logo
ماذا فعلت 3 سنوات من الحرب في اقتصاد روسيا؟

ماذا فعلت 3 سنوات من الحرب في اقتصاد روسيا؟

وسط هذه التحولات، برز قطاع الدفاع كمحرك أساسي للنمو، حيث أدى الإنفاق العسكري المتزايد إلى تعزيز الطلب الداخلي، مما خلق فرص عمل واسعة، ولو بشكل مؤقت.
ومع ذلك، تظل التحديات الاقتصادية تلوح في الأفق، بدءاً من التضخم المتصاعد وضعف العملة ، وصولاً إلى أزمة العمالة وتقلص الموارد.. وبينما تستمر موسكو في التكيف مع المشهد الاقتصادي العالمي المتغير، يبقى السؤال مطروحاً: هل ستتمكن روسيا من مواصلة هذا النهج في ظل الضغوط المتزايدة، أم أن اقتصادها يقف الآن أمام نقطة تحول كبرى؟
موسكو تنجو من الفخ!
يشير تقرير لصحيفة "الغارديان" البريطانية إلى أن:
المقاييس القياسية للنمو الاقتصادي تصب في صالح موسكو.
الناتج المحلي الإجمالي لروسيا انكمش في بداية الحرب، لكنه تعافى منذ ذلك الحين ليسجل 3.6 بالمئة في كل من العامين الماضيين، وفقاً لصندوق النقد الدولي.
انخفض الناتج المحلي الإجمالي لأوكرانيا بنسبة 36 بالمئة بحلول صيف عام 2022 قبل أن ينهي العام منخفضاً بنسبة 28.3 بالمئة قبل أن يرتفع إلى 5.3 بالمئة في عام 2023 و 3 بالمئة في عام 2024.
على الرغم من العقوبات واسعة النطاق، استمرت المصانع الروسية في توفير المكونات والمواد الخام اللازمة لتشغيل آلة الحرب.
كما سمح تدفق الأموال من البيع غير المشروع للنفط (عبر أسطول الظل)، وبدرجة أقل الغاز الطبيعي والنيكل والبلاتين، بتوسيع جهاز الدولة الذي بدا قبل 18 شهراً على وشك الانهيار.
تغير العلاقات التجارية
في هذا السياق، يشير تقرير لـ "دويتشه فيله"، إلى أنه على مدى السنوات الثلاث التي مرت منذ "بدء الحرب في أوكرانيا" لم يتغير شيء على المستوى الاقتصادي بالنسبة لموسكو بقدر ما تغيرت علاقاتها التجارية مع بقية العالم.
في العام 2021، ذهب ما يقرب من 50 بالمئة من صادرات روسيا إلى الدول الأوروبية، بما في ذلك بيلاروسيا وأوكرانيا، وفقاً لبيانات(OECD) ، وكان الجزء الأكبر من هذه الصادرات عبارة عن منتجات طاقة، في المقام الأول النفط الخام والغاز .
بحلول نهاية العام 2023، أي بعد أقل من عامين من بدء "الحرب"تغيرت الصورة تماماً.
تُظهِر الأرقام التي نشرتها منظمة التعاون الاقتصادي أخيراً للعام 2023 عن أن الصين والهند في المقدمة باعتبارهما السوقين الرئيسيتين لصادرات روسيا، حيث تمثلان 32.7 و16.8 بالمئة على التوالي، وبما يشكلان معاً نصف الإجمالي تقريباً (بينما في العام 2021، شكلت الصين 14.6 بالمئة من الصادرات الروسية، والهند 1.56 بالمئة فقط).
