logo
معركة لبنان للخروج من القائمة الرماديّة

معركة لبنان للخروج من القائمة الرماديّة

MTV٠٣-٠٥-٢٠٢٥

يواجه لبنان اليوم تحديًا ماليًا كبيرًا يتمثل في إدراجه على القائمة الرمادية لمجموعة العمل المالي (FATF) بسبب النواقص في إطار مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب (AML/CTF). هذا التصنيف له تداعيات خطيرة، إذ يؤثر سلبًا على قدرة البلاد على جذب الاستثمارات الأجنبية، والحفاظ على مصداقيتها المالية، وتحقيق الاستقرار الاقتصادي.
مع سعي لبنان إلى تنفيذ إصلاحات مالية، سيكون لحاكم مصرف لبنان الجديد دور محوري في تطبيق التغييرات المطلوبة لمواءمة القوانين والمعايير مع التوجهات الدولية. ومن خلال الاستفادة من تجربة الفلبين الناجحة، يمكن للبنان اتخاذ خطوات عملية لتحسين الحوكمة المالية واستعادة ثقة المستثمرين. إلا أن عقبة رئيسية تعترض جهود لبنان للخروج من القائمة الرمادية تتمثل في تأثير جهات سياسية، التي ساهمت أنشطتها المالية في استمرار التدقيق التنظيمي الدولي على البلاد.
تداعيات إدراج لبنان على القائمة الرمادية في تشرين الأول 2024، تم إدراج لبنان رسميًا على القائمة الرمادية لمجموعة FATF، ما يشير إلى وجود نواقص استراتيجية في مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب. ويُخضع هذا التصنيف لبنان لمراقبة مشددة، ويتطلب منه إحراز تقدم كبير في الرقابة المالية حتى يتم شطبه.
تشمل التداعيات ما يلي:
تقليل تدفق الاستثمارات الأجنبية المباشرة وصعوبة جذب رؤوس الأموال.
تقييد الوصول إلى الشبكات المصرفية الدولية وارتفاع تكاليف المعاملات المالية.
تعقيد التعاملات مع المؤسسات المالية العالمية، مما يعيق تعافي الاقتصاد اللبناني.
وبالنسبة لدولة تعاني أصلًا من أزمة اقتصادية خانقة، فإن استمرار العزلة المالية سيزيد الوضع سوءًا.
دور حاكم مصرف لبنان الجديد في إصلاح النظام المالي يلعب الحاكم الجديد لمصرف لبنان دورًا أساسيًا في قيادة جهود الخروج من القائمة الرمادية، وتشمل مسؤولياته:
تنفيذ إصلاحات مالية يجب على مصرف لبنان تشديد الأنظمة المتعلقة بمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب وضمان امتثال المصارف للمعايير الدولية.
تعزيز الشفافية في العمليات المالية على لبنان تعزيز الرقابة على الملكية الفعلية للشركات وإزالة الكيانات الوهمية والأنشطة المالية غير المشروعة من نظامه المصرفي.
التنسيق مع الأجهزة الأمنية والهيئات الدولية يتعين على الحاكم التعاون مع الأجهزة الأمنية والجهات الرقابية الدولية والمؤسسات المالية لتعزيز المساءلة.
استعادة الثقة بالقطاع المصرفي إعادة الثقة بالمؤسسات المصرفية أمر أساسي لجذب الاستثمارات وتحقيق التعافي الاقتصادي.
قانون رفع السرية المصرفية: خطوة مفصلية نحو الشفافية في إطار الإصلاحات المالية، يُشكّل القانون الجديد الذي رفع السرية المصرفية عن الحسابات خطوة جوهرية في مسار التزام لبنان بمعايير مجموعة العمل المالي (FATF). فلطالما اعتُبرت السرية المصرفية من أبرز العوائق أمام التحقيقات المالية، حيث أعاقت جهود كشف مصادر الأموال غير المشروعة وتتبع تدفقات الأموال المشبوهة.
