
سوريا الجديدة تنفض غبار التحالفات القديمة و تنفتح على العالم و تنضم الى الحضن العربي
الدولة السورية كانت تحت العقوبات الامريكية وقانون قيصر أثناء الحرب ، وبشكل خاص في فترة حكم حزب البعث السوري لبشار الأسد، حيث تمّ خلال هذه الفترة انشاء تحالفات للدولة السورية مع ايران وحزب الله، كما دخلت سوريا وشعبها حينها مرحلة اقتصادية صعبة جراء هذه العقوبات، إذ ازدادت تجارة الكبتاغون لتصبح مهنة تصديرها إلى دول الجوار تمويل للدولة السورية، والشعب السوري دفع ثمناً غالياً وباهضاً ليس فقط جراء الحرب بل أيضاً جراء العقوبات الاقتصادية التي عانى على اثرها مادياً واقتصادياً، وذلك بسبب غلاء المواد الاولية والتموينية وانقطاع الكهرباء وشح المياه، ولم تكن سوريا في هذه الفترة مرتبطة مع النظام المالي العالمي والمصارف العالمية ونظام التحويلات(SWIFT).
وبعد اسقاط نظام الاسد البائد في الثامن من ديسمبر الماضي، دخلت سوريا مرحلة جديدة في تاريخها وهو الانفتاح تدريجياً على الحضن العربي ، حيث تمّ قدوم العديد من الحكام والدبلوماسيين العرب وبمختلف الرتب لزيارة الشرع للتعاون والانفتاح مع سوريا الجديدة اقتصادياً واعادة الاعمار، ولكن العقوبات كانت عائقاً أمام أي تقدم اقتصادي، وبعد استلام السلطة من قبل الرئيس ترامب وعد أن يوقف الحرب في الشرق العربي، والان مؤخراً وبعد زيارة ترامب وجولته الخليجية الاخيرة، والتي كانت المملكة العربية السعودية أول محطة له وبعد مطالبة سمو ولي العهد الامير محمد بن سلمان برفع العقوبات الامريكية عن سوريا، فقد فاجئه ترامب وفي هذه الرحلة باعلان مفاجىء للجميع بإزالة العقوبات عن سوريا، وحينها تم أيضاً عقد لقاء تاريخي بين أحمد الشرع وترامب في السعودية وبحضور محمد بن سلمان ولي العهد السعودي.
وبعد هذا الاعلان دخلت سوريا مرحلة جديدة في تاريخها ، وهنا نلاحظ انفتاح سوريا تدريجياً على العالم والسوق الاقتصادي العالمي الحر ، بدلاً من اقتصاد الماضي الاشتراكي المحدود، مع اعطاء امتيازات للدولة الامريكية، وعقود معها لاعادة الاعمار ، علماً بأنه تتوفر حالياً بعض المباني والمشاريع الحكومية التي لم تكتمل عملية بنائها جرى سابقاً القيام بها مع ايران بوصفهم شركاء النظام البائد، وهي اليوم فارغة حتى الآن، علما بان هناك عقود مع روسيا لانشاء قواعد روسية على المياه الدافئة ومطالب من النظام السوري السابق لحمايته مقابل عقود مالية مبرمة بينهم، واليوم نلاحظ وبالمقارنة التحول في السياسة السورية اليوم من الحضن الايراني وحزب الله الى الحضن العربي وأيضاً الانفتاح والتعاون مع فرنسا على سبيل المثال ، حيث جرى معها إبرام عقد إدارة ميناء اللاذقية الى شركة فرنسية ولمدة 30 عاماً، ويمكن ايضاً القول بعد رفع العقوبات من الرئيس الامريكي ترامب بأن هناك امكانية للتعاون الاقتصادي مع امريكا، وبالطبع فإن ازالة العقوبات هي أيضاً مرتبطة بشروط امريكية بالغة الاهمية لتنفيذها، وهذه الخطوة سوف تساعد سوريا على الدخول في مرحلة الاستقرار والتي من أهم ملامحها عودة سوريا للمنظومة المالية العالمية سويفت(SWIFT) والذي سوف يسهل على سوريا الانضمام للتعامل مع البنوك العالمية ويسهل عليها أيضاً الحوالات البنكية، حيث كانت سوريا معزولة تماماً عن العالم اقتصادياً جراء العقوبات المفروضة عليها، وهذا بالطبع سوف يسهل اعادة الاعمار وتدفق رؤوس الاموال والمستثمرين الخارجيين، وتدفق الاموال الى سوريا وقدوم المستثمرين من شأنه اعادة الثقة في الدولة السورية ويشجع على الاستثمار فيها.
