
زيارة عون لبغداد خطوة لبنانية لتعزيز التوازنات الإقليمية عبر العراق
بغدادـ في زيارة وُصفت بالمهمة، وصل الرئيس اللبناني جوزيف عون إلى العاصمة بغداد ، حيث أجرى مباحثات رسمية مع كل من الرئيس عبد اللطيف جمال رشيد ، ورئيس مجلس الوزراء محمد شياع السوداني.
وتأتي زيارة عون إلى بغداد في إطار تحركات دبلوماسية تعكس رغبة الجانبين في فتح صفحة جديدة من التعاون الثنائي، وتعزيز العمل العربي المشترك في ظل تحديات إقليمية معقدة.
وتركزت المباحثات على الأوضاع الراهنة في لبنان والمنطقة، مع تأكيد مشترك على أهمية تضافر الجهود الإقليمية والدولية لنزع فتيل التوترات، وتعزيز الحوار البنّاء لتحقيق السلام والاستقرار، لاسيما فيما يتعلق بالقضيتين السورية والفلسطينية.
وخلال اللقاءات التي عقدها الرئيس اللبناني، جدد الجانبان دعم بلديهما لوحدة الأراضي السورية وسيادتها، ورفضهما لأي تدخل خارجي في شؤونها، مؤكدين أن أمن سوريا واستقرارها ركيزة أساسية لاستقرار المنطقة برمّتها.
وفي مؤتمر صحفي مشترك، شدد كل من الرئيس اللبناني ورئيس الوزراء العراقي على ضرورة وقف الاعتداءات الإسرائيلية المتكررة على الأراضي اللبنانية، داعين إلى التطبيق الكامل لقرار مجلس الأمن الدولي رقم 1701، ومؤكدين أن دعم المجتمع الدولي للبنان في هذا السياق أساسي لوقف التصعيد وضمان الأمن الإقليمي.
ومن جهته، أكد شياع السوداني حرص العراق على دعم لبنان وتقوية مؤسساته، ورفض أي اعتداء يمس سيادته أو إرادته الوطنية، مشددا على استمرار الدعم العراقي لمساعدة لبنان في تجاوز أزماته الاقتصادية والسياسية الراهنة.
ولفت السوداني إلى أن التعاون مع لبنان لا يقتصر على الجوانب الإنسانية، بل يمتد ليشمل شراكات اقتصادية واستثمارية قابلة للتطوير، موضحا أن المرحلة المقبلة ستشهد خطوات عملية لتعزيز هذا التعاون على قاعدة المصالح المشتركة.
رسائل سياسية
وفي تعليق على هذه الزيارة، قال عدنان السراج مستشار رئيس مجلس الوزراء العراقي -في حديثه للجزيرة نت- إن زيارة الرئيس اللبناني إلى بغداد تكتسب أهمية خاصة، كونها تأتي في مرحلة دقيقة من تاريخ المنطقة، عقب انعقاد القمة العربية، وما تشهده سوريا ولبنان من أزمات.
وأضاف أن هذه الزيارة تمثل "رسالة سياسية واضحة" تؤكد حرص لبنان على تعزيز علاقاته مع العراق ودول المنطقة، مشيرا إلى أن الملفات التي تم طرحها شملت مجالات الطاقة، وتوريد النفط، والاتصالات، والتبادل التجاري، وتفعيل دور القطاع الخاص، بما ينعكس إيجابا على الشعبين.
كما أشار السراج إلى أن اللقاءات أكدت أهمية وحدة الموقف العربي في مواجهة التحديات، وأن لبنان سيكون شريكاً فاعلاً في صياغة رؤية عربية موحدة قادرة على حماية المصالح المشتركة.
من جانبه، اعتبر الخبير في الشأن السياسي، أثير الشرع، أن زيارة الرئيس اللبناني إلى بغداد تمثل خطوة "متكافئة" من حيث التوقيت والمضمون، وتهدف إلى وضع "النقاط على الحروف" في ملفات عالقة بين البلدين، خصوصا الشقين الاقتصادي والأمني.
