
إيكواس تدعو للحوار والتهدئة في توغو بعد مقتل متظاهرين
وبعد أن تغاضت عن التعليق على الأحداث طيلة الأيام التي وقعت فيها المظاهرات، أصدرت إيكواس بيانا أمس، قالت فيه إنها تأسف لما حدث، داعية جميع الأطراف المعنية إلى التهدئة والجنوح إلى الحوار وتغليب منطق المصلحة العامة.
وأكّدت المفوضية أنها ستظل ملتزمة بالاستعداد للمساهمة في الحل، وبذل الجهود الرامية إلى المحافظة على الاستقرار والأمن في دولة توغو.
وبدأت المظاهرات في توغو مطلع يونيو/حزيران الماضي احتجاجا على استمرار نظام فور غناسينغبي الذي يحكم البلاد منذ 20 عاما، بعد وفاة والده الذي تولّى بدوره رئاسة البلاد قرابة 3 عقود.
واعتقلت السلطات في البداية حوالي 50 شخصا من قيادات الحراك الشعبي المناوئ للرئيس، من ضمنهم أطباء وشخصيات علمية وثقافية، قبل أن تفرج عن بعضهم في وقت لاحق بقرار من النائب العام للدولة.
وفي الـ26 من يونيو/حزيران الماضي خرجت مظاهرات حاشدة في العاصمة لومي، دعا إليها فنانون، ومؤثرون على مواقع التواصل الاجتماعي، وتصدّت لها قوات الأمن بشراسة وعنف، ما أدى لمقتل ما لا يقل عن 7 أشخاص، وإصابة العشرات.
انتقادات حقوقية
وقد انتقدت منظمات حقوقية أعمال العنف والقمع التي قامت بها السلطات الأمنية والعسكرية، وطالبت بحماية المتظاهرين، لكن السلطات تقول إن الاحتجاجات خارجة عن الإطار القانوني وتمس بالسكينة العامة.
وطالبت تكتّلات سياسية معارضة من ضمنها حراك "لا تلمس دستوري" بإجراء تحقيق دولي في شأن مقتل المتظاهرين، مشيرة إلى أن التحقيقات الرسمية في البلاد، غالبا ما تغلق ملفاتها من دون تحقيق نتائج ملموسة.
يشار إلى أن الرئيس فور غناسينغبي قام مؤخرا بتعديل دستوري، غيّر بموجبه شكل الحكم من نظام رئاسي، إلى برلماني، وأصبح يتولّى منصب رئيس الوزراء وبيده جميع السلطات التنفيذية، الأمر الذي خوّل له الاستمرار على رأس الحكم.
وتقول المعارضة إنها لا تعترف بنتائج التعديل الدستوري الجديد، وتعتبره تزويرا لإرادة الناخبين، ويهدف إلى استمرار عائلة غناسينغبي في الحكم.
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


الجزيرة
منذ 43 دقائق
- الجزيرة
كيف يُعيد ناشطو العالم تعريف التضامن مع غزة؟
في عالم بات يتسم بتسارع التحولات التكنولوجية وتتآكل فيه القيم الإنسانية، وذلك في الوقت الذي بات العجز الجماعي عن وقف الإبادة والانتهاك المستمر لحقوق الإنسان في قطاع غزة مشهدًا متكررًا ومألوفًا، وتجاوز الصمت من كونه مجرَّدَ غياب أو موقفًا سلبيًا إلى أن يصبح شراكة ضمنية في الجريمة. أمام هذا الفراغ الأخلاقي، قرر الآلاف من الناشطين الدوليين حول العالم أن يعيدوا تعريف التضامن ليتجاوز مجرد الموقف الرمزي، ليصبح ممارسة فعلية تستنبط المخاطرة وتشتبك ميدانيًا مع الأحداث والتطورات، متجاوزين حدود الدول والمشهد الإعلامي الاستهلاكي، مستلهمين من التجارب التاريخية التي أثبتت أن الضغط المستمر قادر على زعزعة أعتى الأنظمة. فمن تونس إلى مدريد، ومن