logo
بريطانيا وفلسطين.. من وعد بلفور إلى الاعتراف المشروط (تسلسل زمني)

بريطانيا وفلسطين.. من وعد بلفور إلى الاعتراف المشروط (تسلسل زمني)

منذ أن أصدر وزير الخارجية البريطاني آرثر بلفور "وعد بلفور" الشهير عام 1917، بإنشاء وطن قومي لليهود على أرض فلسطين، شهدت القضية الفلسطينية سلسلة من الأحداث التاريخية المفصلية، كان لبريطانيا فيها دور محوري، تراوح بين الرعاية المباشرة للمشروع الصهيوني والمواقف المتذبذبة تجاه حقوق الفلسطينيين وتطلعاتهم الوطنية.
وأعلنت الحكومة البريطانية، الثلاثاء، نيتها الاعتراف بدولة فلسطين ودعمها لحل الدولتين في سبتمبر المقبل، ما لم تنه إسرائيل حربها على غزة، وسط ترحيب عربي ورفض أميركي وإسرائيلي.
ويرصد التقرير التالي أبرز المواقف البريطانية المؤثرة في مسار القضية الفلسطينية منذ عام 1917 وحتى الآن، إذ اعتبر سياسيون بريطانيون في حديثهم لـ"الشرق" أن إعلان لندن عزمها الاعتراف بدولة فلسطينية، خطوة متأخرة وقراراً "مراوغاً" يتيح لإسرائيل الالتفاف عليه، فيما رأى آخرون أن توجّه الحكومة البريطانية مهماً وتحظى بزخم لما لها من ثقل إقليمي ودولي.
نوفمبر 1917.. وعد بلفور
في نوفمبر 1917، أصدر رئيس الوزراء البريطاني آرثر بلفور الذي كان يشغل آنذاك منصب وزير الخارجية "وعد بلفور" والذي أعلن فيه دعم بريطانيا لإنشاء وطن قومي لليهود في فلسطين، مع التأكيد على عدم الإضرار بحقوق السكان الفلسطينيين الأصليين، وكان هذا الوعد نتيجة تفاهمات سابقة مثل اتفاقية سايكس بيكو (1916).
وفي هذا السياق، قال عضو حزب العمال البريطاني مارك داسورث، إن بريطانيا هي من تسببت في "الظلم الهائل" بسبب وعد بلفور الذي "سلّم" فلسطين لليهود الأوروبيين عام 1948، ما أدّى إلى تهجير نحو 750 ألف فلسطيني خلال النكبة.
ويتوافق مع هذا الاعتراف، حديث وزير الخارجية البريطاني ديفيد لامي، في مؤتمر حل الدولتين بالأمم المتحدة في نيويورك عندما قال إن "إعلان بلفور تضمّن وعداً جلياً بأن لا يتم القيام بأي شيء من شأنه المساس بالحقوق المدنية والدينية' للشعب الفلسطيني كذلك إلا أن هذا الوعد لم يتم الوفاء به، وهو يشكل ظلماً تاريخياً لا يزال يتكشف أمام أعيننا".
فيما رأى عضو حزب المحافظين البريطاني، باباك أماميان أن تردد بريطانيا التاريخي تجاه الاعتراف بفلسطين، يرتبط بماضيها الاستعماري في الشرق الأوسط، لافتاً إلى أن تصاعد تأثير الجاليات المسلمة في أوروبا جعل قضايا المنطقة جزءاً من السياسات الداخلية البريطانية.
نص وعد بلفور
وزارة الخارجية، 2 نوفمبر 1917
عزيزي اللورد روتشيلد،
يسرني أن أنقل إليكم، نيابة عن حكومة صاحب الجلالة، الإعلان التالي الذي يعبر عن تعاطفنا مع تطلعات الصهيونية اليهودية، وقد تم تقديمه إلى الحكومة ونال موافقتها:
"تنظر حكومة صاحب الجلالة بعين العطف إلى إقامة وطن قومي للشعب اليهودي في فلسطين، وستبذل قصارى جهدها لتسهيل تحقيق هذا الهدف، على أن يُفهم جلياً أنه لن يُتخذ أي إجراء من شأنه أن يَمس الحقوق المدنية والدينية للجماعات غير اليهودية المقيمة في فلسطين، أو الحقوق والوضع السياسي الذي يتمتع به اليهود في أي بلد آخر."
أكون ممتناً لو تفضلتم بإبلاغ هذا الإعلان إلى الاتحاد الصهيوني.
المخلص
آرثر جيمس بلفور
ولم يبتعد الخبير البريطاني في الشؤون الجيوستراتيجية والعلاقات الدولية، ويليام وارد، برأيه عن سابقيه، قائلاً إنه على الرغم من أن وعد بلفور دعا إلى التزام بريطانيا بعدم المساس بحقوق الفلسطينيين إلّا أنه منذ الانتداب البريطاني عام 1920 لم يُحترم هذا الوعد، ولا يزال "يمثل ظلماً تاريخياً ينتقص من الحقوق المدنية للفلسطينيين".
واعتبر أن الموجة الأخيرة من التعاطف الشعبي البريطاني ستدفع الحكومة إلى إعادة النظر في استراتيجيتها طويلة المدى تجاه القضية الفلسطينية، مستشهداً بفترة الانتداب البريطاني.
وأوضح أن اعتزام لندن الاعتراف بدولة فلسطينية لا يُعد تحولاً جذرياً، بل خطوة متأخرة في مسار طال انتظاره، مشيراً إلى أن حكومة كير ستارمر تواجه ضغوطاً داخلية متصاعدة من الرأي العام البريطاني، بمن فيهم قطاعات من اليهود البريطانيين، بسبب سلوك حكومة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في غزة.
بداية الاستعمار البريطاني لفلسطين
بدأ الاستعمار البريطاني لفلسطين بمعركة غزة في نوفمبر 1917 ومعركة القدس في 9 ديسمبر من العام ذاته، ضد العثمانيين في أعقاب الحرب العالمية الأولى، وتوالت بعدها معارك مثل معركة مرج بن عامر واحتلال الناصرة والجليل الأعلى حتى سبتمبر 1918، ثم السيطرة على عكا وصفد، وفق حديث المؤرخ الفلسطيني مصطفى كبها لـ"الشرق".
