logo
إزدواجية الدولة وإرباك الردّ: لبنان يُضيِّع فرصة التفاهم؟

إزدواجية الدولة وإرباك الردّ: لبنان يُضيِّع فرصة التفاهم؟

المركزية١٢-٠٧-٢٠٢٥
في ذروة التوتر الإقليمي، يقف لبنان مجددًا على حافة تحول سياسي–أمني مفصلي، عنوانه هذه المرة عرض أميركي مشروط لحزب الله، يقضي بتحوّله التدريجي من فاعل عسكري إلى طرف سياسي «منضبط» في النظام اللبناني. وللمفارقة، لا يأتي هذا العرض في سياق ضغوط مفتوحة أو تهديدات مباشرة، بل هجيناً بين التهديد وما يُسمى «المسار الديبلوماسي»، الذي أطلقه الموفد الرئاسي الأميركي توم بارّاك، في زيارة بدت على قدر عالٍ من التنسيق مع البيت الأبيض والبنتاغون، وحملت في طياتها ما يتجاوز مجرد الرغبة في تسوية أمنية موقتة ومرحلية بين لبنان وإسرائيل.
لكن خلف عبارات التهدئة، تنكشف نوايا أكثر عمقاً: مشروع إعادة هيكلة للمشهد اللبناني، أمنياً وسياسياً، تبدأ من الجنوب ولا تنتهي عند حدود الطائف. فالأميركيون، وفق ما نقلته مصادر مطّلعة، يعتبرون أن ترسانة حزب الله لم تعد عنصراً «ردعياً» بقدر ما باتت تهديداً دائماً لأي صيغة استقرار في الإقليم، خصوصاً بعدما دخلت غزة في لعبة المساومات، وبدأت سوريا خطوات تفاوض مباشرة مع إسرائيل.
ما يطرحه الموفد الرئاسي الاميركي توم برّاك يبدو للوهلة الأولى أقرب إلى التسوية: ضمان أمن إسرائيل مقابل تحوّل حزب الله لاعباً سياسياً مشروعاً. لكن جوهر المبادرة أميركياً لا ينفصل عن هدف استراتيجي أبعد: تفكيك البيئة العسكرية للحزب تدريجياً، بدءاً من مناطق القرار 1701، مروراً بالشرق، وصولاً إلى الشمال، في إطار ما يشبه خريطة طريق لاحتكار الدولة اللبنانية السلاح، ولو بعد حين.
في المقابل، يبدو الرد اللبناني الرسمي على هذا العرض مرتبكاً ومتشظياً، انعكاساً لانقسام أعمق في الرؤية: رئيس مجلس النواب نبيه بري قدّم ملاحظات تتماهى مع موقف حزب الله، من خارج الرد الرسمي، مما أظهر أن لا مقاربة موحّدة في السلطة اللبنانية. وأكثر من ذلك، فإن ازدواجية الخطاب بين المؤسسات تُفقد الدولة صدقيتها في المحافل الدولية، وتفتح الباب أمام شكوك جدية في قدرتها على إدارة هذا النوع من المفاوضات الدقيقة.
من جهة حزب الله، لا جديد يُذكر في العناوين: لا حوار حول السلاح قبل وقف العدوان، وإعادة الإعمار، وإطلاق الأسرى، وانسحاب إسرائيل من الأراضي المحتلة. لكن بين السطور، يُقرأ موقف الحزب مناورة مدروسة للربح بالوقت، على أمل أن تتغيّر المعادلات مجدداً، كما حصل في مراحل سابقة. غير أن هذا التعويل على الوقت يبدو مهدداً هذه المرة، مع تحوّلات عميقة في المشهد الإقليمي، من التقارب التركي–الإسرائيلي، إلى تبدلات موقف بعض الدول العربية من أولويات القضية الفلسطينية.
المفارقة أن الحزب، الذي طالما قدّم نفسه مدافعاً عن السيادة، يجد نفسه راهناً أمام معادلة تفرض عليه، للمرة الأولى منذ سنة 2006، التفكير في أثمان بقائه خارج الإجماع الداخلي، خصوصاً إذا تحوّلت المبادرة الأميركية إلى ضغط دولي منسّق مدعوم من الأوروبيين والعرب. فالعشرون يوماً (حتى نهاية تموز) التي حدّدها بارّاك للرد ليست مجرد مهلة إدارية، بل هي – عملياً – اختبار لقدرة لبنان على اتخاذ قرار سيادي جامع، يعيد تعريف مفهوم الدولة وحدود الشرعية.
في هذا السياق، تعود إلى الواجهة فكرة تفعيل «لجنة مراقبة وقف إطلاق النار»، التي صارت آلية غير فعَّالة باعتراف برّاك نفسه، لكنّها قد تتحوّل إلى مدخل لتسوية جديدة إذا ترافقت مع ضمانات أمنية حقيقية، ترفع عن لبنان كلفة الاشتباك الدائم. غير أن هذه المقاربة، التي تقوم على التوازي بين الضمانات والنزع التدريجي للسلاح، لا تزال تصطدم بشكوك متبادلة: فلبنان لا يثق بنيّة واشنطن الحقيقية في ردع إسرائيل، والولايات المتحدة لا ترى التزاماً لبنانياً جدياً بإصلاح المشهد الأمني الداخلي.
في المحصلة، يواجه لبنان تحدياً غير مسبوق ولحظة فاصلة تتقاطع فيها التحوّلات الإقليمية والضغوط الدولية مع الانقسام الداخلي المزمن. يبقى عليه إما أن يستثمر اللحظة الدولية ويبلور موقفاً سيادياً موحّداً يعيد ترتيب أولوياته، أو يستمر كمنصة مشاع تتقاطع فيها المصالح الإقليمية والدولية. هي ليست أزمة سلاح فقط، بل أزمة خيارات وهوية، تتجاوز الجنوب وحدوده، إلى جوهر العقد الوطني نفسه.
Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