بينما استحوذت الدولتان على حصة سوق التصدير التي كانت تحتلها الدول الأوروبية في السابق، تظهر أرقام العام 2023 أن الدول الأوروبية تمثل ما يقرب من 15 بالمئة من الصادرات الروسية، وهو انخفاض كبير مقارنة بنحو 50 بالمئة قبل عامين.
وفي حين لم تنشر منظمة التعاون الاقتصادي بعد أرقامها للعام 2024، فإن البيانات من مصادر أخرى، مثل متتبع التجارة الخارجية الروسية الذي نشره مركز بروغل للأبحاث الاقتصادية في بروكسل، تشير إلى أن وجهات التصدير تظل متماشية إلى حد كبير مع أرقام عام 2023.
وتعتمد البيانات التجارية المتاحة على الإحصاءات الرسمية فقط، وهذا يعني أن النفط الذي ينقله "أسطول الظل" الروسي لا يتم تضمينه في الإحصاءات. وإذا كان من الممكن تضمين تلك السفن القديمة التي تبحر بدون التأمين الغربي القياسي للصناعة، فمن المرجح أن يظهر ذلك أن الصين والهند تستوردان المزيد من روسيا.
ووفقاً لمدرسة كييف للاقتصاد، فإن ما لا يقل عن 70 بالمئة من إجمالي صادرات روسيا من النفط الخام المنقولة بحراً تتم عبر أسطول الظل، حيث تمثل الهند والصين وتركيا ما يصل إلى 95 بالمئة من المشتريات.
ويمكن إرجاع الصورة المتغيرة لصادرات روسيا منذ العام 2022 إلى عاملين، هما: تحول الاتحاد الأوروبي بشكل كبير بعيدًا عن شراء النفط والغاز الروسيين، واستبدالهما الصين والهند كمشترين رئيسيين.
وانخفضت واردات الاتحاد الأوروبي من النفط الخام الروسي بنسبة 90 بالمئة منذ بدء الحرب بينما قلصت بشكل كبير كمية الغاز الروسي الذي تستورده، من 40 بالمئة من إمداداتها في عام 2021 إلى 15 بالمئة في العام 2024.
الاعتماد على الصين
وينقل التقرير عن زولت دارفاس، وهو أحد الباحثين في مركز بروغل والذي يعمل على مشروع تعقب التجارة الروسية ، قوله:
كان هناك تحويل كبير للتجارة بعيداً عن الغرب إلى هذه البلدان.
إن الدول التي لم تفرض عقوبات على روسيا، وأبرزها الصين وأيضا تركيا وكازاخستان وبعض الدول الأخرى، زادت تجارتها مع روسيا بشكل كبير للغاية.
ويرى دارفاس أن موسكو تعتمد بشكل متزايد على الصين في توريد مختلف المكونات والسلع عالية التقنية ومنتجات التصنيع في مواجهة العقوبات الغربية، موضحاً أن "روسيا دولة كبيرة ولكنها لا تمتلك القدرة على تحقيق الاكتفاء الذاتي. لذا، يتعين عليها الحصول على هذه المنتجات من مكان آخر".
عقوبات "غير دولية"
من جانبه، يقول الاستاذ بكلية موسكو العليا للاقتصاد، رامي القليوبي، في تصريحات خاصة لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية" إن:
العقوبات الغربية المفروضة على روسيا منذ ثلاث سنوات هي عقوبات أحادية الجانب وليست دولية، مما يعني أنها غير ملزمة لأي طرف آخر، إذ لم تمر عبر مجلس الأمن، حيث كانت ستُواجه حتمًا بالفيتو الروسي أو الصيني.
