صدمة الدولار الأميركي... هل تتقدّمه عملات أخرى كملاذ آمن؟
أحدثَ الرئيس الأميركي دونالد ترامب منذ عودته إلى البيت الأبيض هزّات متتالية في الاقتصاد الأميركي والعالمي، وتتواصل ترددات تلك الهزات حتى اليوم. لكنّ الخوف من زلزال يزعزع الاقتصاد الأكبر في العالم، يُقلق كبار الاقتصاديين ويتصدر تصريحات كبار المستثمرين والرؤساء التنفيذيين للبنوك الكبرى.
وقد شهدنا الدولار الأميركي يسجّل أسوا أداء له خلال الأيام المئة الأولى من الرئاسة الأميركية، في نحو نصف قرن، أي منذ عهد الرئيس الأميركي الراحل ريتشارد نيكسون.
خلال المئة يوم الأولى من ولاية ترامب الثانية، خسر مؤشر الدولار الأميركي نحو 9 في المئة من قيمته، ما دفعه نحو أكبر خسارة منذ عام 1973. في موازاة ذلك، سجّلت وول ستريت أسوأ خسائرها منذ عقود. فعلى سبيل المثال، تراجع مؤشر S&P 500 بنسبة 8 في المئة، منذ يوم تنصيب ترامب في 20 كانون الثاني وحتى نهاية أولى جلسات هذا الأسبوع. ويُعدّ هذا الانخفاض في المؤشر الأسوأ خلال المئة يوم الأولى من ولاية رئيس أميركي منذ عام 1970.
صعود الملاذات الآمنة
دعمت تراجعات الدولار مكاسب العملات الأخرى، إذ ارتفعت قيمة كلّ من اليورو والفرنك السويسري والين الياباني بأكثر من 8 في المئة مقابل الدولار الأميركي. ومن جهة أخرى، سجّل الذهب قفزات تاريخية، إذ ارتفع بنحو 22 في المئة خلال الأيام المئة الأولى من ولاية ترامب. كما ازداد الإقبال في الأسواق على الأصول العالية المخاطر، مثل العملات المشفّرة.
ويُبرّر الرئيس الأميركي فرضه للرسوم الجمركية التاريخية بأنها ستنقذ الميزان التجاري لبلاده، إلّا أن خطط ترامب لا تتوافق مع النظريات الاقتصادية. وكما هو معروف، فإن ضعف الدولار يعني أن المنتجات الأميركية تصبح أرخص في الأسواق العالمية، في حين ترتفع أسعار السلع المستوردة بسبب تراجع العملة المحلية. لكنّ الرسوم الجمركية لا تبدو عاملًا مساعدًا في حلّ الأزمات الاقتصادية، بل على العكس، فهي تفاقم مخاطر الركود وتُسرّع في خروج التدفقات المالية من الولايات المتحدة.
وفي أوقات الضبابية والأزمات، يتّجه المستثمرون نحو الملاذات الآمنة، التي اجتذبت اهتمامًا كبيرًا في الفترة الأخيرة. ومن أبرز هذه الملاذات، الين الياباني، الذي يُعرف بلقب "الملاذ الآمن"، لكونه من العملات الرئيسية المعتمدة عالميًا، ويتمتّع بدرجة عالية من الاستقرار. فاليابان تُعدّ ثالث أكبر اقتصاد في العالم بعد الولايات المتحدة والصين، كما أنها من أبرز الدول المصدّرة، ما يعزّز من قوّة عملتها.
كذلك، يتمتع الفرنك السويسري بجاذبية عالية كملاذ آمن، وقد أظهر أداءً مميزًا هذا العام. ففي شهر نيسان فقط، ارتفع بنحو 9 في المئة أمام الدولار الأميركي، مسجّلًا أكبر مكاسب شهرية له منذ الأزمة المالية العالمية في 2008. ويُعتبر الفرنك السويسري من أكثر العملات استقرارًا في العالم.