أول تعليق من "إسرائيل" بعد انسحاب أميركا من "اليونسكو"
أول تعليق من "إسرائيل" بعد انسحاب أميركا من "اليونسكو"

الديار

timeمنذ 5 دقائق

  • الديار

أول تعليق من "إسرائيل" بعد انسحاب أميركا من "اليونسكو"

اشترك مجانا بقناة الديار على يوتيوب رحب وزير الخارجية "الإسرائيلي"، جدعون ساعر، اليوم الثلاثاء، بقرار الولايات المتحدة الانسحاب من منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة "اليونسكو"، معتبرا أن المنظمة تتبنى مواقف "معادية لإسرائيل". وقال مسؤول في البيت الأبيض إن الانسحاب جاء بسبب "تحيزات" المنظمة ضد "إسرائيل" والولايات المتحدة، وفقا لوسائل إعلام إسرائيلية. وأوضح المسؤول الأميركي أن "اليونسكو" استخدمت مجلسها التنفيذي لاتخاذ قرارات وصفت بـ"المعادية للسامية"، مثل تصنيف مواقع يهودية مقدسة كـ"مواقع تراث عالمي فلسطيني"، إضافة إلى استخدام مصطلح "فلسطين محتلة من قبل إسرائيل" وإدانة الحرب الإسرائيلية ضد حركة حماس. من جانبه، وصف ساعر القرار الأميركي بأنه "خطوة ضرورية" لتعزيز العدالة وضمان معاملة عادلة "لإسرائيل" ضمن منظومة الأمم المتحدة. واتهم ساعر "اليونسكو" بـ"التسييس" وانتهاك حقوق "إسرائيل" بشكل متكرر، مؤكدا الحاجة إلى وضع حد لما وصفه بـ"عزلة إسرائيل" في المنظمات الدولية. وأعرب ساعر عن شكره للولايات المتحدة على دعمها، مشيرا إلى أن الأمم المتحدة تعاني من "تمييز" ضد "إسرائيل"، وداعيًا إلى إصلاحات جذرية لضمان استمرار أهمية المنظمة الدولية. يذكر أن إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب أعلنت، في وقت سابق اليوم، انسحاب الولايات المتحدة من منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة "اليونسكو"، مبررة القرار بما وصفته بأنه تحيز ضد "إسرائيل"، وتبنيها أجندات اجتماعية مثيرة للانقسام.

قاسم للدول العربية والاسلامية: لا تقفوا متفرجين على الإبادة الجماعية ‏والتجويع والقتل في غزة
قاسم للدول العربية والاسلامية: لا تقفوا متفرجين على الإبادة الجماعية ‏والتجويع والقتل في غزة

المردة

timeمنذ 9 دقائق

  • المردة

قاسم للدول العربية والاسلامية: لا تقفوا متفرجين على الإبادة الجماعية ‏والتجويع والقتل في غزة

اعتبر الأمين العام ل'حزب الله' الشيخ نعيم قاسم في بيان، ان 'ما يتعرض له الشعب الفلسطيني المظلوم في قطاع غزة من عدوان أميركي – إسرائيلي وإيغال في التَّوحش والإبادة الجماعية ‏والتجويع والقتل، تجاوزَ كلَّ المعايير ‏الإنسانية والأخلاقية'. وقال: 'إنّ الصمتَ العالمي يُشكّل إدانة للأنظمة والمسؤولين، ويُعطّل ما يُسمى ‏القانون الدولي. فليس كافيًا أن تدعو 25 دولة إلى إيقاف ‏الحرب ضد غزة، فهذا الكلام لا يُعطي براءة من شهادتهم على ما ‏يجري، ولا الدعم الذي أعطته بعض الدول الكبرى منذ بداية ‏العدوان. إن المواقف والإدانات لا تُبرّئ مُطلقيها، فالمطلوب أن تتحول المواقف إلى إجراءاتٌ فعلية توقف تلك المذابح والجرائم، عبر فرض العقوبات على ‏الكيان الإسرائيلي، وعزله، ومحاكمته، وإيقاف كل أشكال التعامل معه'. اضاف: 'تقع المسؤولية الأكبر على عاتق الدول العربية والإسلامية، حكّامًا ‏وشعوبًا، فلتختاروا المواقف التي تريدونها، بالسقف الذي ‏يناسبكم، ولكن لا تقفوا متفرجين. أوقفوا التطبيع، أغلقوا ‏سفارات العدو، امنعوا التبادل التجاري، اجتمعوا لدعم ‏فلسطين وغزة ولو بالحد الأدنى من الإمكانات الحياتية، فعندما تراكُم أميركا يدًا واحدة وصوتًا واحدًا مع الشعب الفلسطيني سترضخ ‏وستتراجع'. وختم: 'سيسجّل التاريخ هذا العار على قادة البشرية وأنظمتها في زمن ‏التجويع الحاقد وقتل المجوَّعين بالجملة، وسيطال ظلم أميركا ‏وإسرائيل أولئك الساكتين عن نصرة المظلومين. واعلموا: 'إنَّه ‏لا يُفلح الظالمون'، وإن ما تبالغ به إسرائيل من توحش وغطرسة سيكون سبب سقوطها ‏المريع، إن شاء الله تعالى'.

