logo
صحف عالمية: جوع غزة يرافق أعنف الهجمات ومجندات إسرائيل لن تحل أزمة الجيش

صحف عالمية: جوع غزة يرافق أعنف الهجمات ومجندات إسرائيل لن تحل أزمة الجيش

الجزيرةمنذ 4 أيام

تناولت صحف ومواقع عالمية تطورات الحرب الإسرائيلية على غزة ، مركزة على تصاعد الأزمة الإنسانية في القطاع في ظل الجوع المتفاقم، توازيا مع غارات جوية عنيفة، إضافة إلى جدل داخلي متصاعد داخل إسرائيل عن أداء الجيش، ومستقبل الحرب، وقضايا سياسية متداخلة أبرزها أزمة التجنيد واستغلالها في حسابات الحكومة الائتلافية.
ففي تقرير لصحيفة الإندبندنت البريطانية، أُشير إلى أن موجة الجوع التي تضرب قطاع غزة تسير جنبا إلى جنب مع واحدة من أعنف الهجمات العسكرية التي شنتها إسرائيل منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، إذ نفذت أكثر من 1500 غارة منذ انهيار الهدنة الأخيرة، في تصعيد يفاقم معاناة السكان.
ووفق الصحيفة، فإن الحوادث الدامية التي وقعت على أطراف مراكز توزيع المساعدات، تكشف إلى أي مدى بلغ التدهور الإنساني في القطاع، وسط عجز شبه تام عن ضمان وصول المساعدات إلى مستحقيها، في ظل الفوضى وغياب الأمن، ومخاطر القصف المستمر.
من جهتها، سلطت صحيفة وول ستريت جورنال الأميركية الضوء على محاولة الجيش الإسرائيلي سد النقص في القوى البشرية بتوسيع دور النساء في المهمات القتالية، وسط امتناع شريحة واسعة من الشبان المتدينين عن أداء الخدمة العسكرية الإلزامية.
واعتبرت الصحيفة، أن قرار رفع نسبة النساء في الوحدات المقاتلة قد يساهم في تقليل الضغط على الجيش في المدى القريب، لكنه لا يُعالج جذور أزمة التجنيد، خاصة في ظل استمرار الحرب وتآكل الحوافز للالتحاق بالخدمة، ما يجعل الخطوة أشبه بحل مؤقت في أزمة مركبة.
جدوى استمرار الحرب
أما صحيفة هآرتس الإسرائيلية، فقد نشرت مقالا تحليليا تساءل عن جدوى استمرار الحرب، مشيرة إلى مقتل ما لا يقل عن 20 جنديا إسرائيليا منذ خرق وقف إطلاق النار، وهو رقم يقارب عدد الرهائن الذين كان يمكن إنقاذ حياتهم لو انتقلت إسرائيل إلى المرحلة الثانية من الاتفاق.
وحث المقال الإسرائيليين على التفكير في الغاية من إدامة هذه الحرب، لا سيما أن من يُفترض إنقاذهم من قبضة حركة المقاومة الإسلامية (حماس) يفقدون حياتهم توازيا مع الجنود القتلى، في ظل سياسة ترى الصحيفة أنها محكومة باعتبارات سياسية أكثر من كونها تستند إلى حسابات إستراتيجية واضحة.
وفي السياق الداخلي الإسرائيلي، ذكرت تايمز أوف إسرائيل، أن حكومة بنيامين نتنياهو تخوض "معركة قضائية جديدة" لإقالة المستشارة القانونية للحكومة، رغم إدراكها أن هذه المساعي ستفشل على الأرجح، وفق ما ورد في تقرير الصحيفة.
وبحسب الصحيفة، فإن الهدف الحقيقي من هذه الخطوة هو تحويل أنظار الجمهور عن أزمة تجنيد الحريديم ، التي تهدد تماسك الائتلاف الحاكم، في وقت يحظى فيه مطلب إدماج الحريديم في الجيش بدعم شعبي متزايد بفعل استمرار الحرب التي يعتبرها كثيرون عبئا لا يجوز الاستثناء منها.
من جانبها، أشارت صحيفة لوموند الفرنسية إلى أن الرئيس إيمانويل ماكرون ألمح إلى إمكانية اتخاذ خطوة قريبة نحو الاعتراف بالدولة الفلسطينية، لكنها لاحظت أن الموقف الفرنسي بات أكثر التباسا مع اقتراب مؤتمر نيويورك، الذي كان يفترض أن يمثل منعطفا دبلوماسيا في هذا الاتجاه.
وربطت الصحيفة بين ما اعتبرته تراجعا فرنسيا جزئيا تحت ضغط إسرائيلي، وزيارة وفد رسمي فرنسي لإسرائيل أخيرا، أوكلت إليه مهمة تحسين العلاقات مع حكومة بنيامين نتنياهو، في مؤشر يعكس توازنات حذرة تتبناها باريس في ظل التحولات الإقليمية المتسارعة.

Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

سيناريوهات عسكرية متوقعة في حال توجيه ضربة لإيران
سيناريوهات عسكرية متوقعة في حال توجيه ضربة لإيران

الجزيرة

timeمنذ 36 دقائق

  • الجزيرة

سيناريوهات عسكرية متوقعة في حال توجيه ضربة لإيران

يرى الخبير العسكري والإستراتيجي، العميد إلياس حنا، أن التحولات الكبرى في المنطقة تفرض عدة سيناريوهات، بشأن طريقة التعامل الأميركي والإسرائيلي مع إيران، المتهمة منهما بالسعي إلى الحصول على القنبلة النووية. ويقوم السيناريو الأول على أن تهاجم إسرائيل إيران وحدها، أما الثاني فيقوم على أن تبدأ إسرائيل الهجوم مع دعم أميركي من الخلف، أي أن يكون التنفيذ إسرائيليا والدعم أميركيا، من حيث التزود بالذخيرة وحماية إسرائيل من الرد الإيراني، وأما السيناريو الثالث، هو أن تشترك واشنطن وتل أبيب في العملية، وهو أمر مستبعد، كما يقول العميد حنا. وأوضح أن إسرائيل غير قادرة على ضرب إيران بمفردها لعدة أسباب، لأنها لا تملك الإمكانات الكافية، ولأنها لا تعلم كيف سيكون الرد الإيراني، وكيف ستضمن -أي إسرائيل- أمنها الداخلي إذا أطلقت إيران 1000 صاروخ باتجاهها. وقلل العميد حنا -في تحليل للمشهد الإيراني- من أهمية الإجراءات الأميركية المتعلقة بإخلاء السفارات الأميركية في بعض الدول، وقال إن المؤشرات لا توحي أن الحرب واقعة غدا، فلا يوجد تحرك أميركي لحاملات الطائرات كما حصل خلال الضربات التي تم شنها على جماعة أنصار الله (الحوثيين). كما أوضح أن ضرب المفاعلات النووية أو مراكز التخصيب يحتاج إلى تحليق مستمر للطيران الإسرائيلي فوق الأراضي الإيرانية، واعتبر أن الأمر سيكون خطِرا لو حصل. دخول إلى العمق وأشار العميد حنا إلى أن الطيران الإسرائيلي لم يدخل الأجواء الإيرانية عندما قام بسلسلة من الغارات الجوية على إيران في أكتوبر/تشرين الأول 2024، و"إذا أراد اليوم أن يضرب المفاعلات النووية فهو يحتاج الدخول إلى عمق الأراضي الإيرانية، لا سيما وأن طهران قامت بتوزيع المواقع النووية". وكانت وكالة أسوشيتد برس قد نقلت عن مسؤولين أميركيين قولهم، إن وزارة الخارجية الأميركية تستعد لإصدار أمر بمغادرة جميع العاملين غير الأساسيين من السفارة الأميركية وأفراد عائلاتهم في بغداد والبحرين والكويت. ومن جهة أخرى، قال الخبير العسكري والإستراتيجي، إن واشنطن وتل أبيب تتفقان على منع إيران من امتلاك السلاح النووي ومن قيامها بالتخصيب خارج أراضيها. ويذكر أن مجلس محافظي الوكالة الدولية للطاقة الذرية أصدر-اليوم الخميس- قرارا يتهم إيران بعدم الامتثال لالتزاماتها بالضمانات النووية، في حين نددت طهران بالقرار وردت بتشغيل مركز جديد ل تخصيب اليورانيوم. ووصفت الخارجية وهيئة الطاقة الذرية الإيرانيتان قرار مجلس محافظي الوكالة الدولية للطاقة الذرية بأنه "سياسي ويكشف طبيعتها"، وأشارتا إلى أن "سياسة التعاون مع الوكالة أدت إلى نتائج عكسية بسبب التعامل السياسي".

