logo
تطوير القطاع العام: التجربة السعودية أنموذجًا فاعلاً(2)

تطوير القطاع العام: التجربة السعودية أنموذجًا فاعلاً(2)

عمونمنذ 2 أيام
لم تعد إصلاحات القطاع العام خيارًا مؤجَّلاً، بل باتت ضرورة وطنية ملحّة لأي دولة تطمح إلى التنمية المستدامة والفاعلية. في عالم تتسارع فيه التحوّلات الرقمية وتقنيات الذكاء الاصطناعي ،وتتعمق فيه التحديات الإدارية والاقتصادية.
‎والقطاع العام الأردني، ورغم اهتمام الحكومات المتعاقبة في تطويره وتنميته ومعالجة المشكلات المتوارثه فيه ومن ضمنها حكومة دولة الدكتور جعفر حسان التي لم تألو جهدا ولا تدخر همة في سبيل النهوض بالقطاع العام الحكومي ، ورغم ما يختزنه القطاع العام من خبرات وكفاءات، لا يزال يعاني من بطء الإجراءات، وتداخل الصلاحيات، وضعف منظومات المساءلة، الأمر الذي يفرض إعادة النظر في فلسفة الإدارة العامة ومنهجياتها، استنادًا إلى تجارب ناجحة يمكن مواءمتها مع البيئة الأردنية.
وفي مقدّمة تلك التجارب: التجربة السعودية في تطوير القطاع العام، بوصفها نموذجًا عربيًا طموحًا وممنهجًا، يستحق أن يُقرأ بعناية. أطلقت المملكة العربية السعودية رؤيتها الاستراتيجية 2030، فجعلت من تحديث القطاع العام إحدى ركائز التحول الوطني.
وبدلًا من التعديل على هوامش الإدارة، مضت في إصلاح هيكلي شامل، شمل الحوكمة، والتقييم، والتحول الرقمي، وتمكين الكوادر. فقد أنشأت السعودية مراكز متخصصة مثل "مركز تحقيق كفاءة الإنفاق" و"مركز قياس أداء الأجهزة الحكومية (أداء)"، لربط الميزانيات بالمخرجات، وكسر جمود الإنفاق التقليدي. كما أطلقت ثورة رقمية غير مسبوقة، عبر منصات مثل "أبشر" و"توكلنا" و"اعتماد"، مما جعل عشرات الخدمات الحكومية متاحة للمواطن في دقائق، بعد أن كانت تستنزف وقته وكرامته.
ولم تكتفِ المملكة بتطوير الأدوات، بل أعادت النظر في البنية الإدارية ذاتها، فدمجت وفصلت وزارات، وأنشأت هيئات استراتيجية، وخفضت عدد المؤسسات المتداخلة، مستفيدة من قاعدة: الحوكمة تبدأ من وضوح الأدوار. كما أولت بناء القيادات الحكومية أهمية بالغة، من خلال برامج تأهيل وتدريب نوعية داخلية وخارجية، أُسندت إلى كيانات احترافية كمعهد الإدارة العامة، وأكاديمية تطوير القيادات. ثم عززت ذلك بمنظومة نزاهة فعّالة، تُعلي من الرقابة وتعاقب الفساد بلا هوادة، عبر هيئة الرقابة ومكافحة الفساد ، ومتابعة مستمرة من صاحب السمو الملكي الامير محمد بن سلمان ولي العهد وبتوجيه من جلالة الملك سلمان.
هذه التحولات لم تكن مجرد ديكور إداري، بل أعادت الثقة في جهاز الدولة، ورفعت رضا المواطن، ودفعت بالقطاع العام ليكون مساهمًا في الإنتاج لا عبئًا على المالية العامة.
يمكن للأردن أن يستفيد من هذا النموذج الناجح وغيره من النماذج العربية والاجنبية، ولكن بحكمة التكييف والتفصيل المناسب للبيئة الاردنية، لا النسخ الكامل بكل حيثياته.
فالسياق الأردني له خصوصيته السياسية والاقتصادية، إلا أن فرص التعلّم من التجربة السعودية كثيرة. يمكن للأردن، مثلًا، أن يوسع من مظلة التحول الرقمي للخدمات الحكومية، ويوحّد المنصات المتناثرة في نظام رقمي مركزي متكامل. كما يمكن اعتماد منهجية قياس الأداء المؤسسي وربطها بالموازنات، بعيدًا عن منطق الإنفاق غير المرتبط بالأثر.
كذلك، لا بد من مراجعة هيكل الوزارات والهيئات، وتقليص التكرار، وتحديد المسؤوليات بوضوح، على نحو يُفعّل مبدأ المساءلة.
كما أن تمكين القيادات المتوسطة وصناعة صفّ ثانٍ مدرّب ومؤهل، يعتبر ضروري ، ويشكّل مدخلًا مهمًا لأي إصلاح مؤسسي طويل الأمد.
إن التجربة السعودية في تطوير القطاع العام تبرهن أن الإصلاح الجذري ممكن إذا توافرت الإرادة السياسية، والرؤية الواضحة، والبنية المؤسسية الصلبة. والأردن، بما يملكه من إرث إداري وخبرات بشرية مشهود لها، وبهمة حكومة الدكتور جعفر حسان التي اظهرت تميزا في العمل الميداني والمتابعة المستمرة، فان الاردن قادر على بناء تجربة أردنية رشيقة، تستلهم النجاحات، وتبتكر مساراتها الخاصة، وتعيد للقطاع العام بريقه وفاعليته.
Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