ستوكهولم إلى جوهانسبرغ، مرورًا بشواطئ صقلية وصحراء العريش، بدت تحركات الناشطين كخطوط اشتباك أخلاقي مع النظام الدولي القائم، متجاوزين شعارات التعاطف العابرة على المنصات التواصل الاجتماعي. بيدَ أنهم معتمدون عليها في الدعم والتحشيد والتنظير لأفكارهم التي تتجسد بإنشاء حركة مقاومة مدنية عابرة للقارات، مستندة للوعي بأن استمرار الاحتلال والحصار لا يُفسَّر فقط بآلة الحرب، بل أيضًا بتواطؤ البنى الاقتصادية والتقنية الكبرى، وأن التاريخ لن يرحم من تواطأ ومن صمت عن ظلم الإنسان يومًا. في قلب هذا المشهد تبرز تجربة أسماء درجة ابنة المغرب وتونس، الحاصلة على جنسية ألمانية، والتي تنقّلت بين كبرى المؤسسات العالمية: "دويتشه بنك"، "سيمنز"، "ديلويت"، وصولًا إلى منصب مديرة مشاركة في "أمازون ويب سيرفيسز"، الذراع التكنولوجية الأخطر في العالم. لكن الأهم من سيرتها هو خيارها الأخلاقي: الاستقالة الصامتة من منصبٍ مرموق فلم يكن أزيز الطائرات فوق غزة هو ما أيقظ ضميرها، بل لحظة الصمت الطويل في مكتبها الزجاجي وهي تعمل لصالح "أمازون"، عندما شعرت أن كل ما تبنيه هناك- من إستراتيجيات وأرقام وتحولات رقمية- لا معنى له إن كان سيُستخدم ضد حياة أحد، ولو كان طفلًا في غزة. فقد شعرت أسماء أن ما تساهم به تقنيًا قد يُستخدم كجزء من البنية القمعية الموجهة ضد الفلسطينيين، ضمن مشروع "نيمبوس" الذي يربط "أمازون" و"غوغل" لتزويد الاحتلال بأنظمة ذكاء اصطناعي تُستخدم لأغراض عسكرية. خرجت وهي تدرك أن الرحيل من أمازون ليس كافيًا. فالقمع لا يحدث فقط في غرف الاجتماعات، بل أيضًا في آليات الذكاء الاصطناعي، في الخوارزميات، في الصمت المتواطئ. فلم تكتفِ بالانسحاب، بل أسست تحالفًا أخلاقيًا للذكاء الاصطناعي في إسبانيا، داعية إلى إعادة مركزية القيم الإنسانية في تصميم الخوارزميات. تقول: "لا معنى لأي خطاب عن أخلاقيات الذكاء الاصطناعي لا يتوقف عند غزة. هناك تُختبر أخلاقياتنا، وهناك يتحدّد موقعنا الحقيقي من الكرامة الإنسانية". وتابعت: "لا بد أن نذكِّر الجميع بأن الذكاء الاصطناعي ليس مجرد أداة محايدة، بل بات يُستخدم اليوم كأداة قمع واحتلال. ويجب أن نعيد مساءلته من جذوره". لكن هذا الموقف النظري سرعان ما اتخذ طابعًا نضاليًا مباشرًا، حين أُطلقت الدعوة إلى "المسيرة العالمية نحو غزة"، بعنوان قافلة الصمود في 9 يونيو/ حزيران 2025 في محاولة لتحدي الحصار الإسرائيلي، شارك في هذه المبادرة، التي نظّمتها "تنسيقية العمل المشترك لأجل فلسطين"، أكثر من 1500 ناشط من تونس والجزائر والمغرب وموريتانيا، بينهم نقابيون وأطباء ومحامون، تجمّعوا في حوالي 14 حافلة و350 سيارة، محمّلين برسائل واضحة: كسر الحصار، وإدخال المساعدات الإنسانية، ورفع قضية غزة إلى مستوى الضغط الشعبي والأخلاقي. وكانت أسماء واحدة من المشاركين بعد أن ارتأت أن واجبها لا يكتمل إلا بالمشاركة الميدانية. فاستبدلت هاتفها، أعدّت مواد توعوية عن الاستخدامات العسكرية للتقنية، وانطلقت