مع رفع السرية المصرفية، باتت السلطات القضائية والرقابية والهيئات المعنية بمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب قادرة على الوصول إلى المعلومات المصرفية عند الحاجة، ما يعزز الشفافية والرقابة داخل النظام المالي. هذا التعديل التشريعي يُعدّ خطوة محورية نحو تعزيز امتثال لبنان لتوصيات FATF، وخاصة التوصية 10 المتعلقة بـ "اعرف عميلك" والتوصيات المرتبطة بالإفصاح عن المستفيدين الفعليين.
ومن شأن هذا التطور أن:
يسهّل التحقيقات في قضايا الفساد وغسل الأموال.
يعزز ثقة المجتمع الدولي والمستثمرين بالنظام المصرفي اللبناني.
يساعد في تقليص الاعتماد على الشبكات المالية غير الرسمية.
لكن نجاح تطبيق القانون يبقى مرهونًا بمدى استقلالية القضاء وفعالية الأجهزة الرقابية في تنفيذ النصوص القانونية دون تدخلات سياسية.
مجالات التحسين في القوانين اللبنانية رغم إصدار القانون رقم 44 لعام 2015، إلا أن تقرير التقييم المتبادل لعام 2023 أظهر الحاجة إلى تحسينات في عدة مجالات:
جريمة غسل الأموال (التوصية 3) الوضع الحالي: امتثال جزئي المطلوب: تعديل القوانين لتتماشى مع معايير FATF.
جريمة تمويل الإرهاب (التوصية 5) الوضع الحالي: امتثال جزئي المطلوب: تجريم شامل لكل أشكال تمويل الإرهاب.
العقوبات المالية المستهدفة المتعلقة بالانتشار (التوصية 7) الوضع الحالي: امتثال كبير مع بعض النواقص المطلوب: تعزيز آليات تنفيذ العقوبات.
تنظيم الجمعيات غير الربحية (التوصية 8) الوضع الحالي: امتثال كبير مع بعض النواقص المطلوب: تعزيز الرقابة لمنع إساءة استخدام الجمعيات في تمويل الإرهاب.
التقنيات الجديدة (التوصية 15) الوضع الحالي: امتثال جزئي المطلوب: تنظيم الأصول الافتراضية ومقدمي خدمات العملات المشفرة.
المنظمات الإرهابية: العائق الأكبر أمام شطب لبنان لا يزال النظام المالي اللبناني تحت مجهر الرقابة الدولية، خاصة مع فشل الدولة في التعامل مع مخاطر تمويل الإرهاب المرتبطة بالمنظمات الإرهابية.
تأثير هذه المنظمات على وضع لبنان في FATF:
الرقابة الدولية: تعتبر الأنشطة المالية لتلك المنظمات تهديدًا بارزًا، ما يبقى لبنان تحت المراقبة المستمرة.
المعاملات المالية غير الشفافة: تستخدم هذه المنظمات شبكات غير رسمية خارجة عن رقابة الدولة.
العرقلة السياسية: نفوذ هذه المنظمات يعطل تمرير الإصلاحات المالية المطلوبة.
دراسة حالة: تجربة الفلبين في الخروج من القائمة الرمادية في حزيران 2021، أُدرجت الفلبين على القائمة الرمادية بسبب ضعف أنظمتها. لكن عبر:
سن قوانين جديدة لمكافحة غسل الأموال.
تعزيز جهود إنفاذ القانون.
تحسين الشفافية في الملكية المالية.
تم شطبها في شباط 2025 بعد إحراز تقدم ملحوظ، ويمكن للبنان اعتماد نهج مشابه.
ما هو المطلوب من لبنان الآن؟ على لبنان إعطاء الأولوية للشفافية، وتطبيق القوانين بحزم، وإبعاد السياسة عن الإصلاحات المالية. ومع وجود حاكم جديد للمصرف المركزي، هناك فرصة نادرة لإعادة الثقة وإصلاح القطاع المصرفي. لكن النجاح مشروط بتجاوز العوائق السياسية.
الأشهر المقبلة ستكون حاسمة لمستقبل لبنان المالي. فإما تنفيذ إصلاحات جذرية، أو مواجهة عزلة مالية أعمق وانهيار اقتصادي متسارع.

Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

ارتدادات رفع العقوبات عن سوريا... ما مصير لبنان والليرة؟
ارتدادات رفع العقوبات عن سوريا... ما مصير لبنان والليرة؟

المدن

timeمنذ 16 ساعات

  • المدن

ارتدادات رفع العقوبات عن سوريا... ما مصير لبنان والليرة؟

لم يكن قرار رفع العقوبات الأساسيّة عن سوريا حدثًا منفصلًا عن سياقٍ إقليميٍّ أشمل، بل تجلّى كاختبارٍ حاسمٍ للهندسة السّياسيّة والاقتصاديّة الجديدة في المشرق العربيّ. فبعد إعلان الرئيسِ الأميركيّ دونالد ترامب رفع العقوبات عن دمشق، وبدءِ الاتّحادِ الأوروبيّ خطّةً موازيةً لتليين قيوده الماليّة والتجاريّة، بات يُنظَر إلى سوريا بوصفها مقبلةً على "تعويم" دوليّ يفتح لها أبواب التمويل والاستثمار جزئيًّا. لبنان، بِحُكمِ موقعِه وتشابُك بنيته الماليّة مع جارته، يقف اليوم على مفترقٍ دقيق: إمّا أن يلتقطَ الفرصة فيحوِّل الانفراج السّوريّ إلى رافعةٍ لاقتصاده المنهار، وإمّا أن ينساق إلى مزيدٍ من العُزلة إذا بقي أسير شلّل مؤسّساته وانقساماته. فور صدور القرار، ارتفعت التوقّعات بتدفّق رساميل خليجيّةٍ وأوروبيّةٍ إلى قطاعات الطاقة والزراعة والإسكان، وتعزّز التفاؤل بإمكان تثبيت سعر الصرف بعد سنواتٍ من التدهور القياسيّ للّيرة. لكنّ ما يغيب عن كثيرٍ من العناوين الإعلاميّة هو أنّ هذه الانفراجةَ ستظلّ انتقائيّةً ومشروطة، ولن تتحوّل تلقائيًّا إلى استعادةٍ شاملةٍ للعافية الاقتصاديّة السّوريّة. فالأزمة العميقة في البُنى الإنتاجيّة، وضعفُ شبكة الحماية الاجتماعيّة، وحجم الدمار الذي أصاب البُنى التحتيّة – كلّها تحدّياتٌ ستستنزف عشرات المليارات قبل أن تتيح دورة نموٍّ مستدامة. غير أنّ هذه "المرحلةَ الانتقاليّة" نفسها توفّر للبنان فرصةً تاريخيّةً للخروج من أزمته المتفاقمة إن امتلك الإرادة والمؤسّسات القادرة على التقاط اللحظة بدل تركها تتبخّر كما حصلَ في فرصٍ كثيرةٍ سابقة. ارتدادات رفع العقوبات مالياً على الصعيد الماليّ، يمتلك لبنان تاريخًا طويلًا من التشابك مع المنظومة النقديّةِ السّوريّة. فمنذ دخول المصارف اللبنانيّة سوق دمشق عام 2004، استُخدمت بيروت منصّةً للتسوّق بالدولار والتغطية على العمليات التجاريّة الملتوية الّتي فرضتها قوائم العقوبات الدوليّة. ولمّا اشتدّت قبضة "قانون قيصر"، تحوّلت شبكات الصرّافين الحدوديّين إلى "مصرفٍ مركزيٍّ موازٍ" يموّل اقتصادي البلدين بالنقد الورقيّ ويعيد تدوير ما تبقّى من احتياطاتٍ شحيحةٍ لدى مصرف لبنان. اليوم ينزع قرار رفع العقوبات هذا القناع، ويخرج التعاملات من الأقبية الرماديّة إلى العلن: سيعاد وصل المصارف السّوريّة بالمراسلين العالميّين تدريجيًّا، وسيتاح للمصارف اللبنانيّة – رغم أزماتها البنيويّة – أن تُفعِّل أصولًا تقارب قيمتها مليار دولار داخل سوريا. لكنّ الاستفادة الفعليّة رهنٌ بقدرتها على استعادة الثقة العالميّة والخروج من دوّامة خسائرٍ تتجاوز 70 مليار دولار في ميزانيّاتها. تجربة السنوات الفائتة دلّت على أنّ شُحّ الدولار في سوريا يعزّز الطلب عليه