وفي هذه المرحلة البالغة الاهمية من تاريخ سوريا يجب حوكمة المصارف ومأسسة البنك المركزي السوري واعادة هيكلة الوزارات بشكل مؤسسي محترف، ووضع قانون استثمار حقيقي وإن تكون هناك نافذة أو هيئة واحدة للاستثمار بدلاً من أن تكون هناك عدة وزارات سببت التاثير في تعقيد الاجراءات واعاقة منح التراخيص، بل يجب تسهيل الاجراءات على المستثمر الخارجي، اذا كان يتم في الماضي أثناء حكم حزب البعث السوري اعاقة الاستثمار، فعلى سبيل المثال في فندق الفورسيزون (Four Seasons) في الشام تمّ تأخير هذا المشروع لعدة سنوات جراء البيروقراطية، وايضاً جراء الفساد الاداري والعراقيل التي كانت تعيق المشاريع، الى جانب السمسرة والارباح على حساب الاستثمار، فوجود نافذة واحدة امر مطلوب لتسهيل التراخيص وأيضاً لضبط ومنع الفساد الاداري، وهذه الهيئة المقترحة مهمتها التنسيق بين الوزارات المعنية بالاستثمار ورفع منسوب الشفافية والحوكمة الرشيدة ومأسسة المصارف السورية.
كل هذا طبعاً مرتبط بالانترنت وشبكة الكهرباء اذ يجب حل مشكلة الكهرباء في سوريا، وعندما تصبح سوريا ضمن نظام السويفت (SWIFT) الحديث فإن ذلك سوف يخلق عملياً فرصة حقيقية للاستثمار، والانتعاش الشامل والاهم خلق فرص عمل للسوريين والانفتاح مع العالم المالي والاقتصادي، وكل هذا من شأنه تحسين مستوى المعيشة وزيادة مدخول الفرد السوري، ولقد أعلن البنك الدولي عن شطبه ما مجموعه 15.5 مليون دولار متأخرة ومستحقة على الدولة السورية، وذلك بعد تلقي مدفوعات من دولة قطر والسعودية لدفع ما على سوريا من ديون للبنك الدولي، وهذا سوف يتيح لسوريا تقديم طلب للحصول على منح بملايين الدولارات مخصصة لاعادة الاعمار والموازنة السورية.
وهنا تدخل سوريا مرحلة جديدة بعد تاريخ من الانغلاق عن العالم، حيث تدخل اليوم مرحلة الانفتاح على الاسواق العالمية والاستثمارات العربية والاجنبية، وفي هذه المرحلة التأسيسية يجب التقدم في المجالات الاساسية مثل تحسين الوصول الى الكهرباء والحصول على الصحة والتعليم والمياه والطاقة وتوفير كافة سبل العيش الكريم ، ونلاحظ بعد اعلان ترامب رفع العقوبات عن سوريا ، استقبال الرئيس السوري احمد الشرع في قصر الشعب وفداً من رجال الاعمال والمستثمرين من دولة الكويت مهتمون بالاستثمار في سوريا الجديدة، وأيضاً وبشكل متوازي مع اعلان ترامب رفع العقوبات، تم الاعلان الهام أمس في نجاح وزارة الدفاع السورية في دمج كافة الوحدات العسكرية ضمن وزارة الدفاع السورية، وهذه كانت أهم المطالبات الامريكية لرفع العقوبات عن سوريا، وايضاً نلاحظ في كلمة وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني في القمة العربية المنعقدة أمس في الجمهورية العراقية، تأكيد الشيباني على ضرورة الوحدة العربية وهي ركيزة اساسية لبناء مستقبل آمن ومستقر ومزدهر للشعوب العربية جميعها، واكد الشيباني أيضاً انتماء سوريا الى هذه الأمة فهي مصدر قوة سوريا، كما شدد ان سوريا اليوم تعود الى الحضن العربي ومن جراح الانقسام الماضي الذي خلقه نظام الاسد البائد، وهنا نلاحظ أن سوريا تدريجياً تنضم الى الحضن العربي بدلاً من الحضن الايراني .
