
أحمد هارون يتحدث ،،، فتنكشف الحقيقة
سربت وكالة رويترز للأنباء تسجيلًا صوتيًا منسوبًا لرئيس حزب المؤتمر الوطني المنحل، أحمد هارون، في توقيت حساس يشهد فيه السودان وضعًا سياسيًا ملبدًا بالغيوم. يأتي هذا التسريب في وقت يترقب فيه الشارع السوداني بقلق وتوتر نتائج لقاء واشنطن، الذي يضم ما أصبح يُعرف بـ'السداسية' بعد انضمام بريطانيا وقطر إلى المجموعة الرباعية المكوّنة من الولايات المتحدة والسعودية والإمارات ومصر، في مسعى لإنهاء الحرب الدائرة في السودان منذ أكثر من عامين.
حديث أحمد هارون حمل مفارقات لافتة، وكشف بوضوح عن الدور الذي لعبه الإسلاميون في إشعال هذه الحرب، حين أقرّ بأن دعمهم للجيش ومشاركتهم في القتال جاء 'من أجل البقاء'. لكن البقاء في ماذا؟ الإجابة لا تحتاج إلى كثير من التأمل ، فالمقصود هو البقاء في السلطة، في قلب المشهد السياسي، بعد أن أطاحت بهم ثورة ديسمبر وحاولت اقتلاعهم من جذور الحكم. وقد وفّر لهم الفريق عبد الفتاح البرهان الغطاء المناسب للعودة مجددًا، بإلغائه قرارات لجنة إزالة التمكين، وإعادة المفصولين إلى الخدمة، واسترداد الأموال التي صودرت منهم. وهكذا، ضمنوا لأنفسهم استمرار الوجود السياسي والاقتصادي، ليس فقط كأفراد بل كمؤسسة كاملة.
حديث أحمد هارون عن توقعه بقاء الجيش في السلطة بعد الحرب، لم يكن مجرّد تحليل سياسي، بل عبّر عن رغبة واضحة في استمرار الحكم العسكري، لأنه الطريق المضمون لبقائهم، تمامًا كما فعلوا طيلة أكثر من ثلاثين عامًا من حكم الإنقاذ. فقد وفّر لهم الجيش سابقًا مظلة لسلطة مطلقة، ولا يزال يمثل بالنسبة لهم الحصن الأخير. بل إن هارون نفسه كان من أوائل من أطلق على هذه الحرب اسم 'حرب الكرامة' بعد خروجه من السجن في الأيام الأولى لاندلاع القتال حيث دعا جميع المنتمين إلى الحركة الإسلامية للانخراط في الحرب، وأكّد أن هذه 'هي حربهم' ويجب الاستمرار فيها حتى النهاية.
في حديثه، روّج احمد هارون أيضًا لفكرة 'الحكم الهجين'، الذي يحتفظ فيه الجيش بالسيطرة السيادية بدعوى وجود مهددات أمنية. وهذه الصيغة تكشف نية الإسلاميين في استخدام المؤسسة العسكرية للبقاء في الحكم أطول فترة ممكنة، من خلال سلطة غير مدنية تُقصي الآخرين، تحت ذريعة فضفاضة يمكن التلاعب بها بحسب الحاجة. فالمهددات الأمنية بالنسبة لهم ليست سوى غطاء سياسي لاستمرار السيطرة، وتمديد الفترة الانتقالية بلا أفق.
أما حديثه عن أن المؤتمر الوطني لا ينوي العودة إلى السلطة إلا عبر صناديق الانتخابات، فهو لا يصمد أمام تناقضات خطابه نفسه. فمن يطالب ببقاء الجيش في الحكم يعلم تمامًا أن المؤسسة العسكرية التي يتغنّى بها هي ذاتها التي لا تزال تحت سيطرة الإسلاميين، وهي الضامن الأول لاستبعاد القوى المدنية، وبالتالي فإن العودة إلى السلطة ستكون من خلال ترتيبات الأمر الواقع، لا من خلال انتخابات حرة ونزيهة.
