
من سلسلة حلقات " الحرب الإمبريالية على إيران" الحلقة4
إيطاليا تلغراف
العلمي الحروني – قيادي يساري – الحزب الاشتراكي الموحد
ربط الكيان الصهيوني نفسه، دائما ومنذ نشأته، بقوة عالمية نووية تحميه وتمنحه الإسناد السياسي، والإعلامي، والدبلوماسي والعسكري والتكنولوجي. فقد كان الاحتلال البريطاني سنده الأول وبعد انسحابه، استند على ألمانيا التي منحته ملايين الدولارات في بداياته وبعدها ثم فرنسا التي بنت له المفاعل النووي وأمدته بالسلاح، ثم الولايات المتحدة الأمريكية منذ عام 1973 وحتى اليوم، حيث إن حجم الدعم الأمريكي غير محدود وغير مسبوق، فهي تمنحه كل ما يريد. فبعد عملية 'طوفان الأقصى'، زودت أمريكا إسرائيل بالأسلحة والقذائف والطائرات وقطع الغيار والدعم المالي بمئات المليارات من الدولارات، إضافة إلى دعم اقتصادي ومعلومات استخباراتية واسعة.
وقد منح احتكار السلاح النووي الكيان الصهيوني شعورا بالأمان في منطقة ما يسميه الغرب الإمبريالي بـ 'الشرق الأوسط'، وهي في الأصل الجزيرة العربية وبلاد الشام والعراق، حيث يعتقد أن استخدام السلاح النووي قد يكون خيارا نهائيا في حال تعرض وجوده للخطر.
إن تاريخ حصول الكيان على السلاح النووي هو تاريخ كيانٍ أصر بكل الوسائل على امتلاكه، إذ بدأ التخطيط لذلك منذ خمسينيات القرن الماضي. ولم يكن هذا بدعم أمريكي، بل فرنسي، حيث أنشأت له فرنسا المفاعل النووي تحت غطاء 'الاستخدام السلمي'، وأجرت 17 تجربة نووية في الجزائر خلال فترة الاستعمار، واستمرت بعد الاستقلال بموجب اتفاقيات إيفيان، وذلك بين عامي 1960 و1966، مخلفةً عددًا كبيرًا من الضحايا وأضرارًا بيئية وصحية جسيمة لا تزال آثارها مستمرة حتى اليوم. وقد وقعت هذه التجارب في منطقتي رقان (Reggane) بالصحراء الكبرى جنوب الجزائر، حيث جرى تنفيذ أربع تفجيرات نووية سطحية تحت اسم 'سلسلة اليربوع' (Gerboise)، وفي منطقة عين إكر (Ain Ekker) قرب تمنراست.
أما من الجانب الأمريكي، فقد كان الرئيس أيزنهاور معارضا لانتشار الأسلحة النووية، وقد تم إخفاء الحقيقة عن الرئيس كينيدي بأن المفاعل الإسرائيلي كان ذا أهداف سلمية صناعية بحتة. ولطمأنة إسرائيل، منحها صواريخ 'سكاي هوك' الدفاعية، ليكون أول رئيس أمريكي يزود الكيان بالأسلحة بعد رفض كل من ترومان وأيزنهاور لذلك. وفي نهاية المطاف، استسلم كينيدي سنة 1961، مشترطا فتح المفاعل الإسرائيلي للتفتيش المستمر للتأكد من سلمية البرنامج. وقد تم ذلك، لكن جاسوسا داخل وكالة الاستخبارات الأمريكية (CIA) أخبر إسرائيل بمواعيد زيارات لجنة التفتيش، كما ورد في كتاب 'خيار شمشون' للصحفي الأمريكي سيمور هيرش، الصادر عام 1991.
'خيار شمشون'، عقيدة الردع النووي الصهيوني
'خيار شمشون' هو استراتيجية عسكرية وسياسية تستخدم عندما تواجه دولة تهديدا وجوديا لا مفر منه. ويعود الاسم إلى الأسطورة التوراتية لـ 'شمشون الجبار' الذي هدم المعبد على نفسه وعلى أعدائه، مستخدما قوته الجسدية في تضحية أخيرة. في السياق الإسرائيلي، يشير المصطلح إلى الاستعداد لاستخدام الأسلحة النووية كخيار نهائي، وهو جزء من سياسة الردع غير المعلنة التي تفترض أن أي تهديد وجودي لإسرائيل سيقابل برد كارثي شامل.
ومن يعرف طبيعة الكيان الصهيوني يدرك أنه لا يستبعد استخدامه للسلاح النووي. نورد مثالين بارزين:
الأول، تصريح وزير شؤون القدس والتراث الإسرائيلي، أميخاي إلياهو، الذي دعا مرتين إلى إسقاط قنبلة نووية على قطاع غزة للتخلص من المقاومة وسكان القطاع. وقد أدرج هذا التصريح ضمن ملف الإبادة الجماعية الذي رفعته جنوب أفريقيا إلى محكمة العدل الدولية.
الثاني، خلال حرب أكتوبر 1973، حين أحرزت الجيوش المصرية والسورية تقدما كبيرا، قررت إسرائيل فعليًا استخدام السلاح النووي، وحمّلت 11 طائرة بقنابل ذرية ليلة 8-9 أكتوبر لضرب أهداف حساسة في مصر وسوريا.
الحملة ضد المشروع النووي الإيراني
في السياق ذاته، شنت إسرائيل حملة شرسة لإنهاء المشروع النووي الإيراني، كما حاولت عرقلة المشروع النووي الباكستاني عامي 1992 و1993، وكانت وراء الترويج لمصطلح 'القنبلة الإسلامية النووية'.