وهذه القمة العربية المنعقدة في العراق أيضاً ستؤكد على هذا المفهوم التعاوني، حيث اكد الدكتور جعفر حسان رئيس وزراء المملكة الاردنية الهاشمية وصرح بأن الاردن عوناً وسنداً لاشقائه العرب ، وان الاردن سيدعم سوريا الشقيقة وأمن واستقرار سوريا ووحدتها وسيادتها وازدهارها وعودة اللاجئين الطوعية الى سوريا، وأمل الاردن هو أن يرى سوريا مزدهرة وقوية ومستقرة ، وسوف يحرص الاردن على الوقوف مع الاشقاء السوريين في اعادة الاعمار ومنع كل ما يهدد هذه المسيرة.
وفي الختام أريد أن أكد على ان سوريا ومع اسقاط نظام الاسد البائد فيها، بات واضحاً عليها خلع ثوبها الايراني والتحرر من الاحزاب والمليشيات المرتبطة بها، والتي عزلت سوريا عن حضنها العربي، وها هي سوريا تدريجياً تتعافى وتنضم الى الحضن العربي وأيضاً تنفتح على العالم اقتصادياً، بعد رفع العقوبات الاقتصادية عنها، والتي دمرتها وانهكت الشعب السوري الذي عانى الجوع والحرب والتشريد واللجوء، وها هي سوريا تنفض عنها غبار الماضي الاليم وتحالفات الماضي لتصبح سوريا الجديدة حرة أبية ان شاء الله .

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


جريدة الايام
منذ ساعة واحدة
- جريدة الايام
نائب ترامب ألغى زيارته لإسرائيل كي لا تفسر كدعم لتوسيع الحرب
القدس - وكالات: قال مصدر رفيع في الإدارة الأميركية، إن نائب الرئيس الأميركي، جاي دي فانس، قرر عدم زيارة إسرائيل بسبب توسيع الحرب على غزة، حسبما نقل عنه موقع "واللا" الإلكتروني، أمس. وأضاف المصدر، إن فانس اتخذ هذا القرار لأنه لا يريد أن تفسر زيارته على أنها دعم من جانب إدارة ترامب لقرار إسرائيل بشن عملية عسكرية واسعة في غزة، في الوقت الذي تدفع فيه الولايات المتحدة نحو اتفاق تبادل أسرى ووقف إطلاق نار. وحسب "واللا"، فإن قرار فانس لم يهدف إلى ممارسة ضغط معلن على إسرائيل، بعد أن برر قراره بـ"أسباب لوجستية" أدت إلى إلغاء الزيارة، لكن القرار كشف عن موقف الولايات المتحدة تجاه سياسة إسرائيل الحالية بتوسيع الحرب على غزة، وإعلان الجيش الإسرائيلي، أمس، عن مشاركة 5 فرق عسكرية في العملية العسكرية. وأبلغت الإدارة الأميركية الحكومة الإسرائيلية، قبل أيام بأن فانس يدرس زيارة إسرائيل بعد حضوره مراسم تنصيب البابا ليو الرابع عشر، حسبما نقل "واللا" عن مسؤولين إسرائيليين. وجرت محادثات بين جهات أميركية وإسرائيلية، أمس، تمهيدا للزيارة، فيما ذكرت القناة 12 أن فانس قد يصل إلى إسرائيل يوم الثلاثاء. لكن بعد ساعات، نفى مسؤول في البيت الأبيض، كان برفقة فانس في روما، تقرير القناة 12 من خلال بيان للصحافة. وأعلن المسؤول في البيت الأبيض أنه "فيما أجرت الأجهزة السرية استعدادات لوجستية لاحتمال زيارة عدة دول أخرى، لم يتخذ أي قرار بإضافة وقفات لسفر نائب الرئيس، وقيود لوجستية منعت إطالة السفر أكثر من روما. ونائب الرئيس سيعود إلى واشنطن يوم الإثنين". ونقل "واللا" عن مسؤول أميركي قوله، إن الاعتبارات اللوجستية لم تكن السبب الحقيقي لقرار فانس عدم زيارة إسرائيل، وإنما خلال مداولات أجراها فانس مع أفراد طاقمه تعالت تخوفات من أن زيارته لإسرائيل الآن ستفسر من جانب إسرائيل ودول المنطقة على أنها مصادقة أميركية على توسيع الحرب على غزة، ولذلك قرر فانس عدم السفر إلى إسرائيل.


