logo
سواد السويداء

سواد السويداء

جريدة الرؤية٢١-٠٧-٢٠٢٥
د. أحمد بن علي العمري
اتشحت محافظة السويداء الواقعة في الجنوب السوري بالسواد نتيجة الضربات الإسرائيلية المُستمرة عليها
.
إسرائيل التي تتدخل كيفما تشاء وأينما تشاء بلا حسيب ولا رقيب، وقد ذكرنا هذا في عدة مقالات سابقة، ولكن لا حياة لمن تنادي. فمن يوقف إسرائيل عن جرائمها المتكررة بلا هوادة ولا رحمة؟ فلا أمم متحدة، ولا مجلس أمن، ولا أمريكا، ولا أوروبا، فلا ضمير إنساني حي، ولا يقظة عربية إسلامية تنتخي.
دكت إسرائيل غزة بكل ما فيها من بشر وشجر وحجر وسوّتها بالأرض، واجتاحت كل الضفة الغربية بدون استثناء، وضربت العراق، وضربت وما زالت تضرب لبنان واليمن، وحاربت إيران، والآن أطلقت أفواه مدافعها على سوريا، ولم تكتفِ باحتلالها التاريخي للجولان. كل هذا بدعم وأسلحة من أمريكا وأوروبا وأمام مسمع ومرأى منهم، بل وسكوت مطبق أيضًا.
والغريب والعجيب وغير المفهوم أنَّ الولايات المتحدة الأمريكية بعظمتها تطلب من الحكومة السورية سحب قواتها من السويداء، وهي القوات المطلوب منها فرض الأمن والأمان والنظام في المُحافظة، ولا توقف إسرائيل عند حدها!
يا تُرى، لو كانت إسرائيل تعرف أن سوريا بكامل قوتها، هل كانت تتجرأ لتضربها؟ أبدًا، ومن غير الممكن، فعندما تضعف الدولة تبرز المقاومة. لقد خذلنا كل المقاومات العربية باعتبارها أذرعًا لإيران، فيا ليتنا نخذل أذرع أمريكا في بلادنا حتى تتساوى الكفة ونكون بلا "هجري" ولا ميلادي، وتتصافى الأمور ونرجع إلى نقطة الاعتدال، وهي نقطة الصفر في أوطاننا.
لقد ضربت إسرائيل عددا من دول المنطقة، وربما تخطط لضرب دول أخرى، ولو بعد حين؛ فتحركوا يا دول الخليج قبل أن يفوت الأوان.
لقد فرضت إسرائيل نفسها بالغطرسة أمام هذا الصمت العالمي المخجل بأنها الآمر الناهي، تفعل ما تريد ومتى ما أرادت وكيفما تهوى. لقد كانت من قبل تبحث عن التطبيع والعيش بسلام مع الجوار، ولكن بعدما راقت لها الفكرة أصبحت تنظر من منظور السيد الآمر الطاغي، ولم يبقَ لها سوى أن تقول: "أنا ربكم الأعلى"، كما قال فرعون من قبلها. لعنة الله عليهم جميعًا.
لقد ضربت إسرائيل سوريا بحجة حماية الدروز، وهم في بلد مستقل آخر (سوريا)، أليس من الأولى بها أن تحمي الدروز وعرب 48 في الداخل الإسرائيلي وكذلك في الضفة الغربية من التعدي والعنجهية الصهيونية؟
ثم إذا كانت للدفاع عن الدروز في سوريا وتحديدًا في السويداء، فلماذا لا تكتفي بالإغارة على السويداء؟ ولماذا تضرب محافظات أخرى، بما فيها دمشق ومنشآت حساسة وعسكرية؟
لقد صدق المثل القائل: (من أمن العقوبة أساء الأدب)، وكذلك: إذا لم تستحِ فافعل ما تشاء.
لقد بدأ نتنياهو نافخًا عضلاته مستعرضًا، وهو المطلوب دوليًا كمجرم حرب، وهناك قضايا فساد داخلية تلاحقه، الأمر الذي جعله يتنطّط من حرب إلى حرب أخرى على حساب الغلابة، هروبًا من هذه المحاكمات التي تتربص له.
أليس كما يقول المحللون إن نتنياهو تودد لأبو مازن (مع احترامي لتاريخ أبو مازن النضالي)، والآن يتنكر له؟ والخوف كل الخوف أن يكرر ذات المقلب مع الرئيس الشرع.
ودعونا ندخل قليلًا في العمق حتى تتضح الأمور.
الدروز طائفة نشأت في القرن الحادي عشر الميلادي في مصر خلال عهد الخليفة الفاطمي الحاكم بأمر الله، وكانت تعد جزءًا من المذهب الإسماعيلي الشيعي، لكنها تطورت لتصبح مذهبًا مستقلًا. وهي تُنسب للداعية محمد بن إسماعيل الدرزي، والذي يُعرف بنشتكين، الذي أعلن ألوهية الحاكم بأمر الله، والذي يعتبرونه مظهرًا للإله.
