
ربِحَ البيعُ أبا يحيى !
لم تعُدْ مكة تُغري المسلمين بالبقاء فيها، حبيبهم في المدينة، وما يفعل المرءُ وحيداً دون محبوبه! بدأوا يخرجون واحداً تلو الآخر على غفلةٍ من قُريش، وها هو صهيبٌ يخرجُ قاصداً المدينة، غير أنَّ قُريشاً قد أحسَّتْ بخروجه فأرسلتْ في إثره نفراً يُعيدونه، فوقف قبالتهم وأخرجَ سهامه من كنانته، وقال لهم: يا معشر قُريش تعلمون أني أرماكم، واللهِ لا تصلون إليَّ حتى أرميكم بكل سهم معي، ثم أضربكم بسيفي ما بقيَ بيدي منه شيء!
فقالوا له: أتيتَنا صعلوكاً فكثُر مالك عندنا، ثم تُريدُ أن تخرجَ بنفسك ومالك، واللهِ لا يكون ذلك!
فقال: أرأيتم إن تركتُ لكم مالي هل تخلُّون سبيلي؟
قالوا: نعم
فدلَّهم على الموضع الذي خبَّأ فيه ماله بمكَّة، فتركوه يمضي في سبيله!
وكان النبيُّ صلى الله عليه وسلم في بثٍّ مُباشرٍ مع الحدث، جبريلُ ينقلُ إليه الواقعة، وينزلُ عليه بقول الله تعالى: «ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضاة الله والله رؤوف بالعباد»!
ولما وصل صهيبٌ إلى المدينة، تلقَّاه النبيُّ صلى الله عليه وسلم بوجهٍ باسمٍ كأنه فلقة قمر، وقال له: ربح البيع أبا يحيى، ربحَ البيعُ أبا يحيى!
ربحَ البيعُ لأنه التَركُ لله!
كل معصيةٍ تزينتْ لكَ، ولا يحول بينك وبينها إلا أنكَ ستتركها للهِ فاستشعر معها ربِحَ البيعُ، يُصبحُ التَّركُ وقتها لذةً أجمل من لذة الأخذ!
كل انتقام كان بإمكانك أن تنتقمه ولا يحول بينك وبينه إلا أنك ستتركه لله، استشعر معه ربحَ البيعُ، يُصبحُ العفو لذةً أجمل من لذة الانتقام!
كل مديون عجزَ أن يُسدد لكَ ما تبقى لكَ عنده، فآثرتَ أن تُسامح وتتصدَّق وتستر، بدل أن تفضحَ وتشكو، استشعرْ عندها ربِحَ البيعُ، ستُصبح لذة الصَّدقة أجمل من لذة استرداد المال!
كل مالٍ وضعته في يد فقير، وأنت تعلمُ أنك تضعه في يدِ الله أولاً، استشعرْ معه ربِحَ البيعُ، ستفوق لذة العطاء لذة الأخذ!
كل موقفٍ امتلأتَ فيه غضباً على زوجةٍ أو ولد، ثم استعذتَ باللهِ، وكتمتَ غيظكَ لوجه الله، استشعر معه ربِحَ البيع، ستصبح لذة العفو نصراً أجمل ألف مرةٍ من لذة أن تأخذ حقك بيدك!.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


العرب القطرية
منذ 3 ساعات
- العرب القطرية
«الأوقاف» تصدر العدد 15 من سلسلة الأبحاث والرسائل العلمية
الدوحة- قنا أصدرت إدارة البحوث والدراسات الإسلامية بوزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية الإصدار الخامس عشر من سلسلة «الأبحاث والرسائل العلمية» المخصصة للباحثين القطريين، في مجلدين يقاربان ألف صفحة، أعدته الباحثة القطرية حصة بنت أحمد الكواري بعنوان «ما صح من أخبار في سيرة النبي المختار صلى الله عليه وسلم». وأوضحت وزارة الأوقاف في بيان أمس أن هذا العمل يعد إضافة علمية جديدة ضمن إصدارات الإدارة، ويعكس اهتمام الوزارة بالسيرة النبوية الشريفة وموضوعاتها، وحرصها على التحقق من صحة الأخبار الواردة فيها، بما يعزز أثرها في المجتمع، ويوثق جهود الباحثين القطريين في خدمة العلوم الشرعية. وأشار الشيخ الدكتور أحمد بن محمد بن غانم آل ثاني، مدير إدارة البحوث والدراسات الإسلامية، إلى أن الإصدار يأتي ضمن السلسلة المخصصة لدعم الباحثين القطريين، في إطار دور الوزارة البارز في طباعة الأبحاث الشرعية ونشرها، امتدادًا لإسهام دولة قطر التاريخي في خدمة العلم الشرعي وصناعة العلماء والباحثين. وأضاف أن الإصدار يمثل محاولة متميزة لعرض السيرة النبوية عبر التثبت من أسانيدها وانتقاء ما صح منها، لما