وفي عام 1917، عرضت الحكومة البريطانية إعلان بلفور على فرنسا وإيطاليا، وقد وافقتا عليه رسمياً في 1918، ثم تبعهما الرئيس الأميركي وودرو ويلسون عام 1919 وكذلك اليابان، ووفقاً لمركز المعلومات الوطني الفلسطيني.
ونادت اللجنة العربية التنفيذية برئاسة موسى كاظم الحسيني بثلاثة مطالب هي: (إقامة الدولة الفلسطينية، إلغاء الانتداب البريطاني، وقف الهجرة اليهودية"، وفقاً لـ"كبها".
تطبيق الانتداب البريطاني على فلسطين
في 25 أبريل 1920، وافق المجلس الأعلى لقوات الحلفاء في مؤتمر سان ريمو على تسليم الانتداب البريطاني على فلسطين، وتطبيق وعد بلفور. وفي 24 يوليو 1922، أقرّت عصبة الأمم مشروع الانتداب الذي دخل حيّز التنفيذ في 29 سبتمبر 1923، وفق المركز الوطني الفلسطيني.
فيما يقول المؤرخ الفلسطيني مصطفى كبها، إن الجيش البريطاني بدأ تطبيق الانتداب على الأرض فعلياً عام 1920، معززاً ذلك في يوليو 1922 وقبل إقرار عصبة الأمم الرسمي في سبتمبر 1923.
صدامات العرب واليهود 1921
في مارس 1921، عيّنت بريطانيا المندوب السامي صامويل هربرت، وهو يهودي عمل على تعزيز تواجد اليهود في فلسطين وإقرار وعد بلفور ضمن دستور الانتداب، ويشير المؤرخ كبها إلى أن بريطانيا كانت تعتمد في مناصبها الحساسة على خريجي أكسفورد وعلى الضباط العسكريين.
وأدّت سياسات الانتداب إلى صدامات عنيفة في القدس ويافا، أودت بحياة 95 شخصاً (48 عربياً و47 يهودياً)، وإصابة 219 آخرين (73 عربياً و146 يهودياً).
ولحل الأزمة، وافقت بريطانيا على تعيين أمين الحسيني مفتياً للقدس، بعد انتخابه من الفلسطينيين.
ثورة البراق.. أول قمع بريطاني لثورة فلسطينية
في أغسطس 1929، اندلعت ثورة شعبية فلسطينية في القدس امتدت إلى الخليل وصفد، نتيجة التوتر المتصاعد حول حائط البراق مع اليهود.
وأوضح المؤرخ مصطفى كبها أن الثورة استمرت حتى أكتوبر 1929، بسبب محاولات اليهود فرض السيطرة الدينية، والدعم البريطاني غير المتوازن لهم، وتصاعد الهجرة والتوسع الاستيطاني، مما ولّد شعوراً بـ"الخذلان" لدى الفلسطينيين من بريطانيا.
وبعد عام من الثورة، اعتقلت السلطات البريطانية 20 شخصاً 17 عربياً و3 يهود)، وأفرج المندوب السامي صامويل هربرت في يونيو 1930 عن 17 منهم، بينما أُعدم 3 مناضلين فلسطينيين في سجن عكا (فؤاد حجازي، عطا الزير، ومحمد جمجموم)، ليصبحوا رموزاً وطنية بارزة في التاريخ الفلسطيني.
1930.. ظهور الحركات المسلحة بقيادة عز الدين القسام
ويقول كبها، إنه بعد إعدام المناضلين الثلاثة، ظهرت حركات سرية مسلحة لمقاومة الاحتلال البريطاني، كان من أبرزها الكفاح المسلح الفلسطيني بقيادة عز الدين القسام، وبعد ملاحقة الإنجليز للقسّام وقتله في معركة أحراش يعبد في جنين، انطلقت الثورة الفلسطينية الكبرى عام 1936ضد الانتداب البريطاني والتوسع الاستيطاني لليهود.
1937.. لجنة بيل تقترح تقسيم فلسطين
بعد انطلاق الثورة العربية الكبرى، شكلت بريطانيا عام 1936 لجنة تقصي حقائق، سُميت بـ"لجنة بيل" للتحقيق في أسباب انطلاق الثورة، وفي أول يوليو عام 1937، اقترحت تقسيم فلسطين للمرة الأولى وإعطاء العرب 75% من فلسطين التاريخية و25% من الأرض لليهود، ورفض العرب الفكرة، واستمرت الثورة حتى نهاية 1939، وفق "كبها".
1948.. النكبة وانسحاب بريطانيا وقيام إسرائيل
في عام 1947 صوتت الأمم المتحدة رسمياً على خطة تقسيم فلسطين إلى دولتين عربية ويهودية مع تدويل القدس، وامتنعت بريطانيا وقتها عن التصويت، وفي 14 مايو 1948 انسحبت بريطانيا من فلسطين، وبعد يوم واحد جرى إعلان قيام إسرائيل.
وجاء دور بريطانيا في حرب 1948، تتويجاً لسياسات بدأت منذ وعد بلفور، حيث استغلت العصابات الصهيونية ما سهلته لهم بريطانيا خاصة تفكيك البنية السياسية والعسكرية للفلسطينيين، وامتناعها عن ضمان تطبيق القرارات الدولية، وكذلك انسحاب قواتها دون اتخاذ خطوات لضمان حقوق الفلسطينيين أو منع تفجر الصراع.
واعترفت بريطانيا بإسرائيل بـ"حكم الأمر الواقع" (De Facto) عام 1948، وبعد تردد عامين اعترفت بإسرائيل رسمياً عام 1950 بـ"حكم القانون" (De Jure)، وفق موسوعة "بريتانيكا" البريطانية.
خفوت الدور البريطاني
ومنذ خمسينيات القرن الماضي، لم تبذل بريطانيا جهوداً فاعلة لإعادة توطين اللاجئين الفلسطينيين أو مساءلة إسرائيل عن خروقات قرارات الأمم المتحدة، وخلال هذه المرحلة، تبنّت لندن سياسة الحذر من الانخراط المباشر في الصراع.
وبعد ذلك دعمت بريطانيا حل الدولتين بصفة عامة رغم دعمها لإسرائيل في حروبها ضد العرب في 1956و1967، إلّا أنها منذ الثمانينات أصبحت تدعم أي حل سلمي للصراع.
اعتراف بريطاني بمنظمة التحرير