وقال الشرع -للجزيرة نت- إن اللقاءات تناولت إمكانية إعادة فتح معبر "القائم" بين سوريا والعراق، بما يعزز التبادل التجاري ويرفع حجم الصادرات مع لبنان، إضافة إلى بحث آليات لتسوية الديون اللبنانية المستحقة للعراق، في ظل تعهد بيروت بالعمل الجاد لتسديدها عبر تفاهمات متبادلة.
وأكد أن التعاون الأمني كان حاضرا أيضا في المحادثات، مشيرا إلى أن "الظرف الإقليمي الحالي يستوجب تفاهمات إستراتيجية بين بغداد وبيروت تشمل تبادل المعلومات والخبرات، لمواجهة التحديات الأمنية العابرة للحدود".
شراكة اقتصادية إستراتيجية
من جهته، أوضح الخبير الاقتصادي أحمد الأنصاري -في حديثه للجزيرة نت- أن زيارة الرئيس اللبناني تمثل نقطة تحول في العلاقات العراقية اللبنانية، لما تحمله من دلالات على الاستعداد للانتقال من الدعم الإنساني إلى الشراكة الاقتصادية.
وأشار الأنصاري إلى أن بيروت أبدت رغبة واضحة في تسوية الديون المترتبة عليها، مقابل تقديم خدمات طبية وعلاجية للمرضى العراقيين، في خطوة تعكس رغبة في تبادل المنافع بدلا من الاعتماد على المساعدات فقط.
وعدّد الأنصاري جملة من الفرص التي يمكن للعراق الاستفادة منها، أبرزها:
زيادة صادرات النفط إلى لبنان في إطار اتفاقات طويلة الأمد.
تفعيل السياحة العلاجية ونقل المرضى العراقيين إلى المستشفيات اللبنانية.
تشجيع الاستثمار العراقي في العقارات والسياحة داخل لبنان.
إدخال المنتجات الزراعية والدوائية العراقية إلى السوق اللبناني.
الاستفادة من الشبكات المصرفية اللبنانية في فتح آفاق جديدة نحو الأسواق الأوروبية والأفريقية.
وشدد على أن دعم العراق للبنان يعزز موقعه الإقليمي، ويمنحه أدوات قوة جديدة في التعامل مع الملفات الإقليمية، خصوصا في ظل تقاطع الأزمات الأمنية والسياسية في سوريا وفلسطين.
وتأتي زيارة عون إلى بغداد في توقيت حساس تشهده المنطقة، في ظل تصاعد العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة وجنوب لبنان، واستمرار حالة عدم اليقين السياسي في سوريا، مما يضفي على اللقاءات الثنائية بُعدا إستراتيجيا يربط بين التضامن العربي والدور الإقليمي.
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


الجزيرة
منذ 3 ساعات
- الجزيرة
مصادر: واشنطن ستخلي قواعدها في سوريا باستثناء واحدة
قال مسؤولان أميركيان للجزيرة، إن القوات الأميركية في سوريا ستتخلى عن جميع قواعدها في سوريا وتحتفظ بقاعدة عسكرية واحدة من أصل ثمان، وذلك في محيط الحسكة شمال شرقي سوريا. وأضاف المسؤولان، أنه سيتم خفض عدد الجنود الأميركيين في سوريا إلى أقل من ألف بحلول نهاية العام إذا سنحت الظروف. وعن القواعد أوضح المسؤولان، أنه سيتم التخلي عن جميع القواعد بما فيها التنف عند المثلث الحدودي مع الأردن والعراق، وأن عملية الإخلاء ستتطلب عدة أشهر وظروفاً أمنية مناسبة. وحتى الآن، أخلت القوات الأميركية ثلاث قواعد في شمال شرقي سوريا، هي القرية الخضراء والحسكة والفرات وسلمت بعضها إلى قوات سوريا الديمقراطية التي يقودها الأكراد، كما غادر سوريا أكثر من 500 جندي أميركي إلى العراق والكويت والولايات المتحدة في إطار عملية الانسحاب، بحسب المسؤوليْن الأميركييْن.