شبكة أنباء شفا
منذ 8 ساعات
- شبكة أنباء شفا
غزة ليست للبيع ، حين يتحدث المستعمر بلسان المستثمر ، بقلم : بديعة النعيمي
غزة ليست للبيع ، حين يتحدث المستعمر بلسان المستثمر ، بقلم : بديعة النعيمي 'دونالد ترامب' الذي لم يبخل على دولة الاحتلال بتمويل آلة قتلها خلال الحرب على غزة، خرج مؤخرا ليصف هجوم السابع من أكتوبر بأنه على حد زعمه 'أحد أبشع ما شهد العالم' ، ثم استطرد قائلا إنه 'سيفتخر لو امتلك غزة'. وكأن غزة ورثته من جده الذي لم يكن أكثر من حلاق في زواية مهملة في ألمانيا. واقترح أن تسيطر الولايات المتحدة الأمريكية عليها وتحويلها إلى 'منطقة حرة'. لكنها ليست المرة الأولى التي يُظهر فيها 'ترامب' هذا النوع من الخطاب الاستعماري الوقح، غير أنه اليوم كان أكثر وضوحا بما طرحه من اي وقت مضى. وهو أي 'ترامب' برغم الهدايا التي حصل عليها من دول الخليج، والتي يقال أنها وصلت ٤ ترليون دولار، إلا أن لعابه لم يتوقف عن السيلان طمعا في منطقتنا. فهو لا يرى في غزة إلا فرصة عقارية. وقد قال بهذا الشأن 'لدي أفكار جيدة جدا لغزة'، لمَ لم يقل أفكار للفلسطينيين؟ إن الجواب ببساطة لأن هذا الفلسطيني لا يعنيه، فكل ما يعنيه هو ما يمتلكه هذا الفلسطيني المحاصر المنكوب، الذي لا يجد رغيف الخبز ليسد جوع أولاده، بينما كنوز غزة تكمن تحت خيمته. غير أن 'ترامب' لا يدرك أن غزة ليست عقارا تنتظر المستثمرين. غزة كفلسطين عامة، هي قضية استعمارية عمرها اليوم ٧٧ عاما. ولكن رؤى 'ترامب' تكمن في فلسفة بسيطة 'اربح دائما' حتى لو عن طريق الكذب. فالقدس قبل سنوات لم تكن بالنسبة له أكثر من صفقة سياسية لكسب اللوبي الصهيوني، تماما كما غزة اليوم، فرصته الثانية لنيل رضا المحفل الماسوني الأعلى الذي يحرس على بقاء دولة الاحتلال. ودليل ذلك ما حصل من قصف عنيف في القطاع وخاصة مستشفى غزة الأوروبي الذي خرج عن الخدمة جراء الأحزمة النارية يوم ١٣/مايو، وشمال القطاع، حيث لم تتوقف المجازر منذ وضع قدمه في مغارة علي بابا المليئة بالكنوز الباهظة الثمن. وجثامين الشهداء تتكدس داخل مستشفى الأندونيسي جراء استهداف الاحتلال لبيت لاهيا ومخيم جباليا، وأكثر من ٢٥٠ شهيد خلال ٤٨ ساعة. ودير البلح تقصف. كما وينفذ جيش الاحتلال عمليات اعتقال في بيت لاهيا بعد محاصرة أحد مراكز الإيواء. وقصف في بلدة القرارة شرق خانيونس جنوب القطاع وتل الزعتر وغيرها، و 'ترامب' يتلاعب بمشاعر المكلومين بأخباره الكاذبة عن وقف الحرب وإدخال المساعدات. هذا ال 'ترامب' لا ينظر لغزة كمدينة محاصرة، مدمرة، عاثت بها آلة عدو همجي بعد السابع من أكتوبر بأسلحة أمريكية وغربية، بل هي عقار غير مستقل على ضفاف المتوسط، لذلك هو حين يتحدث عن 'وضع الناس في منازل آمنة'، فهو لا يعني إنهاء هذا العدوان، بل ترتيب ما بقي داخل السجن الكبير تحت الحصار ذاته ولكن بحصار اميركي صهيوني هذه المرة. 'ترامب' اليوم يعرض غزة كسلعة للبيع برعاية 'البنتاجون' وبتمويل عربي يرفع علما اميريكا بجانب آخر صهيوني ثم يسميه تحريرا.