عملات تستفيد من ضعف الدولار
وقد أفاد تقرير لبنك غولدمان ساكس أن عملة كوريا الجنوبية "الوون"، و"الدولار السنغافوري"، و"اليوان" الصيني هي أبرز العملات المرشحة لجذب التدفقات في آسيا. ويرى البنك أن هذه العملات تستفيد في ظل المخاوف على الدولار. فكوريا الجنوبية تقترب من الانضمام إلى مؤشر "فوتسي" العالمي للسندات الحكومية العام المقبل، بينما بدأت سنغافورة، ذات التصنيف الائتماني (AAA)، في جذب استثمارات البنوك المركزية. أما العلاقات التجارية بين الصين والعالم، فتجعل اليوان "مرشحًا طبيعيًا" لعمليات إعادة تخصيص الاحتياطيات المحتملة.
قوة واشنطن وهيمنة الدولار
أما بالعودة إلى حالة الـ100 يوم الأولى للرؤساء الأميركيين خلال العقود الماضية، فيظهر لنا أن تلك المراحل تميزت بقوة العملة الأميركية، حيث كان متوسط العوائد يقارب 0.9 في المئة بين عام 1973، عندما بدأ ريتشارد نيكسون ولايته الثانية، وعام 2021، عندما تولى الرئيس السابق جو بايدن منصبه.
وعلى مدى نحو نصف قرن، هيمنت العملة الأميركية على التجارة العالمية. كما شكّلت السياسة الخارجية لواشنطن قوةً ضبطت إيقاع العلاقات الدولية، وأشعلت حروبًا وأخمدت أخرى. بالإضافة إلى ذلك، تُعتبر هيمنة الدولار على الساحة العالمية أداةً تساعد واشنطن في فرض عقوبات اقتصادية على دول عدة مثل فنزويلا وإيران وروسيا.
إ
هتزاز الثقة بالاقتصاد الأكبر
السؤال الذي يطرح نفسه اليوم هو: هل تهتزّ الثقة في الاقتصاد الأميركي والسياسة الأميركية؟ هذا ما بدأت تشير إليه التراجعات الحادة للعملة الخضراء وعمليات بيع سندات الخزانة الأميركية، التي لطالما كانت تُعتبر ملاذًا آمنًا، لا سيما في وقت الأزمات. ويتزايد القلق مع تسارع التضخم، وتصاعد مخاطر الركود، وارتفاع الدين الفدرالي بشكل كبير.
تجدر الإشارة إلى أنّ احتمال ارتفاع أسعار الفائدة على الدين الفدرالي المتضخم، الذي يشكل حوالي 120 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي الأميركي، يعدّ أمرًا بالغ الخطورة.
من جهة أخرى، تُعدّ استقلالية البنك المركزي (الاحتياطي الفدرالي) مسألة بالغة الأهمية لضمان استقرار الأسعار على المدى الطويل، وكذلك لحماية صُنّاع السياسات من الضغوط السياسية. وعلى الرغم من أن ترامب تراجع عن نيّة إقالة جيروم باول، إلا أن انتقاداته اللاذعة وضغوطه المتكررة عليه لخفض أسعار الفائدة، تواصل إبقاء القلق قائمًا بشأن وضع الاحتياطي الفدرالي.
بيانات اقتصادية سلبيّة
لا بدّ أيضًا من الإشارة إلى أن التطورات الأخيرة الناجمة عن الرسوم الجمركية والتوترات التجارية العالمية لا تضغط فقط على آفاق النمو، بل تؤثر أيضًا على القطاعات التي تُعدّ عصب الاقتصاد الأميركي، مثل قطاعات الخدمات كالبنوك والتأمين، بالإضافة إلى قطاعات الصحة والتعليم. هذه القطاعات تتعرض لعدد من التحديات بسبب القرارات التي اتخذها الرئيس والتي لم تُبنَ في معظمها على معايير اقتصادية ومالية دقيقة.
ويبدو أن الإدارة الأميركية قد أدركت ذلك إلى حد ما، حيث تراجع ترامب عن بعض القرارات، وجمّد بعض الرسوم، وخفّف أخرى.
وقد بدأت نتائج التوترات التجارية بالظهور في أرقام الاقتصاد الأميركي، إذ انكمش الناتج المحلي الأميركي بنسبة 0.3% في الربع الأول من العام الحالي، بدلاً من تحقيق نمو متوقع بنسبة 0.3%، في ظل قفزة في الواردات بسبب المخاوف من زيادة الرسوم الجمركية.