ورغم اعتراف الأمم المتحدة بمنظمة التحرير عام 1975، وتواصل بريطانيا رسمياً بالمنظمة عام 1980، إلّا أن لندن بعد اتفاقي مدريد (1991)، وأوسلو (1993)، قررت الاعتراف رسمياً بمنظمة التحرير الفلسطينية كممثل شرعي للشعب الفلسطيني، وسمحت بفتح بعثة دبلوماسية فلسطينية في العاصمة لكنها لم تعترف رسمياً بالدولة الفلسطينية.
امتناع بريطانيا عن منح فلسطين صفة مراقب 2012
وفي نوفمبر 2012، امتنعت بريطانيا عن التصويت في الأمم المتحدة لمنح فلسطين صفة "دولة مراقب غير عضو"، مشروطة بعودة فلسطين إلى المفاوضات دون شروط مسبقة.
وقال كريس دويل، مدير مجلس التفاهم العربي البريطاني في لندن، لـ"الشرق"، إن بريطانيا "أخفقت تاريخياً في إنصاف الفلسطينيين"، مشيراً إلى أنها لم تنجح في تصحيح الخطأ التاريخي الذي ارتكبته بحق القضية الفلسطينية، وأضاف أن بريطانيا، في جوهر سياساتها، تفشل باستمرار في مواجهة إسرائيل أو مساءلتها عن ممارساتها.
وعلى الرغم من أن بريطانيا أبدت تحفظاً محدوداً على الاستيطان الإسرائيلي، وسط حفاظها على علاقاتها الأمنية والتجارية مع تل أبيب، أصبح موقفها الرسمي داعم لحل الدولتين بعد اندلاع الانتفاضة الثانية عام 2000.
2022.. دعوى فلسطينية تطالب محاسبة تاريخية عن وعد بلفور
في مايو 2022، تقدمت منظمات حقوقية فلسطينية بدعوى قضائية ضد بريطانيا أمام محكمة بريطانية، متهمةً إياها بالتسبب في معاناة الفلسطينيين عبر وعد بلفور عام 1917.
واستندت الدعوى- وفق "كبها"- إلى أن وعد بلفور شكل أساساً غير قانوني لتهجير شعب بأكمله، ويمثّل انتهاكاً صارخاً لحقوق الفلسطينيين خلال الانتداب البريطاني. وجاءت هذه الخطوة بعد حكم فلسطيني صدر عام 2021 ببطلان وعد بلفور، في محاولة للضغط على لندن للاعتراف بمسؤوليتها التاريخية، وتقديم اعتذار رسمي وتعويضات.
ويرى المؤرخ مصطفى كبها أن هذه الدعوى تعد تطوراً لافتاً في مساعي الفلسطينيين لمساءلة بريطانيا قانونياً وسياسياً عن أحد أبرز فصول الظلم في تاريخهم.
2025.. إعلان اعتراف مشروط بالدولة الفلسطينية
مع استمرار الحرب الإسرائيلية على غزة التي اندلعت في أكتوبر 2023، وأودت بحياة أكثر من 60 ألف فلسطيني وإصابة مئات الآلاف، تصاعد الضغط الدولي والداخلي على حكومة كير ستارمر للاعتراف بدولة فلسطين وسط الأزمة الإنسانية في غزة.
وفي 29 يوليو 2025، أعلن مكتب رئيس الوزراء البريطاني، أن كير ستارمر أبلغ حكومته بأن بريطانيا ستعترف بدولة فلسطين في سبتمبر المقبل، قبل اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة، ما لم تتخذ إسرائيل خطوات جوهرية لإنهاء الوضع المروع في غزة، وهو ما أكده وزير الخارجية البريطاني ديفيد لامي، خلال مؤتمر دولي لحل الدولتين في نيويورك.
قرار بريطاني "مراوغ"
واعتبر كريس دويل، أن إعلان بريطانيا نيتها الاعتراف بدولة فلسطين "قراراً مراوغاً"، يتيح لإسرائيل الالتفاف على القرار بذريعة وقف إطلاق النار، مشيراً إلى أن الإجراء البريطاني جاء متردداً للغاية.
وتابع: "أعتقد أن هناك احتمالاً كبيراً لموافقة إسرائيل على وقف إطلاق نار بنهاية أغسطس، والسماح بقدر مُعين من المساعدات، ثم تُصرّح الحكومة البريطانية بعدها بأن الوقت الحالي ليس مناسباً للاعتراف لأنها لا تُريد عرقلة وقف إطلاق النار".
بينما اعتبر مارك داوسورث أن ستارمر تجاهل جرائم الحرب في غزة، وشارك في التواطؤ الغربي في الإبادة الجماعية، مردفاً: "قلت ذلك في وجه لامي داخل الحزب، واعتبروني معادياً للسامية".
فيما قال عضو حزب المحافظين البريطاني، باباك أماميان، إن إعلان حكومة كير ستارمر يعكس محاولة لترميم موقفه السياسي الضعيف، في ظل اعتماد حزبه على دعم اليسار البريطاني الذي يرى في فلسطين قضية إنسانية وسياسية مناهضة لأميركا وإسرائيل.
وأوضح أن اليسار يهيمن على نحو 70% من الإعلام والأوساط الأكاديمية، ويعتبر النضال الفلسطيني جزءاً من مواجهة الإمبريالية الأميركية، معتبراً أن الخطوة البريطانية تأتي في لحظة مفصلية قد تفتح الباب لقيام دولة فلسطينية مستقلة، وشدد على أن أمن إسرائيل لا يتناقض مع حق الفلسطينيين في دولة.
تحول استراتيجي لصالح فلسطين
أما المؤرخ الفلسطيني مصطفى كبها، قال إن القرار تحول استراتيجي بريطاني مهم لفلسطين مهما كانت أسبابه، لأنه يمثل تغيراً في سياسة دولة كبرى مثل بريطانيا التي اقترفت جرائم مثيرة بحق الفلسطينيين خصوصاً، والعرب عموماً ، لافتاً إلى أنه "يعطي زخماً لصالح القضية الفلسطينية".
واختتم حديثه بقوله: "بريطانيا لا تزال عضواً فاعلاً في مجلس الأمن وفيها من المؤسسات الصحافية والأكاديمية ذات التأثير العظيم لذلك فإن التحول مهم للغاية لصالح القضية الفلسطينية".
Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