تجدر الإشارة إلى أن مصر رفضت، في البداية، التوقيع على معاهدة الحد من انتشار الأسلحة النووية ما لم توقع إسرائيل أيضا. لكنها، تحت ضغط أمريكي، وقعت عليها سنة 1981 في عهد حسني مبارك، رغم علم الولايات المتحدة بأن إسرائيل تمتلك اليورانيوم الذي سرقته مخابراتها من سفينة أمريكية في ولاية بنسلفانيا خلال الستينيات، في عهد الرئيس ليندون جونسون. ومع ذلك، لا يزال الكيان الصهيوني غامضا في ما يتعلق بامتلاكه للأسلحة النووية.
وقد كان كينيدي معارضا لإكمال المشروع النووي الإسرائيلي، وقد قتل في ظروف أثارت جدلا حول احتمال ارتباط مقتله بالمشروع النووي. وعندما جاء جونسون، ترك لإسرائيل حرية المضي قدما فيه. ثم أقامت إسرائيل مشروعا نوويا مشتركا مع نظام الأبارتايد في جنوب أفريقيا، وأجريا تجربة نووية مشتركة سنة 1974 في المحيط الهندي. لكن الزعيم نيلسون مانديلا دعم قرار التخلص الطوعي من المشروع النووي، وتم تفكيكه سنة 1989، لتوقع جنوب أفريقيا على معاهدة عدم الانتشار سنة 1991، وهو ما قامت به أيضًا جمهوريات الاتحاد السوفيتي السابق مثل بيلاروسيا وكازاخستان وأوكرانيا، حيث أعادت أسلحتها النووية إلى روسيا.
خطر وجودي وتحالفات مريبة وازدواجية المعايير
ليس هناك، إذا، سبيل حقيقي لمواجهة احتكار الكيان الصهيوني للسلاح النووي، باعتباره أحد الأسس الخطيرة التي قام عليها منذ نشأته. فإسرائيل تمثل خطرا على المنطقة المغاربية والجزيرة العربية وبلاد الشام والعراق والعالم الإسلامي بأسره، بل وعلى الاستقرار العالمي ككل. فهي تملك ترسانة نووية قد تلجأ لاستخدامها دون وجود رادع فعال، خاصة في ظل غياب قدرة الردع داخل العالم الإسلامي، لذلك، قد يكون السبيل الوحيد المتاح في المدى المنظور هو البحث عن مظلة نووية من قبل دولة مثل باكستان ودعم امتلاك بعض الدول الإسلامية أو الإقليمية لأسلحة ردعية نووية أو غير تقليدية، مثل الأسلحة الكيماوية والبيولوجية، كما هو الحال مع إيران ومصر والسعودية وتركيا ، إضافة إلى النظر في مواقف دول مثل الهند، التي رغم امتلاكها سلاحا نوويا، لا تجمعها بإسرائيل علاقات ود راسخة أو تحالفات عضوية.
ويبقى من الضروري المطالبة، على الصعيد الدولي، بتفكيك الترسانة النووية الإسرائيلية، خاصة أن الكيان لم يعترف حتى اليوم بامتلاكه للأسلحة النووية، ولم يوقع على معاهدة الحد من انتشارها، وهو ما يمثل خرقا صارخا للقوانين والمعاهدات الدولية.
إن رفض الغرب، وخاصة الولايات المتحدة الأمريكية، أن تمتلك دول من العالم الإسلامي – وخاصة في المنطقة – أسلحة نووية، مقابل التغاضي الكامل عن الترسانة النووية الإسرائيلية، هو وجه سافر من أوجه الكيل بمكيالين. وهنا تبرز الحاجة إلى: تشكيل حركة عالمية من دول وشعوب ومؤسسات أكاديمية ومفكرين وعلماء نوويين، لكشف هذا التناقض والترافع أمام الهيئات الدولية من أجل تفكيك هذه الترسانة غير المشروعة.
الاغتيالات ركيزة الأمن القومي الإسرائيلي
من جهة أخرى، فإن مواجهة الكيان الصهيوني لمن يعتبرهم تهديدا وجوديا، سواء كانوا دولا أم أفرادا، تقوم على استراتيجية أمنية محكمة، جعلت من سياسة الاغتيالات ركيزة ثابتة في بنيته منذ عام 1948 وحتى اليوم.
فلدى الكيان ما لا يقل عن 18 جهازا أمنيا واستخباراتيا (الموساد، الشاباك، أمان، شين بيت… وغيرها). لم تنشأ هذه الأجهزة فقط للتحكم في الشعوب المجاورة أو الشعب الفلسطيني، بل تتجاوز ذلك إلى التجسس على قادة العالم والتحكم في القرار السياسي والإعلامي الدولي وتنفيذ عمليات اغتيال نوعية في الداخل والخارج. وقد كشف عن ذلك من خلال برامج تجسسية مثل 'بيغاسوس'، الذي استخدم للتجسس على قادة ومسؤولين رفيعي المستوى.
وفي هذا الصدد، يعد كتاب الصحفي الإسرائيلي رونين برغمان:
'Rise and Kill First: The Secret History of Israel's Targeted Assassinations'
مرجعا مهما في توثيق هذه السياسة. يكشف الكتاب أن إسرائيل نفذت أكثر من 800 عملية اغتيال في أنحاء متفرقة من العالم، استهدفت فلسطينيين ومصريين ومغاربة (منهم المهدي بن بركة) وعراقيين وإيرانيين وآخرين.
تجدر الإشارة إلى أن إسرائيل تمتلك، وفق تقديرات غير رسمية، نحو 150 ألف عميل داخل الأرض المحتلة، خاصة في مناطق الضفة الغربية وغزة والقدس، مما يمنحها قدرة شبه كاملة على جمع البيانات الحساسة عن السكان وتتبع الأشخاص المشتبه فيهم وتنفيذ اغتيالات دقيقة، سواء عبر الطائرات بدون طيار، أو بتقنيات عالية داخل وخارج الحدود.