للسيرة من أهمية بالغة في فهم الإسلام وتاريخ التشريع، وتطبيقه على واقع المجتمع الإسلامي الأول، بوصفها النموذج الأكمل للاقتداء والتربية، مشددًا على أن السيرة النبوية «ليست مجرد قصة تُروى، بل هي منهج حياة يربي المسلم نفسه وأبناءه ومجتمعه عليه». من جانبها، بينت الباحثة حصة بنت أحمد الكواري أن دراسة السيرة النبوية عبادة وقربة إلى الله، ووسيلة لزيادة الإيمان ونيل المحبة والمغفرة، ومعين على فهم الكتاب والسنة والتعرف على الصحابة الكرام وأثر تطبيق الدين في حياتهم، إضافة إلى كونها دليلًا لمعرفة الحق من الباطل وصحة الأعمال من فسادها. واعتمدت الكواري في عملها على منهج أكاديمي يسرد الوقائع وفق ترتيبها الزمني قدر المستطاع، مع بيان الفوائد والعبر، والتنبيه على القصص غير الثابتة، وشرح الألفاظ الغريبة، وإيراد مقتطفات شعرية في بعض الفصول، فضلًا عن تزويد الكتاب بفهارس علمية تسهل على الباحثين والقراء الاطلاع والاستفادة.


العرب القطرية
منذ 3 ساعات
- العرب القطرية
«الأوقاف» تدعم القيم الإسلامية بين الجاليات بلغتهم الأصلية
الدوحة- قنا نظم مركز الشيخ عبد الله بن زيد آل محمود الثقافي الإسلامي بوزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية سلسلة محاضرات دعوية للجاليات المسلمة الناطقة بغير اللغة العربية، وذلك في إطار برامجه المنتظمة لنشر الوعي الديني وتعزيز القيم الإسلامية بين مختلف الجاليات في الدولة، وشهدت الفعاليات مشاركة واسعة وتفاعلا لافتا. وأقيمت بمسجد الشيخ حمد بن جاسم بن جبر آل ثاني بمنطقة اللؤلؤة، محاضرة باللغة الإنجليزية حضرها أكثر من 80 شخصا من أبناء الجالية، وتناول الداعية خلالها موضوع «حسن الظن بالله»، مؤكدا أن هذا الخلق من أعظم أبواب الرجاء، إذ يدفع المسلم إلى العمل الصالح طمعا في رحمة الله، دون أن يغتر أو يتواكل، بل يجمع بين الرجاء والعمل والاعتماد على عفو الله. وفي قاعة المحاضرات بمقر المركز، أقيمت محاضرتان، الأولى للجالية الإثيوبية الناطقة بالأمهرية، قدمها الداعية وهيب كورتو بعنوان: «محبة النبي صلى الله عليه وسلم»، حيث أكد فيها على أن حب النبي واجب شرعي وقلبي، يتجلى في اتباع سنته والاقتداء بأخلاقه، وأنه عليه الصلاة والسلام بذل الغالي والنفيس لهداية البشرية، لافتا إلى أن محبتنا له تكون باتباعه في السلوك والقول والعمل. أما المحاضرة الثانية، فقد كانت موجهة للجالية الناطقة بالأوردو، وجاءت بعنوان: «العلاقة مع الله أساس السعادة»، وحضرها نحو 150 شخصا من أبناء الجالية، وقدمها الداعية عبدالغفور العمري، حيث تناول خلالها أهمية العبادة الصادقة، والذكر، والتقرب إلى الله كطريق لتحقيق الطمأنينة النفسية والاستقرار الروحي، مشيرا إلى أن الإنسان لا يبلغ السعادة الحقيقية إلا بقوة الصلة بخالقه، وأن تحقيق الغاية من الوجود هو مفتاح الاطمئنان. وقد أكد القائمون على المركز استمرار هذه اللقاءات ضمن خطة دعوية تشمل مساجد ومراكز مختلفة، بهدف الوصول إلى أكبر شريحة ممكنة من الجاليات، وربطهم بالقيم الإسلامية الأصيلة وتعاليم القرآن الكريم والسنة النبوية، بأساليب مبسطة تراعي التنوع الثقافي واللغوي. ويأتي تنظيم هذه المحاضرات في إطار حرص المركز على خدمة الجاليات المسلمة بلغاتهم الأصلية، وتوفير منابر دعوية وتربوية تصل إليهم بيسر، وتلبي احتياجاتهم الدينية والثقافية، كما يعكس هذا التوجه اهتمام وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بنشر قيم الإسلام وتعزيز التواصل مع مختلف فئات المجتمع.


