
تقديم شكوى لشرطة مكافحة الإرهاب لاعتقال بريطانيين مزدوجي الجنسية قاتلوا في غزة
قدّم محامون عن منظمات حقوقية اليوم الاثنين، إلى وحدة مكافحة الإرهاب في شرطة العاصمة بلندن، تقريرًا يطالب باعتقال عشرة مواطنين بريطانيين متورطين بالقتال مع
جيش الاحتلال الإسرائيلي
في حرب الإبادة الجماعية على قطاع غزة المحاصر، ويحث فريق جرائم الحرب التابع للشرطة على التحقيق في هذه الادعاءات.
وكان موقع "العربي الجديد"
أول من نشر عن القضية يوم الجمعة
، إذ يُعتبر التقرير الأول من نوعه في بريطانيا، وأُعدّ نيابةً عن المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان ومركز قانون المصلحة العامة، اللذين يمثلان الفلسطينيين في غزة وبريطانيا. كذلك وقّع سبعون خبيراً قانونياً وخبراء في مجال حقوق الإنسان على رسالة دعم تحثّ فريق جرائم الحرب على التحقيق في أي شكاوى تتعلق بالتورط في جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية.
ويتناول التقرير الذي يمتد إلى 260 صفحة ومستندًا إلى ستة أشهر من جمع الأدلة المكثفة، الجرائم المرتكبة في غزة بين أكتوبر/تشرين الأول 2023 ومايو/أيار 2024، وعمل على إعداده فريق من الخبراء القانونيين، بمن فيهم محامي حقوق الإنسان المعروف مايكل مانسفيلد.
وخلال المؤتمر الصحافي أمام مقر الشرطة في "نيو سكوتلاند يارد" في لندن، قال المحامي البريطاني مايكل مانسفيلد: "بالنسبة لي شخصيًا، إنها لحظة فارقة اليوم بعد ما حصل في أعقاب الحرب العالمية الثانية وأنا ولدت في تلك المرحلة. المملكة المتحدة كانت في المقدمة لتأسيس نظام عالمي من القانون والمسؤوليات ومؤسسات لمنع الفظائع التي نعرفها جميعًا خلال الحرب العالمية الثانية. والمملكة المتحدة كانت موجودة في المحاكم لمحاكمة مجرمي الحرب الألمان، وكانت موجودة أينما كان هناك ضرورة لبناء المسؤوليات".
تقارير دولية
التحديثات الحية
بريطانيون يواجهون اتهامات بارتكاب جرائم حرب في غزة
وأضاف "على مدار السنوات الماضية، هذه المسؤوليات تنهار ببطء، ونحن نشهد انهيار دور هذا النظام، لأن بعض الدول أخذت على عاتقها بالتصرف بطريقة للتهرب من العقاب، على أسس أن لا شيء سوف يحصل لهم بسبب ممارساتهم التي تخالف القانون الدولي، وهو بالتحديد ما كانت تقف ضده المملكة المتحدة سابقًا".
وأكد مانسفيلد في حديثه أمام عشرات الصحافيين الذين جاؤوا لتغطية هذا الحدث، على قرارات محكمة العدل الدولية في أن احتلال الأراضي الفلسطينية أمر غير قانوني منذ 58 سنة. كما أشار إلى قرار نفس المحكمة في عام 2004 بالنسبة لجدار الفصل العنصري. وشدد على أن "الجميع يتحمل مسؤولية" في الحفاظ على حياة وحرية الناس "حتّى لو كانوا في مكان بعيد عنّا"، لذلك على الحكومة البريطانية "تقديم بعض الأجوبة بالنسبة لبيع الأسلحة لإسرائيل".
الصورة
مانسفيلد حاملًا تقرير المنظمات الحقوقية قبل تسليمها للشرطة، 7 إبريل 2025 (ربيع عيد)
وقال مانسفيلد، المعروف بعمله في كارثة هيلزبورو، وتحقيق برج غرينفيل، وقضية برمنغهام الستة، أثناء تسليمه الأدلة "لا أحد فوق القانون". وتروي شهادات شهود عيان بغزة في التقرير هول رؤية الجثث المتناثرة ومقبرة جماعية في أحد المستشفيات، إذ قال شاهد عيان قُتل أقاربه في هجوم إسرائيلي: "لم أستطع تحمل ما رأيته: جثث متناثرة بجانب بعضها البعض".
وبحسب شاهد آخر، ورد ذكره في التقرير، فإن الجنود "أمروا والدي وزوجي وأولادي بخلع ملابسهم"، مضيفًا: "اقتادوهم واحدًا تلو الآخر إلى وسط غرفة المعيشة المكسوة بالزجاج، إذ انهال عليهم جندي ضربًا بكابل كهربائي وعصا بلياردو كبيرة".
وقال رئيس المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان راجي الصوراني الذي شارك في المؤتمر الصحافي، "هذه الخطوة جزء من خطوات قانونية متعددة، منها محكمة العدل الدولية والمحكمة الجنائية الدولية، إضافة للملاحقة القضائية في دول مختلفة (...) قُدّمت هذه الشكوى ضد عشرة مواطنين بريطانيين مزدوجي الجنسية الذين شاركوا جيش الاحتلال في جريمة الإبادة الجماعية في غزة".