نحو مصر، مدركةً أنها قد تُمنع أو تُعتقل. وما حدث لاحقًا كان احتجاز في المطار، تفتيش، استجواب، ثم إفراج مشروط بمراقبة. في بادئ الأمر كانت القافلة تسير بشكل يليق بالشعوب العربية وأصالتها، ومع تجاوزها الحدود التونسية- الليبية نحو معبر رأس جدير، حظيت القافلة باستقبال شعبي دافئ في مدن قابس ومدنين وصفاقس، حيث تجمع وفد من أهالي المدن واستضافوا المتضامنين وأعدوا مأدبات تكريم لهم، في مشهد يُجسّد وحدة الشعوب العربية في نصرة القضية. ثم دخلت القافلة الأراضي الليبية يوم 10 يونيو/ حزيران لتبدأ المرحلة الثانية نحو مصر. هنا بدأت مشاركة أسماء التي انضمت من خلال الوصول جوًا إلى مصر أرض الالتقاء للتحرك إلى الحدود المصرية الفلسطينية، تقول أسماء: "من لحظة وصولي إلى مطار القاهرة لم تسر الأمور كما توقّعت أو بالأحرى بهذه السرعة!، فبعد أن ختم جواز سفري طلب مني الوقوف جانبًا، ثم تم نقلي مع مجموعة من الأشخاص إلى غرفة مغلقة، حيث تم تفتيش هواتفنا وعندما توجه العسكري ليسألني عن سبب الزيارة كنت مصممة على أني هنا للاحتفال بعيد ميلادي ولأني قمت باستبدال هاتفي مسبقًا فلم يكن فيه أي شيء يدينني، لقد جهزت كل شيء لأضمن ألا يتم ترحيلي قبل أن أؤدي الرسالة التي جئت من أجلها". تتابع أسماء: "في اليوم التالي، اتجهت إلى الإسماعيلية. من خلال طريق صحراوي طويل لتجنب نقاط التفتيش، وبعد أن وصلنا إلى نقطة الالتقاء الأولى وكدنا نتنفس الصعداء لاقترابنا جدًا من الهدف المنشود، خرجت علينا قوات بلباس مدني اعترضت طريق الحافلة تبعها قوات أمرت السائق بالعودة للقاهرة". إعلان كانت لحظة انكسار بدت قريبة، لكنها قررت أن تقفز من السيارة وتنضم للمسيرة. وسط الحشود، كانت تردّد الهتافات وتوثّق اللحظة بكاميرا هاتفها. هناك التقت حفيد نيلسون مانديلا وهو يهتف: "حرية فلسطين امتداد لحرية أفريقيا"، ثم تم تفريق التجمع تحت التهديد والقوة. تقول أسماء: " عدت إلى القاهرة ودموعي لم تتوقف لحظة، شعرت بخيبة أمل كبيرة، ووجوم لا يمكن التعبير عنه". قصة أسماء ليست استثناءً، بل جزءًا من موجة عالمية يتصدّرها ناشطون من الجنوب والشمال، من العرب، والأفارقة والأوروبيين والآسيويين. في قافلة "صمود"، اعتُقل بعضهم، وتعرّض آخرون للمنع. لكنهم أصرّوا على مواصلة الرحلة، ثم أعادوا ترتيب صفوفهم في تونس من جديد، في مشهد يُذكّر بتجارب التضامن الأممي مع جنوب أفريقيا إبان الفصل العنصري. فقد بدأت حركة المقاطعة الدولية ضد نظام الأبارتايد في جنوب أفريقيا منذ أواخر خمسينيات القرن العشرين، مدفوعة بمزيج من الوعي السياسي لدى الشعوب واستفحال السياسات العنصرية التي فرضها النظام على الأغلبية السوداء. واحدة من أولى الحملات الرمزية كانت حملة مقاطعة البطاطا عام 1959 ، والتي سلطت الضوء على ظروف العمل القسري في مزارع النظام، ما فجّر سلسلة من ردود الفعل داخليًا وخارجيًا. في العقود اللاحقة، تحوّل التضامن من فعل احتجاجي إلى منظومة ضغط متكاملة؛ فقد قادت اتحادات العمال