مع تزايد التهديدات العسكرية.. ما استعدادات إيران للرد؟
مع تزايد التهديدات العسكرية.. ما استعدادات إيران للرد؟

الجزيرة

timeمنذ ساعة واحدة

  • الجزيرة

مع تزايد التهديدات العسكرية.. ما استعدادات إيران للرد؟

طهران- في ظل التهديدات الأميركية المتصاعدة بالتحرك عسكريا ضد طهران إذا فشلت المفاوضات النووية المتعثرة بينهما أثار تزايد المؤشرات على استعداد إسرائيل لشن ضربة عسكرية ضد المنشآت النووية الإيرانية تساؤلات عن مدى جاهزية إيران للتصدي لأي ضربة متوقعة. ولا يخفى على المتابع للشأن الإيراني بأن المؤسسة العسكرية الإيرانية قد وضعت على أهبة الاستعداد منذ أكثر من عام، حيث خرج الصراع بين تل أبيب وطهران من المنطقة الرمادية إلى المواجهات العسكرية العلنية، وكثفت الأخيرة مناوراتها بالذخيرة الحية وتجاربها العسكرية عقب عودة الرئيس دونالد ترامب إلى البيت الأبيض. فبعد إعلانها رسميا عن تجارب ناجحة على منظومات دفاع جوي متطورة ومسيّرات حديثة وتقارير غير رسمية أخرى تتحدث عن استخدامها لأول مرة أسلحة بلازمية (تستعين بمصادر طاقة قوية وموجات كهرومغناطيسية لتحولها إلى قدرات مدمرة)، تتعمد طهران الكشف عن حصولها على "كنز إستراتيجي" من الوثائق والمعلومات السرية المتعلقة بالبرنامج النووي الإسرائيلي وتعلن عن إجراء تجربة ناجحة لصاروخ برأس حربي يزن طنين. من ناحيته، هدد وزير الدفاع الإيراني العميد عزيز نصير زاده الأربعاء الماضي بأن کافة القواعد الأميركية "تحت مرمانا، وسنستهدف تلك القواعد إذا فرض علينا صراع"، لتعلن واشنطن إثر التهديد الإيراني إجلاء عدد من موظفيها العسكريين والدبلوماسيين من المنطقة، مما يرسم علامة استفهام عما إذا كانت الخطوة الأميركية مؤشرا على اقتراب توقيت المواجهة. إعلان خطط المواجهة وطالما برزت التهديدات الأميركية والإسرائيلية عاملا رئيسيا في تحديد الإستراتيجيات الدفاعية الإيرانية منذ عقود. ويقول الباحث في الشؤون العسكرية والأمنية مهدي بختياري، المعروف بقربه من الحرس الثوري الإيراني ، إن بلاده سبق وخططت لمواجهة أسوأ السيناريوهات العسكرية، وعملت على تعزيزها باستمرار بالتناسب مع تطور التهديدات، وحرصت على محاكاتها من خلال مناوراتها الدورية. ويوضح بختياري للجزيرة نت أن طهران عملت خلال العقود الماضية على تحديث قدرات مختلف قواتها العسكرية -ولا سيما الجوية والبحرية منها- وفقا لتقديراتها الإستراتيجية عن طبيعة التهديدات وحجمها وخطورتها. وأضاف أن تجربة تنفيذ بلاده عمليتي الوعد الصادق الأولى والثانية، وكذلك القصف الإسرائيلي ضدها العام الماضي ساهما في تحديث قدراتها ورفع جاهزيتها العسكرية إلى مرحلة متقدمة جدا. وأضاف أن ذلك تم بناء على مرتكزات قوة طهران من جهة وكشفها الثغرات العسكرية لديها والعدو، موضحا أن المضادات الجوية الإيرانية شهدت تحولا لافتا جدا خلال الأشهر القليلة الماضية. بنك أهداف ويشير بختياري إلى أنه من دون أدنى شك لن تكشف الدول المصنعة للأسلحة مثل إيران عن جميع أوراقها وتسليحاتها وتحتفظ بجزء كبير منها، ويرجع سبب تزايد وتيرة كشف إيران عن إنجازاتها العسكرية إلى تصاعد التهديدات العسكرية والأمنية منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023. وبرأي المتحدث نفسه، فإن طهران حدّثت بنك أهدافها في كيان الاحتلال من خلال الوثائق السرية التي كشفت عنها مؤخرا، مضيفا أنه في حال تحركت إسرائيل منفردة ضد إيران دون انخراط الولايات المتحدة الأميركية في المعركة فقد تسنح الفرصة للثأر لجميع ضحايا العدوان الصهيوني الأخير على