مجلس الوزراء يقر نظامًا جديدًا لتنظيم أعمال اللجان الحكومية
مجلس الوزراء يقر نظامًا جديدًا لتنظيم أعمال اللجان الحكومية

الدستور

timeمنذ يوم واحد

  • الدستور

مجلس الوزراء يقر نظامًا جديدًا لتنظيم أعمال اللجان الحكومية

عمان أقر مجلس الوزراء، في جلسته التي عقدها أمس الأحد، برئاسة رئيس الوزراء الدكتور جعفر حسان، نظاما جديدا لتنظيم أعمال اللجان الحكومية لسنة 2025م؛ وذلك انسجاما مع توجهات الحكومة نحو ضبط النفقات، وتحسين الأداء المؤسسي، وحوكمة عمل اللجان على مستوى القطاع العام، وعدم التوسع في تشكيلها. وكان مجلس الوزراء قد كلف سابقا وزير دولة للشؤون القانونية ووزير دولة لتطوير القطاع العام، بدراسة موضوع اللجان الحكومية والمكافآت والبدلات الممنوحة لأعضائها بحسب الأنظمة والتشريعات بشكل شمولي، ورفع التوصيات اللازمة لمجلس الوزراء بهذا الخصوص لاتخاذ القرار المناسب بشأنها، وذلك بهدف حوكمة عمل اللجان، والحيلولة دون التوسع في تشكيلها لغير الحاجة، وضبط آلية صرف المكافآت لأعضائها، بحيث يمنع صرفها دون وجود مبررات حقيقية. ويهدف النظام الجديد، إلى وضع إطار واضح لحوكمة دقيقة لتشكيل اللجان في مختلف الدوائر الحكومية، استنادا إلى المؤهلات والكفايات والخبرات المتخصصة. كما ينص النظام على عقد الاجتماعات أثناء أوقات الدوام الرسمي، إلا في حال اقتضت الضرورة الميدانية وساعات العمل خلاف ذلك، على أن يتم أخذ موافقة المرجع المختص على كل جلسة تتطلب انعقاد اللجنة خارج أوقات الدوام الرسمي. وينص النظام كذلك على عدم صرف أي مكافأة مالية لأعضاء اللجان إذا كان وقت انعقادها أثناء أوقات الدوام الرسمي، بينما يحدد سقف البدل المالي لأعضاء اللجان التي تنعقد خارج أوقات الدوام بحد أعلى مقداره 100 دينار شهريا. وتكون اجتماعات اللجان خارج أوقات الدوام الرسمي فقط إذا تطلبت الضرورات الميدانية ذلك، أو إذا كانت اللجنة تعمل على بعد مسافة عن المركز أو تطلب عملها ساعات عمل طويلة. وبموجب النظام، تلتزم اللجان بتقديم تقرير امتثالها ومدى التزامها بالضوابط المحددة بموجبه، كما يلتزم أعضاء اللجان بالإفصاح عن أي تعارض أو مصلحة مع عمل اللجنة. على صعيد متصل، أقر مجلس الوزراء تعليمات التحليل والتقييم الكمي والموضوعي للوظائف القيادية العليا في القطاع العام، وذلك استنادا لأحكام المادة 6 من نظام القيادات الحكومية رقم70 لسنة 2024م وتعديلاته. وتعتبر هذه التعليمات خطوة مهمة نحو تحقيق العدالة والشفافية في تحديد رواتب الوظائف القيادية العليا في القطاع العام، إذ تهدف لإيجاد آلية موضوعية وموحدة تطبق على جميع الوظائف القيادية العليا، وذلك من خلال تحديد الأهمية النسبية للوظيفة مقارنة بغيرها من الوظائف، وبالتالي تحديد الراتب المناسب والعادل لها. وتطبق هذه التعليمات على الوظائف القيادية العليا التي يتم التعيين عليها بعد سريان أحكام هذه التعليمات، أو الوظائف القيادية العليا المعين عليها قبل سريان هذه التعليمات عند تجديد عقود شاغليها أو منحهم الزيادة السنوية. وبموجب هذه التعليمات، تتولى لجنة تقييم وتحديد رواتب الوظائف القيادية العليا، وفقا لمجموعة من العوامل والمعايير، التي تأخذ بعين الاعتبار كفايات ومتطلبات إشغال الوظيفة وحجم الدائرة من حيث