جريدة الايام
منذ 8 ساعات
- جريدة الايام
الشرق الأوسط بين أيدي ساكنيه
يمكن القول بثقة، إن زيارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب للشرق الأوسط، والتي اقتصرت على دول الخليج المركزية الثلاث: السعودية، قطر والإمارات، كانت مهمة بالطبع بالنسبة له، وللدول التي زارها، من حيث إنها عززت علاقة الولايات المتحدة بهذه الدول، إلى حدود بعيدة، أما بالنسبة للآخرين، خاصة في الشرق الأوسط، فهي كانت مهمة من زاوية أخرى، من حيث إنها وضعت النقاط على الحروف، وأظهرت المدى أو الإطار العام لما تريده أميركا في القرن الحادي والعشرين من الشرق الأوسط، وتحديداً بعد أن تغير العالم، في ظل نظام عالمي أحادي، تلا النظام العالمي الثنائي، وهو نظام يبدو أنه في طريقه إلى أن يتغير بدوره إلى نظام آخر، لن يكون على شاكلة أي من النظامين السابقين. والحقيقة أن العالم كله، وليس الشرق الأوسط وحسب، يتطلع ويراقب ما يمكن أن تذهب إليه أميركا، في سبيل تحديد وجهة النظام العالمي المقبل، وهي - أي الولايات المتحدة - خاضت حرباً ساخنة مع روسيا بشكل غير مباشر، وراء أوكرانيا، منذ ثلاثة أعوام، كذلك هي تدخلت عسكرياً، وإن بشكل محدد، وبهدف منع اندلاع الحرب الإقليمية في الشرق الأوسط، لكنها أرسلت بوارجها الحربية وشنت غارات جوية عديدة طوال عام ونصف العام على اليمن، وكان يمكن أن تذهب أبعد من ذلك بالانخراط بشكل أو بآخر في حرب في البحر الصيني، دعماً لتايوان ضد الصين، وقد كان العام الماضي عام ترقب لدرجة أن رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو راهن على الساكن الجديد للبيت الأبيض، ليأخذ بيده إلى آخر مشوار الحرب في الشرق الأوسط وهو محطة ضرب إيران بشكل مشترك إسرائيلي/أميركي. لكن ما حدث عشية زيارة ترامب وخلالها وبعدها، أظهر بشكل قاطع، انسحاب أميركا من ملفات الحروب الإقليمية، وانخراطها عميقاً في مسار الصفقات التجارية، وحتى ما أطلق عليه من حرب تجارية، وهي طريق ترامب المفارق لطريق بايدن، أو الخيار الاقتصادي الجمهوري بديل الخيار الديمقراطي العسكري الأميركي، لم تقع، رغم ما أطلقه ترامب الشهر الماضي من إعلانات حول التعرفة الجمركية والتي مست كل العالم، ونال الصين منها الحصة الأكبر، ذلك أن ترامب نفسه سرعان ما تراجع، وأعلن عن التوصل لاتفاق مع الصين، إطاره العام تخفيض النسب التي أعلن عنها من الجانبين، بما يؤكد أن كل ما فعله وأعلنه ترامب لم يكن أكثر من تكتيك تاجر العقارات، الذي يرفع السعر لأبعد مدى حين يعلنه أول مرة، وذلك حتى يكون سعراً تفاوضياً. وبالعودة إلى جولته الشرق أوسطية، ومن جهته، حققت له كل ما يسعى إليه من هدف الإبقاء على الاقتصاد الأميركي تنافسياً، ما دام ليس بمقدوره أن يقطع الطريق على الاقتصاد الصيني ويمنعه نهائياً من البقاء منافساً له لدرجة التفوق عليه بعد