وأضاف الصوراني خلال حديث مع "العربي الجديد": "هناك من المعلومات والأدلة ما يكفي لإدانتهم في هذا الأمر، ونحن نريد أن نكشف مؤامرة الصمت التي تدور في بريطانيا بين إعطاء العذر والأسباب لإسرائيل في الاستمرار بجريمتها عبر القول إن ما تمارسه إسرائيل هو الدفاع عن النفس، وبين دور المدّعي العام الذي يجب أن يُلاحق البريطانيين المتورطين في جرائم حرب حتّى دون تقديم شكوى من جانبنا".
وأكد الصوراني أن تقديم الشكوى جاء أيضًا كي "لا يدّعي أحد من بريطانيا أنه لم يعلم عن مشاركة هؤلاء"، مشيرًا إلى أن هؤلاء العشرة هم "الجزء البارز من جبل الثلج للجرائم التي مارسها مواطنون بريطانيون"، مشيرًا إلى مشاركة المئات منهم.
تقارير دولية
التحديثات الحية
"غلوبال 195"... تحالف عالمي لملاحقة مرتكبي الجرائم الإسرائيليين
وخلص الصوراني إلى القول إن هناك قضايا أخرى قُدّمت وستقدّم في دول أخرى، وهي أيضًا "صفعة للحكومات في مؤامرة صمتها على ما يحدث واستمرار شريعة الغاب في هذا الجزء من العالم في فلسطين وتحديدًا غزة".
وأكد متحدث باسم المنظمات الحقوقية عن وجود قضايا أخرى ستقدم ضد مواطنين آخرين لن يكشف عن تفاصيلها الآن. ونشر "العربي الجديد" قبل أسبوعين، تقريرًا عن استعدادات أطلقتها منظمات حقوقية للبدء برفع دعاوى قانونية ضد المواطنين البريطانيين المشتبه في انضمامهم إلى جيش الاحتلال الإسرائيلي أو ارتكابهم جرائم حرب في غزة والضفة الغربية، بما فيها القدس الشرقية، بعد إطلاق تحالف "
غلوبال 195
" الذي يشمل عدداً من المؤسسات القانونية والمحامين في أكثر من دولة حول العالم، الذي يسعى إلى محاسبة مرتكبي جرائم الحرب المزعومة في فلسطين.
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


العربي الجديد
منذ 2 ساعات
- العربي الجديد
مستقبل النظام الاقتصادي العالمي... مَن المؤهل لقيادته؟
إرهاصات نظام اقتصادي عالمي جديد، تشكلت منذ الأزمة المالية العالمية في عام 2008، سواء في ما يتعلق بدور المؤسسات المالية الدولية وانحيازها لصالح أميركا خاصّة والغرب عموماً، أو المشكلات التي شهدها العالم على الصعيدَين؛ النقدي والمالي، التي أدت إلى تحمل الدول لتبعات سوء السياستَين النقدية والمالية لأميركا . لكنّ مجيء دونالد ترامب في ولايته الأولى، أثار مشكلات إضافية أبرزها الحرب التجارية القائمة على اعتماد آلية الرسوم الجمركية 2017-2021، متغاضياً عن قواعد ودور منظمة التجارة العالمية، وإن كانت قضية الرسوم الجمركية ومعارك ترامب اختفت ظاهرياً إبّان فترة جو بايدن، إلّا أن الحجب الأميركي الغربي أخذ منحى آخر، وهو حجب التكنولوجيا، ما ساعد كثيراً على تصعيد الحرب الاقتصادية، ودفع نحو ضرورة البحث عن نظام اقتصادي عالمي جديد. جولة ترامب الجديدة فجرت الإجراءات التي اتخذها ترامب بعد توليه السّلطة في أميركا مطلع 2025، مجموعة من القضايا الاقتصادية العالمية، على رأسها الحرب التجارية، مصحوبة بحالة اضطراب في اتخاذ القرار بشأن فرض رسوم جمركية أعلى على الدول المتعاملة مع أميركا. إلا أنها جعلت الجميع في حالة من الترقب والبحث عن بديل آمن للتجارة العالمية، ومن ثم مجريات الاقتصاد العالمي، فما يترتب على أمر تلك التجارة، ليس مجرد نقل للسلع فحسب، ولكنْ هناك عمالة ومصانع وتمويل ونقل وشحن وتأمين وطاقة، ودائرة اقتصادية متصلة، تؤثر في بعضها البعض كثيراً. وكما كان العالم يبحث عن قواعد جديدة لتنظم الشأن الاقتصادي بعد الحرب العالمية الثانية 1939-1945، واستقر على إنشاء البنك والصندوق الدوليَّين، واعتماد الدولار عملةً للتسويات المالية الدولية، فنفس الشيء يتكرّر الآن، ومطلب نظام اقتصادي عالمي جديد يفرض نفسه على نحوٍ واسع. عانى العالم من الركود أو الكساد الكبير في الثلاثينيات من القرن العشرين، وظل الجميع يبحث عن مخرج، والتطورات التي يعشيها العالم بسبب إجراءات وقرارات ترامب في 2025، تقود الاقتصاد العالمي إلى ركود، سيكون بلا شك مُؤججاً لمطلب البحث عن مخرج، وإن كان الثمن تغيير قواعد النظام الاقتصادي العالمي. اقتصاد دولي التحديثات الحية هل تتخلى الصين عن الدولار رداً على الرسوم الجمركية الأميركية؟ فالعالم يبحث عن قواعد جديدة تضمن عدالة العلاقات التجارية والمالية، بما ينتج عنها حالة من الاستقرار متوسط وطويل الأمد نسبياً، وأن تجري السيطرة على الأزمات الاقتصادية العالمية المتكررة بسبب سيطرة قوة واحدة على المقدرات الاقتصادية العالمية. خطوات نحو التغيير العالم يتغير بالفعل، وهذه حقيقة، فترامب وجد ردوداً من دول العالم، لم يكن يتوقعها في ما يبدو، فأميركا التي كانت تأمر فتُطاع، لم تعد مقبولة في ظل الواقع الجديد، فالعديد من دول العالم ردت بالمثل على رسومه الجمركية، أو على الأقل طلبت الدخول في مفاوضات، وبالفعل أسفرت هذه المفاوضات في بعض الحالات عن تراجع ترامب في قراراته أو تأجيل البدء بتنفيذها. هذه واحدة، أما الأمر الثاني فنحن أمام متغيرَين مهمَين، في ما يتعلق بمظاهر إعادة ترتيب المشهد على صعيد الاقتصاد العالمي، وهما أنّ الصين قد تخلت تماماً عن الدور الأميركي المرسوم لها، باعتبارها مجرد مصنع العالم، واتجهت لأن تكون قوة اقتصادية تتمتع بدرجة عالية من الاستقلال، خاصة في ملف التكنولوجيا، وهو الملف الذي إن حسمته الصين لصالحها فسيكون ميزان القوى الاقتصادية العالمية لصالحها بلا منازع. الأمر الثالث وهو ما يتعلق بنظام التسويات المالية العالمية، وما أعلن مؤخراً من ترتيب خطوات لاعتبار اليوان الرقمي، بديلاً للنظام الغربي الأميركي "سويفت"، إذ يجري الترتيب لإشراك دول آسيوية عدّة في نظام التسويات بالعملة الصينية الرقمية، تصل حجم تعاملاتها في بعض التقديرات 38% من حجم التجارة العالمية. وفيما يتعلق بالتخلي عن الدولار بصفته عملةً دوليةً، فهناك بالفعل ترتيبات ملموسة لهذا الأمر، من أبرزها تراجع نصيب الصين من حيازة السندات الأميركية، فبعد أن كانت تحتل الصدارة على مستوى العالم بنحو 1.2 تريليون دولار، تشير البيانات الحديثة إلى أن رصيدها أصبح 784 مليار دولار في فبراير 2025. فضلاً عن اتجاه كبير نحو حيازة الذهب، سواء على مستوى الأفراد أو المؤسسات أو الدول، وهو ما يعني أن ثمة نجاحاً منتظراً، خلال عقد من الزمن تقريباً، إذ ستظهر النتائج الملموسة لسياسة التخلي عن العملة الأميركية. ملامح المستقبل حتى لو اعتبرنا أن فترة ترامب مؤقتة، وبعدها قد تُغير أميركا وجهتها نحو كل ما رسّخه الرئيس الأميركي في تغيير المشهد الاقتصادي العالمي، فإنّ باقي الأطراف لن تقف مكتوفة الأيدي، وتظل رهينة التصرفات الأميركية. فنحن أمام مشهد يحتاج إلى قراءة دقيقة تتعلق بتوجه الاتحاد الأوروبي فيما هو قادم، خاصة بعد الضغوط المتعدّدة التي فرضها ترامب نحو دول القارة، هل سينفك الترابط الأميركي الأوروبي على الصعيد الاقتصادي والمالي، ليكون للاتحاد الأوروبي توجه مستقل؟ والقاعدة تقول: "دائماً المصالح تخلق التحالفات أو تفضها"، وفي حالة فك التحالف أو الارتباط للاتحاد الأوروبي مع أميركا، فالمرجح أن تجري بصورة ما حالةُ تعاون أو ارتباط بين الصين والاتحاد الأوروبي، خاصة أن ثمة اتفاقاً بين الطرفَين، كان قاب قوسين أو أدنى للدخول في حيّز التنفيذ، لكن مساعي بايدن حالت دون تنفيذه، وجرى إلغاؤه في عام 2021. بريكس ومتطلبات القيادة على مدار أكثر من عشر سنوات، يتزايد الدور المنوط بتجمع "بريكس" في الاقتصاد العالمي، خاصة أنّ القمم السنوية للتجمّع، تعد بمثابة الصوت المسموع في وجه أميركا والغرب، والنظام الاقتصادي الحالي. وشهد عام 2024 توسع عضوية التجمع بضم دول أخرى، وهناك رغبة لدى مزيد من الدول الراغبة في الانضمام إلى التجمع، خاصة في ضوء توسّع عمليات بنك البنية الأساسية، الذي تزداد عضويته كذلك على نحوٍ ملحوظ. اقتصاد دولي التحديثات الحية واشنطن تسلّم سوق الرقائق الإلكترونية للصين ولكن هل إذا استمرت ملامح تغيير النظام الاقتصادي العالمي، وتوفرت شروط ميلاد نظام اقتصادي عالمي جديد، سيكون تجمّع "بريكس" هو من سيقود النظام العالمي؟ وبالتالي تتحقق أمنية البعض في الخروج من النموذجَين السابقَين، ثنائي القطبية وأحادي القطبية، ويكون النظام الجديد متعدّد الأقطاب. يتطلب هذا الأمر شروطاً عدّة، منها أن تتخلى الصين عن طموحها بأن تكون هي البديل لأميركا، وتنفرد بقيادة النظام الاقتصادي العالمي الجديد، وقد يكون هذا غير مقبول لدى الصين؛ لأن تفرّدها بقيادة النظام الاقتصادي العالمي، سوف يحملها فواتير هي في غنى عنها الآن أو على الأقل خلال العقد القادم. الشرط الثاني أنّ باقي القوى الاقتصادية المُعتَبرة على الصعيد العالمي، قد لا تقبل تكرار تجربة أميركا، وذلك من أجل تحقيق حالة توازن تحفظ حقوق الجميع، وتؤدي إلى وجود نظام يُكتب له البقاء لأكبر فترة ممكنة. الشرط الثالث، أن تنجح الصين على وجه التحديد في قيادة تجمع "بريكس" وصياغة معادلة مصالح تتسع للجميع، وتراعي مصالح الدول الصاعدة والنامية، وأن تعمل على كسب الاتحاد الأوروبي المتضرر كثيراً من قرارات وتصوّرات ترامب، وثمة تحدٍ آخر يتعلّق بإمكانية أن تسعى أميركا عبر علاقاتها القوية مع دول بريكس إلى التخلي عن هدف تغيير النظام الاقتصاد العالمي، عبر سياسة الجزرة، التي تجيدها أميركا طول العقود السبعة الماضية. خلاصة القول؛ إنّ التغيير بدأ، وتوفرت متطلباته، خاصة تلك المتعلقة بسوء التوجّه الأميركي في إدارة الشأن الاقتصادي العالمي، إلّا أن فرص وجود نظام متعدّد الأقطاب أعلى من فرص تفرد الصين بهذا النظام مستقبلاً، ما لم يجدَّ جديد.


العربي الجديد
منذ 21 ساعات
- العربي الجديد
"مارشال سورية" بتمويل خليجي
اكتملت شروط نجاح انتقال سورية، أو تكاد، إلى طور آخر وجديد، بوضعه وتموضعه، بعد قرار إلغاء العقوبات ولقاء الرئيس أحمد الشرع مع الرئيس الأميركي، دونالد ترامب في العاصمة السعودية الرياض، الأسبوع الماضي، وما سبقه من زيارات خارجية للشرع ضمن دول الإقليم ، قبل أن تتوّج بزيارة باريس، لتفتح ما بعدها، ربما إلى لندن أو واشنطن دي سي، ولتتبدى تباعاً ملامح ماذا تريد سورية وماذا يراد منها؟ فقبل زيارة الرئيس السوري إلى فرنسا والمؤتمر الصحافي المشترك مع الرئيس إيمانويل ماكرون، كانت "الشروط الخمسة" لتحوّل سورية وتقبّلها، إقليمياً ودولياً، معلنة وواضحة، بيد أن تكهنات كثيرة حول الذي تريده دمشق، لقاء الطلبات المتفق عليها، أوروبياً وأميركياً، أتت عبر "كشف الشرع" خلال المؤتمر، موضحاً السلة العامة التي تسعى إليها دمشق، من دون أن يعدد قطاعياً على مستوى الاقتصاد، أو يستفيض بطبيعة العلاقات مع الجوار وشكل الحكم والمشاركة بالداخل، إذ قالها بوضوح "مشروع مارشال السوري" هو الرؤية العامة لإعادة إعمار سورية، على غرار خطة مارشال الأميركية ما بعد الحرب العالمية الثانية. وعلى الأرجح، ليست باريس مكان الكشف الأول لرؤية سورية، بالإعمار والأمن والعلاقات مع الجوار، إذ تقاطعت مصادر عدة، منها "وول ستريت جورنال" على أن الرئيس السوري بعث برسالة إلى البيت الأبيض، عبر وسطاء، يعرض فيها رؤيته لإعادة الإعمار طالباً لقاء مع ترامب... وهو ما حصل، بعد الطلب السعودي والدعم التركي. يغدو المشروع الشامل (مارشال) أقرب للواقع، إثر توفر الشرط السياسي وبيئة التعاون، المضافين إلى المساعدات المالية، والمنتظر أن ترتسم ملامحهما قريباً، سواء عبر مؤتمر "إعادة إعمار سورية" تستضيفه عاصمة خليجية، أو من خلال قرار أميركي، متفق عليه وحوله، يدعو لوضع