إن معظم الاغتيالات التي تمت في لبنان، وكذلك في دول مثل إيران، الإمارات، ماليزيا، بلجيكا، وتونس، تمت بواسطة هذه المنظومة الأمنية الهائلة التي لا تعترف بالحدود الجغرافية، ولا تلتزم بالقانون الدولي.
هكذا يمثل الكيان الصهيوني نموذجا خطيرا لدولة نووية لا تخضع للرقابة الدولية، وتستفيد من دعم غربي غير مشروط، وتتبنى في الوقت نفسه سياسات اغتيال ممنهجة بحق من تعتبرهم خصوما أو تهديدا. وبينما يمنع على الدول الإسلامية امتلاك أسلحة نووية، تغض الأطراف الدولية الطرف عن الترسانة الإسرائيلية، في ازدواجية تفضح الهيمنة الغربية على النظام الدولي.
إن التصدي لهذه الهيمنة لا يمكن أن يتم إلا عبر تعبئة شاملة، سياسية وفكرية وإعلامية وشعبية، من أجل كسر الاحتكار النووي وفضح السياسات الإسرائيلية في المحافل الدولية والضغط من أجل إرساء توازن ردعي جديد، يعيد الاعتبار للمنطقة وشعوبها.
( ترقبوا في الحلقة 5 موضوع حول البرنامج النووي الإيراني)
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لجريدة إيطاليا تلغراف
السابق
موقع واللا الإسرائيلي: الجيش يرفض دفن الجندي المنتحر في مراسم عسكرية

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


إيطاليا تلغراف
منذ 5 أيام
- إيطاليا تلغراف
من سلسلة حلقات " الحرب الإمبريالية على إيران" الحلقة4
العلمي الحروني نشر في 7 يوليو 2025 الساعة 20 و 00 دقيقة إيطاليا تلغراف العلمي الحروني – قيادي يساري – الحزب الاشتراكي الموحد ربط الكيان الصهيوني نفسه، دائما ومنذ نشأته، بقوة عالمية نووية تحميه وتمنحه الإسناد السياسي، والإعلامي، والدبلوماسي والعسكري والتكنولوجي. فقد كان الاحتلال البريطاني سنده الأول وبعد انسحابه، استند على ألمانيا التي منحته ملايين الدولارات في بداياته وبعدها ثم فرنسا التي بنت له المفاعل النووي وأمدته بالسلاح، ثم الولايات المتحدة الأمريكية منذ عام 1973 وحتى اليوم، حيث إن حجم الدعم الأمريكي غير محدود وغير مسبوق، فهي تمنحه كل ما يريد. فبعد عملية 'طوفان الأقصى'، زودت أمريكا إسرائيل بالأسلحة والقذائف والطائرات وقطع الغيار والدعم المالي بمئات المليارات من الدولارات، إضافة إلى دعم اقتصادي ومعلومات استخباراتية واسعة. وقد منح احتكار السلاح النووي الكيان الصهيوني شعورا بالأمان في منطقة ما يسميه الغرب الإمبريالي بـ 'الشرق الأوسط'، وهي في الأصل الجزيرة العربية وبلاد الشام والعراق، حيث يعتقد أن استخدام السلاح النووي قد يكون خيارا نهائيا في حال تعرض وجوده للخطر. إن تاريخ حصول الكيان على السلاح النووي هو تاريخ كيانٍ أصر بكل الوسائل على امتلاكه، إذ بدأ التخطيط لذلك منذ خمسينيات القرن الماضي. ولم يكن هذا بدعم أمريكي، بل فرنسي، حيث أنشأت له فرنسا المفاعل النووي تحت غطاء 'الاستخدام السلمي'، وأجرت 17 تجربة نووية في الجزائر خلال فترة الاستعمار، واستمرت بعد الاستقلال بموجب اتفاقيات إيفيان، وذلك بين عامي 1960 و1966، مخلفةً عددًا كبيرًا من الضحايا وأضرارًا بيئية وصحية جسيمة لا تزال آثارها مستمرة حتى اليوم. وقد وقعت هذه التجارب في منطقتي رقان (Reggane) بالصحراء الكبرى جنوب الجزائر، حيث جرى تنفيذ أربع تفجيرات نووية سطحية تحت اسم 'سلسلة اليربوع' (Gerboise)، وفي منطقة عين إكر (Ain Ekker) قرب تمنراست. أما من الجانب الأمريكي، فقد كان الرئيس أيزنهاور معارضا لانتشار الأسلحة النووية، وقد تم إخفاء الحقيقة عن الرئيس كينيدي بأن المفاعل الإسرائيلي كان ذا أهداف سلمية صناعية بحتة. ولطمأنة إسرائيل، منحها صواريخ 'سكاي هوك' الدفاعية، ليكون أول رئيس أمريكي يزود الكيان بالأسلحة بعد رفض كل من ترومان وأيزنهاور لذلك. وفي نهاية المطاف، استسلم كينيدي سنة 1961، مشترطا فتح المفاعل الإسرائيلي للتفتيش المستمر للتأكد من سلمية البرنامج. وقد تم ذلك، لكن جاسوسا داخل وكالة الاستخبارات الأمريكية (CIA) أخبر إسرائيل بمواعيد زيارات لجنة التفتيش، كما ورد في كتاب 'خيار شمشون' للصحفي الأمريكي سيمور هيرش، الصادر عام 1991. 