومتر واحد تقريبا من موقع لتوزيع المساعدات لم يكن نشطا آنذاك. التجويع كسلاح: جريمة حرب مكتملة الأركان وفقا لنظام روما الأساسي لمحكمة الجنايات الدولية، يُعد استخدام التجويع كوسيلة حرب ضد المدنيين جريمة حرب بموجب المادة 8 فقرة (2)(b) وقد أدانت منظمات مثل هيومن رايتس ووتش وأوكسفام ومكتب مفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان السياسات الإسرائيلية في غزة، ووصفتها بأنها استخدام ممنهج للتجويع كسلاح جماعي، في انتهاك صارخ للقانون الإنساني الدولي. كما أشار بعض الخبراء إلى أن طبيعة السياسات المتبعة، خاصة منع دخول المساعدات، قد ترقى إلى جرائم ضد الإنسانية أو حتى الإبادة الجماعية، لكونها تستهدف بشكل ممنهج فئة سكانية محددة على أسس قومية وجغرافية. تتحمل إسرائيل، كقوة احتلال بموجب اتفاقيات جنيف، المسؤولية الكاملة عن حياة وسلامة السكان المدنيين في قطاع غزة. وقد بدأت محكمة الجنايات الدولية (ICC) في جمع الأدلة لفتح تحقيق رسمي بجرائم الحرب المحتملة، منها سياسة التجويع الممنهج. لكن رغم هذه الخطوات، فإن آليات المحاسبة تبقى مُعطّلة أو بطيئة، خاصة مع وجود ضغوط دبلوماسية دولية تتزعمها الولايات المتحدة الامريكية تحاول حرف الأنظار أو تأخير الإجراءات، مما يُرسّخ سياسة الإفلات من العقاب. إن ما يحدث في غزة ليس أزمة إنسانية طارئة فحسب، بل هو اختبار صارخ لضمير العالم. تحوّل رغيف الخبز إلى عمل بطولي، وقطرة الماء إلى فعل مقاومة، والطفولة إلى هدف عسكري. وإن لم يتحرّك العالم اليوم لوقف هذه الجريمة، فإن المجاعة في غزة لن تكون مجرد مأساة محلية، بل وصمة عار في جبين الإنسانية كلها.

المفوَّض العامِّ للأونروا يصف غزَّة بـ "مقبرة الأطفال"
المفوَّض العامِّ للأونروا يصف غزَّة بـ "مقبرة الأطفال"

فلسطين أون لاين

time١١-٠٧-٢٠٢٥

  • فلسطين أون لاين

المفوَّض العامِّ للأونروا يصف غزَّة بـ "مقبرة الأطفال"

وكالات/ فلسطين أون لاين وصف المفوض العام لوكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) فيليب لازاريني قطاع غزة بأنه "مقبرة للأطفال". وجاء في بيانه المنشور على صفحته بموقع "إكس": "أمام أعيننا تحولت غزة إلى مقبرة للأطفال والجياع". كما دعا رئيس الأونروا في البيان إلى إنهاء التقاعس عن مواجهة الصراع المستمر، مضيفا أن "موعد التحرك قد حان منذ زمن". هذا وأعربت منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسف) عن صدمتها البالغة إزاء ارتقاء 15 فلسطينيا، بينهم تسعة أطفال وأربع نساء، أثناء انتظارهم للحصول على مساعدات غذائية مخصصة للأطفال في مدينة دير البلح وسط قطاع غزة، كما أُصيب 30 شخصا بينهم 19 طفلا. وفي بيان لها، وصفت المديرة التنفيذية لليونيسف، كاثرين راسل، استهداف المدنيين خلال محاولتهم الحصول على الإغاثة بأنه 'أمر غير معقول وغير مقبول'، مشددة على أنه لا ينبغي لأم أن تواجه مثل هذه المأساة. وشددت المسؤولة الأممية على أن القانون الدولي يُلزم جميع أطراف النزاع بضمان حماية المدنيين وتأمين وصول المساعدات الإنسانية بأمان ومن دون عوائق. ودعت (إسرائيل) إلى الامتثال للقانون الإنساني الدولي، لا سيما فيما يتعلق بحماية الأطفال، مطالبة بفتح تحقيق شامل ومستقل في هذا الحادث وكافة الانتهاكات المبلغ عنها.

تقرير طفولة تسحقها الحرب في غزَّة... "معيلون صغار" لأسر مكلومة
تقرير طفولة تسحقها الحرب في غزَّة... "معيلون صغار" لأسر مكلومة