مواردها المالية والبشرية، وأثر القرارات والتوجيهات وحل المشكلات، على أن يعتمد تقييم وتحديد رواتب الوظائف القيادية العليا من مجلس الوزراء. يشار إلى أن هذه التعليمات ستحل محل تعليمات التقييم والتحليل الكمي والموضوعي للوظائف في الخدمة المدنية لسنة 2023م. وأقر مجلس الوزراء أيضا نظام التنظيم الإداري لوزارة الأشغال العامة والإسكان لسنة 2025م. ويأتي النظام لغايات تمكين الوزارة من القيام بالمهام الموكلة لها بموجب التشريعات النافذة، ولتعزيز مبدأ الشفافية والمساءلة والحوكمة الرشيدة من خلال تحديد المهام والمسؤوليات بوضوح. كما يهدف النظام إلى المواءمة بين الهيكل التنظيمي والخطة الاستراتيجية للوزارة للأعوام 2024 -2026م؛ ولتحسين مستوى التنسيق الداخلي وتسهيل آليات اتخاذ القرار، والانسجام مع توجهات الحكومة في تعزيز الأداء المؤسسي، والالتزام بمتطلبات خارطة طريق تطوير القطاع العام ورؤية التحديث الاقتصادي. وسيتم بموجب النظام إلغاء التداخل في الصلاحيات والاختصاصات بين الإدارات والمديريات والوحدات الإدارية المختلفة. كما أقر مجلس الوزراء نظام التنظيم الإداري لمؤسسة تنمية أموال الأيتام لسنة 2025م؛ وذلك لغايات تمكين المؤسسة من القيام بالمهام المنوطة بها والواجبات الملقاة على عاتقها بموجب التشريعات المتعلقة بعملها. وسيتم بموجب النظام الجديد وضع هيكل تنظيمي ينظم مهام الوحدات التنظيمية في المؤسسة، ويحدد ارتباط تلك الوحدات وأساليب الاتصال والتنسيق فيما بينها. وقرر مجلس الوزراء أيضا الموافقة على نظام معدل للنظام الداخلي لنقابة الجيولوجيين لسنة 2025م، والذي كانت قد أقرته الهيئة العامة للنقابة. ويأتي النظام بهدف تغطية عجز صندوق النقابة الناجم عن الفرق ما بين قيمة رسوم الاشتراكات السنوية الواردة له ونفقات النقابة السنوية. وقرر مجلس الوزراء الموافقة على الأسباب الموجبة لمشروع قانون معدل لقانون السير لسنة 2025م؛ تمهيدا لإرساله إلى ديوان التشريع والرأي، لإقراره حسب الأصول. وبموجب مشروع القانون، سيتم تقليل مدة الاحتفاظ بالمركبات التي يتم حجزها بناء على المخالفات الواردة في قانون السير، ولا يراجع أصحابها لتصويب أوضاعها؛ وذلك لغايات إجازة بيعها بالمزاد العلني وعدم الانتظار لفترات طويلة تقلل من قيمة المركبات. وتجيز المادة 49 من قانون السير بيع المركبات التي يتم حجزها بناء على المخالفات الواردة في قانون السير ولا يراجع أصحابها لتصويب أوضاعها، وذلك ضمن شروط محددة منها أن يمر عليها مدة 24 شهرا، وأن لا تكون مرهونة أو عليها حجز. ونظرا للقيمة المتناقصة لقيمة المركبات مع مرور الزمن، ولاعتبارات مراعاة حقوق أصحاب المركبات بأن لا تقل قيمة المركبة، وللحفاظ على حقوق الجهات الراهنة أو الحاجزة، فقد دعت الحاجة إلى تعديل هذه المادة لتقليل مدة الاحتفاظ لغايات البيع من 24 شهرا إلى 12 شهرا؛ ليجيز التعديل المقترح بيع المركبات المرهونة أو المحجوزة قضائيا، مع نقل حق الجهة الراهنة أو الحاجزة من المركبة إلى ثمنها. ويهدف التعديل إلى الحفاظ على قيمة المركبة، وحماية حقوق أصحابها من نقصان قيمتها بالنظر إلى طول مدة الاحتفاظ بها. على صعيد آخر، قرر مجلس الوزراء قبول استقالة مدير عام دائرة الأراضي والمساحة الدكتور أحمد العموش.