'خيار شمشون'، عقيدة الردع النووي الصهيوني 'خيار شمشون' هو استراتيجية عسكرية وسياسية تستخدم عندما تواجه دولة تهديدا وجوديا لا مفر منه. ويعود الاسم إلى الأسطورة التوراتية لـ 'شمشون الجبار' الذي هدم المعبد على نفسه وعلى أعدائه، مستخدما قوته الجسدية في تضحية أخيرة. في السياق الإسرائيلي، يشير المصطلح إلى الاستعداد لاستخدام الأسلحة النووية كخيار نهائي، وهو جزء من سياسة الردع غير المعلنة التي تفترض أن أي تهديد وجودي لإسرائيل سيقابل برد كارثي شامل. ومن يعرف طبيعة الكيان الصهيوني يدرك أنه لا يستبعد استخدامه للسلاح النووي. نورد مثالين بارزين: الأول، تصريح وزير شؤون القدس والتراث الإسرائيلي، أميخاي إلياهو، الذي دعا مرتين إلى إسقاط قنبلة نووية على قطاع غزة للتخلص من المقاومة وسكان القطاع. وقد أدرج هذا التصريح ضمن ملف الإبادة الجماعية الذي رفعته جنوب أفريقيا إلى محكمة العدل الدولية. الثاني، خلال حرب أكتوبر 1973، حين أحرزت الجيوش المصرية والسورية تقدما كبيرا، قررت إسرائيل فعليًا استخدام السلاح النووي، وحمّلت 11 طائرة بقنابل ذرية ليلة 8-9 أكتوبر لضرب أهداف حساسة في مصر وسوريا. الحملة ضد المشروع النووي الإيراني في السياق ذاته، شنت إسرائيل حملة شرسة لإنهاء المشروع النووي الإيراني، كما حاولت عرقلة المشروع النووي الباكستاني عامي 1992 و1993، وكانت وراء الترويج لمصطلح 'القنبلة الإسلامية النووية'. تجدر الإشارة إلى أن مصر رفضت، في البداية، التوقيع على معاهدة الحد من انتشار الأسلحة النووية ما لم توقع إسرائيل أيضا. لكنها، تحت ضغط أمريكي، وقعت عليها سنة 1981 في عهد حسني مبارك، رغم علم الولايات المتحدة بأن إسرائيل تمتلك اليورانيوم الذي سرقته مخابراتها من سفينة أمريكية في ولاية بنسلفانيا خلال الستينيات، في عهد الرئيس ليندون جونسون. ومع ذلك، لا يزال الكيان الصهيوني غامضا في ما يتعلق بامتلاكه للأسلحة النووية. وقد كان كينيدي معارضا لإكمال المشروع النووي الإسرائيلي، وقد قتل في ظروف أثارت جدلا حول احتمال ارتباط مقتله بالمشروع النووي. وعندما جاء جونسون، ترك لإسرائيل حرية المضي قدما فيه. ثم أقامت إسرائيل مشروعا نوويا مشتركا مع نظام الأبارتايد في جنوب أفريقيا، وأجريا تجربة نووية مشتركة سنة 1974 في المحيط الهندي. لكن الزعيم نيلسون مانديلا دعم قرار التخلص الطوعي من المشروع النووي، وتم تفكيكه سنة 1989، لتوقع جنوب أفريقيا على معاهدة عدم الانتشار سنة 1991، وهو ما قامت به أيضًا جمهوريات الاتحاد السوفيتي السابق مثل بيلاروسيا وكازاخستان وأوكرانيا، حيث أعادت أسلحتها النووية إلى روسيا. خطر وجودي وتحالفات مريبة وازدواجية المعايير ليس هناك، إذا، سبيل حقيقي لمواجهة احتكار الكيان الصهيوني للسلاح النووي، باعتباره أحد الأسس الخطيرة التي قام عليها منذ نشأته. فإسرائيل تمثل خطرا على المنطقة المغاربية والجزيرة العربية وبلاد الشام والعراق والعالم الإسلامي بأسره، بل وعلى الاستقرار العالمي ككل. فهي تملك ترسانة نووية قد تلجأ لاستخدامها دون وجود رادع فعال، خاصة في ظل غياب قدرة الردع داخل العالم الإسلامي، لذلك، قد يكون السبيل الوحيد المتاح في المدى المنظور هو البحث عن مظلة نووية من قبل دولة مثل باكستان ودعم امتلاك بعض الدول الإسلامية أو الإقليمية لأسلحة ردعية نووية أو غير تقليدية، مثل الأسلحة الكيماوية والبيولوجية، كما هو الحال مع إيران ومصر والسعودية وتركيا ، إضافة إلى النظر في مواقف دول مثل الهند، التي رغم امتلاكها سلاحا نوويا، لا تجمعها بإسرائيل علاقات ود راسخة أو تحالفات عضوية. ويبقى من الضروري المطالبة، على الصعيد الدولي، بتفكيك الترسانة النووية الإسرائيلية، خاصة أن الكيان لم يعترف حتى اليوم بامتلاكه للأسلحة النووية، ولم يوقع على معاهدة الحد من انتشارها، وهو ما يمثل خرقا صارخا للقوانين والمعاهدات الدولية. إن رفض الغرب، وخاصة الولايات المتحدة الأمريكية، أن تمتلك دول من العالم الإسلامي – وخاصة في المنطقة – أسلحة نووية، مقابل التغاضي الكامل عن الترسانة النووية الإسرائيلية، هو وجه سافر من أوجه الكيل بمكيالين. وهنا تبرز الحاجة إلى: تشكيل حركة عالمية من دول وشعوب ومؤسسات أكاديمية ومفكرين وعلماء نوويين، لكشف هذا التناقض والترافع أمام الهيئات الدولية من أجل تفكيك هذه الترسانة غير المشروعة. الاغتيالات ركيزة الأمن القومي الإسرائيلي من جهة أخرى، فإن مواجهة الكيان الصهيوني لمن