
الشفافية تعريفها وتطورها التاريخي وأهدافها
في اللغة العربية تعني الشفافية القابلية على الإظهار والكشف، ويُقال عن شخص إنه "شفاف" إذا عبّر بصدق ووضوح عما في داخله، ويُستخدم التعبير أيضا لوصف الحديث الصريح الخالي من الغموض، وذلك وفق معجم المعاني.
أما على الصعيد المؤسسي، فتعرفها منظمة الشفافية الدولية بأنها صفة تميز الحكومات والشركات والمنظمات والأفراد، تقوم على مبدأ الانفتاح والإفصاح عن المعلومات، بما يشمل القواعد والخطط والإجراءات وآليات العمل.
ويؤكد مكتب الأمم المتحدة المعني بمكافحة الجريمة أن ثمة إجماعا على أن الشفافية تعني إتاحة المعلومات المتعلقة بعملية صنع القرار للجمهور، وهو ما يعزز الرقابة المجتمعية والحد من مظاهر الفساد.
أما من منظور تاريخي، فتوضح الموسوعة البريطانية أن مفهوم الشفافية -وإن كان يُتداول في سياقات سياسية ترتبط بالمساءلة والانفتاح والاستجابة- فإنه نشأ في الأصل داخل الأوساط المالية، وكان يشير إلى التزام الشركات بالإفصاح الدقيق والواضح عن أنشطتها أمام المساهمين والجهات الرقابية والرأي العام.
التطور التاريخي لمفهوم الشفافية
يعود تاريخ ظهور مفهوم الشفافية إلى قرون، وظهرت بوادره الأولى في القرن الـ19 ضمن أطروحات طالبت بعلنية أعمال الدولة وإخضاع سلطاتها للمساءلة. وكان كل من الفيلسوف السويسري الفرنسي جان جاك روسو والبريطاني جيريمي بنثام من أبرز المفكرين الذين مهدوا لهذا المفهوم في كتاباتهم.
كما ظهر المفهوم بقوة في النقاشات الفكرية حول ما يُعرف بـ"سوق الأفكار"، وهي نظرية تؤكد أن الأفكار يجب أن تتداول بحرية داخل المجتمع كما تُعرض السلع في الأسواق، وأن التنافس بين الآراء يؤدي في النهاية إلى انتصار الحقيقة. وتُفهم الشفافية في هذا السياق بأنها أداة تُعزز كفاءة القرار السياسي وتخدم المصلحة العامة.
وتُشير بعض الدراسات إلى أن بنثام كان من أوائل من استخدم مصطلح "الشفافية" بصيغته الحديثة المرتبطة بالحوكمة، والتي تعني إدارة المؤسسات بطريقة تضمن الشفافية والمساءلة والكفاءة والعدالة.
واعتبر بنثام أن الشفافية تمثل وسيلة رادعة للانحراف عن السلطة، مشددا على ضرورة أن يتحمل المسؤولون كلفة واضحة لأي تجاوز أو انتهاك يرتكبونه، وأن يكون الجمهور هو الجهة التي تُقيّم تلك المخالفات.
ورأى أيضا أن الرقابة على أداء المسؤولين لا تتطلب أجهزة ضخمة، بل يمكن لمجالس صغيرة من المواطنين أو الممثلين المنتخبين أن تؤدي هذا الدور بفعالية.
أدى صعود الثورة الصناعية وتنامي نفوذ الشركات الكبرى إلى بروز تحديات جديدة أمام مبدأ الشفافية، فكانت بعض الأنشطة التجارية تُمارس في بيئة تفتقر إلى الرقابة العامة. وقد شهدت أواخر القرن الـ19 سن أول قوانين مكافحة الاحتكار، التي هدفت إلى كبح هيمنة الشركات الكبرى ومنعها من العمل في الخفاء، بما يضمن منافسة عادلة وشفافة في السوق.
وشهدت الولايات المتحدة محطة مفصلية في هذا المسار مع صدور قانون حرية المعلومات عام 1966، والذي منح المواطنين ضمانات محدودة للوصول إلى الوثائق الحكومية. وقد ألهم هذا النموذج عددا من الدول التي اعتمدت قوانين مشابهة ووسّعت نطاقها لاحقا.
أما في تسعينيات القرن الـ20، فقد أسهمت الأدبيات المتعلقة بالحوكمة في تعزيز استخدام مصطلح الشفافية في الخطابات السياسية والإدارية. وقد غيرت هذه الدراسات الفهم التقليدي لدور الدولة، فلم تعد تُرى فاعلا مركزيا يحتكر تقديم الخدمات، بل منسقا أو منظما يسهم في بناء الحلول.
