
سنترال رمسيس: أثر تاريخي يستعد لاستقبال مئويته بالنيران
سنترال رمسيس التابع للشركة المصرية للاتصالات (WE) لم يكن مجرد مبنى إداري، بل قلبٌ نابض لشبكات الاتصال في مصر، ومحور حيوي ترتكز عليه كبريات
شركات المحمول
: "فودافون" و"أورانج" و"اتصالات مصر". لكن الحريق وما خلفه من خسائر بشرية ومادية، كما أعلنت وزارة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات، عرّى هشاشة بنية رقمية مركزية يُفترض أنها تطورت لتحمّل أعاصير العصر الرقمي، فإذا بها ترتبك أمام حريق لم تُظهر التحقيقات الأولية بعدُ أسبابَ وقوعه.
حار الشارع المصري في تساؤلات شتى؛ ففي بيانٍ رسمي نشرته الشركة المصرية للاتصالات على موقعها أكدت أن "الخدمات بدأت تعود تدريجياً بعد توجيه حركة البيانات إلى سنترالات بديلة"، وأشارت إلى أن "فرق الطوارئ الفنية نجحت في احتواء الأزمة خلال ساعات". ومع ذلك، لم يكن البيان كافياً لتبديد القلق، خصوصاً في أوساط المتخصصين في البنية التحتية الرقمية، الذين رأوا في الحريق إنذاراً عالي النبرة.
ففي تصريحٍ لصحيفة الأهرام، أفاد مسؤول في غرفة الأزمات بأن أنظمة الطاقة الاحتياطية (UPS) انهارت خلال دقائق من انقطاع التيار الكهربائي، مضيفاً أن غياب أنظمة تشغيل بديلة موثّقة عقّد مهمة التعافي. خلل بدا فنياً في الظاهر، لكنه، في جوهره، يعكس أزمة عميقة في فلسفة التشغيل والتوثيق والمرونة. هذا التصريح، وغيره من التصريحات التي انتشرت بكثافة على مواقع التواصل الاجتماعي وصفحات الأخبار بمجرد عودة
خدمات الإنترنت
، زاد من قلق المواطنين، في ظل غياب المعلومات الرسمية الموثوقة.
لم يكن سنترال رمسيس الذي اشتعلت فيه النيران مبنى عابراً. فهو موقعٌ ملكي أنشئ عام 1927 بقرار من الملك فؤاد الأول، الذي افتتحه بنفسه، مجسّداً لحظة عبور مصر إلى عصر الاتصالات الحديثة. وبحسب سجلات وزارة الاتصالات، فقد أُجريت أول مكالمة رسمية في مصر من هذا المكان، باستخدام سماعة فضية صُنعت خصيصاً للمناسبة.
مرّت على المبنى عقود من التحديث والتوسّع. ففي ثلاثينيات القرن الماضي، اندمجت فيه ثلاثة من أكبر سنترالات القاهرة: المدينة والعتبة والبستان، ليصبح مركزاً آلياً بسعة 20 ألف خط، قبل أن يتوسّع لاحقاً ليخدم أكثر من 50 ألف مشترك. وبحلول التسعينيات، أصبح مركزاً لتبديل المكالمات الرقمية، ثم محطة رئيسية لاستضافة بوابات الإنترنت وخدمات ADSL مع مطلع الألفية الجديدة.
ولم تكن التحديثات مقتصرة على المعدات فحسب، بل شملت أيضاً تحولاً في الفلسفة التشغيلية. فبعد عام 2017، وفي إطار استراتيجية الدولة لتوسيع قدرات الشبكة الوطنية تحت العلامة التجارية "WE"، شهد المبنى تحديثات كبيرة، تضمنت تمديدات ألياف ضوئية متقدمة، ومراكز بيانات، وتوسعات عمودية للأدوار الداخلية لاستيعاب معدات التحكم في الشبكة ونقاط تبادل الإنترنت، أبرزها Cairo Internet Exchange، التي تُعد من أهم نقاط التبادل في شمال أفريقيا.
ورغم البيانات المطمئنة التي أصدرتها وزارة الاتصالات والشركات لاحقاً، أظهرت تقارير تقنية أن الانقطاع لم يكن بسيطاً. فقد ذكرت صحيفة الدستور، نقلاً عن مصادر في وزارة المالية، أن تطبيق "إنستاباي" واجه تأخيرات ملحوظة، فيما اشتكى سكان القاهرة الكبرى من انقطاع كامل للإنترنت الأرضي لساعات.