يعتبرهم تهديدا وجوديا، سواء كانوا دولا أم أفرادا، تقوم على استراتيجية أمنية محكمة، جعلت من سياسة الاغتيالات ركيزة ثابتة في بنيته منذ عام 1948 وحتى اليوم. فلدى الكيان ما لا يقل عن 18 جهازا أمنيا واستخباراتيا (الموساد، الشاباك، أمان، شين بيت… وغيرها). لم تنشأ هذه الأجهزة فقط للتحكم في الشعوب المجاورة أو الشعب الفلسطيني، بل تتجاوز ذلك إلى التجسس على قادة العالم والتحكم في القرار السياسي والإعلامي الدولي وتنفيذ عمليات اغتيال نوعية في الداخل والخارج. وقد كشف عن ذلك من خلال برامج تجسسية مثل 'بيغاسوس'، الذي استخدم للتجسس على قادة ومسؤولين رفيعي المستوى. وفي هذا الصدد، يعد كتاب الصحفي الإسرائيلي رونين برغمان: 'Rise and Kill First: The Secret History of Israel's Targeted Assassinations' مرجعا مهما في توثيق هذه السياسة. يكشف الكتاب أن إسرائيل نفذت أكثر من 800 عملية اغتيال في أنحاء متفرقة من العالم، استهدفت فلسطينيين ومصريين ومغاربة (منهم المهدي بن بركة) وعراقيين وإيرانيين وآخرين. تجدر الإشارة إلى أن إسرائيل تمتلك، وفق تقديرات غير رسمية، نحو 150 ألف عميل داخل الأرض المحتلة، خاصة في مناطق الضفة الغربية وغزة والقدس، مما يمنحها قدرة شبه كاملة على جمع البيانات الحساسة عن السكان وتتبع الأشخاص المشتبه فيهم وتنفيذ اغتيالات دقيقة، سواء عبر الطائرات بدون طيار، أو بتقنيات عالية داخل وخارج الحدود. إن معظم الاغتيالات التي تمت في لبنان، وكذلك في دول مثل إيران، الإمارات، ماليزيا، بلجيكا، وتونس، تمت بواسطة هذه المنظومة الأمنية الهائلة التي لا تعترف بالحدود الجغرافية، ولا تلتزم بالقانون الدولي. هكذا يمثل الكيان الصهيوني نموذجا خطيرا لدولة نووية لا تخضع للرقابة الدولية، وتستفيد من دعم غربي غير مشروط، وتتبنى في الوقت نفسه سياسات اغتيال ممنهجة بحق من تعتبرهم خصوما أو تهديدا. وبينما يمنع على الدول الإسلامية امتلاك أسلحة نووية، تغض الأطراف الدولية الطرف عن الترسانة الإسرائيلية، في ازدواجية تفضح الهيمنة الغربية على النظام الدولي. إن التصدي لهذه الهيمنة لا يمكن أن يتم إلا عبر تعبئة شاملة، سياسية وفكرية وإعلامية وشعبية، من أجل كسر الاحتكار النووي وفضح السياسات الإسرائيلية في المحافل الدولية والضغط من أجل إرساء توازن ردعي جديد، يعيد الاعتبار للمنطقة وشعوبها. ( ترقبوا في الحلقة 5 موضوع حول البرنامج النووي الإيراني) الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لجريدة إيطاليا تلغراف السابق موقع واللا الإسرائيلي: الجيش يرفض دفن الجندي المنتحر في مراسم عسكرية


الخبر
٢٦-٠٦-٢٠٢٥
- الخبر
"أبو عبيدة" يلقي بوعيد ثقيل
أكد "أبو عبيدة" الناطق باسم "كتائب القسام" الجناح العسكري لحركة المقاومة العسكرية "حماس"، مساء أمس الأربعاء، أن الحكومة الصهيونية تخدع جمهورها وتزج بجنودها فيما أسماه "وحل غزة" خدمة لأهداف سياسية وهمية. وقال "أبو عبيدة" في سلسة منشورات عبر حسابه على منصة "تليغرام" إن "حكومة العدو تخدع جمهورها وتتجاهل الاعتراف بأنها تلقي بجنودها في وحل غزة من أجل أهداف سياسية وهمية". وشدد على أن "جنائز وجثث جنود العدو ستصبح حدثاً دائماً، طالما استمر عدوان الاحتلال وحربه المجرمة ضد شعبنا". وأضاف أبو عبيدة: "مجاهدونا يقدمون نماذج فريدة في البطولة والإقدام، والكمائن الأخيرة هي صور حية للتاريخ تثبت أن مجاهدي شعبنا هم أكثر مقاتلي الحرية شجاعة وفدائية في العصر الحديث". وتأتي تصريحات "أبو عبيدة" بعد مقتل سبعة عسكريين صهاينة في كمين محكم نفذته القسام الثلاثاء، في مدينة خانيونس جنوبي قطاع غزة، حيث أقر جيش الاحتلال بذلك وقال إنهم ينتمون إلى "كتيبة الهندسة القتالية 605"، وفق بيان رسمي. وبثت كتائب القسام، الأربعاء، مشاهد توثق الكمين الذي استهدف ناقلتي جند صهيونيتين في مدينة خانيونس. وقالت القسام في منشور على "تليغرام"، إن "العملية نفذت قرب مسجد علي بن أبي طالب في منطقة معن جنوبي خانيونس، والتي أعلن العدو مقتل سبعة جنود بداخلهما بينهم ضابط". وأكدت أن العملية تأتي ضمن سلسلة عمليات "حجارة داود". وبدأ المقطع المصور الذي نشرته القسام برصد تحركات لآليات صهيونية في المكان، حيث ظهرت ناقلات جند ودبابات