والنقابات والطلاب في بريطانيا وكندا والسويد والولايات المتحدة، حراكًا شعبيًا واسع النطاق. رُفِض تفريغ السلع الجنوب أفريقية في ميناء ليفربول، وسُحبت صناديق التقاعد والاستثمارات من الشركات الداعمة للنظام العنصري. امتدت هذه الممارسات لتشمل قطاع الرياضة والفنون، حيث تم منع مشاركة جنوب أفريقيا في الأولمبياد والأحداث الثقافية الكبرى. وقد أثمر هذا الزخم الشعبي عن ضغوط مؤسسية، دفعت الأمم المتحدة إلى إصدار قرارات بعقوبات اقتصادية ضد بريتوريا بدءًا من عام 1962. ورغم مقاومة بعض الحكومات الغربية هذه الضغوط، فإن التراكم الكمي والنوعي للحراك الشعبي أدى إلى حصار سياسي واقتصادي خانق، بلغ ذروته في أواخر الثمانينيات. ومع دخول عقد التسعينيات ، انهار النظام العنصري ، وأُجريت أول انتخابات ديمقراطية في جنوب أفريقيا عام 1994. بهذا المعنى، فإن تجربة جنوب أفريقيا قدّمت نموذجًا بالغ الأهمية لحركات التضامن الحديثة، لا سيما في القضية الفلسطينية. فاليوم، تتحرك قوى مدنية عالمية ضد الاحتلال الإسرائيلي بنفس الأدوات تقريبًا: المقاطعة الأكاديمية والاقتصادية، سحب الاستثمارات، والتحرك الشعبي في الشارع، وعلى مستوى المؤسسات. التحولات الأخيرة تشير إلى لحظة مفصلية: فلسطين لم تعد قضية هامشية في الضمير العالمي، بل اختبارًا أخلاقيًا للحداثة ذاتها. لم يعد التضامن فعلًا إنسانيًا فقط، بل موقفًا سياسيًا ضد بنية الظلم العالمية. فهؤلاء الذين تركوا وظائفهم، أو سافروا إلى الحدود، أو تظاهروا في شوارع مدريد وجوهانسبرغ وكوالالمبور، لم يكونوا يُمارسون التعاطف، بل يشاركون في إعادة تعريف السياسة كأداة تحرر لا استعمار واستيطان. وعلى غرار تجربة جنوب أفريقيا، التي بدأت من هوامش النضال وتحولت إلى تيارٍ عابر للحدود، تعيد غزة اليوم تفعيل ذات البوصلة الأخلاقية. الفارق أن أدوات القمع اليوم أكثر تعقيدًا، مدعومة بالذكاء الاصطناعي والتقنيات الرقمية. لكن على الصعيد نفسه تطورت أدوات المقاومة لهذه الوسائل أيضًا، إذ أصبح التضامن الرقمي، والمقاطعة التقنية، والتحشيد الحقوقي أمام المحاكم الدولية، كلها أدوات مركزية في معركة نزع الشرعية عن الاحتلال. من هنا، فإن حركة التضامن الدولي لا تُقاس بعدد الذين وصلوا إلى غزة فعليًا، بل بمدى اختراقها المفاهيم التقليدية للالتزام الأخلاقي، مشكلين تضامنًا تجاوزَ الحد العاطفي والشعارات إلى المساءَلة للمنظومات الداعمة لسياسة الاحتلال الإسرائيلي أو المساهمة بشكل فعلي في الإبادة الجماعية التي تنفذ في قطاع غزة، من خلال مقاومة مدنية عابرة للجنسيات، فكل خطوة نحو غزة، وإن أُحبطت، تُحدث ثقبًا جديدًا في جدار التواطؤ. وكما ختمت أسماء حديثها: "لسنا مجرد متضامنين. نحن نُعيد تعريف من نكون في هذا العالم. وغزة ليست بعيدة، إنما في مركز كل الأسئلة الكبرى عن العدالة والتقنية والضمير البشري"، وتابعت: "أنا فقط أريد أن أقول لغزة: نحن هنا، ننظّم، نتحرّك.. ولن نتنازل حتى تنعموا بالحرية مثل كل الشعوب".