هذه العقوبات، رغم تأثيرها في خسارة روسيا للسوق الأوروبية جزئياً، إلا أنها أعطت موسكو الفرصة لتعزيز علاقاتها التجارية مع دول آسيا، وعلى رأسها الصين والهند والدول العربية والإفريقية. حيث إن النفط الروسي الذي كان يُصدَّر إلى أوروبا أصبح يتجه بشكل رئيسي إلى الصين والهند، فيما تأتي تركيا في المرتبة الثالثة بين مستوردي النفط الروسي.
موسكو نجحت في إيجاد بدائل للمنتجات الأوروبية، سواء من خلال استبدال الواردات وتطوير الصناعات الوطنية، أو عبر الاستيراد من الصين، بل وحتى استمرار استيراد بعض المنتجات الغربية عبر آلية الاستيراد الموازي دون الحاجة إلى وكلاء معتمدين.
ويؤكد أن حتى الدول الأوروبية لم تتمكن من قطع علاقاتها الاقتصادية مع روسيا بشكل كامل، حيث لا تزال تشتري الغاز الطبيعي الروسي والغاز الطبيعي المسال، رغم توقف الترانزيت عبر أوكرانيا، إذ عززت روسيا إمداداتها عبر مسار تركيا، مشيراً إلى أن السنوات الأخيرة أثبتت أن قوة اقتصادية كبرى مثل روسيا لا يمكن شطبها من الخريطة الاقتصادية العالمية.
اعتمد الاقتصاد الروسي بشكل متزايد على قطاع الدفاع. فيما يشير تقرير لـ "المعهد الألماني للشؤون الدولية والأمنية"، اطلع موقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية" عليه، إلى أن "الاقتصاد الروسي عند نقطة تحول"، مشيراً إلى أن:
الإنفاق العسكري الضخم أدى إلى ارتفاع حاد في الطلب الكلي، حيث قُدر الأثر المالي للفترة 2022-2024 بنحو 10 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي السنوي لروسيا، ما دفع الاقتصاد للنمو بنسبة 3.6 بالمئة في 2023، مدفوعًا بخلق مليوني وظيفة، أغلبها في قطاع الدفاع.
غير أن هذا النمو بلغ حدوده، مع انخفاض البطالة لمستوى تاريخي عند 2.3 بالمئة، وظهور أزمة حادة في سوق العمل، تفاقمت بسبب تقلص الفئة العمرية 20-65 عاماً بمعدل مليون شخص سنوياً، إلى جانب تراجع الهجرة العمالية لأدنى مستوى في عقد.
ورغم ارتفاع الأجور بنسبة 19 بالمئة في 2024، خاصة في المجمع الصناعي العسكري، قفز التضخم الأساسي مدفوعاً بضعف الروبل وتكاليف الاستيراد المرتفعة بسبب العقوبات الغربية.
لمواجهة التضخم، رفع البنك المركزي الروسي أسعار الفائدة تدريجياً (..) ورغم ذلك، لم يتراجع التضخم، مما أثار مخاوف من الركود التضخمي.
مع تباطؤ الاقتصاد، من المتوقع أن يتلاشى نمو الأجور، لكن نقص العمالة سيحول دون ارتفاع البطالة بشكل كبير. ومع ذلك، قد تتزايد حالات الإفلاس، خاصة بين الأسر المثقلة بالديون.
الميزانية العامة ستواجه ضغوطًا مع تراجع الإيرادات الضريبية، ومع خفض البنك المركزي توقعاته للنمو في 2025 ، مما قد يدفع وزارة المالية لخفض الإنفاق غير العسكري وتأجيل الاستثمارات.
تحديات