هيكلية الخطة بالتوازي مع تنفيذ دمشق الشروط الخمسة. قصارى القول: الأرجح أن الخراب الهائل الذي نتج عن حرب الأسد وحلفائه على ثورة السوريين وحلمهم، والذي بلغ كلفاً مالية بـ400 مليار دولار وملايين البشر، بين عاطل ومعوّق ومهاجر، وضرورة احتواء ما بعد السقوط تداعيات أمنية، محلية وإقليمية ودولية، يستدعي مشروعاً كبيراً وحالماً، يعيد إعمار سورية وتبديل شكل الصراع والتحالفات ويؤسس، وفق نمط تنموي تشاركي، لتوازنات جديدة بالشرق الأوسط الجديد. موقف التحديثات الحية سورية: تساؤلات بعد رفع العقوبات الأميركية وخطة مارشال المنسوبة لوزير الخارجية الأميركي، جورج مارشال، واقتراحه الشهير خلال خطابه في جامعة هارفارد في يونيو/حزيران عام 1947، قبل أن يوقّع الرئيس الأميركي، هاري ترومان، على قانون التعاون الاقتصادي وتمويل بنحو 13.3 مليار دولار، على مدى أربع سنوات، لتحفيز النمو بعد تأهيل البنى وبناء المصانع واستعادة الثقة بالبيئة والعملات الأوروبية، قبل ربط القارة العجوز بالولايات المتحدة أو، إن شئتم، تحالفها معها بنموذج رأسمالي ليبرالي يواجه المد الاشتراكي السوفييتي وقتذاك. لم تكن فكرة جديدة أو لمعت بذهن السوريين بعد هروب بشار الأسد، بل طرحتها إيران بمشروع مستوحى تماماً من الخطة الأميركية، وفق ما كشفته الوثائق بالسفارة الإيرانية بدمشق، عن دراسة رسمية "النفوذ الناعم" تحمل توقيع وحدة السياسات الاقتصادية الإيرانية في سورية، مؤرخة في أيار/مايو 2022، توضح عبر 33 صفحة، خطة شاملة لإعادة إعمار سورية وحصة إيران من الخراب، قبل أن تحيلها إلى منطقة نفوذ اقتصادي وسياسي، كالذي حققته الولايات المتحدة مع أوروبا الغربية بعد الحرب العالمية الثانية. بيد أن وضع إيران الاقتصادي الداخلي شبه المنهار، وتوازي خطتها مع بدء سحب الأسد من حظيرتها إلى الحضن العربي، وظروف أخرى كثيرة تتعلق بتطبيق الخطة عبر الشراء والسيطرة على حوامل دينية، حالت دون تنفيذ "الحلم الفارسي" الذي أعدوا له بعد التمدد التدريجي عبر أربعين استثماراً بسورية خلال الثورة، حتى بمؤسسة مشابهة لوكالة التنمية الأميركية (USAID) لتدير "مارشال سورية" وتتهرب من العقوبات الغربية. ليأتي الثامن من ديسمبر، فيسقط الأسد ومشروعات طهران، بعد انسحابها من سورية، تاركة الاستثمار والحلم المارشالي، حتى من دون تحصيل الديون وأموال دعم بقاء الأسد على كرسي أبيه. نهاية القول: سرب من الأسئلة بدأ يتوثب على الشفاه، بالتوازي مع عودة طرح "خطة مارشال سورية" اليوم وملاقاتها من قبول مبدئي عام، وربما البدء لإعداد مؤتمر وتحديد المانحين والداعمين والدائنين. أول الأسئلة إمكانية نقل التجربة الأميركية بأوروبا إلى سورية، مع الاختلاف السحيق بالبيئة الاقتصادية والبنية المجتمعية، والتي لا تحل بقرار أو بالدعم المالي فحسب، فالذي يشهده الداخل السوري حتى الآن، من انقسامات وتعدد رؤى وارتباطات، قد يحيل مارشال بأرض غير مهيأة، لنموذج غير قابل للحياة والاستمرار. موقف التحديثات الحية عن رسائل رفع العقوبات الاقتصادية عن سورية ولأن خطة إعمار أوروبا لم تقتصر على الحجر، بل طاولت القوانين والعلاقات التجارية والبنى المؤسسية نسأل: هل ستمتد "مارشال سورية" لإعادة بناء الدولة ومؤسساتها، وفق ما يطلبه الممول أو حسب التشكيل الجديد للمنطقة ودور سورية فيها وخلالها؟! وأيضاً، هل تنجح براغماتية الرئيس الشرع هذه المرة أيضاً، في نقل المشروع لواقع، رغم مطالب تحييد الدور التركي، وتضارب المصالح والأهداف بين المتفقين على "مارشال سورية" إن بمنطقة الخليج نفسها، أو بين أوروبا والولايات المتحدة؟! وربما الأهم، ما هي صيغة الأموال التي ستضخ في "مارشال سورية"، من الخليج أو حتى من أوروبا والولايات المتحدة؟ هل ستكون مساعدات من أجل تحقيق مصالح بعيدة وتشكيل حلف جديد، أم ديوناً تثقل كاهل سورية لعقود، إن لم نتطرق للوصفات والشروط التي سيفرضها الدائنون أو الداعمون، وأثرها على بيئة سورية وحياة أهليها الذين تبوؤوا أصلاً، المراتب الأولى عالمياً، بالفقر والبطالة؟ ولكن وعلى مشروعية تلك الأسئلة والهواجس، ولكي يستوي القول، لا بد من فتح باب الأمل على خطة مارشال العتيدة، فأن يضخ 250 مليار دولار، كما يتوقع الخبراء، بالجسد السوري، على مراحل ثلاث حتى عام 2035، توظف بالإعمار والاستثمارات، فعلى الأرجح، ستبدد الهواجس وتجيب، عملياً وعلى الأرض، على تلك الأسئلة. فأن تتحول سورية إلى قلب منظومة اقتصادية مأمولة تربط المنطقة العربية بتركيا فأوروبا، عبر جغرافية واستثمارات وموانئ ومسارات تبادل، وكل ذلك برعاية أميركية، فذلك ما يرجّح نجاح الخطة، بعيداً عن الخوض بتفاصيل ما بدأ يتسرب، من سلبيات تتعلق بالوضع الداخلي السوري أو إعاقات إقليمية، أو إيجابيات تتعلق بمعادن سورية النادرة ووادي السيليكون السوري وإحياء خطوط نقل الطاقة بالبر والبحر، أو إعادة رسم المنطقة، وفق حلف التشاركية والمصالح بدل الحرب وصراعات اقتسام النفوذ.


العربي الجديد
منذ 21 ساعات
- العربي الجديد
"فوضى عالمية"؟... لا تنظروا بعيداً
عندما أعلنت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون ديرلاين في كلمتها في القمة السادسة للمجتمع السياسي الأوروبي في تيرانا (عاصمة ألبانيا) أن "النظام العالمي تحول اليوم إلى فوضى عالمية"، فإنها لم تكن تنعى فقط النظام الذي قام على أنقاض الحرب العالمية الثانية بهيئاته ومؤسّساته المتعدّدة التي ضمنت حدّاً أدنى من التوازن العالمي، رغم تحفظاتٍ لا تعد ولا تُحصى، بل لعلها تبشر أيضاً ببديل لم يتبلور بعد. وكان من غريب المصادفات تزامن حديثها هذا مع تعليق مهام المدّعي العام للمحكمة الجنائية الدولية كريم خان "مؤقتاً" بسبب التحقيق معه في اتهامات "أخلاقية"! هذه المحكمة التي تمثل إحدى أهم مؤسّسات النظام العالمي المتداعي، والتي أصدرت مذكّرات اعتقال بحقّ رئيس الحكومة الإسرائيلية المتطرّفة بنيامين نتنياهو ووزير دفاعه السابق يوآف غالانت، بعدما تبين للمحكمة والعالم جرائم وحشية تاريخية ارتكباها في غزّة التي لا تزال تنزف. ليس هذا النظام سوى مجموعة من المبادئ والقواعد والقوانين تجسّدت في مؤسّسات تحمل أسماء وعناوين، وتصبح هذه المؤسسات مجرد بنايات بلا هيبة أو مضمون، بمجرد فقدان القوانين والقواعد صلبها، قيمتها، بعدم الامتثال لها ودَوسها، وقد بدأ هذا التعدّي في التجلي في العقود القليلة الماضية، وتطلبت الكثير من الجهد تبريراً وتزويراً للحقائق، وهي عملية مضنية كان لا بد لها أن تعلن إفلاسها في النهاية، تصديقاً لمقولة أن "حبل الكذب قصير مهما طال"... وبلغت عملية سقوط أعمدة النظام الدولي ذروتها، وبلا مبالغة، منذ اليوم الأول من الحرب على غزّة، التي شاءت الأقدار أن تكون شاهداً تاريخياً على تدمير ذاتي، يجدر التساؤل اليوم عما إن كان متعمّداً أو أن الفاعلين الرئيسيين في هذا العالم، ومن يحرّكهم، لم يكن أمامهم طريق أخرى سالكة سواه، بحرق الأشرعة حتى لا يمكنهم العودة إلى ما كان وما يتيح محاسبتهم. "يونيسف"، وكل ما ترمز إليه من أمل وبراءة وتطلع إلى المستقبل، لم يعد لصوتها صدى وسط دويّ القصف وعويل المكلومين عندما ارتفعت ملايين الشعارت في آلاف الشوارع والساحات حول العالم تحذّر من مغبة انتهاك الحقوق الإنسانية والقوانين الدولية والمبادئ التي جعلت الناس (ولو نظرياً) متساوين في الكرامة والحقّ في الحياة والدفاع عن النفس... كانت آلة القتل منشغلة في حصد ما أمكنها من الأرواح بأقصى سرعة ممكنة في غفلة من الزمن، ومن حالة تضامن إنساني كوني نادر... ولما اصطدمت الآلة بمقاومة لم تتحسّب لها، كان رهان القضاء على عنفوانها، من العمى بحيث