
الوساطة القطرية في شرقي الكونغو.. دور دبلوماسي متصاعد بين المصالح الإقليمية والتحديات الأمنية
استضافت العاصمة القطرية الدوحة في 18 مارس الجاري لقاء قمة بين رئيسي رواندا، بول كاجامي، وجمهورية الكونغو الديمقراطية، فليكس تشيسيكيدي، وذلك لمناقشة الأزمة المتصاعدة بين بلديهما في شرقي الكونغو.
جاء هذا اللقاء بعد تأجيل مفاجئ للقمة التي كانت مقررة في ديسمبر الماضي، وبعد سلسلة من المحاولات الإقليمية الفاشلة للتوصل إلى حل وسط، كان آخرها قمة مشتركة لوزراء خارجية دول جماعة شرق إفريقيا (EAC) ومجموعة التنمية لإفريقيا الجنوبية (SADC) في دار السلام يومي 16 و17 مارس.
بيان الدوحة: خطوة نحو بناء الثقة؟
أسفرت القمة عن بيان مشترك أكد على 'الجهود المبذولة لتهدئة الوضع في شرق جمهورية الكونغو الديمقراطية'، مع الإشارة إلى التقدم الذي أحرزته عمليتا لواندا ونيروبي.
وأشار البيان إلى التزام جميع الأطراف بوقف فوري وغير مشروط لإطلاق النار، واتفاق القادة على استمرار المناقشات في الدوحة لبناء أسس لتحقيق السلام المستدام.
إلا أن البيان لم يخرج بأي التزامات سياسية أو أمنية واضحة، بل ركّز بشكل أساسي على بناء الثقة بين الطرفين.
ومن اللافت أن موقف الرئاسة الرواندية بعد القمة كشف عن استمرار الخلافات الجوهرية، حيث أكدت كيجالي على ضرورة إجراء محادثات مباشرة بين كينشاسا وحركة 23 مارس المتمردة كشرط أساسي لأي تقدم في عملية السلام، وهو ما يعكس تمسك رواندا بمواقفها السابقة التي كانت ترفضها كينشاسا بشكل قاطع.
المصالح القطرية في إفريقيا
تأتي الوساطة القطرية في سياق استراتيجيتها لتعزيز حضورها في القارة الإفريقية، بما يتماشى مع أولويات سياستها الخارجية التي تم تكريسها بشكل مؤسسي منذ عام 2023.
فبعد نجاحات متفاوتة في وساطاتها بين دول مثل إريتريا وجيبوتي (2011)، والسودان (2013)، وليبيا (2015)، والصومال وكينيا (2021)، تسعى الدوحة إلى ترسيخ دورها كلاعب محوري في حل النزاعات الإفريقية.
وتتمتع قطر بعلاقات وثيقة مع كل من رواندا والكونغو الديمقراطية، حيث تمتلك استثمارات كبيرة في رواندا، لا سيما في قطاع النقل الجوي، كما تسعى لتعزيز التعاون الاقتصادي مع كينشاسا، التي زار رئيسها قطر في يناير 2025 لمناقشة فرص استثمارية.
وهذا يفسر اهتمام قطر بالوساطة بين البلدين، ليس فقط لتحقيق السلام، ولكن أيضًا لتأمين مصالحها الاقتصادية في المنطقة.
مستقبل الأزمة: تهدئة أم تصعيد؟
رغم التفاؤل الذي أثارته قمة الدوحة، إلا أن المعطيات الحالية لا تعكس أفقًا حقيقيًا للتهدئة. فقد انسحبت حركة 23 مارس من محادثات السلام في أنجولا بعد فرض الاتحاد الأوروبي عقوبات على قادتها، مما قد يدفع كينشاسا إلى التشدد في موقفها مرة أخرى.
كما أن استمرار الدعم الرواندي للحركة، وفق تقارير أممية، إلى جانب دور أوغندا في زعزعة الاستقرار، يشير إلى أن الصراع قد يكون مرشحًا للتفاقم.
إضافة إلى ذلك، فإن استغلال رواندا وأوغندا للموارد المعدنية في شرقي الكونغو، وبيعها عبر قنوات غير رسمية، يمثل دافعًا قويًا لاستمرار حالة عدم الاستقرار.
كما أن غياب دور فاعل للاتحاد الإفريقي وتراجع نفوذه في حل الأزمة يترك المجال مفتوحًا للتدخلات الخارجية، بما في ذلك الولايات المتحدة، التي قد تلعب دورًا حاسمًا إذا قررت إدارة الرئيس دونالد ترامب تقديم دعم أكبر لنظام تشيسيكيدي مقابل امتيازات اقتصادية.