الجزيرة
منذ 5 ساعات
- الجزيرة
خلاف الرواتب يشتعل بين بغداد وكردستان العراق
بغداد – تتصاعد حدة التوتر مجددا بين بغداد وأربيل مع عودة أزمة رواتب موظفي إقليم كردستان العراق لتشكل ملفا دائما في المشهد السياسي العراقي. وأعلنت وزارة المالية الاتحادية إيقاف تمويل رواتب الإقليم لتجاوزه النسبة المقررة في الموازنة الاتحادية -التي تبلغ 12.67% بمبلغ 13.547 تريليون دينار (10.23 مليارات دولار)- من إجمالي الصرف الفعلي، وقالت حكومة إقليم كردستان إن شعبها يواجه سياسات "تجويع وإبادة ممنهجة". وبحث رئيس الجمهورية عبد اللطيف جمال رشيد، ورئيس مجلس الوزراء محمد شياع السوداني، السبت 31 مايو/أيار الماضي، سبل إيجاد حلول جذرية للملفات المالية العالقة بين الحكومة الاتحادية وحكومة إقليم كردستان. وأكد الجانبان خلال اللقاء ضرورة معالجة هذه الالتزامات المالية بما يتوافق مع الدستور العراقي، وقانون الموازنة الاتحادية، وقرارات المحكمة الاتحادية العليا. كما شددا على أهمية إقرار قانون النفط والغاز، لما له من دور محوري في تنظيم العلاقة المالية وضمان الشفافية والعدالة في توزيع الثروات. حل أزمة تمويل الرواتب من جهته، أكد المستشار الحكومي عائد الهلالي أن الحل الأمثل لتخفيف حدة التوتر الراهن، عقب قرار إيقاف تمويل رواتب موظفي إقليم كردستان، يكمن في اعتماد خطوات فورية وملموسة، تشمل صرف الرواتب مباشرة عبر آليات رسمية اتحادية، وتشكيل لجنة مالية مشتركة لمراجعة الملفات المالية، وفتح حوار شامل قد يشمل مراقبة أممية إذا لزم الأمر. وقال الهلالي -للجزيرة نت- إن حكومة السوداني تتبنى مقاربة واقعية ودستورية في معالجة الأزمة المالية بين بغداد وأربيل، وفي مقدمتها أزمة رواتب موظفي إقليم كردستان، مشددا على أن الحكومة بينت بكل وضوح أن صرف الرواتب مسؤولية وطنية مبنية على العدالة في توزيع الثروات، شريطة الالتزام المتبادل ببنود الدستور وقانون الموازنة. وأشار الهلالي إلى أن قرار وزارة المالية الاتحادية بوقف التمويل جاء استنادا إلى عدم التزام الإقليم بتسليم الإيرادات النفطية وغير النفطية إلى الخزينة الاتحادية، بالإضافة إلى غياب الشفافية المالية المطلوبة بموجب قانون الإدارة المالية، لافتا إلى أن هذا الغموض دفع الوزارة إلى اعتبار استمرار الصرف دون بيانات رسمية بمنزلة مخالفة قانونية. الضمانات المطلوبة وشدد الهلالي على ضرورة توفير ضمانات من كلا الجانبين، فمن جانب الإقليم، تشمل هذه الضمانات تسليم الإيرادات كاملة وبشفافية مالية تامة، أما من جانب الحكومة الاتحادية، فتتمثل الضمانات في ضمان انتظام التمويل وعدم استخدامه ورقة ضغط. وأكد الهلالي أن توقيع اتفاق قانوني ملزم يصادق عليه البرلمان ويراعي النسب السكانية، مع آلية رقابة شفافة، يُعد خطوة ضرورية لضمان استقرار العلاقة مستقبلا، مشيرا إلى أنه في ظل هذه التحديات، تبقى مقاربة حكومة السوداني القائمة على الدستور والحوار هي الأمل الواقعي لحل دائم يُنهي التوتر ويخدم وحدة