ورغم هذه التحديات، فإن قدرة روسيا على مواصلة الحرب في أوكرانيا تعتمد على نجاح جهود التجنيد وكفاءة المجمع الصناعي العسكري، خاصة في ظل تناقص مخزون المعدات السوفيتية، مما قد يفرض ضغوطًا إضافية على الإنتاج العسكري بحلول 2025، بحسب التقرير.
ويشير التقرير أيضاً إلى أن مسار الاقتصاد الروسي يرتبط إلى حد كبير بأسعار النفط في 2025، حيث سيؤدي أي انخفاض في عائدات التصدير إلى تفاقم الأزمة، وسط تجميد الاحتياطيات الروسية بفعل العقوبات الغربية، ما يعني أن انهيار الروبل والتضخم والركود سيكون حتمياً.
كما يظل الاقتصاد أكثر عرضة لمزيد من العقوبات، خاصة إذا تم تشديد القيود على صادرات النفط والغاز والأسمدة، إلى جانب تكثيف الضغط على الدول والشركات التي تزوّد موسكو بتكنولوجيا غربية عبر أطراف ثالثة، مثل الصين.
يقول الاستاذ المساعد في معهد العلاقات الدولية والتاريخ العالمي بجامعة لوباتشيفسكي الحكومية الروسية، الدكتور عمرو الديب، في تصريحات خاصة لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية" إن:
الاقتصاد الروسي لم ينج من تأثير العقوبات الغربية، بل على العكس، فإنه عانى ويعاني بشكل متزايد.
استمرار هذه العقوبات (الغربية) سيؤدي إلى مزيد من التدهور.
صمود الاقتصاد الروسي حتى الآن يعود إلى حصة روسيا الكبيرة في سوق الطاقة العالمية، سواء في مجال الغاز الطبيعي والغاز المسال أو النفط.
المرحلة المقبلة من العقوبات الغربية ستستهدف بشكل أكبر الأساطيل الروسية الناقلة للنفط، لا سيما إلى لأسواق الهندية والصينية، وهو ما يشكل عاملاً أساسياً في بقاء الاقتصاد الروسي صامداً.
أي اضطراب في أسعار الطاقة العالمية، سواء في النفط أو الغاز، سيؤدي إلى إظهار علامات ضعف كبيرة وسريعة في الاقتصاد الروسي.
ويؤكد الديب أن العقوبات الغربية المفروضة على روسيا هي عقوبات غير مسبوقة تاريخياً، إذ لم يسبق أن فُرضت عقوبات بهذا الحجم على أي دولة. كما يشدد على أن استمرار هذه العقوبات سيؤدي إلى ضعف اقتصادي كبير، خاصة مع توجيه جزء كبير من الناتج المحلي الروسي إلى تمويل الآلة العسكرية والميزانية الدفاعية، مما يزيد من الضغط على الاقتصاد..
ويشير إلى أن التباطؤ الاقتصادي والمشاكل الاقتصادية الروسية قد يتفاقم بشكل مفاجئ ومتتابع إذا لم يكن هناك تأثير على أسعار الطاقة العالمية، معتبرًا أن هذه هي النقطة الأكثر حساسية التي قد تؤثر بشكل حاسم على الاقتصاد الروسي.
ويلفت إلى أن عودة دونالد ترامب إلى البيت الأبيض مجدداً قد تسهم في إبطاء وتيرة هذه الضغوط الاقتصادية على روسيا، لكنه يؤكد أن الاقتصاد الروسي يعاني بالفعل، مشددًا على أن إنكار هذه المعاناة لا يعكس الواقع، إذ أن العقوبات وحجمها الكبير تؤثر بوضوح على الاقتصاد الروسي.

Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

الادعاء العام الألماني: تفكيك منظمة إرهابية متطرفة
الادعاء العام الألماني: تفكيك منظمة إرهابية متطرفة

البوابة

timeمنذ 2 أيام

  • البوابة

الادعاء العام الألماني: تفكيك منظمة إرهابية متطرفة

أعلن الادعاء العام الألماني، اليوم الأربعاء، تفكيك خلية من المتطرفين بالبلاد، واعتقال خمسة شبان يُشتبه في ضلوعهم في تنفيذ وتخطيط هجمات ضد طالبي اللجوء، من بين آخرين. وقال مكتب المدعي العام - في بيان - إن المشتبه بهم، وهم قاصرون وقت وقوع الأحداث، ينتمون إلى "منظمة إرهابية يمينية متطرفة" تهدف إلى " التسبب في انهيار النظام الديمقراطي (...) من خلال أعمال عنف تستهدف في المقام الأول المهاجرين والمعارضين السياسيين" كما أوردت إذاعة "دويتشه فيله" الألمانية. وتأسست هذه المجموعة الصغيرة "في موعد أقصاه منتصف أبريل 2024"، ويُشتبه في تنفيذها هجومين على الأقل في شرق ألمانيا خلال الأشهر الأخيرة، في أكتوبر، أشعلوا النار في مركز ثقافي كان يقيم فيه عدة أشخاص. في يناير، حاول أعضاء الخلية إطلاق النار داخل مأوى لطالبي اللجوء، وكتبوا شعاراتٍ مثل "Ausländer raus" ("الأجانب خارجًا") و"Deutschland den Deutschen" ("ألمانيا للألمان") حسبما أفادت صحيفة "لوموند" الفرنسية. وأضاف مكتب المدعي العام أن الخلية تعتبر نفسها "الدفاع الأخير عن 'الأمة الألمانية'"، وأنها خططت لشن هجماتٍ بالقنابل قد تكون قاتلة ضد ملاجئ طالبي اللجوء والمؤسسات السياسية اليسارية. ويواجه الائتلاف الحكومي الجديد، بقيادة المستشار المحافظ فريدريش ميرز (حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي)، الذي تولى منصبه الأسبوع الماضي، تصاعدًا في الأيديولوجيات اليمينية المتطرفة. ووفقًا للأرقام الصادرة عن وزارة الداخلية يوم الثلاثاء، ارتفع عدد الجرائم المرتبطة بأيديولوجية اليمين المتطرف بنسبة 48% في ألمانيا العام الماضي. ووفقًا للإحصاءات نفسها، فإن ما يقرب من نصف الجرائم ذات الدوافع السياسية كانت مرتبطة باليمين المتطرف. وأصبح حزب البديل لألمانيا اليميني المتطرف الآن القوة المعارضة الرائدة في مجلس النواب، بعد تحقيقه نتيجة تاريخية في الانتخابات البرلمانية التي جرت في فبراير.