ما يلفت الانتباه أيضًا هو توقيت هذا التسريب. فكل المؤشرات تدل على أن هذا اللقاء المسرب جاء عمداً في هذا التوقيت ليشكّل رسالة استباقية لاجتماع واشنطن، وربما لقطع الطريق أمام أي تسوية محتملة قد تُقصي الإسلاميين من المشهد أو تحدّ من نفوذ الجيش. وقد تحمل التصريحات أيضًا رسائل مغازلة إلى البرهان، لتأكيد ولائهم وارتباطهم بالمؤسسة العسكرية، ومناشدته الاستمرار في حماية مشروعهم، كما فعل خلال السنوات الماضية.
لكن في ذات الوقت يمكن قراءة التصريحات كرسائل تهديد مبطّنة خصوصاً حين أشار هارون إلى أن هذه الحرب لن تكون الأخيرة ، وهي عبارة خطيرة تحمل في طياتها تهديدًا صريحًا بإمكانية إشعال جولات جديدة من الحرب، إنْ اقتضت مصالحهم ذلك. فهو يُذكّر الجميع، وربما البرهان نفسه، بأن في حوزتهم مليشيات مسلحة قادرة على إعادة إشعال النيران في أي لحظة، إذا شعروا بأن المسار السياسي لا يخدم مشروعهم في العودة إلى السلطة.
في نهاية الأمر، لم يكن حديث أحمد هارون سوى كشف صريح لمشروع الإسلاميين الحقيقي، وهو العودة إلى الحكم بأي وسيلة كانت، ولو على ظهر الدبابة وتحت راية الحرب، متى ما أُتيحت لهم الفرصة. لقد أرادوا من هذه الحرب تثبيت نفوذهم من جديد، ووجدوا في الجيش شريكًا مثاليا، كما كان دائما، لتحقيق ذلك.خطاب أحمد هارون بكل ما حمله من اعترافات مبطنة وتناقضات فاضحة لا يمكن النظر إليه كتصريح فردي أو نزوة سياسية عابرة، بل يمثل في جوهره مانيفستو صريحًا لمشروع الإسلاميين في السودان، الذين لم يتعاملوا مع الحرب باعتبارها كارثة وطنية يجب وقفها، بل كفرصة نادرة لإعادة ترتيب مواقعهم داخل السلطة. ولعل أخطر ما في هذا الخطاب ليس ما قيل صراحة، بل ما تم التلميح إليه وهو أن الإسلاميين لن يتركوا الساحة طواعية، وأن أدواتهم القديمة من التغلغل في الجيش إلى استخدام السلاح والمليشيات لا تزال حاضرة وجاهزة.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


التغيير
منذ 3 أيام
- التغيير
أحمد هارون يتحدث ،،، فتنكشف الحقيقة
أحمد هارون يتحدث ،،، فتنكشف الحقيقة سربت وكالة رويترز للأنباء تسجيلًا صوتيًا منسوبًا لرئيس حزب المؤتمر الوطني المنحل، أحمد هارون، في توقيت حساس يشهد فيه السودان وضعًا سياسيًا ملبدًا بالغيوم. يأتي هذا التسريب في وقت يترقب فيه الشارع السوداني بقلق وتوتر نتائج لقاء واشنطن، الذي يضم ما أصبح يُعرف بـ'السداسية' بعد انضمام بريطانيا وقطر إلى المجموعة الرباعية المكوّنة من الولايات المتحدة والسعودية والإمارات ومصر، في مسعى لإنهاء الحرب الدائرة في السودان منذ أكثر من عامين. حديث أحمد هارون حمل مفارقات لافتة، وكشف بوضوح عن الدور الذي لعبه الإسلاميون في إشعال هذه الحرب، حين أقرّ بأن دعمهم للجيش ومشاركتهم في القتال جاء 'من أجل البقاء'. لكن البقاء في ماذا؟ الإجابة لا تحتاج إلى كثير من التأمل ، فالمقصود هو البقاء في السلطة، في قلب المشهد السياسي، بعد أن أطاحت بهم ثورة ديسمبر وحاولت اقتلاعهم من جذور الحكم. وقد وفّر لهم الفريق عبد الفتاح البرهان الغطاء المناسب للعودة مجددًا، بإلغائه قرارات لجنة إزالة التمكين، وإعادة المفصولين إلى الخدمة، واسترداد الأموال التي صودرت منهم. وهكذا، ضمنوا لأنفسهم استمرار الوجود السياسي والاقتصادي، ليس فقط كأفراد بل كمؤسسة كاملة. حديث أحمد هارون عن توقعه بقاء الجيش في السلطة بعد الحرب، لم يكن مجرّد تحليل