تطوير القطاع العام: التجربة السعودية أنموذجًا فاعلاً(2)
تطوير القطاع العام: التجربة السعودية أنموذجًا فاعلاً(2)

عمون

timeمنذ 2 أيام

  • عمون

تطوير القطاع العام: التجربة السعودية أنموذجًا فاعلاً(2)

لم تعد إصلاحات القطاع العام خيارًا مؤجَّلاً، بل باتت ضرورة وطنية ملحّة لأي دولة تطمح إلى التنمية المستدامة والفاعلية. في عالم تتسارع فيه التحوّلات الرقمية وتقنيات الذكاء الاصطناعي ،وتتعمق فيه التحديات الإدارية والاقتصادية. ‎والقطاع العام الأردني، ورغم اهتمام الحكومات المتعاقبة في تطويره وتنميته ومعالجة المشكلات المتوارثه فيه ومن ضمنها حكومة دولة الدكتور جعفر حسان التي لم تألو جهدا ولا تدخر همة في سبيل النهوض بالقطاع العام الحكومي ، ورغم ما يختزنه القطاع العام من خبرات وكفاءات، لا يزال يعاني من بطء الإجراءات، وتداخل الصلاحيات، وضعف منظومات المساءلة، الأمر الذي يفرض إعادة النظر في فلسفة الإدارة العامة ومنهجياتها، استنادًا إلى تجارب ناجحة يمكن مواءمتها مع البيئة الأردنية. وفي مقدّمة تلك التجارب: التجربة السعودية في تطوير القطاع العام، بوصفها نموذجًا عربيًا طموحًا وممنهجًا، يستحق أن يُقرأ بعناية. أطلقت المملكة العربية السعودية رؤيتها الاستراتيجية 2030، فجعلت من تحديث القطاع العام إحدى ركائز التحول الوطني. وبدلًا من التعديل على هوامش الإدارة، مضت في إصلاح هيكلي شامل، شمل الحوكمة، والتقييم، والتحول الرقمي، وتمكين الكوادر. فقد أنشأت السعودية مراكز متخصصة مثل "مركز تحقيق كفاءة الإنفاق" و"مركز قياس أداء الأجهزة الحكومية (أداء)"، لربط الميزانيات بالمخرجات، وكسر جمود الإنفاق التقليدي. كما أطلقت ثورة رقمية غير مسبوقة، عبر منصات مثل "أبشر" و"توكلنا" و"اعتماد"، مما جعل عشرات الخدمات الحكومية متاحة للمواطن في دقائق، بعد أن كانت تستنزف وقته وكرامته. ولم تكتفِ المملكة بتطوير الأدوات، بل أعادت النظر في البنية الإدارية ذاتها، فدمجت وفصلت وزارات، وأنشأت هيئات استراتيجية، وخفضت عدد المؤسسات المتداخلة، مستفيدة من قاعدة: الحوكمة تبدأ من وضوح الأدوار. كما أولت بناء القيادات الحكومية أهمية بالغة، من خلال برامج تأهيل وتدريب نوعية داخلية وخارجية، أُسندت إلى كيانات احترافية كمعهد الإدارة العامة، وأكاديمية تطوير القيادات. ثم عززت ذلك بمنظومة نزاهة فعّالة، تُعلي من الرقابة وتعاقب الفساد بلا هوادة، عبر هيئة الرقابة ومكافحة الفساد ، ومتابعة مستمرة من صاحب السمو الملكي الامير محمد بن سلمان ولي العهد وبتوجيه من جلالة الملك سلمان. هذه التحولات لم تكن مجرد ديكور إداري، بل أعادت الثقة في جهاز الدولة، ورفعت رضا المواطن، ودفعت بالقطاع العام ليكون مساهمًا في الإنتاج لا عبئًا على المالية العامة. يمكن للأردن أن يستفيد من هذا النموذج الناجح وغيره من النماذج العربية والاجنبية، ولكن بحكمة التكييف والتفصيل المناسب للبيئة الاردنية، لا النسخ الكامل بكل حيثياته. فالسياق الأردني له خصوصيته السياسية والاقتصادية، إلا أن فرص التعلّم من التجربة السعودية كثيرة. يمكن للأردن، مثلًا، أن يوسع من مظلة التحول الرقمي للخدمات الحكومية، ويوحّد المنصات المتناثرة في نظام رقمي مركزي متكامل. كما يمكن اعتماد منهجية قياس الأداء المؤسسي وربطها بالموازنات، بعيدًا عن منطق الإنفاق غير المرتبط بالأثر. كذلك، لا بد من مراجعة هيكل الوزارات والهيئات، وتقليص التكرار، وتحديد المسؤوليات بوضوح، على نحو يُفعّل مبدأ المساءلة. كما أن تمكين القيادات المتوسطة وصناعة صفّ ثانٍ مدرّب ومؤهل، يعتبر ضروري ، ويشكّل مدخلًا مهمًا لأي إصلاح مؤسسي طويل الأمد. إن التجربة السعودية في تطوير القطاع العام تبرهن أن الإصلاح الجذري ممكن إذا توافرت الإرادة السياسية، والرؤية الواضحة، والبنية المؤسسية الصلبة. والأردن، بما يملكه من إرث إداري وخبرات بشرية مشهود لها، وبهمة حكومة الدكتور جعفر حسان التي اظهرت تميزا في العمل الميداني والمتابعة المستمرة، فان الاردن قادر على بناء تجربة أردنية رشيقة، تستلهم النجاحات، وتبتكر مساراتها الخاصة، وتعيد للقطاع العام بريقه وفاعليته.