وقد أحدث ظهور الإنترنت تحولا جذريا في مفهوم الشفافية، إذ مكّن الأفراد من الوصول الفوري إلى المعلومات. مما رفع سقف التوقعات حول الشفافية والحق في المعرفة.
بيد أن هذا الانفتاح صاحبته مخاوف بشأن الخصوصية، وفرض تحديات جديدة تتعلق بالتوازن بين الحق في المعرفة من جهة وحق الأفراد في السرية وحماية بياناتهم الشخصية من جهة أخرى.
أهداف ومبادئ الشفافية
الشفافية عنصر أساسي في تحقيق مجموعة من الأهداف السياسية، من بينها مكافحة الفساد وضمان التمويل العادل للحملات الانتخابية وتعزيز الديمقراطية داخل المؤسسات السياسية والحد من الصراعات الدولية.
أما في مجال الأعمال، فتُطرح الشفافية وسيلة للحد من الاحتيال المؤسسي ومنع تسلل الجريمة المنظمة أو التدخلات ذات الطابع السياسي، إضافة إلى تقليل مخاطر الأزمات المالية.
وتهدف الشفافية إلى أن تكون وسيلة لردع الممارسات الفاسدة، فعندما تكون جميع جوانب عملية اتخاذ القرار مرئية للعامة، يقل احتمال مرور الأنشطة غير المشروعة دون ملاحظة.
كما تسعى الشفافية إلى تعزيز الشمولية عبر إتاحة المعلومات للجميع، فتضمن أخذ تنوع وجهات النظر بعين الاعتبار، مما يؤدي إلى قرارات أكثر توازنا وعدالة.
وتتحسن جودة القرارات نتيجة خضوع العملية لمراجعة أوسع ونقد بناء، بفضل مشاركة عدد أكبر من الأطراف في الاطلاع عليها وتقييمها.
كما تبني الشفافية الثقة العامة، فعندما يفهم الناس كيفية اتخاذ القرارات، يكونون أكثر استعدادا للثقة بالمؤسسات التي تصدرها، سواء كانت في القطاع العام أو الخاص.
وتتيح الشفافية لأصحاب المصلحة محاسبة صانعي القرار على أفعالهم، مما يضمن التزامهم بالمعايير الأخلاقية وخدمة الصالح العام.
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


الجزيرة
منذ 37 دقائق
- الجزيرة
ترحيب قطري برفع العقوبات عن سوريا
رحّب وزير الدولة بوزارة الخارجية القطرية محمد بن عبد العزيز الخليفي بقرار واشنطن رفع العقوبات عن سوريا، مشيرا إلى أن ذلك من شأنه إعادة سوريا لموقعها الطبيعي ويمهد لمرحلة من السلام والاستقرار طال انتظارها. وقال الخليفي في تغريدة له على منصة إكس"تفتح دمشق أبوابها من جديد على العالم، بعد سنوات من العزلة الدولية". وأضاف "نرحب بالأمر التنفيذي الصادر من فخامة الرئيس دونالد ترامب بإنهاء العقوبات في سوريا والذي يُشكّل نقطة تحول تاريخية، تُعيد لسوريا موقعها الطبيعي على خارطة الاقتصاد الدولي، وتُمهّد لمرحلة من السلام والاستقرار طال انتظارها". وكان الرئيس الأميركي أعلن رفع العقوبات عن سوريا من أجل "منحها فرصة"، وفق تعبيره. كما قال وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو إن الولايات المتحدة تتخذ المزيد من الإجراءات لدعم سوريا مستقرة وموحدة. وكان البيت الأبيض قال إن الرئيس ترامب وقّع أمرا تنفيذيا ينهي العقوبات على سوريا، من أجل دعم مسار البلاد نحو الاستقرار والسلام. بشار الأسد وشركائه.