حل الدولتين مشروع سياسي دولي تقوده السعودية
حل الدولتين مشروع سياسي دولي تقوده السعودية

الرياض

timeمنذ 13 ساعات

  • الرياض

حل الدولتين مشروع سياسي دولي تقوده السعودية

هذا هو تاريخ حل الدولتين الذي يعود هذه الأيام برعاية دولية تتزعمه المملكة العربية السعودية، فخلال الأسبوع الماضي شهد العالم واحداً من أكثر الأسابيع أهمية فيما يخص الدبلوماسية في الشرق الأوسط، فقد أعلنت بريطانيا صاحبة وعد بلفور وبتعهد جديد وتاريخي تضمن رغبة بريطانية للاعتراف بدولة فلسطينية في الجمعية العامة للأمم المتحدة في سبتمبر المقبل 2025م، وقد سبقتها فرنسا ودول أوروبية في هذا الاتجاه.. في البداية لا بد من الإشارة إلى فكرة الوعد البريطاني وعد بلفور عام 1917م عندما أعلنت بريطانيا دعمها لفكرة وطن لليهود، ومن هنا كانت شرارة الأزمة التي تتجاوز اليوم القرن من الزمان، ثم الإشارة البريطانية الثانية لدعم فكرة الدولة اليهودية عام 1937م عندما بدأت بريطانيا تبحث عن مخرج لمنتجات العنف التي خلفها وعد بلفور، وطرحت أول خطة لتقسيم فلسطين إلى دولتين دولة يهودية في الشمال ودولة عربية في الجنوب ومنطقة عالمية خاصة بالأماكن المقدسة في القدس. بعد حرب العام 1967م تغيرت الخريطة الفلسطينية بشكل كبير لصالح الدولة المحتلة إسرائيل، التي حصلت قبل هذا التاريخ بما يقارب عقدين من الزمان على اعتراف دولي في العام 1948م، هذه الحرب أسفرت عن استيلاء إسرائيل على غزة والضفة الغربية والقدس الشرقية ومعظم مرتفعات الجولان، وهذا ساهم في زيادة المناطق التي تحتلها إسرائيل ثلاث مرات. تحول المشهد بعد ذلك إلى منطقة معقدة فيما يخص الاحتلال وطبيعة وجوده على أرض عربية، وأصبحت إسرائيل المحتلة تمارس الضغط والتهجير والقتل من أجل إنجاز مهمتها الكبرى في تصفية الشعب الفلسطيني فوق أرضه، وقد استمر البحث في القضية الفلسطينية بين العالم وإسرائيل المحتلة حتى عام 1991 حيث عقد مؤتمر مدريد، وفي مرحلة متقدمة من الحوار تم التوقيع على اتفاق أوسلو الأول من قبل رئيس الوزراء الإسرائيلي إسحاق رابين ورئيس منظمة التحرير الفلسطينية، ورغم أن اتفاقيات أوسلو لم تخلق دولة فلسطينية لكنها كانت محاولة جادة برعاية أميركية لتحقيق ذلك الهدف. في ذلك الاتفاق وافق رئيس الوزراء الإسرائيلي إسحاق رابين على العودة إلى حدود ما قبل عام 1967م، وأعلنت منظمة التحرير الفلسطينية مرحلة جديدة تبدأ بالاعتراف بحق إسرائيل في الوجود بسلام، وبدأت عملية إقامة الحكم الذاتي الفلسطيني بحكومته الخاصة وقواته التابعة للسلطة الفلسطينية، رغم أنه مازال هناك كم هائل من القضايا التي يجب الاتفاق عليها مثل: قضية المستوطنات الإسرائيلية الموجودة فوق الأراضي الفلسطينية، وحقوق الفلسطينيين الذين فقدوا أراضيهم ومنازلهم في العام 1948م، لقد كانت الأسئلة معقدة وصعبة حول قضايا مهمة مثل: الأمن والسلام بين إسرائيل وفلسطين ومنطقة القدس الشرقية، إلا أن الأمل كان كبيراً في ذلك الوقت، وكان مشهد المصافحة الذي حدث في حديقة البيت الأبيض بين عرفات ورابين لحظة تاريخية عظيمة. إلى هذه اللحظة كانت القضية تتجه إلى مسار يمكن من خلاله تحقيق السلام، ولكن العام 1995م غير صورة الأحداث عندما اغتيل إسحاق رابين على يد متطرف ديني إسرائيلي معارض لاتفاق أوسلو، واستمرت المحاولات لإحياء عملية السلام حتى عام 2002م حيث طرحت الدول العربية خطة مبادرة السلام العربية بقيادة سعودية، والتي طرحت فكرة الاعتراف الكامل بإسرائيل مقابل إقامة دولة فلسطينية، عاصمتها القدس الشرقية، على أساس حدود الخط الأخضر أي حدود ما قبل 1967م. ولكن في صيغة تعيد القضية إلى نقطة الصفر وترفض السلام، قال نتنياهو في اجتماع سابق ضمه مع الرئيس الأميركي الأسبق أوباما إنه يعتقد "أنه لكي يكون هناك سلام، سيتعين على الفلسطينيين قبول بعض الحقائق الأساسية"، والمقصود طبعاً هو استحالة العودة إلى ما قبل 1967م، فالحجة الإسرائيلية تقول إن العودة إلى تلك الحدود لا تأخذ في الاعتبار بعض التغيرات التي حدثت على الأرض وخاصة التغيرات السكانية التي حدثت خلال الأربعة عقود الماضية. هذا هو تاريخ حل الدولتين الذي يعود هذه الأيام برعاية دولية تتزعمه المملكة العربية السعودية، فخلال الأسبوع الماضي شهد العالم واحداً من أكثر الأسابيع أهمية فيما يخص الدبلوماسية في الشرق الأوسط، فقد أعلنت بريطانيا صاحبة وعد بلفور وبتعهد جديد وتاريخي تضمن رغبة بريطانية للاعتراف بدولة فلسطينية في الجمعية العامة للأمم المتحدة في سبتمبر المقبل 2025م، وقد سبقتها فرنسا ودول أوروبية في هذا الاتجاه. التظاهرة الرائعة التي حدثت في نيويورك أثبتت أن هناك اشمئزازاً دولياً متفق عليه كنتيجة طبيعية للسلوك الإسرائيلي في حربها على غزة، فحجم القتل والجوع الذي يشهده العالم عبر الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي لا يمكن الصبر عليه، وهو مرشح للتكرار من قبل إسرائيل التي لا ترى في الأفق رادعاً لها ما لم يتفق العالم على إيقاف هذا السلوك الأهوج من قبل إسرائيل، العالم اليوم يتطلع إلى دور أميركي متوقع أكثر وعياً وأكثر عمقاً فيما يخص السلام في فلسطين، التي وضع العالم اليوم قضيتها من جديد على طاولة الاعتراف بدولة فلسطينية مستقلة يمكنها العيش بعيداً عن شهوات القتل والتجويع التي يمارسها الجيش الإسرائيلي بين فترة وأخرى.

