
أحداث السويداء والساحل الدامية والقضية الكردية... هل تتجه سوريا نحو الفدرالية؟
مايزيد الطين بلّة، أن هذه الأحداث الدامية جاءت لتعزز القلق والمخاوف الموجودة أصلا لدى الأكراد في شمال البلاد. حتى إن المسؤول الكردي البارز بدران جيا كورد، دعا الخميس دمشق إلى "مراجعة" نهجها في التعامل مع المكونات السورية.
وقال كورد إن "على الحكومة الانتقالية أن تبادر إلى مراجعة شاملة وعاجلة لنهجها في التعامل مع الداخل السوري، والبدء بحوار وطني جاد ومسؤول مع مختلف المكونات، مع احترام خصوصية كل مكون وهويته الثقافية والدينية". واعتبر المسؤول الكردي، أن "الانتهاكات الممنهجة التي طالت المكون الدرزي في الجنوب السوري، وما سبقها من انتهاكات مشابهة في الساحل السوري، تؤكد بوضوح الرفض العميق للتعددية الثقافية والدينية من قِبل وزارة الدفاع الانتقالية والمؤسسات التابعة لها"، مشيرا إلى أن ذلك "يؤدي إلى تقويض أسس العيش المشترك ضمن جغرافيا وطنية واحدة".
وأسفرت أحداث السويداء التي اندلعت في 13 يوليو/ تموز بين الدروز والبدو قبل تدخل القوات الحكومية ومسلحي العشائر، عن مقتل 1265 شخصا وفق حصيلة أعلنها الإثنين، المرصد السوري لحقوق الإنسان، إلى حدود بدء تنفيذ وقف إطلاق النار الأحد.
يذكر ذلك بأعمال عنف مشابهة على خلفية طائفية أيضا، شهدتها منطقة الساحل ما بين 7 و9 مارس/آذار، أسفرت عن مقتل 1426 شخصا بينهم 90 امرأة غالبيتهم الساحقة من العلويين، حسبما قالت لجنة تقصي الحقائق السورية الثلاثاء.
يضاف إلى ذلك، أن دمشق والإدارة الذاتية الكردية لم تنفذا بعد، بنود اتفاق وقّعه الشرع مع مظلوم عبدي قائد قوات سوريا الديمقراطية (قسد) في 10 مارس/آذار، ونصّ الاتفاق خصوصا، على "دمج كافة المؤسسات المدنية والعسكرية في شمال شرق البلاد ضمن إدارة الدولة، بما فيها المعابر الحدودية والمطار وحقول النفط والغاز".
ونقل مراسل فرانس24 في تركيا الثلاثاء، عن مصادر إعلامية محلية قولها، إن عبدي تعرض لمحاولة اغتيال على يد أحد حراسه الشخصيين، مشيرا إلى أن السبب قد يرجع إلى "رفض تيارات داخل قسد التقارب بينه وبين الشرع وموافقته على دمجها مع الجيش".
ويصر الأكراد على الاحتفاظ بقواتهم العسكرية البالغ عديدها عشرات آلاف الرجال والنساء. وهم يسيطرون على مساحات واسعة تضمّ أبرز حقول النفط والغاز. وجددت الإدارة الذاتية الكردية في 13 يوليو/تموز دعوتها إلى نظام حكم يحافظ على قدر من استقلاليتها ، بعد أيام من رفض دمشق "أي شكل" من أشكال اللامركزية.
وحذر مصدر حكومي من أن "الدولة السورية تجدد تمسكها الثابت بمبدأ -سوريا واحدة، جيش واحد، حكومة واحدة-، وترفض رفضا قاطعا أي شكل من أشكال التقسيم أو الفدرلة". مضيفا أن "الجيش السوري هو المؤسسة الوطنية الجامعة لكل أبناء الوطن، وتُرحّب الدولة بانضمام المقاتلين السوريين من قسد إلى صفوفه، ضمن الأطر الدستورية والقانونية المعتمدة".
في هذا السياق، أكد مسؤول خليجي كبير، من أن هناك "مخاوف حقيقية من أن سوريا تتجه نحو تقسيمها إلى دويلات"، في ظل إراقة المزيد من الدماء وتزايد الشعور بعدم الثقة في حكومة الشرع بين الأقليات، حسبما نقلت رويترز.