وأشار مسؤول تقني في إحدى شركات المحمول (فضّل عدم ذكر اسمه) أن الاعتماد المفرط على موقع رمسيس في الربط بين شبكات المحمول والثابت خلق "نقطة فشل واحدة تمس أغلب أنحاء الجمهورية"، مضيفاً أن هذه المركزية "تمثل خطراً أمنياً واقتصادياً حقيقياً"، وهي ملاحظة تتكرر كثيراً في أوساط المختصين.
سينما ودراما
التحديثات الحية
سوريون يحتجون في دمشق رفضاً لقرار إغلاق سينما الكندي العريقة
وفي تقرير آخر، نقلت مصادر عن خبراء في المعهد القومي للاتصالات قولهم إن هناك غياباً لخطط موثقة للطوارئ، وضعفاً في التنسيق بين السنترالات الكبرى، واستمراراً للاعتماد على "ذاكرة العاملين" بدلاً من أنظمة تشغيل تستند إلى الوثائق والإجراءات المسبقة، ما يضعف الاستجابة في حالات الأزمات.
ومع اقترابه من عامه المائة، يستعد سنترال رمسيس لتصنيفه أثراً معمارياً، كما أشار الجهاز القومي للتنسيق الحضاري التابع لوزارة الثقافة. ويجري حالياً تقييم مشترك للأضرار بين الجهاز ووزارة الاتصالات، في محاولة لتحديد إمكانية
ترميم المبنى
وإعادة تأهيله، بحسب بيان رسمي صدر في 8 يوليو/تموز الجاري.
لكنّ أصواتاً عدة تُحذر من أنّ الاعتراف بتاريخ المبنى لا ينبغي أن يغفل دروس الحاضر. فالمسألة لا تتعلق فقط بجماليات المعمار، بل باستيعاب حقيقة أن البنية الرقمية في مصر، رغم التحديثات، ما تزال تسير على سلكٍ واحد. وكل حريقٍ محتمل قد يُشعل هشاشة شبكة تعتمد على المركز، من دون أن تضع في اعتبارها أهمية التوزيع الجغرافي والتكرار البنيوي.
الحريق، رغم محدودية مدته، أضاء ثغرات في التخطيط الرقمي المصري. وفي ظل موجة متسارعة من رقمنة الخدمات الحكومية والمالية، يطرح المختصون تساؤلاً ملحّاً: هل البنية الرقمية في البلاد قادرة على الصمود أمام أزمات أكبر، أو هجمات سيبرانية معقدة؟
الإجابة، كما يؤكد المختصون، تكمن في مراجعة جذرية لهندسة الشبكة، وتحديث آليات النسخ الاحتياطي، وتدريب الكوادر الفنية على خطط استجابة واقعية ومدروسة. فالخروج من عباءة المركزية الرقمية لم يعد رفاهية، بل ضرورة وطنية تفرضها خريطة التهديدات المتغيرة، خاصة في ظل موجة من نظريات المؤامرة التي تملأ فراغ الشفافية.
سنترال رمسيس لا يزال واقفاً، لكنه الآن أمام اختبار جديد: أن يكون شاهداً على تاريخ تكنولوجي، لا ضحية لإهمال رقمي. وبين ألسنة اللهب التي تسللت إلى طابق واحد، وارتباك الشبكة الذي ارتدّ صداه في كل بيت مصري، بدا سنترال رمسيس كأنه يحكي قصة بلاد بأكملها: كيف يمكن لركيزة تاريخية أن تتحول إلى نقطة ضعف؟ وهل يكفي المجد القديم لحماية الحاضر؟
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


العربي الجديد
منذ 5 أيام
- العربي الجديد
سنترال رمسيس: أثر تاريخي يستعد لاستقبال مئويته بالنيران
فجر السابع من يوليو/تموز 2025، وبينما كانت شوارع القاهرة لا تزال تغطّ في صمت ما قبل الزحام، شبّ حريقٌ مفاجئ في الطابق السابع من مبنى سنترال رمسيس الكائن في شارع 26 رمسيس في قلب العاصمة. الحريق صفعة أيقظت البلاد على واقعٍ مرير: توقّفٌ جزئيّ لخدمات الإنترنت الأرضي والهاتف الثابت، واضطراب واضح في شرايين الدفع الإلكتروني، لا سيما خدمات تطبيق "إنستاباي" التابع للبنك المركزي المصري، والتي تعتمد عليها البنوك في