ستارمر على خطى ماكرون في مواجهة حزب كوربن
ستارمر على خطى ماكرون في مواجهة حزب كوربن

Independent عربية

timeمنذ 2 أيام

  • Independent عربية

ستارمر على خطى ماكرون في مواجهة حزب كوربن

قد يكون من السهل السخرية من الحزب البريطاني الجديد الذي نشأ وسط صراع على الزعامة بين شخصيتين تتقاسمان الواجهة. لكن ذلك لا يعني تفويت فرصة التعليق عليه. فالأمر يتطلب قدراً من المهارة كي يعلن أحدهما (البرلمانية زارا سلطانة) عن تأسيس كيان سياسي جديد، ليخرج بعدها الآخر (جيريمي كوربن الزعيم السابق لحزب "العمال") في اليوم التالي نافياً ذلك، ومؤكداً أن ("المناقشات لا تزال جارية"). ثم بعد ثلاثة أسابيع، حين أعلن كوربن أن "الوقت قد حان لظهور حزب سياسي من نوع جديد"، تحت اسم "حزبكم" Your Party لأن هذا ما دل عليه عنوانه الإلكتروني، ردت سلطانة فوراً عبر وسائل التواصل الاجتماعي قائلة: "إن اسمه ليس 'حزبكم'!". لكن تبين لاحقاً أن "حزبكم" ليس سوى اسم موقت، بحيث سيحدد الاسم الرسمي للحزب ديمقراطياً خلال المؤتمر التأسيسي، على أن يصار إلى الإعلان عن التفاصيل في وقت لاحق. اقرأ المزيد يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field) وعلى رغم أن السخرية تظل أداة فعالة لتذكيرنا بالعجز المزمن لتيار كوربن عن تنظيم أي مشروع يتجاوز مجرد الانقسام، فإن ذلك لا يعكس الصورة الكاملة - لأننا نعرف أيضاً حقيقتين مهمتين لا يمكن إغفالهما. الأولى، هي أن هناك قاعدة دعم واسعة محتملة لنسخة أكثر اعتدالاً من تيار جيريمي كوربن، شرط أن تتخلى عن الماركسية العقائدية، والنزعة العدائية تجاه بريطانيا، وشبهة معاداة السامية (وهي تهمة ينفيها كوربن باستمرار)، لكنها لا تلبث أن تعود إلى الواجهة مع كل نقاش سياسي. أما الحقيقة الثانية، فهي أن حلفاء كوربن أثبتوا، ولو لفترة وجيزة، قدرتهم على إدارة حملة انتخابية وطنية بكفاءة، كما ظهر في انتخابات عام 2017، عندما اقتربوا من إطاحة رئيسة الوزراء "المحافظة" تيريزا ماي. لذلك، قد يتحول "حزبكم" (إن كان هذا اسمه) إلى قوة لا يستهان بها. فبحسب بعض استطلاعات الرأي، من المرجح أن يستقطب معظم مؤيدي "حزب الخضر"، كذلك فإنه سيقتطع جزءاً من أصوات قاعدة حزب "العمال". قد يكون من السهل على وزير الدولة البريطاني لشؤون العلوم بيتر كايل، الاستخفاف بزعيمه السابق ووصفه بأنه "ليس سياسياً جاداً"، إلا أنه على حزب "العمال" أن يتعامل مع التهديد الجديد بجدية. وهذا ما يفعله. فقد تعرض رئيس الوزراء البريطاني لانتقادات - ليس أقلها من سلطانة – لترديده خطاب فاراج، مما دفع ناخبي حزب "العمال" النافرين من حزب "ريفورم" بتأييدها [أي خطاب سلطانة]. لكن أعتقد أن هذا يشكل فهماً خاطئاً لاستراتيجية كير ستارمر. فهو يدرك تماماً أن جزءاً من التحالف الانتخابي لحزب "العمال" يشعر بالنفور من فاراج، لكنه يريد استغلال قوة التنافر هذه لمحاولة الاحتفاظ بهؤلاء الناخبين، وليس إبعادهم. هذا ما يمكن تسميته "استراتيجية إيمانويل ماكرون". فقد نجح الرئيس الفرنسي مرتين في صد تهديد [زعيم حركة "فرنسا غير الخاضعة" La France Insoumise] اليساري جان لوك ميلانشون - وهو النظير الفرنسي لتيار