في السّوق الموازية في بيروت، رافعًا السعر على اللبنانيّين، فخلال سنوات الحصار اعتمد التجّار السوريّون على السوق اللبنانيّة لتأمين العملة الصعبة، ما زاد الطلب ووسّع تقلّبات سعر الصرف.. رفع العقوبات يفترض – نظريًّا – عكسَ هذه المعادلة: دخول تحويلاتٍ ومنح خارجيّةٍ إلى دمشق سيُضعف ضغط الشراء على الدولار في لبنان؛ غير أنّ هذا الأثر يبقى مشروطًا بتعافي الثقة في القطاعِ المصرفيّ اللبنانيّ وقدرته على اجتذاب الفوائض. وهنا تكمن المفارقة: لبنان نفسه موضوعٌ على "القائمة الرماديّة" لمجموعة FATF منذ تشرين الأوّل 2024، ما يُقلِّص قابليّته لالتقاط تلك التدفّقات إذا استمرّت ثغرات غسل الأموال وتمويل الإرهاب. لكن، من جهةٍ ثانية، سيغري فارق السعر بين الليرتَين شبكات المضاربة بإحياء ممرّات القطع غير الشرعيّة، الأمر الذي يُربك جهود مصرف لبنان في تثبيت سعر صرفٍ هشٍّ أصلًا. ويصبح التنسيق بين حاكمي المصرفَين المركزيَّين ضروريًّا لضبطِ "كلفة الفرصة": تنويع مُدخلات الدولار، وتوحيد آليّات التحقّق من مصدر الأموال، وغيرها. ملفُّ اللاجئين: عودةٌ مشروطةٌ بخطةٍ واضحة قضيّة اللجوء السّوريّ في لبنان تَظهَر بدورها كلاعبٍ خفيٍّ في ميزان المكاسب والخسائر. فمنذ 2012، يستقبل لبنان نحو المليون و700 ألف لاجئ، ما شكّل – وبعيدًا عن الخطابات الشعبويّة والمبالغات – ضغطًا اجتماعيًّا وبنيويًّا على خدماته العامّة الهشّة ونظامه التربويّ والصحّيّ. رفع العقوبات، إذا اقترن بانتعاشٍ اقتصاديٍّ حقيقيٍّ في الداخل السّوريّ، قد يفتح كوّةً في جدار العودة الطوعيّة، ويعيد توزيع اليد العاملة بين البلدين. لكن، حتى تتحوّل هذه الكوّة إلى ممرٍّ عريضٍ، ينبغي إقرار برنامج حوافز لبنانيٍّ – سوريٍّ – أمميٍّ يربط العودة بمشاريع إعادة الإعمار في مناطق المنشأ، ويوفّر للاجئين الضمانات الأمنيّة والخدماتيّة والعقديّة الّتي تقيهم من دورة لجوء أو نزوح جديدة. هو مسارٌ طويلٌ ومعقّد، لن يكفيه رفع العقوبات ما لم يرفق بإصلاحٍ سياسيٍّ داخل سوريا، وبسياسةٍ لبنانيّةٍ جديّةٍ تُغرِّب ملفّ اللجوء السّوريّ عن المزايدات الداخليّة والسّياسات الغير إنسانيّة. اقتصادُ التهريب: بين الانكماش والتحوّل اقتصادُ التهريب، الذي ازدهر تحت مظلّة الحصار، ودفع بلبنان كما جارته سوريا لأن يُصبح دولةً مارقة، هو الآخر أمام مفترق. خلالَ أعوامِ التضييق، قُدِّر حجم الموادّ المُهرَّبة من لبنان إلى سوريا – محروقات، قمح، دواء – بأكثرَ من 1.5 مليار دولار سنويًّا، أي ما يوازي ثلاثة أرباع احتياط دعم السلع الأساسيّة الذي استنزفه مصرف لبنان. رُفع الدعم من دون إقفال المعابر غير الشرعيّة، فانتقل النزيف من الخزينة إلى جيوب المواطنين مباشرةً. اليوم، إذا لم يرفَق رفع العقوبات بضبطٍ ميدانيٍّ صارم، فقد تنشأُ دورة تهريب عكسيّة: سلعٌ مدعومةٌ سوريًّا تغرق الأسواق اللّبنانيّة بأسعارٍ تفاضليّة، أو دولاراتٌ آتيةٌ عبر قنواتٍ غامضة تسوَّق في صرّافات البقاع والشمال بأسعارٍ تفوق السوق الموازية. من دون حوكمةٍ ورقابةٍ جمركيّةٍ جديّةٍ ستتداخل التجارة