العراق ومصالحه العليا. تداعيات عدم الحل وفي السياق، أكد المتحدث باسم حكومة إقليم كردستان بيشوا هوراماني أن الثقة بين حكومة إقليم كردستان والحكومة الاتحادية متزعزعة على نحو خطير، وذلك بسبب الإجراءات الأخيرة للحكومة الاتحادية، خاصة من وزارة المالية، التي وصفها بأنها تفتقر إلى أي مسوغ قانوني. وقال هوراماني -في تصريح للجزيرة نت- إن هذه الإجراءات "ذات دوافع سياسية وتمثل انتهاكا صارخا للدستور، فضلا عن كونها سياسة تجويع ممنهجة ضد مواطني إقليم كردستان"، محذرا من أن "تبعات ذلك لن تكون محمودة العواقب". وشدد على أن "هذا القرار له انعكاسات سلبية على مجمل الأوضاع في إقليم كردستان، ويؤثر مباشرة على أوضاع مستلمي الرواتب في الإقليم"، مضيفا أن "هذا يُعد عقابا وخرقا جسيما لحقوق مستلمي الرواتب في إقليم كردستان، لا سيما نحن على أعتاب عيد الأضحى المبارك، ومع ذلك، فقد تم اتخاذ هذا القرار السياسي". وأوضح أن إقليم كردستان يسعى جاهدا لتنفيذ جميع التزاماته، وقد بادر بإبداء حسن النية وبناء جسور الثقة، بيد أن الحكومة الاتحادية "لا تبدي رغبة في البناء على هذه الثقة"، مؤكدا أن "هذا الموقف لن يمر مرور الكرام"، وفق تعبيره. وحذر هوراماني من أن "عدم حل هذه المشكلة سيبقي جميع الاحتمالات مفتوحة، وسينعكس ذلك سلبا على جميع أنحاء العراق، وحتى على المناطق الكردستانية خارج إدارة الإقليم، وذلك لأن عديدا من الموظفين التابعين لحكومة إقليم كردستان يمارسون أعمالهم في تلك المناطق ويتقاضون رواتبهم من الإقليم". وتساءل هوراماني: "هل تؤمن الحكومة الاتحادية بإقليم كردستان بوصفه إقليما اتحاديا ضمن إطار العراق أم لا؟ وهل تؤمن بالدستور أم لا؟"، مؤكدا أنه "إذا لم تقدم الحكومة الاتحادية إجابات عن تلك الأسئلة، فإن النتائج لن تصب في مصلحة استقرار العراق وإقليم كردستان والمنطقة برمتها". وبيّن أن جميع مساعي إقليم كردستان تهدف إلى الحيلولة دون الوصول إلى انعدام تام للثقة وقطع العلاقات بين الحكومة والإقليم، قائلا: "نحاول جاهدين حل المشكلات، وما نطمح إليه هو الكف عن استمرار خرق وانتهاك الحقوق الدستورية لإقليم كردستان. إننا نسعى لحل المشكلات، ونرفض استخدام مسألة الرواتب ورقة سياسية لمعاداة شعب كردستان وحكومة الإقليم". قرار غير مدروس من جانبه، أكد عضو اللجنة المالية في البرلمان العراقي، النائب جمال كوجر، أن قرار وزارة المالية الاتحادية المتعلق بوقف تمويل رواتب موظفي إقليم كردستان قرار "غير مدروس وغير ملائم، خصوصا في هذا التوقيت الحساس". إعلان وقال كوجر -للجزيرة نت- إن "حكومة بغداد تستهدف مواطني إقليم كردستان خاصة"، مشيرا إلى أن المتضرر الوحيد من هذا القرار هم موظفو الإقليم الذين يزيد عددهم على 1.2 مليون موظف. وطالب كوجر بضرورة اتخاذ خطوات عاجلة لحل هذه المشكلة، مشيرا إلى أهمية مناقشة هذا الموضوع أولا مع رئيس الوزراء محمد شياع السوداني، مؤكدا أنه "لا يمكن أن تسلم رواتب موظفي العراق وتقطع رواتب موظفي إقليم كردستان".