كوربن-سلطانة - من خلال ترسيخ نفسه كخيار رئيس في مواجهة اليمينية مارين لوبن، المناهضة للهجرة، والزعيمة البارزة في الحزب الذي كان يعرف سابقاً باسم "الجبهة الوطنية" Front National. عام 2017، ثم مجدداً عام 2022، حل ماكرون في الصدارة في سباق انتخابي منقسم (بفوزه على التوالي بنسبة 24 في المئة و28 في المئة فقط من الأصوات) في الجولة الأولى، مما أجبر الناخبين الفرنسيين على الاختيار بينه - كمرشح وسطي ذي خلفية اشتراكية - وبين مارين لوبن التي يقابل ترشحها بالرفض من قبل غالبية الرأي العام الفرنسي الرصين. وفي كلا الاستحقاقين الانتخابيين، حقق ماكرون فوزاً حاسماً في جولة الإعادة. ومن خلال الترشح ضد مارين لوبن، تمكن إيمانويل ماكرون من توحيد تحالف واسع النطاق خلفه، ضم أنصار ميلانشون والاشتراكيين السابقين المقربين منه، إلى جانب ما تبقى من رموز التيار المحافظ التقليدي. في بريطانيا، يسعى كير ستارمر إلى خوض الانتخابات العامة المقبلة في البلاد، وكأنها جولة إعادة في الانتخابات الرئاسية الفرنسية، بحيث يضع الناخبين أمام خيار حاسم بينه وبين نايجل فاراج. فهو يدرك جيداً أن التلويح بخطر تولي فاراج رئاسة الحكومة يعد أقوى أوراقه الانتخابية. إن تصوير الانتخابات المقبلة في المملكة المتحدة على أنها مواجهة بين كير ستارمر ونايجل فاراج، هو الطريقة المثلى ليس فقط لاستقطاب أصوات أنصار كوربن وسلطانة، بل أيضاً لكسب أصوات من "حزب الخضر"، وحزب "الديمقراطيين الليبراليين" وحزب "المحافظين". أما السؤال الذي يفضل أنصار حزب كوربن-سلطانة تفادي الإجابة عنه، فهو ما إذا كانوا بدعمهم الكيان الجديد، يسهلون الطريق أمام نايجل فاراج للوصول إلى الحكم. وهذا هو المنطق الحتمي الذي يفرضه نظام التصويت بالغالبية البسيطة، وهم يدركونه تماماً، لكنهم يحاولون إنكاره من أجل إبقاء حلمهم السياسي حياً. معظم أنصار جيريمي كوربن المتحمسين يدركون هذه الحقيقة جيداً. ولهذا، كان كوربن متردداً في المضي قدماً بإطلاق الحزب الجديد، على رغم الحماسة التي أبداها بعض أتباعه لتأسيسه فور فوزه في دائرة "إزلينغتون نورث" كمرشح مستقل في انتخابات العام الماضي. فهو يعلم أن اقترابه من الفوز في انتخابات عام 2017 لم يكن ليحدث لولا سيطرة أنصاره على حزب "العمال" في تلك المرحلة. في المقابل، إن أي كيان سياسي ناشئ من حزب "العمال"، سرعان ما سيكتشف أن نهج دعم غزة ومناهضة الرأسمالية مهما بدا واسع النطاق، فهو يفتقر إلى عمق جماهيري. وإذا ما حافظ نايجل فاراج على شعبيته، فإن حسم الانتخابات المقبلة سيتقرر في الدوائر الانتخابية التي يتنافس فيها حزب "العمال" مع "ريفورم"، إذ سيكون التصويت للحزب الجديد بمثابة تصويت لمصلحة فاراج. عندها، سيكون الوقت قد حان - كما قال إيمانويل ماكرون ذات مرة في فرنسا - ليتوحد جميع الذين يؤمنون بالقيم الإنسانية في مواجهة الاستبداد المعادي للمهاجرين. هذه رسالة قد تجدي نفعاً مع ستارمر في بريطانيا، حيث تميل شرائح الناخبين عادة إلى التصويت لحزب "المحافظين"، أو "الديمقراطيين الليبراليين"، أو "حزب الخضر"، وكذلك مع الناخبين الذين ينجذبون إلى أي اسم سيطلق في نهاية المطاف على حزب "كوربن-سلطانة".