الشرعيّة بالاقتصادِ الأسود. الفرصُ التجاريّة واللوجستيّة أمام لبنان على الرغم من أزماته الداخليّة، نجح لبنان في تصدير ما يزيد على 126 مليون دولار إلى سوريا في عام 2023، معظمها منتجات زراعيّة وسيارات، وهو رقمٌ قابلٌ لأن يتضاعف فور تسهيل التحويلات المصرفيّة وتعزيز سلاسل التوريد الزراعيّة والغذائيّة الّتي يتمتع فيها بميزة نسبيّة. يُضاف إلى ذلك أنّ مرفأ طرابلس، الذي لا يبعد سوى نحو 35 كلم عن الحدود السّوريّة، يوفر أقرب منفذ بحريّ لأسواق الداخل السّوريّ ويخفض كلفة الشحن مقارنةً بالموانئ المتوسطيّة الأخرى. وقد أدّى إعلان واشنطن عن تخفيف العقوبات هذا الشهر إلى قفزةٍ لليرة السّوريّة، وهذا التحوّل النقديُّ الجاري في دمشق قد يفرز فائض تحويلاتٍ بالعملات الصعبة يبحث عن منفذٍ مصرفيٍّ آمن؛ والطلب المكبوت على السلع والخدمات بعد عقدٍ ونيف من الحرب يخلق هوامش عاليةً للأرباح يمكن أن تضخّ بعض الدم في شرايين الصناعة والزراعة اللبنانيّتَين. يكفي أن يظفر المقاولون اللبنانيون بجزءٍ صغيرٍ من خطة إعادة الإعمار السورية، إذ تشير تقديرات أممية إلى أنّ ما يزيد على 1.7 مليون مسكن يحتاج إلى ترميمٍ أو إعادة بناء، حتى يستعيد القطاع جزءًا معتبرًا من نشاطه المفقود. وهكذا يقف البلدان أمام نافذةِ فرصٍ قد تتّسع سريعًا، لكنّ نجاحها رهينٌ بقدرة بيروت على التفاوض كدولةٍ موحَّدة، وبإيجاد تمويلٍ موثوقٍ لإصلاح البنية التحتية، وبإنشاء إطارٍ قانوني سوري يطمئن المستثمرين بقدر ما يطمئن المواطنين. الضغطُ الدوليّ في هذا السّياق، يبدو الضغط الدوليّ – من صندوقِ النقد إلى واشنطن – سلاحًا ذا حدّين ( بين إدارة الأزمات واقتناص الفرص إنّ أخطر ما في اللحظة الراهنة أنّها مرنةٌ وسائلة: يمكن أنّ تتصلّب باتجاه شراكةٍ إقليميّةٍ خلاّقة تُؤسّس لعقدٍ اقتصاديٍّ جديد، كما يمكن أن تنحدر إلى انفلاتٍ حدوديٍّ يعيد إنتاج ظواهر التهريب وغسل الأموال ويحمِّل الشعبين أعباء تضخّمٍ متبادلٍ وانهيارٍ نقديٍّ متتَالٍ. الفارق بين المسارين ليس في القرارات الدوليّة فحسب، بل قبل كلّ شيء في قدرة الدولة اللّبنانيّة على اتخاذ قرارٍ سياديٍّ واضح: الخروج من عقليّة إدارة الأزمات بالتسويف، إلى عقليّة إدارة الفرص بالتخطيط والشفافيّة. أمام هذا المفترق، لا يملك لبنان ترف الوقت: النافذة الّتي فتحت برفع العقوبات قد تغلَق في أيّ لحظةٍ إذا تبدّلت الموازين في الكونغرس الأميركيّ أو تعثّر مسار التسوية الخليجيّة، والأزمة النقديّة الداخليّة مرشّحةٌ للتفاقم مع كلّ شهر تأخير في إقرار خطّة التعافي. لذا، يصبح الخيار الاستراتيجيّ واضحًا: إخراج السّياسة الاقتصاديّة من قبضة الاحترابِ السياسيّ، وإعادة تعريف العلاقة بسوريا على قاعدة مصلحةٍ متبادَلةٍ شفّافة. وإذا عجز، وهو احتمالٌ لا يقلّ واقعيّة، فلن تحتاجَ المنطقةُ سوى إلى أشهرٍ قليلةٍ كي يتجاوزَها قطارُ التسويات، فتغدو سوريا هي المنصّة الوحيدة لتلقّي الاستثمار والتدفّقات، تاركةً لبنان على هامشٍ رماديٍّ يقتات تهريبًا وينزف دولاراتٍ ويستورد أزمتَه الماليّة بلا أفق تعافٍ.