تحويلاتها الفورية. سنترال رمسيس التابع للشركة المصرية للاتصالات (WE) لم يكن مجرد مبنى إداري، بل قلبٌ نابض لشبكات الاتصال في مصر، ومحور حيوي ترتكز عليه كبريات شركات المحمول : "فودافون" و"أورانج" و"اتصالات مصر". لكن الحريق وما خلفه من خسائر بشرية ومادية، كما أعلنت وزارة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات، عرّى هشاشة بنية رقمية مركزية يُفترض أنها تطورت لتحمّل أعاصير العصر الرقمي، فإذا بها ترتبك أمام حريق لم تُظهر التحقيقات الأولية بعدُ أسبابَ وقوعه. حار الشارع المصري في تساؤلات شتى؛ ففي بيانٍ رسمي نشرته الشركة المصرية للاتصالات على موقعها أكدت أن "الخدمات بدأت تعود تدريجياً بعد توجيه حركة البيانات إلى سنترالات بديلة"، وأشارت إلى أن "فرق الطوارئ الفنية نجحت في احتواء الأزمة خلال ساعات". ومع ذلك، لم يكن البيان كافياً لتبديد القلق، خصوصاً في أوساط المتخصصين في البنية التحتية الرقمية، الذين رأوا في الحريق إنذاراً عالي النبرة. ففي تصريحٍ لصحيفة الأهرام، أفاد مسؤول في غرفة الأزمات بأن أنظمة الطاقة الاحتياطية (UPS) انهارت خلال دقائق من انقطاع التيار الكهربائي، مضيفاً أن غياب أنظمة تشغيل بديلة موثّقة عقّد مهمة التعافي. خلل بدا فنياً في الظاهر، لكنه، في جوهره، يعكس أزمة عميقة في فلسفة التشغيل والتوثيق والمرونة. هذا التصريح، وغيره من التصريحات التي انتشرت بكثافة على مواقع التواصل الاجتماعي وصفحات الأخبار بمجرد عودة خدمات الإنترنت ، زاد من قلق المواطنين، في ظل غياب المعلومات الرسمية الموثوقة. لم يكن سنترال رمسيس الذي اشتعلت فيه النيران مبنى عابراً. فهو موقعٌ ملكي أنشئ عام 1927 بقرار من الملك فؤاد الأول، الذي افتتحه بنفسه، مجسّداً لحظة عبور مصر إلى عصر الاتصالات الحديثة. وبحسب سجلات وزارة الاتصالات، فقد أُجريت أول مكالمة رسمية في مصر من هذا المكان، باستخدام سماعة فضية صُنعت خصيصاً للمناسبة. مرّت على المبنى عقود من التحديث والتوسّع. ففي ثلاثينيات القرن الماضي، اندمجت فيه ثلاثة من أكبر سنترالات القاهرة: المدينة والعتبة والبستان، ليصبح مركزاً آلياً بسعة 20 ألف خط، قبل أن يتوسّع لاحقاً ليخدم أكثر من 50 ألف مشترك. وبحلول التسعينيات، أصبح مركزاً لتبديل المكالمات الرقمية، ثم محطة رئيسية لاستضافة بوابات الإنترنت وخدمات ADSL مع مطلع الألفية الجديدة. ولم تكن التحديثات مقتصرة على المعدات فحسب، بل شملت أيضاً تحولاً في الفلسفة التشغيلية. فبعد عام 2017، وفي إطار استراتيجية الدولة لتوسيع قدرات الشبكة الوطنية تحت العلامة التجارية "WE"، شهد المبنى تحديثات كبيرة، تضمنت تمديدات ألياف ضوئية متقدمة، ومراكز بيانات، وتوسعات عمودية للأدوار الداخلية لاستيعاب معدات التحكم في الشبكة ونقاط تبادل الإنترنت، أبرزها Cairo Internet Exchange، التي تُعد من أهم نقاط التبادل في شمال أفريقيا. ورغم البيانات المطمئنة التي أصدرتها وزارة الاتصالات والشركات لاحقاً، أظهرت تقارير تقنية أن الانقطاع لم يكن بسيطاً. فقد ذكرت صحيفة الدستور، نقلاً عن مصادر في وزارة المالية، أن تطبيق "إنستاباي" واجه تأخيرات ملحوظة، فيما اشتكى سكان القاهرة الكبرى من انقطاع كامل للإنترنت الأرضي لساعات. وأشار مسؤول تقني في إحدى