وجرافات بوضوح، إلى جانب مشاهد لجنود يعتلونها في وضع مكشوف. وتظهر المشاهد لاحقاً لحظة تنفيذ الكمين الذي ركز على استهداف ناقلتين من هذه الآليات، حيث تحرك أحد عناصر القسام نحو الناقلة الخلفية، فيما تقدم عنصر آخر كان يحمل الكاميرا باتجاه الناقلة الأمامية. ووثق المقطع لحظة إلقاء عبوة متفجرة داخل الناقلة الأولى من فتحتها العلوية، قبل أن يفر منفذ العملية من المكان. وبعد ثوان، سمع دوي انفجار قوي استهدف الناقلة الأمامية، أعقبه مباشرة انفجار ثان استهدف الناقلة الخلفية. وقالت القسام إن الانفجارين نتجا عن تفجير عبوتين من نوع "شواظ" و"العمل الفدائي"، ما أدى إلى اشتعال النيران في الناقلتين ومقتل سبعة عسكريين، بينهم ضابط، وفق ما أقر به الجيش الصهيوني. ومنذ بداية الحرب في 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023، قُتل 879 ضابطاً وجندياً صهيونيا، بينهم 435 منذ بدء العملية البرية في 27 من الشهر ذاته، فيما أصيب إجمالاً 6 آلاف ضابط وجندي، بينهم 2738 بالمعارك البرية في قطاع غزة، وفق بيانات الجيش الرسمية. وتأتي هذه العمليات في سياق رد الفصائل الفلسطينية على حرب الإبادة الجماعية التي يشنها الاحتلال على قطاع غزة، بدعم أميركي، منذ 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023، وتشمل قتلاً وتجويعاً وتدميراً وتهجيراً، متجاهلة النداءات الدولية وأوامر محكمة العدل الدولية بوقفها. وخلفت الإبادة أكثر من 188 ألف ضحية فلسطيني بين شهيد وجريح معظمهم أطفال ونساء، وما يزيد عن 11 ألف مفقود، إضافة إلى مئات آلاف النازحين، ومجاعة أزهقت أرواح كثيرين بينهم أطفال، فضلاً عن دمار واسع.


إيطاليا تلغراف
٢٥-٠٦-٢٠٢٥
- إيطاليا تلغراف
التغيرات في النظرية الأمنية الإسرائيلية وانعكاساتها الإقليمية
إيطاليا تلغراف د. محسن محمد صالح كاتب وباحث فلسطيني هزَّت عملية طوفان الأقصى النظرية الأمنية الإسرائيلية، ووجهت ضربة قاسية للمبادئ التي تقوم عليها، وتحديدًا 'الثالوث الأمني' الذي ظلّ قائمًا طوال 75 عامًا، ويتمثّل في مبادئ: الردع. الإنذار المبكر. الحسم (النصر السريع المطلق). فقد كان الفشل ذريعًا في 'ارتداع' حماس، ولم تنجح معها سياسات الحروب السابقة قصيرة المدى، ولا محاولات 'التهدئة' تحت التهديد، ولا الاستيعاب. وفشل نظام الإنذار المبكر في توقّع عملية طوفان الأقصى، بالرغم من قوتها واتساعها وتغطيتها ضِعف مساحة قطاع غزة في الداخل الفلسطيني المحتل 1948، والخسائر الضخمة التي أحدثتها في ساعات قليلة (نحو 1200 قتيل و250 أسيرًا)، وكشفت العملية عن 'فشل متعدد الطبقات' في المنظومة الأمنية. ثم إن العدوان على غزة فشل تمامًا في حسم المعركة بسرعة، والتي ما زالت فصولها مستمرة بعد أكثر من 600 يوم من القتال، وصمود المقاومة. المراجعات على النظرية الأمنية قبل 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023 كانت النظرية الأمنية الإسرائيلية قد خضعت للعديد من المراجعات و'التحسينات'، ولكن مبادئها ظلت سارية معتمدة. كما ظلّ عدد من القواعد والخطوط الإستراتيجية الأمنية حاضرًا مثل: 'تجييش الشعب'، وضمان التفوق والهيمنة، والضربات الاستباقية، والحدود الآمنة والمجال الحيوي، ونقل المعركة إلى أرض العدو، وضمان دعم القوى الكبرى، مع تطوير الاعتماد على الذات. وراعت بعض المراجعات في العقدين الأوَّلين من القرن الـ 21 عددًا من التغيرات كاختلاف أهمية الجغرافيا، وخطر الصواريخ والطائرات المسيرة، والأمن السيبراني، وحالة الثورات واللااستقرار في البيئة العربية، و'تهديد' النمو السكاني الفلسطيني في الداخل، وتهديدات نزع الشرعية، ومشاكل الوضع الداخلي الإسرائيلي، وتراجع نوعية المقاتل الإسرائيلي، وعدم الرغبة في تحمل أعباء الحرب. وفي سنة 2015 أضيف إلى 'الثالوث الأمني' مبدأ رابع هو مبدأ 'الدفاع' ليعكس الاهتمام بالدفاع الصاروخي والقبة الحديدية، وبالسياج الحدودي وحمايته. بينما تبنت القيادة الإسرائيلية في فترة 'الربيع العربي' إستراتيجية 'انتظر، وحافظ على القلعة' في متابعة الأحداث التي عصفت بالمنطقة، غير أنها عملت بشكل فعَّال 'تحت الطاولة'، وعبر الوكلاء والحلفاء لإسقاط هذا 'الربيع'. التغيرات في النظرية الأمنية بعد عملية طوفان الأقصى