ترامب: زيارة محتملة إلى الصين ولقاء مع بوتين "قيد البحث"
ترامب: زيارة محتملة إلى الصين ولقاء مع بوتين "قيد البحث"

صدى البلد

timeمنذ 38 دقائق

  • صدى البلد

ترامب: زيارة محتملة إلى الصين ولقاء مع بوتين "قيد البحث"

كشف الرئيس الأميركي دونالد ترامب، يوم الثلاثاء، عن تلقيه دعوة من نظيره الصيني شي جين بينغ لزيارة بكين، مشيرا إلى أن الزيارة قد تتم "في المستقبل غير البعيد"، دون تأكيد مشاركته في فعالية ذكرى انتهاء الحرب العالمية الثانية المقررة في سبتمبر المقبل، والتي سيحضرها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين. وخلال لقائه بالرئيس الفلبيني فرديناند ماركوس الابن في البيت الأبيض، قال ترامب للصحافيين: "الرئيس شي دعاني إلى الصين، ومن المرجح أن نقوم بذلك. إنها ليست زيارة وشيكة جدا، لكنها أيضاً ليست بعيدة"، مضيفا أن القرار بشأن توقيت الرحلة سيتخذ قريباً. وردا على سؤال حول احتمال لقائه ببوتين خلال الزيارة، أوضح ترامب أن "هناك العديد من الاجتماعات المحتملة". وكان ترامب وشي قد تبادلا دعوات الزيارة في وقت سابق من هذا العام خلال مكالمة هاتفية، فيما تشير تقارير إلى أن هناك مناسبتين محتملتين للزيارة: الأولى في 3 سبتمبر خلال إحياء الذكرى الـ80 لنهاية الحرب العالمية الثانية، والثانية خلال قمة منتدى التعاون الاقتصادي لدول آسيا والمحيط الهادئ (APEC) التي تستضيفها كوريا الجنوبية في أكتوبر. من جهته، لم يستبعد الكرملين عقد لقاء بين بوتين وترامب في حال تزامنت زيارتهما إلى بكين. وقال المتحدث باسم الكرملين دميتري بيسكوف، إن بوتين يعتزم حضور فعاليات الذكرى، لكنه أشار إلى أن موسكو لم تتلق تأكيداً بشأن مشاركة ترامب. وأضاف: "إذا قرر ترامب الحضور، فلا نستبعد إمكانية بحث عقد اجتماع معه". وكانت صحيفة "التايمز" قد نقلت الأسبوع الماضي عن مصادر أن بكين تجهز لعقد قمة تجمع بين ترامب وبوتين. وأكدت مصادر مطلعة أن الزعيمين تواصلا عدة مرات منذ عودة ترامب إلى البيت الأبيض في يناير، فيما رحب الكرملين بعقد لقاء مباشر شريطة الإعداد الجيد لضمان نتائج ملموسة. يذكر أن ترامب عبر مؤخراً عن خيبة أمله من بوتين بسبب "عدم التقدم" نحو تسوية النزاع في أوكرانيا، قائلاً: "نتعرض لكثير من الهراء من بوتين"، وهدد بفرض عقوبات جديدة على روسيا والدول التي تستورد منها إذا لم يتم التوصل إلى اتفاق سلام خلال 50 يوماً — وهي مهلة تنتهي مع حلول سبتمبر، بالتزامن مع الفعالية في بكين. وفي سياق متصل، أعرب ترامب عن دعمه لتعزيز العلاقات الفلبينية مع كل من الولايات المتحدة والصين، قائلاً: "لا أمانع إن كانت علاقاتهم جيدة مع الصين".

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

هل أنت مستعد للنغماس في عالم من الحتوى العالي حمل تطبيق دايلي8 اليوم من متجر ذو النكهة الحلية؟ ّ التطبيقات الفضل لديك وابدأ الستكشاف.
app-storeplay-store