وإن كانوا هم يميلون إلى حمزة بن علي الزوزني، وهو المؤسس الفكري، أما بهاء الدين المقتني فقد وضع الكثير من التعاليم السرية لهم.
يعيش الدروز بكل تقدير واحترام في سوريا ولبنان وفلسطين (إسرائيل)، مع وجود تجمعات صغيرة في الأردن والخليج والشتات، وهم عرب عن أب وجد.
ولا ننسى أنه كانت هناك محاولة من المتربصين، سواء دوليين أو محليين، في الساحل الشرقي من سوريا لإيقاد نار الفتنة مع الحكومة الجديدة ضد الطائفة العلوية الكريمة، ولكنها أُخمدت ولله الحمد.
وها هم يحاولون إيقاد نار الفتنة مع الدروز، وبإذن الله لن تنجح.
وللحقيقة نقول إن إسرائيل ومنذ 8 ديسمبر تحاول هدم وتفكيك المنشآت العسكرية السورية لإضعاف الدولة، والأمر لا علاقة له بحماية الدروز ولا غيرهم.
واعتبارًا من عام 2024، شهدت محافظة السويداء في سوريا احتجاجات واسعة ومواجهات بين المليشيات والفصائل المتعددة في السويداء والحكومة، وذلك ربما بسبب تفاقم الأزمة الاقتصادية، وانقطاع الكهرباء والوقود، وارتفاع الأسعار.
نحن نعلم أن السويداء أغلبية سكانها من الطائفة الدرزية، ولكن هناك مشاركات، بما فيها بدو العشائر الذين يمثلون المسلمين الآخرين، ولهم اعتبارهم كما هو للآخرين احترامهم وتقديرهم.
والخوف كل الخوف أن تتدخل الطوائف المسلمة الأخرى وتتداعى لحماية أبناء جلدتهم، وهنا سوف تتشعب الأمور وتخرج عن السيطرة -لا قدّر الله - كما إنها متاخمة للجولان (ربما تعتبرها إسرائيل خطًا أماميًا للدفاع عن الجولان المحتل منذ عقود).
ولكن هذا لا يعطي مبررًا مطلقًا لأهلها للاستقواء على وطنهم بإسرائيل، وهي العدو التاريخي، وهم يعلمون أنها مزروعة بخبث في المنطقة، وإن كانت تغريهم بصفة كيدية ببعض المساعدات.
والغريب أن كل دول العالم، بما فيها الداخل، تطالب أن يكون السلاح بيد الدولة، ما عدا في السويداء! فلماذا تنقلب الأمور على رأسها بهذه السرعة؟
وأقول للإخوة الدروز: إيّاكم ثم إيّاكم أن تفكروا بالانفصال عن بلادكم والزحف باتجاه إسرائيل، ساعتها سوف يُذلّونكم، ويكون أوطأ يهودي قادم من أوروبا سيدًا عليكم.
وتذكروا قول الشاعر:
بلادي وإن جارت عليّ عزيزة .. وأهلي وإن بخلوا عليّ كرام
إن انسحاب قوات الجيش السوري المتكرر بعد كل تدخل بناءً على اتفاق ما، والذي في كل مرة يفشل، يعطي الدافع للميليشيات الخارجة عن القانون القوة، وإحساسها المزعوم بالفوز والنصر.
ولو كنت صاحب قرار في الأمر، لطلبت من الدولة السورية قطع الاتصالات عن السويداء والمحافظات المجاورة لها لمدة 6 أو 7 ساعات أو حتى 12 ساعة، يدخل خلالها الجيش السويداء ويمشّط كل مكان، ويفرض هيبة الدولة وسيطرتها الكاملة غير المنقوصة على كل جزء من السويداء، وبعدها تُعاد الاتصالات، وتُشكل لجنة أو مجلس أغلبيته من الدروز لمساعدة المحافظ في إدارة المحافظة، مع الإسراع بتوفير الخدمات من كهرباء وماء ومرافق حيوية.
أو يمكن استخدام أي تكتيك آخر لفرض هيمنة وسيطرة الدولة، مع الرحمة والرفق بالأهالي.
وهنا نقول للعالم: اخجلوا، ودعوا سوريا تلملم جراحها بعد كل النكبات التي مرَّت بها، وأوقفوا غطرسة إسرائيل وعربدتها.
ونقول للعرب والمسلمين: تضامنوا قدر المستطاع مع سوريا، ولو من تحت الطاولة إن لم تستطيعوا من فوقها.
حفظ الله سوريا، والأمة العربية والإسلامية، من كل شر ومكروه.
Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