لم تكن تلك الشعارات تعني له شيئاً آخر غير الرعب من الإهانة والمحاسبة معاً، فتضاعفت الشهية لحصد المزيد وبأبشع الوسائل، ومع هذا التحوّل تغير مضمون الشعارات الأولى إلى ما يحاكي الازدراء والتمرّد والتحريم على متصدّري منصّات السياسة الدولية الحديث، بعد الذي حدث ويحدث، عن "الحقوق" و"الحريات" واحترام "القانون" و"القواعد"، والتوقف عن ممارسة نفاق يورّطهم ويكشف تواطؤاً وعجزاً أحياناً... حتى باتت خطبهم وتصريحاتهم تكاد تخلو تماماً من أي إحالة على مرجعية قانونية أو أخلاقية/ مبدئية، بعدما أدركوا حجم الورطة التي وقعوا فيها، ففاقد الشيء لا يعطيه، وناكره لا يستشهد به. تشهد أروقة مجلس الأمن على حجم الضغوط والمساومات، وحتى التهديدات قبل وفي أثناء وبعد الجلسات التي دعت إليها دول لا تزال تتشبث بتلابيب القانون الدولي الممزّقة، لإدانة إسرائيل أو محاولة ردعها، ولم ترتدع، بل عكست الهجوم وانخرطت في حملة تشويه للهيئة الأممية الأهم واتهامها بتسرّب "غير الحضاريين" إليها، وبدا، في لحظة عبثية، أن منظمة الأمم المتحدة باتت تقاتل من أجل بقائها أكثر من أي شيء آخر. وسرت على المنظمات الإنسانية المنضوية تحت هيئة الأمم المتحدة، وخصوصاً التي لا تزال تعمل بشقّ الأنفس في الأراضي الفلسطينية وقطاع غزّة تحديداً، ما سرى على مجلس الأمن وأجهزته، فقد حوصرت وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا) في الحيّز الضيق الذي تتحرّك فيه، قبل أن تتهم بالضلوع في مساعدة حركة حماس وإبقائها على قيد الحياة ومدّها بالأوكسجين، لتستمر في مواجهة قوات الاحتلال التي قلبت تربة القطاع بحثاً ومطاردة وتخريباً... ثم مرّت إلى استهداف ما بقي من مدارسها وملاجئ الإيواء التي توفرها، بالقصف والتدمير تحت أنظار الجميع، ومن دون أدنى قدر من الحياء أو الاعتبار لمموّليها، ومنهم حلفاء لإسرائيل نفسها... "يونيسف"، وكل ما ترمز إليه من أمل وبراءة وتطلع إلى المستقبل، لم يعد لصوتها صدى وسط دويّ القصف وعويل المكلومين، وصخب الفوضى التي تحيط بهم، حتى بات مجرّد دعوتها إلى تلقيح الأطفال الناجين، ضد الأوبئة التي بدأت بالانتشار، أمراً يدعو إلى الشفقة في مربع كل ما فيه يحيل على موتٍ قادم أو مؤجّل. كل طرق الفوضى التي يشهدها العالم بالفعل، تفرعت بوتيرة متسارعة عن فوهة بركان غزّة الذي أثارته إسرائيل لم تنجُ الصحافة بترسانة القوانين التي تحمي المنتسبين إليها، خصوصاً في أثناء الصراعات وفي زمن الحرب، من أجندة خفية لدى حكومة إسرائيل المتطرفة بتمييع مفهوم "الخطوط الحمراء" أو "غير المعتاد" و"غير المقبول" أخلاقياً وقانونياً، أمام كل ما من شأنه عرقلة خطتها الجهنمية التي تمضي فيها، وكان العالم كله لم يعد له وجود، فقتلت ما لا يقل عن 107 صحافيين بين 2023 و2025... وكانت الاتهامات لأغلبهم جاهزة، وتبرير "الموت كاحتمال ضمن مخاطر المهنة"، جاهزاً لبعضهم الآخر. وامتدّت أيدي إسرائيل الطويلة إلى ما هو أبعد، إلى نواب أوروبيين هاجموا من منابر برلمانات دولهم وحشية إسرائيل وحذروا من الخطر الذي تشكله ممارساتها المنفلتة، على استقرار مجتمعاتهم أولاً، وعلى العالم بأسره والنظم التي لا تزال تحول دون انهياره، فطاردت بعضهم، وأخرجت لآخرين من جعبتها اتهامات بالفساد ومعاداة السامية وتهماً أخرى معلبة، متجاهلة حقّ مواطنيهم في معرفة الحقيقة، كما تتيحها ديمقراطية دولهم، أو الحصانة التي يتمتّعون بها في ظروف معينة، وأمعنت في ذلك أملاً في إخراس ما تبقى من أصوات حرّة وشجاعة... وعبر أذرعها الأطول وبعد موسم عاصف من المظاهرات والفعاليات الأكاديمية والطلابية احتضنتها رحاب جامعات أوروبية وأميركية عريقة، انتظرت إسرائيل قليلاً حتى ذهبت إدارة جو بايدن، وسرعان ما بدأ موسم قطف الرؤوس: عمداء جامعات وطلاب فُصلوا أو رُحِّلوا أو