المرونة الوطنية الاستشرافية
المرونة الوطنية الاستشرافية

الاتحاد

timeمنذ 4 أيام

  • الاتحاد

المرونة الوطنية الاستشرافية

المرونة الوطنية الاستشرافية في عام 2025، يجب ألّا يُقاس التقدم الوطني بجودة الحياة ومعدلات النمو، والتنمية والناتج المحلي الإجمالي، والمساهمة في إدارة المشهد الدولي، بما يخدم المصالح والأهداف الوطنية، وبعدد المصانع، أو الإنتاج النوعي، أو الاستثمارات في الداخل والخارج فقط، بل بقدرة الدول على استشراف التحديات، والقدرة على التكيف مع الصدمات، وتحويل المجهول إلى ميزة تنافسية، وهو تحديداً ما أطلق عليه المرونة الاستشرافية الوطنية. من جهة أخرى، لابد من إعادة تعريف إدارة المستقبل، وفي دراسة صادرة عن منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية OECD في أبريل 2024 وُصف المستقبل بأنه «ساحة معركة استراتيجية»، حيث إن الدول التي تفشل في الاستشراف السريع تخسر فرصها في الأمن الصحي والأمن الغذائي والمائي، والسيادة التقنية، وقيادة سلاسل القيمة، وفي تقرير«المنتدى الاقتصادي العالمي» WEF لسنة 2025 يظهر أن 87% من صنّاع القرار في القطاعين العام والخاص يعتبرون «القدرة على الاستجابة المتكيفة للتقنيات غير المتوقعة»، هي التحدي الأهم، يليها مباشرةً «التكيف المؤسسي السريع مع نماذج التشغيل الجديدة المدفوعة بالذكاء الاصطناعي». فبدلاً من نظم الولاء الفردي والشخصنة المقننة لا بد من أن تطور الدول قدرة الجمع بين النقيضين والاستشراف المنهجي، وذلك عبر بناء وحدات توقع تعتمد على الذكاء الاصطناعي، البيانات الضخمة، وتقنيات المحاكاة، لرصد السيناريوهات المحتملة بدقة مع نظم المرونة التشغيلية، وأنظمة مرنة في البنية التحتية، والطاقة، والتعليم، والأمن.. إلخ، قادرة على التكيف الفوري دون انهيار أو تعطيل الاستجابة التكيفية، وآليات اتخاذ قرار لا تعتمد على الماضي فقط، بل تتحدث بلغة الاحتمالات والبيانات الآنيّة، والتجارب المستحدثة من نماذج حوكمة رشيقة وهياكل تشريعية وتنفيذية قابلة للتحديث المستمر، من خلال مراجعة دورية للسياسات والقوانين بناءً على التغيرات العالمية. ففي بعض دول العالم المتقدم، هناك قواعد بيانات ذكاء استراتيجي تغذي الخزانة العامة، وسياسات الحكومات العامة واستراتيجياتها ومشاريعها بالتحليلات الآنية لاتجاهات العالم، وهي ممارسات مرتبطة بخريطة التهديدات والتحولات (Futures Map)، حيث تستخدم على سبيل المثال المملكة المتحدة منصة Futures Radar التي تعتمد على تقنيات التعلّم العميق لرصد أكثر من 700 مؤشر عالمي في الوقت الحقيقي، حيث يتم تحويلها إلى تنبيهات وتوصيات تنفيذية للوزارات خلال 48 ساعة. وفي بعض الصناديق السيادية المستقبلية لا يستثمر فقط في الأصول بل في اتجاهات المستقبل، ناهيك عن أنه في عام 2025 هناك أكثر من 1000 نموذج ذكاء اصطناعي متخصص يتم تطويره لصناعة القرار الحكومي حول العالم، ومثال على ذلك أن هولندا تستخدم منذ 2023 نظام الذكاء الاصطناعي «DataloopGov» لاتخاذ قرارات تخص التمويل والبنية التحتية، مما قلّص مدة التقييم من 3 أشهر إلى 9 أيام، والصين كذلك تطبق بالفعل ما يسمى بأنظمة الإنذار السياسي المبكر Political AI Foresigh، وهي التي تتنبأ بالتوترات الاجتماعية أو الاقتصادية في المقاطعات قبل وقوعها. أما في عالمنا العربي، فلا بد من التخلص من عقدة الرجل الخارق وفريق عمله الاستثنائي المحاطين بأطر تشريعية وقوانين وهياكل مؤسسية فصّلت لهم، وتمثل جدر حماية لكل الممارسات الفاسدة، وقبل تحويل المؤسسات الحكومية وشبه الحكومية إلى معامل تفكير مستقبلي، وصياغة ميزانيات مرنة موجهة للمجهول، وليس فقط وفق الأداء الماضي بل عبر أدوات تحليل المخاطر المركبة Complex Risk Forecasting، والإيمان أن دولة الغد لا تنتمي إلى الأمس، والمرونة الاستشرافية ليست مهارة إدارية بل عقيدة وطنية، والدول التي لا تقرأ إشارات المستقبل ستُكتب على حواف الجغرافيا الاقتصادية والسياسية. أما من يُتقن التوقع ويوسّع حدوده المعرفية والرقمية، فهو من سيقود في القرن الـ 21 لأننا لسنا في سباق مع الدول الأخرى فقط، بل مع التسارع نفسه، ومن لا يدير المستقبل سيديره المستقبل، وإذا ما نظر القائمون على المؤسسات العربية حولهم وفي من يديرون الجهات، خاصةً التي تعنى بتحقيق جودة الحياة، والتفوق المعرفي، والاقتصادي، والصناعي، والتقني، والاجتماعي، والثقافي، وسلامة المجتمع، ولم يجدوا ممارسات وتقنيات ونظم، ومنصات ذكاء اصطناعي أفضل بمسافات ضوئية من الممارسات والتقنيات المذكورة آنفاً، فليعلموا أنهم يحتاجون الكثير من أجل التطوير وإن لم يبدوا الأمر كذلك اليوم. *كاتب وباحث إماراتي في شؤون التعايش السلمي وحوار الثقافات.

قبل انتخابات اليابان.. الأرز يهدد مستقبل شيغيرو إيشيبا
قبل انتخابات اليابان.. الأرز يهدد مستقبل شيغيرو إيشيبا