كل من غزة ولبنان واليمن وسوريا. أما في حال نجاح رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو المطلوب للمحكمة الجنائية الدولية بتهمة ارتكاب جرائم حرب في غزة في استدراج واشنطن -بحسب بختياري- فستكون المعركة سجالا وستتكبد أميركا خسائر فادحة في الشرق الأوسط. وأضاف أن لدى بلاده خططا محكمة للتعامل مع جميع القواعد الأميركية الثابتة والمتحركة في المنطقة، وأن التعامل مع الكيان الإسرائيلي سيكون بمثابة قاعدة أميركية ثابتة في الشرق الأوسط. وبرأيه، يسعى نتنياهو جاهدا إلى فتح مواجهة مع إيران لمصادرة أزماته الداخلية من جهة وليضع ترامب أمام الأمر الواقع من جهة أخرى بذريعة تعرّض أمن كيان الاحتلال لخطر وجودي من إيران، مما يلزم البنتاغون بالتحرك لحمايته. مصادر التهديد وبينما تراقب "القوات المسلحة الإيرانية التهديدات بأعين مفتوحة وأيديها على الزناد" يقول الخبير العسكري والعقيد المتقاعد في الحرس الثوري محمد رضا محمدي إن بلاده سبق أن أخطرت الدول المضيفة للقواعد الأميركية بأن أي هجوم سيواجه بتدمير "مصدر التهديد بالكامل". وفي حديثه للجزيرة نت، يضيف محمدي أن طهران تمتلك بالفعل ترسانة صاروخية "ضخمة" تجعلها في مقدمة الدول الإقليمية في هذا المجال، موضحا أنها طورت صواريخ باليستية مناسبة لمواجهة الهجمات الإسرائيلية والأميركية على حد سواء. واستدرك أن طهران لم تستخدم بعضا من الصواريخ مثل "خرمشهر-4" رغم الكشف عنه سابقا، إلى جانب تصميمها صواريخ كروز مناسبة لاستهداف السفن وحاملات الطائرات. وتعوّل إيران على منظومات الدفاع الجوي المحلية -وعلى رأسها "باور-373"- لحماية سمائها، وفق العقيد المتقاعد في الحرس الثوري، فضلا عن امتلاكها مقاتلات متطورة ومنظومات ورادارات حصلت عليها من الدول الحليفة، مؤكدا تركيب طبقات متعددة من المضادات الجوية في أطراف المنشآت الحيوية وعلى قمم الجبال المنتشرة بربوع البلاد. حلفاء جاهزون وبرأيه، فإن العامل الجغرافي ومساحة إيران الشاسعة يمكنانها من نشر ترساناتها العسكرية في ربوع البلاد، والتي يستحيل القضاء عليها عبر هجمات عسكرية مهما بلغت شدتها، لأن بعض خطوط الإنتاج مشيدة مئات الأمتار تحت الأرض وسلاسل الجبال، وأن بعضا منها منفصل تماما عن الأجهزة الالكترونية لمنع شلها عبر الهجمات السيبرانية. ويعتبر محمدي أن عنصر الهجمات الخاطفة لم يعد يجدي نفعا مع إيران التي جربت الحرب مع النظام العراقي السابق على مدى 8 أعوام، موضحا أنه بإمكان "العدو" أن يطلق شرارة الحرب لكنه لن يستطيع إخماد نيرانها. واستدرك أنه لا يستبعد أن تصير أراضي الولايات المتحدة في مرمى نيران الصواريخ الإيرانية في حال اتخاذ طهران قرارا بتطوير صواريخ عابرة للقارات، وهي مهمة ليست عصيبة على الأطراف التي تمتلك صواريخ حاملة للأقمار الصناعية. وأشار القيادي السابق في الحرس الثوري إلى أنه ليس في وارد الخوض في قدرات إيران العسكرية التي لم تكشف عنها بعد، لكن قد يتلقي العدو ضربات من المسافة صفر لم تكن في الحسبان، وأن إيران قد أعدت خططا وجهزت فصائل حليفة للقيام بالواجب عندما تستدعي الحاجة، مستدركا أنه مخطئ من يظن أن محور المقاومة قد انتهى، وأن أيادي شبكاته المدربة والمجهزة على الزناد وجاهزة للتفعيل. وبينما تشير جميع المؤشرات إلى رفع إيران حالة التأهب إلى الحد الأقصى يتساءل مراقبون عما إذا كانت ورقة الضغط العسكري الإيرانية في ردع إسرائيل ستنجح، أم أن المنطقة مقبلة على عاصفة لا تبقي ولا تذر في حال فشل المفاوضات النووية المتعثرة بين طهران وواشنطن بوساطة عُمانية؟