إذا ما استخلصنا السلوك السياسي والعسكري والأمني الإسرائيلي، وإذا ما تابعنا حصيلة مراكز التفكير في نقد النظرية الأمنية الإسرائيلية وتطويرها، وخصوصًا معهد مسجاف للأمن القومي (المقرب من الحكومة)، ومعهد دراسات الأمن القومي INSS، ومعهد القدس للإستراتيجية والأمن JISS، فلعلنا (مع إدراكنا لوجود درجات من التباين والاختلاف فيما بينها)، نجمل التغيرات أو الاتجاهات العامة للتغيير فيما يلي: 1- الانتقال من الردع التقليدي إلى الردع الهجومي الاحترازي: وهو يعني تحويل 'إسرائيل' إلى دولة ذات طبيعة هجومية دائمة، وتدير حدودها ومجالها الحيوي (في البيئة الإستراتيجية المحيطة) باستخدام القوة؛ والتخلي عن 'الردع بالتهديد' إلى 'الردع بالتدمير'، والتخلي عن 'شراء الهدوء' و'إدارة الصراع' في إطار الاحتواء التقليدي مقابل التوسع في مفهوم الأمن ليشمل 'المنع'؛ أي منع الخصوم والأعداء من شنّ الهجمات؛ وبالتالي، التركيز على مفهوم 'الإخصاء' Emasculation، حيث يتم شلُّ قدرات الآخرين ابتداء، قبل أن تتحقق لديهم الإمكانات لتشكيل خطر على دولة الاحتلال. وهذا يعني أن 'إسرائيل' تسعى في تحقيق هيمنتها على المنطقة إلى الانتقال من 'الهيمنة الناعمة' إلى 'الهيمنة الخشنة' المكشوفة، والتي لا تعبأ بظهور وجهها العدواني، ولا بانتهاك سيادة البلدان المجاورة، ولا حتى بـ'إحراج' أو إذلال شركائها ووكلائها في دول التطبيع. 2- تعزيز إستراتيجية الإنذار المبكر، من خلال إعادة تقييم شاملة للاستخبارات (الموساد، وأمان، والشين بيت)، وتطوير نماذج إنذار جديدة، تأخذ في الاعتبار المنظمات والجهات غير الحكومية، وتحديد المؤشرات التي تدل على مخاطر أمنية. كما ظهرت ضرورة إعادة التركيز على الاستخبارات والقدرات البشرية Human Intelligence، حيث أثبتت الاستخبارات التقنية قصورها، بعد أن تزايد الاعتماد عليها بكثافة في السنوات الماضية، وضرورة تحقيق توازن بين التكنولوجيا، بما في ذلك (الأمن السيبراني، وأدوات الذكاء الاصطناعي)، وبين الأداء البشري. 3- تعزيز قدرات الجيش الإسرائيلي البشرية والمادية، وزيادة قدرته على الانتشار، وخوض الحرب على عدة جبهات في وقت واحد: إذ كانت الإستراتيجية العسكرية تعتمد على وجود جيش محدود (نحو 170 ألفًا) يتميز بالكفاءة والمرونة، مع خفض تكاليفه قدر الإمكان، ووجود احتياط كبير (نحو 470 ألفًا) قادر على الانضمام السريع والفعال متى اقتضت الحاجة. بينما أصبح الاتجاه بعد 7 أكتوبر/ تشرين الأول يدفع نحو جيش كبير وميزانية كبيرة، ونحو التوسع في التجنيد حتى في الأوساط التي كان يتم التغاضي عنها كاليهود المتدينين 'الحريديم'؛ وذلك لتلبية احتياجات الجيش في التوسع والهيمنة، والحروب الطويلة، وتعدُّد الجبهات. وبهذا يتم إحداث تفعيل أكبر لفكرة 'تجييش الشعب' أو 'الجيش الذي له دولة'!! 4- الاتجاه للجاهزية نحو الحرب طويلة الأمد، في ضوء فشل مبدأ 'الحسم' السريع، الذي كان ركنًا في 'الثالوث الأمني' منذ تأسيس الكيان. وكان الجيش الإسرائيلي بعد حرب أكتوبر/ تشرين الأول 1973 قد خفف في تعامله مع التنظيمات وفصائل المقاومة، ولأسباب عملية، من فكرة 'النصر المطلق' إلى فكرة 'النصر الكافي'، بما يضمن فترات من 'الهدوء' والاحتواء المانع للتهديد قدر الإمكان. غير أن معركة طوفان الأقصى وطول أمدها، وقوة أداء المقاومة، دفعت باتجاه الحرب طويلة الأمد، لكنها أعادت في الوقت نفسه فكرة الحسم أو النصر المطلق بغض النظر عن المدى الزمني. 5- تعزيز الضربات الاستباقية، وتوسيع دائرة الاغتيال المستهدف؛ والتساهل في الضوابط والاعتبارات السياسية والأمنية والأخلاقية التي تمنع ذلك. 6- تقوية النفوذ والهيمنة الإقليمية، من خلال فرض خريطة أمنية جديدة للمنطقة، وفرض مناطق عازلة (كما في لبنان وسوريا…)، وتفعيل التحالفات مع دول التطبيع لتنفيذ أجندات أمنية وفق المعايير الإسرائيلية؛ والظهور بشكل مكشوف كـ'شرطي للمنطقة'، وكـ'عصا غليظة' فوق الرؤوس. وكان نتنياهو قد كرر مرات عديدة فكرة الهيمنة و'تغيير وجه الشرق الأوسط'، وتحقيق 'الازدهار عبر القوة'. إذ ترى القيادة الإسرائيلية أن حسم الملف الفلسطيني والقضاء على قوى المقاومة، لا يتحققان إلا بتغيير الواقع الأمني في المنطقة، وخنق البيئة التي تتنفس منها المقاومة؛ لضمان الأمن المستقبلي للأجيال الصهيونية في فلسطين المحتلة. 