كذلك أظهر تقرير الوظائف أن القطاع الخاص أضاف 62 ألف وظيفة فقط خلال شهر نيسان، وهو أدنى مستوى منذ تموز 2024. كما تظهر الآثار أيضًا في أداء الاقتصاد الصيني، حيث انكمش النشاط الصناعي في الصين بأكثر من المتوقع، ليصل إلى أدنى مستوى له منذ ما يقارب العامين، مُنزلقًا إلى منطقة الانكماش في شهر نيسان، في ظل تفاقم الحرب التجارية مع الولايات المتحدة التي أضرت بالتجارة الثنائية بين البلدين.
مكانة الدولار في خطر
رغم كلّ المخاوف التي تحيط بأداء الاقتصاد الأميركي، الذي بات أكثر عرضة للتقلبات، وتسيطر عليه سمة الاستهلاك ويعتمد بشكل كبير على قطاعات الخدمات، من المُبكر القول إنّ الدولار سيخسر مكانته في العالم. فالسلع العالمية تُتداول بالدولار، وهو عملة الاحتياط الدولية الأولى.
لكن كما نتابع على الساحة الدولية، بات الصراع بين واشنطن وبكين مفتاحًا أساسيًا يحرك اتجاه العملات. أما محاولة ترامب لإعادة تشكيل نظام التجارة العالمي فترفع مستوى الضبابية وتكشفُ المخاوف من ضعف الدولار الذي لطالما كان الملاذ الآمن للمستثمرين.
في هذا الإطار، حذّر دويتشه بنك من اتجاه هبوطي هيكلي للدولار الأميركي في السنوات المقبلة، ما قد يدفع العملة الخضراء إلى أدنى مستوياتها أمام اليورو خلال أكثر من عشر سنوات.
إلى ذلك، أشار تقرير لشركة "كابيتال إيكونوميكس" ومقرها لندن إلى أنه لم يعد من المبالغة القول إن وضع الدولار كاحتياطيّ ودوره المهيمن الأوسع نطاقًا أصبحا موضع شكّ إلى حد ما.
الخطط الصينية بعيدة المدى
هذا وقد بدأت الصين منذ سنوات تنفيذ خططها لتدويل عملتها اليوان، وهي تُسارِع في خطواتها بهذا الاتجاه، لا سيّما مع تفاقم حرب الرسوم الجمركية.
تبرم الصين منذ سنوات صفقات تجارية باليوان مع البرازيل لشراء المنتجات الزراعية، ومع روسيا لشراء النفط، ومع كوريا الجنوبية لشراء سلع أخرى.
كما تقدّم الصين قروضًا باليوان للبنوك المركزية التي تحتاج إلى السيولة في الأرجنتين وباكستان ودول أخرى، لتحلّ محل الدولار كمموّل للطوارئ.
تحالف بريكس في وجه القطب الواحد
العالم يتغيّر والسياسة تتغيّر ومعها خارطة التحالفات الدولية. وتبدو الصين خصمًا مرًا لواشنطن، "خطوة خطوة نحو تحقيق النهضة العظيمة للأمة الصينيّة"، على حدّ تعبير الرئيس الصيني تشي جينبينغ الذي يرى أنّ بلاده تدخل عصرًا جديدًا بإبداع.
كما نشهد نمو اقتصادات صاعدة بقوة كالاقتصاد الهنديّ. أما روسيا فلم تتمكن أقوى العقوبات في التاريخ من ترويضها.
ويُطرح تحالف بريكس كقطبٍ عالميّ ضخمٍ بمقوماته البشرية والاقتصادية، فهو يمثل نحو 40 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي العالمي. وتمتلك المجموعة نحو 45 في المئة من إجمالي احتياطات النفط العالمي، و38 في المئة من إنتاج الغاز، و67 في المئة من إنتاج الفحم العالمي. كما تضم ثلاث دول نووية هي: روسيا والصين والهند.
في اجتماعاتها التي انعقدت بداية هذا الأسبوع في البرازيل، ناقشت دول البريكس سبل تعزيز التجارة متعددة الأطراف، وأهمية الدفاع عنها في مواجهة السياسات الأحادية. فهي تسعى إلى ترسيخ دورها كمدافع رئيسي عن نظام تجاري قائم على القواعد.