سنوات. بنجاح ترامب في الحصول على «تريليونات» الدولارات لتضخ في عجلة الاقتصاد الأميركي بما يقارب 10% من إجمالي الناتج القومي الأميركي، من دول الخليج الثلاث يعني ببساطة كما لو أن الاقتصاد الأميركي قد حقق نسبة نمو 2،5 % سنوياً، وخلال السنوات الأربع التي لترامب في البيت الأبيض، تبقيه متقدماً خلال تلك السنوات على الاقتصاد الصيني، يحتل الموقع الأول عالمياً، وهذا هو الأهم، وفي سبيل ذلك، أغلق كل أبواب أو احتمالات الحرب الإقليمية، وذلك بالضد من رغبة وإرادة نتنياهو، الذي لم يعلم شيئاً عن إقدام ترامب على فتح باب التفاوض مع إيران، قبل أن يعلن ذلك أمامه وعلى الملأ، كما أنه فعل الشيء نفسه، حين توصل لاتفاق مع اليمن يقضي بوقف الاقتتال بين الجانبين، وفي الحقيقة فإن ذلك يعني تراجع أميركا وليس اليمن، واليمن أطلق صواريخه ومسيراته، وطارد البواخر الإسرائيلية والذاهبة إليها عبر البحر الأحمر، منذ شنت الحرب على غزة، والبوارج الأميركية، ذهب لليمن، لتحقيق هدفين، هما: إغلاق جبهة الإسناد اليمنية، بوقف إطلاق الحوثي للصواريخ والمسيرات على إسرائيل، وفتح باب المندب أمام الملاحة نحو إسرائيل، فيما اليمن لم يذهب لضرب القواعد البحرية أو الأرضية الأميركية في المنطقة. أما المفاوضات حول البرنامج النووي الإيراني، فهي فضلاً عن أنها تسببت في إحباط المشروع اليميني الإسرائيلي المتطرف والمتمثل بإقامة إسرائيل الكبرى، في سياق أو بعد الانتهاء من آخر فصولها المتعلق بضرب إيران، والذي يشمل بحده الأدنى ترتيب الشرق الأوسط بما يضمن الهيمنة والسيطرة الإسرائيلية على الإقليم دون منافسين، وبما يعني أن إسرائيل الكبرى ستشمل كل حدود فلسطين التاريخية أو الانتدابية، أي ضم دولة فلسطين بحدود التقسيم وحدود العام 67، وإضافة لذلك الأراضي السورية واللبنانية المحتلة، وكذلك أراضٍ أخرى أردنية وسورية، عراقية ومصرية، وربما سعودية، بشكل كلي وصريح بضمها لتعلن إسرائيل بحدود جغرافية رسمية، من الفرات للنيل، أو بشكل غير صريح، بتحويل كل تلك المساحات لساحة حرب أو أرض محروقة أو مفتوحة أمام الطائرات والدبابات والجيش الإسرائيلي، بحجة انه يحارب إيران. المفاوضات الأميركية مع إيران، فضلاً عن ذلك، أي عن إغلاق باب الحرب الإقليمية بهدف قطع رأس إيران، وقطع الطريق على مشروع إسرائيل الكبرى، فهي تجري بهدف التوصل لاتفاق ليس أفضل لإسرائيل من اتفاق العام 2015، فأميركا من الواضح أنها ليست مهتمة بصراعات الدول الإقليمية، وهي باتت مهتمة بمصالحها الخاصة والمباشرة، والتي لها علاقة بالاقتصاد أولاً، ولم تعد تفكر بطريقة الحرب الباردة، ولم تعد ترى في إسرائيل حليفها الإقليمي، بل إن عدم ضم إسرائيل لجولة ترامب يؤكد أن حلفاء أميركا وأصدقاء ترامب في الشرق الأوسط باتوا هم أثرياء المنطقة الذين يمكنهم أن يساعدوا الاقتصاد الأميركي على البقاء