7- التركيز على الأمن الداخلي: من خلال السعي لبناء 'حصانة وطنية'، والاستعداد للصدمات المستقبلية، وتعبئة المجتمع الصهيوني وقدرته على التكيُّف، خصوصًا في ضوء تزايد مخاطر الضربات الصاروخية والاختراق الحدودي؛ وفي ضوء تزايد الرغبات في الهجرة المعاكسة لدى المجتمع الاستيطاني اليهودي بسبب الظروف الأمنية. ويندرج تحت ذلك أيضًا مواجهة 'التهديد السكاني الفلسطيني' بعد أن تجاوزت أعدادُ الفلسطينيين أعدادَ اليهود في فلسطين التاريخية؛ وبالتالي إدراج ملفات الضم والتهجير وإيجاد البيئات الطاردة لهم في الأجندة الإسرائيلية. 8- المزاوجة بين الاعتماد على الذات والاعتماد على الحلفاء: فبالرغم من التطور الكبير للصناعات العسكرية الإسرائيلية، وصعودها ضمن أعلى مصدري الأسلحة وتقنيات التجسس في العالم، وبالرغم من الجهود المتواصلة للوصول إلى فكرة 'الاعتماد على الذات'، وتحقيق تفوق كبير على الدول في البيئة الإستراتيجية المحيطة، فإن هذا المفهوم اهتز في معركة طوفان الأقصى؛ حيث ثبت أنه غير كافٍ لتحقيق الانتصار. كما أثبت الحاجة الماسة لوجود حلفاء إستراتيجيين كبار دائمين كالولايات المتحدة، التي ظهرت الحاجة إليها في التزويد بالأسلحة النوعية، وفي مواجهة أنصار الله (الحوثيين) في اليمن، ومواجهة إيران، وفي الدفاعات المضادة للصواريخ، وفي توفير الغطاء السياسي والأمني والإعلامي الدولي، وممارسة الضغوط على دول المنطقة. 9- تحقيق الردع النفسي و'كي الوعي'، وذلك بشكله الأقسى والأعنف، من خلال ما حصل في غزة من مجازر وإبادة جماعية وتهجير وتجويع وتدمير، ليتكرس في الوعي الجمعي الخوفُ من الاحتلال الإسرائيلي وعدم اللجوء للمقاومة. أثبت مفهوم 'السياج الذكي' المتعلق بالدفاعات الحدودية وحماية المستوطنات، أنه لم يكن كافيًا، وبالتالي يجب تعزيز الدفاعات البشرية والمادية، و'الحرس الوطني' للتعامل مع المخاطر المحتملة. انعكاسات التغير في النظرية الأمنية على البيئة الإقليمية بناء على ما سبق، فإن التغيرات في النظرية الأمنية ستنعكس على شكل سلوك وسياسات إسرائيلية أكثر عدوانية في البيئة الإقليمية، تتمثل فيما يلي: توسيع نطاق العمل العسكري والأمني الإسرائيلي إقليميًا، ومحاولة فرض حالة هيمنة مكشوفة في منطقة الشرق الأوسط. الانتقاص من مفهوم السيادة لدى عدد من دول المنطقة، مثل سوريا ولبنان. مزيد من الضغوط على الأنظمة لتنفيذ أجندات أمنية والالتزام بالمعايير الإسرائيلية، بحجة محاربة الإرهاب، وبالتالي مزيد من قمع الحريات، وقمع الاتجاهات الداعمة للمقاومة ولفلسطين، وتيارات 'الإسلام السياسي' والقوى الوطنية والقومية المعادية للمشروع الصهيوني، ومواجهة مشاريع النهضة والوحدة. والضغط على أنظمة المنطقة باتجاه 'أمننة' الحياة المدنية، من خلال تعميم النموذج الإسرائيلي، بحيث يُعامَل كل تهديد سياسي أو شعبي كـ'قضية أمنية'، بما يؤدي إلى تآكل حقوق الإنسان، وتَغوُّل أجهزة المخابرات. في المقابل، فإن السلوك الإسرائيلي المتعجرف قد يؤدي إلى: أن تلجأ بعض الدول الكبيرة في المنطقة لحماية أمنها القومي، والدخول في سباق تسلُّح مع 'إسرائيل'. غير أن الجانب الأهم، هو أن هذا السلوك الإسرائيلي المتعجرف، عندما يتعامل مع بيئة عربية وإسلامية ويحاول فرض عصاه الغليظة المباشرة على شعوب عريقة تعتز بدينها وتراثها وتاريخها وهويتها الحضارية؛ فهو إنما يقوم فعليًا بتوسيع دائرة الصراع ودائرة التحدي ضده، وتوسيع دائرة السخط والغضب في البيئة الإستراتيجية، ويتسبب بتسريع قيام 'ربيع عربي' جديد يكون الخاسر الأكبر فيه هو الاحتلال الإسرائيلي نفسه، والأنظمة الحليفة معه. سيعاني الجانب الإسرائيلي في سبيل تحقيق نظريته، من حالة فرط التمدد Overextension، وهو ما قد يتسبب له بحالة إنهاك تفوق طاقاته وإمكاناته، وهو أحد المؤشرات المهمة على تراجع وسقوط الدول عبر التاريخ. وأخيرًا، فثمة فجوة كبيرة بين ما يريده الاحتلال الإسرائيلي، وبين ما يستطيع تنفيذه على الأرض، وما زالت الأمة وشعوبها تتمتع بإمكانات مذخورة هائلة، قادرة على مواجهة المشروع الصهيوني ودحره. الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لجريدة إيطاليا تلغراف