سياسي، بل عبّر عن رغبة واضحة في استمرار الحكم العسكري، لأنه الطريق المضمون لبقائهم، تمامًا كما فعلوا طيلة أكثر من ثلاثين عامًا من حكم الإنقاذ. فقد وفّر لهم الجيش سابقًا مظلة لسلطة مطلقة، ولا يزال يمثل بالنسبة لهم الحصن الأخير. بل إن هارون نفسه كان من أوائل من أطلق على هذه الحرب اسم 'حرب الكرامة' بعد خروجه من السجن في الأيام الأولى لاندلاع القتال حيث دعا جميع المنتمين إلى الحركة الإسلامية للانخراط في الحرب، وأكّد أن هذه 'هي حربهم' ويجب الاستمرار فيها حتى النهاية. في حديثه، روّج احمد هارون أيضًا لفكرة 'الحكم الهجين'، الذي يحتفظ فيه الجيش بالسيطرة السيادية بدعوى وجود مهددات أمنية. وهذه الصيغة تكشف نية الإسلاميين في استخدام المؤسسة العسكرية للبقاء في الحكم أطول فترة ممكنة، من خلال سلطة غير مدنية تُقصي الآخرين، تحت ذريعة فضفاضة يمكن التلاعب بها بحسب الحاجة. فالمهددات الأمنية بالنسبة لهم ليست سوى غطاء سياسي لاستمرار السيطرة، وتمديد الفترة الانتقالية بلا أفق. أما حديثه عن أن المؤتمر الوطني لا ينوي العودة إلى السلطة إلا عبر صناديق الانتخابات، فهو لا يصمد أمام تناقضات خطابه نفسه. فمن يطالب ببقاء الجيش في الحكم يعلم تمامًا أن المؤسسة العسكرية التي يتغنّى بها هي ذاتها التي لا تزال تحت سيطرة الإسلاميين، وهي الضامن الأول لاستبعاد القوى المدنية، وبالتالي فإن العودة إلى السلطة ستكون من خلال ترتيبات الأمر الواقع، لا من خلال انتخابات حرة ونزيهة. ما يلفت الانتباه أيضًا هو توقيت هذا التسريب. فكل المؤشرات تدل على أن هذا اللقاء المسرب جاء عمداً في هذا التوقيت ليشكّل رسالة استباقية لاجتماع واشنطن، وربما لقطع الطريق أمام أي تسوية محتملة قد تُقصي الإسلاميين من المشهد أو تحدّ من نفوذ الجيش. وقد تحمل التصريحات أيضًا رسائل مغازلة إلى البرهان، لتأكيد ولائهم وارتباطهم بالمؤسسة العسكرية، ومناشدته الاستمرار في حماية مشروعهم، كما فعل خلال السنوات الماضية. لكن في ذات الوقت يمكن قراءة التصريحات كرسائل تهديد مبطّنة خصوصاً حين أشار هارون إلى أن هذه الحرب لن تكون الأخيرة ، وهي عبارة خطيرة تحمل في طياتها تهديدًا صريحًا بإمكانية إشعال جولات جديدة من الحرب، إنْ اقتضت مصالحهم ذلك. فهو يُذكّر الجميع، وربما البرهان نفسه، بأن في حوزتهم مليشيات مسلحة قادرة على إعادة إشعال النيران في أي لحظة، إذا شعروا بأن المسار السياسي لا يخدم مشروعهم في العودة إلى السلطة. في نهاية الأمر، لم يكن حديث أحمد هارون سوى كشف صريح لمشروع الإسلاميين الحقيقي، وهو العودة إلى الحكم بأي وسيلة كانت، ولو على ظهر الدبابة وتحت راية الحرب، متى ما أُتيحت لهم الفرصة. لقد أرادوا من هذه الحرب تثبيت نفوذهم من جديد، ووجدوا في الجيش شريكًا مثاليا، كما كان دائما، لتحقيق ذلك.خطاب أحمد هارون بكل ما حمله من اعترافات مبطنة وتناقضات فاضحة لا يمكن النظر إليه كتصريح فردي أو نزوة سياسية عابرة، بل يمثل في جوهره مانيفستو صريحًا لمشروع الإسلاميين في السودان، الذين لم يتعاملوا مع الحرب باعتبارها كارثة وطنية يجب وقفها، بل كفرصة نادرة لإعادة ترتيب مواقعهم داخل السلطة. ولعل أخطر ما في هذا الخطاب ليس ما قيل صراحة، بل ما تم التلميح إليه وهو أن الإسلاميين لن يتركوا الساحة طواعية، وأن أدواتهم القديمة من التغلغل في الجيش إلى استخدام السلاح والمليشيات لا تزال حاضرة وجاهزة.