وإلى جانب قضايا كثيرة ملحّة على الساحة الدولية، ناقشت الدول تعزيز التعاملات المالية بالعملات المحلية بين دول بريكس، بدلاً من الاعتماد الحصري على الدولار الأميركي.
بالمحصّلة، إن عدم اليقين هو الوصف الذي يهيمن على الاقتصاد العالمي اليوم، فإلى متى سيصمد الدولار الأميركي على عرش العملات العالمية؟ وإلى أي حدّ ستنجح الدول الأخرى في كسر نموذج القطب الواحد؟ وكم تحتاج من الوقت لتحقيق ذلك؟
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة

القناة الثالثة والعشرون
منذ 10 دقائق
- القناة الثالثة والعشرون
بطابة الغولف.. ترامب يسقط "نجم الروك" (فيديو)
نشر الرئيس الأميركي دونالد ترامب فيديو مركب عقب سلسلة تصريحات أدلى بها نجم الروك بروس سبرينغستين والتي إنتقد فيها ترامب وسياسات إدارته، واصفًا إيّاه بـ "غير لائق" للمنصب. وقال سبرينغستين في بداية حفل موسيقي في مانشستر، شمال إنكلترا، الأربعاء: "في وطني، أميركا التي أحبها، أميركا التي كتبت عنها، والتي كانت منارة أمل وحرية لمدة 250 عامًا، تقع حاليًا في أيدي إدارة فاسدة وغير كفؤة وخائنة". انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة. انضم الآن شاركنا رأيك في التعليقات تابعونا على وسائل التواصل Twitter Youtube WhatsApp Google News

القناة الثالثة والعشرون
منذ ساعة واحدة
- القناة الثالثة والعشرون
لبنان ملتزم القرارات العربية والحديث عن السلام مبكر
اعلان الرئيس الأميركي دونالد ترامب من السعودية العزم على مساعدة لبنان في بناء مستقبل من التنمية الاقتصادية والسلام مع جيرانه استحوذ على اهتمام محلي واقليمي ، سيما وانه ترافق مع الإشارة الى ان حزب الله جلب له البؤس ونهب الدولة . كان بوسعنا تفادي البؤس فيه، وكان بإمكان ايران التركيز على التنمية بدلا من تدمير المنطقة . بدوره أشار المتحدث باسم الخارجية الأميركية الى ان لبنان يشهد تغييرات جذرية مع الرئيس والحكومة الجديدين والولايات المتحدة باتت قادرة على التواصل مع المسؤولين يوميا وبشكل متواصل والاستماع الى احتياجاتهم وشكواهم . أضاف : نبحث عن افضل إمكانية لدعم الجيش اللبناني الذي يجب ان يبسط سيطرته على كل شبر من لبنان ونبحث مع الحكومة في أنواع الدعم الاقتصادي الذي تحتاجه . جدير انه مع هذا الكلام العام لا يبدو لبنان أولوية لدى الإدارة الأميركية فهو جاء من ضمن سياستها الشاملة للمنطقة ، بدليل تركيزه اكثر على سوريا .تظهر ذلك جليا بإعلان الرئيس ترامب رفع العقوبات عنها . ما يعتبر فرصة للعودة اليها والاستثمار فيها ، فيما على لبنان انتظار التسوية المفترضة في المنطقة والتي لاحت بشائرها في الحديث عن الاتفاقات الابراهيمية وسلام لبنان مع جيرانه . النائب السابق لرئيس المجلس النيابي ايلي الفرزلي يقول لـ "المركزية" في هذا الاطار قبل الحديث عن التطبيع والسلام واشكاله لبنان جزء من الجامعة العربية وملتزم قراراتها . على مدى التاريخ والأيام لم يتوان عن تقديم التضحيات الجسام في سبيل القضية الفلسطينية .