الجزيرة
منذ 7 ساعات
- الجزيرة
الفساد في العراق: تهديد وجودي للعدالة الاجتماعية
يُعرف الفساد، في أبسط صوره، بأنه استغلال السلطة العامة لتحقيق مكاسب خاصة، لكنه في جوهره -كما وصفه الفيلسوف اليوناني أفلاطون- "مرض يُصيب النفس السياسية للدولة"، إذ يُحوّل المؤسسات من أدوات لخدمة الصالح العام إلى وسائل لتعزيز مصالح النخب. في العراق، يتجلى الفساد في أشكال متعددة: الرشوة، والمحسوبية، واختلاس المال العام، والتلاعب بالعقود الحكومية.. وتُشير تقارير منظمة الشفافية الدولية إلى أن العراق يحتل المرتبة 157 من أصل 180 دولة في مؤشر مدركات الفساد لعام 2024، ما يعكس تفشي الفساد على مستوى النظام. هذا الواقع ليس وليد اليوم، بل نتاج تراكمات تاريخية تشمل الحروب، والعقوبات الاقتصادية، والتحولات السياسية بعد 2003، التي خلقت بيئة خصبة لانتشار الفساد. العدالة الاجتماعية: رؤية فلسفية وسياق عراقي تُشكل العدالة الاجتماعية، في جوهرها، السعي نحو مجتمع يضمن المساواة في الفرص والحقوق، مع التركيز على دعم الفئات الأكثر تهميشًا. يرى الفيلسوف جون رولز في كتابه "نظرية العدالة" أن العدالة تتطلب مبدأيْن: المساواة في الحقوق الأساسية، وتوزيع الموارد بحيث يُحقق أكبر فائدة للأقل حظًا. في العراق، يُفترض أن تكون العدالة الاجتماعية أولوية وطنية لإعادة بناء دولة مزقتها الصراعات والانقسامات، لكن الفساد يُعيق هذا الهدف، إذ يُحوّل الموارد العامة إلى أداة لتعزيز النفوذ بدلًا من تحقيق الرفاه الجماعي. أشار الفيلسوف العربي ابن خلدون في "المقدمة" إلى أن "الظلم يُفسد العمران"، وهو ما ينطبق على العراق، حيث يؤدي الفساد إلى تآكل العقد الاجتماعي بين الدولة والمواطنين أبعاد أثر الفساد على العدالة الاجتماعية البعد الاقتصادي (نهب الموارد وتعميق التفاوت): يُعد العراق من أغنى الدول النفطية، حيث تُشكل عائدات النفط أكثر من 90% من الميزانية العامة، لكن الفساد يُحوّل هذه الثروة من أداة تنمية إلى مصدر لتكريس التفاوت. تشير تقديرات البنك الدولي إلى أن العراق خسر ما يقارب 150-200 مليار دولار بين عامي 2003 و2020 بسبب الفساد، وهي مبالغ كان يمكن أن تُستخدم لتحسين البنية التحتية، وتوفير فرص عمل، أو دعم القطاعات الصحية والتعليمية. على سبيل المثال، تُظهر الإحصاءات أن 25% من السكان يعيشون تحت خط الفقر، بينما تتركز الثروة في أيدي نخبة سياسية واقتصادية! هذا التفاوت يُعيق تحقيق مبدأ العدالة التوزيعية، حيث يحرم الأغلبية من الاستفادة من ثروات البلاد. البعد السياسي (تآكل الثقة وتفكيك العقد الاجتماعي): يُعزز الفساد نظام المحسوبية والطائفية، ما يُعمّق الانقسامات الاجتماعية ويُضعف الثقة في المؤسسات. في العراق، تُوزَّع المناصب الحكومية والموارد غالبًا بناءً على الانتماءات السياسية أو العرقية، بدلًا من الكفاءة أو الحاجة.. هذا النظام، المعروف بـ"المحاصصة"، يُكرس هيمنة النخب ويُقصي الفئات المهمشة. وكما أشار الفيلسوف العربي ابن خلدون في "المقدمة" فإن "الظلم يُفسد العمران"، وهو