ما الذي أعاق اعتراف بريطانيا بدولة فلسطين حتى اليوم؟
ما الذي أعاق اعتراف بريطانيا بدولة فلسطين حتى اليوم؟

Independent عربية

timeمنذ 4 أيام

  • Independent عربية

ما الذي أعاق اعتراف بريطانيا بدولة فلسطين حتى اليوم؟

قرار رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر الاعتراف بدولة فلسطين - ما لم توافق إسرائيل على وقف لإطلاق النار في قطاع غزة - يطرح سؤالاً بديهياً. ليس "لماذا؟" فعلى مدى عقود من الزمن ظل حل الدولتين الذي يقضي بقيام دولة فلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزة والقدس الشرقية، سياسة متبعة لدى الحكومات البريطانية المتعاقبة، وحظي بتأييد غالبية أعضاء "مجلس العموم" البريطاني قبل 11 عاماً. والسؤال الحقيقي الذي يجب أن يطرح هو: لماذا استغرق اتخاذ القرار كل هذا الوقت؟ فالإعلان الصادر أمس الأربعاء (30 يوليو/ تموز)، عقب اجتماع طارئ لمجلس الوزراء، يؤكد أن بريطانيا التي باتت محبطة من استمرار الأزمة في غزة، وتلاشي فرص التوصل إلى حل الدولتين عبر التفاوض - ستعترف رسمياً بدولة فلسطين في سبتمبر (أيلول) المقبل. وكثيراً ما اضطلعت بريطانيا بدور محوري في مرحلة ما قبل الصراع الإسرائيلي- الفلسطيني الراهن، بدءاً بـ"إعلان بلفور" الصادر عام 1917. ففي رسالة وجهها وزير الخارجية البريطاني آنذاك آرثر بلفور، إلى اللورد روتشيلد [المصرفي اليهودي البريطاني الذي عرف بدعمه للحركة الصهيونية]، تعهدت لندن بدعم إنشاء "وطن قومي للشعب اليهودي"، مما مهد فعلياً لقيام دولة إسرائيل لاحقاً. اقرأ المزيد يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field) وبينما يرى كثير من الفلسطينيين عن حق في ذلك الإعلان سبباً جذرياً لما لحق بهم من معاناة، فإن "وعد بلفور" لم يكُن سوى مناورة دبلوماسية مبهمة، لم تصرح بوضوح بإنشاء دولة يهودية في فلسطين التي كانت حينها لا تزال جزءاً من الإمبراطورية العثمانية. لكن تلك الأرض سرعان ما آلت إلى السيطرة البريطانية عقب انتصار الجنرال ألنبي على القوات العثمانية خلال "الحرب العالمية الأولى". علاوة على ذلك، نص "وعد بلفور" على أنه "لن يُتخذ أي إجراء من شأنه المساس بالحقوق المدنية والدينية للمجتمعات غير اليهودية الموجودة في فلسطين" - وهي طريقة غريبة لوصف السكان العرب الذين كانوا يشكلون الغالبية الساحقة آنذاك. ولم يوضح الإعلان كيف سيجري ضمان هذه الحماية. ومع ذلك، فإن هذا لا يغير حقيقة أن الشرط لا يزال - بعد أكثر من قرن من الزمن - يمثل المهمة الكبرى التي لم يتمكن "إعلان بلفور" من إنجازها. وفي نقلة سريعة إلى مايو (أيار) عام 1948، أدى إعلان أول رئيس لوزراء إسرائيل ديفيد بن غوريون عن قيام دولة مستقلة - بعد اتخاذ بريطانيا قراراً سريعاً بالتخلي عن السيطرة على الأراضي التي كلفت إدارتها من جانب "عصبة الأمم" عام 1920، فضلاً عن نجاح الجيش الإسرائيلي في الدفاع عن الدولة الجديدة ضد غزو قامت به خمس دول عربية مجاورة - إلى سيطرة الدولة الجديدة على نحو 78 في المئة مما كان يُعرف في السابق بـ"فلسطين الانتداب" التي كانت خاضعة للإدارة البريطانية. من هنا يمكن القول إن "إعلان بلفور"، مع قرار الأمم المتحدة تقسيم فلسطين إلى دولتين - إحداهما عربية والأخرى يهودية - أسسا لصراع طويل الأمد، لا تزال آثاره تترك ندوباً عميقة في منطقة الشرق الأوسط. لكن ما أعقب تلك المرحلة من تطورات، هو ما يفسر فعلياً لماذا لم يتحقق حتى اليوم الاعتراف الرسمي بدولة فلسطينية مستقلة وذات سيادة. فعلى مدى أكثر من نصف قرن، لم تتوقف الحكومات الغربية - بما فيها بريطانيا - عن إعلان دعمها لإنشاء دولة فلسطينية تشمل الضفة الغربية وقطاع غزة والقدس الشرقية، غير أن حرب عام 1967، المعروفة بـ"حرب الأيام الستة"، شكلت نقطة تحول، إذ استولت إسرائيل خلالها على قطاع غزة من مصر، وعلى الضفة الغربية والقدس الشرقية من الأردن. وفيما دعا القرار 242 الصادر عن مجلس الأمن الدولي إلى انسحاب إسرائيل في مقابل اعتراف الدول العربية بها، إلا أن الانسحاب والاعتراف لم يتحققا على الإطلاق. وفي تلك المرحلة، كان الفلسطينيون ما زالوا يطمحون إلى تحقيق السيادة على كامل أراضي فلسطين التاريخية، بما فيها المناطق التي كانت أصبحت بالفعل منذ ما يقارب 20 عاماً، جزءاً من دولة إسرائيل والتي شهدت