اشتباك الهيمنة والضمائر: الحالة الذهنية الإسرائيلية بعد غزة
اشتباك الهيمنة والضمائر: الحالة الذهنية الإسرائيلية بعد غزة

الجزيرة

timeمنذ ساعة واحدة

  • الجزيرة

اشتباك الهيمنة والضمائر: الحالة الذهنية الإسرائيلية بعد غزة

بين فوهة البندقية وصدع الروح منذ العدوان الإسرائيلي الأخير على غزة، برزت مجدداً مفارقة لا تهدأ في داخل المجتمع الإسرائيلي: التزامه الظاهري بسياسة الردع العسكري، مقابل ما يمكن تسميته "تململ الضمير الجماعي". ليست هذه المفارقة وليدة اللحظة، لكنها هذه المرة أشد فتكاً، لأن أصداء الحرب لم تتوقف عند حدود الأنقاض في غزة، بل تسربت إلى الداخل الإسرائيلي نفسه، ككابوس أخلاقي لا يمكن قمعه بالإعلام ولا تخديره بالدعاية. يبدو أن إسرائيل، في سعيها لتثبيت هيمنتها عبر القوة الغاشمة، تصطدم بجدار داخلي يتصدع من الأسئلة لا من القنابل: من نكون حين نقصف البيوت؟ ماذا يعني "أمننا" حين يتأسس على موت الآخر؟ هل يمكن لدولة أن تنتصر ميدانياً وتنهزم أخلاقياً في اللحظة ذاتها؟ صورة جندي إسرائيلي يحمل قاذفة في زقاق ضيق، وخلفه جثة لامرأة أو رضيع، لم تعد مشهداً عابراً في وعي الإسرائيلي العادي؛ وسائل التواصل الاجتماعي كسرت الاحتكار السردي قوة بلا معنى: حين تتحول الهيمنة إلى خواء أخلاقي في الحرب الأخيرة، بدا واضحاً أن إسرائيل لم تعد تخوض معاركها فقط ضد "عدو خارجي" بل أيضاً ضد "معنى داخلي" متآكل.. كثافة التدمير، واستهداف المدنيين، ومشاهد المجازر التي تناقلها العالم، لم تعد أحداثاً قابلة للطمس في الأذهان الإسرائيلية. ولأول مرة منذ عقود، بدأت تتسلل إلى الحيز العام أصوات -وإن خافتة- تتساءل عن معاني "السيطرة" و"الردع" و"أخلاقيات الحرب". تتجلى أزمة إسرائيل الراهنة في كونها باتت تسعى إلى حماية وهم التفوق، بينما تنهار سرديتها الأخلاقية من الداخل. الهيمنة، حين تمارس بلا أفق، تصبح عبئاً روحياً، وتتحول من منطق سيطرة إلى مظهر هش يُفضح مع كل صرخة طفل تحت الركام. إعلان السردية تنهار: غزة كمرآة قاتلة ما لم تدركه المؤسسة السياسية الإسرائيلية هو أن غزة، وإن كانت محاصرة جغرافياً، قد تحولت إلى مرآة ثقيلة تفرض على الإسرائيليين مواجهة ذواتهم؛ وكلما اشتدت آلة القتل، اتسع الشرخ في الرواية التي تروج للجيش الأكثر أخلاقية في العالم. صورة جندي إسرائيلي يحمل قاذفة في زقاق ضيق، وخلفه جثة لامرأة أو رضيع، لم تعد مشهداً عابراً في وعي الإسرائيلي العادي؛ وسائل التواصل الاجتماعي كسرت الاحتكار السردي.. بات الصراع اليوم بين صورة الدبابة وصورة الجثة، بين لحظة الزهو العسكري ولحظة الخزي