شركات المحمول (فضّل عدم ذكر اسمه) أن الاعتماد المفرط على موقع رمسيس في الربط بين شبكات المحمول والثابت خلق "نقطة فشل واحدة تمس أغلب أنحاء الجمهورية"، مضيفاً أن هذه المركزية "تمثل خطراً أمنياً واقتصادياً حقيقياً"، وهي ملاحظة تتكرر كثيراً في أوساط المختصين. سينما ودراما التحديثات الحية سوريون يحتجون في دمشق رفضاً لقرار إغلاق سينما الكندي العريقة وفي تقرير آخر، نقلت مصادر عن خبراء في المعهد القومي للاتصالات قولهم إن هناك غياباً لخطط موثقة للطوارئ، وضعفاً في التنسيق بين السنترالات الكبرى، واستمراراً للاعتماد على "ذاكرة العاملين" بدلاً من أنظمة تشغيل تستند إلى الوثائق والإجراءات المسبقة، ما يضعف الاستجابة في حالات الأزمات. ومع اقترابه من عامه المائة، يستعد سنترال رمسيس لتصنيفه أثراً معمارياً، كما أشار الجهاز القومي للتنسيق الحضاري التابع لوزارة الثقافة. ويجري حالياً تقييم مشترك للأضرار بين الجهاز ووزارة الاتصالات، في محاولة لتحديد إمكانية ترميم المبنى وإعادة تأهيله، بحسب بيان رسمي صدر في 8 يوليو/تموز الجاري. لكنّ أصواتاً عدة تُحذر من أنّ الاعتراف بتاريخ المبنى لا ينبغي أن يغفل دروس الحاضر. فالمسألة لا تتعلق فقط بجماليات المعمار، بل باستيعاب حقيقة أن البنية الرقمية في مصر، رغم التحديثات، ما تزال تسير على سلكٍ واحد. وكل حريقٍ محتمل قد يُشعل هشاشة شبكة تعتمد على المركز، من دون أن تضع في اعتبارها أهمية التوزيع الجغرافي والتكرار البنيوي. الحريق، رغم محدودية مدته، أضاء ثغرات في التخطيط الرقمي المصري. وفي ظل موجة متسارعة من رقمنة الخدمات الحكومية والمالية، يطرح المختصون تساؤلاً ملحّاً: هل البنية الرقمية في البلاد قادرة على الصمود أمام أزمات أكبر، أو هجمات سيبرانية معقدة؟ الإجابة، كما يؤكد المختصون، تكمن في مراجعة جذرية لهندسة الشبكة، وتحديث آليات النسخ الاحتياطي، وتدريب الكوادر الفنية على خطط استجابة واقعية ومدروسة. فالخروج من عباءة المركزية الرقمية لم يعد رفاهية، بل ضرورة وطنية تفرضها خريطة التهديدات المتغيرة، خاصة في ظل موجة من نظريات المؤامرة التي تملأ فراغ الشفافية. سنترال رمسيس لا يزال واقفاً، لكنه الآن أمام اختبار جديد: أن يكون شاهداً على تاريخ تكنولوجي، لا ضحية لإهمال رقمي. وبين ألسنة اللهب التي تسللت إلى طابق واحد، وارتباك الشبكة الذي ارتدّ صداه في كل بيت مصري، بدا سنترال رمسيس كأنه يحكي قصة بلاد بأكملها: كيف يمكن لركيزة تاريخية أن تتحول إلى نقطة ضعف؟ وهل يكفي المجد القديم لحماية الحاضر؟


العربي الجديد
٠٩-٠٧-٢٠٢٥
- العربي الجديد
حريق "سنترال مصر" يطفئ الأسواق... توقف البورصة وارتباك البنوك
انطفأت أسواق مصر بشكل كبير، على وقع حريق مدمر أتى على "سنترال رمسيس" في قلب العاصمة المصرية القاهرة، والذي يعد أكبر مركز للاتصالات في البلاد، إذ إنه يتحكم في شبكات الهواتف الأرضية والنقالة وخدمات الإنترنت والبيانات، ما وجه ضربة موجعة لأسواق المال والأعمال، لاسيما البورصة التي توقفت عن العمل، فيما ساد الارتباك معاملات البنوك وخدمات الصراف الآلي وعمليات الدفع الفوري من جانب الشركات والأفراد، وكذلك حركة الطيران والمعاملات الأمنية. وواصلت قوات الحماية المدنية جهودها، أمس