العين الإخبارية

timeمنذ 4 أيام

  • العين الإخبارية

قبل انتخابات اليابان.. الأرز يهدد مستقبل شيغيرو إيشيبا

تمثل أسعار الأرز المرتفعة بشدة خطرا على رئيس الوزراء، شيغيرو إيشيبا، مع اقتراب الانتخابات الوطنية في اليابان. وقبل أسابيع قليلة من الانتخابات الوطنية المهمة، تواجه الحكومة اليابانية انخفاضًا قياسيًا في نسب التأييد، حيث يُعرب المستهلكون عن غضبهم من ارتفاع أسعار الأرز. وفشلت محاولات خفض سعر الأرز الذي يعد الغذاء الأساسي في اليابان مما دفع البعض إلى إطلاق دعوات لخفض ضريبة الاستهلاك (ضريبة المبيعات) لتخفيف أزمة غلاء المعيشة، وفقا لما ذكرته صحيفة "الغارديان" البريطانية. وكشفت الصحيفة، أن استطلاع جديد أجرته وكالة "كيودو" اليابانية للأنباء أظهر أن المستهلكين يُحمّلون حكومة رئيس الوزراء، شيغيرو إيشيبا، مسؤولية تزايد الضغوط على ميزانية الأسر. ووفقا للاستطلاع، بلغت نسبة تأييد حكومة إيشيبا، 27.4%، وهي أدنى نسبة منذ توليه منصبه في أكتوبر/تشرين الأول الماضي. كما أنها تمثل انخفاضا يزيد عن 5 نقاط مئوية خلال الشهر الماضي. وحتى الآن، استبعد الحزب الليبرالي الديمقراطي الحاكم، الذي ينتمي إليه إيشيبا، خفض ضريبة الاستهلاك البالغة 10%، والتي من المتوقع أن تكون محورًا رئيسيًا في انتخابات مجلس الشيوخ في يوليو/تموز المقبل. وبالفعل، يواجه إيشيبا ضغوطًا بعدما خسر الحزب الليبرالي الديمقراطي وشريكه الأصغر في الائتلاف أغلبيتهما في مجلس النواب الخريف الماضي. ووفق التقرير، ستؤدي الخسائر الكبيرة في مجلس الشيوخ إلى زيادة دعوات المعارضين داخل الحزب، لاستقالة شيغيرو إيشيبا. وأشار استطلاع "كيودو" إلى أن ما يقرب من ثلاثة أرباع المشاركين قالوا إنه ينبغي خفض الضريبة، التي تُفرض على مجموعة واسعة من السلع والخدمات، "على المواد الغذائية فقط" أو "على جميع المنتجات" أو إلغاؤها تمامًا. وقال أكثر من 87% من المشاركين، إن جهود الحكومة لضبط أسعار الأرز "غير كافية". محاولات لحل الأزمة وفي وقت سابق من العام الجاري، اتخذت حكومة إيشيبا خطوة غير مألوفة بالسحب من احتياطياتها الضخمة من الأرز. وفي مارس/أذار الماضي، بدأت الحكومة في الإفراج عن الأرز المُخزّن في محاولة لوقف ارتفاع الأسعار الذي أُرجع إلى مجموعة من العوامل، بما في ذلك ارتفاع الطلب الناجم جزئيًا عن ازدهار السياحة، واختناقات التوزيع، والاشتباه في قيام تجار الجملة والموزعين بتخزينه تحسبًا لمزيد من النقص. لكن هذه الخطوة، التي عادةً ما تُخصص للنقص الناجم عن الكوارث الطبيعية وفشل المحاصيل، لم تُحقق الأثر المرجو، حيث انخفضت أسعار الأرز المحلي بشكل طفيف فقط. وبلغ متوسط سعر الأرز في المتاجر الكبرى 4214 ينًا (29 دولارًا) لوزن 5 كيلوغرامات خلال الأسبوع المنتهي في 4 مايو/أيار، وفقًا لوزارة الزراعة التي أشارت إلى أن هذا السعر أقل بمقدار 18 ينًا من أعلى مستوى له على الإطلاق والمسجل قبل أسبوع، ولكنه لا يزال حوالي ضعف السعر في نفس الفترة من العام الماضي. وأجبرت أزمة الأرز المتفاقمة المطاعم والمستهلكين اليابانيين على اللجوء إلى الواردات الأرخص مثلما حدث في أبريل/نيسان الماضي حين استوردت اليابان أرزًا من كوريا الجنوبية لأول مرة منذ ربع قرن. aXA6IDMxLjU4LjI1LjE0NCA= جزيرة ام اند امز GB

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

مستعد لاستكشاف الأخبار والأحداث العالمية؟ حمّل التطبيق الآن من متجر التطبيقات المفضل لديك وابدأ رحلتك لاكتشاف ما يجري حولك.
app-storeplay-store