حملة منظمة تستهدف شركات تحويل الأموال
حملة منظمة تستهدف شركات تحويل الأموال

ليبانون ديبايت

time١٣-٠٥-٢٠٢٥

  • ليبانون ديبايت

حملة منظمة تستهدف شركات تحويل الأموال

في خطوة مفاجئة، انطلقت مؤخرًا حملة إعلامية مكثفة تستهدف بعض شركات تحويل الأموال العاملة في لبنان، متهمة إياها بخرق قوانين مكافحة تبييض الأموال، رغم أنها تخضع لرقابة مصرف لبنان وتتمتع بشراكات مع مؤسسات مالية دولية تعتمد أعلى معايير الامتثال والشفافية. المثير للانتباه أن هذه الحملة تركّز على شركات محددة دون غيرها، في حين تغيب تمامًا عن الخطاب أي إشارة إلى شركة "BOB Finance"، التي تعمل في المجال نفسه ويملكها أحد أبرز الوجوه المصرفية في لبنان، سليم صفير، المعروف بدوره القيادي في القطاع المصرفي. هذا التفاوت في الاستهداف يثير علامات استفهام حول موضوعية المعايير المعتمدة، وعمّا إذا كانت الحملة انتقائية تخدم مصالح خاصة تحت ستار الرقابة المالية. وتأتي هذه الحملة في وقت تشهد فيه شركات تحويل الأموال توسعًا ملحوظًا وثقة متزايدة من المواطنين الذين فقدوا الأمل في النظام المصرفي التقليدي، خصوصًا بعد أن حُجبت ودائعهم لسنوات دون محاسبة أو حلول. وقد أصبحت هذه الشركات بديلًا أساسيًا للتحويلات الداخلية والخارجية، لما تقدّمه من مرونة وسرعة وشفافية. ورغم استناد الحملة إلى تصريحات خارجية تدعو إلى تشديد الرقابة، فإن التوقيت والأسلوب يطرحان تساؤلات مشروعة حول الخلفيات الحقيقية لهذه التحرّكات، وهل الهدف فعلاً هو حماية النظام المالي، أم تقويض بدائل ناجحة تُنافس المنظومة القائمة. في موازاة ذلك، يتواصل الضغط الدولي على لبنان لتعزيز الشفافية المالية، خصوصًا بعد إدراجه على "القائمة الرمادية" لمجموعة العمل المالي (FATF)، ما يستدعي إصلاحًا جذريًا لا يقتصر على الاستعراضات الإعلامية، بل يستهدف كل من يخرق القوانين بمعزل عن موقعه أو مصالحه. ويرى مراقبون أن المطلوب اليوم هو نقاش وطني عقلاني ومسؤول حول مستقبل القطاع المالي، يكرّس مبدأ المساواة أمام القانون، ويوقف محاولات استخدام الإصلاح كغطاء للهجمات الانتقائية أو لتصفية المنافسين. فالثقة لا تُستعاد بالشعارات، بل بالمحاسبة والعدالة والشفافية الكاملة. وقد بلغ الانحدار الإعلامي لهذه الحملة ذروته، حين جرى تشغيل من يُزعم أنهم "مؤثّرون" على وسائل التواصل الاجتماعي لتوزيع التهم يمينًا وشمالًا، وهم أنفسهم في موقع الشبهة بالدرجة الأولى، ما يكشف زيف الخطاب وضعف الحجة، ويؤكد أن الهدف لا يتعدى الدفاع عن مصالح ضيقة لم تعد تقنع أحدًا.