الثلاثاء، للسيطرة على الحريق الذي نشب، الاثنين. واضطرت محافظة القاهرة إلى اتخاذ إجراءات احترازية لمنع امتداد النيران إلى المباني المجاورة. والسنترال يُعتبر مركزاً رئيسياً لتجميع وتوزيع خدمات الاتصالات المحلية والدولية، إذ يربط الكابلات الأرضية والبحرية التي تغذي الإنترنت والهاتف في العديد من المناطق. وأدت اضطرابات تقنية مستمرة في شبكات الاتصالات إلى تعليق التداول في البورصة، أمس، وذلك للمرة الأولى منذ عام 2011، حينما جرى قطع الإنترنت قسراً بقرار من وزير الداخلية، أثناء ثورة 25 يناير 2011. وقالت إدارة البورصة في بيان إنه "رغم الجهود المكثفة التي بُذلت للوصول إلى حل أمثل، فإن الاتصالات بين شركات السمسرة ومنظومة التداول الإلكتروني لم تعد مستقرة بعد. وبناءً عليه، عُلِّق التداول حمايةً لمصلحة المستثمرين وضمان تحقيق تكافؤ الفرص بين جميع المتعاملين". وأشار البيان إلى أن البورصة تراقب الوضع من كثب بالتعاون مع شركات الوساطة والجهات الفنية، مؤكدة أن التداول سيُستأنف فور التأكد من جاهزية النظام واستقرار الشبكات تماماً. وتسبب حريق سنترال رمسيس في انقطاعات في خطوط الاتصالات والإنترنت، ما أثر في قدرة شركات السمسرة على التواصل بنظام التداول. وحاولت الجهات المعنية إعادة تشغيل الشبكات عبر السنترالات الاحتياطية، لكن الخدمة لم تستأنف بالكامل بعد. ورغم تفعيل قاعة التداول البديلة في "القرية الذكية" غرب القاهرة، لم تستطع بعض شركات السمسرة استعادة عملياتها بسرعة، ما تسبب في فرص غير متكافئة للمستثمرين. واضطرت إدارة البورصة إلى إبلاغ المتعاملين بوقف العمل عبر رسائل خاصة للعملاء، وإذاعة نبأ التوقف عن العمل بالقنوات الرسمية، دون تقديم أية معلومات حول تأثير القرار على سوق الأوراق المالية وخسائر العملاء والشركات، مؤكدة التواصل مع وزارة الاتصالات لتدبير الحلول البديلة، لاستعادة حركة التداول بالبورصة بأسرع وقت ممكن. اقتصاد الناس التحديثات الحية اندلاع حريق بمنطقة صناعية في مصر بعد ساعات من "كارثة رمسيس" وفي تصريح صحافي قالت رانيا يعقوب عضو مجلس إدارة البورصة، إن البورصة تواصل جهودها في التنسيق مع كل الجهات المعنية بالدولة لاحتواء تداعيات الحريق الكبير، الذي عطل خدمات الاتصالات والإنترنت جزئياً، بما اضطر البورصة إلى تعليق التداول. وأكد مصدر رفيع المستوى في سوق الأوراق المالية لـ"العربي الجديد"، تلقي المسؤولين في إدارة البورصة معلومات، بأن تعليق جلسة التدوال والعمل بالبورصة قد يمتد إلى الأربعاء، في حالة عدم إصلاح التدمير الهائل الذي وقع بشبكة النطاق العريض "البرود باند" التي تخدم القطاع المالي بشكل عام. ولا تتوقف الأضرار عند تعاملات سوق الأوراق المالية بل تطاول المعاملات البنكية، التي تشمل أجهزة الصرف الآلي وماكينات نقاط البيع والمعاملات عبر الإنترنت، ومنها خدمات "إنستا باي" التي تخدم نحو 34 مليون حساب مصرفي، والخطوط الساخنة التي تربط القيادات المركزية بالدولة والأجهزة الأمنية وكبار المسؤولين من المحافظين وسكرتيري عموم المحافظات ومديري الأمن، ووكلاء الوزارات المعنية في الدولة. وقال باسم أحمد مدير مبيعات الأفراد في مجموعة "الأهلي فاروس" لتداول الأوراق المالية لـ"العربي الجديد"، إن شركات الأوراق المالية