والثلاثاء، قال وزير الخارجية التركي هاكان فيدان، إن أنقرة تعتبر أي محاولة لتقسيم سوريا تهديدا لأمنها القومي وستتدخل بشكل مباشر إذا حدثت مثل هذه المحاولة.
لتسليط الضوء أكثر على تداعيات أحداث السويداء، وعلى تطلعات الأكراد في ظل المواجهات الطائفية الدامية التي بدأت من الساحل، وما يقال عن احتمال توجه سوريا إلى تبني النظام الفدرالي، حاورنا د. جلبير الأشقر أستاذ فخري بمعهد الدراسات الشرقية والأفريقية (سواس) في جامعة لندن.
د. جلبير الأشقر: بالتأكيد، وإنه لفشل ظاهر للعيان. فمَن أراد توحيد مكونات الشعب السوري كان ينبغي عليه أن يجمع ممثلي هذه المكونات حول طاولة حوار ويتفق معها على خارطة طريق، من أجل إعادة بناء الدولة السورية بمسار تُتوّجه انتخابات حرّة وديمقراطية خلال مهلة يتفق عليها فرقاء الحوار. لتحقيق ذلك، كان ينبغي تشكيل مجلس رئاسي وحكومة مؤقتة، تتمثل فيهما المكونات المذكورة.
بدل ذلك، تصرّفت "هيئة تحرير الشام [ كان يقودها الشرع وتقدمت الفصائل التي أسقطت الأسد - ملاحظة المحرر]" وكأنها ماسكة بزمام الأمور كافة وقادرة على حكم البلاد بمفردها، فنصّبت زعيمها رئيسا حلّ محل الرئيس الهارب بقصره في دمشق، وشكّلت حكومة تحت سيطرتها، لم تحظَ فيها مكونات الشعب السوري الأخرى سوى بتمثيل رمزي لم ينطلِ على أحد. وأخذت تدعو القوات المسلحة المهيمنة في مناطق البلاد الخارجة عن سيطرتها إلى الانضواء تحت لواء القوات المسلحة، من أمن عام وجيش، التي شكّلتها بتلبيس جماعاتها المسلحة بدلات رسمية لم تقتنع بها أي من مكونات الشعب السوري، غير أولئك الذين يرون أنفسهم ممثلين بـ"هيئة تحرير الشام" طائفيا وعقائديا.
كل ذلك كان محكوما بالفشل، وقد نبّهتُ منذ البداية، إلى أن الأمور سائرة نحو فشل محتوم، الأمر الذي لا بد من أن تكون له عواقب وخيمة في بلد متعدد المكونات الطائفية والقومية كما هي سوريا. وها نحن أمام مسار يثير قلقا عظيما على مصير البلاد، الذي ينذر بأن يكون أسوأ من مصير ليبيا بعد انهيار دولة القذّافي. إذ أن الكثافة السكانية أعلى بكثير في سوريا، والمسافات غير المأهولة الفاصلة بين المناطق أقل بكثير.
هل يسعى الأكراد إلى النظام الفيدرالي بعد مطالبتهم باللامركزية؟
لا يسعني التكلم بالنيابة عن الحركة الكُردية المهيمنة على "قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، وكيف بالأحرى إن طُلب مني التكلم بالنيابة عن كُرد سوريا برمّتهم. ما ألاحظه هو أن عبد الله أوجلان، مؤسس "حزب العمال الكردستاني" في تركيا الذي ينحدر منه أيديولوجيا "حزب الاتحاد الديمقراطي" في سوريا، الحزب القائد في "قسد"، قد عدّل كثيرا خلال السنين الأخيرة منظوره ومطلبه فيما يخص ترتيب العلاقة بين المنطقة الكردية والدولة التركية. ومن جانبه، غيّر "حزب الاتحاد الديمقراطي" اسم منطقة الشمال الشرقي السوري التي تولّى زمام الأمور فيها بعد قيام الانتفاضة ضد نظام آل الأسد وبعدها اندلاع الحرب الأهلية في سوريا، فانتقل من "فيدرالية روج آفا" إلى "النظام الاتحادي الديمقراطي لشمال سوريا" وصولا إلى الاسم الراهن، ألا وهو "الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا".