التغيير
٢١-٠٧-٢٠٢٥
- التغيير
كونوا شاهدين: من سيطلق الرصاصة الأولى في التمرد الثاني؟
أبدت أوساط الحركة الإسلامية ، عبر وسائلها الإعلامية ، مخاوفها من تصدع معسكر بورتسودان ، بانفراط عقد التحالف القيادي العسكري ، على خلفية التنافس الذي احتدم ، بين مكونات المعسكر ، حول المكاسب الوزارية ، والمغانم السيادية ، وما ارتبط بذلك من مساومات وابتزاز ، بلغ حد التهديد من قبل القوة المشتركة ، بالتخلي عن مساندة القوات المسلحة في الحرب ضد الدعم السريع ، والانتقال إلى الحياد ، كاشفة بذلك عن كامل دوافعها للمشاركة في الحرب ، البعيدة كليا ، عن الكرامة والوطنية المزعومتين ، اللتين تنتحلهما الحرب ستارا ، كما يسوقها معسكر البورت . و يتأسس موقف الحياد الذي تلوح به 'المشتركة ' ، على اتفاقات ' فوق وتحت التربيزة ' ، كشفها مني اركو مناوي ، سبق أن تم إبرامها بين التورابورا والجنجويد ، في جوبا و انجمينا ، على التوالي . لقد أحدثت تلك المنافسة القاسية والعنيفة ، التي دفعت بمعارك كازقيل وام صميمة ومحيط بارا ، إلى مؤخرة الاهتمام ، أزمة ثقة بين أطراف معسكر بورتسودان ، على غير ما يشتهي الاسلاميون . وفي وقت حذرت فيه الأمم المتحدة من أن الدعم السريع ، يجهز قوة كبيرة ، لمهاجمة مدينة الابيض ، التي تدور المعارك التكتيكية ، المشار إليها ، على محيطها . لكن ذلك لايعني ، أن الإسلاميين ، الذين تتباين مواقفهم من البرهان ، من حين لآخر ، يقفون معه في هذه اللحظة التي يمكن عدها حاسمة . فقد أعلن بروفسير ابراهيم غندور ، احد قادة أجنحة الإسلاميين ، قبل وقت قصير ، رغبته في تنحي البرهان ، قائلا ، أن تنحي البرهان يوقف الحرب . ويشاركه آخرون ، منهم جناح تركيا ، بقيادة عبدالحي يوسف ومحمد عطا المولى ، على الاقل ، هذا الموقف المناويء البرهان . لكن الوضع القيادي للتحالف ، شهد تصعيدا خطيرا ومتسارعا نحو المواجهة ، حين أصدر القائد العام للقوات المسلحة ، الجنرال عبدالفتاح البرهان ، قرارا يأمر فيه الحركات المسلحة ، باخلاء بورتسودان والعاصمة الخرطوم ، قيل إن القرار قاصر على قوات مناوي وجبريل ، التي يبدو أنها استنفدت اغراضها في نظر برهان ، ويستثني القرار بقية المليشيات . غير أن القوات المشتركة أعلنت رفضها تنفيذ القرار ، وفق ما أوردته وكالة السودان للأنباء ، والتي نقلت عن اعلام المشتركة ' انها لن تخضع لقرارات دون دراستها ' …' وإن القرار بالخروج من الخرطوم مشروط بدراستنا له ، ولا ينفذ قرار فينا الا بإرادتنا . ' هذا القرار الذي قد يكون وليد تفاقم أزمة الثقة المتبادلة ، بين الطرفين ، لكن ردة فعله من قبل 'المشتركة' ، قد تكون ، اضافة لما سبق ، ناتجة من استشعار 'المشتركة ' قوتها ، ومن ثم خروجها ، التلقائي ، على سلطة البرهان . لان اختلالا حدث موازين القوى بما جعلها تميل لصالحها . وأنها أصبحت في وضع تتقاسم فيه السيادة مع