نظرة بعين أخرى.. الإنسان قبل الاسم والقبيلة
نظرة بعين أخرى.. الإنسان قبل الاسم والقبيلة

جريدة الرؤية

timeمنذ ساعة واحدة

  • جريدة الرؤية

نظرة بعين أخرى.. الإنسان قبل الاسم والقبيلة

إسماعيل بن شهاب البلوشي منذ أن خلق الله سبحانه وتعالى الإنسان وجعله خليفة في الأرض، ارتبطت هويته الأولى بكونه "إنسانًا" قبل أن تُلصق به أسماء أو تُرسم حوله حدود أو تُنزل عليه أديان ومذاهب وجنسيات. وحين نجرّد البشر جميعًا من هذه التصنيفات، يبقى الأصل واحدًا: بشرية مشتركة تبدأ من آدم وتتفرع إلى أمم وشعوب وقبائل، لكن حقيقتها أنها تعود إلى جوهر واحد. هذا الإدراك البسيط -أن الإنسان هو أولًا إنسان- كفيل بأن يغيّر الكثير من مفاهيمنا الراسخة. لكن، ما إن يبدأ الفرد أو الأمة بالاعتقاد بأنهم مختلفون عن غيرهم أو متميزون بامتياز إلهي مطلق، حتى تبدأ العثرات التاريخية وتتوالى الانكسارات. العرب بين الشعور بالخصوصية والوقوع في المطبات التاريخية الأمة العربية، ومن بعدها الأمة الإسلامية، وقعت منذ قرون في مطبات متكررة جعلت تاريخها أشبه بسلسلة من النهوض والانكسار. والسبب -في رأيي- هو تضخيم الفكرة القائلة بأنها "الأمة المختارة"، أو أن الله عز وجل خصّها دون غيرها بالتكريم والجنة والخطاب المباشر. هذا الاستحسان الذاتي ولّد شعورًا خطيرًا: أن العمل لم يعد ضروريًا، وأن مجرد الانتماء يكفي. فتحولت الرسالة السماوية من دين عمل وجهد وإعمار للأرض إلى دين شعارات وقشور. وغاب عن الأذهان أن الإسلام -كما جاء به الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم- كان دين حركة وعمل وفعل، لا دين جدل وفرقة وتشدد. ومن هنا تبنّى المتعصبون والمتشددون فكرة أن هذه الأمة في تقاطع دائم مع البشرية، وأنها معزولة عن العالم، بينما الحقيقة أنها جزء أصيل من هذا العالم، تشعر كما يشعر الآخرون، وتنجح وتفشل كما ينجح الآخرون ويفشلون. القراءة الكاملة للإنسانية في القرآن من يقرأ القرآن الكريم قراءة شمولية، سيجد أن الخطاب موجّه للبشرية جمعاء. وخير شاهد على ذلك سورة الزلزلة التي هي بهذا الوضوح: {إذا زلزلت الأرض زلزالها * وأخرجت الأرض أثقالها * وقال الإنسان ما لها * يومئذ تحدث أخبارها بأن ربك أوحى لها * يومئذ يصدر الناس أشتاتًا ليروا أعمالهم * فمن يعمل مثقال ذرة خيرًا يره * ومن يعمل مثقال ذرة شرًا يره} صدق الله العلي العظيم. هذه السورة وحدها تكفي كدراسة متكاملة لبيان أن الحساب والثواب والعقاب مرتبط بالإنسان -أي إنسان- وليس بفئة أو عرق أو مذهب. الجميع مخاطب، والجميع محاسب، والجميع مشمول برحمة الله وعدله. القبول قبل الاختلاف لذلك، على الأمة العربية والإسلامية أن تعيد التفكير في موقعها بين الأمم، وألا تظن أنها مختلفة عن البشر اختلافًا جوهريًا. الاختلاف الحقيقي هو في مقدار العمل، في الإبداع، في الصدق، في الإخلاص، وفي إعمار الأرض. علينا أن نقبل أنفسنا أولًا: ألواننا، أشكالنا، أعمارنا، تنوعنا، قبل أن نتحدث عن قبول الآخرين. فالبشرية ليست نسخًا متطابقة، وإنما لوحة ملونة عظيمة أرادها الله كذلك لحكمة. كما أن كثرة الممنوعات والتحريمات الشكلية لن تصنع إنسانًا كاملًا، بل ستقوده إلى وهم الكمال دون جوهره. الكمال يتحقق بالعمل، بالصدق، بالعدل، وبالمشاركة الإنسانية لا بالانعزال أو بادعاء الأفضلية. العودة إلى الجوهر الإنساني إن إعادة القراءة التاريخية، وإعادة التفسير الإنساني للرسالات السماوية، ليست ترفًا فكريًا، بل ضرورة وجودية. فالبشرية اليوم تواجه تحديات مشتركة: الفقر، الحروب، التغير المناخي، الظلم الاجتماعي، وكلها لا تفرق بين عربي وأعجمي، بين مسلم وغير مسلم. إذا كان الإسلام قد جاء ليكون رحمة للعالمين، فإن أعظم خيانة لهذه الرسالة أن نحصرها في جماعة ضيقة أو مذهب أو جنسية. ولو أدرك المسلمون هذه الحقيقة، لما كانوا في عزلة فكرية، ولما ظلوا يتنازعون على الفروع وينسون الأصول. وأخيرًا.. إن المطلوب اليوم أن نعيد ترتيب أولوياتنا: أن نفكر كجزء من البشرية، لا كأمة متفردة. أن نقرأ القرآن بعيون الإنسانية لا بعيون العصبية. أن نفهم أن "من يعمل مثقال ذرة خيرًا يره" تعني كل إنسان، أيًا كان لونه أو لغته أو دينه. حينها فقط يمكن أن ينهض العرب والمسلمون من مطبات التاريخ المتكررة، ويتحولوا من أمة شعارات إلى أمة عمل، ومن أمة ترفع الأصوات إلى أمة تصنع الأفعال. فالله سبحانه وتعالى لا يميز إلا بالعمل، ولا يكافئ إلا بما قدمت الأيدي، أما الأسماء والشعارات والقبائل فهي تفاصيل عابرة أمام عدل الخالق عز وجل.