‎تطوير القطاع الحكومي الأردني: بين الكفاءة والمواءمة
‎تطوير القطاع الحكومي الأردني: بين الكفاءة والمواءمة

عمون

timeمنذ 5 أيام

  • عمون

‎تطوير القطاع الحكومي الأردني: بين الكفاءة والمواءمة

‎يُشكّل القطاع العام الأردني العمود الفقري لإدارة شؤون الدولة وتقديم الخدمات، لكنه ظل لسنوات يعاني من أزمات بنيوية متراكمة أعاقت قدرته على التطور ومواكبة متطلبات الدولة الحديثة. فعلى الرغم من المبادرات الحكومية المتكررة، ما تزال البيروقراطية تُطغى على الأداء، والإجراءات معقدة وبطيئة، وتعدد الحلقات الإدارية يثقل كاهل المواطن، ويفتح للفساد الإداري منافذ وفجوات نحن في غنى عنها. ‎ في أكثر من خطاب ولقاء ، شدد جلالة الملك عبد الله الثاني، على أن الإصلاح الإداري هو الأساس الحقيقي للتحديث، وأن لا خطة تنموية تنجح دون جهاز حكومي كفؤ ونزيه، ووجّه الحكومة لتطوير قدرات المؤسسات، وتحسين كفاءة الموارد البشرية، ومراجعة الهياكل الإدارية، وإلغاء التداخل، وتبني أسس عادلة وشفافة للتقييم والمساءلة، معتبرًا أن الثقة بين المواطن والدولة تبدأ من مؤسسة عامة تلتزم بالكفاءة وتستجيب للاحتياجات. ‎ لكن الأزمات المتوارثة والتحديات المستمرة لا تقف عند حدود التعقيد الإداري، بل تتعداها إلى تدني الكفاءة الإنتاجية، وقلة نظم التقييم الحقيقية التي تربط الأداء بالحوافز والترقيات، واستمرار ثقافة الترفيع حسب الأقدمية على حساب الإنجاز. كما أن كثيرا من الواسطة والمحسوبية، خصوصًا في المواقع القيادية، لا تزال تستخدم وتحبط مبدأ العدالة وتضعف ثقة المواطن بالجهاز الحكومي. ‎ ومع تشابك الصلاحيات وتداخلها في بعض المؤسسات وتكرار المهام بين الوزارات والهيئات، تتفاقم المشكلات، مما يؤدى إلى الترهل الوظيفي والاداري، ثم زيادة الإنفاق دون مردود فعلي ينعكس بشكل واضح على جودة الخدمات. فرغم وفرة الكوادر البشرية، تبقى شكاوى المواطنين من ضعف الأداء في كثير من المؤسسات شبه دائمة. ‎ إن الحكومات المتعاقبة واخرها حكومة الدكتور جعفر حسان استجابت لهذه التحديات بإطلاق "خارطة تحديث القطاع العام"، التي تضمّنت محاور إصلاحية طموحة، لكن أثرها ما يزال محدودًا بسبب غياب التعميم الشامل، واستمرار كثير من الاعمال الورقية، وفوق ذلك افتقار التنفيذ إلى المؤسسية والتتابعية ، فغالبًا ما ترتبط المشاريع بأشخاص، وحين يتغير الوزير أو الحكومة، تتبدل الأولويات وتُجمّد الخطط. عدا عن ان مقاومة