تشكل قمة الدوحة محاولة مهمة لكسر الجمود السياسي بين رواندا والكونغو الديمقراطية، إلا أنها لا تزال بعيدة عن تحقيق اختراق حقيقي في الأزمة.
وبينما تسعى قطر إلى توظيف وساطتها لتعزيز مصالحها في إفريقيا، يبقى مستقبل الأزمة مرهونًا بمواقف اللاعبين الإقليميين والدوليين.
ومع تزايد التعقيدات السياسية والميدانية، قد تتحول قمة الدوحة إلى مجرد محطة عابرة في مسار طويل من التوترات، ما لم يحدث تغيير جوهري في حسابات الأطراف الفاعلة في الصراع.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


كويت نيوز
منذ 3 ساعات
- كويت نيوز
ترمب يضغط على أوروبا لخفض الرسوم الجمركية.. على السلع الأمريكية
قالت صحيفة 'فاينانشال تايمز'، اليوم الجمعة، إن المفاوضين التجاريين للرئيس الأمريكي دونالد ترامب يضغطون على الاتحاد الأوروبي لخفض الرسوم الجمركية من جانب واحد على السلع الأمريكية. ووفقاً للصحيفة فإن المفاوضين يقولون إنه من دون تنازلات لن يحرز الاتحاد تقدماً في المحادثات لتجنب رسوم مضادة إضافية بنسبة 20%. ونقلت الصحيفة عن مصادر لم تسمها القول إن الممثل التجاري الأمريكي جيميسون جرير يستعد لإبلاغ المفوض التجاري الأوروبي ماروش شفتشوفيتش بأن 'مذكرة توضيحية' قدمتها بروكسل في الآونة الأخيرة للمحادثات لا ترقى إلى مستوى التوقعات الأمريكية. وأضافت الصحيفة، أن الاتحاد الأوروبي يسعى للتوصل إلى نص إطاري متفق عليه بشكل مشترك للمحادثات، لكن الجانبين لا يزالان متباعدين إلى حد كبير. وفرضت الولايات المتحدة رسوماً جمركية 25% على السيارات والصلب والألمنيوم من الاتحاد الأوروبي في مارس، و20% على سلع أخرى من الاتحاد في أبريل الماضي. وخفضت بعد ذلك الرسوم البالغة 20% إلى النصف حتى الثامن من يوليو المقبل، مما أعطى مهلة 90 يوماً لإجراء محادثات للتوصل إلى اتفاق أكثر شمولاً بشأن الرسوم الجمركية. ورداً على ذلك، علق الاتحاد الذي يضم 27 دولة خططه لفرض رسوم جمركية مضادة على بعض السلع الأمريكية، واقترح إلغاء جميع الرسوم الجمركية على السلع الصناعية من كلا الجانبين.


الرأي
منذ 2 أيام
- الرأي
الكويت: تكثيف الجهود الدولية لإنهاء مُعاناة الشعب اليمني
- دور بارز للصندوق الكويتي للتنمية في تنفيذ مشاريع حيوية تُعزّز قُدرة اليمنيين على الصمود بروكسل - كونا - أكّدت دولة الكويت، موقفها الثابت الداعم للحل السياسي الشامل للأزمة اليمنية وفقاً للمرجعيات الثلاث، وهي المبادرة الخليجية وآلياتها التنفيذية ومخرجات مؤتمر الحوار الوطني الشامل وقرار مجلس الأمن رقم 2216. جاء ذلك في كلمة ألقاها سفير الكويت لدى مملكة بلجيكا ورئيس بعثتيها لدى الاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي (الناتو) نواف العنزي، خلال مشاركته، الأربعاء، في الاجتماع السابع لكبار المسؤولين المعنيين بالمساعدات الإنسانية المقدمة إلى اليمن، الذي استضافته بروكسل بدعوة مشتركة من الاتحاد الأوروبي ومملكة السويد. ورحب السفير العنزي بالدعوة التي وجهها وزراء خارجية دول الاتحاد الأوروبي لإعادة الزخم لمسار السلام في اليمن، مؤكداً أهمية تكثيف الجهود الدولية من أجل إنهاء معاناة الشعب اليمني وتحقيق الأمن والاستقرار في البلاد. واستعرض العنزي، خلال كلمته، المساهمات الإنسانية التي قدمتها الكويت لدعم الوضع الإنساني في اليمن، مشيراً إلى الدور البارز الذي يقوم به الصندوق الكويتي للتنمية الاقتصادية العربية في تنفيذ مشاريع بنية تحتية حيوية في عدد من القطاعات الرئيسية، بهدف تحسين الحياة اليومية للشعب اليمني وتعزيز قدراته على الصمود. وأوضح أن الصندوق وقع أخيراً اتفاقية مع المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، لتمويل مشروع إعادة تأهيل مساكن النازحين داخلياً، والذي من المتوقع أن تستفيد منه نحو 670 أسرة يمنية، مشدداً على أهمية استمرار توفير الدعم للجهود الإنسانية رغم التراجع الملحوظ في مستويات التمويل المقدم من الدول والمنظمات الدولية.