الجزيرة
منذ ساعة واحدة
- الجزيرة
وسائل إعلام إيرانية تتحدث عن "سيناريو الحرب الثانية"
تناولت بعض الصحف ووسائل الإعلام الإيرانية ومواقع التواصل إمكانية عودة الحرب مجددا، ودعت إلى ضرورة الوحدة الوطنية في إحباط أي هجوم عسكري آخر على إيران. ووفقا لتقرير أعده مراسل الجزيرة في طهران نور الدين الدغير، فقد عنونت صحيفة "شرق" الإصلاحية افتتاحيتها بـ"سيناريو الحرب الثانية"، حيث تحدثت عن إمكانية اندلاع الحرب مجددا، وشددت على أهمية الوحدة الوطنية في إحباط أي هجوم جديد. وعلى منصة "إكس"، تساءل الناشط محمد يار أحمد عن إمكانية تجدد الحرب، في حين استبعد ناشط آخر قيام حرب جديدة بين إيران و إسرائيل في المنظور القريب. وكان موضوع إمكانية تجدد الحرب حاضرا على شاشة التلفزيون الرسمي الإيراني أيضا، حيث قال الأستاذ بجامعة طهران إبراهيم متقي في حوار إن الولايات المتحدة وإسرائيل ستشنان حربا جديدة على البلاد خلال أسبوع. كما استضاف التلفزيون الرسمي علي لاريجاني مستشار المرشد الإيراني، والذي تحدث عن لحظات استهداف جلسة للمجلس الأعلى للأمن القومي واستهداف المرشد علي خامنئي ، مؤكدا على أن المفاوضات كانت خدعة أميركية لشن الحرب.


الجزيرة
منذ ساعة واحدة
- الجزيرة
هل ينأى ترامب بنفسه عن فرض "وصفة" أميركية لإعادة بناء سوريا؟
واشنطن- مثّل توقيع الرئيس دونالد ترامب على أوامر تنفيذية لإنهاء العقوبات المفروضة على سوريا خطوة تاريخية في سجل علاقة واشنطن ودمشق المضطربة منذ ما يقارب نصف قرن. وفي الوقت ذاته، عكست بيانات وزارة الخارجية والبيت الأبيض المتعلقة بقرار الرئيس وإنهاء حالة الطوارئ الوطنية بشأن سوريا ابتداء من بداية الشهر الحالي رؤية ترامب للعلاقات الجديدة التي تجمع بلاده بسوريا كدولة مستقرة وموحدة تعيش سلاما داخليا مع جيرانها. وأبرز كبار مسؤولي الإدارة الأميركية رؤية ترامب الرافضة لنهج المحافظين الجدد في الجمهوريين "والذي فشل في بناء الأمم" كما أكدت فترات التدخل الأميركي في العراق و أفغانستان ، قاصدا بهذا التعبير التدخل إلى درجة الاحتلال من أجل تغيير النظام، ومحاولة إحلال نظام بديل يتبع القيم الأميركية ويدور في فلك واشنطن. فرصة جديدة القرار التنفيذي الجديد أبقى في يد وزير الخارجية سلطة تقييم واتخاذ قرار التعليق الكامل المحتمل ل قانون قيصر ، ومراجعة تصنيف هيئة تحرير الشام كجماعة إرهابية، ووضعية الرئيس السوري المؤقت أحمد الشرع على قائمة الإرهابيين الدوليين. كما أبقى القرار على معضلة تصنيف سوريا دولة راعية للإرهاب، وهو تصنيف تفرضه واشنطن على عدد من الدول التي تراها "داعمة للإرهاب الدولي"، وبمقتضى ذلك يتم فرض عقوبات عليها. من جهتها، قالت آنيل شيلاين المسؤولة السابقة في وزارة الخارجية والخبيرة حاليا بمعهد كوينسي في واشنطن في حديث للجزيرة نت "إن العقوبات التي رفعها ترامب كانت تلك المفروضة على نظام الأسد، لذلك ليس من المستغرب أن تكون حكومة الولايات المتحدة على استعداد لإعادة النظر في هذه العقوبات الآن". وأضافت أن سوريا تحتفظ بتصنيفها منذ عام 1979 دولة راعية للإرهاب "على الرغم من أنه من الواضح أن الإدارة تدرس أيضا إلغاء هذا التصنيف"، حسب قولها. رؤية أميركية وفي إفادة صحفية عقب إعلان قرارات ترامب، قال توماس باراك السفير الأميركي لدى تركيا والمبعوث الخاص إلى سوريا والصديق المقرب للرئيس الأميركي "إنه ومنذ 6 أشهر لدينا رئيس ابتكر رؤية ووزير خارجية ينفذها بأسرع ما يمكن وجنرال انتقل من زمن الحرب إلى منصب زعيم لبلد جديد يعاد تشكيله، ويحتاج إلى كل شيء، لكن الرؤية والتنفيذ كانا محدودين بسبب العقوبات المفروضة". وأوضح باراك "لذلك قرر الرئيس ترامب بذكاء في 14 مايو/أيار بعد أن التقى