فلسطين أون لاين

time٠٦-٠٧-٢٠٢٥

  • فلسطين أون لاين

تقرير طفولة تسحقها الحرب في غزَّة... "معيلون صغار" لأسر مكلومة

غزة/ رامي محمد: لم يبلغ أكبرهم سن الحادية عشرة، لكنهم أصبحوا معيلين لأسرتهم بعد أن اختطف الموت والدهم في حرب الإبادة الجارية على قطاع غزة منذ 7 أكتوبر 2023. ثلاثة أطفال من عائلة واحدة يجوبون شوارع وأزقة مخيم النصيرات وسط قطاع غزة، يقودون عربة خشبية يجرّها حمار محملة ببرميل ماء عذب يبيعونه للمارة في محاولة يائسة لتأمين لقمة العيش في وقت يُحرم فيه أكثر من 90% من أهالي القطاع من المياه النظيفة وفق تقارير الأمم المتحدة. محمود الحواجري الطفل الأكبر البالغ من العمر عشرة أعوام، يتولى قيادة الحمار وتوجيه العربة، في حين يقوم شقيقه الأوسط (9 أعوام) بتعبئة الجالونات، ويشاركهما شقيقهم الأصغر (8 أعوام) مهام البيع والتوزيع. بثياب باهتة ووجوه أنهكها التعب يسيرون تحت شمس يوليو اللاهبة، لكن في عيونهم بريق طفولة تصارع للبقاء. يقول محمود لصحيفة "فلسطين": "أبونا استشهد بالحرب كان عندنا العربة، واقترحت أمي نشتغل ونبيع الميّ، لأن الناس محتاجة ميّ حلوة، خاصة بالصيف هيك نساعد بالبيت ونجيب شوية مصاري". منذ استشهاد والدهم قبل ثلاثة أشهر، وجدت الأسرة نفسها بلا معيل حاولت الأم، التي تعيل أربعة أطفال، أن تصمد وحدها، لكنها اضطرت لإشراك أبنائها في تأمين الحد الأدنى من احتياجاتهم اليومية. وبحسب منظمة الأمم المتحدة للطفولة "اليونيسف"، فإن أكثر من 17,000 طفل في قطاع غزة فقدوا أحد والديهم أو كليهما منذ بداية العدوان، فيما يعاني أكثر من ثلاثة من كل أربعة أطفال في غزة من اضطرابات نفسية شديدة. وتشير المنظمة إلى أن نحو 40% من الأطفال يضطرون للعمل في مهن شاقة أو خطرة نتيجة انهيار الأوضاع الإنسانية. في مخيم البريج وسط القطاع، تحاول حنين عمار البالغة من العمر 17 عامًا أن تقاوم مصيرًا مشابهًا بطريقتها الخاصة، فبعد استشهاد والدها في الشهر الرابع من العدوان قررت أن تحول جزءًا من منزلها إلى "زاوية تعليم" تقدم فيها دروسًا خصوصية لأطفال الحي في مواد اللغة العربية والرياضيات مقابل أجر رمزي. تقول حنين لصحيفة "فلسطين": "بدأت بطفلين والآن لدي 13 طالبًا بعضهم لا يعرف القراءة، صحيح أنني لست معلمة محترفة، لكن أحاول أن أُعوضهم شيئًا مما خسروا". ووفق بيانات وزارة التربية والتعليم في غزة فقد دمر الاحتلال أو ألحق الضرر بأكثر من 411 مدرسة ومنشأة تعليمية، وتوقفت العملية التعليمية بالكامل لأكثر من 625 ألف طالب وطالبة، فيما تُستخدم أكثر من 30% من المدارس كمراكز إيواء للنازحين في ظروف إنسانية وصحية مأساوية. أسوأ الأزمات الإنسانية الاختصاصي الاقتصادي محمد سكيك يرى أن أطفال غزة يواجهون واحدة من أسوأ الأزمات الإنسانية في العالم، حيث إن أكثر من 50% من أهالي القطاع هم دون سن 18 عامًا، ويعيشون في ظل حصار خانق وحرمان من أبسط حقوقهم في التعليم والرعاية الصحية والغذاء. يقول سكيك لصحيفة "فلسطين": "حين يتحول الأطفال إلى معيلين للأسرة، أو يضطرون لترك مقاعد الدراسة للعمل في بيع الماء أو الخردة، فهذا ليس فقط انتهاكًا لحقوقهم بل جريمة موجهة ضد مستقبل المجتمع الفلسطيني بأكمله". ويضيف "الطفولة لم تعد مرحلة بريئة في غزة، بل باتت حقلًا مليئًا بالتحديات القاسية". والتقرير الأخير للبنك الدولي يعكس حجم الكارثة إذ رصد انهيار النشاط الاقتصادي في قطاع غزة بنسبة تجاوزت 83% منذ بداية العدوان، وخسائر في رأس المال الثابت تُقدّر بنحو 29.9 مليار دولار، في وقت بلغ فيه معدل التضخم السنوي 238% مدفوعًا بارتفاع أسعار الغذاء والنقل نتيجة ندرة السلع وغياب سلاسل التوريد. أما على مستوى سوق العمل فقد بلغ معدل البطالة 79% بنهاية 2024 وهو من بين الأعلى عالميًا، في حين ارتفع معدل الفقر الوطني من 22.1% في 2023 إلى 37.7% نهاية العام ذاته، وسط تقديرات بأن معظم أهالي غزة باتوا تحت خط الفقر المدقع. المصدر / فلسطين أون لاين

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

هل أنت مستعد للنغماس في عالم من الحتوى العالي حمل تطبيق دايلي8 اليوم من متجر ذو النكهة الحلية؟ ّ التطبيقات الفضل لديك وابدأ الستكشاف.
app-storeplay-store