الجريدة
منذ 2 أيام
- الجريدة
إدانة أوروبية واسعة لاستهداف اسرائيل دبلوماسيين بالضفة
نددت دول أوروبية الخميس بواقعة إطلاق جنود إسرائيليين النار قرب وفد دبلوماسي في الضفة الغربية المحتلة، إذ استدعت إيطاليا وفرنسا سفيري إسرائيل لتوضيح ما حدث. وقال الجيش الإسرائيلي إن الوفد «انحرف عن المسار المعتمد ودخل منطقة غير مصرح له بالوجود فيها»، وإن الجنود أطلقوا «طلقات تحذيرية لإبعاد أعضائه». وأكد الجيش عدم وقوع إصابات أو أضرار. وعرض التلفزيون الإسرائيلي مقاطع ظهر فيها أشخاص يركضون نحو سيارات تحمل لوحات دبلوماسية بينما أمكن سماع دوي إطلاق نار. ووصف وزير الخارجية الفرنسي جان نويل بارو في منشور على إكس الحادث بأنه «غير مقبول»، في حين قال نظيره الإيطالي أنطونيو تاياني إن سفير إسرائيل في إيطاليا سيتعين عليه تفسير تصرفاتها. واستنكرت وزارة الخارجية الألمانية ما وصفته «بإطلاق النار غير المبرر». وقالت إن الوفد المتوجه إلى مدينة جنين بالضفة الغربية مسجل رسمياً ويقوم بأنشطة دبلوماسية بالتنسيق مع السلطة الفلسطينية والجيش الإسرائيلي. وألمانيا حليف قوي لإسرائيل. وأكدت مسؤولة السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي كايا كالاس أنها علمت بالواقعة التي حدثت خلال زيارة لدبلوماسيين دوليين نظمتها السلطة الفلسطينية. وقالت «نحث إسرائيل بالتأكيد على التحقيق في الواقعة ومحاسبة المسؤولين عنها وعن أي تهديدات لحياة الدبلوماسيين». وتأتي الواقعة في ظل تزايد الضغوط الدولية على إسرائيل لوقف حربها في غزة والسماح بوصول المساعدات إلى السكان الذين يقول خبراء الأمم المتحدة إنهم على شفا المجاعة بعد حصار إسرائيلي استمر 11 أسبوعا. وطالبت كالاس أمس الثلاثاء بمراجعة اتفاقية التجارة بين الاتحاد الأوروبي وإسرائيل ردا على أفعالها في غزة، وهو ما يسلط الضوء على تنامي العزلة الدولية لإسرائيل بسبب سلوكها في حرب غزة المستمرة منذ 20 شهرا. وفي أنقرة، قالت وزارة الخارجية التركية إن إطلاق النار على الدبلوماسيين، وبينهم أتراك، «دليل آخر على تجاهل إسرائيل المنهجي للقانون الدولي وحقوق الإنسان». وقالت وزارة الخارجية الإسبانية إن أحد رعاياها كان ضمن مجموعة الدبلوماسيين ولم يصب بأذى. وأضافت في بيان «نحن على اتصال بالدول المتضررة الأخرى لتنسيق الرد المشترك على الواقعة، والتي نستنكرها بشدة». وأعلنت وزارة الخارجية الفلسطينية أن الوفد كان «يقوم بجولة ميدانية في محيط مخيم (جنين) للاطلاع على حجم المعاناة الكبيرة التي يتعرض لها المواطنون في المحافظة»، ووصفت الوزارة تصرفات الجيش الإسرائيلي بأنها انتهاك للقانون الدولي. وأصدرت وزارة الخارجية المصرية بيانا أدانت فيه الواقعة مشيرة إلى أن السفير المصري في رام الله كان ضمن الوفد الدبلوماسي الزائر. ووصفت الواقعة بأنها «منافية لكافة الأعراف الدبلوماسية»، وطالبت الجانب الإسرائيلي «بتقديم التوضيحات اللازمة». وقتل الجيش الإسرائيلي عشرات الفلسطينيين ودمر الكثير من المنازل في الضفة الغربية منذ أن شن عملية في يناير كانون الثاني في جنين للقضاء على مسلحين.