الشرع في الرياض بالمملكة العربية السعودية إعطاء سوريا فرصة، وقال: أعطوا هؤلاء الرجال فرصة، يجب إعطاء سوريا فرصة، وهذا ما حدث". وأكد باراك على رفض ترامب وإدارته التدخل بالنهج السابق في العراق أو أفغانستان، ومحاولة فرض نموذج حكم لا يراعي خصوصية الدولتين. وقال "لكن هناك شيء واحد واضح: لا الرئيس ولا وزير الخارجية يتبنيان مبدأ بناء الأمة، إنهما لا يفرضان طرقا معينة، ولا يتصوران إطار النموذج الديمقراطي الذي يجب تنفيذه وفقا لبنيتهما أو رغبتهما". وبحسب المتحدث ذاته، فإن ترامب وأعضاء إدارته يقولون إنهم سيمنحون رئيس سوريا فرصة، وإن لديهم مجموعة من المعايير التي يريدون مراقبتها على طول الطريق. ويستطرد بالإشارة إلى مجموعة من هذه المعايير كاتفاقيات أبراهام، وآلية دمج المقاتلين الأجانب، وحماية الأشخاص الذين قاتلوا إلى جانب الأميركيين وقوات سوريا الديمقراطية ضد تنظيم الدولة الإسلامية ، وخطط حماية جميع الطوائف، بمن فيها العلويون والدروز والأكراد. من جانبه، قال السفير فريدريك هوف -وهو أول مبعوث أميركي لسوريا بعد الثورة السورية عام 2011 والخبير في المجلس الأطلسي والأستاذ بجامعة بارد- للجزيرة نت إن "قرارات الرئيس ترامب المتعلقة بسوريا جاءت لتكمل تعهده الذي أطلقه في مايو/أيار الماضي بإنهاء العقوبات المفروضة على الحكومة السورية الجديدة في نظام ما بعد الرئيس الأسد". وفي الإفادة الصحفية نفسها، قال وكيل وزارة الخزانة بالإنابة لشؤون الإرهاب والاستخبارات المالية براد سميث "إنه منذ أن اتخذ الرئيس ترامب قرارا تاريخيا بوقف جميع العقوبات على سوريا سرعان ما تحركت وزارة الخزانة إلى العمل وأصدرت بسرعة البرق ما نسميه الترخيص العام رقم 25". ويعني سميث بذلك الرخصة التي أقرتها الحكومة الأميركية جزئيا وبصورة مؤقتة قبل نهاية مايو/أيار الماضي لرفع العقوبات عن سوريا، إذ سمحت ببعض المعاملات المالية والتجارية مع سوريا كأول خطوة رئيسية نحو إزالة هيكل العقوبات المفروضة على البلاد "ومنذ ذلك الحين واصلنا العمل بسرعة من أجل اتخاذ إجراءات أكثر ديمومة لمعالجة الوضع في سوريا". وتحدث سميث كذلك عن أهمية ومحورية سوريا الجغرافية والتاريخية، وقال "على مر التاريخ كانت سوريا مركزا رئيسيا على طريق الحرير ومركزا للتجارة العالمية والتعددية الثقافية وريادة الأعمال". وأكد أن إجراءات اليوم ستنهي عزلة البلاد عن النظام المالي الدولي، وتمهد الطريق للتجارة العالمية وحشد الاستثمارات من جيرانها في المنطقة وكذلك من الولايات المتحدة، وقال "نحن في وزارة الخزانة فخورون بالقيام بدورنا في تنفيذ رؤية الرئيس ترامب لسوريا وتعزيز السلام والازدهار بالمنطقة". وكانت واشنطن قد بدأت التدخل العسكري المباشر في الشأن السوري في سبتمبر/أيلول 2014 بهدف معلن هو محاربة تنظيم الدولة من خلال قيادتها جهدا دوليا سمي عملية "العزم الصلب". وعلى مدى السنوات العشر التالية حافظت واشنطن على وجودها العسكري رغم إعلان الرئيس ترامب خلال فترة حكمه الأولى القضاء على التنظيم، ودعمت واشنطن الجيش السوري الحر وقوات سوريا الديمقراطية. ورغم توجيه ترامب أمرا بانسحاب القوات الأميركية التي كان قوامها 2500 جندي في سوريا قبل نهاية عام 2019 أعلنت القيادة الوسطى العسكرية أنه لا يوجد "تاريخ انتهاء" للتدخل الأميركي في سوريا، معلنة أنه بدلا من الانسحاب الكامل ستبقى قوة طوارئ قوامها نحو 400 جندي أميركي متمركزة في سوريا إلى أجل غير مسمى، وأن انسحابهم سيكون تدريجيا وقائما على المستجدات على الأرض. وعلى مدى السنوات الماضية كرر البنتاغون أن هناك نحو 900 من جنوده يعملون في سوريا، لكنه عاد بعد سقوط نظام الأسد ليؤكد وجود قرابة ألفي جندي أميركي في البلاد.