هُدّدوا بذلك إلى أن "يعدلوا سلوكهم" ثم يصمتوا... في انتهاك غير مسبوق لحقّ التظاهر والتجمّع والتعبير عن الرأي، وهو حقّ مكتسب عند تلك الأمم، مجرّد النقاش حوله يبدو أمراً عجيباً ومستهجناً... وبعد ما جرى، تدفع فئات فيها خطوة إلى الوراء. على الأرض في قطاع غزّة، لم يعد هناك هامش في لائحة انتهاكات إسرائيل القانون الدولي لإضافة مزيد مما تقدّم عليه كل يوم، لتجعل من القواعد الأهم التي تهدف إلى الحد من همجية الحروب، مجرّد نصوص نظرية تلوكها تقارير حقوقية وقانونية للتوثيق فحسب... وبين قنابل بزنة ألفي رطل في مساحات عالية الكثافة السكانية، قتلت بواسطتها من الغزّيين ما يزيد على أربعة أضعاف من قتلتهم في 23 عاماً، وبين تدمير للممتلكات والمنشآت العامة جعل أكثر من 70% من القطاع غير صالح للعيش، وصولاً إلى التهجير القسري، وابتزاز الدول المجاورة ودول أبعد بهذه الملف الحارق، تجد إسرائيل حيّزاً في استراتيجيتها المعقدة، لاستخدام الجوار مظهراً آخر من مظاهر القوة والعربدة التي تستعرضها، فيصبح اختراق الحدود مع لبنان تارة وسورية تارة أخرى، أمراً معتاداً، تجد له مبرّرات وعناوين لا تنضب، تنضوي تحت "استباق تحرّكات عدائية" أو بتعلة عجز إحدى الدولتين عن توفير الأمن في تلك المناطق، فتقوم إسرائيل بـ"الواجب" نيابة عنها... وفي الأثناء، تفقد الحدود والسيادة والاتفاقيات معناها وتصبح هلامية مطّاطة كأشياء كثيرة أخرى آلت إلى المصير نفسه في ثنايا هذه الحرب... وهكذا، لم يعد مستغرباً تصاعد أصوات تعبّر عن شهية مفتوحة للاستيلاء على مدن وجزر وأراضٍ هنا وهناك. أطلقت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فان ديرلاين تصريحها اللافت عن تحوّل النظام العالمي اليوم إلى فوضى عالمية، ودقت ناقوس الخطر عندما أطلقت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فان ديرلاين تصريحها اللافت عن تحوّل النظام العالمي اليوم إلى فوضى عالمية، ودقت ناقوس الخطر، هل استحضرت بعضاً من هذه الصور غير المسبوقة، التي سقطت خلالها أعمدة كثيرة كانت لا تزال تبقي النظام العالمي ثابتاً نسبياً؟ أم أن زاوية النظر لديها لم تتجاوز حرب أوكرانيا، والحرب الهندية ــ الباكستانية الخاطفة، التي تجاوز الذعر الذي أثارته حدود قارة آسيا الشاسعة إلى أنحاء العالم بأكمله؟ الثابت أن كل طرق الفوضى التي يشهدها العالم بالفعل، تفرعت بوتيرة متسارعة عن فوهة بركان غزّة الذي أثارته إسرائيل، ولا أحد غيرها. الخوف الناجم عن فكرة أن القوانين وقواعد العلاقات الدولية وضوابط الحرب لم تعد تحمي من يستظل بها، يدفع الدول والمجموعات البشرية والأفراد إلى تخيل أسوأ السيناريوهات والاستعداد لها واستعداء الجميع للجميع. لا يزال بإمكان إسرائيل أن تعتمد بعض الوقت على دعم حلفائها الغربيين، وهي تسقط يومياً حجراً آخر في نظام دولي تشبثوا به إلى آخر رمق، فيما يتجه قادة أوروبا إلى إيجاد بديل تدريجي لحلف الناتو، استرشاداً بمؤشرات صادرة عن إدارة ترامب الجديدة، ويتحدثون عن خطط إعادة تسليح الاتحاد الأوروبي بحجم إنفاق يتوقع مراقبون أن يؤدّي إلى عدم استقرار اجتماعي، ويجاهر كثيرون اليوم بالحاجة الملحّة إلى طيّ صفحة هيئة الأمم المتحدة التي أسقطت حرب غزة بقايا ورقة التوت التي غطت عجزها، وإنشاء هيكل على أنقاضها يمثل فقط من ستنطبق عليه شروط الفرز، ولا ينبئ المشهد برمته بأن البديل سيكون أفضل تمثيلاً أو أكثر عدالة... وحتى لا يجد العرب أنفسهم على الهامش في حركة التحوّل هذه، وبعدما تأكدت قدرة بعضهم منهم على التأثير في صياغة القرار الإقليمي والدولي، عليهم أن يحجزوا مقعداً لهم وبشكل مبكّر واستباقي، حتى لا يبكوا يوماً على أطلال الأمم المتحدة ونظام عالمي آفل، ويؤكّدوا مقولة عشق العرب للبكاء على الماضي كيفما كان هذا الماضي.