دماء المقاومين لم تجف بعد . ما هدمته إسرائيل في حربها على لبنان وجنوبه لا يزال شاهدا على وحشية لا يمكن نسيانها وتجاوزها بسهولة . اما الحديث عن التحاق سوريا بمحور السلام فذلك مبكر بعد . قد تكون هناك رغبة لدى الرئيس السوري احمد الشرع في شيئ من هذا القبيل لكن يجب عدم اغفال ارادة الشعب السوري . مصر توصلت منذ عقود الى اتفاقية سلام مع تل ابيب لكنها حتى الان ترفض التطبيع . بالعودة الى لبنان يفترض بل ضروري في هذا الموضوع الالتفاف حول رئيس الجمهورية العماد جوزف عون وقيادته السليمة لمقاربة الأمور المحلية والخارجية . كما استطاع إعادة لبنان الى الحضن العربي خلال فترة وجيزة . يعمل على معالجة المشكلات الداخلية بالمنطق والحوار. همه تحقيق الغاية المتوخاة بما يحفظ وحدة اللبنانيين والنهوض بالبلاد . المركزية – يوسف فارس انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة. انضم الآن شاركنا رأيك في التعليقات تابعونا على وسائل التواصل Twitter Youtube WhatsApp Google News


المركزية
منذ 2 ساعات
- المركزية
هل تنجح خطة ترامب في إنهاء الصراع الروسي –الاوكراني؟
المركزية - أكد الرئيس الأميركي دونالد ترامب الاثنين أن روسيا وأوكرانيا "ستباشران فورا مفاوضات للتوصل إلى وقف إطلاق النار" بعد اتصال اجراه مع نظيره الروسي فلاديمير بوتين وصفه بأنه "ممتاز". من جهته، وصف الرئيس الروسي الاتصال بأنه "مفيد جدا"، وأضاف أمام صحافيين أن روسيا مستعدة للعمل مع اوكرانيا على "مذكرة تفاهم" بشأن "اتفاقية سلام محتملة" مشددا على الحاجة إلى "إيجاد تسويات" لدى طرفي النزاع. في المقابل، قال الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي إن لا تفاصيل لديه في الوقت الراهن بشأن هذه "المذكرة" معربا عن استعداده لدرس العرض الروسي. وكتب ترامب على شبكته للتواصل الاجتماعي "تروث سوشال" إن "روسيا وأوكرانيا ستباشران فورا مفاوضات بهدف وقف لإطلاق النار، والأهمّ بهدف إنهاء الحرب"، خاتماً منشوره الطويل بعبارة "فلينطلق المسار!". فهل بات الصراع الروسي –الاوكراني على نار حامية باتجاه الحلّ؟ العميد المتقاعد ناجي ملاعب يؤكد لـ"المركزية" ان "لا بدّ من التوقف عند الاستراتيجية الجديدة للولايات المتحدة الأميركية في المنطقة بهدف فهم ما يجري في اوكرانيا وباقي العالم. صحيح ان الرئيس الاميركي يتحدث عن عالم من دون حروب وبأنه مرر ولايته السابقة من دون حروب وكان صاحب نظرية سحب الجنود الأميركيين من أفغانستان، وتساءل عن سبب تواجد القوات الاميركية في سوريا وسحب العديد منهم، وقام بإعادة جمع سوريا بالضغط لإنهاء حزب العمال الكردستاني، وإراحة تركيا، وإلزام الاكراد في الدخول في قوات سوريا الديمقراطية وفي وزارة الدفاع السورية الجديدة، وبالتالي، ما نراه في المنطقة يدلّ على أن ترامب يضغط فعلا باتجاه إنهاء الحروب المستمرة التي تشارك فيها الولايات المتحدة". ويضيف ملاعب: "بالعودة الى الاستراتيجية، نجد ان ترامب يحاول إنهاء الليبرالية التي تقوم على نشر الثقافة الاميركية وتقديم المساعدات تمهيدا لتحقيق الديمقراطية في الدول خارج الولايات المتحدة. وبدأ التساؤل حول جدوى نشر الديمقراطية والمساعدات التي تقوم بها الـusaid وغيرها في العالم، لأنها لم تساعد أميركا في شيء. فالصين تتقدم وأميركا في المقابل تخوض حروبًا تكلفها أموالًا طائلة. وهذا ما حصل في اوكرانيا، وسيحصل في حال دخول الهند