تلقت قرار تعليق التداول في البورصة في بداية أعمال أمس، بسبب صعوبات التواصل بين شركات السمسرة والبورصة والبنوك والعملاء، بما يعطل معاملات التسويات التي تجري خلال أيام العمل العادية، مؤكدا تحمل الشركات خسائر كبيرة نتيجة توقف العمل، في فترة تشهد إقبالاً جيداً على معاملات البورصة، مدفوعة بتراجع الثقة في أسواق الذهب وتراجع الدولار، وحالة الترقب لقرار لجنة السياسات النقدية والتي ستجتمع، غداً الخميس، لتحديد أسعار الفائدة في البنك المركزي. كان مؤشر البورصة قد أغلق، عصر الاثنين، قبل اندلاع الحريق المدمر، على ارتفاع بنسبة 0.4%، بإجمالي تداولات قيمتها 5.5 مليارات جنيه (حوالي 110 ملايين دولار) وسجل المستثمرون العرب وحدهم صافي بيع بختام الجلسة، ليكون المؤشر قد ارتفع بنسبة 11.1% منذ بداية العام الجاري، محققا نحو 32 ألف نقطة. بدوره، رفع البنك المركزي الحد الأقصى اليومي للسحب النقدي من فروع البنوك بالعملة المحلية إلى الضعفين ليرتفع من 250 ألف جنيه إلى 500 ألف جنيه يومياً، للأفراد والشركات بشكل مؤقت لمواجهة حالة الطوارئ التي اتخذها القطاع المصرفي عقب حريق سنترال رمسيس، والتي أدت إلى تعطل جزئي في خدمات التحويلات الإلكترونية وخطوط الربط في أغلب البنوك العامة في مصر. وذكر بيان لـ"المركزي" أن الزيادة في قيمة السحب النقدي ستجري بشكل مؤقت لضمان استمرار تلبية احتياجات العملاء من السيولة النقدية، وخاصة الشركات والتجار ولحين عودة الخدمات الرقمية إلى طبيعتها بالكامل، بما ينقذ احتياجات نحو 48 مليون مواطن لديهم حسابات بنكية رقمية وبطاقات بنكية للسحب والإيداع والدفع الفوري. وقرر "المركزي" مدّ العمل في فروع البنوك المتضررة من انقطاع خدمات الإنترنت، لمدة ساعتين إضافيتين. أسواق التحديثات الحية البورصة المصرية تعلق التداول لأول مرة منذ 2011 بعد حريق سنترال رمسيس في الأثناء، وجه البنك الأهلي الحكومي، أكبر مصرف في الدولة، الذي يستحوذ على نحو 60% من الاستثمارات والمعاملات البنكية في مصر، رسالة يعرب فيها عن أسفه لعدم توافر خدماته الرقمية بسبب تعطل الاتصالات بعد حريق السنترال، مؤكداً عمله جاهداً على عودة جميع الخدمات في أقرب وقت ممكن. وتحدثت مصادر أمنية لـ"العربي الجديد" بأن النيران أتت على محتويات مركز اتصالات رمسيس بالكامل، وأن عودة تشغيل أجهزة الاتصالات في الدولة تجري عبر نقل شبكات الإنترنت والبيانات إلى "سنترالات بديلة" وإدارة شبكات الدولة من مركز التحكم والسيطرة الذي أقامه الجيش أخيراً في العاصمة الإدارية الجديدة، لافتين إلى أن هذه التحويلات حالت دون وقف كامل لشبكات الإنترنت في البلاد، والتي شهدتها عام 2011، التي أدت إلى انقطاع الإنترنت لعدة أيام متصلة. ورصدت "العربي الجديد" تعطلاً كاملاً لخدمات "إنستا باي" للدفع الفوري، وتعذر حصول العملاء على خدمات البنوك وسط العاصمة، وكثير من الفروع في المحافظات، وتعطل الصرافات الآلية المنشرة بالشوراع والمراكز التجارية، مع صعوبة الدفع الفوري لأي جهة حكومية أو تبادلها مع الجهات الخاصة. كذلك طاولت الأضرار أعمال المحاماة. وقال المحامي الحقوقي مالك عدلي، إن الحريق الهائل، الذي أدى إلى تعطل شبكات الاتصال والإنترنت في أغلب المحافظات المصرية أعاق عمل المحامين