ماذا بعد ضياع الأمان الوظيفي؟
ماذا بعد ضياع الأمان الوظيفي؟

جريدة الرؤية

timeمنذ ساعة واحدة

  • جريدة الرؤية

ماذا بعد ضياع الأمان الوظيفي؟

سالم بن نجيم البادي سوف يضيع أمان المسرّح وعائلته، وستزداد أعداد المعوزين والفقراء في المجتمع. كما ستلتحق قوافل المسرّحين من العمل بأقرانهم الباحثين عن عمل. وبدلًا من حلحلة أزمة الباحثين عن عمل، سيزداد الأمر سوءًا، إذ إن جمع أعداد الباحثين عن عمل مع أعداد المسرّحين سيؤدي إلى رقم مهول ينذر بأزمة وطنية تتطلب تدخلًا سريعًا، فهي تتصاعد عامًا بعد عام، ومع كل حالة تسريح جديدة. لسان حال المسرّحين من العمل يقول: إلى متى؟ إلى متى نظل ندور في حلقة مفرغة، وجدال عقيم، وأقوال لا تتبعها أفعال؟ إلى متى تبقى الأفكار الإبداعية حبيسة الأدراج ولا تجد من ينفّذها على أرض الواقع؟ لقد سئموا من "محلك سر"، فلا جديد تحت الشمس، وقضيتهم بلا حل جذري.. ومسلسل التسريح الدراماتيكي الطويل مستمر، وحلقاته لا نهاية لها. إن الأمر جدّ خطير ولا يحتمل التأجيل.. افعلوا شيئًا من أجل المسرّحين عن العمل، ومن أجل وحدة وأمن واستقرار المجتمع، قبل أن يحدث ما لا تُحمد عقباه -لا قدّر الله. إن قرار إلغاء منفعة الأمان الوظيفي عن المسرّحين ستكون له عواقب وخيمة على المسرّح وأسرته والمجتمع.. المسرّحون من العمل كُثر، وينتشرون في جميع مناطق الوطن، ويعيلون أسرًا بأكملها. فمن يضمن ألا يتحوّل بعضهم إلى سلوكيات خارجة عن القانون؟ ومن يضمن ألا يصبحوا عبئًا على المجتمع، وصيدًا سهلًا لشياطين الإنس والجن؟ الغلاء فاحش، ومتطلبات الحياة كثيرة، والجوع كافر، والحاجة "تسوّد الوجه" كما يُقال، والشيطان شاطر.. ومن لا يستطيع توفير لقمة العيش له ولمن يعول، قد يفعل كل ما في وسعه، بطرق مشروعة أو غير مشروعة. إن المسرّحين عن العمل معرّضون للإصابة بالاكتئاب، واليأس، والانطواء، والشعور بالنقص، وقلة الحيلة، والزهد في الحياة، وفقدان الشغف، والرغبة في الهروب من واقع مرّ، ومن مطالب الأطفال والأسرة التي لا تنتهي، والتي يعجز تمامًا عن تلبيتها. هذه صرخة مدوية يطلقها المسرّحون عن العمل، صرخة ألم وخوف من مصير مجهول.. لا توقفوا صرف منفعة الأمان الوظيفي، من أجل المسرّح، ومن أجل صون كرامته.. لا تجعلوه يصل إلى مراحل التوسل، والتردد على مقارّ الفرق الخيرية، وأهل الإحسان، ولجان الزكاة. لا تدفعوه إلى بثّ مقاطع استجداء في وسائل التواصل الاجتماعي، أو إلى الوقوف في ساحات المحاكم بسبب تراكم الديون عليه وعجزه عن سدادها، ثم يُساق إلى السجن. هل وصلت الصرخة؟.. اللهم إني بلّغت، اللهم فاشهد.