في حرب مع باكستان. وأوقف القتال في اليمن، في سبيل تحرير طرق التجارة البحرية، والتوفير على الخزينة الأميركية مالا كثيرا. لم يعد ترامب يسأل إذا ما كان الحوثيون سوف يواصلون إرسال صواريخهم وقذائفهم باتجاه اسرائيل، لأن القتال خارج الولايات المتحدة واستقدام حاملات الطائرات بما تضمه من قطوعات بحرية أخرى، وعسكر مارينز مكلف جدًا. وهذا ما يدرسه الاميركيون". ويتابع: "من ناحية أخرى، استقدم ترامب اقتصاديين ورجال أعمال ناجحين في وظائفهم وأصبحوا جزءا من الإدارة الاميركية الجديدة، لأنه يعتبر ان أميركا أولا لناحية الحصول على الطاقة والتجارة الدولية وفرض ضرائب على المستوردات وتسهيل استهلاك البضائع الاميركية.. هذا الاسلوب نفذه في اوكرانيا، واعتبر ترامب ان طالما روسيا موجودة وتحارب وطالما لديها امدادات كبيرة وقادرة على الحرب، فهذا يعني ان الحرب مستمرة. لكن في سبيل ماذا؟ وبالتالي، استطاع ترامب ان يتدخل في هذا الاتجاه في إنهاء الحرب من خلال استغلال الموارد الاولية الاوكرانية لصالح اميركا، باعتبار أن واشنطن ستنهي الحرب لكن على طريقتها، هذا ما حاول حتى اليوم القيام به". ويشير ملاعب الى ان "عالم اوروبا ليبرالي يرتبط بالنظرية الاميركية السابقة بأن "لا يُسقِطُ حرفاً من النحوي"، كما قال بايدن في اول شباط 2022 عند الدخول الروسي الى اوكرانيا حين اعتبر ان ما يحصل تعدٍ على سيادات الدول ولن يقبل به. هذا كان الشعار وتحت هذا الشعار قاتلت اميركا وتكلفت، بينما الرئيس ترامب اليوم صاحب نظرة براغماتية أكثر، بمعنى ان عندما يصل الى السلطة سوف ينهي هذا القتال. القصد بإنهاء القتال هو اعتماد نظرية من نظريتين، الواقعية والليبرالية. تحدثنا عن الليبرالية والتي تعتمد على "لا يسقط حرفا من النحوي"، لكن الواقعية، وهي نظرية كيسنجر التي استعملها في استجلاب الصين الى العالم الغربي بدلا من ان تكون الصين جزءا من النضال الشرقي مع الاتحاد السوفياتي سابقا. وتفترض الواقعية، إذا ما كان هناك اعتراف بالأمن القومي الروسي، بأن تكون القرم جزءا من الأمن القومي الروسي في ما كانت سابقا جزءا من روسيا، الاعتراف بهذا الوضع يُنهي الحرب، لذلك هذا ما تفكر به أميركا". ويختم: "كل هذا يوصلنا الى الوضع الحالي، حيث ان الاتصالات المستمرة بين بوتين وترامب وآخرها اتصال دام لمدة ساعتين بينهما، وصف من الفريقين بأنه ناجح ويبنى عليه وأن الحوار سوف يبدأ مباشرة بين روسيا واوكرانيا، وقد استضافت تركيا جزءا منه. لكن الى اين سوف يؤدي؟ في حال كان هناك تدخل أميركي كما شهدنا بين الباكستان والهند وأوقف أي تطور باتجاه الحرب، عندها من الممكن، في حال الضغط الاميركي على اوكرانيا والاستفادة من ترغيب روسيا بأن الاتصالات المقبلة معها ستكون مثمرة للغاية اقتصاديا مع الاميركيين وسيستفيد منها الجانبان. في النهاية، ستضطر كل من روسيا واوكرانيا للقبول بالضغط الاميركي وصولا الى إنهاء الحرب التي طالت ولا أفق لها بالنجاح. الأمر يحتاج الى تدخل دولي وبالأخص أميركي يحمي حقوق البلدين عمليا، سواء اوكرانيا إذا ما وافقت على الخطط الاميركية الاقتصادية، ويبدو أنها وافقت، وكذلك روسيا إذا ما وعِدت باتجاه تحقيق تعاون اقتصادي قوي بين البلدين مستقبلا".