والمحاكم. وفي تصريح لوزير الاتصالات عمرو طلعت، تعهد بعودة جميع خدمات الاتصالات بشكل تدريجي خلال 24 ساعة، ونقل خدمات البيانات والنطاق العريق إلى أكثر من مركز اتصالات لتعمل بشبكات بديلة، مؤكدا أن "سنترال رمسيس" سيظل خارج الخدمة لعدة أيام. وكانت النيران قد عادت للاشتعال في أنحاء مركز الاتصالات عقب عمليات التبريد، في مشهد يراه خبراء أمرا متوقعا مع استمرار تسرب النيران داخل شبكات الكهرباء والاتصالات الكثيفة بالمركز الحيوي، والتي تسبب عادة ارتفاعاً هائلاً في درجات الحرارة داخل قاعات المركز، تتطلب تبريداً هائلاً في ظروف التشغيل العادية. أسواق التحديثات الحية المركزي المصري يمدّ ساعات عمل البنوك لمواجهة تداعيات حريق رمسيس وأصدر الجهاز القومي لتنظيم الاتصالات بياناً، أمس، أكد فيه نقل حركة الإنترنت الثابت بالكامل على مركز الحركة التبادلي بمركز اتصالات الروضة وسط العاصمة، مشيراً إلى تأثر خدمات الإنترنت الثابت والمحمول الصوتية والخاصة بنقل البيانات، بشركات الاتصالات للخدمات الأرضية والمحمول "فودافون" و"أورانج" و"المصرية للاتصالات"، نسبيا نتيجة تعطل بعض دوائر الربط بسبب الحريق، مع التنسيق بين الفرق الفنية بشبكات الاتصالات بالشركة المصرية للاتصالات المحتكرة للخطوط الأرضية، وشركات المحمول لاستعادة دوائر الربط المتأثرة بالحريق واستبدالها بدوائر ربط بديلة خلال 24 ساعة. وقدم جهاز تنظيم الاتصالات اعتذاراً للجمهور عن تأثر بعض الخدمات، مؤكداً قيامه بتعويض العملاء المتضررين طبقاً للوائح التنظيمية. وتمكنت شركات الطيران وهيئة الطيران المدني من استعادة سريعة لحركة الطيران والتعامل مع إجراءات الحجز، عبر نقل معاملاتها على شبكات الإنترنت الدولية، التي لم تتأثر بحرق سنترال رمسيس، وجهات أمنية سيادية تدير شبكات اتصالات عبر "الميكرويف"، وهي تقنية تستخدم الموجات الكهرومغناطيسية ذات التردد العالي لنقل البيانات عبر مسافات طويلة. في الأثناء، تقدم برلمانيون بطلبات عاجلة للحكومة، لمحاسبتها على تضرر الأمن القومي المعلوماتي ومصالح الدولة الحيوية، إثر حريق كان يمكن السيطرة عليه في بداية اندلاعه، مشيرين إلى ضرورة الكشف عن الخلل "التصميمي الخطير" الذي أصاب بنية الاتصالات المصرية بالشلل، إثر حريق بمركز اتصالات واحد. وأدى غياب وزير الاتصالات عمرو طلعت عن حضور جلسة برلمانية خصصت لمساءلته، ومعرفة أسباب الحريق، إلى هجوم غير معتاد من رئيس مجلس النواب حنفي جبالي، على أحد الوزراء، معتبراً تخلفه عن جلسة المحاسبة "عدم تقدير كاف للمجلس النيابي الذي يمثل صوت الشعب"، داعيا إلى ضرورة وجوده لشرح مخاوف المواطنين من تداعيات الحريق، واحتراما لطلبات النواب والمجلس. وكان الوزير قد عاد للبلاد من رحلة خارجية فجر، أمس، لمتابعة استعادة العمل بشبكة الاتصالات والإنترنت عن كثب. ودعا الخبير الاقتصادي رائد سلامة، الحكومة إلى اللجوء لذوي الخبرة لمساعدتها على إدارة المخاطر، والتنبؤ بها قبل وقوعها، مؤكداً في كلمة كتبها على صفحته في فيسبوك أن إدارة الأزمات لا يمكن أن تؤتي ثمارها بمعزل عن تطبيق منهج إدارة المخاطر، مشددا على أنه من لا يعتمد على الأسلوب العملي والمعايير الدولية في إدارة المخاطر لن يستطيع التعامل بالكفاءة المطلوبة مع أي أزمة.