العرب القطرية
منذ 13 ساعات
- العرب القطرية
سليمان عليه السلام ... التمكين المؤيَّد بالوحي والعلم والحكمة
-A A A+ سليمان عليه السلام ... التمكين المؤيَّد بالوحي والعلم والحكمة تسلم سليمان عليه السلام قيادة الدولة القوية التي أسست على الإيمان والتوحيد وتقوى الله تعالى، لقد أوتي سليمان عليه السلام الملك الواسع والسلطان العظيم، بحيث لم يؤت أحد مثلما أوتي، ولكنه أعطى قبل ذلك عطاء أعظم وأكرم، هيأه لأن يكون شخصية فريدة متميزة في التاريخ، لقد أعطي النبوة، ومُنح العلم وأوتي الحكمة، وذلك مثلما أعطي أبوه من قبل، قال تعالى: (وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُدَ وَسُلَيْمَانَ عِلْمًا وَقَالاَ الْحَمْدُ للهِ الَّذِي فَضَّلَنَا عَلَى كَثِيرٍ مِّنْ عِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُدَ وَقَالَ يَا أَيُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنَا مَنطِقَ الطَّيْرِ وَأُوتِينَا مِن كُلِّ شَيْءٍ إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْفَضْلُ الْمُبِينُ) [النمل: 16،15]. إن سليمان عليه السلام لم يرث عن أبيه مالاً أو دارًا أو عقارًا، وإنما ورث عنه العلم والحكمة وورث النبوة والحكم، وأعطاه الله تعالى نعمًا وهبات خاصة به لم يعطها أحدًا بعده فقد سأل الله عزَّ وجل أن يخصه بعطاء لا يصل إليه أحد، وقال: (رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكًا لاَّ يَنبَغِي لأحَدٍ مِّن بَعْدِي إِنَّكَ أَنتَ الْوَهَّابُ) [ص:35]، يعني: أعطني ملكًا لا يكون لأحد من البشر من بعدي مثله . وإننا ونحن نمضي مع ما يحكيه القرآن عن سليمان عليه السلام، فإننا نعيش مع أنصع الصفحات المشرقة من عصور بني إسرائيل الذهبية أيام كانوا على الدين الصحيح. يحدثنا القرآن أنه عليه السلام أقام مملكته على أسس من الإيمان بالله والإسلام له، ولهذا اعتبر سليمان مُلكه مفخرة عن ملك بلقيس ليس لامتداده وسعته وتفوقه فحسب، ولكن لأن ملك سليمان قام على العلم وأسس على الإيمان فقال: (وَأُوتِينَا الْعِلْمَ مِن قَبْلِهَا وَكُنَّا مُسْلِمِينَ وَصَدَّهَا مَا كَانَت تَّعْبُدُ مِن دُونِ اللهِ إِنَّهَا كَانَتْ مِن قَوْمٍ كَافِرِينَ) [النمل: 43،42]. وإننا لنلمح من خلال القرآن أن دولة سليمان عليه السلام كانت مفعمة بالحيوية، مائجة بالحركة، وكان عليه السلام قائمًا بواجب العبودية إلى جانب القيام بمهام الملك ومسؤوليات الحكام وإعمار الدنيا بطاعة الله، حتى دانت له الأرض جميعًا، وجاء على المعمورة وقت لم يكن فيها لسليمان ندٌّ منازع في الحكم والملك ولا شبيه مماثل في العلم والحكمة. لقد تحدثت الآيات الكريمة عن صفات وأحوال سليمان الحكيم، فهي صفات وأحوال تحكي مواقف حاكم مسؤول عن إدارة شؤون الأرض، لما عليها من مخلوقات، فهل كانت هذه المسؤوليات الهائلة التي تكاد تتصور في عصرنا، هل كانت عقبة أمام سليمان في سلوك المنهاج القيم للحكم، والطريق الناجح في الإدارة ؟ بالقطع لا. بل كان عليه السلام يدير هذه المملكة الشاسعة أحسن ما يدير الفرد شؤونه مع أسرته في بيته الصغير. ومن خلال هذا السياق القرآني لسيرة سيدنا سليمان عليه السلام نستخلص دروسًا وعبرًا في كيفية المحافظة على دولة الإيمان، وما وظائفها في الحياة، وما هي وسائل قوتها. إن قصة سليمان عليه السلام وردت في القرآن الكريم في ثلاثة مواضع، في سورة النمل وص وسبأ، وكانت الآيات الكريمة في سورة النمل تتحدث عن حلقة من حلقات حياة سليمان عليه السلام؛ حلقة قصته مع الهدهد وملكة سبأ، يمهد لها السياق القرآني بما يعلنه سليمان على الناس من تعليم الله له منطق الطير، وإعطائه من كل شيء، وشكره لله على فضله المبين.