الجزيرة
منذ 6 ساعات
- الجزيرة
في واشنطن: كيف تصطدم خطابات اللوبي بثقافة مجتمعية متغيرة؟
في قلب العاصمة الأميركية، تدور مفارقة لافتة: كلما زاد الإنفاق المالي لجماعات الضغط الداعمة للسياسات الإسرائيلية، بدا أن تأثيرها في ضمير الشعب يتراجع! ففي عام 2023، أعلنت "أوبن سيكرتس" عن إنفاق قياسي تجاوز 30 مليون دولار، بينما أظهر استطلاع "غالوب" (2024) أن 55% من الأميركيين يرون تجاوزًا إسرائيليًّا في غزة، والنسبة ترتفع إلى 75% بين الشباب.. هذا التناقض يطرح سؤالًا جوهريًّا: هل لا تزال القوة تقاس بالمال والنفوذ فقط؟ لتفكيك هذه الإشكالية، يجب فهم أن قوة اللوبيات نبعت تاريخيًّا من قدرتها على تحقيق "الهيمنة الثقافية"، كما وصفها غرامشي، وقد نجحت لعقود في جعل خطابها جزءًا من "الحس المشترك" الأميركي عبر "فن التأطير"، مقدمةً القضية ضمن إطار "الأمن" و"الديمقراطية" و"مكافحة الإرهاب". وكما قال والتر ليبمان، أسهمت في رسم "الصور في رؤوسنا" عن الصراع. العصر الذهبي والتوازن المفقود في "العصر الذهبي" (الثمانينيات- بداية الألفية)، ساد توازن شبه مطلق بين خطاب اللوبي والثقافة السائدة؛ إذ تناغمت رسائلها مع منطق الحرب الباردة والاستثنائية الأميركية، مدعومةً ببيئة إعلامية منضبطة وإجماع نخبوي… كانت السياسة والثقافة تسيران في اتجاه واحد. لكن "الطوفان الثقافي" للعقدين الأخيرين قلب المعادلة مع أحداث مفصلية -حرب العراق (2003)، الأزمة المالية (2008)، حركة "حياة السود مهمة" (2020)، وحرب غزة (2023-2024)- أحدثت شروخًا عميقةً. الثورة الرقمية كسرت احتكار المعلومات، وأتاحت للفلسطينيين نقل روايتهم مباشرةً. ووفقًا لـ"بيو" (2024): 70% من جيل Z يحصلون على أخبارهم من وسائل التواصل، و58% يرون القضية الفلسطينية كقضية عدالة. يتجلى الصدام في ثلاث جبهات: صدام الأطر: إطار "الأمن" القديم يصطدم بإطار "العدالة وحقوق الإنسان" الجديد. ما كان يؤطر كـ"مكافحة إرهاب" أصبح يُرى كـ "احتلال"، وما كان "دفاعًا عن الديمقراطية" بات "فصلًا عنصريًّا". صدام الرسل: الساسة التقليديون يفقدون مصداقيتهم أمام نشطاء تيك توك والأكاديميين النقديين والفنانين الذين يربطون القضية بحركات العدالة العالمية. صدام الساحات: انتقلت المعركة من أروقة الكونغرس إلى ساحات الجامعات والفضاءات الرقمية، حيث لا تعمل أدوات النفوذ التقليدية بنفس الكفاءة. أرقام تكشف الأزمة 62% من الديمقراطيين الشباب يؤيدون وقف المساعدات العسكرية لإسرائيل أكثر من 100 جامعة شهدت احتجاجات مؤيدةً لفلسطين هاشتاغ #FreePalestine حصد 50 مليار مشاهدة على تيك توك إعلان تحاول اللوبيات المواجهة بالتصعيد المالي والضغط المؤسسي وحرب السرديات، لكن هذه الإستراتيجيات تبدو وكأنها تعمق الأزمة، مؤكدةً للشباب شكوكهم حول "قوة المال" و"قمع الأصوات". الاستمرار في ترديد خطاب فقد أساسه الثقافي هو تشبث بحاضر يتآكل؛ أما إدراك التغير فيعني تطوير خطاب يتواءم مع القيم الناشئة. كما قال ابن خلدون: "إذا تغيرت الأحوال جملةً، فكأنما تبدل الخلق من أصله" قانون التطور الحتمي إن التحدي ليس مجرد معارضة سياسية، بل أزمة وجودية تتعلق بالقدرة على التكيف مع تغير ثقافي عاتٍ. يفرض القانون الأزلي نفسه: "من يرد الحاضر فسوف يتلاشى، ومن يدرك التغير فسيكون هو الغد". الاستمرار في ترديد خطاب فقد أساسه الثقافي هو تشبث بحاضر يتآكل؛ أما إدراك التغير فيعني تطوير خطاب يتواءم مع القيم الناشئة. كما قال ابن خلدون: "إذا تغيرت الأحوال جملةً، فكأنما تبدل الخلق من أصله". إنها ليست قصة جماعة ضغط بعينها، بل درس في حتمية التطور لكل مؤسسة تريد البقاء في عالم قانونه الوحيد الثابت هو التغير.