الأخلاقي. التشقق النفسي: جبهات داخلية تغلي في الداخل الإسرائيلي، ترتفع أصوات من فئات أكاديمية ونفسية تشير إلى ارتفاع معدلات القلق، والاكتئاب، والمشاعر الأخلاقية المربكة في صفوف الجنود والمجتمع.. هؤلاء لم يعودوا واثقين مما يدافعون عنه. الكوابيس لا تأتي من صواريخ المقاومة، بل من مشاهد البيوت المنهارة التي شاهدوها أثناء تنفيذ "المهمات". الجندي العائد من غزة -كما تروي شهادات متعددة- لا يعود كما ذهب! ليس فقط لأن الحرب تترك آثارها، بل لأن ما يُطلب منه تنفيذه لم يعد ينسجم حتى مع الحد الأدنى من القيم، التي يدعي المجتمع الإسرائيلي الالتزام بها. هذا ما نسميه بـ"اشتعال الضمير المؤجل"، لحظة الانفجار النفسي والأخلاقي التي تهدد تماسك الداخل أكثر من أي هجوم خارجي. النكوص إلى العنف: حين يفشل العقل تلجأ الدولة إلى النار بدل أن تتوقف إسرائيل لمراجعة سرديتها، اختارت الانكفاء إلى الداخل والاستماتة في تثبيت صورتها بالقوة. هذا النكوص إلى العنف هو بحد ذاته دليل انهيار.. الدولة الواثقة لا تحتاج إلى مجازر كي تثبت شرعيتها، أما الدولة التي تفقد الثقة في ذاتها، فإنها تضاعف جرعات القتل لعلها تُصمت الأصوات التي تنبع من باطنها. الهجوم على غزة لم يكن استعراضاً للقوة فقط، بل كان أيضاً قمعاً داخلياً لرعب من الذات. ولهذا لا يمكن قراءة المشهد إلا باعتباره صراعاً نفسياً في ذاتٍ استعمارية تحاول النجاة من مرآة غزة التي تكشف عريها الإنساني والأخلاقي. إن اشتباك الهيمنة والضمائر هذا لا يمكن أن يُحسم بالدبابات، بل بتفكيك الذات الاستعمارية من الداخل، وهو ما يبدو أن إسرائيل تتهرب منه، بينما يطاردها يوماً بعد آخر هل تتفكك إسرائيل من داخلها؟ ما تعيشه إسرائيل اليوم ليس مجرد مأزق سياسي أو أزمة "أمنية"، بل هو اختلال في المعنى؛ فالدولة التي قامت على السردية التاريخية للنجاة والحق، تجد نفسها محاطة بالأسئلة الوجودية بعدما أصبحت غزة -لا تل أبيب- هي مركز ثقل السرد الأخلاقي في المنطقة.. والسؤال إذاً لم يعد: هل تنتصر إسرائيل عسكرياً؟ بل: هل يمكن لمجتمع أن يبقى متماسكاً وهو يغتال المعنى في كل قصف، ويصادر الضمير في كل عملية؟ إعلان إن اشتباك الهيمنة والضمائر هذا لا يمكن أن يُحسم بالدبابات، بل بتفكيك الذات الاستعمارية من الداخل، وهو ما يبدو أن إسرائيل تتهرب منه، بينما يطاردها يوماً بعد آخر.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

مستعد لاستكشاف الأخبار والأحداث العالمية؟ حمّل التطبيق الآن من متجر التطبيقات المفضل لديك وابدأ رحلتك لاكتشاف ما يجري حولك.
app-storeplay-store