التغيير من داخل المؤسسات نفسها تُعد من أبرز العوائق، إلى جانب غياب منصة وطنية فعالة لرصد شكاوى المواطنين وقياس رضاهم. ‎ ورغم كل ذلك، لا يزال الامل معقودا والفرصة قائمة أمام حكومة دولة الدكتور جعفر حسان لتحقيق إصلاح حقيقي، حيث تتوفر الإرادة السياسية عند دولته وهناك رؤية متكاملة، وخطط تنفيذية محددة زمنًا، تحتاج لمتابعة صارمة ومساءلة فاعلة ‎ وفي هذا السياق، تبدو أهمية استلهام النماذج الإقليمية والدولية الناجحة، مثل التجربة السعودية في التحول الرقمي، ضمن 'رؤية 2030'، والتي أطلقت منصات حكومية مثل 'أبشر' و'توكلنا' و'نفاذ'، وحققت نقلة نوعية في رضا المواطن، من خلال تقليل الجهد والوقت، وخفّض التكاليف، ورفع كفاءة الإنفاق، عبر تقليل التواصل البشري وتعزيز الشفافية. وهناك تجارب مماثلة أخرى في دول مثل المغرب شكلت مثالًا ناجحًا في هيكلة المؤسسات ودمج الهيئات، فيما كرّست الإمارات نموذجًا عالميًا في الحوكمة والتميّز والتحول الرقمي الكامل. أما سنغافورة، فتحوّلت من دولة تعاني الفساد إلى واحدة من الأكثر كفاءة في الإدارة العامة، بفضل اعتمادها على معايير الأداء والمساءلة والنتائج. ‎ وفي الأردن، توجد بوادر رقمية واعدة مثل "سند" و"بوابة الحكومة الإلكترونية"، لكنها بحاجة إلى تطوير شامل وربط تكاملي إلزامي لتحقق الأثر المطلوب. من هذه الدروس والبرامج الدولية، يستطيع الأردن تشكيل نموذج إصلاحي خاص به يقوم على خمس ركائز: إعادة هيكلة القطاع العام، وتوظيف قائم على الجدارة، وتحول رقمي شامل، وتأهيل القيادات الإدارية، وتفعيل أدوات الرقابة والمساءلة المجتمعية. وهذا ما يمكن تسميته بـ"نموذج الكفاءة والمواءمة"، الذي يجمع بين تدريب وتطوير الكفاءات الإدارية الحكومية، وتطبيق برامج دولية ناجحة، ولكنها تتمتع بالخصوصية الوطنية الأردنية، ويشكّل هذا خطوة إصلاحية لا غنى عنها ، إذا أراد الأردن النهوض بمؤسساته واستعادة ثقة مواطنيه. فالإصلاح لا يبدأ من تعديل القوانين والتشريعات فقط، بل من تغيير الثقافة المنظمية والإدارية لتطوير كفاءة حقيقية، وعدالة فعالة، ونتائج يلمسها ويشعر بها المواطن. ‎ * أستاذ الإدارة العامة – معهد الإدارة العامة – السعودية

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

هل أنت مستعد للنغماس في عالم من الحتوى العالي حمل تطبيق دايلي8 اليوم من متجر ذو النكهة الحلية؟ ّ التطبيقات الفضل لديك وابدأ الستكشاف.
app-storeplay-store