العربي الجديد
٠٩-٠٧-٢٠٢٥
- العربي الجديد
حريق سنترال رمسيس... عندما تصاب مصر بسكتة مالية وتكنولوجية
كانت مصر اليوم الثلاثاء على موعد مع ما يشبه سكتة دماغية مالية وتكنولوجية وأزمة حياتية، بسبب الحريق المروع الذي نشب في سنترال رمسيس أمس حيث يقع أحد أهم مراكز الاتصالات الرئيسية والبنية التحتية الرقمية في العاصمة القاهرة. سكتة أو صدمة امتدت لأجهزة وقطاعات حساسة وخدمات حيوية، منها البنوك والاتصالات والبورصة والمخابز وخدمات الإنترنت وحركة الطيران، وهو ما أثر على الخدمات المقدمة للمصريين وشبكات الاتصالات الخاصة بالخدمات المالية وسوق المال وخدمات الدفع الفوري والمعاملات المصرفية عبر الإنترنت. البورصة المصرية أغلقت أبوابها وعلقت التداول لأول مرة منذ عام 2011 وتوقفت عن العمل ربما خوفا من خسائر فادحة أو صعوبة التشغيل، كذلك أثر الحرق سلباً على أنشطة البنوك، وفي المقدمة منها الأهلي المصري ومصر أكبر بنكين في الدولة، وكانت التطبيقات المالية على الهواتف المحمولة من أكثر المتضررين من الحريق، إذ فوجئ عدد من المواطنين بتوقف الخدمات المالية على تطبيق "إنستاباي" الذي يخدم نحو 34 مليون حساب مصرفي، وكذلك تأثرت محافظ إلكترونية الأخرى، بالإضافة إلى تأثر ماكينات الصراف الآلي. اقتصاد عربي التحديثات الحية حريق رمسيس | كم تكلف ساعة تعطل البنوك والإنترنت والطيران في مصر؟ وسارع البنك المركزي المصري لاحتواء جانب من تلك التأثيرات، إذ قرّر زيادة الحد الأقصى اليومي للسحب النقدي إلى 500 ألف جنيه للأفراد والشركات إلى حين عودة الاتصالات لطبيعتها، كما قرر مدّ ساعات العمل في بعض فروع البنوك لخدمة الجمهور حتى الساعة الخامسة مساءً بدلاً من الثالثة عصراً. كذلك أصاب التدمير الهائل الذي وقع في سنترال رمسيس شبكة النطاق العريض "البرود باند" التي تخدم القطاع المالي والمصرفي، وأجهزة الصراف الآلي وماكينات نقاط البيع الإلكتروني والمعاملات عبر الإنترنت، والخطوط الساخنة التي تربط بين قيادات بالدولة. تأثيرات حريق سنترال رمسيس امتدّت أيضاً إلى قطاعات حيوية أخرى، أبرزها الاتصالات، إذ تأثرت نسبياً خدمات الإنترنت الثابت وخدمات المحمول (صوت/ نقل بيانات) لدى شركات المحمول الثلاث الكبرى، نتيجة تعطل بعض دوائر الربط. ولم تسلم حركة الطيران المدني في مصر من تداعيات الأزمة، إذ شهدت الحركة اضطراباً إثر الحريق الهائل الذي شبّ في مبنى سنترال رمسيس، وتسببه في تعطل خدمات الاتصالات والإنترنت الحيوية التي تعتمد عليها أنظمة تشغيل مطار القاهرة الدولي، ما أدى إلى حدوث تأخيرات محدودة في إجراءات الإقلاع والهبوط، وتعطل أنظمة تشغيل الرحلات، وحدوث شلل مؤقت في إجراءات تسجيل المسافرين وتنسيق حركة الطائرات لمدة تقارب سبع ساعات، نتيجة حدوث عطل مفاجئ ومؤقت في شبكات الاتصالات والإنترنت. وقررت الوزارة ترحيل معظم الرحلات الجوية بالطرق البديلة. واعترفت وزارة الطيران المدني في بيان أن الأزمة أثرت في 69 رحلة مجدولة، وأدت إلى تأخيرها دون إلغاء أي رحلة. اقتصاد عربي التحديثات الحية مصر | حريق سنترال رمسيس ينال من البنوك والاتصالات والبورصة والطيران ببساطة، تسبب حريق سنترال رمسيس في إحداث صدمة تكنولوجية قوية للخدمات الرقمية في مصر بشكل أربك الأنشطة الحيوية، وأدى إلى تعطل شبكات الاتصال، بما فيها المتعلقة بخدمات الإسعاف والمطافئ والخطوط الأرضية، ولن أسأل هنا عن أسباب حدوث الحريق، فهذه مهمة الجهات المسؤولة في الدولة، والقصور الشديد من قبل أجهزة الدولة في إدارة أزمة بحجم تلك الكارثة، فالقصة أكبر من ترهل إداري وفساد وبطء شديد في التحرك. القصة تكمن في بنية تحتية مترهلة قيل إنه جرى إنفاق مليارات الجنيهات لتحديثها في السنوات الأخيرة، لكن نفاجأ بفشل ذريع في احتواء حريق كان من الممكن أن يُطفى خلال دقائق لو توافرت الإمكانات التقنية والبنية التحتية داخل هذا المبنى العريق وغيره من المباني الحكومية الاستراتيجية، لكن ما باليد حيلة، فإقامة مدن جديدة مثل العاصمة الإدارية والعلمين ومدن الجيل الأول والثالث باتت تحتل أولوية قصوى لدى النخب الحاكمة في مصر.