بالفيديو: مديرة "كلّنا إرادة" تحذّر من تفخيخ "هيكلة المصارف"
بالفيديو: مديرة "كلّنا إرادة" تحذّر من تفخيخ "هيكلة المصارف"

المدن

time٠٩-٠٥-٢٠٢٥

  • المدن

بالفيديو: مديرة "كلّنا إرادة" تحذّر من تفخيخ "هيكلة المصارف"

ليست مسألة استعادة الثقة المالية بلبنان مستحيلة، إلا أنها تواجه شروطاً واستحقاقات قد لا تمر بسهولة. وكما وقف قانون رفع السرية المصرفية، بمواجه الضغوط والعراقيل، يقف اليوم مشروع قانون معالجة أوضاع المصارف، وسيستتبعه مشروع قانون ردم الفجوة المالية الذي من المتوقع أن يُحدث حرباً طاحنة في البلد بين الأطراف المعنية بالأزمة المالية. وبالنظر إلى تصاعد المخاوف من تحميل المودعين وعموم اللبنانيين الثقل الأكبر من المسؤوليات وتملّص المسؤولين الفعليين عن الأزمة، لا بد من التنبّه إلى كيفية صياغة وإقرار قانوني معالجة أوضاع المصارف وردم الفجوة المالية. وفي حديث شامل أجرته "المدن" مع المديرة التنفيذية لمنظمة "كلنا إرادة"، ديانا منعم، حذّرت من محاولة تفخيخ قانون معالجة أوضاع المصارف، أو ما يُعرف بإعادة هيكلة المصارف، وتنصّل البعض من المسؤوليات، ودعت إلى التشدد في صياغة قانون ردم الفجوة المالية بما يحفظ حقوق المودعين وأصول الدولة. الثقة المالية ترى المديرة التنفيذية لمنظمة "كلنا إرادة" أنه ولأول مرة منذ سنوات، تقف الحكومة والعهد أمام فرصة ثمينة جداً لاستعادة الثقة المالية للبلد، سواء عبر الإجراءات التي تتعلق بحصر السلاح بيد الدولة أو عبر تطبيق الإصلاحات التي يترقّبها اللبنانيون منذ زمن، وتشدد منعم على ضرورة متابعة موضوع الإصلاحات الاقتصادية بشكل أساسي عن كثب، "فلبنان اليوم على اللائحة الرمادية لمجموعة العمل المالي FATF، وثمة إصلاحات مطلوبة لإخراج لبنان عن تلك اللائحة أبرزها القوانين التي تتعلق بالسرية المصرفية وضبط تبييض الأموال ويمكننا القول في هذا الصعيد أننا سجلنا أول خطوة بالاتجاه الصحيح وهي رفع السرية المصرفية. الأمر الآخر يتعلّق بتطبيق القوانين وقدرة السلطة القضائية على أن تتحرك في هذا الإطار مع الإشارة إلى أهمية ما أقره مجلس الوزراء مؤخراً لجهة استقلالية القضاء. بالإضافة إلى مسألة هامة جداً تتعلّق بمكافحة اقتصاد الكاش من خلال عدة خطوات، منها إعادة هيكلة القطاع المصرفي إضافة إلى مكافحة الأنشطة غير القانونية بحسب ما تسميها FATF، والمقصود هنا مكافحة أنشطة حزب الله، بما في ذلك التهريب وتبييض الأموال والأنشطة العابرة للحدود اللبنانية" ومن دون كل تلك العناوين لا يمكن استعادة الثقة وإعادة لبنان إلى الخريطة المالية العالمية التي نحن اليوم خارجها. تفخيخ القانون بالنظر إلى أن ثلاثية القوانين، رفع السرية المصرفية (الذي أقر) ومعالجة أوضاع المصارف وردم الفجوة المالية، هي التي ستفتح الباب للإصلاحات في القطاع المالي بشكل أوسع، وتحظى باهتمام كبير من المجتمع الدولي، لا بد من التنبّه إلى كيفية إقرار قانوني معالجة أوضاع المصارف وردم الفجوة المالية، فثمة أولويات يجب التمسّك بها في هذين القانونين. وبحسب منعم، لا بد من التركيز على ضمان أكبر قدر ممكن من الاستقلالية للهيئة المصرفية العليا التي ستقوم بإدارة عملية إعادة الهيكلة كما يجب ضمان احترام المبادئ العالمية لجهة إعادة هيكلة المصارف، محذرة من مخاطر تفخيخ هذا القانون. أما في ما يخص قانون ردم الفجوة المالية، فهو يحدد