الجزيرة
منذ 8 ساعات
- الجزيرة
صحفي غزّي يروي قصة البحث عن حفنة طحين
يصف الغزيون النزوح بأنه "قطعة من جهنم"، فكيف تكون الحال حين يُحاصر الإنسان بين شبح الموت اليومي بنيران الإبادة، و النزوح القسري ، والتجويع الممنهج؟ يُجبَر الآباء على حمل أطفالهم وذويهم، فارين بهم من موت إلى موت، وهم يجرون خلفهم ما تبقى من فتات الطعام وبعض الأدوات البسيطة، ليقيموا "حياة" تحت خيام مهترئة مزقتها غارات الاحتلال الإسرائيلي بلا رحمة. لكنني اليوم لا أكتب عن مأساة الآخرين، بل أحكي لكم قصتي؛ قصة معاناة عشتها بكل تفاصيلها، قصة نزوح أعيشها يوميا، وصراع من أجل البقاء. سأكشف لكم عن تلك اللحظات التي كان فيها الموت أقرب إليّ من الأمل، عن محاولاتي المستميتة لتأمين رغيف خبز أو جرعة ماء لأطفالي، وسط النزيف المستمر، عسى أن تلامس كلماتي شيئا من الحقيقة التي تعترينا هنا في غزة. رحلة إلى الجحيم لا تتوقف المعاناة عند حدود النزوح من الديار، بل تبدأ رحلة البحث عن مأوى في رقعة ضيقة من غزة، لم يبقَ للفلسطينيين فيها سوى نحو 20% من الأرض بعد أن احتل الاحتلال بالنار والدم المساحة الكبرى من القطاع. أما البحث عن الماء والطعام، فهو معركة أخرى أكثر قسوة. فمنذ مارس/آذار الماضي، تمنع إسرائيل وصول المساعدات إلى الغزيين بآلية منظمة، ابتدعت لها " مؤسسة غزة الإنسانية" المدعومة من أميركا أيضا، وتحولت محاولات الحصول على المواد الأساسية إلى فخاخ موت، أزهقت بسببها أرواح أكثر من 500 شخص وجرح الآلاف، حسب التقارير الحقوقية. صار التجويع يدفعنا للسير طوعا نحو ساحات الموت، نمشى عدة كيلومترات تحت الشمس الحارقة، في مناطق صنفها الاحتلال "مناطق قتال خطيرة"، تمر في شوارع وأحياء سويت بالأرض. وعند الاقتراب من مناطق توزيع المساعدات، نواجه عصابات قطاع الطرق، المسيرين بتوجيه ضباط مخابرات الاحتلال، حسب الشهادات الإعلامية، فيجنون حصاد الشاحنات التي أُجبر الاحتلال على إدخالها لغزة لأغراض سياسية ضيقة. View this post on Instagram A post shared by الجزيرة نت (@ من المؤلم أن تقف عاجزا أمام وقاحة اللصوص وقطاع الطرق، يحملون السلاح، بينما تحلق طائرات الاحتلال المسيّرة على ارتفاعات منخفضة فوق رؤوس آلاف الجائعين الذين يبحثون يائسين عن كيس الطحين أو بعض المواد الغذائية التي تجبر لشرائها بأسعار خيالية، فكيس الدقيق الذي يسطو عليه اللصوص، صار سعره 800 شيكل (أكثر من 200 دولار). رحت أبحث من شارع ومن زقاق لآخر، برفقة ابني الذى أبى إلا أن يأتي معي ليساعدني في حمل ما أقدر على الحصول عليه من طعام مهما كلف الثمن، وليدافع عني بيديه العاريتين أمام اللصوص وقطاع الطرق الذين لم يسلم منهم لا طفل صغير ولا امرأة ولا شيخ كبير. وبين رصاص الاحتلال وطائراته المسيرة ورصاص قطاع الطرق، وتهديداتهم، واعتداءاتهم، سِرت بين دوار التحلية شرق خان يونس وصولا لمنطقة الشيخ ناصر