الإبراهيمية بين الدين والسياسة
الإبراهيمية بين الدين والسياسة

جريدة الرؤية

timeمنذ ساعة واحدة

  • جريدة الرؤية

الإبراهيمية بين الدين والسياسة

السفير د. عبدالله الأشعل عام 2021، تمكنت واشنطن من اختراق العالم العربي لصالح إسرائيل، وقد بنت على الموجة الأولى من الاختراق في أواخر السبعينيات وأوائل التسعينيات. كانت الموجة الأولى تشمل مصر 1979، وهي الجائزة الكبرى، وإعلان أوسلو 1993، ووادي عربة مع الأردن 1994. وأهمية إعلان أوسلو في هذا السياق أنه من كبريات محطات المشروع الصهيوني، هذه المرة مع الفلسطينيين. وفي عام 2021، أبرمت إسرائيل مع أربع دول عربية ما سُمِّي بالمعاهدات الإبراهيمية، وهذه الدول هي: المغرب، والسودان، والبحرين، والإمارات. وهذه أول مرة نسمع عن "الإبراهيمية". وإذا كانت الموجة الأولى من معاهدات السلام كان مضمونها استسلام الدول العربية لمطالب إسرائيل، مقابل انسحاب إسرائيل من أراضيها التي احتلتها عام 1967 -رغم أن الانسحاب نتيجة حتمية للعدوان الإسرائيلي في القانون الدولي، كما فصّلت ديباجة قرار مجلس الأمن 242 عام 1967- فقد فرضت إسرائيل نظريتها على المجتمع الدولي، وهي: الأرض العربية مقابل السلام الإسرائيلي، علمًا بأن السلام معنى لم يتفق عليه العرب وإسرائيل. ولذلك أسميتها "معاهدات الاستسلام للشروط الإسرائيلية" أو "معاهدات السلام الإسرائيلي". وقد فُهم أن إطلاق صفة "معاهدات السلام الإبراهيمية" إنما هو حتى نعتقد بأن التسليم لإسرائيل وسلامها امتثال لواجب ديني منسوب إلى دين إبراهيم. وقد تبيَّن فيما بعد أن نسبة المعاهدات لإبراهيم لم تكن عبثًا، وإنما لكي تبشِّر أمريكا وإسرائيل بدين جديد. وسرعان ما تحولت صفة "الإبراهيمية" إلى "الدين الإبراهيمي" باعتبار أن إبراهيم أبو الأنبياء. وتلقفت دول عربية الخيط، فأعلنت أن الإبراهيمية دين جامع لكل الأديان المقدسة، كما قال بيان الأزهر الذي تبرّأ من الفكرة. موقف الأزهر من الإبراهيمية: الأزهر حارس لوعي المسلمين الديني، ولذلك تعاديه إسرائيل وأمريكا. وقد أصدر الأزهر بيانًا رفض فيه "الدين الإبراهيمي" على الأسس الآتية: إن الدين الجديد فتنة ظاهرة توحِّد أصحاب الديانات السماوية الثلاثة، وهدفه تمييع الفوارق بين هذه الأديان، حسب بيان الأزهر. إن الدين الجديد يُغفل أن رسل الله نزلت بهذه الأديان. إن الهدف طمس التدرج، وآخرها الإسلام. وأرى موقف الأزهر صحيحًا، لولا أنه أغفل حقيقة قرآنية، وهي أنه لا توجد "أديان". وقد كشفت دراساتنا للقرآن الكريم الحقائق الآتية: أولاً : إن القرآن الكريم هو كلمة الله النهائية التي لم تُحرّف، وقد تعهّد الله بحفظه إلى يوم الدين، لقوله تعالى: " إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون " ، ولذلك