ما ينطبق على العراق، حيث يؤدي الفساد إلى تآكل العقد الاجتماعي بين الدولة والمواطنين. احتجاجات "تشرين 2019″، التي اندلعت ضد الفساد وسوء الإدارة، تُظهر بوضوح هذا التصدع في العلاقة بين الشعب والسلطة. البعد الاجتماعي (تفكك التماسك الاجتماعي): يُفاقم الفساد الفجوة بين الطبقات، ما يُغذي الشعور بالحرمان النسبي ويُهدد التماسك الاجتماعي. في العراق، تُشير الإحصاءات إلى أن معدل البطالة بين الشباب يتجاوز 30%، بينما يعاني القطاع العام من التضخم الوظيفي لصالح المحسوبيات. هذا الوضع يُولد شعورًا بالإقصاء، خاصة بين الشباب، ما يُسهم في زيادة الجريمة، والهجرة غير الشرعية، وحتى التطرف. يُمكن النظر إلى هذا الوضع من منظور الفيلسوف توماس هوبز، الذي رأى أن غياب العدالة يُعيد المجتمع إلى "حالة الطبيعة"، حيث يسود الصراع والفوضى. البعد الثقافي (تآكل القيم الأخلاقية): الفساد لا يقتصر على الأضرار المادية، بل يُسهم في تآكل القيم الأخلاقية والاجتماعية. في العراق، أصبح الفساد جزءًا من الثقافة اليومية في بعض القطاعات، حيث تُعتبر الرشوة أحيانًا وسيلة "طبيعية" لتسهيل المعاملات! هذا التطبيع يُضعف الإحساس بالمسؤولية الجماعية ويُقوّض القيم التي تُشكل أساس العدالة الاجتماعية، مثل التضامن والمساواة. يُمكن أن نستحضر هنا مقولة الفيلسوف الفرنسي جان جاك روسو: "إن الإنسان يُولد حرًّا، ولكنه في كل مكان مُقيّد بالسلاسل"، حيث تُمثل سلاسل الفساد قيدًا يمنع تحقيق المجتمع العادل. إستراتيجيات مكافحة الفساد لتعزيز العدالة الاجتماعية لمواجهة هذه الآفة واستعادة العدالة الاجتماعية، يتطلب الأمر نهجًا متعدد الأبعاد: إعلان إصلاح مؤسسي شامل: تفعيل هيئات الرقابة المستقلة، مثل هيئة النزاهة، مع ضمان حماية المبلغين عن الفساد، وتطبيق عقوبات صارمة على الفاسدين. تعزيز استقلال القضاء: إنشاء نظام قضائي مستقل يُحاسب المسؤولين بغض النظر عن نفوذهم، مع تطوير قوانين تُجرّم الفساد بشكل أكثر وضوحًا. سياسات اقتصادية عادلة: إعادة توجيه الموارد نحو مشاريع تنموية تستهدف الفئات المهمشة، مع التركيز على التعليم والصحة كركائز للعدالة. إصلاح التعليم والثقافة: تعزيز الوعي المدني بأهمية العدالة الاجتماعية ومخاطر الفساد من خلال المناهج التعليمية والإعلام. مشاركة المجتمع المدني: تمكين المنظمات غير الحكومية والمجتمع المدني لمراقبة الأداء الحكومي وتعزيز الشفافية. يُمثل الفساد في العراق تهديدًا وجوديًا للعدالة الاجتماعية، إذ يُحوّل الموارد العامة من أداة للتنمية إلى وسيلة لتعزيز التفاوت والإقصاء، وتأثيره لا يقتصر على الاقتصاد أو السياسة، بل يمتد إلى تفكيك التماسك الاجتماعي وتآكل القيم الأخلاقية. ولتحقيق العدالة الاجتماعية، يتطلب الأمر إرادة سياسية حقيقية، وإصلاحات بنيوية، ومشاركة مجتمعية واسعة. وقد قال ابن خلدون: "إذا فسدت الدولة، فلا عجب أن تنهار"، وهو تحذير ينبغي أن يُحفّز العراقيين لبناء دولة عادلة تقوم على الشفافية والمساواة، لضمان مستقبل يليق بتاريخهم وتضحياتهم.