تهجير أكثر من 700 ألف فلسطيني في ما عرف لاحقاً بـ"النكبة". أما إسرائيل، فبدلاً من الانسحاب من الأراضي التي سيطرت عليها خلال الحروب، مضت في تعزيز وجودها عبر بناء مستوطنات واسعة النطاق، حتى بات أكثر من 620 ألف مستوطن إسرائيلي يعيشون اليوم في الضفة الغربية والقدس الشرقية. وفي الآونة الأخيرة، أعرب بعض من أكثر أعضاء حكومة بنيامين نتنياهو تطرفاً عن رغبتهم في تنفيذ خطة مشابهة تقضي بإعادة توطين إسرائيليين داخل قطاع غزة. وعام 1988، شهدت القيادة الفلسطينية تحولاً جذرياً في نهجها السياسي، لجهة ما عرف بـ"التسوية التاريخية". فأعلنت "منظمة التحرير الفلسطينية" بقيادة ياسر عرفات تخليها عن المطالبة بكامل أراضي فلسطين التاريخية، واقتصرت طموحاتها على استعادة السيادة على الأراضي التي احتلتها إسرائيل عام 1967. ومنذ ذلك الحين، تمحورت جميع المفاوضات - من "اتفاق أوسلو" عام 1993، إلى محادثات "كامب ديفيد" عام 2000، وصولاً إلى التفاهمات السرية بين رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق إيهود أولمرت ورئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس - حول صيغة حل الدولتين، بحيث تعيش إسرائيل جنباً إلى جنب مع فلسطين. وبعد هذه "التسوية التاريخية" بفترة قصيرة، سارعت 78 دولة إلى الاعتراف بالدولة الفلسطينية الجديدة. واليوم، ارتفع عدد الدول التي أعلنت اعترافها الرسمي بفلسطين إلى 147. وفي وقت سابق من هذا الشهر - وبعد أكثر من عقد على اعتراف السويد كأول دولة في الاتحاد الأوروبي بفلسطين، في خطوة حذت حذوها كل من إيرلندا وإسبانيا والنرويج العام الماضي - أصبح الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أول زعيم دولة من "مجموعة الـدول السبع"، يتعهد بالسعي إلى الاعتراف بدولة فلسطين في "الجمعية العمومية للأمم المتحدة" في سبتمبر المقبل. لكن، كما يؤكد بحق منتقدو هذا الاعتراف بصورة متكررة، فإن الاعتراف بدولة فلسطين التي تضم الضفة الغربية وقطاع غزة والقدس الشرقية، يظل مسألة نظرية في الأساس لأنه وسط غياب عملية سلام ناجحة، لا توجد دولة يمكن الاعتراف بها. وعلى رغم أن السلطة الفلسطينية حصلت عام 2012 على صفة "مراقب" في الأمم المتحدة - على غرار ما منح للفاتيكان، فإنها لا تمتلك حق التصويت. كما أن الولايات المتحدة استخدمت باستمرار حقها في النقض (فيتو) لتعطيل مساعي منح فلسطين عضوية كاملة في المنظمة الدولية. وحتى في أبريل (نيسان) الماضي، امتنعت بريطانيا عن التصويت على قرار في مجلس الأمن يدعو إلى قبول فلسطين عضواً في منظمة الأمم المتحدة. مع ذلك، فإن خطوة فرنسا التي مهدت لإعلان كير ستارمر اليوم عما يشبه "خريطة طريق"، بعد محادثات أجراها مع الرئيس إيمانويل ماكرون والمستشار الألماني فريدريش ميرتس - لا تُعد نقلة شكلية، بل إنها تعكس تصاعد الغضب الدولي من حجم المجازر والمجاعة التي تسببت بها إسرائيل في غزة، رداً على الهجمات الدامية التي نفذتها حركة "حماس" في السابع من أكتوبر (تشرين الأول) عام 2023 والتي أسفرت عن مقتل 1200 إسرائيلي وأسر 251 شخصاً. ويقال إن ماكرون تأثر على نحو خاص بشهادات ناجين فلسطينيين التقاهم خلال زيارته لمصر في أبريل الماضي. في المقابل، فإن انضمام فرنسا إلى السعودية في رعاية قمة الأمم المتحدة في نيويورك بهدف إحياء مفاوضات حل الدولتين، يبعث برسالة سياسية واضحة إلى القيادة الإسرائيلية. كما يذكّر بأن الرياض كانت تعهدت منذ عام 2002 بالاعتراف بإسرائيل - كما فعلت مصر والأردن من قبل - لكن بشرط أن توافق على العودة لحدود ما قبل عام 1967. يبقى السؤال: هل يحدث اعتراف بريطانيا المتأخر بدولة فلسطين فارقاً فعلياً؟ من المؤكد أنه سيعزز موقف الذين يأملون في تغيير الحسابات السياسية في واشنطن، كما أنه يشكل خطوة نحو الاعتراف بالدور التاريخي الذي اضطلعت به المملكة المتحدة ومسؤوليتها في المنطقة. ولا يسعنا إلا أن نأمل في أن يسهم ذلك في الدفع نحو حل صراع طال أمده، ولم تكُن مآسي غزة من مجازر ودمار وتجويع، إلا آخر فصوله الكارثية وربما أكثرها فداحة.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

هل أنت مستعد للنغماس في عالم من الحتوى العالي حمل تطبيق دايلي8 اليوم من متجر ذو النكهة الحلية؟ ّ التطبيقات الفضل لديك وابدأ الستكشاف.
app-storeplay-store