والحقيقة، في نظري، أن الأمر يعتمد بالدرجة الأولى على الشروط السياسية وموازين القوى السائدة على امتداد الدولة السورية. وقد بيّن تغيير التسميات بعض المرونة من جانب الحركة الكُردية فيما يتعلق بطبيعة العلاقة المستقبلية بينها والدولة السورية. بيد أن سلوك "هيئة تحرير الشام" الذي أشرتُ إليه ردّا على سؤالك السابق، إنما يدفع الحركة الكُردية إلى التمسّك باستقلال المنطقة الواقعة تحت سيطرتها عن الحكم الجديد القائم في دمشق، وعلى الأخص استقلال الأقاليم ذات الأغلبية السكانية الكُردية.
هل يمكن أن ينجح النظام الفيدرالي في سوريا؟
لِما لا؟ فإن النظام الفدرالي بصيغ شتى سائد في حوالي 25 بلدا من بلدان العالم، منها بلدان كبيرة كالهند وروسيا والولايات المتحدة وألمانيا والبرازيل كما بينها بلدان صغيرة كسويسرا وبلجيكا. لكن كي تنجح الصيغة الفدرالية، أو الاتحادية بتسميتها العربية، بلا عنف، في بلدان تشمل تعددا قوميا ولغويا، لا بد من أن تقوم على قاعدة ديمقراطية على غرار تلك القائمة في بلجيكا وسويسرا. أو تكون ثمة دولة مركزية قادرة على فرض الوحدة الاتحادية بقوة السلاح مثلما جرى مع القمع الرهيب الذي تعرضت له بلاد الشيشان من قبل الدولة الروسية خلال سنوات حكم فلاديمير بوتين الأولى.
لا يسعني سوى أن أتمنى تسوية سلمية للعلاقات بين مكونات الشعب السوري بما يفسح المجال أمام صيغة ديمقراطية للعلاقات بينها في إطار الدولة السورية. وإن سلكت سوريا درب النظام الاتحادي، سوف أرى ذلك مقبولا تماما فيما يخص المنطقة ذات الغالبية الكُردية التي تنتمي إلى قومية ولغة غير العربية، خلافا لسائر مكونات الشعب السوري الرئيسية. أما أن يقوم نظام اتحادي على أساس الانتماء الطائفي بالرغم من وحدة القومية واللغة، فهذه فكرة خطيرة للغاية في نظري، من شأنها الدفع إلى تفتيت طائفي ليس لسوريا وحدها، بل أيضاً لجاراتها، العراق ولبنان على الأخص، وهو ما تمنّته الحركة الصهيونية منذ إنشائها لدولة إسرائيل بوصفها دولة يهودية على خاصرة المشرق العربي، وما زالت تتمنّاه وهي شاعرة بأنها باتت أقرب إلى تحقيقه مما في أي وقت مضى.
أما اللامركزية الإدارية، فهي من شروط البقاء الضرورية لكل دولة جرى رسم حدودها من قِبَل القوى الاستعمارية بدل أن تنتج عن سيرورة تاريخية محلّية. وهي أحد الشروط الديمقراطية لترميم الوحدة الوطنية إثر انهيار نظام استبدادي فرض تلك الوحدة قسراً وقهراً بينما كان في الوقت نفسه يتبع سياسة "فرّق تسُد" المعروفة. فالنتيجة الحتمية عند انهيار مثل هذه الأنظمة هي تفكك الوحدة الوطنية التي كان يرعاها وحلول التفرقة التي زرعها هو ذاته محلّها. فلا بدّ من نظام ديمقراطي يشمل اللامركزية الإدارية من أجل إعادة بناء الوحدة الوطنية على أساس متين ومستدام.
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


فرانس 24
منذ 3 ساعات
- فرانس 24
سوريا: وزارة العدل تشكل لجنة رسمية لبحث أسباب ونتائج اشتباكات السويداء
أفادت وزارة العدل السورية ، الخميس، بتشكيل لجنة مختصة للتحقيق في أحداث العنف الطائفية الدامية التي شهدتها محافظة السويداء ذات الغالبية الدرزية جنوب البلاد خلال شهر تموز/يوليو. وأدت المواجهات، التي استمرت أسبوعا متواصلا، إلى سقوط أكثر من 1400 قتيل بحسب ما ذكره المرصد السوري لحقوق الإنسان. وذكرت الوزارة في قرارها أن مهمة اللجنة ستتركز على "كشف الظروف والملابسات التي أدت إلى الأحداث"، إلى جانب " التحقيق في الاعتداءات والانتهاكات التي تعرض لها المواطنون" و"إحالة كل من يثبت تورطه إلى القضاء المختص". وتضم اللجنة سبعة أعضاء، بينهم أربعة قضاة ومحاميان وضابط برتبة عميد، ويلزم القرار اللجنة بتقديم تقريرها النهائي خلال فترة لا تتجاوز ثلاثة أشهر. واندلعت الاشتباكات في محافظة السويداء ابتداء من 13 تموز/يوليو بين مسلحين من البدو ومقاتلين دروز، ثم اتسعت رقعتها مع تدخل القوات الحكومية ومسلحي العشائر إلى جانب البدو، بحسب روايات المرصد وشهود عيان وفصائل درزية.