البرهان . وهو ما يعني وضع البلاد امام تمرد ثان وشيك . وما لم تحدث تحركات استباقية على الأرض ، من قبل القوات المسلحة لوضع قرار القائد العام موضع التنفيذ ، أو تحركات مضادة من قبل المشتركة ، فإن البلاد موعودة باحتقان شبيه بماسبق ١٥ ابريل ٢٠٢٣ ، لا ينقصه سوى إطلاق الرصاصة الأولى ، وبما قد ينطوي عليه إعادة إنتاج الحرب ، وفق سيناريو يحتمل تفويت فرصة الحسم العسكري ، في النزاع لصالح أحد الفريقين ، مثلما هو حادث منذ ذلك الحين إلى يوم الناس هذا . إن تحدي ' المشتركة' الذي عبر عن نفسه ، في معركة تقاسم المغانم الوزارية ، يكشف بجلاء أن قيادة البرهان ، اصبحت على المحك : أن تكون أو لا تكون .


التغيير
١٣-٠٧-٢٠٢٥
- التغيير
عدالة (درف).. محامي ذبيح الاخوان!
عدالة (درف).. محامي ذبيح الاخوان! من أبرز الانتقادات التي وُجهت لتشكيل حكومة الأمل برئاسة كامل إدريس، تعيينه المحامي عبد الله محمد دَرَف وزيرًا للعدل، ورغم أن البعض ركّز على أصوله الإريترية، مما لا يخوّله، في رأيهم، لتولي هذا المنصب الحساس، لكن الجميع يعلم ان وزراء الكيزان كانوا يحملون جنسيات مزدوجة! لذلك الخطورة الحقيقية تكمن في سيرته المهنية الحافلة بالدفاع عن رموز النظام البائد، وتعويقه للعدالة في قضايا محورية كقضية تقويض النظام الدستوري. كما لم يُعرف لدرف موقف قانوني واحد شجاع في مواجهة الفساد، أو جرائم المخدرات، أو نهب المال العام. بل ظل حاميًا لمصالحهم في ساحات القضاء، وترأس حملات لدعم اعادة ترشيح البشير. كما في الحرب الحالية، رفض المطالبة بإعادة المخلوع البشير ورفاقه الهاربين إلى السجون، واستمر في تعطيل العدالة بذات الحماس. فهل يُعقَل كوزير يوكل اليه ملف العدالة، مثلاً أن يُسلِّم رقاب البشير وأحمد هارون للجنائية، ليُحاكموا على جرائم ومجازر دارفور، وهي جرائم لن يسلم منها حتى الجنرال البرهان نفسه، (رب الفور)! فكيف سينتصر درف للعدل، وهو موالٍ لجلادي العدالة؟ في ظل قضاء معطوب، وقضاة تعوزهم أخلاق المهنة، يركعون لحكومة متخبطة القرارات، تتخذ السياسة مطيّة لإصدار الأحكام ضد معارضيها من المواطنين، بينما يُغدق المال على من يغمض عينه عن الحق، فهل يجرؤ الوزير، الذي ظل خانعًا في زمان السلم ، أن يظهر شجاعة في زمن الحرب؟ أن يدافع عن أولئك المظلومين في السجون، المعتقلين فقط بسبب ملامحهم أو لهجتهم بتهمة الوجوه الغريبة؟ أو الشباب والشابات المتهمين بالعمالة، والمهددين بالإعدام، فقط لأنهم عبروا عن رأيهم ضد الحرب في وسائط التواصل الاجتماعي؟ كل من رفع راية لا للحرب، أو دعا إلى التفاوض والسلام، هو خائن أو عميل! بل حتى أولئك الذين اكتفوا بالمساعدة الإنسانية في التكايا والمستشفيات لإنقاذ الجرحى، أصبحوا في نظره مشبوهين، جزاؤهم السجن والموت بالشك والريبة. أما المصيبة الفادحة التي وردت في سيرة الوزير، ويتباهى الكيزان بإيرادها، فهي ما اعتبروه من أشهر إنجازاته العدلية، حين كان ممثل الاتهام في قضية الردة الشهيرة ضد الصحفي محمد طه محمد أحمد، رئيس تحرير صحيفة الوفاق رحمه الله، بينما الحقيقة أن ما ورد يُظهر بجلاء انهيار ميزان العدالة وعجزها عن إقامة الحق. في تلك القضية، مثّل عبد الله درف الاتهام، ورفع دعوى الردة على محمد طه وفق المادة 126 من القانون الجنائي سنة 1991، على خلفية نشر مقال بعنوان (مولد المصطفي) وصف بانه مسيء للنبي صلي الله عليه وسلم واله الكرام وللصحابي عمرو بن العاص! وهيئة الاتهام في تكفير الصحفي حجتها ان الجريدة لم تُرفق أي استنكار أو توضيح بشأن مضمون المقال! غير أن محمد طه أنكر علمه بالمحتوى، موضحًا أن الخطأ جاء نتيجة نقل المقال من رابط إلكتروني يتضمن في أعلاه سيرة النبي عليه السلام، والمقال نشر بطريق الخطأ. ودفع محامي الدفاع بهذا التبرير، مؤكدًا أن ما حدث كان ناتجًا عن جهل لا عن سوء نية، لكن تجاهل الاتهام المبدأ النبوي العظيم (أ درؤوا الحدود بالشبهات) وحكم عليه بالردة. نفس احكام الردة التي تراجع عنها شيخهم الترابي ليقول إنها (هراء.. لا يوجد حكم للمرتد في الإسلام، قرأناً، وسنة، والانتماء للدين والخروج عنه مسألة شخصية لا دخل للآخرين فيها) أنتهي فهذا هو حال العدالة لدي الكيزان تصفية الخصومات السياسية تحت غطاء أحكام الردة، والإرهاب الديني، الصحفي المغدور محمد طه محمد أحمد، لم يكن خصمًا عاديًا، بل كان خطيبًا مفوّهًا من أبناء الحركة الإسلامية، ثم انقلب عليهم ناصحًا وناقدًا، وملأ الساحة الإعلامية بضجيج فضح مؤامراتهم، وعلى رأسها تعامل النظام مع إيران، وإرسال قوات من المؤسسة العسكرية للقتال كمجاهدين إلى جانب حزب الله ضد إسرائيل، مقابل مبالغ مالية ضخمة لم تُدفع للمقاتلين كاملة! دخَل محمد طه عُشّ الدبابير، فكان مصيره أن اختُطف من أمام منزله وأمام أسرته، ليُعثر عليه بعد ستة أيام مذبوحًا، مفصول الرأس، وقد وُضع رأسه على صدره في مشهد مروّع أحزن حتى خصومه، باستثناء الكيزان الذين سارعوا بادعاء أن الجريمة تقف وراءها جماعات إرهابية أجنبية لديها خلافات شخصية معه، لكن لاحقًا، وبعد أن تفتقت عقولهم الأمنية، قرروا إلصاق التهمة بعدد من عناصر حركة العدل والمساواة، بينهم أفراد ينتمون كذلك للمؤتمر الشعبي. وجميعهم من أبناء دارفور تم التضحية بهم وإعدامهم، في واحدة من أكثر قضايا العدالة أجحافاً. هذه هي عدالة عبد الله درف وإخوته من الكيزان المجرمين، نفس الصنعة، ونفس الإتقان في الالتفاف على القانون وتسييس القضاء، فهم لم يكتفوا بتعطيل العدالة، بل أقحموا قيادة الجيش المنزوعة الإرادة في إنشاء ميليشيات مرتزقة، والزج به في معارك ضد المواطنين، تحت ذريعة التمرد لإرضاء السلطة. لقد نال عبد الله درف مبتغاه، وزيرًا للعدل. لكن تعيينه، جاء أحشفًا وسوء كيل، فلا عدالة رُجيَت، ولا كفاءة عدلية بُني عليها الاختيار.