ذُكرت في آيات قليلة هذه الكتب المقدسة حسب تاريخ النزول: التوراة، والإنجيل، والقرآن. وأخبرنا القرآن أن الكتب المقدسة الأخرى الأصلية وجّهت الرسل إلى الإيمان بالرسول التالي وكتابه. وكلها قامت على التوحيد، وأن هذه الكتب قد حُرّفت بأيدي رجال الدين في اليهودية والنصرانية. ثانيًا : إن الإسلام هو الدين الجامع منذ آدم حتى محمد رسولنا الكريم، وأنه لا توجد أديان أخرى، وإنما شرائع، وكلها تشكّل جوهر الإسلام وأصل التوحيد. وأن جميع الرسل والأنبياء كانوا مسلمين، بدليل قرآني في آيتين: " اليوم أكملت لكم دينكم ورضيت لكم الإسلام دينًا " ، وقوله تعالى: " ومن يبتغ غير الإسلام دينًا فلن يُقبل منه" . فالإسلام بدأ بآدم وانتهى بمحمد، والقرآن هو معجزته. وقد تفرّد رسولنا الكريم -جماع الفضائل- بمركز خاص في القرآن، فهو آخر الأنبياء والرسل، وهو الذي مدحه ربه فقال: " وإنك لعلى خلق عظيم " . ثم إن التشريعات الوضعية لا بد أن تستند إلى القرآن والسنة المطهّرة، وأن رسالته لجميع الأمم إلى قيام الساعة، لقوله تعالى: " وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين ". والرسول كان يفخر بقول القرآن على لسانه: " أدبني ربي فأحسن تأديبي ". والأمة المحمدية أمة وسط، شاهدة على الأمم السابقة، وفي القرآن: " فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيدًا " ، و"كنتم خير أمة أخرجت للناس"، وقد كلفها الله سبحانه بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. ثالثًا : أشار القرآن إلى قصة إبراهيم، وأنه كان أمةً قانتًا لله، وأنه عرف الله بالعقل، وأنه رفض عبادة الأصنام. وأكد القرآن أن إبراهيم لم يكن مشركًا أو نصرانيًّا أو يهوديًا، وإنما كان حنيفًا مسلمًا، وهو الذي سمّى أمة محمد "المسلمين" قبل أن تظهر. فالإسلام بدأ بآدم، وسُمّي إبراهيم بأبي الأنبياء لأن أولاده: يعقوب، وإسماعيل، وإسحاق. وتتطابق الكتب المقدسة الأصلية في الفضائل، ولكن القرآن الكريم حجة رسولنا الكريم. رابعًا : إن ابتداع دين لإبراهيم ضلال بعيد، وهدفه سياسي، وهو الاستسلام للسماحة في قصة إبراهيم مع الصهاينة خدمةً لإسرائيل، فكان التسليم لها واجبًا دينيًا. ثم إنه بدعة، وكل بدعة ضلالة. ولولا النية المبيّتة للصهيونية الأمريكية والإسرائيلية في ضرب كل مقدّس دينيًا، لقلنا إنه اجتهاد يُقبل النقاش. خامسًا : إن الفكرة تنطلي على ذوي القلوب المريضة والجهلة، وما أكثرهم. ولكي لا تكون فتنة، يجب رفض الفكرة الاستعمارية، والالتزام بصحيح الدين.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

هل أنت مستعد للنغماس في عالم من الحتوى العالي حمل تطبيق دايلي8 اليوم من متجر ذو النكهة الحلية؟ ّ التطبيقات الفضل لديك وابدأ الستكشاف.
app-storeplay-store