آلية توزيع الخسائر والتعويض على المودعين، الذين دفعوا الثمن منذ ست سنوات، في وقت لم يتحمل فيه القطاع المصرفي، أحد أبرز المسؤولين عن الأزمة، أي عبء يُذكر. المطلوب أن تشارك المصارف، والمصرف المركزي، والدولة جميعها في ردم الفجوة المالية، على أن يتم ذلك بما لا يحمّل المودعين الكلفة. باختصار، يجب أن نضمن في هذا القانون ألا يكون حل الأزمة على حساب المودعين وعلى حساب الناس جميعهم، تقول منعم، ومن الضروري أيضاً حماية أكبر قدر ممكن من أصول الدولة، لضمان انطلاقة اقتصادية لاحقة لا ترتكز على فرض ضرائب غير مباشرة ترهق المواطنين. محاولات للتنصّل من المسؤوليات تتوقع منعم أن تُمارَس ضغوط لتجنيب بعض المسؤولين عن الأزمة تحمّل المسؤولية، وهو أمر مرفوض. فالمطلوب التدرج في تحمّل المسؤوليات بدءاً من رساميل وأصول المصارف التي يجب أن تذهب لصالح المودعين، مروراً بتحويل جزء من الودائع إلى الليرة اللبنانية – كما هو متبع عالمياً– وصولاً إلى تحويل جزء من الودائع إلى أسهم في المصارف وربما لصندوق استرداد الودائع أيضاً". مع الإشارة إلى أنه يمكن للدولة أن تساهم بالصندوق من خلال جزء من عائداتها ومن خلال استرداد أموال منهوبة وأموال مهربة إلى الخارج. كما ستجري محاولات لتجنب المصارف المساهمة كما يلزم بتحمل المسؤوليات، علماً أن بعض المصارف مستعدة اليوم لإعادة الهيكلة بخلاف مصارف أخرى. من هنا يجب أن نتحلى بالوعي لمواجهة رمي المسؤولية كاملة على الدولة، تقول منعم، فذلك يعني أن الدولة لن تستطيع الوفاء بالتزاماتها باعتبارها دولة مفلسة وبالتالي فالمودعين لا يمكن أن يحصلوا على ودائعهم. وبهذه الحالة إذ ستلجأ الدولة لاحقاً إلى هيكلة تلك الديون باختصار لا يجب ان تكون الحلول على حساب موارد الدولة والمودعين. ودائع مشروعة وغير مشروعة وإذ تشدّد منعم على أهمية إقرار القوانين الثلاثة، سابقة الذكر، لترابطها فيما بينها، توضح أن أهمية إقرار رفع السرية المصرفية تكمن في كشف الحسابات وكيفية تقسيمها في إطار تطبيق الحلول المصرفية، بالإضافة إلى دور رفع السرية المصرفية في تمكين الحكومة من وضع تصور مع المصرف المركزي لكيفية معالجة الفجوة المالية. وتسأل منعم "كيف يمكن التمييز بين الودائع المشروعة وغير المشروعة، أي الأموال النظيفة وغير النظيفة ما لم يتم رفع السرية المصرفية عنها"؟ لا إعادة إعمار بلا إصلاحات وتذكّر منعم بأن لبنان، الذي لا يمتلك القدرة على إعادة الإعمار بمفرده، يحتاج إلى دعم خارجي لا يمكن الحصول عليه إلا من خلال الالتزام بشروط المجتمع الدولي، التي تتمثل في بندين أساسيين: حصر السلاح بيد الدولة وتطبيق القرار 1701، وتنفيذ الإصلاحات الاقتصادية، وعلى رأسها القوانين الثلاثة المذكورة أعلاه، إضافة إلى إصلاحات قضائية وإدارية. وكلما أسرعت الدولة في تنفيذ هذه الإصلاحات، كلما زادت فرص الحصول على المساعدات الدولية لإعادة الإعمار. ويُسجّل في هذا الإطار تشدّد المجتمع الدولي حيال تنفيذ الإصلاحات، في ظل محاولات بعض الجهات السياسية والمصرفية التنصّل من المسؤولية. غير أن الموقف الدولي لا يزال حتى الآن حازماً وحاسماً في هذا الشأن.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

مستعد لاستكشاف الأخبار والأحداث العالمية؟ حمّل التطبيق الآن من متجر التطبيقات المفضل لديك وابدأ رحلتك لاكتشاف ما يجري حولك.
app-storeplay-store