فرانس 24
منذ 3 ساعات
- فرانس 24
ترامب يفرض رسوما جمركية تصل إلى 41% على عشرات الدول بدءا من 7 أغسطس
رفع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ، مساء الخميس، الرسوم الجمركية على عشرات الدول التي تقول واشنطن إنها تحقق فائضا تجاريا كبيرا معها. وأفاد البيت الأبيض بأن نسبة الرسوم المقررة تتراوح ما بين 10% و41%، حيث جاءت سوريا في مقدمة القائمة مع أعلى معدلات فرضت عليها، بينما بلغت الرسوم على منتجات الاتحاد الأوروبي واليابان وكوريا الجنوبية 15%. وتستهدف هذه الخطوة "إعادة هيكلة التجارة العالمية لصالح العمال الأمريكيين"، حسب البيان. ويتضمن القرار أيضا زيادة الرسوم الجمركية على واردات الولايات المتحدة من المنتجات الكندية غير المشمولة باتفاقية التجارة الحرة لأمريكا الشمالية، لترتفع النسبة من 25% إلى 35%. وأشار البيت الأبيض إلى أن "كندا لم تتعاون بما يكفي للحد من تدفق الفنتانيل وغيره من المخدرات إلى الولايات المتحدة"، كما اتهمها باتخاذ "إجراءات انتقامية" ضد واشنطن. وأكد مسؤول أمريكي كبير أن هذه الرسوم الإضافية ستدخل حيز التنفيذ في 7 آب/أغسطس، أي بعد أسبوع من الموعد المقرر أساسا، موضحا أن التأجيل يهدف إلى منح الجمارك الوقت الكافي للاستعداد لتحصيل الرسوم. وفيما يلي نسب الرسوم الجمركية المعدلة الجديدة التي أعلنها ترامب مع حلول الموعد النهائي الذي حدد له الأول من أغسطس آب، للتفاوض على اتفاقات تجارية. علما أن الواردات من بعض الدول، مثل البرازيل، ستخضع لرسوم جمركية إضافية ستضاف إلى الرسوم الجمركية المضادة المدرجة أدناه: نسب الرسوم الجمركية الجديدة :


فرانس 24
منذ 13 ساعات
- فرانس 24
ما شكل العلاقة الجديدة بين روسيا وسوريا في ظل أولويات الطرفين؟
05:21 31/07/2025 وزير الخارجية السوري يؤكد الاتفاق مع موسكو على مراجعة الاتفاقيات السابقة 31/07/2025 حل الدولتين: ما الأسباب وراء تغير الموقف الألماني الداعم عادة لإسرائيل؟ 31/07/2025 ما الرسائل التي يمكن استخلاصها من خطاب الرئيس اللبناني الذي أكد على سحب سلاح حزب الله؟ 31/07/2025 مقتل ستة أشخاص على الأٌقل بينهم طفل في ضربات روسية على كييف 31/07/2025 الكرملين ردا على ترامب: روسيا اكتسبت مناعة من العقوبات 31/07/2025 الدفاع المدني في غزة: مقتل 40 فلسطينيا على الأقل في عمليات إسرائيلية 30 بينهم من منتظري المساعدات 31/07/2025 هل تحيي زيارة ويتكوف إلى إسرائيل محادثات وقف إطلاق النار في غزة؟ 31/07/2025 وزير الخارجية السوري في موسكو وبحث في مصير القاعدتين العسكريتين الروسيتين في سوريا 31/07/2025 السويداء: الوضع الإنساني ما يزال متدهورا والسكان يتهمون قوات الحكومة السورية بفرض حصار