ودخولا إلى بني سهيلا، جميعها مصنفة بـ"مناطق قتال خطيرة"، لكني عدت خالي الوفاض بسبب عدم مقدرتي على مجاراة الأسعار الفاحشة، وكذلك معظم سكان غزة الذين باتوا يواجهون المصير ذاته. والمفارقة الموجعة أن قطاع الطرق اتخذوا من مناطق القتال الخطيرة مقرا لأنشطتهم اللصوصية ومكانا لتخزين مسروقاتهم من الطحين والمساعدات التي تعمل على توفيرها مؤسسات الإغاثة الدولية، ليصبح مخزون الطعام حكرًا عليهم وتحت حماية الاحتلال نفسه. عدت إلى أطفالي المجوعين بعد ساعات طويلة من البحث، خالي اليدين، لم أتمكن من الحصول فيها على أي طعام لهم، وباتوا ليلتهم يصارعون الجوع والقصف وحالة النزوح المفروضة عليهم. اليوم التالي سمعت من الناس أن في الجنوب الغربي من خان يونس -منطقة الإقليمي والشاكوش- أسعار الغذاء ما زالت معقولة نسبيا بفضل بعض المساعدات الأميركية، فانطلقت مشيا على الأقدام لمسافة تتجاوز 3 كيلومترات باحثا مرة أخرى عن طعام يسد جوع أطفالي، كنت أكرر لكل من ألقاه عبارة "طحين للبيع"، أبحث عن أي أمل، حتى وصلت قرب خطوط التماس، حيث تقصف دبابات الاحتلال المناطق القريبة من شمالي وغربي رفح. أجبرت على التحرك من منطقة لأخرى، لعلي أتمكن من الحصول على طحين، أترقب خبرا عن فتح مركز "موراغ" لتوزيع المساعدات مع حلول المساء، رغم أن تلك الرحلات محفوفة دوما بمجازر ترتكبها قوات الاحتلال ومرتزقة الشركات الأمنية الأجنبية ضد طالبي المساعدات، فإن التجربة نفسها لا يمكن وصفها إلا بالمرعبة. اتجهت إلى شارع المسلخ -يعرف أيضا بشارع الطينة- الذي يربط بين جنوب خان يونس بمنطقة المقابر ويمتد حتى شارع موراغ الفاصل بين خان يونس ورفح. كان المشهد أمامي صادما بكل المقاييس، عشرات الآلاف من الأشخاص المجوعين من كل الفئات العمرية -الأطفال، النساء، الشبان، كبار السن- بعضهم يحمل سكينا في يده وآخرون يحملون أكياسا فارغة. وصلت إلى منطقة ممنوع تجاوزها، وتجمع عشرات الآلاف تحت الشمس المحرقة، وتحركت مسيرتان للاحتلال فوق الجموع الذين تحرك بعضهم جنوبا عدة أمتار، وإذ بالآلاف أمامي يجرون هنا وهناك، ومنهم من ينبطح على الأرض أو يحتمي بكومة تراب. سمعت صفير قذائف الدبابات لتسقط واحدة على بعد أمتار قليلة من الحشود الجائعة وتسقط ثالثة ورابعة، وشاهدت دبابة وناقلة جند وعددا من جيبات الهامر التابعة للجيش الإسرائيلي تتحرك إلى منطقة مرتفعة على بعد نحو 500 متر وتبدأ بإطلاق النار على كل من يتحرك، شاهدت أطفالا يصابون برصاص القناصة الذين اعتلى بعضهم السواتر الترابية. بقينا نحو ساعتين على وضعية الاحتماء، بينما أزيز الرصاص وصفير القذائف لا يتوقف. وقبيل الساعة الـ5 عصرا، بدأ العشرات يلوحون بأكياسهم الفارغة البيضاء، لكن الدبابة والجنود واصلوا إطلاق النار. أدركت أن الهرولة نحو مركز المساعدات بدأت، فاندفعت مع عشرات الآلاف (أقدّرهم بـ100 ألف شخص على الأقل) أصطدم بهذا