واقفاً على قدميه في مواجهة النمو المطّرد للاقتصاد الصيني، هذا بعد أن استوعبت أميركا الدرس جيداً، وهو أن الحصول على الثروات لم يعد ممكناً بالنهب عبر القوة العسكرية، بل عبر الصفقات التجارية، وهكذا، بقيت إسرائيل تواجه الشرق الأوسط وحدها، حتى أن موضوعات التطبيع لم يظهر ترامب اهتماماً جدياً بها، كما كانت الحال قبل سنوات خلت. نعود إلى أن المفاوضات الأميركية / الإيرانية يمكن أن تتلاشى، دون إعلان لا وقفها ولا التوصل إلى اتفاق بشأنها، تماماً كما حدث مع الملف الروسي / الأوكراني، حيث تلاشى الاهتمام الأميركي به بعد بضعة شهور قليلة، لكن النتيجة كانت أن انسحبت أميركا من ذلك الملف، بمجرد أن حققت اتفاق المعادن الثمينة مع كييف، وهذا كان كل شيء بالنسبة لترامب، وما يجعلنا نفكر بذلك الاحتمال هو أنه ليس هناك من مصلحة لترامب في التوصل لاتفاق مع إيران لأجل إسرائيل، فعدم الاتفاق يبقي على الأموال الإيرانية المجمدة في البنوك الأميركية، وكل ما يهم إيران هو رفع العقوبات مقابل وقف التخصيب بنسب عالية تقترب من نسبة إنتاج السلاح النووي، لذا بتقديرنا أنه يمكن لإيران أن «تغري» ترامب بالاستثمار في اقتصاده على طريقة دول الخليج العربي، حتى يرفع عنها العقوبات، بما يطلق عجلة اقتصادها القومي. وبالمقارنة بين ما سبق زيارة ترامب للخليج من تصريحات، وما حدث خلالها من وقائع ومن توقيع اتفاقيات، يؤكد أكثر من أمر، أولها: أن ترامب مولع «بالشو الإعلامي»، فهو كمعلن كان يطلب من متابعيه توقع إعلان مهم، ما بين الأربعاء والجمعة، أي فترة زيارته، إعلاناً خاصاً بغزة، وهو حصل على هدية حمساوية تمثلت في إطلاق الأميركي الوحيد المحتجز الحي عيدان الكسندر، لكنه فشل في إجبار نتنياهو على الموافقة على صفقة الكل مقابل الكل، أي الصفقة التي تطلق سراح كل المحتجزين مقابل وقف الحرب، صفقة شاملة وليست صفقة جزئية كما كان قد جرى مرتين من قبل. إسرائيل، أو نتنياهو وبالتحديد اليمين المتطرف الحاكم في إسرائيل، استوعب قطع الطريق على أحلامه البعيدة بإسرائيل الكبرى، وبات مجبراً على الاكتفاء بحلمه في إسرائيل من البحر إلى النهر، أي إسرائيل على أرض فلسطين الانتدابية، وهذا يمر عبر غزة أولاً وبالتوازي مع مواصلة تدمير منهجي لكل أشكال الحياة في الضفة أيضاً، وكانت المفاجأة هي في عدم قدرة أو حتى مطالبة دول الخليج لترامب بوقف حرب الإبادة الإسرائيلية على غزة، وعلى أقل تقدير وبشكل فوري، إدخال المساعدات الإغاثية فوراً بعد منعها منذ أكثر من شهرين ونصف الشهر، وبهذا الشأن فلا بد من القول، إن دول الخليج الثلاث لا تقف على موقف واحد تجاه غزة، فكل واحدة منها لها لاعبها الداخلي الفلسطيني، الذي ترغب في أن تراه في اليوم التالي، هذا من جهة السعودية والإمارات، أما قطر ومصر فهما ما زالتا تكتفيان باللعب على طاولة الوساطة التفاوضية.