وذاك وأتعثر هنا وهناك بحجارة أو ركام منزل أو بجسد سقط متعبا، وقد غمرني غبار طيني منعني من التنفس واختنقت بشدة، فتوقفت لاهثا التقط أنفاسي. واصلت دبابة الاحتلال وجنوده إطلاق النار على الحشود التي تجرى هائمة على وجهها ضمن مسارات موت محددة، حيث يُدفعون قسرا للجري لمسافات تصل بعضها إلى 3-5 كيلومترات في شوارع مدمرة تحيط بها أسلاك شائكة مرتفعة وقناصة. ألقت الطائرات المسيّرة القنابل والرصاص، ليتجلى أمامك مشهد دموي ووحشي في مساحة ضيقة -لا تتجاوز 200 متر مربع- ألقيت فيها عشرات صناديق المساعدات، وسط أبراج مراقبة ورشاشات آلية تطلق النار، ومرتزقة يضع أحدهم علما أميركيا واضحا على صدره، وآخر يرتدي خوذة ويحمل مكبر صوت ويتحدث العربية بلهجة غير فلسطينية، بينما عشرات الآلاف يتدافعون للحصول على حفنة عدس أو أرز أو علبة من الصفيح فيها بقايا طعام. وبين كل هذا، أطفال ونساء وكبار السن لا يمكنهم حتى الحصول على بقايا الكراتين الورقية والأخشاب ليتمكنوا من الاستفادة منها كوقود، يجمعون بقايا من حفنات طحين تناثرت على الأرض المغطاة بالطين والصخور أو حبات من العدس والأرز. المشهد كان قاسيا مشحونا بسوداوية وحالة من الإحباط واليأس لم ألمسها طوال حياتي، وأنا أدخل منتصف العقد السادس من عمري (55 عاما). ومع ذلك حاولت طول رحلة العودة من ساحة الموت والإذلال -التي يطلق عليها المساعدات الأميركية- أن أبحث عمن اشتري منه بعض الطحين والأرز لأطفالي المجوعين، وبدأت تقفز أمامي أرقام خيالية ممن تمكنوا من الحصول على المساعدات، وهم شبان تمكنوا من الوصول أولا للمساعدات وأخذوا منها كل ما يقدرون على حملة. لأعود أخيرا لأطفالي ومعي فقط كيلوغرامان من الطحين حصلت عليهما بصعوبة شديدة من أحدهم الذي باعني إياها طبعا بسعر مرتفع مستغلا حاجتي الشديدة. كان مشهد عشرات الآلاف الذين يلفهم الغبار والدخان وهم يعودون فارغي الأيدي من رحلة الموت مفجعا، وكثير ممن التقيتهم قال إنه يأتي يوميا ويعود بلا شيء، يحاول مرة تلو أخرى لعله يظفر بطعام لأسرته في نهاية كل نهار. هنا غزة غزة اليوم تغرق في دمائها، وأشلائها، وركام بيوتها، أما دوامة الأزمات فقد غمرت حتى أنفاسنا. أصبح التجويع هو الفاعل الأكبر، متقاطعا مع تدمير كل مقدرات الاقتصاد والزراعة، ليجد الفلسطيني نفسه في مواجهة غلاء فاحش، يقوده تجار كبار ينسقون مع الاحتلال لقاء رشاوى بملايين الشواكل، لجلب بضائع تُباع بأسعار خيالية أمام حركة شرائية منهارة. وزاد من فداحة المشهد احتكار الصرافين السيولة النقدية وتحويلها لمشروع ربوي قاتل. كل ذلك يحدث وسط تدمير منهجي لكل أدوات الصمود: من مطابخ توزيع الطعام، والمبادرين الشرفاء، إلى محطات توزيع المياه، وصولا لاختفاء الوقود والحطب، حتى صار الأطفال والنساء يبحثون في القمامة والشوارع عن قطع بلاستيك والنايلون لإشعالها للطهي، وحتى هذه أضحت سلعة غالية الثمن.